قصص

قصة التكعيبة

قصة التكعيبة

حادثة سير، عربيتين ملاكي خبطوا في عربية نقل كبيرة، العربيتين اتكسروا واللي جواهم ماتوا، وجوة عربية من العربيتين دول كانوا هم موجودين.. ابويا وامي، كل ما ليا في الدنيا، عيلتي الصغيرة اللي راحت وماتفضلش منها غيري.
دفنة وعزا وحزن عياط، بعدهم الجرح ابتدا يلم.. وجع الفراق وناره ابتدوا يقلوا، الإيمان بالقدر والمكتوب خلوني سمعت كلام جدي ابو أمي لما قال لي..
-مروان.. انا مابقاليش غيرك وانت مابقالكش غيري، وعشان كده مش هينفع تعيش لوحدك، انت لازم تيجي تعيش معايا في المنيا.. هنقلك من جامعة القاهرة لأي جامعة قريبة مننا حتى لو خاصة، انا مش هسيبك لوحدك ولا هعرف اعيش من بعد ما امك راحت، انت يا ابني.. انت من ريحتها، ووجودك معايا هيهون عليا مرارة الغياب.
وبالفعل.. سمعت كلامه ورتبنا انا وهو كل حاجة، ايوة.. جدي غازي كان معاه حق، انا ماليش حد غيره.. ماهو جدي ابو ابويا هو وستي ميتين، وكمان عمامي عاملين زي السمك، الكبير بياكل في الصغير، يعني لا كانوا بيحبوا ابويا ولا كانوا بيحبوا امي.. فطبيعي مايحبونيش انا كمان، وعشان كده بقى لما فكرت في كلام جدي ابو أمي بالعقل، اقتنعت بيه ونفذته.. خدت ورقي وهدومي وحاجتي وروحت عشان اعيش معاه في بيت البلد اللي عايش فيه لوحده من بعد موت ابنه، خالي الوحيد احمد.. ومن قبله جواز امي وبعده موت ستي ام امي، وفي النهاية موت أمي هي وابويا وهم راجعين من عنده وقت ما كانوا بيزوروه.
لكن من أول لحظة دخلت فيها البيت، وانا بدأت اتأقلم على إني هعيش حياتي الجديدة في المكان ده، كان بيت عادي من دور واحد.. ماكنتش مستغرب المكان اوي لأنه ببساطة بيت جدي، بيت جدي اللي كنت بزوره من وانا صغير لحد من كام سنة فاتوا، او بالتحديد.. من وقت ما دخلت الكلية، وده لأني من وقتها وانا بقيت مُقل في زيارات جدي جدًا بسبب انشغالي في الدراسة..
سرحت في المكان اول ما دخلت وفضلت اتفحص كل شبر فيه وكأني بحاول اتعود على إنه خلاص هيبقى بيتي، لكني وقت ما كنت سرحان، قطع جدي سرحاني لما قال لي..
-ايه؟.. مستغرب بيت جدك ولا ايه، ده انت ياما لعبت فيه وانت صغير.. فاكر؟.. فاكر ياض يا مروان لما كنت بتيجي مع امك وانت صغير وتقلبلي عفش البيت بسبب شقاوتك؟
بصيت له وابتسمت ابتسامة بهتانة، ابتسامة جواها معاني كتيرة اوي.. أبرزها وأهمها هو الحزن.. البيت ده اللي اتربت فيه أمي الله يرحمها، فبسبب حزني غصب عني عنيا دمعت، وقتها خد باله جدي من ابتسامتي اللي اتقلبت لدموع.. فقرب مني وخدني في حضنه..
-ماتعي

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

رواية الشادر الفصل الثامن

قصه ليلي و اخواتها

طش يا ابني.. ماتعيطش، ربك له حكمة في كل اللي حصل ده، ماهو اللي خلقنا يا ابني وخلق اقدارنا وكتبها من قبل ما نتولد.. أكيد له حكمة في أي ألم او مرارة بنحس بيهم، هَون على نفسك وحاول تعيش… انت لسه في عز شبابك وامك وابوك مش هيكونوا فرحانين أبدًا بدموعك دي.

طبطبت عليه وبوست إيده وبعد كده ابتديت اظبط معاه كل حاجة، دخلت انا وهو لأوضة من أوض البيت وقال لي إن دي هتبقى الأوضة اللي انا هنام فيها، وقصادها على طول كانت أوضته اللي جنبها الطرقة الصغيرة اللي في نهايتها المطبخ والحمام.
طَلعت هدومي وحطيتها في الدولاب بتاع الأوضة، وبعد ما غيرت هدومي ونظمت كل حاجة في مكان معين زي ما كنت متعود في بيتنا، خرجت من الأوضة ووقفت في الصالة لوحدي، كنت ببص على المكان كويس لحد ما عيني وقعت على باب خشب في نهاية الصالة، باب مقفول بقفل!
قربت منه بهدوء وحطيت إيدي على القفل وانا بحاول امسح التراب عن أفكاري القديمة؛ الأوضة دي مقفولة من سنين.. اه انا فاكر كويس، فاكر لما جدي كان بيتعصب عليا كل ما كنت بقرب منها وقت ما كنت بزوره انا وامي وابويا..
-ايه اللي موقفك عندك يا مروان؟!
فوقت من دوامة أفكاري وذكرياتي على صوت جدي اللي جه من ورايا..
-ما ما مافيش يا جدي.. انا بس مستغرب، هي الأوضة دي مقفولة ليه من سنين وعمرك ما سمحتلي ادخلها او حتى اقرب منها؟!
قرب جدي مني وسحبني من دراعي، فمشيت معاه لحد ما قعدنا على كرسيين من كراسي السفرة اللي في الصالة..
-أولًا دي مش أوضة.. دي كانت بلكونة كبيرة واتقَفلت بخشب لحد ما بقت تكعيبة، وثانيًا، انا مافتحتهاش من سنين ولا هفتحها عشان بتفكرني بذكريات مابحبش افتكرها.
-ذكريات تخص امي ولا ستي ولا خالي احمد الله يرحمه؟!
لما سألت جدي غازي السؤال ده، جاوبني وهو بيبص على باب التكعيبة..
-كان بيحب يقعد يذاكر فيها.. انا اصلًا قلبتها من بلكونة لتكعيبة وقَفلتها بخشب عشانه، دي كانت فكرته وطلبه.
سكت شوية وهو بيبلع ريقه والدموع بتلمع في عينيه..
-ارجوك يا ابني.. ماتحاولش تقلب عليا المواجع ولا تحاول تضغطني، غَير الموضوع وانسى التكعيبة دي خالص.. عيش وكأنها مش جزء من أجزاء البيت، اعتبرها مش موجودة زي ما انا اعتبرتها من سنين.
هزيتله راسي وقربت منه وبوست على راسه، حسيت وقتها إنه افتكر حاجة وحشة اوي هو مش حابب يفتكرها او مش حابب يتكلم فيها.. بس الحمد لله.. الحمد لله اني قدرت عن طريق كلامي وقربي منه والعشا اللي اتعشيناه مع بعض، قدرت إني انسيه كل حاجة مزعلاه وابتدى يضحك ويفضفضلي ويحكيلي عن ذكرياته مع امي وابويا الله يرحمهم، وبعد حوالي ساعة او أكتر من الرغي… دخل جدي أوضته وخد علاجه ونام، اما انا بقى.. فانا كنت تعبان اوي من السفر ومن الأرهاق وقلة النوم، فدخلت الأوضة اللي المفروض كانت بتاعت امي الله يرحمها قبل ما تتجوز ابويا ودلوقتي بقت بتاعتي، دخلتها وقفلت الباب على نفسي وروحت ناحية السرير، مسكت موبايلي وفضلت اقلب في الفيس شوية كعادتي كل ليلة قبل ما انام، بس قبل ما اسيب الموبايل من إيدي واروح في النوم، فجأة سمعت صوت خبط على باب الأوضة جاي من برة!
سيبت الموبايل من إيدي وروحت ناحية الباب وفتحته وانا بقول بصوت مسموع…
-ايوة يا جدي.. حاضر هفتحلك اهو…
لكني لما فتحت الباب مالقتش حد، الصالة كانت فاضية وباب أوضة جدي كان مقفول!
افتكرت في اللحظة إن انا بيتهيألي من قلة النوم ولا حاجة، فقررت اقفل الباب وارجع للسرير من تاني، بس قبل ما اعمل كده اتسمرت في مكاني لما سمعت صوت خبط جاي من عند باب التكعيبة الخشب!.. الصوت كان جاي من بعيد وبشكل مكتوم، يعني اللي بيخبط على الباب بيخبط من جوة!
اتمشيت في الصالة وقربت من الباب ووقفت قدامه، اصوات الخبط كانت مستمرة وكأن حد بيخبط من جوة عشان اللي برة يفتحله، قربت اكتر وحطيت ايدي على القفل اللي بمجرد ما لمسته حسيت ان عنيا بتزغلل ومرة واحدة القفل اتفتح لوحده ومن بعده الباب عشان ادخلها.. دخلت للتكعيبة وانا ببص حواليا باستغراب وفي نفس الوقت بأعجاب، الدنيا من حواليا اتبدلت واختلفت، انا بمجرد ما خطيت في التكعيبة وانا حسيت إن الزمن رجع بيا لورا.. او بالتحديد يعني في وقت التسعينات، ايوة التسعينات، صور المُغنين اللي على الحيطان، والمزيكا اللي كنت سامعها طالعة من الكاسيت اللي قدامي، كل دي حاجات كانت بتدُل على إن انا رجعت بالزمن لورا!
لكن صدقني كل ده ماكنش مهم، انا المهم بالنسبة لي كان الشاب اللي قاعد على سرير صغير في التكعيبة.. او في الأوضة الصغيرة دي، كان شاب قاعد سرحان وباصص في السقف وهايم اوي مع المزيكا اللي خارجة من الكاسيت اللي جنبه على طول… كان ماسك قلم في ايده وجنبه كان في اوراق فاضية، ثواني ولقيته مسك الاوراق وابتدى يكتب فيها وهو بيقول بصوت مسموع وممزوج بصوت الموسيقى اللي كانت شغالة…
(سمرة يا زينة البنات وستهم.. مش لاقي كلام يوصفلك حبي ليكي، مهما كتبت في جوابات عمري ما هقدر اكتب بحبك قد ايه.. بس خلاص، هانت.. انا قريب اوي هفاتح ابويا في موضوع جوازنا بعد الدراسة على طول، لكن الأهم من ده كله بقى هو موافقة امك.. اتمنى انك تفاتحيها وتعرفي منها هي هتوافق عليا ولا لأ!)
وفجأة وانا واقف سرحان معاه ومع الكلام اللي بيقوله، سمعت من ورايا صوت واحدة ست..
(واد يا احمد.. انت يا وله، يلا يا واد الغدا جاهز..)
الصوت ده كان صوت ستي الله يرحمها!
صوت ستي اللي بسرعة رد عليه الشاب اللي كان قاعد قدامي وهو بيقوم يقف..
(ايوة يا امه.. حاضر جاي اهو..)
قال لها كده ومسك الورق اللي كان بيكتب فيه، وخباه تحت مرتبة السرير.. بس ثواني، ده مش سرير.. انا في الأول كنت فاكره سرير صغير، بس لما شوفت الشاب اللي قدامي ده وهو بيرفع المرتبة وبيحط الورق تحتها، أدركت إنها كنبة اسطنبولي من الكنب القديم اللي كنت بشوفه في بيت جدي ابو ابويا زمان!
حط الشاب الورق وجه ناحيتي، عدى من جنبي وكأنه مش شايفني، او زي ما تقول كده انا اللي كنت شفاف!
خرج احمد اللي عرفت بديهيًا كده إنه خالي.. من التكعيبة، وبمجرد خروجه حسيت بالمكان بيختلف من حواليا تاني، الدنيا من حواليا بقت ضلمة كحل، دي حتى الريحة.. الريحة اللي شمتها كانت ريحة قذرة وكأنها ريحة عفونة وعطن، اتمشيت في الضلمة وحاولت ارجع ناحية الباب عشان اخرج، بس قبل ما اخرج من المكان فجأة حسيت بهوا سخن اوي جاي من ورايا.. ولما بقول هوا سُخن فانا ماقصدش هوا دافي او مُجرد سخونية، ده الهوا اللي كنت حاسس بيه كان زي النار، لدرجة اني حسيت بألم في ضهري، فلفيت عشان اشوف مين اللي ورايا، وفي لحظة برقت لما شوفت اللي شوفته قصادي.. راجل شبه الشاب اللي كنت شايفه من ثواني بس مش هو، ده لون جلده رمادي وعيونه حمرا وجسمه كله مليان شعر، والابشع من ده كله بقى هي النار اللي كانت وراه على طول.. نار غريبة كان مصدرها ضهره.. وكأن النار دي ماسكة فيه او هي نفسها جزء من جسمه!
وقفت قدامه وانا مصدوم لفترة قصيرة.. فترة ماعرفش قد ايه، بس اللي انا عارفه كويس إني اول ما فتحت بوقي عشان اتكلم او اسأله هو مين، حسيت بهوا سخن قوي خبطني في صدري، وقعت على ضهري غصب عني ومع وقعتي بصيت قصادي، انا بعد الوقعة خرجت برة التكعيبة، وقصادي كان نفس الباب الخشب المقفول بقفل!
قومت وقفت وانا ببص للباب بذهول.. انا ايه اللي شوفته ده وازاي شوفته من أصله، انا من ثواني بس كنت قصاد الباب، وفي خلال الثواني اللي فاتوا دول.. الباب اتفتح والزمن اتغير وشوفت خالي الله يرحمه.. ايوة، اللي شوفته قصادي ده كان خالي احمد، اكيد هو.. بس ازاي انا شوفته وايه اللي حصل لي ده بعد ماهو خرج من التكعيبة؟
اسئلة كتير مالهاش أجابات بسبب حاجات غريبة بعد ما شوفتها، دخلت جري من الصالة لأوضتي، قعدت على سريري ومسكت موبايلي وشغلت قرأن، بس الغريب اكتر بقى.. إن انا لما مسكت الموبايل اتفاجأت، الساعة فجأة كده بقت تلاتة ونص الصبح.. ازاي الوقت ده كله فات في الثواني دي!
فضلت مبرق وبترعش من الخوف وانا قاعد في مكاني على السرير لحد ما حسيت بصداع رهيب.. صداع خلاني غصب عني غمضت عيني وابتديت اروح في النوم.
نمت كتير.. ماكنش نوم عادي، انا نمت نوم تعب وكأني خارج من علقة، لحد ما صحيت على صوت خبط قوي..!
فتحت عيني وقعدت على السرير وانا ببص على الباب، اكيد اللي بيخبط ده مش جدي، اللي شوفته امبارح وخوفي من اللي مريت بيه، خلوني قعدت على السرير وانكمشت في نفسي..
-ممين.. مين اللي بيخبط؟!
-انا جدك يا مروان.. اصحى يا ابني الساعة بقت ١٢ الضهر.
خدت نفسي بارتياحية لما اطمنت إنه جدي، قومت فتحتله الباب وابتسمت في وشه عشان مايلاحظش إن فيا حاجة متغيرة، صبحت عليه وقولتله إني نمت كتير بسبب إني كنت تعبان من السفر، بعد كده خرجت وغسلت وشي وغيرت هدومي وقعدت افطر معاه، بس غصب عني وانا قاعد بفطر كنت سرحان ومش في كامل تركيزي، اللي انا شوفته بالليل مايعديش بالساهل، ويمكن ده اللي كان مخليني كمان مع سرحاني وتوهاني.. كان مخليني تلقائيًا كده عمال ابص على باب التكعيبة كل شوية، ولما لاحظ جدي إن عنيا زايغة وعمال ابص على الباب، بسرعة فوقني لما قال لي..
-مروان.. مالك؟!
-ها!.. ماليش يا جدي ماليش، انا بس تلاقيني لسه مش فايق ومش مركز عشان نمت كتير.
لما قولتله كده بص للباب وبعد كده بص لي..
-قولتلك اعتبرها مش موجودة.. ركز في حياتك وفي دنيتك وماتشغلش بالك بأي حاجة مالهاش لزمة، انت من بكرة هتروح الجامعة وهتبدأ تحضر محاضراتك، انسى بقى كل اللي فات وركز في اللي جاي.. واياك يا مروان، اياك تفكر في أي حاجة غير مستقبلك.. انا يا ابني خايف عليك وعامل على مصلحتك، ولو على التكعيبة اللي شاغلة بالك دي يا سيدي فانا هجيبلك الخلاصة، انا قافلها عشان بتفكرني بخالك الله يرحمه، هي دي كل الحكاية، لا فيها حاجة عليها القيمة ولا حتى هتزودنا لو اتفتحت.. سيبك منها بقى وفوق كده وجهز نفسك للجامعة، انت لازم تتخرج بمجموع كويس عشان اشوفلك شغلانة كويسة وبعد كده اجوزك.. ولا انت مش عايز تبقى عريس يا واد؟!
كنت بسمع جدي وهو عمال يتكلم وانا مش معاه، ودن من طين وودن من عجين، اللي كنت بسمعه من هنا كنت بخرجه من الناحية التانية، انا اه هروح الجامعة اللي اتنقلت فيها وهشوف حياتي، بس موضوع التكعيبة ده انا لازم افهمه، ماهو كلام جدي عن إنه قافلها بسبب إنها بتفكره بخالي ماكنش كلام مُقنع بالنسبة لي، انا اه عارف إن خالي احمد انتحر وشنق نفسه جواها، وان جدي ممكن يكون قافلها عشان كده اه.. لكن ده مش السبب الوحيد اللي يخليه قافلها بالشكل ده وطول السنين اللي فاتت دي كلها. ايوة انا فاكر كلام امي الله يرحمها عن خالي.. كل ما سيرته كانت بتيجي، كانت بتقول إنه انتحر في عز شبابه بسبب إنه كان عيان، جت له كهربا زيادة وكان تملي بيتشنج وبيعمل حاجات غريبة، ولما تعب من الدنيا ويأس من العلاجات، قرر انه يشنق نفسه ويرتاح!
بس لا.. اللي انا شايفه على وش جدي من قلق لما ببص على باب التكعيبة، وصور خالي اللي متشالة، او مقصوصة من كل الصور اللي في البيت، كل دي حاجات بتقول إن في حاجة ناقصة، خالي احمد الله يرحمه كان وراه حكاية كبيرة اوي.. حكاية أكيد مش هقدر اعرفها غير لما افتح التكعيبة وادخلها.
كنت بتكلم جوة راسي وانا ساكت، انا بس كنت بهز راسي على اي حاجة جدي بيقولها لحد ما خلصنا أكل، وبعد ما خلصنا ونضفنا مكاننا، قرب مني جدي وقال لي..
-جهز نفسك يا واد.. بعد ما نشرب الشاي عاوزك تدخل تلبس كويس كده عشان هننزل نتمشى شوية في البلد، واهو منها افرجك على الدنيا وعلى الناس، وكمان اشتريلك هدوم جديدة عشان تروح بيها الجامعة.
بصيتله وابتسمت كالعادة وبعد كده عملتلنا كوبايتين شاي ولبسنا ونزلنا، قضينا اليوم ده كله برة البيت، لفينا على محلات كتير واتمشينا في المركز كله تقريبًا، الناس كانوا طيبين وفي حالهم.. مختلفين تمامًا عن الصعايدة اللي بنشوفهم في الأفلام، ناس متحضرين ومابيتكلموش باللكنة الصعيدية المعروفة، يمكن عشان ده مركز مش قرية، ولا يمكن الأفلام والمسلسلات هي اللي بتبالغ.. كل شيء جايز.. بس الأكيد إن انا يومها لفيت مع جدي كتير اوي، وكمان اشترالي هدوم وحاجات للبيت وبعد كده روحنا البيت، روحنا على الساعة تسعة بالليل، ولأننا كنا اتغدينا برة، فجدي لما سألني اذا كنت هتعشى ولا لأ، قولتله إن انا شبعان واني بس محتاج انام جدًا..
اقتنع بكلامي وسابني دخلت الأوضة وهو قعد في الصالة يتفرج على التلفزيون شوية، بس تعرف.. انا ماكنتش عاوز انام، انا كنت قاعد في الأوضة وانا بفكر في اللي هعمله الليلة دي، انا لازم ادخل التكعيبة، بس هدخلها ازاي والمفتاح في سلسلة المفاتيح بتاعت جدي، والسلسلة دي بياخدها معاه أوضته وهو نايم، طب ماهي سهلة اهي.. انا افضل قاعد مستنيه لحد ما يخلص فرجة على التلفزيون ويدخل ينام، وبعد ما ينام بشوية، اتسحب بالراحة كده وادخل أوضته واخد المفاتيح من غير ما يحس، وبعدبن ابقى ادخل واشوف ايه اللي مستخبي جوة!
وفعلًا فضلت قاعد لحد ما سمعت صوت التلفزيون انطفى، وبعده سمعت صوت باب أوضة جدي وهو بيتقفل، وبعد حوالي ساعة وشوية، قومت من مكاني وفتحت باب أوضتي وخرجت منها بالراحة، كنت بمشي على طراطيف صوابعي عشان مايسمعنيش، وقبل ما اوصل لباب أوضة جدي وافتحه، وقفت في مكاني لما سمعت صوت باب التكعيبة بيتفتح!
بصيت ناحيته لقيته مقفول، طب ازاي؟.. انا لسه حالًا سامعه وهو بيتفتح!
حاجة جوايا خلتني اروح ناحيته، قربت منه واول ما بقيت قصاده بالظبط سمعت من جوة صوت خالي احمد وهو بيقول كلام غريب…
(احضر بحق أسماء السادة الأولين وأسماء خدامهم، بحق محرز الأكبر وزرغال وأل العوازر.. احضر يا عائن بحق أسماء أبيك ملك ملوك النيران.. الساقط من السماء)
بعدت فجأة لما سمعت صوت خالي بيتغير، صوته بقى أغلظ وأتخن، وكأن في حد تاني بيتكلم بلسانه.. ومع بُعدي كام خطوة عن الباب سمعت الصوت الغليظ وهو بيتكلم من تاني، بس المرة دي قال جُملة واحدة..
(حَضرت يا ابن أدم..)
يتبع…
ده الجزء الأول من قصة التكعيبة
التكعيبة
٢
وقبل ما اوصل لباب أوضة جدي وافتحه، وقفت في مكاني لما سمعت صوت باب التكعيبة بيتفتح!
بصيت ناحيته لقيته مقفول، طب ازاي؟.. انا لسه حالًا سامعه وهو بيتفتح!
حاجة جوايا خلتني اروح ناحيته، قربت منه واول ما بقيت قصاده بالظبط سمعت من جوة صوت خالي احمد وهو بيقول كلام غريب…
(احضر بحق أسماء السادة الأولين وأسماء خدامهم، بحق محرز الأكبر وزرغال وأل العوازر.. احضر يا عائن بحق أسماء أبيك ملك ملوك النيران.. الساقط من السماء)
بعدت فجأة لما سمعت صوت خالي بيتغير، صوته بقى أغلظ وأتخن، وكأن في حد تاني بيتكلم بلسانه.. ومع بُعدي كام خطوة عن الباب سمعت الصوت الغليظ وهو بيتكلم من تاني، بس المرة دي قال جُملة واحدة..
(حَضرت يا ابن أدم..)
وبعد الجُملة دي على طول سمعت من جوة صوت صرخات متتابعة، كانت أشبه بأصوات حد بيتحرق وبيستنجد عشان حد ينقذه، لا لا لا دي مش أشبه ولا حاجة، دي فعلًا التكعيبة بتتحرق، وأكبر دليل على كده هو الدخان اللي كان خارج من تحت عُقب الباب!
بعدت اكتر وانا مش عارف اعمل ايه، اجري على أوضتي واهرب من كل اللي انا شوفته وسمعته، ولا ادخل اصحي جدي واحكيله!
ماخدتش وقت كبير في التفكير، لأني فجأة لقيت الباب بيتهز، ومن الفتحة البسيطة اللي في نهايته شوفت دم لونه أسود بينزل من عليه وبيغرق الأرض، الدم كان بينزل بغزارة وبشكل مستمر لحد ما غرق الأرض، وفي لحظة لقيت الباب بيتفتح والقفل اللي كان مقفول بيه بيختفى، صوته كان مزعج اوي ومرعب لدرجة إن انا بعدت عنه اكتر واكتر، لكن المرعب اكتر من صوت الباب.. كان الشخص اللي خرج من جوة.. نفس الشخص اللي شوفت ضهره مولع في الليلة اللي فاتت، كان بيتمشى بالراحة وسط الدم لحد ما وقف قصادي، ابتسم لي ابتسامة خلت كل شعرة في جسمي انتصبت، ريقي نِشف.. مابقتش قادر لا اتنفس ولا اتحرك ولا حتى اتكلم، الزمن وقف بيا وهو واقف قصادي، لف وشه وبص ناحية التكعيبة اللي بابها كان مفتوح، وبعد كده رجع بص لي تاني وقال كلمة واحدة…
(الأوراق…)
قالها ودخل التكعيبة من تاني، ومع دخوله حسيت بالمكان بيتهز.. زلزال قوي استمر للدقيقة، بعده الباب اتقفل والقفل ظهر وكل حاجة اختفت، الدم والدخان وكل حاجة، كأن شيئًا لم يكن!
فوقت من الذهول ومن حالة التوهان والرعب اللي كنت فيها على صوت أذان الفجر، ومعاه سمعت صوت خارج من أوضة جدي، أكيد جدي صحي عشان يصلي الفجر كعادته.
دخلت بسرعة أوضتي وقفلت بابها وقعدت على السرير، انا مرعوب وفي نفس الوقت مش فاهم حاجة، ماهو يأما اشوف صرفة ادخل بيها للتكعيبة دي، يأما اسيب البيت ده كله وارجع لشقتي اللي في القاهرة.
فضلت قاعد مكاني وانا دماغي هتنفجر من كتر التفكير، ماعرفش نمت ولا غمضت عيني من الأرهاق والخوف، لكن اللي انا فاكره كويس هو إني صحيت كالعادة على صوت خبط جدي على باب أوضتي، وكالعادة برضه قومت فتحتله الباب وقولتله اني جاهز لأول يوم ليا في الجامعة الجديدة.. وبعد ما فطرت معاه ونزلت للجامعة، بدأت اشغل دماغي بقى، ماكنتش مركز لا مع زمايلي ولا مع المحاضرات ولا مع أي حاجة من اللي حواليا، انا تركيزي كله هناك.. مع التكعيبة واللي جواها!
مر اليوم بملل وقرف وخنقة، وبعد ما جدول المحاضرات انتهى ووقت ما كنت راجع للبيت، وقفت قصاد صيدلية، رسمت على وشي ملامح ضيق ودخلت على الشاب اللي واقف فيها وقولتله..
-بعد أذن حضرتك، انا عندي مشكلة ومش عارف اعمل فيها ايه؟!
ابتسم لي ابتسامة مصطنعة..
-تحت امرك يا فندم، مشكلة ايه، خير ان شاء الله؟
-انا مش من هنا.. انا اصلًا من القاهرة وجيت قعدت مع جدي بسبب ظروف عائلية، والمشكلة عندي بقى هي تغير المكان، انا لما بغير مكان نومتي مابعرفش انام.. يعني انا هنا بقالي تلات ليالي، ومش عارف انام فيهم ساعتين على بعض، فياريت يعني لو حضرتك تديني منوم قوي عشان اعرف انام بهدوء لأني كده هتجنن.
سَرح الصيدلي شوية وهو بيفكر هيديني ايه، بعد كده راح ناحية رف من الارفف اللي حواليه وجاب علبة برشام، فتحها وطلع منها شريط واداهولي وهو بيقول لي..
-خد حباية من ده اول ما تدخل السرير، البرشام ده مش مُضر ولا له أي مضاعفات، بالعكس.. ده مُهديء وفاتح للشهية، خد منه واحدة وانت هتنام مش لوقت طويل، بس صدقني هتنام نوم هادي وهتدعيلي، بس نصيحة أخوية يعني، ماتكرروش تاني، خد منه مرة واحدة بس.
ابتسمتله بسعادة وخدت منه الشريط وحاسبته عليه وروحت، وبمجرد وصولي للبيت رسمت على وشي سعادة كدابة عشان افهم جدي اني كنت مبسوط باليوم، وبعد ما اتغدينا وقعدنا نتكلم شوية، دخلت أوضتي وعملت نفسي بذاكر لحد بالليل، ومع معاد العشا.. خرجت من الأوضة وحضرت انا وجدي العشا وقعدنا اتعشينا، وطبعًا بعد العشا دحلت عملت لجدي كوباية الشاي السادة زي ما بيحب، بس المرة دي بقى حطيتله في كوباية الشاي البرشامة المنومة.. ايوة، انا لازم اخليه ينام الليلة دي، وادخل اخد المفاتيح وافتح التكعيبة واشوف ايه اللي جواها.
واللي رتبتله حصل، جدي بعد ما شرب الشاي دخل أوضته ونام، وبعد حوالي نص ساعة.. روحت جري على باب الأوضة اللي لما فتحته شوفت جدي على سريره وهو رايح في سابع نومة لدرجة انه عمال يشخر، قربت منه بحذر وخدت سلسلة المفاتيح وبكل هدوء خرجت، وفتحت القفل ورجعت المفاتيح تاني مكانها وقفلت باب الأوضة عليه وخرجت.
وقفت قصاد التكعيبة وبصيت للقفل المفتوح، شيلته من مكانه وفتحت الباب ودخلت، ريحة قذرة وضلمة كُحل.. ضلمة بلعت جواها نور كشاف موبايلي، بس انا ماهمنيش، انا دخلت وروحت ناحية الكنبة الاسطنبولي اللي كانت في مكانها زي ما شوفتها من يومين، انا اه مادخلتش الأوضة دي.. بس في حاجة او حد خلاني اشوفها عشان اعرف مكانها، مكان الأوراق..
روحت ناحية الكنبة وشيلت المرتبة الصغيرة اللي عليها، واللي حسبته لقيته، الكنبة جواها سحارة او مكان فاضي.. مكان جواه ورق فلوسكاب اصفر، الورق كان مرصوص فوق بعضه، أخدته بالراحة وانا حاطط الموبايل بتاعي في بوقي عشان ينور لي، بعد كده خرجت وقفلت القفل ورايا وخدت الورق ورجعت جري على أوضتي، قعدت على سريري وبدأت اقراه بالترتيب.. كانت اول كام ورقة عبارة عن جوابات حب من خالي احمد لواحدة اسمها سمرة، وبعد الجوابات دي كان في ورقة غريبة اوي مكتوب فيها باللغة العربية الفصحى كلام مافهمتوش في الأول..
(البداية هناك.. في بابل، قبل الميلاد.. بعد زمن هاروت وماروت، وبعد أن تعلموا بعض من الناس السحر.. أصبحوا هم الجيل الأول، جيل الصفوة.. وأبنائهم جيل الأبناء، والنسل التالي.. كانوا الأحفاد.. ولكن.. الأحفاد مع مرور الأعوام وتوالي العصور.. أصبحوا جيل الأجداد، وأبائهم اصبحوا جيل الشاهدين، والأوائل ظلوا كما هم.. جيل الصفوة، أما عن لقب الأحفاد، فقد كان من نصيب الورثة، كل من كان من نسل الصفوة أصبح حفيد مُحصن، لا عزيمة ولا سحر ولا جن.. يستطيع أذيتهم، وهنا كانت المُعضلة.. فهي.. هي كانت واحدة من جيل الأحفاد… ولذلك.. أنقلب السحر على الساحر…)
ولحد هنا خِلصت الكتابة اللي في الورقة، فمسكت الورقة اللي بعدها وابتديت اقرا، دي زي مذكرات او فضفضة كتبها خالي بخط إيده..
(سمرة لما كلمت امها رفضتني.. رفضتني وقالت لها إنها لازم تتجوز ابن عمها اللي شغال برة مصر اول ما يرجع… وهي.. هي مارفضتش، ماقاومتش، ماحاربتش عشاني، وكأنها كانت مستنية كلام امها عشان تقفل كل الأبواب في وشي، يعني الحب اللي كنت بحبه فيها طول السنين اللي فاتت دي، كان حب من طرف واحد!.. كل الاغاني والجوابات والورد وكل اللي عيشته ده كان كدب!)
ولحد هنا خلصت الورقة دي، فمسكت الورقة اللي بعدها وكملت قراية..
(سمرة اتجوزته.. اتجوزته وسافرت معاه، حرقت قلبي ودمرت حياتي، انا ازاي هكمل كده، انا مابقتش عارف اعيش.. لا بقيت عارف اذاكر ولا آكل ولا اشرب ولا اقعد مع اهلي، مين الغبي اللي قال إن الراجل مابيعيطش.. انا كل ليلة دموعي بتحرق قلبي، انا مش عارف هعمل ايه بعد كده.. انا حقيقي بفكر في الانتحار..)
ولما خلصت الورقة دي وجيت اقرا في الورقة اللي بعد كده، حسيت إن اللي بيكتب شخص مختلف، شخص اقوى من الشخص اللي كان منهار وهو بيكتب الورقة اللي قبلها..
(انا كنت بتفسح في القاهرة، شوية شباب اصحابي غصبوا عليا اطلع معاهم رحلة للقاهرة تبع الجامعة.. ولما أهلي وافقوا عشان اخرج من اللي انا فيه وروحت معاهم ولفيت في شوارع القاهرة، بالصدفة لقيت فرشة كتب قديمة في منطقة اسمها الغورية.. لفت نظري من على الفرشة دي كتاب اسمه “سحر الكُهان في طرق تحضير الجان” فاشتريت الكتاب بدافع الفضول وكمان بدافع حاجة اقوى، انا ليه قلبي يتحرق لوحده لما ممكن احرق حياة اللي حرقتهولي هي وجوزها!)
خلصت الورقة ومسكت الورقة اللي بعدها وكملت قراية وانا مبرق…
(انا حضرت جن.. او شيطان مش عارف، بس هو بيأذيني انا مش عارف ليه ولا ازاي، انا لما اديته صورتها الصورة اتحرقت في إيدي، ومن بعدها وانا ماسمعتش عن اي حاجة وحشة حصلتلها، انا اللي بتأذي مش هي، ومابقتش عارف اتصرف ازاي.. انا لازم اشوف حد بيفهم في الأمور دي واحكيله اللي حصل لي، جايز الاقي عنده حل..)
الورق كان كبير اه، لكن الكلام اللي فيه كان قليل، كأن اللي بيكتب شخص مهزوز ومش متزن، كان بيكتب سطرين او تلاتة.. او بالكتير اربعة في كل صفحة، وعشان كده الكلام كان خلص في الورقة دي، فمسكت اللي بعدها وكملت..
(انا لما روحت لراجل ساحر او دجال يعني اسمه ابو زياد، قال لي إن انا حضرت جن كافر… جن قوي جدًا كان المفروض إنه هيساعدني في أذية سمرة وجوزها، بس كالعادة يعني ومن سوء حظي، في حاجة منعته من إنه يأذيها وأذاني انا.. الراجل قال لي إنها ممكن تكون من نسل الصفوة، والصفوة دول هم الناس اللي اتعلموا زمان السحر من هاروت وماروت.. وماكنش شرط اوي يعني أن نسلهم يبقوا سحرة.. دول ليهم نسل عادي وناس عاديين عايشين وسطنا، لكنهم ناس مُحصين، مابيأثرش فيهم لا سحر ولا جن، ولو حد بس فكر يأذيهم، السحر بيتقلب عليه والجن اللي سخره عشان يأذيهم بيأذيه هو.. اه الراجل معاه حق، ماهي سمرة مابتصليش ولا ليها روحانيات قوية يعني عشان الجن يخاف منها لدرجة إنه يأذيني انا بدل ما يأذيها هي وجوزها، زي ما طلبت منه.. انا هتجنن… هتجنن ومش عارف اعمل ايه)
ولحد هنا الورقة دي كانت خلصت، فمسكت اللي بعدها وكملت..
(انا تعبان اوي ومابنامش، بقى بيظهرلي في كل مكان، وابويا بدأ يلاحظ إن انا مش مظبوط، انا ندمان على كل اللي فات، ندمان إن انا سيبت نفسي للحزن لحد ما وصلني للي انا فيه ده، وكمان ندمان على إني طاوعت وسوسات شيطاني واشتريت الكتاب وحضرت منه في يوم ماكنوش اهلي موجودين فيه في البيت.. انا خايف اوي.. ومش بس خايف على نفسي، انا كمان خايف على أهلي مني ومنه، انا اوقات كتير بقوم من النوم بلاقي نفسي واقف في المطبخ وماسك سكينة ومعور نفسي، واوقات بنام كتير اوي ولما بصحى، بلاقي نفسي نايم في الحمام!.. انا ندمان وبفكر اروح لشيخ بجد عشان يصرفه، انا كنت في نِعم كبيرة اوي من ربنا ادركتها دلوقتي بس.. الحياة العادية اللي كنت عايشها دي في حد ذاتها نعمة، انا مش هسيبه يسيطر عليا ولا هسيبه يموتني او يموت او يأذي أهلي.. انا هروح لشيخ.. لازم اروح لشيخ، ولازم كمان اهلي مايعرفوش اللي انا عملته، ابويا راجل شديد اوي وممكن يبهدلني لو عرف)
وبس.. خلص كلام خالي لحد هنا، طب ايه.. انا مش فاهم حاجة، ازاي خالي انتحر وهو قايل كده، ده في نهاية كلامه قايل إنه مش هيستسلم، ده مش كلام واحد ناوي ينتحر ولا حتى ناوي يأذي نفسه او يأذي حد من اللي حواليه!
وعشان كل الأسئلة اللي دارت في دماغي دي، قومت من مكاني وروحت أوضة جدي من تاني، خدت المفاتيح ورجعت للتكعيبة وفتحتها، فضلت ادور فيها على اي ورق تاني او اي حاجة تفهمني اللي حصل، بس مالقتش، ومع تعبي وزهقي من كتر التدوير فجأة شوفت كل حاجة.. شوفت كل حاجة لما في لحظة واحدة المكان كله اتبدل من حواليا، التكعيبة نورت وظهر على الكنبة خالي احمد وهو قاعد بيعيط، وجدي غازي كان واقف قصاده…
-ازاي تعمل كده وليه، كل ده عشانها، كل ده عشان بتحبها؟.. اهو حبها خلاك كفرت وحولك من شاب لسه بيبدأ حياته لمسخ، مسخ وشيطان انا نفسي بقيت بخاف منه.. يا اخي ملعون ابو ده حب لو هيبقى بالشكل ده، انت مدرك انت كنت هتعمل ايه.. انت كنت هتولع في البيت وانا نايم، الحمد لله إن امك مش هنا وألا كانت هتروح فيها لو سمعت الكلام اللي انت قولتهولي ده، جن يا احمد!.. اخرتها ابني المُتعلم بقى بيحضر جن!
لما جدي قال له كده، رفع راسه وبص له وهو بيعيط..
-كنت عاوزني اعمل ايه يعني، كل اللي حصل كان غصب عني.. انا قلبي كان بيتحرق كل ليلة وماحدش حاسس بيا، انت نفسك ماكنتش حاسس بيا، عمرك ما قربت مني ولا سألتني فيا ايه، مانكرش إنك كنت ومازلت بتنفذلي كل طلباتي لأني ابنك والولد الوحيد.. بس عمرك ما قربت مني، كنت بتديني فلوسي وبتنفذلي طلباتي عشان تريح دماغك من الكلام معايا، عمرك ما علمتني ابقى قوي ولا صاحبتني.. ايوة.. انت كمان غلطان يا حاج غازي، غلطان زيك زي سمرة وامها بالظبط، وصدقني.. لو كنت كبرت ولقيتك مصاحبني وبتسمحلي اني اتكلم معاك زي ما كل العيال بيتكلموا مع أهاليهم، كان زماني دلوقتي حاكيلك كل حاجة وعمري ما كنت هعمل حاجة من وراك، لا كنت هشتري الكتاب ولا كنت هحضر جن ولا كنت هتكسر زي ما انت شايفني دلوقتي كده.
قرب جدي منه ومسكه من درعاته ووقفه وقال له بصوت عالي..
-ايه.. كنت عاوني اعملك ايه يعني، انا طول اليوم طالع عيني في الشغل عشان اوفرلك مصاريفك ومصاريف امك، وكمان عشان اسدد فلوس الجمعيات اللي دخلتها عشان اعرف اجهز اختك واجوزها، انا مش غلطان يا احمد.. انت اللي اتدلعت زيادة عن اللزوم وكنت لازم تتربى، انا لو غلطت في حاجة، فانا غلطت في إني ماكنتش بقسى عليك، انت محتاج تتربى من أول وجديد.
قصة التكعيبة
وساعتها فضل جدي يضرب خالي بالاقلام لحد ما مرة واحدة خالي ملامحه اتغيرت، وشه بقى لون جلده رنادي فاتح وعينيه بقت حمرة زي الدم، زق جدي في صدري وضربه، بس جدي ما استسلمش، ده قام له وقرب منه وفضل يقرا قرأن بصوت عالي وهو بيضربه لحد ما وقع على الكنبة، كان عمال يطلع صوت غريب وكأنه بيحتضر، قرب منه جدي اكتر عشان يكتفه، لكنه ضربه بالقلام وفضل يقاومه لحد ما جدي مسك المخدة اللي موجودة على الكنبه وكتم نفسه وهو لسه برضه بيقرا قرأن.. دقايق وخالي جسمه كان ساب، ايوة خالي مات، ومع موته جدي ماكنش مصدق، فضل مذهول ومبرق له، وفي لحظة المكان اتبدل من تاني.. فجأة ظهر في السقف حبل غسيل وتحته كرسيين، وقصادي ظهر جدي وهو شايل خالي ولف الحبل حوالين رقبته وهو واقف على كرسي وجسمه مسنود عليه، وبدون أي مقدمات، نزل جدي من مكانه وسحب الكرسيين عشان يظهر خالي قدامي وهو مشنوق!
قصة التكعيبة
-الله يخربيتك، انت عملت ايه.. فتحت التكعيبة ليه.. فتحتها ليه الله يخربيتك؟
بصيت ورايا على مصدر الصوت.. لقيته جدي، جدي صحي ودخل عليا التكعيبة اللي في ثواني رجعت ضلمة من تاني، روحت ناحيته وخرجت وانا ماسك الورق في إيدي، بصيت فيه وانا بقول له بذهول..
-الورق ده بيقول إن خالي ما انتحرش، خالي اتقتل وانت اللي قتلته!
اول ما قولت لجدي كده، قعد على كرسي من كراسي الصالة وقال لي بكسرة..
-كان لازم يموت يا ابني.. ده ماكنش ابني، انا دلعته اكتر من اللازم لحد ما بقى شيطان.. اينعم انا كنت مهتم بشغلي وماكنتش بهتم بيه زي ما كنت بهتم بأي حاجة تانية في حياتي، بس ده ماكنش مبرر.. انا ماقصرتش معاه للدرجة دي، ولو ام البت اللي كان بيحبها كانت وافقت عليه، انا كنت هخطبهاله، بس هو اللي ما اقتنعش، ماقدرش يفهم ان كل شيء قسمة ونصيب.. احمد كان عاوز البت بالعافية زي اتعود انه ياخد كل حاجة بالعافية، وللأسف.. انا ما أدركتش اللي هو فيه إلا متأخر..
حط جدي إيديه على وشه وكمل كلامه وهو بيعيط بحُرقة..
قصة التكعيبة
-يومها كنت نايم في أوضتي وهو كان معايا، وستك الله يرحمها كانت بايتة عند ابوها لأنه كان تعبان وبيموت، بس لما قومت من النوم على ريحة شياط.. لقيت خالك واقف في المطبخ وعمال يولع في الكبريت ويرميه في الارض، كان واقف مبرق وملامحه متغيرة.. فوقته من اللي هو فيه وساعتها فضل يعيط، ولما بقى أهدى وسألته عن اللي كان بيعمله، انهار وحكالي.. حكالي عن إنه اشترى كتاب من الكتب المنيلة اللي بيستعملوها الكفرة بتوع السحر، وقال لي كمان إنه حضر جن وهو اللي خلاه يتغير بالشكل ده، كنت بسمعه وانا مذهول.. لومته بعد ما خلص وعنفته، بس هو ما اعترفش بغلطه وكان هيموتني، ولما قاومته مات.. مات غصب عني، ولأني ماعرفتش اعمل ايه وقتها فانا فضلت الف في الشقة وفي التكعيبة زي المجنون، لحد ما لقيت الورق اللي في ايدك ده وقريته، هو الكتاب المنيل اللي كان بيحضر منه، وساعتها جت في بالي فكرة انتحاره، جهزت كل حاجة وشيلته بالعافية وخليته يبان انه انتحر وبلغت البوليس، ولما البوليس جه وقرا الورق والكتاب، اقتنعوا بأنه انتحر وماحدش فكر في إن انا ممكن اكون قتلته، بس خليني اقولك إنه من بعد ما اندفن وانا رميت الكتاب وخدت الورق وحطيته في سحارة الكنبة، من وقتها والتكعيبة دي بقت ملعونة، بقينا بنسمع منها اصوات غريبة وكأن في اتنين بيتخانقوا مع بعض، وعشان اريح ستك من الحزن اللي كانت فيه من بعد موته، وكمان عشان اريحها من الأصوات اللي كنا بنسمعها، فانا جيبت شيخ وخليته يقرا في التكعيبة وقفلتها.. ومن يومها وهي مقفولة، وفضلت مقفولة لحد ما انت جيت وفتحتها و.. و..
سكت جدي وفضل يعيط بشكل هيستيري، وقتها رميت الورق من إيدي وقربت منه..
-انت بتبرر ايه.. انت مش طبيعي، ابويا كان معاه لما كان بيقول لامي انك شخص مش طبيعي، اه ابويا كان شايفك دايمًا أنسان غريب وأناني، لكنه كان بيكرمك وبيعاملك كويس بس عشان امي.. انت قاتل يا جدي، قاتل.. قتلت ابنك بدل ما تقف جنبه وتوديه لشيخ وتساعده، ومش بس كده.. انت كمان شوهت سمعته بعد ما مات وفهمت كل اللي حواليك انه انتحر عشان انت ماتروحش في داهية، بس خلاص.. كل شيء اتعرف، ومن هنا ورايح انا مش عايز اعرفك تاني.. انا همشي، هسيبلك ام البيت وهمشي، هرجع من مكان ما جيت.
قصة التكعيبة
قولتله كلامي ده ودخلت أوضتي، طلعت هدومي وحطيتها في الشنطة اللي جيت بيها عشان اسافر اول ما النهار يطلع وارجع القاهرة من تاني، بس بعد ما لميت هدومي وخرجت اكلم جدي ماردش عليا… جدي حط راسه على السفرة وسكت، سكت للأبد وهو باصص للتكعيبة اللي كانت مفتوحة وعينيه مليانة دموع.. ايوة، جدي غازي مات، ومن بعد دفنته حرقت الورق اللي لقيته ونضفت التكعيبة والبيت وقفلتهم ورجعت اعيش في القاهرة.. ولو هتسأل عن البيت.. فانا هقولك إنه لحد دلوقتي مقفول وماحدش حتى فكر يأجره.. ماهو الناس في البلد بيقولوا إنهم كل ليلة بيسمعوا اصوات صرخات خارجة منه.. بالتحديد من مكان التكعيبة، الظاهر كده إن الجن اللي حضر لسه موجود فيها.. ومش فيها وبس، الظاهر انه اتنقل معايا من هناك.. انا أوقات كتير لما بقوم من النوم بالليل او لما ببقى في الحمام بلمحه.. نفس الملامح المرعبة، نفس الجلد الرمادي والنار.. نفس القلق والتوتر والخوف والرعب.. وكأنه خلاص بقى مكتوب عليا إن حياتي تبقى مخيفة وكئيبة ومُظلمة، زيها بالظبط.. زي تكعيبة خالي الله يرحمه..!
تمت
محمد_شعبان
قصة التكعيبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط