“تلك القصة للكبار فقط.. يعني أي حد بيقرف او بيضايق او عمره اقل من ٢١ سنة مايقراش..”
جوة عيادة كبيرة في مصر الجديدة، اشبه بالمستوصف، اتجمعوا الخمس دكاترة في اوضة الدكتور الاكبر فيهم.. دكتور احمد كروان، اخصائي النسا والتوليد، ومع وجودهم، ابتدا كروان يبصلهم وهو بيضحك..
-هه.. رجالة كاوتش، بقى بالذمة عاجبكوا اشكالكم دي؟!
لما سأل السؤال ده، رد عليه واحد من اللي قاعدين قصاده، كان الدكتور الأصغر منه على طول، محمد السعدني، الشهير بدكتور سعدني، اخصائي الأنف والأذن والحنجرة.
-واحنا كنا هنعمل ايه يعني يابرو.. ما كل واحد فينا بيعيش على حسب الظروف اللي اتولد ولقى نفسه فيها.
-لا ياراجل!.. انت هتعملي فيها دكتور نفسي يالا ولا ايه؟.. ده انتوا كلكوا هفأت، اللي اهله بيدوله على دماغه وهو ساكت، واللي مراته بتبصله البصة فبيقلب قطة، وهو برضه ساكت.. لا ولا المدهول ده، حكايته حكاية، اول بس ما خطيبته بترن عليه، وشه بيحمر وبيقلب فار تجارب!
لما احمد كروان قال كده، اتعصب عليه المدهول، او بمعنى اصح، دكتور بلال الجَمال، اخصائي الباطنة…
-لا لا لا.. بقولك ايه ياعم احمد.. هو احنا مش عشان سكتنا له يبقى يخش بحماره، احنا برضه دكاترة محترمين ولينا..
فجأة سكت لأن النور اتقطع، ومع سكوته، ضحك كروان وهو بينور كشاف موبايله..
-ليكوا ايه ياارنوبها؟!.. ما تكمل، ولا انت بتخاف من الضلمة زي ما بتخاف منها؟!.. ماتخافش ياحبيبي، ماتخافش، النور بيقطع الفترة دي باستمرار، عادي يعني، مش هي اللي قطعته علينا عشان تروح بيتكوا وتكلمها.
نَور دكتور تاني من اللي قاعدين كشاف موبايله، والدكتور ده كان خالد طاهر، اخصائي التجميل، وبمجرد ما نور كشاف موبايله، بص لاحمد كروان وهو متعصب..
-جرى ايه ياعم كروان… ما تخف علينا شوية، هو احنا جاين نفك مع بعض، ولا جاينلك عشان تدينا دروس في قوة الشخصية؟!
اللي رد المرة دي ماكنش حد من اللي فاتوا، اللي رد كان الدكتور الأخير.. فضل ابو الفضل، اخصائي جراحة العظام، نَور كشاف موبايله وبص لخالد وقاله بلكنة فيها نغمة اهل الصعيد اللي هو منهم..
-وفيها ايه لما يديك درس في قوة الشخصية، مش احسن ما تبقى دكتور قد الدنيا وتمشي وسط الناس وانت عمال تقول بابي ومامي ويس ونو!
ضحك احمد كروان، ووسط صوت ضحكه العالي، سمعوا من برة الأوضة صوت اغنية!.. الصوت كان واضح، واضح اوي، كأنه خارج من سماعة صب محمولة!.. لكن وضوح الصوت ماكنش هو اللي خلى الخمسة سكتوا وملامحهم اتبدلت، ده اللي خوفهم بجد كانت الأغنية نفسها، أغنية صباح.. كل حُب وانت طيب ياراجل ياطيب!
بلع بلال ريقه بصعوبة وبص لوشوش الاربعة، كانت ملامحهم مُرعبة بسبب الضلمة وانوار الكشافات المتسلطة عليهم..
-ممم.. ممم.. مممين اللي برة!
لما سأل بلال السؤال ده، ارتباكه وصل للباقين، وبسبب الاغنية وكل الظروف اللي فجأة لقوا نفسهم فيها، سكتوا، كلهم سكتوا، كأنهم اتخرسوا او صوت صباح دخلهم جوة قبر كان اتقفل من سنين، لكن وسط سكوتهم، قام خالد وراح ناحية باب الأوضة المقفول..
-انا خارج.. اما اشوف مين اللي برة ومشغل الاغنية الزفت دي.
شاورله احمد كروان..
-استنى ياخالد.. استنى، احنا بيتلعب علينا وممكن اللي برة يكون حرامي… ايه ده!.. ايه الدخان ده!
ابتدوا كلهم يحكوا بصوت عالي لأن مرة واحدة انتشر دخان غريب في الأوضة، وفي خلال ثواني، كلهم كانوا فقدوا الوعي.
**************
(كُنا نضحك نضحك نضحك.. نسمع الدنيا بتضحك من بعيد.. كُنا نبكي نبكي نبكي.. كان يلين الدمع من قلب الحديد.. كُنا نؤمر نؤمر نؤمر.. يسبق الفجر الغروب بنهار جديد.. لكن العزول الله يجازيه.. صُعُب عليه اللي احنا فيه.. والحُب لما بينجرح جرحه يشيب.. ياراجل ياطيب)
خرج صوت صباح من سماعة في سقف أوضة كبيرة، أوضة نورها نور أبيض، على حيطانها الأربعة الاسمنتية، كانوا متكتفين هم الخمسة.. كل واحد فيهم لوحده في حيطة، ماعدا فضل وخالد.. الاتنين كانوا متكتفين جنب بعض وعلى نفس الحيطة!
فتحوا الخمسة عينيهم وبصوا لبعض باستغراب، بعد كده بصوا للسماعة اللي طالع منها صوت الأغنية، وقبل ما يتكلموا او يسألوا.. صوت الاغنية سكت وابتدا يتكلم صوت راجل، كان صوت غريب، كأنه متغير ببرنامج تغير الاصوات عشان مايتعرفش هو مين.. ومع بداية كلامه، قالهم بكل هدوء…
(اهلًا اهلًا بالدكاترة ولاد الدكاترة.. منورين.. عارف انكوا هتموتوا وتتكلموا بس مش هتعرفوا.. المخدر اللي انتوا شميتوه واتحقنتوا بيه لسه مأثر عليكوا.. بس لحد ما تأثيره يروح وتعرفوا تتكلموا، خلونا ندردرش شوية.. أظن انتوا بتسألوا نفسكوا دلوقتي، انا مين وجايبكوا هنا ليه وعاوز منكوا ايه.. ياترى خاطفكوا عشان فدية؟!.. ولا.. ولا خاطفكوا عشان العب معاكوا والاعبكوا؟!.. وارد.. كل شئ وارد.. بالظبط زي ما كل غريب في حياتنا وارد، لكن قبل ما تعرفوا انتوا هنا ليه، خلوني اعرفكوا انا مين وبعد كده احكيلكوا حدوتة صغيرة.. اولًا انا بلاعة مجاريكوا القديمة اللي طفحت في وشكوا.. انا آخر شخص تتمنوا انكوا تقابلوه، او بمعنى تاني، انا لا بخاف من الموت، ولا عندي حاجة اخاف عليها.. انا القدر يادكاترة، قباض ارواحكوا بأذن الله.. صوتي هو صوت الشخص اللي هَيقوم قيامتكوا وهيخليكوا تترجوه عشان ينهي حياتكوا.. الخلاص.. اعتبروني الخلاص من ذنوبكوا ومن حياتكوا.. ولحد هنا كفاية اوي التعريف ده وخلونا نبدأ الحكاية اللي هحكيهالكوا، ومن بعدها، اوعدكوا اننا هنلعب لعبتنا.. والحكاية يادكاترة هي عن حاجة انتوا عارفينها وحافظينها، حاجة كنتوا ومازالتوا بتلبسوها، البالطو الابيض، لبس شغلكوا يادكاترة.. عمركوا سألتوا نفسكوا، ليه انتوا كدكاترة بتلبسوا بالطو لونه ابيض!.. ليه مش اخضر او اصفر مثلًا!.. مش عارفين، ها!.. وحتى لو عارفين، انا عاوز اقولكوا.. واهو، ادينا بندردش لحد ما تفوقوا.. زمان اوي، الدكاترة ماكنوش بيلبسوا بالطو لونه ابيض، دول دايمًا كانوا بيلبسوا هدوم لونها اسو عشان يداروا بقع الدم والوساخة اللي بتيجي عليهم، وكمان عشان شكلهم مايبقاش باين انه متبهدل، لكن لما الزمن مشي شوية، طلع حد وقال ان اللبس الاسود ده مش حلو.. لونه شؤوم، بيخوف العيانين وبيفقدهم الأمل في انهم يخفوا، وعشان كده، اقترح الشخص ده ان الدكاترة يلبسوا بالطو لونه أبيض، وفي نفس الوقت قال كمان ان المستشفيات وانوارها لازم تكون بيضا.. وبس، من هنا بقى اللون الابيض واللي هو رمز للبراءة والطهارة، هو لون اللبس الاساسي للدكاترة، لكن.. لكن تفتكروا بقى انتوا حافظتوا على معنى اللون ده او حتى القسم اللي حلفتوه!.. مافتكرش، واكبر دليل على كده انكوا هنا، منورين اوضتي المتواضعة، أوضتي اللي ببساطة هتكون ساحة لعبتي، او ممكن اوي تكون قبركوا.. الله أعلم.. ها!.. جاهزين يادكاترة ياللي حولتوا البالطو من لونه الأبيض، للون الدم؟!.. جاهزين ياولاد ال.. ياولاد الأكابر!)
لما سأل الصوت سؤاله ده، كانوا الخمسة ابتدوا يفوقوا ويحسوا بالدنيا من حواليهم، ومع تركيزهم، ابتدت ألسنتهم تتفك واتكلموا.. او بالتحديد، اللي بدأ الكلام كان دكتور كروان..
-انت مين ياض يارمة ياابن الرمة، ررررد.. انت مين ورابطنا كده ليه.. كلمني زي ما بكلمك.. عاوز مننا ايه؟!
رد نفس الصوت اللي خارج من السماعة..
(اتقل ياكروان.. اتقل ياحبيبي.. ماتخلنيش اجيب أجلك في ثواني.. اه، ما انا نسيت اقولكوا.. انتوا كنتوا متخدرين لمدة خمس تيام تقريبًا، ودي مدة خلتني ظبطت كل حاجة فيكوا عشان تجهزوا للعبة.. وعشان لعبتي تتم، كان لازم اعمل شوية حاجات كده هقولكوا عليها.. اولًا، كل واحد فيكوا مزروع جوة منه شريحة صغيرة، الشريحة بتطلع ذبذات منها للمخ مباشرة، وبشرح مبسط كده، اي حد فيكوا هيعمل أي حاجة غير اللي انا هقولها، هشغل الشريحة بريموت من عندي وهنهي حياته في ثواني.. ولو كلكوا عملتوا فيها أسود وحاولتوا تعملوا هرج او مرج، هتموتوا سوا.. لكن المرة دي مش بالشرايح اللي في أجسامكوا.. لا، الأوضة اللي انتوا فيها دي مليانة فتحات مش متشافة، والفتحات دي متوصلة بخزانين، خزان مليان غاز مُخدر.. وخزان تاني مليان غاز سام، واقولكوا سر.. الخزانين جنبي، يعني بدوسة زرار ممكن اسمكوا واجيب أجلكوا.. وكل ده، في اقل من خمس دقايق، ها!.. هنسمع الكلام وهنبقى حلوين وهنخلص لعبتنا على خير، ولا هنرغي ونتنطط وفي الاخر كلكوا هتخرجوا من هنا جوة نعوش!)
لما خلص الصوت كلامه، رد عليه السعدني..
-أر يو كريزي.. انت مجنون؟
(اخرس يالا.. مش عشان اهلك مدلعينك واتعودت على عيشة الأجانب، يبقى ترطن بلغتهم.. ماتعمليش فيها أنيس عبيد، تنطق الكلمة بالانجليزي وبعد كده تترجمها للعربي، عمومًا مش ده موضوعنا.. خلينا فيك انت.. دكتور محمد السعدني محمد، طبيب بشري، تخصصه أنف وأذن وحنجرة.. بيعالج الناس من جميع الأعمار والفئات، سواء في المستشفى الحكومي اللي بيشتغل فيها بسبب معارف ابوه، او في العيادة الخاصة بتاعته هو واصحابة.. ازيك ياسعدني.. عامل ايه؟!.. يارب ما تكون بخير… وحتى لو بخير، انا هخليك العكس.. اجهز ياحبيبي عشان انت اللي جاي في اللعبة، ومش انت وبس، ده انت ومعاك بلال.. بلال الجَمال.. دكتور بشري برضه، تخصصه أمراض الباطنة، دلدول.. بيخاف، ولما بيخاف بيتهته في الكلام، بيتهته لأن عنده مشكلة من بعد ما اتعرض لصدمة شديدة، والصدمة كان سببها أن حد من عيلته اختفى فجأة ومابقاش موجود… ربنا لا يشفيك يارب.. قول آمين.. ولا اقولك، هقول انا.. آمين)
رد بلال على الصوت وهو بيتهته بسبب خوفه وتوتره الزيادة..
-ان ان ان.. انت عاوز مننا.. ايه؟!
رد الصوت..
(هقولك.. هنلعب لعبة صغيرة، اللي هيكسب فيها هيخرج عايش، واللي هيخسر، هيخرج من هنا جُثة، وقبل ما احكيلكوا على اللعبة بمراحلها ودور كل واحد فيكوا جواها، خلوني اقولكوا فكرة اللعبة جت لي منين.. انا ليا واحد صاحبي بيعشق سلسلة افلام سوو.. او ساو زي ما في ناس بتقول، وصاحبي ده، له تار عند حد وحابب يأدبه، ولأن انا كمان ليا تار عندكوا، فانا وهو اتجمعنا وقعدنا نفكر في طريقة تعلمكوا الادب وتدفعكوا تمن غلطاتكوا، وبصراحة، هو اقترح طريقة عجبتني، طريقة الفيلم اللي هو بيعشقه، ومن عند كلامه اقتنعت انا وهو ومعانا واحدة كمان صاحبتنا.. احنا التلاتة اقتنعنا وجهزنا كل حاجة للعب، سواء من ناحية الأوضة اللي هو بينتقم جواها من الراجل اللي آذاه، او من ناحية الأوضة اللي انتوا فيها دي.. او من ناحية الأوضة التالتة.. يوووه.. رغينا كتير والوقت هيفوتنا، يلا.. خلونا نبدأ.. دلوقتي هتطلع تورتاية من مكان ما في الأرض، ايووه… في مكان هيترفع قصادكوا من الأرض وهتلاقوا عليه تورتاية)
اتفتحت حتة في الأرض وطلع منها زي بلاطة كبيرة عليها تورتاية شكلها حلو اووي.. ومع ظهورها، كمل الصوت كلامه..
(التورتاية دي ليكوا كلكوا.. انا عارف انكوا جعانين لان بقالكوا تقريبًا خمس تيام من غير لا أكل ولا شرب.. بس دلوقتي، ممكن تاكلوا من التورتاية عادي، بس بالتساوي، واللي هيتفك وهيبدأ بالأكل هو سعدني.. يلا ياسعدني، استعد، واه ماتخافش، التورتاية مافيهاش سم، ما انا قولت بقى، لو عاوز اموتكوا، في اكتر من طريقة ممكن اعمل بيها كده، بس انا لا عاوزكوا تموتوا ولا عاوزكوا تعيشوا.. انا عاوزكوا تكفروا عن ذنوبكوا عن طريق اللعبة.. يلا ياسعدني.. كُل ياحبيبي.. انا عارف انك مفجوع)
اتفتحت الكلابشات الحديد اللي رابطة سعدني في الحيطة، سواء من ايديه او رجليه، وبمجرد ما اتفك، حاول يفك اصحابه، بس ماعرفش، ورغم انه مالقالهاش حل، الا انه فضل يلف في الأوضة زي المجنون، كان بيحاول يلاقي أي مخرج، بس وهو بيدور على مكان يهرب منه، فجأة جسمه ابتدا يترعش واترمى على الأرض وهو بيتشنج.. او بصراحة، هو ماكنش بيتشنج، هو كان ببتكهرب!
-ااااه.. ااااااه… اااه… همو.. هموووت.. اااه يادماااغي.
ومرة واحدة جسمه ثبت على الأرض، بقى أهدا، وقتها اتدخل الصوت وهو بيضحك..
(مش قولتلك ماتحاولش تعمل اي حاجة الا اللي انا اقولك عليه؟.. ها!.. مش قولتلك بلاش فرك وألا هتتكهرب لحد ما يبانلك صاحب!.. ايه ياسوسو.. مش مصدقني ولا ايه؟.. وعمومًا انا مسامحك، يلا قوم كُل..زمانك هتموت من الجوع)
قام السعدني وراح ناحية التورتاية، ابتدا ياكل منها بسرعة وبنهم شديد لحد ما آكل نصها تقريبًا، وبعد ما خلص وشبع، اتكلم الصوت وقاله..
(يلا ارجع مكانك بقى وخلي الكلبشات الحديد اللي في الحيطة تكلبش ايديك ورجليك.. وألا.. وألا بقى لو مانفذتش كلامي، فانا المرة دي هخلص عليك انت واصحابك)
اتدخل وقتها كروان وقاله بزعيق..
-اااسمع ام الكلام وارجع مكانك من سُكات، انا مش عايز اموت هنا ولا حتى عندي استعداد اموت بعد شوية.
سمع سعدني الكلام ورجع ناحية الحيطة، وقف زي ما كان واقف بالظبط، واول ماوقف، الكلبشات الحديد خرجت من الحيطة وكلبشت ايديه الاتنين ورجليه.. وبمجرد ما ده حصل، التورتاية نزلت من مكان ما طلعت وطلع مكانها حقنة!.. وقتها اللي اتفك كان بلال.. بلال اللي قبل ما يقول أي حاجة، الصوت اتكلم وقاله..
(سعدني كان جعان، لا وايه.. شكله كان جعان بزيادة، ياراجل ده آكل نص التورتاية، بس مش مشكلة، خليه ياكل وينبسط، إنما في حاجة مهمة اووي.. البيه عنده السُكر.. يعني ممكن تجيله مضاعفات ويموت في أي وقت، وعشان كده انا قررت اساعده وانجيه، الحقنة اللي ظهرت دي يابلال هي حقنة جواها انسولين، خدها وروح احقنه بيها، بس قبل ما تروح وتحقنه وتعمل صاحب صاحبك اوي، خليني اقولك على حاجة.. اختك راضية اللي كانت اقرب واحدة ليك واللي اختفت من سنين.. فاكرها؟.. فاكر تعبك وأزمتك النفسية اللي مريت بيها بعد ما اختفت وماظهرتش لحد النهاردة؟.. طب فاكر لما بعد اختفاءها بفترة كببرة اعتبروتها ميتة وخدتوا عزاها!.. فاكرها؟.. أكيد فاكرها، ده انت لحد النهاردة لما بتتوتر، بتهته بسبب التعب اللي تعبته لما هي اختفت لانك كنت متعلق بيها.. الله يكون في عونك الحقيقة، الموضوع مؤلم برضه، ده غير الكلام اللي قالوه الناس عنها، بنت الحسب والنسب سابت اهلها وطفشت، ياااه.. كلام مؤلم.. بس ماتخافش، انا هريحك.. اختك لا هربت مع حد زي ما الناس قالوا، ولا اتخطفت واتباعت اعضاء زي ما انت كنت فاكر، اختك كانت بتحب واحد.. والواحد ده غلط معاها لانه عشمها بالجواز، ولما بقت حامل وعرفته الموضوع، رفض اللي في بطنها ورفض يتجوزها بحجة ان عيلتها اقل من عيلته في المستوى، لكن وقتها، اختك ماسكتتش، راضية هددته وقالتله انها هتفضحه.. اما هو، فسايرها وقالها هعملك اللي انتي عاوزاه، بس تعالي نتكلم في أي مكان بعيد، وفعلا.. خدها من منطقته بالعربية بتاعته وطلع بيها على مكان صحراوي، وهناك، ضربها علقة موت.. وماقصدش ابالغ، دي فعلًا كانت علقة موت لانها ماتت بعدها، وبعد موتها، حفر في المكان الصحراوي اللي قتلها فيه ودفنها، وبعد ما عمل مصيبته، مشي واتعامل عادي.. عاش حياته ولا كأنه قتل!.. تحب تعرف هو مين؟.. ماتفكرش كتير ياابو البلابل.. اللي عمل كده في اختك هو سعدني.. لا وايه يااخي، كان بيدور عليها معاكوا.. لا حول ولا قوة الا بالله.. يلا ربنا يسامحه.. وانت يابلال، سامحه يلا واديله الحقنة عشان مايموتش)
وقتها وش بلال كان احمر والغضب جواه وصل لاقصى حد، عينيه كانت متركزة في عينين سعدني اللي ابتدا يعيط وهو بيترجاه..
-لا.. لا يابلال.. انا.. انا.. انا ماعملتش كده.. صصصص.. صدقني.
الدموع ابتدت تنزل من عيون بلال لما اتأكد من طريقة سعدني انه بيكدب عليه، وعشان كده، فبكل غل وقوة، قرب منه وصرخ فيه وهو بيغرز سن الأبرة في عينيه وفي كل حتة في وشه…
-يا يا يا.. ياابن ال.. ال.. الكلاااب.. ان ان انت.. انت اللي قتلتهاااا…
بلال جتله هيستريا وفضل يغرز سن الحقنة في كل مكان في جسم سعدني لحد ما بعد دقايق جسمه ساب خالص وقطع النفس!
(تسلم إيدك والله ياابو البلابل.. دكر.. جيبت حقك.. بس خليني اقولك ان كل اللي انت عملته ده متسجل صوت وصورة، وببساطة كده، هيروح للحكومة، اه.. وكمان هيترفع عالنت.. بلال.. انت كده كده رايح في ستين داهية، ولو النيابة ماخدتش بالفيديو لانه متسجل من غير اذنها، فأكيد اهل الواد اللي جيبت اجله ده، مش هيسيبوك.. طب ايه العمل دلوقتي؟.. ايه العمل دلوقتي يادكتور بلال.. هقولك.. فاكر التقرير اللي زورته عشان تطلع عيل من قضية شروع في قتل!.. فاكر اهل الواد يومها وهم بيدعوا عليك عشان ضيعت حق ابنهم؟.. طب بلاش.. فاكر الواد كان مطعون فين؟.. بالظبط.. جنب القلب..)
في اللحظة دي اترفع من المكان اللي اترفعت منه التورتاية والسرنجة، سكينة كبيرة!
لف بلال وبص لها، ومع نظراته ليها كمل الصوت كلامه..
(ايوه.. طعنة قصاد طعنة.. خش.. هتجيبك.. القف السكينة وارزعها في صدرك.. وانت وحظك.. لو عيشت.. يبقى فل.. ماعيشتش.. يبقى نصيبك.. واه.. لو ماعملتش كده الكهربا هتشتغل)
مشي بلال ناحية السكينة وهو تايه، كأنه متخدر، وبحركة بطيئة خدها وجري ناحية حيطة من الحوائط.. بالظبط جنب سعدني.. حط السكينة عالحيطة ووجه سنها لصدره.. لكن في اللحظة دي صرخ خالد وقاله…
-لا يابلال.. لااا.. ماتعملش كده يابلال.
ومن بعده فضل..
-لع يابلال.. لع ياولد عمي الله يرضى عليك.. كده هتموت كافر.
ومع صرخاتهم، بصلهم احمد كروان وبعد كده بص لبلال..
-ده جبان.. جبان ومايقدرش يعملها… عمره ما هيجيله قلب يطعن نفسه.
لكن بلال كان له رأي تاني، رأي ظهر لما بص له وابتسم، وبكل هدوء وثبات ومن غير تهته، اتكلم وقاله…
-انا عمري ما كنت جبان ياكروان.. واللي بيحصلنا دلوقتي ده بسببك.. ده.. ذنبها.
وبحركة سريعة قرب جسمه من سن السكينة عشان ترشق جوة قلبه ويقع ميت.. كان بيفرفر قدامهم وهم منهارين، ومع انهيارهم وصرخات خالد، طلع صوت اغنية صباح من السماعة وابتدوا التلاتة اللي عايشين يغيبوا عن الدنيا…
يتبع
البالطو الاحمر
٢
“تلك القصة للكبار فقط.. يعني أي حد بيقرف او بيضايق او عمره اقل من ٢١ سنة مايقراش..”
-انا عمري ما كنت جبان ياكروان.. واللي بيحصلنا دلوقتي ده بسببك.. ده.. ذنبها.
وبحركة سريعة قرب جسمه من سن السكينة عشان ترشق جوة قلبه ويقع ميت.. كان بيفرفر قدامهم وهم منهارين، ومع انهيارهم وصرخات خالد، طلع صوت اغنية صباح من السماعة وابتدوا التلاتة اللي عايشين يغيبوا عن الدنيا… وبعد فترة، فتحوا التلاتة عيونهم، كانوا في نفس الأوضة ومتكتفين نفس التكتيفة، لكن المرة دي كان كروان لوحده في حيطة، اما خالد وفضل، كانوا جنب بعض في الحيطة اللي قصاد كروان، اما فوقيهم، فكانت السماعة لسه شغالة، وبرضه.. برضه كان خارج منها نفس الاغنية.. حاولوا التلاتة يتكلموا لكن ماعرفوش، اللي اتكلم المرة دي كان هو نفس الصوت اللي خرج من السماعة بعد ما الأغنية سكتت..
(صباح الخييير.. ايه؟.. اجيبلكوا الفطار يادكاترة؟.. ها.. ردوا.. اااه.. للأسف، مش هتقدروا تردوا بسبب تأثير المُخدر، بس لحد ما تأثيره يروح وتفوقوا كده، هحكيلكوا حكاية… حكاية جايز تكون من وجهة نظركوا مش مهمة، بس بالنسبة لي انا، أهم من حياتكوا اللي من وجهة نظري مالهاش أي قيمة، وأظن يعني وبما ان انا المُتحكم في اللعبة وفي حياتكوا، فوجهة نظري هي اللي هتمشي.. يلا، مش هطول عليكوا.. زمان، من يجي ١٤ سنة كده، كان في ولد عايش في اسكندرية، الولد ده كان عايش مع ابوه وامه وحالتهم كانت صعبة اوي، الصبح ابوه يجري على رزق أهل بيته، وطول اليوم امه بتشتغل في البيوت عشان يعرفوا يعيشوا.. مش هكدب واقول ان الأب كان غلبان وان الحياة كانت صعبة بسبب الظروف وبس، لا، ده الأب كان خمورجي وبتاع ستات، يعني بالبلدي كده كل فلوسه كانت رايحة على سهراته وقعداته الحلوة.. ومع الوقت، لافت على الأب واحدة شمال وخلته يشتغل معاها، كانت رقاصة، اتجوزها الأب ومشي معاها وساب بيته ومراته وابنه، ومن هنا جت المشكلة، الأم اتغيرت، سلوكها اتغير، بقت تعمل حاجات غريبة ومش متعودة انها تعملها.. مابقتش بس بتشتغل في البيوت، دي كمان بقت بتعرف رجالة وبتجيبهم بيتها عشان تاخد منهم فلوس.. وقتها الولد كان بدأ يكبر ويستوعب اللي امه بتعمله، وفي ليلة غابرة ماطلعش فيها قمر، الولد كان مخطط لكل حاجة.. دخلت الأم وادته فلوس وقالتله انزل العب مع اصحابك، اه، هو كان متعود على كده، لما الأم تطلب منه انه ينزل، يبقى أكيد في راجل جاي.. وفعلًا، الولد خد من امه الفلوس ونزل، بس الحقيقة انه ماراحش يلعب ولا يسهر مع اصحابه، ده فضل واقف ومستني قصاد البيت لحد ما الراجل اللي طالع لامه ما وصل، وبعد وصوله، كان الواد عامل حسابه على كل حاجة.. الوالا دخل البيت، قرب من باب الأوضة اللي تحت بير السلم وجاب چركن الجاز اللي كان محضره من قبلها، شاله وطلع بيه للشقة، وقف قصاد الباب لدقايق، استنى، استنى شوية كمان، كان عاوزهم يكونوا في أسوء حالاتهم وهو بيعمل فيهم اللي ناوي يعمله.. وبعد الانتظار، فتح الباب بالراحة ودخل بكل هدوء، أصوات امه والراجل كانت بتحرق قلبه، لكنه اتعامل بهدوء، دخل على طراطيف صوابعه ورش جاز في كل مكان، وبحركة كانت مدروسة كويس اوي، قفل باب أوضة النوم عليهم ورش جاز كتير اووي عالباب، وبعد ما كل حاجة بقت جاهزة، طلع كبريت وراح ناحية باب الشقة، ولع عود ورماه عالأرض، النار بدأت تنتشر، صوت امه وهي بتصرخ هي والراجل اللي معاها، طفوا نار قلبه اللي شعللت بعد اللي سمعه اول ما دخل، شكل النار وهي ماسكه في الشقة وفي العفش وفي صورة امه اللي عالحيطة، كان منظر مخليه فخور اوي بنفسه وباللي عمله.. وبس، لحد هنا بتخلص الحكاية، او بالظبط يعني، بيخلص نصها الأول، واللي بالمناسبة يعني حبيت احكيهولكوا عشان تعرفوا الخاين نهايته بتبقى عاملة ازاي.. ها، فوقتوا؟!)
لما صاحب الصوت سأل السؤال ده، كانوا التلاتة دكاترة فاقوا، خالد وفضل اللي كانوا متربطين جنب بعض بالكلابشات الحديد اللي خارجة من الحيطة، وقصادهم كان كروان اللي بص للسماعة وزعق بعلو صوته…
-انت عاااوووز اييييه.. رد عليا وكلمني راجل لراجل، تعالى واجهني وقولي انت بتعمل معانا كده ليه؟!
رد عليه الصوت وهو بيضحك..
(راجل لراجل!.. غريبة!.. انا مش شايف فيكوا راجل عشان اواجهه او اتكلم معاه، وبعدين ياكروان انت هنا مش عشان تتكلم ولا عشان تتناقش، انت هنا ياحبيبي عشان تلعب، ولو عيشت لأخر اللعبة، فاوعدك انك هتعرف كل حاجة عن سبب وجودك هنا.. اما دلوقتي، فنخش في المهم، اللعبة.. اللي قصادك على الأرض ده، ميزان كبير، جنبه سكينة وساطور، واللي ورا الميزان وقصادك على الحيطة، اتنين من اعز اصحابك، خالد وفضل.. أظن انك عارفهم وقريب منهم، وبما أنك عارفهم كويس، فانت اكتر واحد تقدر تقول مين فيهم اللي يستحق يعيش، ومين لأ.. ومن هنا يجي شرح اللعبة.. انت دلوقتي هتتفك، الكلبشات هتتفتح وهتروح ناحية الميزان وهتاخد السكينة والساطور، وبعد ما هتاخدهم هتقرب الميزان نفسه من الاتنين وهتبدأ اللعب، واللعب عبارة عن تقطيع، انت مطلوب منك في خلال خمس دقايق انك تقرر مين فيهم اللي يستحق انه يعيش، وده عن طريق السكينة والساطور، وقرارك ده هيتم لما هتقطع من لحمهم وهتحط في كفتين الميزان، وكل واحد هتقطع من جسمه، هتحط الحتة اللي هتقطعها في كفته، واللي كفته هتكون اتقل بعد الخمس دقايق، هو اللي هيعيش، اما بقى اللي كفته هتعلى وهتبقى أخف، فهيتكهرب عن الطريق الشريحة لحد ما يموت، وطبعًا مش محتاج افكرك، لو مانفذتش او حاولت تعمل أي حاجة غير اللي انا آمرتك بيه، هتتكهرب لحد ما تموت، وبعد ماتتكهرب، الغاز السام هيشتغل في الأوضة والاتنين هيموتوا، يعني لو حاولت تتثورج او تعمل اي حاجة غير اللي اتطلبت منك، هتبقى بتقضي على حياتك وحياتهم، اما بقى لو سمعت الكلام، فانت هتقدر تنقذ واحد منهم وكمان هتنقذ نفسك.. يلا.. الكلبشات اتفكت، اختار ياكروان.. قرر.. انت دلوقتي اللي هتتحكم في مصيرهم)
لما الكلبشات اتفكت وبعد الكلام اللي اتقال، بص كروان على الميزان وعلى الساطور والسكينة باستسلام.. كانت نظرة فيها معاني كتير، اولها وأهمها انه خلاص، استسلم، بقى متأكد انه ماينفعش يعمل أي حاجة غير انه يلعب، وفعلًا.. مسك السكينة والساطور وقرب الميزان من الاتنين، وقف قصادهم وبص في عيونهم وهم لسه متكلبشين، وقبل ما يقرب منهم او يعمل أي حاجة، عيون فضل دمعت وبدأ يترجاه…
-بالله عليك يااحمد.. بالله عليك ما تخليني اموت، انا.. انا لو موتت دلوك هدخل جهنم، وانا مش هينفع ادخلها.. انا.. انا.. انا كنت ناوي اتوب لما اكبر، طب والله.. والله كنت هطلع احج او اعمل عُمرة.
اما خالد، فبص في عيون كروان وابتسم..
-لو انا اللي هموت، فماتعذبنيش، موتني بسرعة ومن غير ألم، انت عارفني ياكروان.. أجبن من اني اتألم.
في اللحظة دي بص كروان للسماعة اللي في السقف وصرخ..
-كفااية بقى.. كفاية، حرام عليك ياأخي، فكهم وخلينا نخرج من هنا واحنا هنديك كل اللي انت عاوزه.
رد عليه الصوت من تاني وهو بيضحك ضحكته المستفزة..
(هعوز ايه؟.. فلوس!.. فلوس ايه يادكترة!.. هو انا جايبك وجايب اصحابك وعامل ده كله عشان فلوس!.. طب والله عيب، ده انت حتى ذكي وعارف كويس اوي اني لو عاوز منكوا فلوس، كنت خطفتكوا وساومتكوا او ساومت اهاليكوا وكنت هتراضى، بس لأ.. لأ ياكروان.. الموضوع اكبر من الفلوس، القصة قصةْ تطهير وتحقيق للعدالة، وعشان العدالة تتحقق، لازم اللعبة تكمل.. لكن تعرف، انت صعبان عليا، عمال تصرخ وتزعق وبتتحايل عليا عشان افكهم، ياااه.. قلبك طيب يادوك، خايف عليهم ومش عاوزهم يموتوا وهم كل واحد فيهم عمل فيك مصيبة.. اه، هحكيلك، ما انت برضه قبل ما تقطع فيهم لازم يبقى عندك دافع.. البيه، دكتور فضل، عين أعيان الصعيد، طلع حرامي.. فاكر ياكروان لما من فترة حسابك البنكي الجاري اتسرق وكنت بتستلف فلوس من أهلك ومن طوب الأرض عشان تعرف تعيش؟.. فاكر!.. مش بعد التحقيقات اتقالك ان الحساب ماتهكرش ولا حاجة وان اللي سرقك كان يعرف كل باسورداتك؟!.. ايووه.. بالظبط، هو.. فضل اللي عمل فيك كده، وقبل بس ما تبصله بعين الشر وتبص لخالد بعين الرحمة، خليني اقولك خالد هو كمان عمل فيك ايه.. فاكر لما من فترة مراتك قالتلك ان في حد بيكلمها من أكونتات مضروبة وبيحاول يوقعها لأنها عاجباه!.. فاكر وقتها انت كنت شايط ازاي لما قريت الكلام اللي اتبعتلها عن وصف مفاتنها!.. ايووه.. هو.. خالد اللي عمل كده.. ماتستغربش يادكتور، اوقات الكتير اللي حوالينا بيكونوا هم أحقر الناس، اكتر ناس بيأذونا، وده اللي حصل معاك.. هو اه انت تستاهل اللي جرالك منهم، بس برضه انت ليك عندهم حق، ودلوقتي، تقدر تاخده، يلا.. ابدأ اللعبة، قرر بإيدك مين فيهم اللي يستحق يعيش.. ياترة اللي سرقك وكان سبب في ذُلك لفترة، ولا اللي بص لأهل بيتك وكان عاوز يخونك معاهم.. اختار.. الخمس دقايق بدأوا من دلوقتي)
بعد ما الصوت خلص كلامه، كروان اتجنن، قرب من فضل وخالد وابتدا يقطع في جلدهم ولحمهم.. قرب من فضل وقطع بنطلونه وشال بالسكينة جزء من أردافه، وبعد ما شاله، حطه عالميزان، وبحركة سريعة، قرب من خالد وعمل نفس اللي عمله مع فضل.
-ااااه يارچللللي… ااااه… لع يااحمد.. يااحممممد لاااا..
-خلاص.. خلاص يااحمد.. موتني.. اقطع العرق وموتني خليني اخلص، بقولك موتني انا مش هستحمل اني اتعذب.
ومع صرخاتهم وتوسلاتهم، كروان ماكنش سامعهم، كان بيقطع فيهم وعينيه بتدمع، جسمه بيتصرف بحركات لا أرادية، قطع من لحم ده وده، ومع نهاية الخمس دقايق، كان قطع حتة من دراع خالد وحطها على الميزان، وبمجرد ما حط الحتة الاخيرة، اتكلم الصوت وهو فرحان، كأنه كان في معركة وخرج منها مُنتصر..
(ياااه.. تسلم ايدك يادوك.. ولا اجدعها جزار، بس بص عالميزان كده، الكفتين تقريبًا متساوين، هي اه كفة فضل اتقل من كفة خالد بشوية، بس لأ، انا لو قررت على الأساس ده هبقى بظلمهم، الاتنين يعتبر متساوين، وبما أن الاتنين اتساووا.. قولي بقى، وانت بتقطعهم وبتفتكر اللي عملوه فيك، كنت بتقطعهم عشان تخلي واحد منهم يعيش على حساب التاني، ولا كنت بتقطعهم على أمل ان الاتنين ممكن يعيشوا، ولااا.. ولا كنت بتفكر في أن الاتنين يموتوا وتنتقم منهم!.. ماتجاوبش ماتجاوبش.. استنى، انا عارفك غلاوي، أكيد كنت عايزهم يموتوا، وحتى لو مش عايز كده، فللأسف، ده اللي هيحصل، انا اعتبرت الاتنين متساوين وشايف ان ولا واحد فيهم يستحق انه يتكهرب، هم هيفضلوا زي ما هم، اما اللي يستاهل الكهربا بجد.. هو انت ياكروان..)
ابتدا جسم كروان يتشنج ووقع عالأرض، كان بيتكهرب بشحنات ماتموتش، تعمل تخدير وشلل في الجسم، بس ماتموتش، وعشان كده بعد ما جسمه سكت والكهربا وقفت، فضل كروان مرمي على الأرض جنب الميزان وقصاد الاتنين اصحابه وهم بيطلعوا في الروح.. كانوا بينزفوا وهو بيبص لهم والدموع في عينيه.. الكهربا شلته وخلته مش قادر حتى انه يقوم يقف، سكت، استسلم وفضل يراقبهم لثواني، وفي اخر السكوت اللي دام لفترة قصيرة اوي، اتكلم الصوت اللي تملي بيخرج من السماعة..
(ماتقاومش يادكتور.. سيب نفسك، استمتع بمناظرهم وهم بيطلعوا في الروح.. شم ريحة دمهم وركز في وشوشهم، معاك دقايق والغاز المخدر هيشتغل، وفي خلال الدقايق دي، هيكونوا الاتنين طلعوا في الروح وانت جسمك هيفك من الكهربا، استمتع.. استسلم، او اقولك، عشان تتفرج وانت رايق، هسمعك اكتر اغنية انا بحبها..)
واشتغلت اغنية صباح، صوتها كان بيدخل جوة قلب احمد كروان وبيحسسه بخوف غريب، خوف لأول مرة في حياته كان بيحس بيه.. ومع صوت الأغنية وريحة الدم وشكل الميزان واللحم اللي عليه، وكمان مع جسم فضل اللي بيترعش وخالد اللي بيستسلم للموت من كتر النزيف، ابتدت دماغ احمد كروان تتقل والغاز المخدر ابتدا مفعوله يشتغل، الدنيا بتزغلل في عينيه، بيغمض وبيتوه لحد ما بيغيب عن الوعي وكُل حاجة بتبقى ضلمة.
يتبع
البالطو الاحمر
٣
“تلك القصة للكبار فقط.. يعني أي حد بيقرف او بيضايق او عمره اقل من ٢١ سنة مايقراش..”
اشتغلت اغنية صباح، صوتها كان بيدخل جوة قلب احمد كروان وبيحسسه بخوف غريب، خوف لأول مرة في حياته كان بيحس بيه.. ومع صوت الأغنية وريحة الدم وشكل الميزان واللحم اللي عليه، وكمان مع جسم فضل اللي بيترعش وخالد اللي بيستسلم للموت من كتر النزيف، ابتدت دماغ احمد كروان تتقل والغاز المخدر ابتدا مفعوله يشتغل، الدنيا بتزغلل في عينيه، بيغمض وبيتوه لحد ما بيغيب عن الوعي وكُل حاجة بتبقى ضلمة.
بعد فترة، ابتدا صوت صباح يقرب، ومعاه النور كان بيرجع من تاني.. فتح احمد كروان عينيه، كان جوة نفس الأوضة، بس المرة دي كانت مختلفة.. الأوضة ماكنش فيها حد غيره، كان نايم على الأرض وقصاده نفس السكينة اللي قطع بيها اصحابه، اما جنبها، فكان في كوز بلاستك!
اتعدل، قعد وسند ضهره على الحيطة، ماكنش قادر يقف من قلة الأكل ومن كل اللي مر بيه، وقبل ما يسأل عن اللي هيحصل معاه، سكت صوت صباح اللي خارج من السماعة واتكلم نفس الصوت اللي بيكلمه من اول ما دخل الأوضة…
(صباحية مباركة يابيه.. ايه القمر ده؟.. وشك وانت صاحي من النوم ايه.. يقطع الخميرة من البيت العَمران)
بص كروان ناحية السماعة واتكلم بصوت ضعيف..
-وأخرتها ايه؟!.. هتعمل فيا ايه تاني؟.. لا.. الأهم من هتعمل ايه، انت بتعمل كده ليه، والأغنية، كل حُب وانت طيب، هي كانت حطاها نغمة تليفونها.. انت كنت تعرفها!.. مش كده؟
رد عليه الصوت..
(اعرف مين ياعم، ومين دي اصلًا اللي كانت حاطة الأغنية نغمة تليفونها!.. دي اغنيتي المُفضلة، وبعدين جرى ايه دكتور، هو في حد مابيحبش الشحرورة؟!)
بص احمد كروان قصاده وضحك ضحكة مليانة يأس وتعب..
-شحرورة!.. طب وحياة أمي لو خرجت من هنا حي، لا هكون مشحررك ومقطعك زي اللي قطعتهم وماتوا قصادي دول.
(كداب ياكركر.. انت مش هتعرف تعمل حاجة، او اقولك، مش هتقدر تعمل حاجة، وبالنسبة بقى لموضوع خروجك من هنا، فده في ايدك، ودلوقتي جينا لأخر لعبة.. لعبة الدم.. اللي قصادك ده كوز بلاستيك، بيشيل اتنين لتر من السوايل، واللي جنبه زي ما انت شايف كده، سكينة حامية، طب هتعمل بيهم ايه؟!.. انا اقولك… انت زي الشاطر كده هتمسك السكينة وهتجرح جسمك وهتخليه ينزف، وعن طريق النزيف والدم اللي هينزل منك، هيبقى مطلوب انك تملى تلات تربع الكوز.. ووعد مني ياعم، لو قدرت تعمل ده، انا بنفسي هجيلك وهخرجك.. عيش يادوك.. واه، لو مابدأتش تنفذ في خلال دقيقتين، هتموت، وهنا ماقصدش انك هتموت بالغاز المخدر ولا بالكهربا.. انا اقصد بالغاز السام.. يلا.. شد حيلك.. عاوزك تقطع بضمير واوعى تقرب من أي وريد، ما انت دكتور وعارف، ماينفعش، والا.. والا هتموت ياكوكو)
سكت الصوت، ومع سكوته سرح احمد كروان، بص للسكينة وللكوز واتشجع، مسكها وقربها من دراعه، جرح نفسه وهو بيصرخ وابتدا يضغط عالجرح، الدم بدأ يسيل وينزل جوة الكوز، لكن للأسف، النزيف وقف والجرح بطل ينزل دم بسبب قلة الأكل والضعف اللي جسمه فيه، وبسبب وقوف النزيف، جرح كروان دراعه التاني وابتدا يضغط عالجرح، ومن جرح لجرح ووجود دم كتير، جسمه ابتدا يضعف من كُتر النزيف، الكوز تقريبًا كان اتملى نصه وزيادة، وفي لحظة، فرد جسمه على الأرض.. رمى السكينة ورفع إيده واتكلم بصوت ضعيف..
-مش.. مش قادر.. خلاص.. موتني.. الموت ارحم.
بعد ما قال كده ورمى راسه على الأرض، اتفتح جزء من الحيطة اللي قصاد كروان، كان زي باب مخفي، دخل منه شاب لابس تي شيرت بزونط، خطواته كانت تقيلة وهادية، قرب من احمد اللي رفع راسه وبص له، وعند نظرة احمد له، شال الشاب الزونط وراسه بانت..
-انت مين وعملت فينا كده ليه؟.. انا ماعرفكش!
ابتسم الشاب وهو حاطط ايديه في جيوب التيشيرت وقاله..
-بس انا اعرفك يااحمد ياكروان.. وماعرفكش انت وبس، انا اعرف خالد وسعدني وفضل وبلال، واه.. هي كمان كنت اعرفها.
ابتسم احمد كروان بحُزن..
-كنت عارف.. كنت عارف انك تعرفها.. بس ازاي؟!
-هقولك ازاي.. فاكر الحدوتة اللي حكيتهالك انت والاتنين قبل ما تقطعهم؟.. حدوتة الوالا بتاع اسكندرية!.. اهو الواد ده بقى يبقى انا.. انا اللي ولعت في امي وعشيقها وهربت، نزلت على القاهرة، وبعد هروبي، اتمرمطت، اشتغلت في كل حاجة لحد ما اتعرفت على جماعة ليهم علاقة بالهكر والدارك ويب، كنت بهكر، بسرق، بقتل، لكن مش مهم، المهم اني عايش وبكسب فلوس كتير، لكن وسط عيشتي المقرفة والماضي اللي مليان رماد، كان في حاجة حلوة في حياتي.. جيراني، الست فدوى وبنتها نرمين وجوزها نعيم، التلاتة كانوا طيبين، او يبانوا كده، لكن في الحقيقة، فدوى كانت غلبانة ومكسورة ومغلوبة على أمرها، ست بتسمع كلام جوزها وبتطيعه لانها مالهاش حد غيره، اما جوزها بقى واللي اتجوزها بعد ما صاحبه مات، فكان راجل دِني، زيه زي ابويا، بتاع حريم، ابوه وامه الكيف، اما البنت، بنت فدوى من جوزها الأولاني، فكانت ملاك في صورة بني أدمة.. نرمين، البنت الوحيدة اللي حبتها في حياتي، مارضتش اقرب منها اكتر ولا اعترفلها بحبي بسبب شغلي الخطر، انا بس كنت صاحبها وجارها اللي بتشتكيله من هم حياتها مع جوز امها، وساعات من هم شغلها.. فاكر شغلها ياكروان؟.. فاكر كانت فرحانة ازاي لما كانت بتقول انها بتشتغل عندكوا في العيادة!.. بس للأسف، فرحتها دي ماكملتش.. في يوم وانا قاعد في البيت، سمعتها وهي بتتخانق مع جوز امها، كان بيتحرش بيها، وبعد الخناقة اللي طولت كتير اوي، خدت بعضها ونزلت، وقتها اتصلت بيها وسألتها، انتي رايحة فين؟، ردت وقالتلي انها كلمتك وقالتلك انها عايزة فلوس، ولما قولتلها انك في العيادة، قالت انها هتعدي عليك وبعد كده هتروح تبات عند واحدة صاحبتها.. لكن للأسف، من بعد المكالمة دي وهي اختفت، ماحدش عرف يوصلها، ولما البوليس عرف وامها قدمت بلاغ باختفائها، ماوصلوش لحاجة، حتى العيادة، كاميراتها كانت بتقول انها كانت مقفولة وانك ماكنتش موجود، ولما راجعوا اخر المكالمات، طلبوني للتحقيق وروحت، روحت بشخصيتي وببطاقتي المزيفين اللي طلعتهم من بعد ما اشتغلت مع الناس اللي بشتغل معاهم دول، ولما اتكلمت وقولتلهم اللي حصل في المكالمة اللي دارت بيني وبينها، قالوا لي انها فعلًا كلمتك بس ماراحتش عندك، دي حتى كاميرات العيادة كانت بتقول ان المكان مقفول.. لكن لأ، انا ماصدقتش، حوار الكاميرات ده مادخلش عليا، وعشان كده ومن عند تسجيلات الكاميرات، ابتديت ادور.. ومع تدويري وطرقي الشمال، وصلت للواد اللي فبركلكوا الفيديوهات بتاعت الكاميرات، كان بيشتغل في الشركة اللي ركبت انظمة المراقبة في العيادة، وبشوية ضغط وكام ذلة مسكتهم عليه، طلعلي الفيديوهات الأصلية، الفيديوهات اللي بتبين ان انتوا مش فاتحين العيادة دي للعيانين وبس، انتوا بالليل بتقلبوها مكان لسهراتكوا الحمرا.. يعني، تشربوا فيها، تجيبوا فيها ستات شمال شبهكوا، وطبعًا ليلتها كنتوا قاعدين بتشربوا، ولما نرمين كلمتك وطلبت منك فلوس، قولتلها تجيلك، وياريتها ما راحت، كانت فاكراكوا بني أدمين، كانت بتعتبرك اخوها الكبير، لكن انت لا اخ ولا كبير ولا بني أدم من اصله، انت واصحابك الأنجاس اغتصبتوها، كنتوا شاربين لما معمين، ولما خلصتوا معاها وحاولت تهرب، جيبتها من شعرها وفضلت تخنق فيها لحد ما ماتت، وبعد ما عملت عملتك السودا، قولتلهم انك هتشيلها وهتنزلها من باب العمارة الوراني وهتروحوا تدفنوها في مكان مش معروف، وفعلا نزلتوا.. ولحد هنا الليلة بتخلص.. لكن قبل ما تسألني وتقولي انا ليه ماوديتش الفيديوهات للبوليس، هقولك انا ماعملتش كده ليه، انتوا اللي زيكوا ماينفعش يتقدم للحكومة، انتوا كان لازم يتلعب بيكوا وبحياتكوا وكمان الناس تتفرج عليكوا.. اه، ما انا نسيت اقولك، الأوضة اللي انتوا فيها دي مرشقة كاميرات، والكاميرات دي متوصلة ببث مباشر على الدارك ويب، يعني اللي بيدخل وبيبقى عاوز يتفرج على ناس بتتعذب في مقابل فلوس، شافكوا واستمتع بتقطيعكوا لبعض، اما دلوقتي بقى، وبعد ما اللعبة خلصت، خليني اقولك انا هعمل فيك ايه.. انت خلاص، هتموت، ومش هتموت لأنك قتلت نرمين وبس، لأ، انت كمان خسرت في اللعبة ووسخت البالطو الابيض بتاعك ومليته دم، وسخته لحد ما بقى لونه أحمر.. شبه دمها، وماتخافش، هريحك على طول، هفتحلك الغاز السام وبعد كده هدفنك جنب اصحابك، ابسط، هتدفن انت وهم في مكان مقطوع زي ما عملتوا في نرمين.. نرمين اللي شبحها ماسابنيش ولا ليلة من بعد ما شوفت الفيديوهات.. لكن خلاص، انا كده جيبت حقها، بالظبط زي ما اللي في الأوضة اللي جنبي جاب حق ابوه من المحامي المعروف، وحيد.. او وحوح زي ما بيقوله.. الفرق بس اللي بيني وبينه انه ماقتلش بجد، اما انا، فكان لازم اشوفكوا وانتوا بتموتوا لأن ده اللي انتوا تستحقوه.. انا خارج ياكركر.. وبالنسبة لنرمين، فلما تقابلها هناك ابقى قولها اني عمري في حياتي ما حبيت ولا هحب غيرها.. وقولها كمان اني لسه بسمع الاغنية اللي كانت بتحب تسمعها طول عمرها.. يلا.. اسيبك تموت وانت بتسمع الأغنية المُفضلة عندها وعندي.. لأخر مرة.. لكن العزول الله يجازيه.. صُعُب عليه اللي احنا فيه..
ومع صوت الاغنية اللي اشتغل من السماعة لأخر مرة، خرج الشاب من الباب اللي دخل منه وبعد كده اتقفل، وبمجرد ما الباب اتقفل، اتملت الأوضة بالغاز السام واحمد كروان جسمه ابتدا يتنفض لحد ما سكت خالص.. سكت للأبد.
********
(بعد شهر.. في مكتب حمدي مراد وكيل النيابة)
بص حمدي وهو قاعد على كرسي مكتبه واتكلم مع عبد الرحمن زميله..
-وبعدين ياعبد الرحمن.. اللي حصل لوحيد والخمس دكاترة مش هيعدي بالساهل، الفيديوهات انتشرت واخرها مش باين.. يعني اللي عمل كده مابيتشافش، دي كارثة، احنا لازم نوصل للي عمل كده.
سرح عبد الرحمن لثواني وبعد كده بص لحمدي..
-تفتكر ياحمدي الناس دي كانت مظلومة ولا ظالمة، يعني.. يستاهلوا اللي حصلهم ولا لا؟
-والله ما عارف.. احنا مهمتنا ان احنا ندور على اللي..
فجأة رن تليفون حمدي..
-الو.. ايوه يافندم؟.. فيديو؟!.. تاني؟.. طيب طيب، هبص عالواتس.
قفل حمدي المكالمة وفتح الواتس، وقتها عبد الرحمن جري ووقف جنبه، الفيديو كان فيه واحدة ست بتتعذب!.. لما عبد الرحمن شاف الفيديو برق وبص لحمدي..
-ده فيديو تاني واللي عمل كده هو نفس الشخص تقريبًا!
-تاني ايه بقى؟.. قول تالت، بس خد بالك.. المرة دي الست اللي في الفيديو مش ست عادية، دي غادة الكامل، صاحبة أكبر صالات للمساچ في الوطن العربي.. احنا لازم ندور على اللي عمل كده ونلاقيه في أسرع وقت… وألا..
-وألا ايه ياحمدي؟.. هيفضل يخلص على الأوباش اللي في البلد؟!
سكت حمدي وسرح، اما عبد الرحمن، فرجع قعد مكانه وسرح هو كمان.. كانوا بيفكروا في غادة وفي اللي حصلها، لكن اللي حصلها هنعرفه قريب اوي.. وكمان هنعرف ازاي جلسة مساچ، حولت حياتها، غيرتها، خلتها من أكبر سيدة أمال في الوطن العربي، لواحدة من اللي جواها.. جوة اللعبة.. سلام.
تمت
محمد_شعبان