قصص

قصة طباخ الجثث

-آلو…
-آلو…
-حد يرد عليّا…
كانت آخر لحظة أجهزة اللاسلكي اللي معانا لقطت فيها إشارة، مكَنش فاضِل غيري أنا و”باهي”، وواحد من أفراد الأمن اسمه “أحمد”، لكن الباقي كلّهم ماتوا في المجزرة اللي حصلت هنا!
في الوقت ده كان “باهي” بيهمس في ودني، وبيقولّي…
-إحنا خلاص.. هنموت هنا.
لكن “أحمد” اللي الطبنجة بتاعته وقعت منه، واحنا بنجري كان بيعنّفه، وبيقولّه…
-ما تقولش الكلمة دي تاني!
لكن كلّنا قطعنا النَّفس، بمجرّد ما سمعنا خطواته بتقرّب منّنا!
***
الموضوع من الأوّل…
الوقت كان متأخّر، في اليوم ده كُنت شغّال على بحث مهم جدًا، كُل اللي كانوا موجودين كانوا خلّصوا شغلهم ومشيوا قبلي، وبالمناسبة أنا بشتغل في معمل بيولوجي شُغله سرّي، وممنوع حد يعرف عنّه حاجة، ومعانا خبراء بيولوجيين أجانب، لكن أقدر أقولّكم إن اسمي “أمير” خبير بيولوجي، ومن ضمن الخُبرا اللي بيشتغلوا هنا، ومش هقدر أفسّر أكتر من كده عن شُغلي.
في اليوم ده خلَّصت جزء كبير من البحث اللي في إيدي، لكن طاقتي كانت خلصت ومكنتش قادر أقاوم، وقولت إنّي هقوم أروّح، ولمّا آجي بكره أضغط على نفسي أكتر؛ عشان أخلّص البحث لأنه مهم، ومطلوب إنجازه في أقرب وقت.
خرجت من الشُّغل، وكُنت بستعد إني أركب عربيتي، ولسّه بضغط على زرار السويتش عشان أفتح الباب، ولقيت عربية فورد إكسبلورر لونها أسود جاية ناحيتي، كانت قايدة نورها الكبير وضارب في عيني؛ لدرجة إني مشوفتش ماركة العربية غير لمّا وقفت قدّامي، حاولت أعرف هي واقفة ليه ومين اللي فيها، لكن معرفتش لأن إزازها كان فاميه أسود، مُستحيل تشوف منّه أي حاجة، وفجأة بيبان العربية اتفتحت ونزل منها اتنين، كانوا بيقرّبوا منّي، اتنين كان باين عليهم بيلعبوا كمال أجسام، لابسين بِدَل لونها أسود، وكُنت مستغرب هما ليه لابسين نضّارات سودة واحنا تقريبًا الساعة 2 بعد نُص الليل!
أنا كُنت مستغرب الموقف، أوّل مرة يحصل معايا موقف زي ده، ولمّا قربوا منّي كل واحد منهم مسكني من إيد، وواحد منهم قالّي…
-تعالى معانا.
لقيتني بقولّهم…
-آجي معاكم فين؟!.. انتوا مين وعايزين إيه؟!
لقيته بيقولّي بطريقة بيحاول يهدّيني بيها…
-متقلقش.. الباشا الكبير عاوزك.
لقيتني ببعِد إيديهم، وأنا بقولهم…
-باشا مين وكبير مين؟!.. أنا معرفش حد!
ولقيتهم مصمّمين إني أروح معاهم لدرجة إن الشَّخص اللي بيكلّمني قالّي…
-بَس هو يعرفك.. وصدّقني من مصلحتك تيجي معانا.
ولقيتهم بيشدّوني من إيدي وأنا بروح معاهم، ركبت العربية والاتنين قعدوا جنبي كل واحد من ناحية، ولمّا بدأنا نتحرّك لقيت واحد منهم بيربُط عيني بقماشة لونها أسود، الفِكرة ضايقتني فانفعلت، وقولتلهم…
-اللي بتعملوه ده مينفعش.
ولقيت واحد منهم بيرد عليا، وبيقولّي…
-هي التعليمات كِدَه.
بعدها مسألتش عن أي حاجة، ولا حد فيهم اتكلّم، بس اللي أقدر أقوله إن الطريق كان طويل، يعني لو عرفت أقدّر الوقت صح ممكن خدنا ساعة لحد ما وصلنا، ولمّا العربية وقفت ساعدوني إني أنزل؛ لأني مش شايف حاجة وعينيا متغمّية، كان فيه واحد منهم ماسكني من إيدي وبيوجّهني وأنا ماشي، وفضلنا ماشيين لحد ما وقفنا، وبعدها سمعت صوت باب بيتفتح، ولمّا كمّلنا ودخلنا لقيت المكان بارِد جدًا، وبعدها سمعت صوت الباب بيتقفل تاني!
حسّيت بإيد بتفُك الغمامة من على عيني، ولما عينيا بقت حُرّة خدت وقت لحد ما الزّغللة راحت منها وقدرت أشوف كويّس، أنا لقيت نفسي في أوضة حيطانها بالأسمنت، مفيهاش غير باب حديد وكان مقفول، وكان واقف الاتنين اللي خدوني معاهم وأنا بركب عربيتي، رفعت راسي فوق، ولقيت إن فيه شفّاط كبير في السّقف، ونازل من تحته لمبة نورها أصفر، التفتت حواليّا ومكنش موجود في الأوضة غير كرسي، وفجأة لقيت الاتنين اللي واقفين معايا بيتحرّكوا ناحية الباب، وبيفتحوه وبيخرجوا وبيقفلوه وراهم!
أنا لحد دلوقت مُش عارف أنا هنا ليه، ولا أنا فين، ولا مين الباشا الكبير ده، لكن لقيت فجأة صوت بيتكلّم في الأوضة، وبيقول…
-ازّيك يا “أمير”!
كُنت واقف بتلفّت حواليّا، ولقيتني فجأة بقول…
-مين اللي بيتكلّم؟!
لكنه رد عليّا، وقالّي…
-اقعُد يا “أمير”.. ليه واقِف؟!
كُنت مستغرب اللي بيكلّمني شايفني إزّاي!
بس لمّا بدأت أدقّق في الحيطان لمحت سمّاعات صغيرة متعلّقة في الكورنر بتاع الأوضة، وكل سماعة كان جنبها عدسة صغيرة، قولت أكيد اللي بيكلّمني ده شايفني دلوقت من خلال الكاميرات دي.
أنا حسّيت الموضوع كبير، وإن مش من مصلحتي أعارض أي حاجة هتتقالّي هنا لحد ما أخرج؛ عشان كده قعدت على الكرسي، وانتظرت أسمع اللي بيكلّمني هيقولّي إيه، وبعد يادوب دقيقة لقيت الصوت رجع تاني، وبيقولّي…
-أنت مبسوط في شغلك يا “أمير”؟
أنا استغربت من السّؤال، وقولت يعني أنا ماله شُغلي، أنا مُش بشتكي منه، لكنّي قولتله…
-شُغلي كويّس الحمد لله.. بس إيه علاقة شُغلي بوجودي هنا؟!
-يعني لو جاتلك فُرصة أحسن منّه تقبلها، ولا ترفضها؟!
ردّيت عليه رغم إن الكلام غريب ومش مريّحني، وقولتله…
-على حسب الشُّغل هيكون طبيعته إيه بالظبط!
ولقيته بيقولّي…
-أنا هعرض عليك عَرض.. طبيعة شغلك مُش هتتغيّر، لكن اللي هيعود عليك من الشُّغل ده كتير أوي، هيغيّرلك مستقبلك..
أنا مش فاهم إيه الفيلم اللي أنا عايش في أحداثه ده، لكنّي حبّيت أجاريه فقولتله…
-تُقصد إن دي فرصة شُغل في مختبر برّه؟!
لقيته بيضحك ضحكة مش مفهومة كده، وبيقولّي…
-لا هو هنا.. بس انت اعتبره برّه!
ولقيت الفضول بيقتلني؛ عشان أعرف أنا فين وبكلّم مين، ولقيت لساني بيسبقني وبيقولّه…
-ممكن أعرف أنا بتكلّم مع مين؟!
وزي ما يكون كان مجهّز الإجابة، لقيته بيقولّي…
-مُش ضروري تِعرف أنا مين.. خليك فاهم إن اللي يهمّك هو إنك تقبل العَرض اللي معروض عليك، دة هينقل حياتك نقلة جامدة.. ولو رفضته مش هيكون في مصلحتك.. وممكن الموضوع يوصل لأنك تقول ياريتني ما رفضت.
اضطريت إني أقبل؛ لأني مكنتش عارف إيه العواقب اللي كانت ممكن تترتب على رفضي، واعتبرت إن ده هيكون بشكل مؤقت لحد ما أعرف الموضوع رايح لفين، عشان كده لقيتني برد وبقول…
-أنا مبدئيًا موافق.. بس ممكن أعرف العائد من الشغل ده هيكون إيه؟!
-ملايين يا “أمير”، شكل حياتك كله هيتغيّر تمامًا.
وبعد ثواني لقيته بيقولّي تاني…
-دلوقت زي ما جيت هنا هترجع للمكان اللي جيت منّه.. عايزك تكون مستعد في أقرب وقت، خد أجازة مفتوحة من شغلك، وبمجرّد ما تخلّص أنا هعرف.. وساعتها هتلاقي العربية اللي جابتك هنا موجودة قدّامك؛ عشان تجيبك تاني.
وقبل ما أقوم من على الكرسي لقيته بيقولّي…
-طبعًا مش محتاج أقولّك إن أهم حاجة السرّية.. يعني مفيش مخلوق يعرف حاجة عن وجودك هنا، ولا عن شغلك الجديد حتى والدتك.. مفهوم يا “أمير”؟!
واضطريت إنّي أقوله…
-أنا فاهم طبعًا.
مكنتش محتاج إني أسمع منّه الكلام الأخير ده، ماهو الطريقة اللي جيت بيها، والجو اللي أنا عايش فيه ده بيقولوا إن الموضوع كبير، والمفروض محدش يعرف عنه حاجة، ومكنتش مستغرب برضو إنه يعرف والدتي، دا مش بعيد كمان يكون عارف إني ماليش غيرها، وعايش معاها وبس، ولحد هنا تفكيري وقف عند صوته لما بدأ يتكلم تاني، ويقول…
-دلوقت تقدر تخرج.. هترجع مكان ما جيت، وهنتظر تكون جاهز في أقرب وقت.
قومت من على الكرسي، وأنا بقولّه…
-إن شاء الله هبدأ في إجراءات الأجازة من بكرة.
ويادوب قولتله كده والباب اتفتح، ولقيت الاتنين اللي كانوا معايا واقفين بره في انتظاري، أوّل ما قرّبت من الباب لقيتهم بيغمّوا عينيا تاني، وبعدها مشيت معاهم وواحد منهم مسكني من دراعي لحد ما وصلنا للعربية، ركبت وكل واحد منهم كان قاعد جنبي من ناحية، وتقريبًا برضو هي حوالي ساعة، وبعدها العربية وقفت، وساعتها الغمامة اتشالت من على عينيا، ولقيت نفسي قدّام مكان شغلي من تاني.
نزلت من العربية وبدأت أتحرّك ناحية عربيتي، ساعتها كانت العربية اللي كنت فيها من شوية مشيت واختفت من المكان، ركبت عربيتي وبدأت أتحرّك، النهار كان قرّب يطلع، طول الطريق دماغي كانت بتحلل في اللي حصل، أنا مش قادر أعرف مين الشخص ده ولا الشغل ده فين، ولا قادر أستوعب جو الأكشن ده، وصلت البيت وركنت عربيتي وطلعت، ولما دخلت الشقة لقيت أمي منتظراني، وكانت قلقانة عليا جدًا، وأوّل ما شافتني سألتني…
-إيه اللي أخّرك يا أمير كل ده؟!
ولقيتني بقولّها…
-معلش يا أمي.. كان فيه جزء مهم من البحث بتاعي لازم يخلص، ده اللي خلاني أتأّخر.
-أنا رنيت عليك من ساعتين، وتليفونك كان غير متاح!
مديت إيدي في جيبي وطلّعت تليفوني، ولقيتني ناسيه على وضع الصامت، لكن لقيت فعلًا رسالة فيها 6 محاولات اتصال من أمي، فكّرت للحظة إن المكان اللي كنت فيه مفيهوش شبكة، وتليفوني كان خارج نطاق الخدمة، ماهو أنا في الوقت ده كنت لسه هناك، ومالقتش مبرر غير إني أقولها…
-تلاقي التليفون بس فصل شحن، وعلى ما شحنته وكده.. أنا هدخل أرتاح شوية.
-مش هتاكل.. أحضرلك أي حاجة؟
-لا، ارتاحي انتي يا أمّي.. أنا أكلت في الشغل.
أنا عينيا مغمّضتش، على عكس كل يوم باجي أحط راسي على المخدة ومحسش بالدنيا، كان كل تفكيري هو إيه اللي هيحصل لو قبلت العرض ده، يعني العائد المادي اللي بيقول إنه هيغيّر حياتي، أي نعم أنا مرتبي مش قليل، لكن مش هو اللي يخلّي شكل حياتي يختلف في وقت قصير، طيب ولو رفضت إيه العواقب اللي ممكن تحصل؟!
أنا كنت حاسس في لهجة اللي بيكلمني بتهديد، والسؤال اللي كان محيّرني أكتر هو ليه هيدفعلي كل ده؟! وفي مقابل إيه بالظبط؟!
عينيا مغمّضتش غير على الضُّهر تقريبًا، وبرغم كده منمتش كتير، لقيت نفسي صاحي بعد العصر، وأنا شُغلي بيبدأ من بعد المغرب، قومت واتغدّيت مع أمي، وبعدها جهزت عشان أنزل شغلي، ولما وصلت كنت مقرّر إني هبدأ إجراءات أجازة، كان عندي فضول إني أعيش التجربة، وكان شرط قبول الإجازة إني أنتهي من البحث اللي أنا شغال عليه، واللي مكنش باقي فيه غير حاجات بسيطة ويخلص، والحمد لله قدرت أنتهي منه في الليلة دي، وفي اليوم التاني لما وصلت شغلي قدرت آخد إخلاء طرف، وبكده بقيت جاهز.
خرجت من الشغل، واتفاجئت بنفس العربية متنظراني، ونفس الاتنين اللي كانوا فيها بينزلوا، وبيطلبوا منّي أركب معاهم، قبل ما أركب طلبت منهم أكلّم أمي؛ عشان أقولها إني عندي بحث مهم، وهقعد كام يوم في شغل لازم يخلص، خلّصت معاها مكالمة، وطلبت مني آخد بالي من نفسي، وقالتلي إنها هتطمن عليا من وقت للتاني، لكن قبل ما أركب معاهم فكرت في عربيتي اللي هسيبها مركونة في مكان شغلي، طلبت منهم أركب عربيتي وأروح أركنها عند البيت، وهما ييجوا ورايا وأروح معاهم من هناك، لكنهم رفضوا وقالوا إن الباشا الكبير منتظرني، وإنهم هيخلصوا موضوع العربية، وخدوا منّي السويتش، وقالولي متحملش هم حاجة!
نفس اللي حصل المرة اللي فاتت اتكرّر تاني، ركبت معاهم وربطوا عينيا بالقماشة السودة، وكل واحد قعد جنبي من ناحية، وبعد ساعة كنت في نفس الأوضة اللي كنت فيها.
الكلام المرة دي كان مختلف؛ لأن اللي بيكلّمني كان بيقولي…
-انت النهاردة هتستلم الشغل معانا يا “أمير”، مش عاوزك تسأل عن مكانه.. إحنا هنودّيك هناك بطريقتنا.. تليفونك هيكون معانا، ووالدتك هتكلمك كل يوم.
استغربت الكلام، ورديت وقولت…
-هتكلمني ازّاي، وانتوا هتاخدوا التليفون؟!
-ده شغلنا متشغلش بالك.. المهم أنت هتطلع دلوقت من هنا على المختبر اللي هتستلم شغلك فيه.
وبمجرد ما الكلام انتهى باب الأوضة اتفتح، وأول ما الاتنين اللي كانوا معايا دخلوا أخدوا تليفوني، وغمّوا عينيا من تاني، ومشيت معاهم وركبت العربية، الطريق كان طويل جدًا لدرجة إني حسيت بالملل، مفيش كلام أو أي حاجة تخليك متحسّش بالوقت، لحد العربية ما بدأت تتهزّ وهي ماشية، وقتها عرفت إننا خرجنا من الأسفلت، ودخلنا طريق ترابي أو صحراوي، في الطريق ده خدنا حوالي ساعة كمان، لحد ما العربية وقفت ونزلنا، عينيا كانت لسه متغمّية، وواحد منهم كان ماسكني من دراعي عشان أمشي معاهم، وبعد كام خطوة وقفنا، وسمعت صوت واحد منهم بيتكلّم، وبيقول…
-إحنا وصلنا.. إحنا دلوقت قدام الباب.
وسمعت صوت باب بيتفتح، وبعدها بدأنا نتحرك، ولقيت نفسي بنزل معاهم سلّم كأني نازل بدروم، وبعدها الباب اتقفل، وبعد ما نزلنا السلم مشينا في ممر، وبمجرد ما وقفنا لقيت واحد من اللي معايا بيتكلّم وبيقول…
-يا “أحمد”.. وصّل “أمير”، وخلّيه مع “باهي”.. هو عارف المطلوب.
في الوقت ده الغمامة اتشالت من على عيني، الدنيا كانت مشوّشة من حواليا وعينيا مزغللة، كنت بفرك عيني بإيدي عشان فضولي كان واخدني إني أعرف أنا فين، ومع الوقت بدأت أشوف كويس، ساعتها كان الاتنين اللي معايا مشيوا، ولقيتني واقف قدّام 3 أشخاص لابسين لبس سيكيوريتي، واحد منهم كلّمني وقالّي…
-أنا “أحمد” مسؤول الأمن هنا.. ودول “علي” و “سعيد”.
وكان بيشاور على الاتنين اللي واقفين جنبه!
المكان كان عبارة عن ممرات وأوض بيبانها مقفولة، كل باب عليه جهاز بصمة، واللي لاحظته إن المكان بارد زيادة عن اللزوم، أخدني “أحمد” ومشينا لحد ما وصلنا عن باب ووقفنا قدّامه، وساعتها لقيته بيحط صباعه على جهاز البصمة اللي في الباب، وبعدها الباب اتفتح.
لما الباب اتفتح طلب منّي أدخل، كانت أوضة فيها بِدَل واقية، كان كلها لونها أبيض، البِدَل دي مُش جديدة عليا، دي أصلًا أساس شغلي، وكنت عارف إنها بِدَل وقاية من فيروسات خطيرة، وساعتها لقيت “أحمد” بيطلب منّي ألبس بدلة تناسبني، لأني بعد شويّة هقابل “باهي” جوّه المختبر، عشان أفهم مطلوب منّي إيه بالظبط.
بعد ما لبست بدلة من اللي موجودين، واتأكّدت من إجراءات الوقاية إن كل شيء تمام، لقيت “أحمد” بريموت كنترول بيفتح باب خلفي كان موجود في الأوضة، وبيطلب منّي أمشي في الممر اللي ظهر ده لحد نهايته، وهناك هلاقي باب، ده المختبر اللي “باهي” موجود فيه حاليًا، وهو دلوقت في انتظاري.
أنا كنت فاهم إنه مش هيقدر يدخل معايا، لأن أكيد المكان جوّه مش آمن، ولازم يكون واخد إجراءات وقاية، خرجت من الأوضة ومشيت في الممر، والباب اتقفل ورايا، مشيت لحد ما وصلت لنهاية الممر، وبمجرد ما وصلت لقيت الباب بيتفتح، ولقيت في انتظاري واحد عرّفني بنفسه وقال إنه “باهي”، دخلت معاه ورغم إني متعوّد على المختبرات، لكن المختبر ده كان متطوّر جدًا، الأجهزة اللي فيه حديثة مش عارف إزّاي قدروا يوصلوا لها، ويدخلوها هنا.
بعد ما “باهي” عرفني بنفسه، لقيته بيعرّفني بواحد كان موجود معاه اسمه “تيّم”، بعد ما اتعرَّفت عليهم لقيت “باهي” بيتكلّم معايا في البحث اللي أنا كُنت شغّال عليه، وسلّمته قبل ما آجي هنا!
ولقيتني مستغرب من كلامه، فقولتله…
-إيه علاقة البحث بتاعي بوجودي هنا؟! دا بحث عادي زي أي بحث.
ولقيته بيقولّي…
-ماهو طول ما هو موجود في المختبر اللي كنت فيه هيفضل بحث عادي، لكن هنا الموضوع هيبقى مختلف.. ممكن بحثك ده يجيب مليارات الدولارات.
الموضوع بدأ يقلب معايا بخوف فعلًا، لكن فكّرت لحظة كده وقولتله…
-أنا شغّال على بحث عادي جدًا.. بيتكلّم عن فيروس “الهربِس السادس”، اللي بينتج عنه بروتين بيأثّر على أجزاء في الدّماغ بتتحكّم في العواطف، وبتسبب الاكتئاب.
ولقيت “باهي” بيقولّي…
-بس مش ده المقصد من البحث بتاعك بس..
-ماهو البحث وصلت من خلاله إني استخلص من البروتين الخاص بالفيروس علاج نهائي للاكتئاب.. نسبة كبيرة من الناس عايشة مكتئبة، وده اللي خلّاني أهتم بالبحث، وأشتغل عليه وقدرت أوصل للعلاج.. مفيش بس غير إن شركة أدوية تتبنّى المشروع وتنفّذه.
كان “باهي” بيبُصّلي كده، وبعدها لقيته بيقول…
-المادة اللي انت وصلتلها من البروتين الخاص بالفيروس لو تم تهجينها بمادة إحنا قدرنا نوصلّها هنا في المختبر، هتبقى مستقبلًا مادة لسلاح بيولوجي، هتجيب مليارات الدولارات.
أنا حسّيت إن جسمي اتخدَّر، كده عرفت العائد من شغلي هنا هيكون كبير، ويغيّر شكل حياتي ليه، أنا حسّيت إني في ورطة كبيرة مش عارف هخرج منها ولا لأ، لدرجة إني قولتله…
-أنا عمري ما هشارك في حاجة زي دي.
ولقيته بيضحك ضحكة باهتة كده، وبيقولّي…
-لازم تعرف إنك طالما دخلت المكان ده فيه حاجات كتير قرارها مابقاش في إيدك.
وسابني وراح يكمّل حاجة كان بيعملها، لكن أنا كنت مستغرب الصمت اللي كان “تيّم” فيه، حتى إنه محاولش يتكلّم معايا على سبيل التعارف، لكن لما خرجنا من المختبر لقيتهم مجهّزين مكان نسكن فيه، عبارة عن كام أوضة فيهم سراير ومطبخ وحمامات، ولاحظت إن “باهي” له مكان لوحده غير المكان اللي روحت فيه مع”تيّم”، في الوقت ده حسّيت إنها فرصة كويسة بالنسبة لـ “تيّم” إنه ياخد راحته ويتكلّم معايا، وفعلًا لقيته بيقولّي…
-حاول على قد ما تقدر ماتدّيهومش اللي هما عايزينه.
ولقيتني مستغرب من كلامه، وبقوله…
-ليه بتطلب مني الطلب ده؟.. المفروض إنك معاهم!
-أنا حالي حالك بالظبط.. كنت شغال على بحث؛ عشان أوصل لعلاج عن فيروس تنفسّي.. وبعد كده حصل معايا نفس اللي حصل معاك، البحث بتاعي اتّاخد، والفيروس اتهجّن، واتحوّل لفيروس مدمّر.. والعالم قريّب هيواجه حرب فيروسية خطيرة، ملايين هيموتوا بمجرد ما الفيروس اللي تم تخليقه ده هينتشر.
كلام “تيّم” رعبني أكتر، فقولتله…
-وليه عطيتهم البحث بتاعك؟!
-ماهو أنا رفضت في الأول.. لكن لقيتهم بيهددوني بأهلي، قتلوا أبويا وأخويا، ومكنش فاضل غير أمي وأختي.. وساعتها ضعفت، مكنتش عايز أخسر أكتر من كده.. عطيتهم كل المعلومات اللي عاوزينها، لكن أنا مش عاوزك تضعف زيي.
-بس هما إزّاي عرفوا بالأبحاث اللي إحنا شغّالين عليها رغم إنها سريّة.
-دول بيعرفوا أي حاجة.. بيغروك في الأول بالملايين، وتلاقي نفسك دخلت المصيدة برجليك.. أي نعم بيبقى ليك حساب في البنك بيتحولّك عليه ملايين كل شهر، لكن هتعمل إيه بالملايين وانت محبوس هنا!
في الوقت ده أنا كنت قلقان على أمي، خصوصًا إن اللي كان بيكلمني كان بيقولي والدتك، يعني عارف عني كل حاجة، وناس زي دي بعد اللي سمعته من “تيّم” أكيد مش هيترددوا إنهم يعملوا أي حاجة يضغطوا بيها عليا، دا إذا مكنش عندهم بدل وسيلة الضغط مليون، يعني هيعملوا أي حاجة عشان يوصلوا للمعلومات اللي عندي، ولقيتني بسأله سؤال جه على بالي فجأة…
-طيب، و “باهي” نظامه إيه؟
وبدون تفكير لقيته بيقولّي…
-ده دراعهم اليمين.. كل حاجة هنا بتتنفّذ بأمر منّه.
-ماحاولتش تهرب؟!
-أهرب فين؟! المختبر اللي إحنا فيه ده جوّه الصحرا تحت الأرض.. المكان كله كاميرات، الأمن معاهم طبنجات وصواعق كهربائية.. دا حتى الباب الوحيد للمختبر فيه إمكانية إنه يتحوّل لصاعق كهربائي لو حد حاول يهرب.. الكنترول بتاعه موجود في الفيلا بتاعة الباشا، بيفتح وبيقفل عن بُعد.. واللي بيعطي الأوامر بقفل وفتح الباب هو “باهي”، وده لما يكون التموين اللي عايشين منه جاي، أو حد بيشرّف هنا زي حالاتك ده.
-طيّب، وأنا كده إزّاي هتواصل مع أمي بالوضع اللي إحنا فيه ده؟ دول قالولي هتكلمها يوميًا!
ولقيته بيقولّي حاجة مكنتش مستغربها بعد اللي سمعته وشوفته بعينيا، لكن فهمت منها قد إيه الناس دي بتكون دارسة كل خطوة بتعملها، وفهمت ده لمّا قالّي…
-تليفونك معاهم.. رقمك هيرن عندها عادي، وهي لمّا تفتح المكالمة أنت اللي هترد عليها.
-وده هيحصل إزّاي، وأنا قاعد معاك هنا؟!
-الأوضة اللي كنت فيها في الفيلا، وبتتكلّم مع الباشا بصمة صوتك اتسجّلت، وبقت معاهم.. وعن طريقها هيتكلموا مع والدتك على إنها أنت.. أي سؤال أو كلام هيتكتب الرد عليه بسرعة على برنامج، وهينطق الكلام ده بصوتك.
-وانت عرفت كل ده منين؟!
-أنا هنا من فترة طويلة.. ومن ساعة ما دخلت هنا مخرجتش، حتى أفراد الأمن مبيخرجوش.. العيشة هنا بالنسبالهم أفضل من خروجهم؛ لأن مش مسموح لحد يدخل هنا ويخرج؛ عشان وارد إنه يكشف سر المكان.. بيبقى عارف إن وجوده هنا يعني يفضل عايش، لكن برّه حياته بتكون مهدّدة إنها تنتهي في أي لحظة!
-أنا مش عارف إزّاي وافقت إني آجي هنا!
-وانت فاكر إنك لو رفضت كنت هتعيش في أمان؟ دول عندهم مليون طريقة يوصلوا للي عاوزينه مهما كان التمن، هنا فيه فيروسات بيتم تخليقها، وبتتباع عشان تبقى أسلحة بيلوجية.. كان فيه هنا ناس كتير زيي وزيك، لكنهم ماتوا في محاولات هروب.. آخرهم كان واحد حاول يهرب بعد ما جيت هنا بأسبوع، وكان تمن محاولته دي رصاصة في راسه.
-أنا لازم أخرج من هنا!
-حاولت ومعرفتش.. المكان هنا عبارة عن سلخانة!
أنا الكلمة فزعتني، ولقيتني بستفسر عنها فسألته…
-تقصد إيه بسلخانة؟!
ولقيته بيقرّب مني، وبيوطي صوته وبيقولّي…
-هنا فيه مكان عبارة عن حَبس.. أقفاص حديد.. فيه ناس بيتم اختطافهم عشان يجربوا عليهم الفيروسات اللي بيتوصلوا ليها.. ويشوفوا تأثيرها عليهم، ويتابعوا تصرفاتهم والتغيّرات اللي بتحصلّهم، الناس دي حرفيًّا بتفقد آدميّتها بمجرد ما تتحقن بالفيروسات اللي بتتعمل هنا.. بيكونوا عاملين زي الزومبي، مفيش مشاعر ولا تفكير، ممكن في لحظة لو خرجوا يفتكوا بأي شخص قدامهم.. قبل ما يتم التعامل مع حالة من دي بتتخدّر الأول، وأي حالة منهم بتخرج عن السيطرة الأمن بيصفّيها علطول!
أنا زي ما أكون بسمع أحداث فيلم، “تيّم” كان شايفه في التلفزيون وبيحكيلي عنه، كان آخر حاجة ممكن أتصوّرها إني أبقى موجود في مكان زي ده، مكنتش أتخيل إن حاجة زي دي ممكن تكون موجودة أصلًا، وفجأة لقيت “تيّم” بيقطع كلامه معايا، وبيروح على سريره، وساعتها اتفاجئت إن فيه واحد من بتوع الأمن واقف قريّب من باب الأوضة اللي احنا فيها.
مكنش قدامي أي وسيلة أهرب بيها من الصدمة اللي كنت فيها غير إني أنام، وفعلًا نمت ومصحتش غير على إيد بتهزّني، كان “تيّم”، ولقيته بيقولي…
-قوم يا “أمير”.. لازم ندخل المختبر دلوقت.
قومت وجهّزت نفسي، خرجنا من الأوضة ومشينا في الممر اللي بيوصّل للأوضة اللي فيها البِدَل الواقية، لكن في الطريق أنا شوفت منظر غريب خلّى شعر راسي يطقطق، وحسّيت إنه شاب فجأة، كان “علي” و “سعيد” بتوع الأمن مكتّفين واحد إيده ورا ضهره، كان ماشي قدّامهم، مشيته كانت غريبة زي ما يكون قرد بيتنطط، وكان كل ما يحاول يقف واحد منهم يصعقه بالصاعق الكهربائي اللي في إيده، كان بيصرخ صرخة مخيفة، وبيكمل مشي بعدها، ولما التفت ناحيتنا لقيت منظره مرعب، عينيه لونها أحمر وكان فيه سائل أبيض بينزل من بوقّه، وكان له صوت زي ما يكون كائن مفترس عاوز يفترس حد قدّامه، أنا وقفت في مكاني من الخوف، لكن لقيت “تيّم” بيزقّني في كتفي، وبيقولّي…
-امشي يا “أمير”.. مالكش دعوة بحاجة.
ولقيتني بستجيب لطلبه وبمشي، لكن سألته بصوت واطي…
-إيه اللي احنا شوفناه ده؟!
-دي حالة محقونة بفيروس.. نوع متطوّر من الزومبي.
في اللحظة دي أدركت إن وصف “تيّم” للمكان بالسلخانة كان في محلّه..
وصلنا الأوضة وكل واحد لبس بدلته، وبعدها اتفاجئت بـ “أحمد” بيدخل علينا الأوضة، وبيطلب منّي أغير الكمامة بتاعتي، وبيعطيني كمامة كانت في إيده وطلب منّي ألبسها، الموضوع بالنسبالي مكنش غريب أوي فمركّزتش معاه، وبعدها خرجنا من الأوضة وروحنا المختبر، بمجرد ما دخلنا لقيت “باهي” بيطلب مني أقعد قدام لاب توب، وأكتب كل المعلومات والمعادلات اللي بتخص البحث بتاعي، وفعلًا أنا مقاومتش، أنا لقيت نفسي بنفّذ بطريقة لا إرادية!
يوم كامل من غير ما أحس بجوع ولا إرهاق، مكنتش بعمل غير إني بكتب معلومات البحث بتاعي، لدرجة إني كتبت طريقة الوصول للمادة اللي في البروتين الخاص بفيروس “الهربِس السادس”!
أنا عملت كل ده بدون ما أحس، وفي نهاية اليوم لمّا خلّصنا، ورجعنا أوضتنا لقيتني زي اللي بيفوق من غيبوبة، وساعتها سألت “تيّم”، وقولتله…
-أنا إزّاي عطيتهم كل المعلومات بدون ما أحِس؟!
ولقيته بيقولّي حاجة مكنتش متوقّعها…
-الكمامة اللي خدتها من “أحمد” فيها غاز بيشتغل على الأعصاب.. هو مالوش ريحة، لكنه بيفقدك القدرة على المقاومة.. بيخليك عامل زي الروبوت اللي بينفّذ الأوامر وبس، بدون ما تقدر ترفض حاجة!
في الليلة دي لقيت “باهي” بيعدّي علينا في الأوضة اللي إحنا فيها، أوّل ما “تيّم” شافه مكَنش بيتكلّم، وعمل نفسه ميعرفنيش، لكن لقيت “باهي” بيقولّي…
-بكره الصُّبح هيتفتح حساب في البنك باسمك، وهيتحوّل عليه مبلغ محترم.
وبعدها سابنا وخرج من الأوضة، وساعتها “تيّم” رجع يتكلّم معايا، ويقولّي…
-المكان ده بيخدم مشروع المليار الذهبي.. دول بيفكّروا يوصلوا بتعداد السكان على الكوكب في يوم من الأيام لمليار بني آدم بس.. من وجهة نظرهم هما اللي هيكونوا يستحقوا يعيشوا، في المستقبل هيبقى فيه حروب فيروسات وجراثيم هتتسبب في إبادة الملايين، اللي هما من وجهة نظرهم عالة على الكوكب ده؛ عشان كده بيشتغلوا على الفيروسات دي، ويجهّزوها من دلوقت!
أنا كل وقت بيعدّي عليا هنا كنت بسمع حاجة جديدة تصدمني، وزي ما يكون دوري انتهى عند اللي أنا عملته..
تقريبًا كنت بحضر في المختبر ضيف شرف، و “باهي” هو اللي كان بيعمل كل حاجة، ولمّا رجليا بدأت تاخد على المكان واتحرّك، بدأت أدخل ممرّات مكنتش بروح عندها قبل كده، لكن الممرات دي كنت بسمع فيها أصوات مرعبة، زي صرخات بنبرة صوت عمري ما سمعتها، أصوات شبيهة بضحك القرود، لكن لمّا حاولت أقرّب أكتر من الباب اللي خارج منّه الأصوات دي اتفاجئت بـ “سعيد” واقِف هناك، ولقيته بيبُصّلي وبيقولي…
-إيه اللي جايبك هنا يا “أمير”؟!
قولتله وأنا عينيا على الباب…
-مفيش، كُنت بمشّي رجليا شويّة.
-مُش من مصلحتك إنك تيجي هنا كتير.. يعني خلّيك بعيد عن المكان ده.
أنا كُنت حاسس إنه ممكن ياخد، ويدّي معايا في الكلام فقولتله…
-هو إيه اللي جوّه الباب ده؟!
-دول الحالات اللي بيجرّبوا عليها الفيروسات.. بَس أنا ماقولتلكش حاجة.
-انت إيه اللي خلّاك تتورّط في المكان ده؟!
-كُنت بدوّر على شغل، ولقيت شركة عاوزة أفراد أمن، ولما قبلت فيها جيت هنا.. ولما حاولت أمشي هدّدوني بأهلي؛ عشان كده أنا مضطر أعمل أي حاجة عشان أحمي أهلي.. نفس اللي قولتلهولك ده بينطبق على “أحمد” و”علي”، دا غير إن الباب بيتحكموا فيه من جوة الفيلا.. حتى لما بيتفتح من وقت للتاني محدش يقدر يهرب، فيه بندقية ليزر في الباب، بتطلع بضغطة زرار واحدة من “باهي”، بتطلع أتوماتيك وبتستهدف أي هدف متحرك في المنطقة!
كتير ماتوا، وهما بيهربوا لحظة ما الباب بيتفتح بالطريقة دي.. اللي بيدخل هنا مبيخرجش، واللي بيخالف التعليمات بتكون أول وآخر مخالفة في حياته.. دا غير إن أحيانًا فيه غاز بينتشر في المكان هنا يخليك تنفّذ اللي بتسمعه بدون ما تقاوم.
هزّيت راسي كده، وانا بفتكر موضوع الكِمامة، وقولتله…
-أنا جرّبت ده.
ولقيته بيتحرك من قدام الباب، وبياخدني من إيدي وبيقولّي…
-نصيحة مش هتسمعها من حد غيري.. مش عشان عددنا هنا قليل إن الموضوع بسيط، المكان هنا متبرمج إنه ممكن يقتل ذاتيًا.. يعني غاز سام ينتشر يخلّص على اللي موجودين.. بنادق ليزر بتستهدف تلقائي، إحنا هنا تحت رحمة ناس إحنا مش عارفين هي مين.
وفجأة سمعنا دوشة، وخبط جايين من الباب اللي كنا واقفين قدامه، ولقيت “سعيد” بيطلع جهاز لاسلكي من جنبه، وبيطلب دعم “أحمد” و “علي”، واللي مفيش ثواني ولقيتهم جايين بيجروا، وكل واحد ماسك طبنجته في إيد، والصاعق الكهربائي في الإيد التانية، ودخلوا من الباب، وقفلوا وراهم ومعاهم “سعيد”.
الباب كان فيه شبّاك إزاز صغيّر، كُنت واقف قدّامه وقدرت أشوف كل حاجة من جوّه، خمس حالات كل واحدة منها أسوأ من التانية، وكل شكل حالة فيهم كان مخيف أكتر من التانية، كل حالة منهم كانت في قفص، فضلوا يكهربوهم لحد ما جالهم حاجة زي الإغماء، وبعدها لقيتهم خارجين.
أنا بمجرد ما قرّبوا من الباب خدت بعضي، وطِرت روحت على أوضتي، وقرّرت إني مش هقرّب من المكان ده تاني، والأيام فاتت..
لاحظت إن “تيّم” مكنش بيتكلّم معايا كتير، يادوب بنروح المختبر نعمل اللي بينطلب منّنا، ونرجع آخر اليوم ننام، كان “باهي” بيعرّفنا الحاجة اللي عاوز يعرّفهالنا بس، غير كده مكنش بيقول حاجة، أنا كُنت ملاحظ من شغله في المختبر، واللي كان منبّه علينا محدّش يقرّب منه إنه بيشتغل على تخليق الفيروس اللي هيكون الأساس بتاعه المادة اللي أنا وصلت ليها في البحث بتاعي، لحد ما في يوم سمعته، كان بيتكلّم في التليفون، وبيقول…
-كل حاجة جاهزة.. ناقص بس نجرّب نتيجة اللي وصلناله على حالة جديدة.
وبعد شوية صمت، مكنش بيتكلّم فيهم لقيته بيكمّل كلام، وبيقول…
-مش هينفع حالة من اللي موجودين.. لازم حالة جديدة متعرضتش لأي فيروسات قبل كده، محتاجين نعرف تأثير الفيروس بدون ما يكون فيه أي تدخّل من مؤثر تاني.
والصدمة الأكبر بقى، لمّا لقيته بيقول…
-مفيش قدّامي غير “تيّم”!
قد إيه الناس دي بتتفنّن في الإجرام، يعني بعد ما وصلوا للي هما عايزينه منّه بيعملوه حالة يجرّبوا عليه الإجرام بتاعهم؟! يعني أنا في يوم من الأيام ممكن أكون حالة، ومصيري يكون زي الحالات اللي في الأقفاص؟!
أنا يادوب كنت بفكّر لسّه، ولقيت “باهي” بيقرّب من “تيّم” اللي كان مشغول بكتابة نتيجة تجربة بيعملها في المختبر، وبيمد إيده ناحيته ببخّاخ، وبيرُش منّه جنب الكمامة اللي هو لابسها، ويادوب ثانيتين ولقيت “تيّم” مرمي في الأرض، وبعدها لقيته بيسحبه من رجله لحد باب المختبر، وبيفتحه وبيخرج به في الممر، وبيسحبه لحد باب أوضة كانت دايمًا مقفولة، لكنه فتحها ببصمة صباعه ودخل، وسحب “تيّم” وراه جوة!
أنا خرجت وراهم وقرّبت من الباب، وبصّيت من الإزاز بتاعه، ولقيت “تيّم” على كرسي ومربوط من إيديه ورجليه، وساعتها كان “باهي” بيطلّع حقنة من علبة كانت في إيده، وبيحقنه بيها في رقبته.
مش عارف أوصف الرعشة اللي طلعت من “تيّم” بمجرد ما الفيروس مشي في جسمه، حتى “باهي” نفسه اتفزع منها!
جريت وقلعت البدلة، وروحت على أوضتي، وبعدها بدقايق لقيت “باهي” جاي ورايا، وبيقولّي…
-مش من مصلحتك إنك تبُص من إزاز البيبان تاني.. دة آخر تحذير لك.. متنساش إن المكان كله كاميرات، حركاتك كلها مرصودة!
في اللحظة دي لمحت أفراد الأمن، وهما شايلين “تيّم” ورايحين به ناحية الأوضة اللي فيها الحالات، الرعب ساعتها كان مش مخلّيني أنطق، وكانت بصّة “باهي” نفسها ليا زي ما يكون بيقولّي إن ممكن مصيري يبقى زيّه كده، دا قبل ما يسيبني ويمشي.
طفيت نور الأوضة، ونمت وأنا حاسس بشلل في جسمي، دا أنا حتى تفكيري كان مشلول، في الليلة دي صحيت على صوت زي صوت الزئير، ولقيت أفراد الأمن بيجروا ناحية أوضة الحالات ومعاهم “باهي”، أنا مكنتش عارف أخرج وراهم، ولا أفضل في مكاني، لكن بعد شوية سمعت صوت أصعب وضرب نار، حتى الحالات اللي في الأقفاص بدأت تصرخ زي ما يكونوا خايفين من حاجة!
بعد كده حسّيت بهدوء غريب، زي ما يكون مفيش حد غيري موجود في المكان، الوقت عدّى ومسمعتش ولا صوت ولا حركة لحد ما قرَّرت إني أخرج، خرجت من الأوضة ولقيت رجليا وخداني ناحية أوضة الحالات، واللي لما وصلتلها لقيت الأقفاص اللي فيها مكسورة، ومفيش فيها أي حد!
مكنتش عارف هما اختفوا فين، بصيت تحت رجليا على حاجة لونها أسود بتلمع، ولقيتها طبنجة واحد من أفراد الأمن، كانت واقعة منّه، أنا قولت آخدها احتياطي عشان لو حصل أي حاجة، خرجت من الأوضة وأنا مقرَّر أدوّر عليهم والطبنجة في إيدي، بقيت ماشي في الممرات، وأنا مش لاقي لهم أثر، لحد ما سمعت أنفاس مكتومة خارجة من باب كنت واقف جنبه، ولمّا فتحته لقيت أبشع منظر ممكن أشوفه في حياتي.
كان “تيّم”، لكن شكله كان متوحّش بطريقة فظيعة، زي ما يكون الفيروس اللي اتحقن بيه خلّاه اتحوّل لمستذئب، بقى له أنياب ومخالب وشعر طويل في كل جسمه، وودانه بقت زي ودان الديابة بالظبط، أنا حتى معرفتوش غير من هدومه!
ولقيته بيقرّب منّي، الخوف خلّاني أرفع الطبنجة وأضربه بالرّصاص، لكن اتفاجئت إن الرصاص مكنش بيأثّر فيه!
قفلت باب الأوضة وهربت، واتفاجئت إنه مجاش ورايا ولا حاول يهاجمني، مكنتش عارف أتدارى فين، ولا هما راحوا فين أصلًا، لكن مع الوقت سمعت صرخات تاني، بدأت أمشي ناحية الصوت، لحد ما وصلت لأوضة بتنزل لها بسلّم تحت، كان زي ما تكون مخبأ، وقفت قدّام الباب بس كنت متداري ورا دولاب حديد كان موجود في الممر اللي كنت فيه، لحد ما لقيت “تيّم” أو الكيان المرعب اللي شبه المستذئب خارج من الباب، وساحِب “علي” فرد الأمن من رجله!
كان بيصرخ من الخوف، لكنه مكنش عارف يفلت من إيده لحد ما خرج به من الممر، أنا لاحظت إنه انضرب عليه نار من بندقية موجودة في حيطة، لكن برضو الرصاص مأثرش فيه، ولقيت نفسي ماشي وراهم بس من غير ما ينتبه لوجودي، واللي استغربتله إنه واخده ورايح به ناحية المطبخ! وبمجرد ما وصل هناك ضربه بمخالبه في رقبته خلعها من جسمه، وبعدها ضرب إيده في صدره وطلّع قلبه في إيده، منظر الدّم كان فظيع، أنا توقّعت إنه هياكل قلبه، لكن اتفاجئت إنه بيشغّل نار البوتاجاز، وبيطبخ القلب على النار الأول!
من خبرتي إن الفيروسات اللي زي دي بتسبب اضطراب في التصرفات، يعني بتحوّل الشخص لكائن مفترس زي الزومبي مش داري بتصرّفاته، لكن أنا لحد دلوقت معرفش “باهي” وصل لإيه في التجربة اللي كان بيعملها على البحث بتاعي تخلّي “تيّم” يوصل بتصرّفه إنه يطبخ قلب “علي” قبل ما ياكله، رغم إنه المفروض اتحوّل لكائن مفترس بيحب الدّم!
المنظر كان مرعب، هربت من قدام المطبخ وأنا مش عارف أروح فين، فضلت أدوّر على مكان استخبى فيه، لحد ما لقيت أوضة توقعت إن محدش ممكن ييجي عندها، دخلت الأوضة ومعرفش فات وقت قد إيه وأنا مستخبي، لحد ما سمعت صوت حد قدام الباب، لمّا دقّقت فيه لقيته صوت “باهي”، كان بيتكلّم في التليفون وبيقول…
-إحنا فاقدين السيطرة عليه.. الرصاص مبيأثرش فيه، حتى البنادق المخدرة مش عاملة معاه حاجة.. أنا أوّل مرة أشوف كده!
وبعد فترة صمت لقيته بيقول…
-الكاميرات مش شغالة.. زمانه عطّل السيرفر بتاعها.
في الوقت ده سمعت صوت حد بيصرخ، الصرخة دي كانت صرخة غريبة، مش صرخة بني آدم، ومعرفش إيه خلّاني أخرج من الأوضة، ولمحت “باهي” وهو بيجري وبيهرب لمّا سمع الصوت، لكن أنا لقيتني بقرّب من المكان اللي جاي منه الصوت، وزي ما يكون مكتوب عليا إني كل مرة هقرّب فيها هشوف منظر أبشع من اللي قبله، كان “تيّم” ماسِك حالة من الحالات، وكان بيقطّع منها بمخالبه لحد ما ماتت، وبعدها بياخد من جثّتها وبيدخل المطبخ، وبيولّع النار وبيطبخ الجزء اللي أخده من الجثة وبياكله!
أنا كُنت هجيب اللي في بطني من المنظر، ومش قادر أفسّر إيه السلوك العدواني والغريب في نفس الوقت ده!
يعني كائن مفترس يطبخ جثة فريسته الأول! دة أغرب سلوك ممكن أشوفه في حياتي!
الأيام كانت بتعدّي ومحدش بيسأل فينا، كان “تيّم” بيصطاد من الحالات، كان بيقتلها الأوّل وبياخد من جثثها وبيطبخ وبياكل، الغريبة إنه كذا مرة لمحني وأنا براقبه وتجاهلني، محاولش يهاجمني!
وده تفسيره إن الفيروس خلّى عنده دافع انتقامي من كل اللي كان سبب في إنه يحصل فيه كده، ويتحوّل للمسخ المرعب ده، لكن برضو الإحتياط واجب، هو دلوقت مالوش عواطف، ولا مشاعر عشان أراهن على مجرد استنتاج وصلتله!
لحد ما في يوم خرجت من الأوضة اللي كُنت مستخبي فيها، ولقيت “باهي” ماشي وهو بيلتفت حواليه في الممر، وكان وراه “أحمد”، ولما لمحوني لقيتهم بيقولولي…
-يلا بينا، هنهرب أول ما الباشا يوصل!
وساعتها قولتلهم…
-هنهرب إزّاي، والكائن ده موجود في المكان؟!
ولقيته بيرد عليا بصوت واطي، وبيقولي…
-بُص.. أنظمة التحكّم عن بعد كلها متعطلة: الكاميرات، وسويتش الباب، والتحكم بتاع البنادق، والغاز.. والباشا جاي بنفسه وسويتش الباب معاه، هيخرّجنا من هنا لحد ما نعرف نسيطر على الكائن اللي هنا ده، وهنرجع تاني عشان نكمّل مشروعنا.
آخر حاجة كانت شغّالة كان جهاز اللاسلكي اللي كان مع “باهي”، كان بيكلّم الباشا عن طريقه، واللي كان بيطلب منّه إنه ياخد “أحمد”، وياخدني ويروح بينا ناحية الباب بدون ما الكائن ده يحس بينا، ولقيته بيقولّي…
-انت أهم واحد فينا دلوقت يا “أمير” عند الباشا.. حياتك مهمة.
ولقيتني بقولّه…
-ليه بقيت مهم فجأة كده؟!
-ماهو انت اللي هتقدر تشتغل على البحث من جديد، وتعدّل الأخطاء اللي حصلت.. مفيش غيرك هيقدر يعمل الكلام ده.
وساعتها كنا وصلنا عند الباب، وفجأة الإشارة راحت من اللاسلكي، خدت الجهاز من إيد “باهي”، وحاولت أتكلّم مع أي حد، لكن الجهاز بقى عبارة عن حتة حديدة مفيهاش أي صوت، ولقيت “أحمد” بيقول إنه آخر مرة لمح فيها “تيّم” كان رايح ناحية الأوضة اللي فيها جهاز الإرسال بتاع اللاسلكي!
وفجأة النور انطفى، وفضلنا منتظرين جنب الباب ومفيش ولا واحد فينا بيهمس، لحد ماسمعنا خطوات جاية ناحيتنا، كنا عارفين إنها خطوات “تيّم”، المخالب اللي في رجليه كانت بتخربش في البلاط!
كُل واحد فينا كان متوقع إنه يتسحب في أي لحظة، لكن اللي حصل إن باب المختبر اتفتح، وظهر واحد كبير في السن لابس بدلة ونضارة لونها أسود، ووراه الاتنين اللي كانوا خدوني من قدام شغلي وجابوني هنا، ولقيتهم بينزلوا السّلم لكن موصلوش لتحت، وبيطلبوا منّنا إننا نطلع.
أنا طلعت أول واحد، وبمجرّد ما وصلت للراجل الكبير اللي أكيد هو الباشا لقيت نفسي بدون ما أحس بسحب الطبنجة اللي كنت حاططها في ضهري، وبحطها على راسه وبخنقه من رقبته، وبطلب منهم كلهم ينزلوا تحت، وإلا هخلي الرصاص يفجّر نافوخه، ولقيتهم بيستجيبوا لطلبي وبينزلوا، وأنا كنت بطلع السلم بضهري، والباشا الكبير في إيدي والطبنجة على راسه، ولحسن حظي إني لمحت السويتش في إيده، وبمجرد ما وصلت لآخر درجة في السلم خطفت السويتش من إيده وزقّيته تحت، وقفلت الباب وخدت السويتش معايا.
وقفت عشان أشوف إيه اللي هيحصل، يادوب شويّة وقت، وبدأت أسمع صرخات وصوت أجسامهم وهي بتتمزّع، بصراحة مكنتش مكتفي بالصوت بس، أنا كان نفسي أشوف ده بعينيا!
وفضلت واقف لحد ما الصوت راح، عرفت إنهم كلهم انتهوا، ودي كانت المرة الأولى اللي حسّيت فيها إني مرتاح، وإني هخرج من هنا بدون ما أحس بأي خطر!
لحسن حظي إنهم كانوا جايين في نفس العربية اللي خدتني من شغلي وجابتني هنا، وكانوا سايبينها شغّالة، كان عندهم أمل إنهم هياخدونا ويمشوا علطول، ركبت العربية وبدأت اتحرّك، الليل دخل عليا وأنا تايه مش عارف أخرج، لحد ما لقيت واحد راكب عربية دفع رباعي شكله من البدو، قرّبت منه وقولتله إني دخلت الصحرا، وتايه ومش عارف أخرج، وساعتها خلّاني أمشي وراه لحد ما وصلت للطريق، ومن هناك بدأت رحلتي عشان أرجع بيتي، واللي خدت فوق ال 6 ساعات!
لمّا وصلت البيت كان منظري زي اللي راجع من الحرب، أمي اتخضّت عليا وقالتلي…
-مالك يا “أمير”؟ إيه اللي عامل فيك كده؟!
لقيتني بكتم دموعي، وبقولّها…
-مفيش يا أمي.. دا حصل حريق بسيط كده في المختبر، والحمد لله عدّت على خير.
-بس أنت اتأخّرت أوي.. قولتلي كام يوم وبقالك شهر ونص!
حتى لمّا كنت بكلّمك في التليفون، وبسألك في حاجة كنت بتاخد وقت على ما ترد عليا.. انت فيك حاجة؟!
-لا يا أمي مفيش.. أنا بس محتاج أرتاح.
دخلت خدت شاور، وغيّرت هدومي اللي كانت عليا، وبعدها دخلت أوضتي اترميت على السرير، كل اللي حصل كان بيدور قدام عيني، مكنتش عارف إيه اللي ممكن أعمله بعد كده في الفترة الجاية، لكن القرار الأكيد اللي كنت خدته بعد ما خرجت من المختبر وقفلت الباب عليهم، هو إني خلاص هستقيل من الشّغل بتاعي ده للأبد!
تمت…
***
طباخ_الجثث
محمد_عبدالرحمن_شحاتة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط