قصص

قصه القبر الفاضي كامله

ايه اكتر مكان ممكن تخاف منه؟
المدارس بالليل، المستشفيات، المشرحة.. المقابر مثلًا؟!!
لا.. خليني اقولك إن اجابة السؤال ده مش موجودة في ولا اي مكان من اللي انا قولتهم.. طب عاوز تعرف ايه اكتر مكان يتخاف منه بجد، اسمع الحكاية وانت هتعرف.. او انا اللي هسهلها عليك وهجاوبك في النهاية.
والحكاية ابتدت من عند اول مشهد حكهولي…
*******
كنت في بيتي الموجود في حي بسيط من احياء القاهرة القديمة، منطقة شعبية، بالنهار سوق وزحمة وناس رايحة وناس جاية، وبالليل هدوء واصوات كلاب.. ااه من الكلاب، اكتر مخلوقات بكرهها في حياتي، بس ده مش موضوعنا، خلينا في البيت.. انا بيتي بيتكون من دورين، دور ارضي او بدروم، بابه جنب السلم اللي في المدخل، ودور اول بيتكون من شقة واحدة بس.. والشقة برضه مش موضوعنا دلوقتي، خلينا في البدروم اللي وانا جواه بدأت كل حاجة.. في الليلة دي وعلى الساعة ٣ بعد نص الليل، كنت قاعد في مكان ما في البدروم، قصادي كان في حفرة مردومة بعد ما دفنته فيها.. وقتها كنت قاعد على الأرض وضامم رجليا على جسمي وبدأت انهار، عيطت بحرقة وبصوت مسموع وانا عنيا متثبتة على أثار الحفرة، الحزن كان زي الكلاب المسعورة اللي بكره اصواتهم بالليل، نَهش في قلبي وفي كل ذرة من ذرات روحي لحد ما استسلمتله.. انا لسه موجوع، لسه موجوع حتى بعد ما انتقمت من اللي خد مني كل ما ليا في الدنيا، انا لسه بتألم برغم من اني قتلت السواق اللي كان السبب في موت مراتي واختي وبنتي اللي ماكملتش سنتين.. اه.. ما هم التلاتة كانوا راكبين ميكروباص وكانوا مسافرين يقضوا مشوار في اسكندرية عند حماتي وراجعين على طول، بس للأسف.. سواق عربية مقطورة كان مبرشم، خبط الميكروباص وانحرف عن الطريق واتقلب، وكانت النتيجة إنه انفجر وكل اللي جواه ماتوا.. والسواق ده هرب بعد ما عملته، بس انا بطريقتي قدرت اعرف مكانه وجيبته وقتلته ودفنته هنا في البدروم، ايوه.. انا فتحت المندل وعرفت مكانه وقتلته، هو مش المفروض برضه إن من قتل يقتل ولا ايه؟.. اما موضوع المندل ده، ف ماتستغربش منه، ده بالنسبة لي كان اسهل حاجة، اصل انا ساحر ابن ساحر، ومش ساحر من اللي بيمشوا في الموالد ولا مجرد دجال، انا ساحر بجد، ورثت عن ابويا كتب وعلم وخدم من الجن، بس تصدق ياأخي.. رغم كل ده مافيش حاجة قدرت تمنع عني القدر، وحتى دلوقتي كمان، مافيش حاجة قادرة تهديني ولا تطفي ناري، حتى بعد ما جيبت حقهم وقتلت اللي اتسبب في موتهم.
فضلت قاعد في مكاني لحد ما النهار طلع، ومع دخول خيوط اول ضوء شمس للبدروم من الشباك الحديد الصغير اللي فوقي، قومت من مكاني وطلعت نمت.. او اقدر اقولك إن انا مانمتش بالمعنى الحرفي، انا سيبت جسمي عالسرير وفصلت عقلي عن الواقع، وبعد حالة من الغيبوبة المقصودة، قومت من على السرير، روحت ناحية التلاجة وفتحت ازازة مايه وشربت، ماهمنيش الاكل اللي كان موجود قصادي، المرارة اللي في حلقي كانت مخلياني مش طايق ريحة الأكل ولا شكله، وبعد ما شربت وقفلت التلاجة وولعت سجارة، اتمشيت لحد أوضة من أوض الشقة، أوضة الكراكيب زي ما كنت بقول عليها لمراتي وبنتي واختي، إنما هي في الحقيقة مش أوضة كراكيب، دي أوضة الكنز، ماهي هي دي الأوضة اللي كنت شايل فيها كتب ابويا.
وقفت قصاد الباب وزقيته برجلي ودخلت، فتحت النور وروحت ناحية الصندوق الخشب اللي كان مفتوح وجواه الكتب، قلبت فيهم وانا بمسح عناوينهم بعيني.. شمس المعارف، سحر الكهان في حضور الجان، كنز المُعزمين، سحر فرعون، السحر الاحمر، السحر الاسود.. كلها كتب سحر وتحضير خدم من الجن، ومعظمهم جربتهم، بس انا لو حضرت كل عالم الجن ونقلته لعالمنا، تفتكر هرتاح؟!
بعد شوية من التقليب قعدت في مكاني وانا ببص على الكُتب لحد ما لمحته، كتاب مالوش عنوان، اول ورقة فيه بيضا.. مسكته وقلبت فيه وانا هتجنن، ابويا قالي زمان إن الكتاب ده اخطر ما فيهم، وبسبب كلامه ده، ماجربتش ولو حتى لمرة واحدة إني استعمله، انا اه ساحر وابن ساحر، بس القوانين اللي عملهالي ابويا بتقول إن في محظورات، ومن أهمها كان الكتاب ده، بس ازاي.. ده الكتاب فاضي، ورقه كله أبيض ومافيهوش حرف!
فضلت اقلب واقلب واقلب وانا خلاص هتجنن، لحد ما وقفت عند صفحة معينة من الصفح الفاضية وحطيت الكتاب قدامي، دموعي غصب عني خانتني ونزلت على ورقة منه وانا بتكلم بصوت طالع بالعافية..
-ورق ابيض.. اخطر كتاب ابويا حذرني منه، طلع فاضي، فاضي بالظبط زي حياتي من بعد موتهم.
خدت اخر نفس من السجارة وطفيتها في الأرض، بس فجأة لمحت حاجة اغرب من الخيال، انا اول ما عيني وقعت على الكتاب؛ لقيت الصفحة الفاضية اتكتب فيها بحبر لونه أحمر غامق شبه الدم المتجلط.. (وحيد بن عزام بن الخولي).. ده إسمي انا!
ولما ركزت اكتر مع الأسم، لقيت تحته على طول كلام بيتكتب بنفس الحبر، وكأن اللي بيكتب الكلام ده قلم مش متشاف، او… او.. الكلام بيخرج من جوة الكتاب، مش مهم مش مهم.. مش مهم الكلام بيجي منين، المهم الكلام نفسه.. الكلام اللي خلاني برقت اول ما قريته..
(أبعث إليك بالتحيات من داخل عالمهم، عالم الأموات، انا الناقل.. مهمتي هي نقل الأموات من عالمهم إلى عالمكم.. منذ قرن او أكثر كُنتُ خادم مطيع لجدك الخولي، ساعدته على رؤية أموات عرف منهم ما لا يعرفه بشر سواه.. أما أباك، فبعد موت جدك لم يجرؤ على فتح كتابي، وأغلق الباب بيني وبينكم، وها أنت الأن تفتحه من جديد.. فما طلبك؟!)
برقت للكتاب اكتر وانا مش مصدق اللي مكتوب، وبعد ثواني ابتديت ابص حواليا زي المجانين وانا بتكلم بصوت عالي مع الهوا اللي في الأوضة..
-هو.. هو.. هو الكلام ده بجد؟.. رد عليا، الكلام ده بجد؟!!
ماحدش رد!، بس لما بصيت للورقة الفاضية تاني، لاحظت إن الكلام بيتمسح او بيختفي جواها، وفي ثانية، اتكتب بعده كلام تاني..
(نعم.. صحيح، وها أنا حارس الكتاب، خادمك الأن.. ولكن عليك أنه تعلم، هُناك شروط لإتمام العهد بيننا)
-ايه هي الشروط دي، والأهم.. انا هستفاد أيه من عهدي معاك؟!
اتمسح الكلام بنفس الطريقة اللي اتمسح بيها قبل كده، وبنفس طريقة الكتابة اتكتب كلام تاني..
(إتمام العهد يتم عن طريق الدم، بالتحديد دماؤك.. فإذا أردت خدمتي عليك بإسقاط ثلاثة نقاط من دمك على تلك الصفحة، وحينها سيظهر لك طلسم تقوم برسمه عن طريق الزعفران السائل، ثم عزيمة تتلوها سبع مرات، وبعد أن تفعل المطلوب، سأحضر على جسدك وأتحدث معك داخل عقلك)
-طب والمقابل؟… انا هستفاد أيه لما ده يحصل؟!
اختفى الكلام واتكتب كلام تاني..
(سأجلب لك من تشاء من عالم الأموات، أي روح تطلب حضورها، ستحضر أمامك)
عينيا لَمعت لما قريت الكلام المكتوب، ومن غير ما فكر ولو لثانية واحدة، قومت جري من مكاني وجيبت دبوس وشكيت صباعي بيه، الدم بدأ ينزل على شكل نُقط جوة الصفحة.. نقطة والتانية والتالتة، ومع نزول النقطة التالتة والاخيرة، الدم كله اختفى زي الكلام بالظبط، وبعد ثواني اترسم في الصفحة رسمة، دايرة كبيرة جواها مربعات وأرقام وحروف!
قومت بسرعة جيبت الزعفران الاحمر السايل اللي كنت بكتب بيه الأعمال وقت شغلي، ومن غير تفكير رسمت الطلسم على الأرض، وبعد ما رسمت الطلسم ظهرت عزيمة ابتديت اقراها بصوت مسموع.. مرة والتانية لحد ما وصلت للمرة السابعة، وفي المرة دي تحديدًا حسيت إن حد بيقرا معايا، او اقدر اقول إنه مش حد، هو كان صوت غريب، كأنه كذا شخص بيقولوا معايا في نفس الوقت وبنفس الطريقة..
(يا من خُلقت من نار وحفرت أسمك بالنار على النار، تَقبل جسدي كبوابة لحضور الإبن الأصغر.. إكسر الحواجز والعهود وتَقبل جسدي وروحي، أيها الملاك الساقط، ملك الملوك السبعة، إليك شَكراتي وأسمي وكل ما أملك، احضر احضر يامُسلط.. احضر احضر أيها الإبن.. احضر ياابن حامل الضياء)
ومع اخر جُملة في العزيمة، نُور البيت كله اتقطع!
ماخوفتش، دي مش اول مرة ليا، انا ياما حضرت خدم وصرفت خدم، لكن المرة دي الإحساس كان غريب، حسيت برهبة وبقشعرة غريبة في جسمي، وقبل ما اتحرك من مكاني او انطق بأي حرف، سمعت صوت جوة ودني بيقولي بطبقة غليظة..
(كده اقدر اكلمك بلكنتك ياوحيد، كده.. انا وانت بقينا واحد)
بلعت ريقي بقلق وسألته بصوت مهزوز..
-يعني انا دلوقتي.. دلوقتي يعني اقدر إن انا.. إن انا..
(ايوه.. تقدر تطلب الروح اللي انت عايزها من عالم الموتى، كل اللي عليك بس إنك تكتب إسمها بالزعفران جوة الكتاب)
لما قالي كده، فجأة النور رجع!
ومع رجوع النور انا ماستنتش، مسكت القلم الخشب اللي رسمت بيه الطلسم، وبسرعة وبتلقائية كتبت جوة الكتاب..
(نور وحيد عزام).. إسم بنتي.
اختفى الأسم، ثواني وكل حاجة سكتت، هدوء رهيب، ماقدرش اقول إنه كان هدوء بالمعنى المعروف، انا زي ما اكون اطرشيت، لا سامع ولا مُدرك لأي صوت حواليا، كنت بتلفت بعيني باستغراب وانا بسأل بصوتي اللي انا نفسي مش سامعه، هي هتظهر امتى؟.. وبعد سؤالي بمافيش، الجواب جالي منه لما قالي جوة عقلي..
(اللي حصلك ده كان بسبب إن الحاجز اللي بين سمعك وبين أصوات الأموات اتشال، ودلوقتي هتقدر تسمع صوتها)
(بابا.. بابا.. وحشتني يابابا)
عنيا دمعت من الفرحة، اتنفضت من مكاني زي المتكهرب وفضلت ادور عليها في الأوضة زي المجنون..
-نور.. ياحبيبتي يابنتي، اتكلمي، صوتك وحشني، اتكلمي ياحبيبتي.
(انا شايفاك يابابا.. انت مش شايفني؟!)
بصيت ناحية ركن من أركان الأوضة، الصوت كان جاي من ناحيته، لكنه كان فاضي!
قربت بخطوات ثابتة وبحذر، ومع كل خطوة كنت بقربها للركن، كنت بحس بحرارة رهيبة، بس الغريب إن انا لما قربت ماحستش بيها، مالمستهاش!
وقتها اتعصبت وقولتله بصوت عالي..
-ايه ده!، انا مش شايفها ولا لامس وجودها.. ياسلام!، يعني روح بنتي حضرت وانا مش قادر اشوفها، استفدت ايه انا كده؟!
رد عليا بنفس صوته وهو بيضحك في وداني، وبعد ما خلص وصلة الضحك السخيفة اللي بدأها بدون داعي، اتكلم بكل برود وقالي..
(المرايات.. المرايات ياوحيد، من زمان وولاد أدم قالوا، او بالمعنى الأصح يعني عرفوا بالتجارب، إن المرايات هي مش بس انعكاس لصورهم، لأ.. دي في اوقات كتير بتكون إنعكاس لعالمنا، ومن خلالها ممكن يشوفوا اللي مابيتشافش بنظرهم العادي، قوم ياوحيد.. قوم هات مراية كبيرة عشان تشوف إنعكاس روح بنتك فيها)
قومت بسرعة جيبت مراية كانت موجودة في أوضة النوم، حطيتها على الركن اللي قصاد الركن اللي جه منه الصوت، واول ما ثبتها في مكانها وبصيت، شوفت إنعكاسها، دي.. دي.. دي بنتي!، لا لا لا.. دي مش بنتي، مش عارف.. مش قادر احدد إذا كانت هي ولا لأ، هي اه بنتي بطولها وهيئتها، لكن ملامحها وجسمها مختلفين، اللي شوفتها كان شكلها حرفيًا مُفزع، ملامحها متاكلة وفي دود كتير في جسمها، والكفن اللي هي لفاه على جسمها ومداريه، كان مليان تراب وبقع من أثر التحلل!
خوفت منها، قلبي ابتدا يدق بسرعة، ضغط دمي بقى أعلى، قربت عليا، تابعتها بعيني وانا شايفها بتقرب لحد ما بقت واقفة ورا ضهري بالظبط، ولما لفيت عشان اشوفها في الحقيقة، ماشوفتهاش، ف لفيت تاني ناحية المراية وطبعًا شوفتها، كل ده كان بيحصل وانا ساكت، مذهول.. ابتسمتلي، فاضطريت ابتسملها بقلق، ومع ابتسامتي، ابتسامتها المرعبة اتحولت لضحكة عالية، ومن غير أي مُقدمات رَفعت دراعها وحطت إيدها على كتفي من ورا، في اللحظة دي ماحستش برعشة بقى، لا.. انا حسيت إن في كهربا شديدة بتسري في جسمي كله، كهربا بسببها ابتديت اتشنج غصب عني والرؤية ابتدت تبقى ضبابية، ومع مرور ثواني على وضعي ده، ابتدت التشنجات تزيد وابتدت الدنيا تضلم، او بمعنى أوضح، انا اللي فقدت الوعي.
فوقت بعد فترة على أصوات كلاب في الشارع، يوووه.. انا أكتر حاجة بكرهها في حياتي هي أصوات الكلاب بالليل في شارعنا، فتحت عيني وانا متضايق ومخنوق، كنت لسه في نفس الأوضة والمراية والكتاب في أمكانهم، يعني ايه!.. يعني اللي شوفته ده ماكنش حلم ولا تهيؤات!
قومت من على الأرض وروحت ناحية المراية، بصيت لانعكاسي وسألت نفسي بصوت عالي..
-المراية اهي، وانا صاحي مش نايم، يعني كل اللي انا شوفته كان..
(كان حقيقة ياوحيد، انت ماكنتش بتحلم ولا وجودي في حياتك وهم، انا حاضر معاك ومكمل في العهد اللي ما بيننا)
لما رد عليا واتكلم جوة عقلي، حسيت بشكلي بيختلف في المراية، انعكاسي ماكنش هو هو الانعكاس المُعتاد، انا لثواني بقيت واحد غيري، واحد ملامحه مرعبة وعينيه حمرا، وماقصدش بكلمة حمرا إنها مجهدة او فيها إحمرار، انا عنيا كانت بتنور نور احمر شبه النار، ولحيتي شعرها كان بيتحرك زي التعابين، وكمان ملامحي نفسها ببشرتي بقى لونهم أسود!
اتفزعت ورجعت لورا، بعدت عن المراية وحطيت إيدي على عيني عشان ماشوفش إنعكاسي، وبمجرد ما عملت كده سمعت صوته..
(ماتخافش.. ده انا، بس طالما شكلي بيخوفك اوي كده مش هظهرلك تاني.. شيل إيدك من على عينك وماتخافش)
شيلت إيدي وانا ببص ناحية المراية بحذر، خدت نَفسي بالراحة وبلعت ريقي لما لقيت انعكاسي سليم، اه.. اللي في المراية كان انا مش هو، بس مش دي الحاجة اللي شغلت بالي، اللي شغلني إن انا عملت عهد مع مخلوق اسمه الناقل، والناقل ده بينقل الميتين من عالم الموتى وبيجيبهم لعالمنا، يعني انا كده اقدر اجيبهم دلوقتي!
قومت وقفت وروحت ناحية الكتاب، بصيت فيه، لقيت ورقه أبيض زي ماهو، ولا كأني كتبت فيه حاجة، لكن وانا ببص للكتاب وبقلب بين صفحاته، سمعته بيقولي..
(ماتدورش على حاجة، اي كلام بيتكتب في الكتاب بيتمسح بمجرد ما بيتنفذ الغرض منه، يعني كلامي ليك اتمسح اول ما شوفته، والطلسم والعزيمة بتوع العهد، اتمسحوا بعد ما عاهدتني، وحتى اسم بنتك اللي انت كتبته اتمسح بمجرد ما انت طلبت روحها)
اول ما جاب سيرة بنتي قومت من مكاني بسرعة وسألته بصوت عالي..
-بنتي.. ايوه صح.. بنتي فين؟!
(روحها انصرفت، انت اول ما شوفتها وحاولت تتواصل معاها، اتواصلت معاك، بس انت جسمك البشري ماستحملش التواصل ده وغيبت عن الدنيا، وبعد كده انا صرفتها)
سكتت شوية وانا بسمعه، وقبل ما اسأله السؤال اللي جه في بالي، لقيته بيجاوبني..
(طبعًا انت دلوقتي مش عاجبك إن روحها بس هي اللي ظهرت، إنت عايزها تتجسد قدامك بشكل كامل.. صح؟.. مش انت كنت هتسألني عن حضورها بشكل كامل برضه؟!)
-اه صح.. لكن انا مش عايزها هي وبس اللي تتجسد قصادي بشكل كامل، انا عايزها هي ومراتي واختي، عاوز التلاتة يحضروا ويرجعوا يعيشوا معايا.. مش انت برضه بتقول إنك ناقل وممكن تجيبهم من عالم الأموات وتخليهم يجوا لعالمنا ولا ايه؟
(اه انا اقدر.. اقدر اجيب أرواحهم، بس عشان يحصل تجسد كامل لازم انت تساعدني)
-من غير كلام هساعدك طبعًا، انا ممكن اعمل اي حاجة في الدنيا عشان ارجعهم يعيشوا معايا من تاني… بس انا هساعدك ازاي؟!!
(هقولك.. عشان يتم التجسد الكامل من روح لجسم، لازم تحصل حاجة اسمها طلب الاستحضار، وطلب الاستحضار ده بيتم عن طريق جلسة، والجلسة عشان تعملها هتبقى محتاج لتلات حاجات؛ اول حاجة هتحتاج لدم، دم لتلات أشخاص مختلفين، وتاني حاجة هتضحي بتلات أرواح، يعني هتقتل تلات أرواح، ومش شرط الأرواح دي تكون لبني أدمين، مسموح إنك تضحي بحيوانات، واخر حاجة هي رُفات وعضم من قبر لتلات أشخاص، ولما تجيب الدم، هتجيب الأضحيات قبل التضحية بيهم، والرفات والعضم، وتقعد جنب الكتاب، وساعتها انا هقولك تعمل ايه)
وقفت ساكت شوية وانا ببص حواليا، مخي وقف عن التفكير في اي حاجة غير اللي قاله، مابقاش شاغلني غير كلامه وبس.. دم لتلات أشخاص، تلات حيوانات اضحي بيهم، ورُفات وعضم من تربة، حلو.. خلينا في أول حاجة، دم لتلات أشخاص، سهلة، من اي مستشفى هشتري تلات أكياس دم من فصايل مختلفة، طب والحيوانات!.. سهلة برضه، هروح لأي محل بيبيع حيوانات أليفة وهشتري تلات قطط، طب والرُفات والعضم!.. ايه، هجيبهم منين دول، هروح اشتريهم من أي تُربي بايع ضميره، ولا كده هبقى بدخل نفسي في سين وجيم انا في غنى عنهم، لا لا لا وعلى ايه، خلاص لقيتها، انا اروح على مقابر عيلتنا، وهناك هفتح ركن الرجالة واجيب الرُفات والعضم اللي انا عايزه، كده تمام اوي وكل حاجة متظبطة.
بعد ما فكرت في كل حاجة ورتبتلها، دخلت أوضتي، فتحت درج من أدراج التسريحة وخدت الفلوس اللي كانت فيه وخرجت من البيت، بس وانا ماشي في الشارع الناس كانت بتبصلي بصات غريبة، كأنهم عارفينني ونفسهم يجوا يسلموا عليا بس خايفين مني!
يتبع
ده الجزء الأول من قصة القبر الفاضي
القبر الفاضي
٢
بعد ما فكرت في كل حاجة ورتبتلها، دخلت أوضتي، فتحت درج من أدراج التسريحة وخدت الفلوس اللي كانت فيه وخرجت من البيت، بس وانا ماشي في الشارع الناس كانت بتبصلي بصات غريبة، كأنهم عارفينني ونفسهم يجوا يسلموا عليا بس خايفين مني!
ماهتمتش بنظراتهم وخدت بعضي وطلعت على أقرب مستشفى من بيتي، الدنيا وقتها كانت ضلمت والليل كان بدأ، وقفت قصاد باب المستشفى وفضلت اتابع اللي رايح واللي جاي لحد ما لقيته، هو ده.. عامل غلبان بيسلم على كل اللي موجودين على البوابة، استنيته لما خرج وبقى بعيد شوية وقربت منه.
-اخينا.. ياعمنا.
لف وبص لي، دقق في ملامحي شوية وبعد كده سألني باستغراب..
-انت تعرفني؟
-في الحقيقة لا، ماحصليش الشرف، بس ممكن نتعرف.
بص لي بشك وقلق اكتر وبعد عني شوية..
-نتعرف ايه ياجدع انت، انت عاوز ايه بالظبط.
مديت إيدي في جيبي وطلعت تلات ورقات ب ٢٠٠.. وقربت منه وانا بديهمله..
-عاوز تلات أكياس دم من تلات فصايل مختلفة، وماتسألش ليه، دول تلات ورقات ب ٢٠٠.. وليك زيهم لما تجيبلي الاكياس عند الشارع اللي ورا المستشفى بعد نص ساعة.
مسك الفلوس وبص فيها وبعد كده بص لي..
-بس نص ساعة وقت قليل اوي.
-بعد ساعة، ها، موافق ولا اخد الفلوس وامشي ويادار ما دخلك شر؟!
-لا فلوس ايه اللي تاخدها، هو انا لاقي، بس اللي انت دافعه ده شوية، انت هتحط عليه باكو كمان عشان اروق عالجماعة بتوع بنك الدم.
-موافق.. بس اخلص.
-أمين.. بس انت مين، انا حاسس إن انا عارفك.
-جايز تكون شوفتني لأن انا ساكن قريب من هنا، بس مش ده موضوعنا ولا ده اللي يهمك، انجز وامشي يلا عشان تلحق تجيب الاكياس، واعمل حسابك، هستناك بعد ساعة عند الشارع اللي ورا المستشفى… وهات رقمك عشان لو اتأخرت، وطبعًا مش محتاج اقولك إنك لو اتأخرت انا ممكن اعمل فيك ايه، اقولك.. مش مهم تعرف، بس جرب ماتجيش وانا هخليك تكره الساعة اللي لمحتني فيها.
-بس بس ياعم، مش مستاهلة افلام، انا كلمتي واحدة، وادي رقمي اهو عشان تكلمني لو اتأخرت، ده لو اتأخرت من اصله.
خدت منه الرقم وسيبته ومشيت وهو مشي في طريقه، بعد كده خدت بعضي وروحت على محل حيوانات واشتريت تلات قطط وحطيتهم جوة بوكس، وبعد ساعة من وقفتي معاه، وقفت عند الشارع اللي ورا المستشفى، وفعلًا لقيته، كان معاه تلات أكياس دم، خدتهم منه واديته الفلوس الباقية وخدت بعضي والقطط وروحت عالبيت، وبعد ما وصلت، دخلت الأوضة اللي فيها الكتاب وحطيت الدم والقطط اللي كانوا جوة البوكس ومقفول عليهم على الأرض، وبعد ما حطيتهم وجيبت من المطبخ كيس اسود كبير من بتوع الزبالة، خدت مفاتيح مدفن العيلة وكنت لسه هخرج من الباب، بس فجأة وقفت في مكاني لما سمعت صوت رنة تليفون البيت!
بصيت للتليفون باستغراب، مين ده اللي بييتصل بيا، انا وحيد أسمًا وفعلًا.. لا ليا اعمام ولا قرايب، وحتى خيلاني مقاطعينني من بعد ما ابويا طلق امي.
قربت من التليفون بحذر ورديت..
-الو.
-ايوه.. سلامو عليكوا.
-وعليكم السلام، مين؟!
-مش ده برضه بيت استاذ وائل شُعيب الممثل؟
-لا والله النمرة غلط.
-النمرة غلط!
-اه النمرة غلط، هو انا هضحك عليك يعني؟
-لا العفو.. انا متأسف، هجرب تاني، سلام.
قفلت السكة وخرجت بسرعة من البيت، اتمشيت على رجلي بخطوات سريعة وسط الناس لحد ما وصلت لمنطقة المقابر اللي فيها مدفن عيلتي، ووسط هدوء الليل وأصوات الكلاب، اتمشيت وسط المدافن، المنطقة كانت ضلمة والمدافن ماكانتش باينة بالشكل الكافي، كنت زي العيل الصغير اللي بيدور على أهله في مولد مليان ناس غريبة، وفي وسط تدويري وسرحاني مع أسماء المدافن، ظهر قدامي من العدم..
-انت مين وبتعمل ايه هنا الساعة دي؟!
كان راجل بدقن، لابس جلابية وعمة وشال كبير، بلعت ريقي اول ما شوفته ورديت عليه بارتباك..
-انا.. انا.. انا كنت جاي اقرا الفاتحة لعيلتي وبدور على المدفن بتاعنا ومش لاقيه، اصل.. اصل.. الدنيا ضلمة اوي وانا.. وانا..
-بس بس ياعم الحاج، انت هتفضل تتهته، هات من ابو ناهية، بلا جاي ازور عيلتي بلا تايه وبدور على المدفن بتاعنا، هاتلي من الاخر.. انت جاي تدفن عمل؟!
-لا ياعم عمل ايه… مش جاي ادفن عمل طبعًا.
-اومال ايه؟!.. هو في حد عاقل يجي يقرا لأهله الفاتحة الساعة ١١ بالليل، ما تنجز بدل ما وديني ابلغ عنك الحكومة، هات من الأخر وانا هساعدك، بس تراضيني، ولا انت شكلك حكومة ولا ايه!!
-لا لا حكومة ايه، ربنا ما يجيب حكومة ولا حاجة، انا هاجي معاك دوغري وهقولك عاللي فيها، انا من الأخر كده عايز شوية رُفات على شوية عضم، بس مش عايز شوشرة ولا عايزك تسألني، ليه وعشان ايه.
-بس كده، غالي والطلب رخيص، باكوهين.
-نعم؟!
-باكوهين، ٢٠٠٠ جنيه يعني.
طلعت كل اللي في جيبي واديتهمله..
-دول كل اللي معايا.
خد الفلوس وعدها، وبعد ما خلص بص لها وبعد كده بص لي..
-دول ١٨٠٠.. بس شغال، مايضرش، معاك حاجة تاخد فيها؟!
-معايا اه.
طلعتله الكيس الاسود اللي كنت مطبقه في جيبي واديتهوله، خده مني ومشي قدامي وهو بيقولي بصوت عالي..
-تعالى ورايا.. وماتقلقش، انا مسيطر عالمنطقة.
مشيت وراه مسافة مش طويلة لحد ما وقف قدام شواهد قبور، وقبل ما اسأله عن سبب وقوفه، بص لي وطلع من جيبه كشاف..
-دي لا مؤاخذة مدافن الصدقة اللي بجيب منها العضم وبدفن فيها الأعمال والذي منه، اه أصلهم عالم ضايعة، مالهمش أهل ولا حد يجي يشقر عليهم.. استناني هنا، هفتحلك قبر من القبور وهجيبلك منه اللي انت عايزه.
لما قالي كده افتكرت حاجة مهمة اوي خلتني قولتله بتلقائية..
-لا استنى بس، انا مش عاوز عضم بتاع ميت واحد، انا عاوز عضم من تلات ميتين.
ابتسملي وهو موجه الكشاف ناحية وشه..
-سهلة، ده القبر الواحد بيبقى مدفون فيه ولا عشر ميتين، استناني انت هنا بس وانا هجيبلك شوية عضم مشكل على كيفك.
فضلت واقف في مكاني بعد ما قالي كده وهو راح فتح قبر وغاب جواه لدقايق، وبعد ما طلع اداني الكيس وهو بيقولي..
-اتفضل ياهندزة.
خدته منه وطلعت جري على البيت، جريت وسط المقابر والمدافن والشوارع اللي كانت ضلمت بسبب الشتا لحد ما دخلت من الباب، وبمجرد ما دخلت روحت جري على الأوضة ورميت الشنطة جنب اكياس الدم والبوكس بتاع القطط.
-ها!.. ايه المطلوب دلوقتي؟
رد عليا الناقل..
(روح ناحية الكتاب وافتحه.. افتح أي صفحة فيه وخليك فاتحها)
عملت زي ما قالي وفضلت باصص في الصفحة وانا مش فاهم ايه اللي هيحصل بعد كده..
-ها وبعدين؟
(دلوقتي قول اللي هقولهالك.. ردد ورايا يعني)
-ماشي.
(أيها الإبن المُعظم، أطلب منك قبول الأضحيات، كما أطلب منك إظهار الطلسم الكبير)
قولت وراه اللي قالهولي، وبمجرد ما قولت، ظهر قدامي في الكتاب طلسم، والطلسم كان عبارة عن دايرة كبيرة جواها نجمة خماسية.. اول ما ظهرت اتكلم الناقل وقالي..
(ارسم الطلسم ده بالدم اللي جيبته على الأرض)
فتحت اكياس الدم وخلطتهم ببعض، وبالدم اللي اتخلط ابتديت ارسم بصباعي المثلث وحاوطته بالدايرة، وبعد ما خلصت سمعته بيقولي..
(ودلوقتي ارمي العضم والرماد جوة الدايرة وقوم هات سكينة عشان تقدم الضحايا)
فتحت الكيس ورميت الحاجة اللي في الكيس جوة الدايرة، بعد كده قومت جيبت سكينة من المطبخ وطلعت القطط، دبحتهم واحدة ورا التانية جنب الدايرة بدم بارد، وكمان حطيت دمهم على العضم زي ما قالي، وبعد ما نفذت كل اللي طلبه وسألته عن اللي هيتعمل بعد كده، قالي بصوت مليان سعادة وكأني بعمله حاجة هو عاوزني اعملها..
(دلوقتي اكتب أساميهم في الكتاب، وهم هيتجسدوا لك)
مسكت القلم الخشب اللي كان في مكانه جنب الكتاب، وحطيته في الزعفران السايل وبدأت اكتب، كنت بكتب الأسامي وانا إيدي بتترعش، ماعرفش انا خايف من ايه، هل خايف من اللي هشوفه لما يتجسدوا قدامي، ولا خايف لا اللي بعمله ده ماينفعش!.. مش عارف، حقيقي ماكنتش عارف، هو كل اللي انا كنت متأكد منه، إني مستعد اعمل أي حاجة عشان اشوفهم وارجعهم تاني من الموت، وعشان كده جمدت قلبي وافتكرت كل لحظة حلوة كانت بيني وبينهم وكملت كتابة، وبعد ما خلصت حطيت القلم وبصيت قدامي وسألته بصوت عالي..
-ها.. اديني عملت اللي قولتلي عليه اهو، ايه بقى، فاضل ايه تاني؟!
(مش فاضل حاجة.. غمض عينيك وافتحها)
غمضت عينيا لثواني وفتحتها، واول ما فتحتها حسيت إن نور البيت بيروح ويجي، ومع اهتزاز النور سمعت صوته..
(دلوقتي.. حضروا دلوقتي.. بص وراك)
يتبع
ده الجزء التاني من قصة القبر الفاضي
القبر الفاضي
٣
غمضت عينيا لثواني وفتحتها، واول ما فتحتها حسيت إن نور البيت بيروح ويجي، ومع اهتزاز النور سمعت صوته..
(دلوقتي.. حضروا دلوقتي.. بص وراك)
لفيت رقبتي بحذر، قلبي كان بيدق وأطرافي متلجة، رجليا ماكانتش شايلاني وإيديا ماكنتش حاسس بيهم، سكوووت.. مش سامع بس غير دقات قلبي، ثواني مروا عليا سنين لحد ما لفيت وشوفتهم، مراتي وبنتي واختي، بس مش بشكلهم المعتاد، دول كانوا.. كانوا متحللين، وكأنهم لسه طالعين من القبر حالًا، الدود خارج من كل مكان في أجسامهم، اتفزعت وغصب عني صرخت وهم بيقربوا مني، وقبل ما اتكلم او اقوله ايه اللي حصل، سمعت اصواتهم جوة راسي زي ما كنت بسمع صوته..
(وحييد.. احنا جينالك ياوحيد زي ما طلبتنا، جينا عشان ناخدك معانا، احنا الناس مش هتقبل وجودنا معاك بأشكالنا دي، بس لو موتت، هتعيش معانا وهنشوفك كل يوم.. يلا ياوحيد يلا.. يلا.. يلا يابابا.. يلا ياوحيد ياحبيبي.. يلا ياوحيد يااخويا.. تعالى لنا)
ماحستش بروحي، غصب عني لقيت إيدي بتروح ناحية السكينة ومسكتها، وبدون أي تردد لقتني بمشي السكينة عند كف إيدي من تحت وقطعت شراييني، دقايق من الحسرة والخوف والدنيا بدأت تضلم، جفوني تقلت ومن التعب والرعب غمضت عيني واستسلمت، كنت فاكر وقتها إني موتت، بس لما فَتحت لقيت نفسي في المستشفى، وبعد فوقاني بيومين تلاتة، جه ظابط وحقق معايا وحكيتله كل اللي حصل بالظبط، ما أنكرتش حاجة، بس هو أنكر والنيابة كمان أنكرت، وبسبب كده بعتوني على هنا!
لما خلص كلامه بصيت لملفله وبعد كده بصيتله..
-بس كل كلامك عن نفسك غلط.. الورق اللي قدامي بيقول غير كده، ومش الورق وبس، انا كمان اللي بقول غير كده، انت مش وحيد عزام الخولي الدجال، انت وائل محمد شُعيب الممثل.
اتعصب ورد على كلامي بزعيق..
-انت كداب.. جرى ايه، هو انت هتعمل زيهم انت كمان ولا ايه، انا وحيد عزام الخولي، دجال أبًا عن جد، عندي ٣٦ سنة ومراتي وبنتي ماتوا في حادثة و..
قاطعته قبل ما يكمل..
-مافيش و.. انت مش وحيد، وماتتعصبش كده واهدا وخليني اشرحلك اللي حصلك، انت وزي ما قولتلك، اسمك وائل محمد شُعيب، مشهور بإسم وائل شُعيب، بتشتغل ممثل وليك كذا فيلم في السوق، لكن اخر فيلمين ليك سقطوا، إيرادتهم ماغطتش حق التكلفة اللي اتكلفوها، وعشان كده المنتجين والمخرجين بطلوا يبعتوا لك شغل، والوضع ده طبعًا خلاك تخش في حالة نفسية سيئة، وخلاك كمان تشرب وتتخانق مع مراتك وتضربها كل يوم والتاني، لدرجة انها في الاخر زهقت منك وخدت بنتك وراحت عاشت عند أهلها ومنعتك من إنك تشوفها، ولما الاكتئاب عندك اتطور، زودت في الشُرب وروحت عيشت في بيت والدك اللي في منطقة شعبية، ومابقتش لا تقابل حد ولا ترد على تليفونات، بس لما المخرج عادل ابو العينين جاله ورق او سيناريو لفيلم رعب، سأل عليك وقدر يوصلك في بيت والدك، ولما راحلك ادالك سكريبت الفيلم وطلب منك تقراه، وقالك إن الفيلم ده هو اللي هيرجعك للسوق من تاني، وانت فعلًا خدت الورق منه وقريته، ومش بس قريته، ده انت عيشت جواه لدرجة إن شخصية بطل الفيلم لغت شخصيتك وبقيت تشوف نفسك هو.. وحيد.. وحيد ياأستاذ وائل اللي انت مصمم إن انت هو.
-انت كداب.. ورب العباد كداب، طب لو كلامك صح، فسرلي كل اللي عملته، فسر يادكتور.. فسر وجود جثة السواق في بيتي، وفسر وجود الكتب والكتاب الفاضي اللي حكيتلك عنه، وكمان فسرلي الحيوانات اللي دبحتهم والدم والطلسم… فسر ياابو العُريف.
قومت وقفت وقربت منه وانا ببتسم..
-حاضر.. هفسرلك؛ اولًا القبر اللي في البدروم واللي انت قولت عليه في محضر الشرطة، طلع قبر فاضي، مُجرد حفرة انت حفرتها وردمتها وانت مش واعي، عقلك لما فصل شخصية وائل وقبل ما يدخلك في التقمص الكامل لشخصية وحيد، فصلك عن العالم وخلاك تحَضر لكل حاجة، خلاك تحفر قبر في البدروم وتردمه، وخلاك كمان تقفل موبايلك وترميه، وهيئالك كل حاجة حواليك عشان تعيش شخصية وحيد، وبالنسبة للكتب بقى، فدي مش موجودة من اصله، الكتب اللي كانت موجودة جنبك كانت كتب عادية وروايات والدك الله يرحمه كان بيحب يقراها، او ممكن تكون انت اللي جايبها قبل ما توصل للي وصلتله، وبالنسبة لاكياس الدم فدي حقيقة، والراجل اللي باعلك الاكياس اتقبض عليه، والعضم والرُفات برضه، كانوا حقيقة، والتربي اللي باعهملك لما انت قولت على مكان المقابر اللي قابلته عندها، الشرطة وصلتله وقبضت عليه، اما القطط فانت فعلًا دبحتها وعملت كل اللي حكيته، بس الطلسم انت ماجيبتوش من الكتاب، الطلسم كان مرسوم في ورق الفيلم يااستاذ وائل، وبكده خليني اقولك اني رديت على كل حاجة طلبت تفسيرها، بس خليني اضيفلك حاجات مهمة غايبة عنك، المكالمة اللي جتلك على تليفون البيت من مُساعد المخرج، والراجل بتاع المستشفى لما قالك إنه بيشبه عليك، وأكيد ماعرفكش بسبب دقنك اللي سايبها.. ايه!.. كل دي حاجات ماتثبتلكش إنك مش وحيد!، طب ومكالمة المخرج المُسجلة للشرطة بعد ما قلق عليك واتصل بيك على تليفون البيت اكتر من مرة، وانت ماردتش، وده طبعًا بعد ما قفلت في وش مساعده وقولتله إنك مش وائل، وكمان بعد ما قلق عليك وافتكر انك عملت في نفسك حاجة، ايه كل دي حاجات ماتثبتش انك مش وحيد؟!
-لا انا وحيد، وهفضل اقول الحقيقة حتى لو هتموتوني او هتسجنوني، انا وحيد مش وائل ومعترف بكل اللي عملته، انا وحيد ياعاالم.. وحييد ياهوو.
بصيتله بنظرة فاضية وروحت قعدت على مكتبي، وبكل هدوء فضلت باصص له ورفعت سماعة التليفون..
-الو.. عبد الخالق، تعالى خد الاستاذ على العنبر بتاعه.
بعد ثواني جه عبد الخالق العامل في المستشفى وخد استاذ وائل شُعيب ووداه غرفته وهو عمال يصرخ بإن اسمه وحيد، اما انا بقى، فانا قعدت وفتحت ورق الفيلم وبصيت فيه، الكلام اللي قاله وائل كله كان مكتوب في ورق الفيلم اللي كان بعنوان “ضحية ابن ابليس”.. والفيلم ببساطة احداثة بتتكلم عن دجال بيحاول يحضر روح بنته ومراته واخته بعد ماتوا في حادثة، وده بيحصل بعد ما بيقتل السواق اللي قتلهم، ولما بيحاول يعمل كده بيحضر ابن من أبناء أبليس، والأبن ده بيضحك عليه وبيفهمه إنه هيجيبله أهله اللي ماتوا من عالم الأموات، وفي الأخر بيخليه ينتحر وبينتصر ابن ابليس في النهاية، وبالمناسبة، ورق الفيلم كان فيه تفاصيل شخصية وحيد، وهي هي نفس التفاصيل اللي ذكرها وائل في كلامه، زي إنه مثلًا شخص دجال اه، بس جاهل ومايعرفش كتير عن عالم السحر عكس ما بيقول على نفسه، وده لإن ابوه ماعرفوش خبى عنه حاجات منها الكتاب الفاضي، وكمان بيخاف من الكلاب وصوتها، وده بقى عكس شخصية وائل اللي كان مربي كلاب في فيلته… اما عن أحداث الفيلم او مشاهده، فبتبدأ من أول ما وحيد بيقعد يعيط قدام القبر اللي في البدروم، وده نفس المشهد اللي بدأ وائل يحكي من عنده، وبكده ابقى خلصت دراسة للحالة، ايوه.. انا دكتور نفسي، ووائل كان هو الحالة المطلوب مني إن انا اكتب تقرير عنها، وفعلًا، بعد ما اتكلمت معاه وسمعت حكايته كتبت التقرير، وفي النهاية كتبت التشخيص او الأسم العلمي للحالة.. (تقمص كُلي تحت تأثير الشيزوفرينيا).. وبعد ما خلصت التقرير وقفلت الملف، مسكت المُفكرة بتاعتي اللي متعود اكتب فيها ملاحظاتي وكتبت الأتي..
(العقل ده جهاز غريب.. رغم إننا قدرنا كبشر نخترع أجهزة دقيقة وصعبة، إلا إن العقل هيفضل هو أصعب جهاز واجه البشرية، هو الوحيد اللي لحد النهاردة ماقدرناش نعرف طريقة تشغيله ولا طريقة سيطرته على كل أعضاء جسم الإنسان وحياة الأنسان.. انا النهاردة قابلت حالة نادرة، ماباصدفش زيها كتير، بس الحالة دي صاحبها شخصيته اتلغت، مخه لما لقى إن حياته صعبة اوي ومش قادر يلاقي حل لمشاكلها، خلاه ينسى شخصيته الأساسية خالص وحذفها، وطبعًا لإنه في فترة تعبه نفسيًا كان مُتعايش مع ورق فيلم بيقراه، فالعقل لجأ لشخصية البطل، الدجال وحيد اللي بيقدر يحضر جن وعنده قدرات خارقة، بس في الحقيقة الشخصية اللي العقل خلاه تقمصها، هي شخصية كانت هتخلي صاحب الحالة حياته تنتهي بالانتحار، وده يعتبر مخرج من الحالة الأساسية اللي وائل كان فيها، وهنا اقدر اقول إن المرض النفسي في حالات كتير بيبقى مؤلم ومؤذي أكتر من أي مرض عضوي، وفي النهاية هيفضل السؤال اللي مالوش إجابة، هل هنقدر نوصل في يوم من الأيام لطريقة عمل العقل البشري ونسيطر عليه، ولا ده درب من دروب الخيال!).. بعد ما خلصت كتابة قفلت المفكرة وسرحت، مش في الحالة الغريبة ولا في الفيلم، انا سرحت في القبر الفاضي، وماقصدش القبر اللي في بدروم بيت ابو وائل، لا.. انا اقصد العقل، العقل اللي من النهاردة ممكن اقول عليه إنه اكتر مكان ممكن الإنسان يخاف منه، اكتر من التُرب بالليل او المستشفيات او أي مكان مرعب تاني، العقل اللي ببساطة ممكن اشبهه بالقبر الفاضي اللي بيندفن صاحبه جواه ومابيعرفش يخرج منه أبدًا، بالظبط زي حالة وائل.. او زي ماهو مقتنع من وجهة نظر عقله إنه وحيد، وحيد اللي عايش ومتهيألي إنه هيفضل عايش كتير في جسم وائل، ده إن ماكنش هيكمل مكانه لحد ما يموت، او لحد بقى ما يتلاقى علاج لحالته، وساعتها بس ممكن يخرج وائل من قبره الفاضي وهو عارف إنه وائل، ويسيب وراه وحيد جوة القبر.
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط