راجعين على الطريق الصحراوي من الإسكندرية، الدنيا ضلمة والجو برد، صوت عمرو دياب بيسلينا في السكة، مبسوطين بسبب اليوم الحلو اللي قضيناه أنا واصحابي.
“البنزين قرب يخلص”! قالها مصطفى وهو بيبص لينا بتوتر، كنت قاعد جنبه، بصيت على البنزين لقيت أنه يكفينا تقريبًا 10 كيلو بس، ومش ضامنين أننا نلاقي بنزينة على السكة!
قفلنا الكاسيت وبدأنا نبص لبعض وندعي نلاقي أي بنزينة في الطريق، والحمد لله مكملناش 5 كيلو ولقينا نور بنزينة بعيد، بدأنا نهدى وقربنا ودخلنا.
المضخات مفيش قدامها حد!
كشك بسيط مهجور، والمحطة فاضية بشكل غريب!
نزلنا كلنا وبدأنا ننادي “يااهل الدار” “يااللي هنا”. مفيش رد!
فكرنا نفول العربية بنفسنا وخلاص بس استحرمنا!
الضوء بتاع البنزينة ضعيف، أحمر، وسط صحرا قاحلة سودا وعربيات مش بتمر علشان الوقت متأخر، تقريبا الساعة 2 ونص بليل!
قولتلهم هلف ورا البنزينة يمكن يكون في حد هناك، لفيت لقيت تبة رملية بيطلع منها ريحة عفن ونتانة غريبة زي ما يكون في حيوان ميت هنا! ولعت كشاف موبايلي لقيت خيال بيتحرك بعيد عني واختفى!
جسمي قشعر، خُفت، سمعت صوت محمد صاحبنا بينادي علينا “لقيت حد”!
جريت ورجعت ليهم لقيتهم واقفين قدام راجل لابس بدلة سودا، في إيده سيجارة، شعره شكله شيك وساعة نظيفة وجزمة بتلمع. كان بيقولهم “أكيد في حاجة غلط.. من ساعة ما جيت هنا والعربية عطلت ومش بتدور ومشوفتش عربيات بتعدي من الطريق”!
كلامه خلى أعصابنا تتعب، بصينا لبعض بخوف، وقفنا نراقب الطريق وفعلا ملقناش أي عربية أو نور في الناحيتين! كأن البنزينة بس هي محور العالم!
“عايز أكل”! سمعنا الجملة بتتقال حوالينا بصوت مش واضح!
اتوترنا، الراجل بص حواليه بذعر وصرخ “مين هنا”! الصوت كررها تاني “أكل”! قالها وهو بيمط في الحروف وصوته عميق “أككلللل”!
البنزينة شكلها بدأ يبهت فجأة! الأنوار بدأت تخفت، الأرض بقت طينة، مضخات البنزين بقت مصدية! سمعنا صوت زحف جاي من ورا، المكان اللي كنت فيه، الراجل رمى السيجارة في خوف وفجأة لقيناه بيصرخ وبيجري ناحية الضلمة بعيد عن البنزينة!
سمعنا صوت فحيح قوي جدا وحاجة زي ما تكون لحم بيتقطع وصوت صريخ جامد وبعدها لقينا دم داخل من الضلمة مكان الراجل ما حاول يهرب للنور في البنزينة!
كنا هنعيط من الخوف، بصينا حوالينا بجنون والصوت كررها تاني “أكل، عايز أكل” مش عارفين ايه ده ولا مين!
هيثم صاحبنا قال بصوت بيترعش “انت فين طيب”؟ صوت الزحف قرب أكتر وفجأة ظهر شخص رفيع جدًا مش واضح ملامحه، جسمه معضم، عينه فاضية! بيمشي ومع كل خطوة في دم بينقط من جسمه على الأرض رغم أنه مش متعور! لابس جلبية قديمة مقطعة، صوابعه رفيعة! بص لينا وابتسم بوشه المعضم وشاور على هيثم! وقال وهو بيمط في الكلام “أكلللل”!
حسين
ا بهيثم كان هيعيط، وقفنا كلنا متسمرين، فكرنا نهرب بس الراجل اللي هرب من هنا اتاكل تقريبا! الراجل قرب أكتر، جسمه مش مظبوط، مايل، رجله بيجره وهي سبب صوت الزحف!
ماشي ببطء وهدوء وأنفاسنا كلها واقفة من الخوف، لحد ما وصل عند مضخة بنزين ومسكها ورفعها وضغط على زرار الضخ ونزل منها سائل أسود لزج غريب بمجرد ما وصل على الارض بقى بيتشكل على هيئات غريبة! قطط! فيران! جزء منه طار وفرد وبقى زي العصفور ولما اترفع عن الأرض أقل من ربع متر وقع وطرطش على الأرض تاني واتحول سائل!
صرخت من الخوف وقربنا من بعض كلنا، هيثم هو اللي كان بعيد عننا، فضل واقف مصدوم، الراجل قرب منه، نادينا عليه، لسه متنح، متحركش، الراجل قرب منه اكتر، السائل اللي اتشكل بدأ يحاصره بمخلوقات سودا غريبة، “هيثاااااام” صرخنا فيه، جسمه اتنفض، بصلنا بخوف، عينه بتنزل دموع، فكرنا نقرب ننقذه بس إحنا عايزين اللي ينقذنا! الراجل وصل عند هيثم ومد صوابعه النحيفة وحطها على دراعه وبمجرد ما عمل كده جسم صاحبنا اتنفض والحيوانات بدأت تتشكل في هيئة واحدة ونطت على هيثم!
صريخنا موقفتش، النور بدأ يذبذب في البنزينة، الراجل شوفناه جسمه بيطول ويتمدد وجسم هيثم بيتلوى بشكل غريب، الكيان اللزج الأسود بيحاصره، بيغطي ملامحه، الراجل بيلف حوالين صاحبنا، صراخنا مستمر، الضوء متذبذب أكتر، الكيان محى ملامح هيثم، الراجل جسمه بيطول أكتر لحد ما وصل لمترين تقريبًا، حاجة سودا بملامح بشرية، وفجأة النور طفى خالص!
النور جه بعد ثواني! وقفنا صراخ، كنا واقفين لوحدنا في أرض فاضية وقدامنا كشك مقفول مهجور، والعربية راكنة على جنب، بصينا لبعض، هيثم فين! نادينا عليه! مش وسطنا!
الأرض اللي واقفين فيها لقينا جوا شوية سور قصير، قربنا منه بخوف، بصينا وراه لقينا مضخات بنزين قديمة! في ريحة نتانة في المكان! جثة مشوهة متحللة قدامنا! ساعة شيك في إيد الجثة! ده الراجل اللي هرب من البنزينة وسمعنا صريخه!
فكرنا نكلم البوليس، طلعت الموبيل بس مفيش شبكة، جرينا بسرعة وركبنا العربية لما سمعنا صوت بيقول “أكل”! طرنا بالعربية بسرعة وبصينا ورانا لقينا واحد تخين شوية عينه فاضية وبيمشي بميل غريب.. كان هيثم!
صرخنا باسمه وإحنا بنبعد عن المكان وكل واحد فينا مصدوم ومش مستوعب اللي حصل! فتحت اللوكيشن علشان أعرف اسم المكان ونحاول نرجع ننقذه لقيته مش ظاهر على جوجل ماب! كأنه مكان خفي!
وقفنا عند أول كشك قابلناه، وشنا أبيض من الخوف، كان فيه راجل كبير في السن واقف ومعاه ابنه سألناه “يا حاج هو في بنزينة هنا قريبة”؟ الراجل بدون مبرر لف وخرج لينا برا وقالنا برعب شوية “أنتوا قابلتوه”؟ من عدم ردنا وصدمتنا الراجل فهم، واضح أنه عارف.
“خسرتوا حد”؟ سألنا، هزيت راسي وانا قربت أعيط “صاحبنا”. عينه في أسى، قال: “المكان ده كان لواحد اسمه سيد الأكيل، كانوا مسمينه الأكيل لأنه بيحب الأكل الكتير، اشتراه مع شركاء ليه وفكر يعمله بنزينة وفعلا عمل المشروع وفي يوم نزل عليهم قطاعين طرق وموتوه وغرقوه بالجاز وكان شركائه معاه في البنزينة يومها وكلهم ماتوا، كانت حادثة بشعة من حوالي 25 سنة، ومن وقتها ناس بتقول إنهم بيسمعوا صوت حد بيطلب منهم أكل وأنهم بيشوفوا حاجات مخيفة في المكان، بس محدش يعرف الحقيقة.
سألته وجسمي بيتنفض من الرعب: “حقيقة إيه”؟ ضم عينه أكتر وبص لبعيد اتجاه البنزينة “أن الأكيل لما يختار حد بيلعنه، بيلعن كل اللي يدخل نوره ويطلب مساعدة، بيخليه يعيش وهم كبير ودايرة متنتهيش ومش بيخرج من اللعنة دي إلا بالموت”.
مفهمتش، مش مستوعب، بصيت للراجل اللي كمل برعب: “إحنا بقالنا هنا سنين مش عارفين نخرج، كل يوم بنعيد الدايرة، بقابلكم وأشرحلكم أن دي لعنة وبعدها لما تفهموا يبدأ يومكم من لحظة دخولكم المكان وتواجهوا نفس المسخ وكل مرة الأكيل يختار ضحية منكم وتهربوا وتيجولي عشان تفهموا”!
بصينا لبعض، جسمنا متلج، مش مستوعبين، الكشك بتاع الراجل بينهار والراجل نفسه بيتحلل بسرعة ويتحول لسائل لزج أسود زي اللي شوفناه وبعدها كل حاجة ضلمت!
………………………………………
راجعين على الطريق الصحراوي من الإسكندرية، الدنيا ضلمة والجو برد، صوت عمرو دياب بيسلينا في السكة، مبسوطين بسبب اليوم الحلو اللي قضيناه أنا واصحابي.
“البنزين قرب يخلص”! قالها مصطفى وهو بيبص لينا بتوتر، كنت قاعد جنبه، بصيت على البنزين لقيت أنه يكفينا تقريبًا 10 كيلو بس، ومش ضامنين أننا نلاقي بنزينة على السكة!
قفلنا الكاسيت وبدأنا نبص لبعض وندعي نلاقي أي بنزينة في الطريق، والحمد لله مكملناش 5 كيلو ولقينا نور بنزينة بعيد، بدأنا نهدى وقربنا ودخلنا.
الغريبة أن المضخات مفيش قدامها حد!
#تمت