قصص

قصه العفريتة كامله

(هي هتستنى حد يجي ويلبسها من بعدي، او هي اللي تلبسه، مش مهم اوي.. المهم إنها هي السبب ومن عندها البداية، العفريتة الزرقا.. هي البداية لنعيم الدنيا، ونار جهنم في الأخرة)
البداية
وانا راكب الاتوبيس وسارح مع الشوارع اللي ظاهرة من خلال الأزاز، سمعت صوت صاحبي اللي كان قاعد بيقلب في الموبايل جنبي…
-مع إن كل الخلق من أصل طين، وكلهم بينزلوا مغمضين.. بعد الدقايق والشهور والسنين، تلاقي ناس أشرار وناس طيبين.. وعجبي، يا سلام عليك يا عم صلاح يا چاهين، عظمة والله.. الراجل ده كان بيكتب عظمة، والله ما خسارة الشير في البوستات اللي زي دي… يلا، احلى شير.
بصيت لموبايله وبعد كده بصيتله وابتسمت..
-والله انت رايق ياجاد.
شال عينه من على الموبايل أخيرًا وبص لي وهو على وشه ابتسامة تعب..
-وماروقش ليه.. ما اديك شايف اهو، الحمد لله النهاردة ربنا كرمنا وكان اول يوم شغل لينا في الشغلانة الجديدة، بزمتك دي حاجة ماتخلينيش رايق!.. بقى مش عايزني انبسط لما اخيرًا لقينا شغل بعد ما فضلنا شهور قاعدين في بيوتنا بسبب الفيرس والعَطلة اللي كانت في العالم كله!.. يا ابني ده في ناس لحد النهاردة قاعدين في بيوتهم ومش لاقيين لقمة.
حطيت إيدي على خدي وسألته…
-حلو.. طبيعي انك تنبسط وتروق لما تنزل شغل بعد شهور قعدة في البيت، بس قولي بقى.. انبسطت في الشغل النهاردة؟!
اتنهد تنهيدة طويلة، بعدها قالي بنبرة صوت أوطى من نبرته المعتادة..
-يا سيدي حتى لو ما انبسطتش، مش مهم.. مش مهم انبسط، المهم دلوقتي إن انا شغال وهاخد مرتب.. هو اه الشغل مُتعب ومرهق لأننا بنفضل ساعات واقفين على رجلينا في المركز، إنما في الحقيقة بقى انا سعيد بالتعب ده، ومش بس سعيد.. انا كمان هكمل في الشغلانة وهتعلمها كويس لأن عندي فيها طموح، اه ماتستغربش.. ماتستغربش إن عندي طموح في شغل الميكانيكا، الطموح مطلوب في كل حاجة، وانا بصراحة كده بقى ناوي اتعب واتعلم لحد ما ابقى مكان المشرف بتاعنا، ولا اقولك.. مشرف ايه، انا ناوي اتعب واجتهد لحد ما ابقى مكان المدير نفسه.
-يااه.. المدير مرة واحدة؟!
-لا على مرتين.
ضحكت لما قالي كده، على عكسه، جاد كمل كلامه بجدية وقالي..
-انت بتضحك على ايه، انا مابهزرش.. انا فعلًا ناوي اجتهد في الشغلانة دي وامسك فيها بإيدي وسناني.
طبطبت على كتفه وانا باصصله بنظرة كلها أمل وحماس..
-والله عندك حق، انا اه في الأول كنت مش عايز الشغلانة وشايفها مُتعبة وأسمها مش اللي هو يعني… لكن لا، انت معاك حق، شغلانة الميكانيكي او العامل في مركز صيانة سيارات، بأذن الله هتجيب وراها شغلانة احسن، واهو على رأيك.. احسن من القعدة في البيت، يا راجل ده انا بقيت حاسس إن احمد اخويا قرب يسيبلي البيت من كتر ما انا قارفه وبستلف منه فلوس.. منه لله الفيرس المنيل ده اللي خلانا سيبنا شغلانتنا في الشركة اللي كنا شغالين فيها.
لما قولتله كده، اتكلم جاد بسرعة وقالي..
-يا سيدي وادينا الحمد لله اهو نزلنا شغل، يعني بدل ما تدعي على الفيرس، ادعي لخالي اللي كلم صاحبه وخلانا ننزل نشتغل في المركز.
بعد ما قال لي كده كح شوية، وبعد ما كحته هديت نسبيًا، فضلنا ساكتين لحد ما قطع صمتنا صوت جاد..
-ألا بالحق صحيح، احمد عامل ايه في حياته؟!
-تمام.. لسه زي ما هو شغال في شركة الشحن اللي بيشتغل فيها، وبصراحة طالع عينه، من المحافظة دي للمحافظة، كل يوم بيوصل طرود أشكال والوان، الله يعينه.. طالع عينه عشان يتجوز خطيبته اللي خاطبها من سنتين.
-ربنا يعينه، اخوك احمد ده مافيش منه، يكفي إنه رباك كأنك ابنه من بعد وفاة الحاج والحاجة الله يرحمهم.
-الله يرحمهم ويخليلك عم طه والحاجة.
-عيشت يا اخويا.
لما جاد قالي كده، سمعنا صوت سواق الأتوبيس وهو بيقول إننا وصلنا للمكان اللي المفروض هننزل فيه.. قام جاد وقومت بعده ونزلنا احنا الاتنين من اتوبيس الشغل، بعد كده فضلنا نتمشى لحد ما طلع هو بيته اللي على أول شارعنا، وانا كملت بقية الشارع لحد ما وصلت لبيتنا، دخلت الشقة اللي ماكنش فيها حد طبعًا لأن انا واحمد اخويا الكبير عايشين فيها لوحدنا من بعد ما ابويا وامي ماتوا، وبما إن احمد دلوقتي في الشغل، فطبيعي إن الشقة تكون فاضية.
اول ما دخلت غيرت هدومي وطلعت اكل من التلاجة وأكلت، وبعد ما خلصت، شغلت التلفزيون وقعدت اتفرج عليه، مرت دقايق بعدهم مسكت موبايلي واتصلت باحمد، بعد كام رنة رد عليا، سألني عن يومي في الشغل الجديد وعن احوالي، وكذلك انا.. انا طمنته عليا وسألته عن يومه، وكان رده عليا إنه النهاردة هيبات في محافظة من محافظات بحري لأنه معاه شغل هيسلمه بكرة.. ولما سألته عن تفاصيل شغله وعن اللي ناوي يعمله.. حكالي.. حكالي وفضلنا نرغي شوية حلوين لحد ما قفلنا، وبعد ما قفلنا بحوالي نص ساعة كده، حسيت إن راسي تقيلة اوي، غمضت عيني ومددت جسمي على السرير وفي لحظة ماحستش بالدنيا ونمت…. ماعرفش فات على نومي قد ايه، هو كل اللي انا فاكره، إن انا ابتديت افوق على خنقة، زي ما يكون الهوا من حواليا بيروح، او انا اللي باخد نَفسي بالعافية!
فتحت عيني بالراحة وانا ببذل مجهود عشان اتنفس، وهنا بقى كان في مشكلتين.. المشكلة الأولى إن الهوا من حواليا كانت ريحته وحشة اوي، ريحة عفونة ممزوجة بريحة عطن!.. اما المشكلة التانية، كانت الضلمة.. انا لما فتحت عيني ماشوفتش حاجة، وكأني مافتحتهاش من أساسه!
قومت من مكاني بالراحة وانا فارد دراعاتي قدامي وبقول بصوت عالي…
-في ايه.. انا مش شايف ليه، هو انا.. هو انا اتعميت ولا النور قاطع في الشقة ولا.. ولا.. ايه ده!
سكتت فجأة لما حسيت إن المكان من حواليا مختلف، انا مش في أوضتي، الأرض اللي بدوس عليها دي مش أرض شقتي، دي عبارة عن تراب ناعم او رملة باردة!
اتمشيت كام خطوة كمان بحذر لحد ما رجلي خبطت في حاجة.. حاجة ماقدرتش احدد هي ايه، ماهتمتش اعرف وكملت مشي لحد ما إيدي لمست حيطة.. كانت حيطة باردة وملمسها خشن!.. خبطت عليها وانا بزعق..
-انا فين.. انا فين وايه اللي جابني هنا؟!
لما سألت السؤال ده، أجابته ماتأخرتش كتير، انا قدرت اعرف ايه هو المكان اللي انا فيه اول ما شوفت نور احمر كان من مكان ما.. ركن بعيد من أركان الأوضة اللي انا فيها، الركن ده ظهر فيه نور أحمر شبه النار، ومعاه سمعت أصوات همس وصرخات متتابعة، بس دي ماكانتش المصيبة، المصيبة الأكبر من الأصوات والنور، كان المكان اللي انا فيه، انا محبوس في قبر!.. محبوس في قبر وكمان لابس لبس غير لبسي، انا لابس لبس الشغل مش لبس البيت اللي كنت نايم بيه!
عقلي وقف، دقات قلبي زادت، وبحركة عفوية بصيت حواليا على الأرض، وساعتها شوفت أكفان لونها أصفر بالتأكيد جواها جثث، اما على إيدي اليمين، ف كان في سلم بيطلع لفوق، ومن جنب السلم ده كان في ركن داخل لجوة، والركن ده هو اللي جاي من على يمينه الضوء اللي شبه النار.. يعني تقدر تقول كده إن الضوء الاحمر ده كان خارج من الحيطة اللي تحت السلم!
وقفت في مكاني زي المشلول لمدة ثواني، اه مشلول.. اصل تخيل نفسك مكاني كده، تخيل إنك غمضت عينك ونمت، واول ما فتحتها وصحيت، لقيت نفسك جوة قبر وحواليك جثث، وكمان قصادك نار بتخرج من الحيطة واحدة واحدة لحد ما ظهرت اكتر.. ومع ظهورها، اكتشفت إنها مش مجرد نار وخلاص.. دي خرج منها مخلوقات قصيرة، تقريبًا في طول الطفل اللي عنده عشر سنين مثلًا، أشكالهم مفزعة.. عيونهم واسعة بشكل مش طبيعي، الشعر مغطي كل حتة في جسمهم، عندهم حوافر طويلة بتشقق الأرض اللي تحتهم وهم جايين ناحيتي!.. وكله كوم بقى وأصواتهم كوم تاني، أصواتهم كانت اكتر حاجة مزعجة ممكن تسمعها في حياتك، وعشان اقربهالك، خليني اقولك إنها بتشبه كتير لصوت التزييق بين الأزاز وبعضه، بالظبط كأنك جايب حتة أزاز وبتخليها تحتك بحتة أزاز تانية، اهو ده بالظبط نفس الصوت اللي كنت سامعه، نفس الصوت اللي في نفس الوقت فوقني من حالة الثبات اللي كنت فيها وخلاني طلعت جري على السلم.. السلم اللي اول ما وصلت لنهايته مالقتش فتحة ولا لقيت حتى باب، كان مجرد سقف طيني مقفول!.. فضلت اخبط عليه واصرخ بكل قوتي..
-افتحوا لي.. افتحوا لي بموت.. انا ادفنت وانا صاحي، افتحوا لي.
ولا اي حاجة، لا حياة لمن تُنادي، مافيش أي استجابة غير من حاجة واحدة بس، الأيادي.. المخلوقات الصغيرة دي طلعت ورايا على السلم وابتدوا يمسكوا في رجليا بإيديهم، لفيت وحاولت اقاومهم واضرب فيهم، لحد ما واحد منهم مسكني بقوة من رجليا الاتنين وسحبني، وقعت على ضهري وخدت السلم كله وقوع، وقبل ما افوق او حتى اتألم من الوقعة، لقيت قصادي ومن وسط الكائنات القصيرة دي، خرج كائن كبير.. فيه شبه منهم، لكنه مش في نفس طولهم، يمكن في طولي او اكتر.. قرب مني بكل هدوء وقال لي..
(البَيت.. عُد إلى البَيت)
برقتله وبصيت له وانا مستغرب، ماكنتش عارف اقوله ايه، لساني اتقعد والكلام وقف على شفايفي الناشفة من الخوف، بس قبل ما اتكلم وبعد ما قال كلامه ده، حسيت إن انا مخنوق، او إن انا بتخنق!.. أيدين طلعوا من الكفن اللي وقعت جنبه وابتدوا يخنقوا فيا بكل قوة، ضربتهم وانا بحاول ابعد عنهم، وفي نفس الوقت، الكائن او الجن او العفريت ده، فِضل يقرب مني بهدوء لحد ما مرة واحدة بقى وشه في وشي، وساعتها صرخ بكلمة غريبة، كلمة ماقدرتش اسمعها، او تقدر تقول إن انا سمعتها بس مافتكرتهاش بعد ما صحيت، إنما دلوقتي فاكرها.. العفريتة، بس ايه ده… كل اللي شوفته ده كان حلم!
صحيت من النوم وانا هتجنن، عارف ايه اللي كان هيجنني.. انا ازاي لما صحيت من النوم لقيت نفسي نايم على الأرض في الصالة!.. انا فاكر كويس اوي إن انا لما نمت كنت نايم على سريري والتلفزيون شغال قدامي!
قومت من على الأرض وانا ببص حواليا بذهول..
-هو في ايه.. انت اتجننت ياض يا محمود ولا ايه، ولا.. ولا انا بقيت بمشي وانا نايم؟
فضلت اكلم نفسي لحد ما رجعت أوضتي، ومع دخولي للأوضة، مسكت ريموت التلفزيون وشغلت قناة قرأن وفردت جسمي على السرير… حسيت براحة وهدوء وابتديت اخد نفسي كويس، وفي نفس الوقت برضه، كنت حاسس بألم رهيب في جسمي وكأني طالع من علقة.. ده غير الصداع اللي من شدته غمضت عيني من تاني، والمرة دي مافتحتهاش غير على صوت جرس المنبه اللي جاي من تليفوني، واللي المفروض يعني إن انا ظابطه عشان يصحيني قبل معاد الشغل.
مسكت الموبايل وطفيت الصوت وابتديت افوق، قومت غسلت وشي وفطرت واتصلت على اخويا اطمنت عليه، وقبل ما البس، اتصلت بجاد صاحبي.. مرة واتنين وتلاتة، مابيردش!.. لا، كده مابدهاش بقى، انا هلبس وهروحله.. لبست فعلًا ونزلت على بيت جاد، خبطت كتير اوي لحد ما والدته فتحتلي، كانت لابسة كمامة وكان شكلها مرهق جدًا، بصيتلها بقلق وسألتها..
-صباح الخير يا أمي.. انا جاي اصحي جاد عشان الأتوبيس بتاع الشغل على وصول.
ردت عليا بقلق وحزن..
-جاد يا ابني من بعد ما رجع امبارح وهو تعبان، ولما التعب زاد عليه نزلناه للدكتور اللي في المستوصف وقال إنه اشتباه في الفيرس اللي ماشي اليومين دول.. هو دلوقتي نايم ومش هيقدر يصحى، واكيد يعني لو صحي مش هيروح الشغل عشان مايعديش حد.
اتضايقت لما قالتلي كده، بس في نفس الوقت حاولت اطمنها..
-ماتقلقيش يا أمي، ان شاء الله شوية برد وهيروحوا لحالهم، هو عمل تحاليل طيب؟!
-اه يا ابني عمل.. والدكتور طلب منه مسحة هنروح نعملها لما يصحى ومعاها كام تحليل كمان.
-طيب يا أمي، خير بأذن الله، انا هنزل دلوقتي عشان الحق الأتوبيس، واول ما ارجع على طول هاجي واطمن عليه.
هزتلي راسها وقالتلي..
-توصل بالسلامة يا حبيبي، وانا لما جاد يصحى ولو قدر يتكلم، هخليه يكلمك في التليفون.
ابتسمتلها ابتسامة بهتانة ونزلت للشارع، اتمشيت لحد مكان الأتوبيس اللي جه في معاده وركبته وروحت الشغل، ومع وصولي للمركز.. قلعت الهدوم اللي انا جاي بيها ولبست لبس الشغل، العفريتة الزرقا.. ودي تبقى الزي الرسمي للعمال في المكان، بس النهاردة غير امبارح.. انا لما لبست العفريتة، وبعد الحلم اللي انا شوفته وانا لابسها فيه، وكمان لأن الجن او الشيطان ده صرخ في وشي بأسمها قبل ما اصحى، فانا بصراحة كنت مخنوق منها اوي.. كنت حاسس إن انا لابس كفن مش لبس الشغل… وعشان اليوم يعدي، حاولت اتدارك خنقتي دي وابتديت افك واتعامل، وطبعًا استأذنت من المشرف وقولتله على حالة جاد، ف الراجل مشكورًا فهم وقال إنه لو طلع الفيرس اياه، حقه ياخد أجازته كاملة، وبعد ما يخف، يبقى ينزل عشان مايعديش حد.. ومن بعد كلامي مع المشرف ابتديت اشوف شغلي لحد ما جه معاد الغدا، امبارح كان يوم مرهق ومليان شغل لدرجة إننا والله أكلنا سندوتشات كده واحنا واقفين شغالين، بس النهاردة اليوم كان هادي، فاشترينا أكل من برة وقعدنا عشان ناكل، لكن.. لكن انا طول ما انا قاعد كنت مش مرتاح!.. كنت حاسس إن في حاجة عند ضهري من تحت، حاجة جوة الهدوم او العفريتة اللي انا لابسها!
استأذنت من العمال اللي كانوا قاعدين بياكلوا معايا وقومت.. دخلت الحمام وقفلت الباب ورايا، وبسرعة قلعت العفريتة عشان اشوف بقى ايه الحاجة اللي في ضهري دي، وساعتها اتفاجأت.. العفريتة فيها جيب داخلي.. او هو مش جيب بالمعنى الحرفي، هي فتحة صغيرة، من خلالها مديت إيدي بين البطانة الداخلية والقماشة الخارجية، وساعتها كانت المفاجأة الأكبر.. العفريتة كان جواها كيس بلاستيك صغير جواه حاجة مش عارف هي ايه!.. يُتبع
العفريتة
٢
النهاردة اليوم كان هادي، فاشترينا أكل من برة وقعدنا عشان ناكل، لكن.. لكن انا طول ما انا قاعد كنت مش مرتاح!.. كنت حاسس إن في حاجة عند ضهري من تحت، حاجة جوة الهدوم او العفريتة اللي انا لابسها!
استأذنت من العمال اللي كانوا قاعدين بياكلوا معايا وقومت.. دخلت الحمام وقفلت الباب ورايا، وبسرعة قلعت العفريتة عشان اشوف بقى ايه الحاجة اللي في ضهري دي، وساعتها اتفاجأت.. العفريتة فيها جيب داخلي.. او هو مش جيب بالمعنى الحرفي، هي فتحة صغيرة، من خلالها مديت إيدي بين البطانة الداخلية والقماشة الخارجية، وساعتها كانت المفاجأة الأكبر.. العفريتة كان جواها كيس بلاستيك صغير جواه حاجة مش عارف هي ايه.. بس ازاي ده، انا ازاي ماخدتش بالي من الكيس ده امبارح، ولا هو ماكنش موجود من اصله واتحط لي، ولا كان موجود من امبارح وانا عشان ماقعدتش فماحستش بيه!… وارد برضه، لا وارد ايه، ده أكيد.. أكيد انا ماحستش بالكيس ده إلا النهاردة لما قعدت، بس مش مهم حسيت بيه امتى وازاي، المهم دلوقتي إن انا اشوف الكيس ده جواه ايه!
طلعت الكيس من خلال الفتحة، كان كيس أسود صغير ومربوط، لما فتحته وفكيت الربطة بتاعته، لقيت جواه مُفكرة جلد شكلها غريب، عارف انت المُفكرات الصغيرة اوي دي اللي بيبقى الورق جواها وغلافها الجلد مغطي الورق كله، اهي هي دي بقى نفس المُفكرة اللي لقيتها!
فتحت الغلاف الجلد الاسود بتاعها وابتديت اقرا اول صفحة، الكلام كان صغير لأن ورق المُفكرة اصلًا صغير، وبالرغم من كل ده، إلا إني جَمعت اول كام جملة من أول صفحة..
(يوميات سعد راتب)
استغربت لما قريت الأسم وقولت بصوت مسموع..
-سعد راتب!.. مين سعد راتب ده؟!
وقبل ما اقلب الصفحة واقرا اللي في الصفحة التانية، سمعت باب الحمام بيخبط ومعاه صوت واحد من العمال بيقول بصوت عالي..
-ايه يا محمود.. انت نمت جوة ولا ايه يا عم، عاوزين ندخل الحمام بعد الأكل عشان نشوف اشغالنا، ما تنجز ياعم.
طبقت المفكرة وحطيتها جوة الكيس، بعد كده حطتها في جيبي وانا برد عليه بصوت عالي..
-حاضر.. انا خلصت وخارج اهو.
خرجت بعد ما داريت المُفكرة واتعاملت عادي، وطبعًا طول اليوم كنت مش مركز بسبب اللي لقيته، وفضلت متشتت لحد ما الوردية خلصت ودخلت غيرت هدومي وروحت، وطبعًا قبل ما اقلع العفريتة والبس هدومي اللي هَروح بيها، خدت منها الكيس اللي جواه المُفكرة وحطيته في جيب بنطلوني، وفضلت المُفكرة في جيب بنطلوني لحد ما روحت، وبعد ما وصلت المنطقة واطمنت على جاد اللي والدته قالتلي إن الدكاترة قالوا إنه فعلًا مصاب بالفيرس اياه، وهيتعزل اسبوعين في البيت، وكمان بعد ما كلمته على الموبايل واطمنت عليه، طلعت شقتي.. غيرت هدومي وفضيت جيوبي وطلعت الكيس اللي جواه المُفكرة، فتحتها بسرعة وقعدت في الصالة وابتديت اقرا من تاني صفحة…
(الأسم/ سعد راتب ابو الرووس.
السن/ ٣٠ سنة.
الإقامة/ محافظة الجيزة.. قرية “كذا”.. شارع “كذا”.. العمارة رقم ٣ الدور التاني.
المهنة/ ميكانيكي
الحالة الاجتماعية/ متجوز وعندي ولد وبنت)
ولحد هنا خلصت الورقة دي!
بصيت في الورقة اللي قصادها وانا بقول لنفسي بصوت عالي..
-ايه ده ياعم ده.. دفتر يوميات ده ولا بطاقة رقم قومي!
ركزت في الورقة التالتة اللي قريت فيها الأتي…
(بكتب يومياتي او حكايتي لأنها من اكتر الحكايات اللي لازم تتكتب، انا لما اموت، سيرتي ماينفعش تموت من بعدي.. انا اتعاملت معاهم وشوفتهم وكمان سخرتهم، لا وكمان عملت معاهم عهود وخلوني بقدر اعمل اللي مافيش بشر يقدر يعمله، وبصراحة.. كل ده كان بفضله، عم راغب)
ولحد هنا بتخلص الورقة دي، الورقة اللي مع نهايتها قلبت بسرعة عشان اكمل قراية…
(البداية كانت من اليوم اللي جه فيه المركز عشان يصلح عربيته، راجل كبير في السن، عنده عربية قديمة، انا اللي اشتغلت فيها، وفي وقت ما كنت شغال وهو قاعد قصادي، أخدنا وادينا في الكلام، اتصاحبت عليه، خدت رقمه وخد رقمي.. ومن اليوم ده واحنا بقينا قريبين من بعض اوي، زورته، روحتله بيته، ماكنش عنده لا عِيلة ولا زوجة ولا عيال.. راجل عجوز مقطوع من شجرة، بس الحاجة اللي ماكنتش فاهمها لما كنت بروحله بيته، إن الناس كانوا بيقولوا له يا شيخ راغب!.. وطبيعي يعني سألته عن لقب المشيخة اللي هو واخده ده، وجاوبني.. الشيخ راغب ورث عن ابوه اللي ماخلفش غيره مهنة السحر، ولما بقول السحر، فانا مابقصدش الدجل والنصب، انا اقصد السحر اللي بجد، وكمان ورث كتاب تحضير قدر يسخر عن طريقه جن.. اتخضيت من كلامه وخوفت منه، لكنه حاول يطمنني لما قال لي إنه ماعندوش عيال، وده لأن اللي عامل معاهم المعاهدة، شرطهم إنه لا يتجوز ولا يخلف، وألا هيقلبوا عليه وهيموتوه، يعني بيعتبرني زي ابنه وعمره ما هيأذيني… والحقيقة انا مافهمتش هم قالوا له كده، بس هو فهمني لما قال لي إن الجن اللي حضره ده، هو والخدام اللي معاه، كان ده شرطهم عشان يبقوا تحت طوعه، وكمان عشان لو مات يقدروا يتحرروا وماحدش يورث العهد بتاعهم منه!.. برقت له وانا مذهول، ووسط ذهولي واستغرابي سألته عن انواع الجن، وسألته كمان عن أن كلهم لو اتعمل معاهم معاهدة، هل كلهم ممكن يمنعوا الجواز والخلفة!.. هز لي راسه بالنفي وقال لي إن دول الخدام اللي ورث تحضيرهم من ابوه اللي مات وسابه للدنيا من وهو لسه شاب صغير، ماكملش ال ١٥ سنة، يعني ماكانلوش اختيار في نوعية الجن اللي بيتعامل معاهم.. هم حضروا اول ما فتح الكتاب لأنهم اصلًا كانوا بيخدموا ابوه، ولما حضروا قالوا له إنهم هيكملوا العهد معاه، على شرط واحد.. وهو إنه يحررهم، وتحريرهم ده مش هيحصل إلا لما نسله يتقطع خالص، وألا.. وألا بقى هيموتوه وهيمثلوا بجثته زي الناس اللي بتموتهم النداهة ولا عفريتة الغيطان!.. مافهمتش كلامه اوي، بس انا كان كل اللي شاغلني وسألته عنه.. هو إن انا لو حضرت جن وبقى تحت طوعي، ممكن ياخد عليا عهد بحاجات انا مش حاببها ولا عايزها؟.. كان بيسمعني وهو بيبتسم، وبعد ما خلصت اسئلتي جاوبني بكل صراحة وقال لي اه.. الجن بيكون له شروط وطلبات عشان يفضل تحت طوع اللي بيحضره، بس مش كل الطلبات زي بعضها، يعني مثلًا هم لما حضروا على ابوه بعد ما ورث العهد من جده، قالوا له مايخلفش إلا ولد واحد، اللي هو عم راغب يعني.. وفعلًا الراجل نفذ كلامهم، ولما حضروا لعم راغب، طلبوا منه إنه لا يتجوز ولا يخلف، وبرضه نفذ كلامهم، وده معناه إن الجن ده وخدامه وعشيرته، عهدهم هيتفك مع موت راغب.. بس لو اتحضر جن جديد بخدام وعشيرة جديدة عشان يخدموا بني أدم، أكيد العهد هيبقى مختلف.. لما وصل راغب للحتة دي عينيا لَمعت، ومن غير أي تردد طلبت منه يعلمني طرق تحضير الجن ويعرفني اساميهم وطباعهم، والراجل بصراحة ماتأخرش.. علمني كل حاجة، وبعد ما علمني، قال لي ما اتصرفش باللي اتعلمته غير بعد ما هو يموت واورث منه الكتاب وبيته ومهنته، وكمان حذرني من جن معين مذكور طريقة تحضيره وطريقة عمل المعاهدة معاه في الكتاب، ولما سألته عن سبب التحذير، قال لي إن الجن ده واحد من مساعدين الملوك السبعة السفليين، يعني مشزي الجن اللي معاه، مابيبقاش تابع لبني أدم.. ده بيخلي البني أدم تابع لِه، ولما بيحضر على أنسي، بيسري في دمه وبيفضل مُتحكم فيه لحد ما يموت، بس في المقابل بيديله قدرات مايقدرش يديهاله أي جن تاني.. لما سمعت الجملة الأخيرة دي منه، سألته عن معنى كلمة بيسري في دمه، لكنه ماجاوبنيش، ده اتعصب وقال لي إنها مذكورة في الكتاب كده، وإن ممنوع تحضير الجن ده لأنه فعلًا خطر.. ومن اليوم ده لحد ما مات عم راغب وانا فضلت اسمع كلامه، فضلت اسمعه بس لحد ما مات، اما من بعد موته بقى، فانا مافتكرتش أي حاجة من اللي قالها غير البيت اللي نقل ملكيته بأسمي قبل ما يموت، والكتاب اللي جواه.. الكتاب اللي بسببه بعد ما دفنت راغب وخدت عزاه، طلعت جري على البيت وفتحته، ايوه.. اللي بتفكر فيه صح.. اول صفحة فتحتها هي بتاعت الجن إياه، فتحتها وحفظت صم طريقة تحضيره وطريقة عمل المعاهدة معاه، وكمان بدأت انفذها..)
لما وصلت لحد الحتة في اليوميات، ووسط تقليبي في الورق.. حسيت بحاجة غريبة اوي.. هوا سخن ماعرفش جه منين وخبط في وشي عشان في ثانية، في ثانية واحدة الدنيا اسودت من حواليا، وفي ثانية كمان، المشهد من حواليا اتبدل.. انا ماكنتش قاعد في شقتي، انا لقيت نفسي في أوضة غريبة، وقصادي بالظبط، كان قاعد شخص على كرسي، قصاده مبخرة صغيرة جواها فحم مولع، طلع من كيس جنبه حاجة ورماها فيها، دخان المبخرة ابتدى يعلى، وساعتها الراجل طلع من جنبه على الأرض، حيوان ميت.. لا لا، ده مش أي حيوان، دي كانت قطة سودة ميتة، كانت بالتحديد مدبوحة والدم بيسيل من رقبتها، قربها من المبخرة الصغيرة اللي كانت مفتوحة، نقط من دمها نُقط جوة المبخرة، واول ما عمل كده.. الدخان ابتدا يعلى، ومعاه، مسك الشخص ده كتاب وقرا منه بصوت عالي…
(أيها الحارس ظام.. يا من تمردت على عهد سليمان، يا خادم الملك الأبيض ميمون، أدعوك للحضور إلى جلستي.. حُطير حُطير، عطياءيل عطياءيل، بالموش بالموش، دملاخ دملاخ، مغياب مغياب، تغياب تغياب.. أحضر بقوة تلك الأسماء وتجسد أمامي في الحال والساعة)
بعد ما خلص قراية، حسيت أن جسمه بيترعش وعينيه شكلها بيتغير.. لونها بقى أبيض تمامًا وابتدا يزوم زي القطط، وفي نفس الوقت، المبخرة دخانها بقى أعلى وخرج منها نار قوية، ولدقيقة.. كل حاجة وقفت.. سكون تام، لا صوت ولا حركة، زي ما يكون الزمن وقف، الراجل ثابت في مكانه، ودخان المبخرة والنار هم كمان ثابتين.. بصيت حواليا وانا كل حتة في جسمي بتترعش، ولو هتقولي سبب الرعشة دي ايه، هقولك إن انا حسيت بحركة من ورايا، أصوات خطوات ومعاها أصوات حفر.. ومش أي حفر، دي نفس الأصوات اللي سمعتها في القبر، أصوات حوافرهم اللي كانت بتشق التراب ومعاها أصوات صرخات.. لفيت بالراحة وانا بدعي إن توقعي يكون غلط، بس لا.. انا اللي حسبته لقيته، نفس المخلوقات او الشياطين الصغيرة دي كانوا موجودين ورايا، ومن وسطهم ظهر هو.. قط لونه أسود، مختلف عن القط المدبوح اللي شوفته من شوية، حجمه أكبر، مش بس اكبر من القط المدبوح، لا ده أكبر من أي قط ممكن اكون شوفته في حياتي.. كان بيتمشي وسطهم وهم بيوسعوا له لحد ما قرب مني، واول ما وقف قدامي، حجمه بقى اكبر.. وفضل يكبر ويكبر عشان فروته تتشقق وجسمه حرفيًا يتقسم نصين، وفجأة خرج منه نفس الجن او المخلوق اللي صرخ في وشي في القبر!
ماهتمش لوجودي على عكس المرة اللي فاتت، ده عدى من جنبي وراح ناحية الشخص اللي قاعد قدامي، الشخص اللي عرفت اسمه اول ما اتحرك زي ما كل حاجة اتحركت.. بص للجن ده بانبهار وعيونه لسه بيضا تمامًا وقال له بصوت بيترعش..
(أن.. أن. أنن. أنت ظام؟!)
رد عليه بلغة عربية وبصوت رفيع ممزوج بصوت قطط…
(سعد بن راتب وفوزية.. دعوتني ف لبيت.. ما طلبك؟!)
(العهد.. العهد والخدمة)
اول ما قال له كده، طلع من جنبه سكينة عَور دراعه بيها، وبمجرد ما دراعه ابتدا ينزل دم، قربه من المبخرة وهو مُبتسم عشان الدم ينزل على النار ويقلل من لهيبها..
(وده.. دمي، دمي وعهدي معاك.. طلباتك لأتمام العهد؟!)
رد عليه الجن ظام وهو مديني انا ضهره ومدي لسعد وشه..
(سَتُصبح خادمي، وسأجري بين عروقك مجري الدم، وعند وفاتك.. دمك سينقل العهد، اما عما سأقدمه، فلك كل الأسحار والأعمال، ولك ما تطلب من بنات الأنس، أما انا.. فلي خِدمتك وطاعتك، طاعة العبد لسيده.. اركع)
قام سعد وقف وانحنى قصاد ظام، ولحظة خضوعه لظام، اتبدل المشهد تمامًا لما هَبت ريح حرارتها خلتني غمضت عيني وفتحتها من تاني، وبمجرد ما فَتحت، لقيت نفسي واقف في المركز اللي انا بشتغل فيه، لكن شكله كان أقدم شوية.. قصادي كانوا العمال رايحين جاين، ومن ضمنهم كان سعد.. سعد اللي كان لابس نفس العفريتة بتاعتي، ومرة واحدة وقف مكانه ومسك بطنه، كح بقوة.. مرة والتانية لحد ما صرخ ووقع على الأرض، الدم كان بيخرج من بوقه وبيغرق العفريتة، اما زمايله، فكانوا واقفين حواليه ومش عارفين يعملوا له أي حاجة، قربت منه وانا مركز في ملامحه، بص لي وشاور بإيده وقال بصوت مبحوح..
(العفريتة.. الدفتر.. اليوميات.. ظ.. ظظ.. ظام).. يُتبع
العفريتة
٣
وبمجرد ما فَتحت، لقيت نفسي واقف في المركز اللي انا بشتغل فيه، لكن شكله كان أقدم شوية.. قصادي كانوا العمال رايحين جاين، ومن ضمنهم كان سعد.. سعد اللي كان لابس نفس العفريتة بتاعتي، ومرة واحدة وقف مكانه ومسك بطنه، كح بقوة.. مرة والتانية لحد ما صرخ ووقع على الأرض، الدم كان بيخرج من بوقه وبيغرق العفريتة، اما زمايله، فكانوا واقفين حواليه ومش عارفين يعملوا له أي حاجة، قربت منه وانا مركز في ملامحه، بص لي وشاور بإيده وقال بصوت مبحوح..
(العفريتة.. الدفتر.. اليوميات.. ظ.. ظظ.. ظام)
وسكت!
رجعت خطوتين لورا وانا رجليا مش شايلاني، انا مش عارف انا في حلم ولا في علم، هو كل اللي انا عارفه إن فجأة حسيت بخبطة قوية على راسي من ورا، من بعدها حسيت بزغللة والرؤية ابتدت تقل بالتدريج، خدت شوية وقت لحد ما قدرت اشوف من تاني.. والمرة دي، كنت قاعد زي ما انا ودفتر اليوميات المفتوح في إيدي، كان مفتوح على أخر صفحة، واللي كان مكتوب فيها هو الأتي…
(من الليلة اللي حضر فيها وانا عيشت بشخصيتين، شخصية سعد الميكانيكي مع مراتي وعيالي وفي مركز صيانة العربيات اللي بشتغل فيه، وشخصية الشيخ سعد اللي بيروح كل يوم من بعد ما بيخلص شغله لبيت راغب، وبفضل في البيت لحد الساعة ٩ بالليل، انا بقيت اقوى من راغب وزبايني بقوا اكتر من زباينه، وكمان فلوسي بقت اكتر من فلوسه.. وضيف على كل ده إن كمان اتجوزت واحدة على مراتي وخدتلها شقة قريبة من البيت، إنما.. إنما انا مش مرتاح، انا بقيت تابع لظام، بأذي في ده، واطلق دي من ده، واعمل عمل لدي عشان تنزف وتموت، واربط ده عن مراته، وفي الأخر ايه.. ولا أي حاجة، بقيت عبد المأمور.. لا مني عارف افك العهد، ولا مني عارف حتى اخلص من ظام، والنهاردة.. ودلوقتي، ووقت ما بكتب الكلام ده، احساسي بنهايتي بقى أقرب من أي وقت، انا من وقت ما جيت الشغل وانا عمال اكح وانزف من مناخيري، مش عارف مالي.. جايز يكون ظام قَلب عليا او حصلت حاجة انا مش فاهمها، بس كل اللي انا فاهمه دلوقتي إن انا قاعد في أوضة تغيير الهدوم لوحدي في المركز.. قاعد وبكتب الكلام ده في المُفكرة اللي هحطها في جيب سري في العفريتة اللي بلبسها في الشغل، ولو انت بتقرا الكلام ده، يبقى انا أكيد موتت وانت لقيت المُفكرة.. ونصيحتي ليك، احرقها.. احرقها وروح بيت راغب اللي هكتبلك عنوانه واحرق الكتاب، انا مش عايز اللي حصلي يحصل لحد تاني..)
وتحت الكلام ده كان في عنوان مكتوب ومكتوب جنبه كلمة، بيت راغب.. وجنب العنوان، كان في نقطة دم!.. الظاهر إنها نقطة من دم سعد لأنه زي ما قال إنه كان بينزف وهو بيكتب الصفحة دي!
انا مش فاهم حاجة، هو ايه اللي حصل لسعد وخلاه ينزف بالشكل ده لحد ما مات!.. وبعدين ايه المصيبة السودة دي، يعني اللي نضف العفريتة ماخدش باله من المُفكرة، ولا حتى حد لبسها قبلي عشان يلاقيها، يعني انا اللي حظي المنيل خلاها تقع في إيدي اول واحد من بعده!
بس لا.. انا مش هروح بيت راغب، انا هروح على عنوان سعد اللي في بداية المُفكرة، ايوه.. اكيد في العنوان هلاقي مراته وممكن افهم منها اللي انا مش فاهمه لحد دلوقتي.
من غير تفكير كتير نزلت جري على العنوان، قرية متطرفة من قرى محافظة الجيزة، سألت على الشارع وبعده على البيت، وفعلًا قدرت اوصل، وهنا بقى قابلت مشكلة.. شقة سعد ماكنش فيها حد، ولما سألت الجيران، قالوا لي إن مراته تعبت فجأة ونقلوها المستشفى بتاعت القرية… فبسرعة روحت جري على المستشفى، وبعد اسئلة وتدوير من هنا لهناك، قدرت اوصل لها.. الست كانت في قسم القلب، دخلت أوضتها بعد كلام طويل وبايخ مع فرد الأمن اللي في الدور اللي الأوضة فيه، كانت نايمة على السرير وبتاخد نفسها بالعافية، قربت منها بالراحة وسألتها بصوت واطي..
-ست فرحة؟!
بصت لي بنظرة انكسار وتعب، كأنها بتطلع في الروح..
-مين؟!
-انا.. انا.. انا واحد بيشتغل في المركز اللي كان بيشتغل فيه سعد جوزك الله يرحمه.
-قصدك الله يجحمه، وعايز ايه؟!
طلعت المُفكرة من جيبي وانا بقولها..
-المُفكرة دي كانت في جيب العفريتة اللي كان بيلبسها في الشغل، وانا لبستها من بعده ولقيتها.. لقيتها وقريتها وحقيقي مش فاهم حاجة، هو سعد مات ازاي وليه؟!
-مات عشان نمرود.. طول عمره مش عاجبه حاجة، لا عاجبه عيشته ولا ظروفه ولا حتى انا كنت عاجباه، هو بس اتجوزني عشان يرضي ابوه لأني قريبته، اما عن سؤالك، مات ازاي.. فانا اللي قتلته.. سعد في الفترة الأخيرة كان متغير، كان بيضحك عليا ومفهمني إنه بيشتغل ورديتين في المركز، ده غير إنه كان بيغيب بالأيام، ولما كنت اسأله، كان بيقولي إنه مسافر في شغل.. وانا زي أي ست بيت خايفة على بيتها من الخراب والطلاق، كنت بسكت واصدق واستحمل، وفضلت مستحملة لحد ما في يوم حصلت خناقة كبيرة بيننا، وفي وسط الخناقة ضربني وضرب عياله بوحشية لدرجة إنه كسر دراع ابنه الصغير.. بس.. بس خليني اقولك إن سعد لما كان بيضربنا ماكنش واعي باللي بيعمله، عينيه أبيضت وجت له قوة ١٠٠ راجل في بعض، وعشان اللي حصل ده ومن بعد اللي عمله، فانا قررت اراقبه، وراقبته.. راقبته وعرفت عنه كل حاجة.. عرفت إن البيه بقى دجال قد الدنيا، ومش بس كده.. ده كمان كان متجوز واحدة عليا وواخدلها شقة ومعيشها أحسن عيشة، كل ده في الوقت اللي انا بنزل اشتغل فيه في البيوت عشان اكفي مصاريف البيت اللي بقى مهمل فيها.. ومن عند اكتشافي لجوازه ولشغلته اللي كان مخبيها عليا من وقت ما اتغير، خدت قراري.. سعد متعود كل يوم يفطر برة، بس انا في اليوم ده أصريت إن انا افطره قبل ما ينزل المركز، وفطرته.. فطرته أكل جواه سم.. ومافيش ساعات ولقيت زمايله بيخبطوا على بابي وبيقولوا لي إنه اتنقل المشرحة لما فضل ينزف ومات، عملت نفسي متأثرة ومتضايقة، وطبعًا الطب الشرعي أثبت إنه مات مسموم، بس كل الشُبهات اتجهت ناحية المطاعم اللي كان بيفطر عندها، اه.. ما انا محيت أثار كل اللي عملته، ومش بس كده.. ده انا كمان قولت إن عمره ما فطر في البيت، وطبعًا قولت إنه نزل في اليوم ده كعادته من غير فطار.. واستمرت التحقيقات في كل الاتجهات لحد ما القضية اتحفظت لأن ماكنش فيها متهم، عادي.. كلب وراح، كلب طول عمره بيجري ورا المكسب السهل وبيبيع الغالي بالرخيص، دجال، شيطان من شياطين الأنس، وانا خلصت الناس من شره.. إنما تعرف، انا باخد برضه جزائي دلوقتي على إن انا قتلت، انا جالي الطوشة اللي ماشية في البلد اليومين دول وخفيت منها، اه خفيت منها وبقيت زي الفل انا وعيالي، لكن حالتي ابتدت تدهور يوم ورا التاني، قلبي كان بيوجعني اوي، وكتير ماكنتش بقدر اخد نفسي، ولما روحت للدكتور، قال لي إن دي مضاعفات الفيرس اللي كان عندي وكتبلي على علاج، والعلاج ماجابش نتيجة، انا حالتي فضلت تدهور لحد ما خلاص.. اترميت جثة في المستشفى هنا زي ما انت شايف وعيالي راحوا عند خالتهم عشان تاخد بالها منهم من بعدي، خلاص.. شايفاها بتقرب، نهايتي.. منك لله يا سعد.. منك لله.
-بس بس بس يا ستي، نهاية ايه الله يباركلك، استني، ماتموتيش قبل ما تقوليلي، انا المفروض هعمل ايه في البلوة اللي معايا دي.. يا ست فرحة.. يا ست.
ماتت الست فرحة.. ماتت من غير ما تجاوبني على اسئلة كتير اوي في راسي، اسئلة الوقت جاوبلي عليها.. سعد كان لابس العفريتة اللي انا لبستها اول ما استلمت الشغل وقت لما مات، وطبعًا دمه نزل عليها وكمان نزل على المُفكرة اللي لقيتها جواها، ولو تفتكر إن ظام وراغب قالوا لسعد، إن ظام هيفضل في دمه، وإنه هيتورث بالدم عشان يلاقي خادم بدل سعد من البشر، ومن حظي الاسود بقى إن الخادم ده كان انا.. انا مابنامش، حاولت كتير اتخلص من المُفكرة وبرضه بترجعلي، برميها او احرقها، وتاني يوم بلاقيها في العفريتة، ولما حاولت اروح بيت راغب عشان اجيب الكتاب واحرقه واخلص من لعنة ظام ده، سمعت اول ما دخلت من الباب المفتوح صوت بيهددني، كان صوته.. صوت ظام اللي طلب مني، يا أما انفذ العهد واعمل زي ما سعد عمل، يا أما مش هيخليني انام وهيلازمني في كوابيسي.. انا دلوقتي بكتب الكلام ده في بقية ورق المُفكرة، بكتبه وهحطه في العفريتة لأني نويت انتحر.. الدنيا اتقفلت في وشي، وزيد على ده كله بقى إن جاد صاحب عمري مات بالفيروس المنيل بستين نيلة ده، انا مابقاليش حد، احمد اخويا ناوي يتجوز ويسافر هو ومراته، وانا ظام بقى لعنتي اللي طلعتلي من المُذكرات والعفريتة.. ولو انت بتقرا الكلام ده دلوقتي، يبقى الحق نفسك بسرعة ودور على حد يساعدك، انت أكيد جيت اشتغلت في المركز ولبست العفريتة ولقيت المُفكرة جواها، وأكيد برضه مريت بشوية حاجات من اللي مريت بيها، فنصيحة من واحد ميت.. حاول تتصرف وتشوف حد يساعدك، انا دورت ومالقتش، كل اللي حاولت اتواصل معاهم عشان يساعدوني طلعوا نصابين.. وياريت بعد ما تخلص قراية المُفكرة وبأذن الله تتخلص من اللعنة، ياريت تدعيلي بأن ربنا يسامحني على الخطوة اللي ناوي اعملها… محمود فايز….
*****************
-الله يرحمك يا محمود.
قولت لنفسي كده بعد ما خلصت قراية المُفكرة اللي لقيتها في العفريتة، طب انا مين؟.. انا يا سيدي اخر واحد لقى المُفكرة وقرا كل اللي مكتوب فيها، من اول كلام سعد لحد أخر حرف كتبه محمود، بس انا بقى غير محمود، انا ماهربتش وماجريتش ولا دورت على حد ينقذني من اللعنة، انا شخص ضايع، وحيد، ماليش أهل ولا أمل في الدنيا، دورت على شغل كتير لحد ما ابو واحد جاري جاب لي الشغلانة دي، صبي ميكانيكي في مركز لصيانة السيارات، تخيل انك تبقى شاب عنده ٢٨ سنة ومش لاقي تاكل وبتشتغل صبي ميكانيكي، وفجأة تلاقي كنز زي ده.. ظام ظام.. إن شالله لو أبليس نفسه، محمود ده كان اهبل وعبيط، انتحر وموت نفسه لأنه رفض يسمع كلام ظام، إنما انا بقى.. فانا سمعت كلامه وكملت في السكة اللي كان ماشي فيها سعد، روحت البيت وطلعت الكتاب من الأوضة، وبعد ما قريت وحضرت ظام وعملتله اللي هو عايزه، طلعلي حُجة البيت وخلاها بأسمي، واديني اهو عايش زي ما سعد كان عايش، بشخصيتين، شخصية صبي الميكانيكي الصبح، وبعد الضهر شخصية الشيخ علاء.. واحد من أكبر دجالين المنطقة والمناطق اللي حواليها، شغلي مابيقفش، كل يوم في حد عايز يأذي حد، او حد عاوز يعمل عمل لحد، واهو.. البركة في المغفلين، دايرة وهتفضل دايرة، ولما هموت.. أكيد هيجي حد غيري وهياخد مكاني وهيورث عهد ظام بالدم، إنما من هنا لحد يومها، انا لازم امتع نفسي واستغل الكنز اللي لقيته على قد ما اقدر.. وخلي بالك، انا بحكيلك الحكاية دي عشان تاخد بالك منها، من العفريتة.. وماقصدش العفريتة اللي هي الجِنيه، انا اقصد العفريتة اللي بتللبس في المركز.. خلي بالك لأنها ممكن اوي تقدم او تدوب وتترمي في الشارع، وممكن اوي بعد ما اموت انت تلاقيها وتلاقي المُفكرة جواها وتمشي في نفس السكة… ألا صحيح.. انت لو كنت لقيت المُفكرة قبلي، كنت هتعمل ايه.. كنت هتعمل زيي ولا كنت هتعمل زي محمود!.. هل لو لقيت العفريتة هتلبسها وهتاخد المُفكرة وتكمل العهد؟!.. ولا هتهرب زي ما محمود ما هرب بانتحاره!
فكر.. فكر ومستني أجابتك، بالظبط زي ما هتستنى هي حد يجي ويلبسها من بعدي، او هي اللي هتلبسه، مش مهم اوي.. المهم إنها هي السبب ومن عندها البداية، العفريتة الزرقا هي البداية لنعيم الدنيا، ونار جهنم وجحيم في الأخرة..
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط