قصص

المحصل

المحصل

عمرك دخلت مكان عايشين فيه ناس ماتوا من زمان وكأنه بيتهم؟.. لو ماحصلش معاك، اقرا حكايتي الحقيقية وانت هتعيش معاهم، مش بس هتحس بيهم….
مش مهم أسمي.. مش مهم حتى أي معلومات عني، المهم في حكايتي؛ هي الحكاية نفسها.. الحكاية الحقيقية اللي عمري ما كنت اتصور في يوم من الأيام إن انا اعيشها او حتى اسمع عنها.
والحكاية يا سيدي بتبدأ من عندي شغلي في شركة الكهربا، ما انا بعد ما اتخرجت وفضلت ادور على شغل كتير، وفي النهاية مالقتش، ابويا قدر بعلاقاته ومعارفه إنه يشغلني كموظف حكومي في شركة توزيع الكهربا، وبصراحة كانت وظيفة لا تتناسب ابدًا مع طموحاتي واحلامي.. بس هعمل ايه يعني، هو انا لقيت غيرها وقولت لا!
وعشان كده وافقت وروحت قدمت ورقي والحمد لله اتقبلت، اتقبلت كموظف في الشركة، بس مش موظف على مكتب وقصاده جهاز كمبيوتر، لا.. انا اتعينت كمُحصل وصولات كهربا وقاريء عدادات، ايوه.. عارف انت الناس اللي بينزلوا يلفوا على البيوت والمحلات، عشان يقروا عداد الكهربا ويسجلوا نسب الاستهلاك، وفي نفس الوقت يحصلوا تمن الكهربا المُستخدمة من مُلاك العقارات؟.. اهي دي بقى يا سيدي كانت وظيفتي، مُحصل كهربا.
ومع بداية مسيرتي في الشغل.. اوي يعني بعد ما فهمت اساسيات الشغلانة، وقبل ما انزل للشارع بقى واتعامل مع الناس، يومها قابلت مديري اللي قعد معايا في الشركة وقال لي..
-شوف بقى.. الاستاذ عوض الله، كِبر وطلع معاش، فانت هتاخد الأماكن اللي كان هو بيلف عليها، يعني زي الشاطر كده، هتاخد جهاز تسجيل البيانات والوصولات المتعلقة بالأماكن اللي في المنطقة دي، وهتنزل تلف عليهم.. ومش مطلوب منك خالص في اول يوم، إنك تخلص شغل في العقارات كلها، معاك يومين.. تلاتة، بحد اقصى اربعة، وده ببساطة لان المربع او المنطقة اللي انت هتشتغل فيها دي، منطقة كبيرة والمباني اللي فيها مليانة عيون، محلات على شقق على أوض، وكل عين وليها عدادها وسكانها، لكن.. لكن في حتة كده في المنطقة دي هتلاقيها رايقة شوية وممكن تبدأ بيها.. الحتة دي فيها بيوت على ايدك اليمين، وعلى الشمال في مزارع، كل حتة ارض خضرة.. وقصادها البيت بتاعها، يعني بالبلدي كده، الحتة دي مليانة مزارع، وكل مزرعة متقسمه حتتين، حتة على اليمين فيها البيت اللي فيه عداد النور طبعًا، وعلى الشمال الارض الزراعية اللي تابعة لصاحب البيت، فهمت؟!
هزيتله راسي بالموافقة وأخدت الوصولات اللي ادهالي، وحطيتها في شنطة جلد صغيرة كده من اللي بتتعلق على الكتف دي، بعد كده خدت جهاز القراية وكشاف صغير عشان لو دخلت اماكن ضلمة ولا حاجة، ابقى انور بيه واعرف اخد قراية العداد، ووقفت قصاده وقولتله وانا مُبتسم..
-فهمت كل حاجة ياريس، انا بأذن الله، هنزل الف في المنطقة وهعمل اللي اتعلمته واللي قولتلي عليه، وعلى معاد وصولي ان شا

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

رواية الشادر الفصل الثامن

قصه ليلي و اخواتها

ء الله، هاجي الشركة هنا وهورد الفلوس اللي حصلتها، وكمان هسلم قرايات العدادات للموظف المسؤول عنها، تمام كده؟!

رد عليا وقال لي “تمام”.. بعدها سيبته وخرجت، نزلت من الشركة وروحت ركبت مواصلة نزلتني في المنطقة اللي هشتغل فيها، ومع وصولي للمنطقة كانت كل حاجة عادية، مدينة هادية شبه معظم مُدن المحافظة اللي منها وبشتغل فيها، ناسها ناس غلابة وطيبين، وكالعادة طبعًا زحمة.
دورت اول ما نزلت على عربية فول وفعلًا لقيت واشتريتلي ساندوتشين لأني ماكنتش فطرت، اشتريتهم وقعدت على قهوة بلدي، اكلت وطلبت كوباية شاي، ووقت ما القهوجي كان بيحط قصادي الشاي سألته..
-تسلم ايدك يا ريس، بس ماتأخذنيش يعني، ممكن سؤال؟!
حط الشاي ورد عليا بوش بشوش وبابتسامة تلقائية..
-طبعًا يا استاذ.. اؤمر؟
-الله يحفظك.. كنت عاوز اسأل عن الحتة او المنطقة اللي فيها المزارع اللي هنا، اروحلها ازاي او اركب لها ايه؟!
ضحك وبص على هيئتي وبعد كده قال لي..
-شكلك مستوظف من شركة الكهربا، الا هو عم عوض فين؟!
-عم عوض ارتاح يا سيدي، طلع معاش وانا اللي استلمت مكانه، بس انا اصلًا مش غريب يعني.. انا من البلد اللي جنبكوا على طول.
لما قولتله اسم بلدي او المدينة اللي انا جاي منها، رحب بيا اكتر وقال لي..
-احسن ناس يا استاذ، عمومًا منطقة المزارع مش بعيدة عن هنا، يعني مش مستاهلة ركوب.. انت هتمشي في الشارع اللي فيه القهوة ده لاخره، وبعد ما تخلصه هتطلع على الشارع الرئيسي وهتفضل ماشي يمين، خليك مع البيوت لحد ما تلاقي ملف واسع عنده نزلة ناحية اليمين برضه، هتنزل النزلة دي وتفضل ماشي على طول لحد ما تلاقي نفسك عند طريق ضيق، على يمينك بيوت، وعلى شمالك اراضي زراعية، وهي دي بقى منطقة المزارع يا استاذ.
بصراحة الراجل كان محترم اوي ووصفلي بالتفاصيل المملة، فشكرته وبعد ما شربت الشاي، قومت حاسبته وقريت العداد عنده واخدت منه فلوس الوصل بتاع الشهر.. وده كان اول تحصيل في حياتي، وحقيقي فرحت لأنه من مكان فيه راجل محترم وطيب زي ده.
بعد كده خرجت من القهوة واتمشيت زي ما قالي بالظبط، المسافة ماكانتش بعيدة اوي، يعني مش المسافة اللي يتركب لها، ومع وصولي قبل منطقة المزارع، خدت بالي ان في بيوت حواليا، دخلتها وقريت العدادات فيها وحصلت شوية وصولات، وفي الحقيقة الموضوع ده خد معايا شوية وقت، وبعد ما خلصت بيوت كتيرة.. اكتر من اللي انا كنت متخيلها الحقيقة، خدت بعضي وروحت لمنطقة المزارع، اتمشيت وسط البيوت والاراضي الخضرة، ومع مروري على كل بيت.. كنت بدخل اقرا العدد واحصل فلوس الاستهلاك، او اسيب الكعب بتاع الوصل لو مافيهوش حد من تحت عَقب الباب، وفضلت ماشي وسط البيوت لحد ما وصلت عند حتة كده مافيهاش بيوت كتير جنب بعض زي معظم المنطقة، هو بس بيت واحد ومافيش حواليه اي بيوت، والاغرب بقى من ده كله… ان الارض اللي قصاد البيت ماكانتش زي الاراضي اللي قصاد بقية البيوت، كانت ارض بور ومافيهاش زرع!
ماهتمتش بكل ده وروحت ناحية البيت، بابها الحديد كان متوارب، فندهت بصوت عالي..
-سلامو عليكوا.. يا اهل الله ياللي هنا، يا جماعة، انا مُحصل النور.
ماحدش رد عليا، لكني قبل ما اتحرك ناحية الباب او اعمل اي حاجة، لقيت الباب بيتزق لجوة.. يعني زي ما يكون بيتفتح، وماعرفش بقى هل اللي فتحه كان الهوا، ولا حد اللي شده من جوة، المهم انه اتفتح ببطء، فمشيت ناحيته ودخلت جوة المكان.. ايه ده!.. ده مافيش حد؟
ادركت في الوقت ده ان الباب اتفتح بفعل الهوا، فدخلت واتمشيت وانا بنادي على اي حد عايش في البيت، لكن برضه ماحدش رد، فبصراحة كنت ناوي الف وارجع تاني، لكني اتقدمت كام خطوة ناحية الجنينة الصغير اللي كانت قصاد البيت على طول واللي بعد الباب الحديد من جوة.. اتقدمت لأني لقيت جنبها اوضة صغيرة مفتوحة، توقعت ان الأوضة دي يبقى فيها العداد او فيها حد مثلًا، فاتقدمت ناحيتها ولسه ببص، فجأة سمعت خطوات رِجل من جوة الأوضة الضلمة!
كملت مشي ووصلت عندها، كانت اوضة من غير باب، بس كان واضح ان ليها باب واتشال، لأن مكان الحَلق بتاعه موجود!
والغريب بقى اني لما دخلت وبصيت جوة، لقيت المكان مترب اوي، الارض والحيطان وكل حاجة غرقانة تراب حرفيًا، ووسط كل ده لفت نظري حاجتين؛ الحاجة الاولى هي ارضية المكان، انا من شوية سمعت صوت رِجل لحد ماشي جوة، بس لما دخلت الاوضة ماكنش فيها حد، وحتى التراب الناعم اللي على الارض، ماكنش فيه أي أثار تدل على أن الاوضة دي كان واقف فيها حد من اصله!.. طب ايه، انا بيتهيألي مثلًا!.. بس مش مهم برضه، انا اللي يهمني هو اللي شوفته قدامي على الحيطة، عداد الكهربا اللي اتمشيت جوة الأوضة لحد ما وصلتله، كان مليان تراب زيحته بإيدي ونورت الكشاف الصغير اللي معايا وخدت القراية، بس وانا باخد القراية سمعت من برة الاوضة، او من ناحية الجنينة بالتحديد، صوت حاجة بتزيق!
خرجت من الاوضة الغريبة اللي جنب الجنينة والبيت دي، وروحت لناحية مصدر الصوت، ووقتها اتفزعت لما شوفتها، ماكانتش عفريتة ولا جنية ولا حاجة تخض.. هي كانت بنت صغيرة بتلعب على المرجيحة الحديد اللي في الجنينة، بس اللي خلاني اتفزعت هو ظهورها المفاجيء، وفستانها المتوسخ، ونظرتها الجامدة وهي بتلعب على المرجيحة الحديد المصدية!
ابتسمت وقربت منها بهدوء، ماكانتش بتبص عليا ولا مهتمه بوجودي اساسًا، وكأني مش موجود!.. هوا واقف قدامها.
-ازيك يا حبيبتي، بابا فين؟!
ماردتش عليا وفضلت بتتمرجح زي ماهي، فقربت منها وسألتها بصوت عالي..
-بقولك ازيك يا حبيبتي، اهلك فين؟!
اول ما عليت صوتي، اقسم بالله بصت لي بصة خلتني اترعبت، البنت وقفت عن اللعب وثبتت ثبات غريب بالمرجيحة وبرقت في عينيا اوي.. ومن غير ما تقول ولا كلمة، رفعت ايديها وشاورت ناحية البيت، بلعت ريقي بالعافية وابتسمتلها ابتسامة مصطنعة كده وانا بنشف عرقي..
-تمام تمام.. شكرًا يا حبيبتي.
المحصل
ماهتمتش بيا ولا باللي قولته، دي رجعت تكمل لعب تاني على المرجيحة وهي باصة قدامها بنظرة عين جامدة وغامضة في الحقيقة، وقتها بصيت لها باستغراب وروحت ناحية البيت اللي اتفاجأت ان بابه مفتوح!
خبطت على الباب وقولت بصوت عالي..
-يا جماعة ياللي هنا، مُحصل النور.
بس برضه ماحدش رد، فدخلت واتمشيت جوة البيت اللي من جوة، كان غير برة خالص، البيت من جوة كان مليان عفش وكان مترتب ومتوضب جدًا، على عكس من برة.. المكان كله من برة اصلًا شكله مهجور ومليان تراب، فضلت اتلفت شمال ويمين لحد ما فجأة سمعت صوت من أوضة من أوض البيت..
-ايوة يا ابني.. عاوز مين؟!
اتنفضت في مكاني وبلعت ريقي من الخوف، لكني تماسكت وابتسمت لما شوفت صاحبة الصوت، كانت ست عجوزة قاعدة على كرسي متحرك، وشها كان شاحب وكانت قاعدة باصة ناحيتي بطريقة غريبة، نظرتها ليا كانت نظرة جامدة وفاضية برضه، تمام زي نظرة البنت اللي برة!
قربت من الست دي وقولتلها..
-انا مُحصل النور يا أمي، خدت قراية العداد من برة، ودي الوصولات بتاعت الشهور اللي فاتت، ثواني اطلعهملك.
فضلت باصة ناحية المكان اللي انا واقف فيه وقالتلي..
-تسلم ايدك يا ابني، بس اعمل حسابك، البيت ده بعدادين، العداد اللي في الاوضة اللي برة، ده بتاع الاوضة والزريبة والمزرعة، والعداد بتاع البيت هنا هتلاقيه في الأوضة دي، على الشمال اهو.
قالت كده وشاورت على مكان ما، لما بصيت عليه لقيت العداد، روحت ناحيته وخدت قرايته اللي بالمناسبة يعني كانت قراية استخدام بسيط جدًا، بعد كده روحت ناحيتها وقولتلها وانا بمد ايدي بالوصولات القديمة.. ولما بقول وصولات، فانا بقصد وصولات اه، لأن اللي لقيته معايا كان كذا وصل بنفس رقم العداد ده واللي برة، تقريبًا كانوا ست وصولات، طلعتهم من الشنطة ومديت ايدي بيهم للست..
المحصل
-دول ست وصولات بتوع العداد اللي برة واللي جوة.. بتوع التلات الشهور اللي فاتوا يا امي، والمبلغ المطلوب مش كبير يعني.. ده يادوبك..
ماكملتش كلامي لأني لاحظت حاجة غريبة اوي، الست دي كانت بتسمعني لكنها باصة لنفس المكان اللي انا كنت واقف فيه، ولما مديتلها ايدي بالوصولات مامدتش ايدها، فتوقعت، مجرد توقع يعني انها كفيفة، لكن توقعي ده طلع صح، لأني لما مديت ايديا قصاد عينيها ماصدرش منها اي رد فعل، فقربت ايدي منها وجيت احطلها الوصولات في ايديها، لكن ساعتها وفجأة كده لقيتها قالتلي بصوت عالي..
-ابني مش موجود، سيب الكعوب بتاعت الوصولات في اي حتة في الارض، وهو لما يجي هياخدهم وهيروح يدفع في الشركة.. انت مش خدت القراية، روح بقى.. روح يلا شوف حالك.
اول ما قالتلي كده، قطعت الكعوب من الوصولات ورميتهم على الارض زي ما قالت وخرجت جري من البيت، بس وانا خارج لاحظت حاجة غريبة اوي، انا لاحظت ريحة شياط مالية المكان، وكأن في أكل بيشيط او في حريقة في مكان ما في البيت، وبصراحة خليني اقولك اني ماهتمتش.. ماهتمتش بسبب الطريقة اللي الست اتكلمت معايا بيها، ولا اهتميت بأي حاجة بسبب خوفي وقلقي من المكان كله، انا خدت بعضي وخرجت.. وطبعًا وانا خارج شوفت نفس البنت اللي كانت قاعدة على المرجيحة، كانت قاعد بتلعب زي ماهي.. ماهتمتش بيها، انا اديتلها ضهري وروحت ناحية الباب الحديد الكبير اللي دخلت منه في الاول خالص.. الباب اللي مجرد ما وصلت عنده، صوت المرجيحة وقف فجاة، وكأن البنت نزلت من عليها، في اللحظة دي ماعرفش ايه اللي خلاني الف وابص على المرجيحة اللي لقيتها ثابتة في مكانها والبنت مش قاعدة عليها، الله!.. البنت راحت فين، وبعدين البنت لو مشيت او قامت من على المرجيحة في ثانية كده وجريت على البيت بسرعة، المفروض المرجيحة تفضل تتهز شوية ولو حتى لثواني، ازاي المرجيحة ثابتة كده!
المحصل
ملاقتش اجوبة لأسئلتي، بس بكده تكون كملت الحاجات الغريبة اللي شوفتها في البيت الغريب ده، البيت اللي بعد ما خلصته، خرجت منه وروحت للموقف وركبت وروحت للشركة، سلمت العهدة وروحت البيت وسلمت على ابويا وامي واخواتي، كانوا فرحانين بيا وبالوظيفة الجديدة، وفضلت طول اليوم قاعد بتكلم معاهم وانا فرحان اوي بالشغل اللي اخيرًا عن طريقه بقى، بدأت احس إن انا بقيت حد مهم في المجتمع وليا فايدة، ومع نهاية اليوم.. دخلت اوضتي ورميت جسمي على السرير وابتديت اروح في النوم، لكن نومي ليلتها كان نوم غريب ومتقطع، كل ما كنت بغمض، كنت بحلم بنفسي واقف في نفس البيت، بس المكان كان فيه حاجات متغيرة، مرة كنت اشوفه مترب اوي ومهجور من جوة زي ما هو من برة، ومرة اشوفه مليان سواد وأثار حريق.. لكن العامل المشترك بقى في كل الكوابيس او الاحلام العجيبة اللي شوفتها دي، إني كل مرة كنت بلاقي البيت فاضي، إلا اخر حلم.. الحلم ده انا شوفت فيه الست العجوزة والبنت الصغيرة، كانوا واقفين قصادي في صالة البيت وهم عمالين يعيطوا، وفجأة خرجت نار من مكان ما ومسكت فيهم وهم ثابتين مكانهم، ماتحركوش ولا حتى قاوموا النار.. دول فضلوا واقفين مكانهم وثابتين ثبات غريب لحد ما مرة واحدة جريوا هم الاتنين ناحيتي وهم مولعين، وقبل ما يلمسوني واتحرق بالنار اللي بتحرقهم دي، الحمد لله صحيت من النوم، والحمد لله برضه من اليوم ده ماعدتش على البيت ولا على المنطقة دي خالص، ولا حتى شوفت كوابيس او احلام غريبة تاني.. وفضلت الدنيا ماشية طبيعي جدًا لحد ما في يوم وبعد ما خلصت تحصيل بدري وروحت الشركة عشان اسلم عهدتي، في الوقت ده كنت قاعد مع الموظف اللي بيستلم العهدة، فجأة لقيت تليفوني بيرن وكان المتصل مديري المباشر اللي قال لي انه عايزني في مكتبه، فسيبت الموظف يراجع العهدة على مهله وروحت للمدير اللي لما دخلت مكتبه لقيت معاه راجل بيتكلم بضيق، سكت اول ما شافني وابتدى المدير هو اللي يتكلم..
-انت روحت منطقة المزارع امتى؟!
المحصل
جاوبته بتلقائية..
-اول ما استلمت، روحت هناك اول يوم؟!
ف رد عليا الراجل اللي قاعد معاه..
-والوصولات بتاعت المزرعة نمرة ٣٠ فين، هو عم عوض قبل ما يطلع معاش، ماقالكش إنها بتتحصل مع وصولات البيت عندي ولا ايه؟!
المحصل
بصيت للمدير باستغراب وبعد كده بصيتله..
-لا والله.. الحقيقة انا ماشوفتش عم عوض اصلًا، انا جيت اتعلمت الشغلانة واستلمت الشغل على طول من الريس، اما عم عوض.. فطلع معاش ومشي قبل ما انا اشوفه، والحقيقة ماحدش قال لي على معلومة ان الوصولات بتاعت المزرعة دي بتتحصل مع وصولات بيت حضرتك اللي انا اساسًا ماعرفش هو فين، ثم انا روحت عند المزرعة و..
لكن قاطعني المدير بسرعة..
-مش مهم مش مهم.. خد الاستاذ معاك وروح اديله الوصولات وحصل منه تمن الشهور المتاخرة، وابقى نسق معاه بقى زي ما عم عوض كان بيعمل…
وكمل كلامه وهو بيبص للراجل..
المحصل
-اتفضل معاه يا استاذ، وبعتذر لحضرتك، الغلط والتأخير من عندي انا.
ابتسمله الراجل وقال له الموضوع مش مستاهل اعتذار ولا حاجة وبعد كده خرج معايا، روحنا انا وهو لمكان العهدة وطلعتله الوصولات واديتهاله وهو بدأ يعد لي الفلوس اللي هاخدها منه، بس وانا بديهاله قولتله..
-على فكرة انا عديت على البيت وسيبت الكعوب هناك، بالأمارة الحاجة كانت هناك هي والامورة الصغيرة وقالتلي سيب الكعوب وابني هيبقى يجي يدفع في الشركة.
اول ما قولت كده، الفلوس وقعت من ايده ووشه اتغير وبص لي بخوف..
-حاجة!.. حاجة أيه وأمورة مين، البيت فاضي من يوم الحادثة!
بلعت ريقي وانا حاسس ببرد غريب وبقشعريرة اغرب في جسمي كله، وفي لحظة.. ومن كلمة البيت فاضي دي، انا اللي اترعبت اكتر منه..
-ازاي يعني؟.. انا دخلت وخدت قراية العدادات وقابلت هناك ست كبيرة وبنت صغيرة كانت بتلعب على مرجيحة بالأمارة.
وطى الراجل جاب الفلوس واداهالي وهو بيقولي..
المحصل
-هو اه البيت مفتوح لأنه فاضي ومافيهوش حاجة اصلًا يتخاف عليها، بس هو مافيهوش حد، المكان فاضي من وقت الحادثة اللي حصلت لمرات عمي ولبنت ابنها، ماهو انا هحكيلك.. المزرعة دي كانت بتاعت ابن عمي، ورثها عن ابوه وكان قافلها، هو يادوبك بس كان بيجي يقعد فيها هو وامه ومراته وبنته كل فين وفين، ولما مراته ماتت، فضل عايش هو وامه وبنته في الفيلا بتاعته في مكان ما في محافظتنا دي، بس هنقول ايه بقى، دوام الحال من المحال.. ابن عمي ده كان وحيد ومتدلع، وبصراحة كده كان بيحب الستات اوي، وكان سهل اوي اوي ان اي واحدة ست حلوة توقعه على ملى وشه، فعشان كده بعد ما مراته ماتت، اتعرف على ست حلوة اوي، بس اعوذبالله.. كانت عاملة زي التعبان، لفت عليه واتجوزته وعاشت معاه ومع امه وابنته.. لحد ما في مرة اتخانقت معاه خناقة كبيرة وقالتله انها عايزة تعيش في الفيلا لوحدها لأنها مش مستحملة وجود امه وبنته معاها، وابن عمي زي ما يكون اتسحرله بالظبط، سمع كلامها وخد امه وبنته ونقلهم في بيت المزرعة، او تقدر تقول بالبلدي كده انه رماهم، وفضل راميهم وبقى بيروحلهم كل اسبوع مرة واحدة بس عشان يجيب لهم الاكل وكده، ولأن مرات عمي كانت ست تعبانة وبتقعد معظم الوقت على كرسي متحرك، ونظرها وسمعها كانوا بعافية شويتين، ف يا ولداه ماعرفتش تاخد بالها لا من المكان ولا من البنت، وتقريبًا كده البنت دخلت المطبخ من وراها لانها كانت صغيرة وكان عندها حوالي ١٢ سنة، فدخلت المطبخ ولعبت في حاجة في البوتجاز او في الانبوبة تقريبًا وخلتها تنفجر، والانفجاره ولع في البيت كله ومرات عمي وبنت ابنها ماتوا.. ماهي المطافي عقبال ما جت وعقبال اصلًا ما الناس خدوا بالهم ان في حريقة وبلغوا، كانوا هم الاتنين اتفحموا.. بعدها اكتئب ابن عمي ومراته خدت اللي وراه واللي قدامه واتطلقت منه، وماتبقالوش اي حد غيري، لكن خليني اقولك إنه خلاص كان اتكسر.. امه وبنته ماتوا بعد مراته القديمة، وكمان مراته الجديدة نصبت عليه بطريقة ما بعد الحالة اللي كان فيها واطلقت منه، فمن الاخر كده كل العوامل دي خلته تعب اوي، جت له جلطة بعدها ودخل المستشفى ومات، مات وماسابش غير المزرعة دي اللي كتبها بأسمي قبل ما يموت لان انا الوحيد اللي وقفت جنبه في ايامه الأخيرة، واهو.. المزرعة زي ماهي، لا روحتها ولا استغلتها ولا عملت فيها أي حاجة، بابها مفتوح ومهجورة وماحدش بيقرب منها لأني شايفها شؤم بعد اللي حصل فيها، اما انا بقى يا سيدي.. فانا عايش في المدينة اللي جنب منطقة المزارع دي، وكنت متفق مع عم عوض إنه لما يجيلي البيت، يجيبلي الوصلات كل تلات شهور وادفعهم، وكمان كان بيكلمني كل شهر عشان اقابله ادخل معاه البيت بتاع المزرعة وقت ما هيقرا العدادين عشان مايدخلش لوحده يعني كنوع من انواع الذوق وكده، وكمان لأنه قال لي انه بيخاف يدخل الاماكن المهجورة لوحده.. وبس كده، انت بقى شوفت مين جوة؟!
في الحقيقة ماكنتش عارف ارد عليه واقوله ايه، معني كلامه ده إن اللي شوفتهم جوة ماكنوش بني أدمين عايشين، دول اشباح او قرناء لناس ماتوا في المكان، اه.. ماهو ده التفسير الوحيد للي شوفته منهم، وعشان كده بقى انا سكتت خالص.. سكتت وغيرت الموضوع واتفقت مع الراجل إن انا هبقى افوت عليه فعلًا واخدت رقمه، بس الحقيقة انا من بعدها طلبت نقلي من المكان ده خالص، وفعا اتنقلت وخد مكاني واحد تاني بقى هو اللي بينسق مع صاحب المزرعة اللي بقى بيروح معاه وقت قراية العداد وماكنش بيشوف حاجة لأن الراجل كان بيبقى معاه، على عكس ما انا عملت اول يوم ليا.. واهو، مع الايام، ظهرت العدادات ام كارت دي وشغلانتنا ابتدت تقل واحدة واحدة لحد ما بقينا دلوقتي موظفين على المكاتب، بس بعد مرور سنين على اللي حصل ولحد وقتنا الحالي، انا مانستش ولا هنسى اللي عيشته او الحكاية اللي سمعتها، ولا حتى هنسى المزرعة اللي بالمناسبة يعني اتهدت بعد كده لأن صاحبها باعها، وأرضها اتجرفت واتحولت لأرض مباني، واللي اشتراها بنى عليها عمارة كبيرة او برج سكني زي ما بيقولوا، عايشين فيه النهاردة عائلات بأكملها، بس تعرف يا صديقي ايه اللي مخليني مُتذكر الحكاية دي كويس اوي، مش الرعب اللي عيشته لا.. الحكاية نفسها، حكاية الراجل اللي بسهولة رمى بنته الصغيرة وامه المريضة عشان واحدة ست أمرته بكده، حقيقي الأنسان اكتر كائن مرعب على وجه الأرض، لا والمرعب اكتر، إنه في لحظة ممكن يبيع اللي من دمه عشان شهوة.. يلا.. ربنا يرحمه ويسامحه هو وامه المسكينة وبنته الصغيرة، ويسامحنا جميعًا ويحمينا من شرور أنفسنا.. قولوا أمين.
المحصل
(كل ما قرأته عزيزي القاريء.. هي قصة حقيقية رواها أحد المتابعين، لك كل الحق يا صديقي في تصديقها من عدمه.. وفي النهاية، لك جزيل الشكر ..)
تمت
محمد شعبان
المحصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط