روايات شيقهرواية أعترض حضرة القاضي

رواية أعترض حضرة القاضي الفصل العاشر

مش هسيبك ياهبة، وابنى هرجعه لحضنى مش حبا فيه لأ، قهرة ليكى وانتقام منك مش أكتر.

قرأت رسالته للمرة الخمسون وقلبها ينتفض خوفا، تلك هي رسالته السادسة لها منذ أن هرب من السجن كما علمت لاحقا من السيد( منير) الذي حدثها محذرا إياها من هروبه وإدراكه طبيعة نسيبه الإنتقامية والتي ستدفعه دفعاً للقدوم إليها، ألقت بهاتفها على الطاولة وهي تركز في تلك الأوراق أمامها تكتب مرافعتها المبدئية عن وكيلها (حمزة)، تحاول أن تبعد عن خاطرها القلق والخوف اللذان ينهشان قلبها، فقد باتت تعرف طليقها كما تعرف راحة يدها تماما، بالتاكيد هو في طريقه إلى القاهرة الآن إن لم يكن هنا في بلدتها-الزقازيق- بالفعل.

تبا، لا تستطيع التركيز مُطلقا وهذا الهاجس يطوف بخيالها، تركت الأوراق وهي تنهض وتتجه إلى مهد طفلها تطالع ملاكها النائم بقلب وجل يخشى فقدانه، ففى الفقدان يصبح القلب فارغاً.
أحاطت بها الذكريات فجأة فشعرت بدوامة تسحبها بعيدا، خاصة تلك الذكريات التي تركت أثرا على جسدها ونفسها وقيدتها بسلاسل من نار أحرقت القلب والوجدان.

مدت يدها تلمس وجنة صغيرها بحنان امتزج بخوف، ارتعش قلبها وبرودة تتسلل إليه وتحكم حصارها حوله ولكن ثمة شيئ أعاد إليها الدفء رويدا رويدا، إنه أمان صوته الذي سمعته في كلماته ورسائله، تتردد كلماته في ذهنها مرارا وتكرارا..

حينما يقسو الزمن نعرف الرحمة والتي تظهر لنا في أى شكل، تكون رحمة الله هبة وجسر أمل فوق بحر اليأس، التفاؤل والصبر والإيمان بقضاء الله يجعلنا نثق بأن القادم خيرا مادام القلب مُعمّرا بالطيبة والخير.
نعم ستثق بأن الله لن يضرها وقلبها مُفعم بالطيبة والإيمان، ستتخذ حذرها فقط وتتوكل على الله الذي لا يغفل ولا ينام.

مالت تُقبل صغيرها على جبهته قبل ان تعتدل وهي تسمع أزيز هاتفها يعلن عن اتصالا قادما لها، نظرت إلى شاشته ثم اجابته على الفور حين رأت إسم السيدة (وفاء)، التي ظهر البشر في صوتها وهي تقول:
-مبارك ياهبة، الخطة نجحت وعماد اتقبض عليه خلاص، إلحقى إتحركى قبل سامى وأخوه ماياخدوا خبر.
قالت(هبة)بإمتنان:
-هتحرك علطول، انا مش عارفة أشكرك ازاي يامدام وفاء على اللى بتعمليه معانا.

قالت(وفاء)بنبرة امتزج فيها الخجل بالحزن:
-أنا اللى عايزة أشكرك لانك اديتينى الفرصة انى أكفر عن ذنبى، وربنا يوفقك يابنتي.
ثم أغلقت(وفاء)الهاتف بينما ضمته (هبة)إلى صدرها بسعادة قبل أن ترفعه مجددا وتبحث عن رقم اللواء( رأفت)تتصل به وتخبره عن (عماد)وعن ضرورة إستجوابه والضغط عليه على الفور ليعترف قبل ان يتدخل كل من والد(نسمة) وعمها وتضيع فرصتهم للأبد.

خرجت (تهانى)من حجرة ابنتها (نور)تحمل صينية الطعام لم تمس كما لاحظ زوجها الذي قال بقلق:
-برده مش راضية تاكل؟
هزت راسها بحزن وهي تغلق الباب خلفها قائلة:
-لا راضية تاكل ولا تشرب كمان، اتصرف ياعبد الحميد، البنت بتضيع منى بقت بتجيب الكلمة بالعافية ووشها اصفر زى اللمونة.
زفر (عبد الحميد)بقوة قائلا:.

-هعمل إيه بس ياتهانى؟هروح أقول لأخويا أنا عيل ورجعت في كلامى، بنتى لوت دراعى وخليتنى أرفض اجوزها هشام ابنك، طب والأرض تروح مننا عشان خاطر دلع البنات الماسخ ده.
قالت(تهانى)بحنق:.

-بنتك مبتدلعش، الظاهر انها بتحب المحامى ده بجد ورافضة حياتها من غيره، تغور الأرض قصاد حياة بنتى، بص ياعبد الحميد أنا مش مستعدة أخسر البنت اللى طلعت بيها من الدنيا دى عشان انت عايز ترجع ورثك اللى أخوك طاويه تحت جناحه، بنتى تساوى عندى كنوز الدنيا كلها ولو فضلت بالشكل ده انا بنفسى اللى هجوزها لعز ويحصل اللى يحصل.
قال(عبد الحميد)بعصبية:
-انتى اتجننتى ياتهانى؟عايزة تجوزى البنت غصب عنى؟
قالت بحنق:.

-مش احسن ماتضيع منى.
ثم تركته وهي تتجه إلى المطبخ تردف قائلة:
-أنا قلت اللى عندى وعقلك في راسك تعرف خلاصك ياباشمهندس.

نظر في إثرها وهو يضرب كفا على كف، قبل أن تحين منه نظرة إلى حجرة إبنته، شعر بروحه تختنق مابين شعوره كأب وبين رغبته في الحصول على إرثه الذي سيوفر لهم جميعا حياة كريمة دون قلق، هذا إلى جانب ثقته بأن ابن اخيه سيحافظ على ابنته ويكرمها، ربما يجب عليه ان ينفض قلقه فعلى الأرجح أن الجوع سيقرص إبنته فتعود إلى عقلها قبل نهاية اليوم.

كانت تهبط الدرج متجهة إلى عملها، توقفت عند باب الشقة التي يقطن بها والدي (حمزة)، طرقت الباب بهدوء ففتحت لها السيدة (ناهد)التي ماإن رأتها حتى إعتلت البسمة ثغرها وهي تقول:
-ياأهلا بالقمرة بتاعتنا، كنت لسة جايبة في سيرتك مع عمك مصطفى، بندعيلك يابنتى في كل وقت وآدان.
إبتسمت (هبة)قائلة:
-تسلمولى يارب.
أفسحت لها(ناهد)الطريق قائلة:
-تعالى إدخلى واقفة ليه على الباب؟
قالت(هبة):.

-معلش ياطنط مش هقدر أدخل متاخرة على الشغل، انا بس كنت جايبة الكتاب ده لعمى مصطفى، هو كان مرة قال إنه بيحب العراب جدا فده آخر عمل كتبه ولسة نازل السوق.
تناولت (ناهد)منها الكتاب قائلة بإمتنان:
-أكيد هيفرح بيه اوى، ربنا يسعدك ياهبة زى مابتسعدينا.
إبتسمت (هبة)قائلة:
-فيه خبر كمان حلو هيفرحكم جدا.
قالت(ناهد)بلهفة:
-قولى ياوش السعد.
قالت(هبة):.

-قبضوا على عماد وحاليا بياخدوا شهادته اللى اكيد هتكون دليل مهم جدا هيساعدنا في إثبات براءة حمزة.
غشيت عيون(ناهد)بالدموع وهي تقول:
-الله أكبر، ياما انت كريم يارب، الحمد لله، الحمد لله.
ربتت(هبة)على كتفها قائلة:
-وبشّر الصابرين ياطنط ناهد، الحمد لله على كل حال.
قالت (ناهد):
-ونعم بالله.
قالت(هبة):
-روحى بقى بشّرى عمه مصطفى وهستنى أحلى كيكة من إيد احلى طنط ناهد بالليل إحتفالا بالأخبار دى.
قالت(ناهد) بسعادة:.

-بس كدة، أحلى كيكة لأحلى هبة.
أرسلت لها (هبة)قبلة هوائية قبل أن تغادر، لتنظر في إثرها (ناهد)بابتسامة حب قبل أن تغلق الباب وتذهب إلى (مصطفى)الذي قال:
-أكيد اللى مخلى وشك منور بالابتسامة دى هي هبة.
قالت(ناهد)بحنان:
-بنت حلال قوى ربنا يسعدها دنيا وآخرة، لو كنت اتمنيت بنت مكنتش هتمنى غيرها.
منحته الكتاب قائلة:
-شوف جايبالك إيه؟
تناول منها الكتاب قائلا وهو يقرأ عنوانه:.

– إيكاروس لأحمد خالد توفيق، معقولة في وسط كل اللى هي فيه ده بتفكر فية وحابة انها تفرحنى كمان.
قالت(ناهد):
-فيه ناس كدة بيبقوا زى الملايكة، بيحاولوا يسعدوا كل اللى حواليهم حتى لو على حساب نفسهم.
هز رأسه قائلا:
-معاكى حق.
قالت(ناهد):
-فيه كمان خبر حلو هيفرحك قوى.
قال بلهفة:
-قولى بسرعة مستنية إيه؟
جلست جواره قائلة:
-هقولك يامصطفى.

اقتربت من والدتها التي كانت مشغولة بالكامل، تصبّ جام تركيزها على هذا الحاسب أمامها، جلست قربها تشاهد والدتها وهي تقارن بين مجموعة من الحالات قبل ان تكتب تقريرها بسرعة ومهارة، انتهت (مها)من الكتابة فاحتفظت بالملف ثم إلتفتت إلى صغيرتها قائلة:
-سهرانة ليه لحد دلوقتى منمتيش؟!
قالت(هبة):.

-مش جايلى نوم، إلا قوليلى ياماما احنا ليه جينا هنا سكنا في الزقازيق ومسكناش في مصر مع ان شغلك فيها كان هيكون مجاله أكبر وأحسن طبعا في العائد المادى؟
أزالت(مها)نظارتها من على عينيها قائلة:
-لأكتر من سبب، السبب الأول ان دى بلدى اللى اتربيت فيها وانا من النوع اللى بيألف المكان ومبيحبش التغيير، ثانيا القاهرة زحمة وانتى عارفة انى بحب الهدوء.
قبل ان تردف قائلة:.

-والسبب التالت ان شغلى أغلبه في البيت وع اللاب ومش محتاج لا أروح ولا آجى يبقى ليه الغربة؟ماهو المكان اللى متعرفيهوش ياهبة بيبقى وجودك فيه غربة يابنتى.
قالت(هبة):
-هو انتى كنتى بتعملى ايه دلوقتى؟اول مرة أركز في شغلك.
قالت(مها):
-بدرس حالات مرضية في مجموعة سكنية، دراسة رصدية يعنى لاسباب المرض وعوامل الخطر، تركيبهم الجيني والمناعي والسلوكي إلخ، عشان نقدر نسيطر على المشاكل الصحية هناك.
قالت(هبة)بإعجاب:.

-وظيفتكم مهمة ياماما، ومش سهلة وعلى أساسها بتقوم صحة البلد بحالها.
ربتت(مها)على يد ابنتها قائلة:
-كل واحد فينا ليه وظيفة مهمة، من غيرها المجتمع ينهار ياحبيبتى، من اكبر عامل في الدولة لأصغرهم فلازم نقدر ونهتم بكل المهن ونحترمهم، ولازم كل واحد فينا يقوم بوظيفته على اكمل وجه عشان البلد دى تقوم ومتقعش أبدا.
قالت(هبة):
-ربنا يباركلى فيكى ياامى وميحرمنيش منك، انا مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه؟

طالعتها (مها)بنظرة متفحصة قبل ان تقول:
-لأ طقم الحنية ده مقلقنى، فيكى حاجة مش طبيعية، تعالى نعملنا اتنين نسكافيه ونتكلم، شكلها مفيهاش نوم الليلة دى.
نهضت (مها)وتبعتها (هبة)على المطبخ تدرك ان الاولى لن تهدأ حتى تعرف مابها، فاستسلمت (هبة)وروت لها كل مافى قلبها، فهى لابد وان تعلم في النهاية حتى تأخذ حذرها وتحمى الصغير بدورها.

إن غلب الخوف قلبي، وضاقت بي السُبل وتشتت مشاعري، فعدنى أن تكون مُرشدي، تأخذ بيدي وتسحبنى من غُربة قدري لأمانك فأصير نفسك أو تصير نفسي، لا يهم طالما قلبك، موطني.
طالعت الأوراق أمامها قائلة بهدوء:.

-المرافعة هي وسيلة بيسخّر فيها المحامى كل أدواته عشان يقنع القاضى بوجهة نظره، بتعتمد على اللغة وسرعة البديهة والأدلة الدامغة وكأنها حلبة مصارعة لازم طرف فيها يخرج منتصر والطرف ده هيكون احنا بإذن الله ياحمزة…
قاطعها قائلا:
-مش راضية تبصيلى ليه ياهبة؟
رفعت إليه عيون مضطربة وهي تقول بإرتباك:
-أبدا، أنا بس مركزة في المرافعة.
تأمل عينيها الجميلتين قائلا:.

-لغة العيون مهمة جدا وخصوصا عيون المراة، الواحد مننا ممكن يقرى قصة الواحدة من عنيها، الكلام بس اللى بتقوله عنيها بيحتاج كتير عشان نفسره.
أطرقت برأسها مجددا فقال(حمزة):
-عشان خاطرى متخبيهمش منى، محتاج أفهم فيكى إيه.
رفعت إليه عيونها مجددا وهي تقول:
-صدقنى مفيش حاجة أنا بس…
قاطعها قائلا:
-انتى قلقانة وخايفة ومش عارفة تعملى إيه، والموضوع اللى مقلقة منه ميخصنيش، بس يخص حد عزيز عليكى أو يخصك انتى شخصيا.

طالعته بدهشة فقال بإبتسامة باهتة:
-متستغربيش، قلتلك ان الواحد مننا ممكن يقرا قصة واحدة من عنيها، وعنين البشر الصافيين اللى زيك بتبقى مرايتهم اللى بتعكس كل مشاعرهم وبتقول كل المستخبى وبتكشف كل الأسرار.
قالت بفضول:
-وايه اللى خلاك متأكد انى قلقى وخوفى ميخصكش؟مش يمكن خايفة أخسر القضية.
هز رأسه بإبتسامة قائلا:.

-معتقدش، انتى شاطرة أوى في شغلك وحتى لو مكنوش قبضوا على عماد زى مابشرتينى، كنتى هتطلعينى بالشهود اللى جبتيهم من زمايل دراستى وانتى قلتيلى قبل كدة ان قضيتى بسيطة بعد ما عرفتى ان الظابط اللى لفقلى التهمة اتحال للتقاعد المبكر وانى مخفش لان كل ظلم وله آخر، يبقى مفضلش غير احتمال واحد لقلقك ده، وهو ان حد قريب منك في خطر، مامتك مثلا تعبانة؟
هزت (هبة)رأسها نفيا قائلة:
-ماما بخير بس ابنى هو اللى في خطر.

عقد(حمزة)حاجبيه قائلا:
-ابنك؟!
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يقول:
-انتى متجوزة؟
هزت رأسها نفيا وهي تتنهد قائلة:.

-لأ مطلقة، مش انت لوحدك اللى اتخدعت واتخانت ياحمزة، أنا كمان اتخدعت واتخانت وعشان كدة حسيت بكل مشاعرك، حبيت واتجوزت وافتكرت انى عايشة قصتى الخيالية اللى هتنتهى بعاشوا سعداء للأبد لكن الواقع غير الخيال، الواقع مر علقم بيتحول فيه الأمير لشرير بيضرب ويهين ويجرح القلب بقسوة، الطعنة لما بتكون من حد قريب بتقتل بس لما يكون فيه أمل إتخلق جواك بيقويك وبيخليك رغم نزيفك تقوم وتقوى وتحارب عشان خاطره، وانا حاربت عشان خاطر طفلى اللى إتخلق جوايا وقدرت أسجن يوسف وأهرب على هنا بسيف، وافتكرت برده إنى خلاص هاخد نصيبي من السعادة بس من كام يوم لقيت رسايل منه على تليفونى، رسايل تهديد بالانتقام منى في ابنى، عايز ياخده منى، ولما سألت عرفت انه هرب من سجنه وده مقلقنى ياحمزة ومخوفنى على ابنى، خايفة يقدر ياخده منى، وقتها بجد هموت.

قال بسرعة:
-بعيد الشر عنك.
أقالها بلهفة كما وصلت إليها نبراته؟!
هل يهتم ان عاشت أو ماتت حقا؟!
هل يحمل لها في قلبه بعض المشاعر كما تحمل له؟
أم حالتها النفسية المسئولة عن تهيؤاتها تلك؟
وجدته يردف قائلا:.

-كل واحد فينا في ابتلاء شكل، اختبار من ربنا، بس صدقينى واقتباسا من كلام ربنا اللى قال في كتابه الحكيم(ان بعد العسر يسرا)، ربنا قادر يحميكى ويحمى طفلك ربنا قادر يبعد شر طليقك عنك، احنا بس نلجأله بالدعوات وهنكون بخير.
وكأن كلماته كانت بلسماً مر على جرحها فطاب، لتشعر بسكينة تغمرها، يعكس راحة بالها صفاء عيونها التي عادت تلمع من جديد، ليردف قائلا:
-هي دى عيونك اللى اتعودت أشوفها بتلمع بالأمل.

أطرقت وهي تمسك الأوراق أمامها قائلة بخجل:
-سيب عيونى في حالها وركز معايا ياحمزة في المرافعة مبقاش فيه وقت ولازم نظبط كل كلمة وكل حركة، دى مسرحية كبيرة وأقل غلطة فيها هتزعل الجمهور.
إبتسم لإرتباكها وخجلها قبل أن يقول:
-وأنا جاهز يافندم.
نظرت إليه فوجدته يبتسم ابتسامته الخلابة التي تزيد من خفقاتها لتبتسم بدورها قبل أن تبدأ في شرح تفاصيل مرافعتها.

كان يجلس على طاولته التي إعتاد الجلوس عليها أمامه فنجال قهوة بارد، فحين راودته الذكريات وغرق في بحر الحنين، لم ينتبه لشيئ سوى شعوره بهذا الأنين في مُضغته والذي يخبره دوما بأنه أخطأ حين رفض فكرة هروبه معها، روحه تتمزق في فراقها ولم تبعد عنه شهامته ذلك الألم الرابض بصدره، بل زادته هما وألما وضيقا في الروح يكاد يُزهق أنفاسه، ترى هل وجب عليه نسيانها وقد فرقهما النصيب؟وكيف ينسى وقد طُبع الهوى في القلب وسكن الروح؟حتى أن العيون ترى طيف المحبوب في عبق دخان القهوة وبين الجفون، كيف ينسى وقد باتت خفقاته تردد إسمها، تصرخ به…

أعدها إلى وإلا مِت كمداً..
أعدها إلى قبل أن نؤول إلى جماد متحرك..
فالروح عالقة مابين الموت والحياة..
حتى تعود هي او ترحل للأبد..
أعدها إليك وإلا صرت جسدا بلاروح او خفقات..
أعدها إليك أو مُت..
هذا قرارك فإستعد.
ظهر العزم في عينيه وهو يستقر على قراره الذي لن يحيد عنه أبدا، سيعيدها إليه أو يموت دون ذلك، لينهض بحزم وهو يضع بعض المال على الطاولة قبل ان يتجه بخطوات واسعة إلى منزلها، ووطنه.

اندفع (عبد الحميد)لحجرة إبنته حين سمع صرخات زوجته بإسمه، ليقف مُتسمرأً وهو يجد (تهانى)تجلس ارضا تضم جسد(نور)إلى صدرها قائلة بجزع:
-إلحقنى ياعبده، نور وقعت مرة واحدة وبحاول أفوقها مبتفوقش.
طالع طفلته بصدمة أفاق منها على صوت (تهانى)التي صرخت:
-ماتتحرك ياعبد الحميد وتتصل بالإسعاف البنت هتروح مننا.

أسرع (عبد الحميد)يلتقط تليفونه ويتصل بالإسعاف وقلبه يرتعش وجلا، يدعو الله في سره ان ينقذ إبنته وسيحقق لها ماتريد، حتى لو اضطر للتخلى عن أرضه في سبيلها فهى أغلى عنده من كنوز الدنيا كما اكتشف الآن، ولكن يرجوا ان لا يكون اكتشافه هذا، بعد فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط