روايات شيقهرواية العازف

نوفيلا العازف للكاتبة شاهندة الفصل السادس

معزوفة حزينة
فيم أنت شاردة ياأحلام؟
في اليونان. إنها بلدة رائعة حقا ومليئة بالأساطير كم أتمنى زيارتها ولكنني أدرك إستحالة تحقيق أمنيتي.
ابتسم هشام قائلا: آمنتي باستحالة تحقيق أحلامك سابقا وتحققت. ربما الطريق إلى المستحيل طويل ولكن في نهاية الأمر أن آمنا بامكانية تحقيقه سيتحقق.
لا تجعلني أعيش في أحلامي فأصاب بخيبة أمل.

آمني كما اخبرتك وستتحقق أحلامك. ربما يأخذك العازف إلى اليونان، لقد سمعت أنه ولد ونشأ بها ثم عاد إلى مصر مع والده حين توفيت والدته اليونانية وهو بعمر السادسة عشر.
قالت بتذمر: أرأيت؟ أبسط الأمور عن العازف لا أعلم عنها شيئا. حتى اسمه.
يقلقك ذلك؟
بات يرعبني.
لماذا؟
انا فتاة ذات قلب رقيق ياهشام. إن أحببت شخصا واتضح أنه شخص آخر قد يقتلني ذاك. حرفيا. فأنا أهوى بقوة وأجرح بقسوة وإذا انكسر قلبي لا يجبر.

تأملها للحظات وبدا صراع على وجهه، قبل أن يقول: دعي الأمور تسير كما كتبها الله ولندعوه ان يكون العازف كأحلامك تماما.
هزت رأسها تؤمن على دعوته ثم قطبت جبينها قائلة: من أين جئت بهذه المعلومات عن العازف؟
بيننا صديق مشترك، فلنعد إلى الدرس. أين كنا؟ نعم في مظاهر الحضارة باليونان.

شرع يشرح الدرس بطريقة سلسة تحبها أحلام، لتجد نفسها فجاة تترك الدرس وتركز في حركات هشام وطريقة كلامه واختلاجات وجهه، تجد نفسها رغما عنها تزداد اعجابا به في كل لحظة.

كانا يمشيان جنبا إلى جنب في متنزه الحديقة حين صرخت بسمة فجأة: بائع البوظة.
ماخطبه؟
شعرت بالخجل فقالت: لا شيء. فقط تقت لأكل البوظة فلم اتناولها منذ. منذ. لا أذكر آخر مرة تناولتها فيها، لا بل أذكر، حين كنت صغيرة. دأبت والدتي على أخذي لتناول البوظة معها ومنذ توفيت أقلعت عن تناولها.
منذ متى توفيت والدتك؟
منذ عشرة أعوام.
رحمها الله. ما رأيك أن تتناوليها معي؟
حقا!

قالتها بحماس مالبث ان خبا مردفة: سترضي ان تقف في الصف مع الصغار.
البوظة ليست حكرا على الصغار عزيزتي، الكبار أيضا يتناولونها. أخبرك سرا؟ أنا أحب تناول البوظة في ليالي الشتاء.
قالت بحماس: خاصة في ديسمبر حين تلسع برودتها لسانك بينما يدفيء قلبك مذاقها اللذيذ.
طالعها بنظرة طويلة دافئة أشعلت خفقاتها وأثارت اضطرابها لتقول بارتباك: ماذا ننتظر اذا؟ هيا لنأكل البوظة.

وصلا إلى البائع فأنقده رائف بعض المال يطلب منه اثنين من البوظة ليقول البائع مقدما لهما بوظته: اثنين من بوظة الشيكولا اللذيذة.
لا أحب بوظة الشيكولا.
لا أحب بوظة الشيكولا.
قالها الاثنين في نفس واحد فنظرا إلى بعضهما البعض نظرة عميقة قطعها البائع قائلا: لا أحد يكره بوظة الشيكولا ولكن حسنا. سابدلها لكما. ماذا تبغيان؟
بوظة الفستق.
بوظة الفستق.

مجددا نفس الكلمات في ذات الوقت. ليضحكا في هذه اللحظة، شاركهما البائع الضحكات قبل أن يقدم لهما بوظتهما، اخذاها شاكرين ثم رحلا. ليقول رائف: تجعلين من أكل البوظة حدثا يابسمة، تعلمين؟ حين دلفتي إلى حياتي صارت حقا مختلفة.
هل هذا شيء جيد ام…
قاطعها قائلا بلهجة قاطعة: جيد بالطبع. هيا فلننهي بوظتنا ثم نذهب لنأكل سويا. أشعر بالجوع حقا.
ابتسمت بسعادة قبل أن تشير لأحدهم قائلة: لنأكل حمص الشام أولا. ما رأيك؟

لم أتناوله قط. لا بأس. فلنجرب.
معي ستجرب أشياء لم تخطر ببالك قط، استعد جيدا فمع بسمة لن تستطيع أن تغمض عينيك.
سبقته تجاه بائع حمص الشام بينما هز رأسه وهو يتبعها بابتسامة عريضة.

وفي ختام محاضرتنا بتنا ندرك أن الموضوع الأساسي لعلم النفس هو الإنسان وجميع الظواهر السلوكية والنفسية الصادرة عنه، ونظرا لشدة تعقيد هذه الظواهر وصعوبة دراستها ظهر هناك الكثير من المدارس النفسية والتي تميز كل عالم بمنهجه ومدرسته الخاصة به، وسندرس هذه المدارس في المحاضرات القادمة بإذن الله. ألقاكم على خير.

بدأ الطلاب بالمغادرة ماإن انهي هشام محاضرته لتسير أحلام بين الجموع بشرود، نداءه بإسمها سحبها من دوامة أفكارها، اقتربت منه قائلة: هل هناك خطب ما يا أستاذ هشام؟
أستاذ مجددا؟ ألم نصبح أصدقاء؟
ابتسمت بهدوء قائلة: هذا الكلام هناك بالمنزل أو حين نجلس في الكافتيريا نستذكر، لكن في قاعة المحاضرات لابد وأن تكون الأستاذ هشام.
حسنا ياذات المنطق، ما رأيك في أن نجلس بمكان خارج الجامعة لتخبريني عما يضايقك؟

هل ضيقي واضح إلى ذلك الحد؟
واضح كالشمس يافتاة، الأعمى قد يشعر به ويراه أيضا.
قالت بسخرية: أرحتني كثيرا. شكرا لك.
ابتسم فأردفت: فلنجلس في كافيتريا الجامعة ونتحدث.
وماذا عن زملائك وكلامهم عنك؟
لم تعد تهمني كلماتهم.
ولكنها تهمني، لا احب أبدا ان يلوك أحدهم سيرتك بشيء بغيض، سأسبقك الى الكافتيريا التي جلسنا فيها سابقا. لا تتأخري.

اومأت برأسها ثم تابعته يبتعد، حائرة في مشاعرها التي باتت تتاثر بكلمة بسيطة منه أو اهتمام كالذي أظهره منذ قليل، لو لم يكن مرتبطا بفتاة أخرى لكادت تقسم أنه يحمل مشاعر تجاهها ولدهشتها تمنت ذلك. من كل قلبها.

تبا. خطأ آخر. بهذا الشكل ستهزمها هذه الفتاة شر هزيمة، قالت في نفسها بحنق: ركزي يافتاة. ركزي.
باغتتها الفتاة بضربة أخرى فقالت بصوت حانق: اللعنة.
آنسة بسمة.
استدارت تطالع رائف قائلة: نعم أيها المدرب.
كفاك اليوم تدريبا واذهبي إلى المنزل، حاولي نيل قسطا من الراحة.
انا بخير سأستمر بالمباراة…
لا مجال للمناقشة، نفذي الأمر.

صوته الحازم جعلها تصمت تماما وهي تطرق برأسها، تغادر باتجاه حجرة تبديل الملابس، وما ان بدلت ملابسها وخرجت حتى وجدته يقف أمام الحجرة، لتقول بحزن: هل جئت لتؤنبني؟
لا أراك تتحملين. ماالخطب؟
لا شيء.
أعرفك جيدا لأدرك ان ان هناك خطب ما، هيا تعالي لنذهب سويا إلى أحد المطاعم نتناول الغذاء وتخبرينني عن خطبك.
لا شهية لدي.

ورغم ذلك ستتناولين الطعام معي، جعلتني أعتاد الصحبة في الأكل وانا الآن جوعان وأحتاج صحبتك المسلية.
أتظنني مهرجا؟
لا على الإطلاق. انا متأكد من أنك كذلك.
رغما عنها ابتسمت ليقول بابتسامة: هكذا تماما، احتفظي بهذه الابتسامة فهي خير فاتح لشهيتي. هيا اسبقيني إلى السيارة، سآخذ إذنا من المدير وأتبعك.
هزت رأسها وغادرت يتابعها بعينيه قبل أن يتنهد ويغادر بدوره متجها إلى مكتب المدير.

أخبريني الآن ماالخطب؟
لا أدري ياهشام، تجدني تائهة في دوامة أفكاري.
تفتقدين العازف؟
ربما، لم يظهر منذ أسابيع، ينتابني القلق عليه أشعر بوجود خطب ما، ربما هو مريض؟
ربما. اراك تهتمين لأمره كثيرا.

شعوري تجاهه غريب، غموضه يجذبني ولكنه يخيفني ورغم أنه يحمل كل مواصفات فارس أحلامي ومعه أكاد أحصل عليها حتى أن قدماي لا تلامس الأرض من السعادة حين اكون بين يديه ولكنني أعود وأفكر. ماذا تعرفين عنه أيتها الفتاة الغبية لكي تظني انك واقعة بحبه؟ ربما ان عرفتيه جيدا تجدينه مختلفا عن أحلامك وامانيكي في الرجل الذي تودين قضاء العمر معه. أصبحت أشعر انه افتتانا وليس حبا، لإن الافتتان يحدث بسرعة وجنون، بدون أسباب وعلي الأغلب خيالي بينما الحب يأخذ وقتا. هو أهدأ من ذلك و على الأقل يكون له سببا او اثنين. حقيقي يحمل في طياته ثقة وتفاهم عطاء وحنان تسامح حالة من مشاعر ناضجة تبعث في النفس شعورا لا يضاهي يشفي الروح ويسعدها،.

ربما هو حقا أمير خيالي جسدته أحلامي ووضعت له تلك الهالة التي تجذبني، و ربما أسير نحو هاوية صنعها خيالي بدلا من أن افيق من هذا الخيال وانظر إلى واقعي، ألتفت إلى دراستي وادعني من الأحلام.
أحلام الفتاة كينونتها ودونها تجذبها دوامة الحياة فلا تستطيع لها احتمالا.
ترى أننا لا نستطيع أن نعيش دون احلام؟
الناس جميعها لا تستطيع أن تعيش دون احلام، ان هلكت أحلامهم هلكوا، يتنفسون ربما ولكنهم بالتأكيد ميتون.

اذا هل تشجعني على التمسك بحلمي؟
أنصحك فقط بالتفكير قبل أن تتخلى عن أحلامك فمثلك من الفتيات الحالمات إن أضعن حلمهن صرن بلا روح.
وماذا عنك انت؟ ماذا عن حلمك؟
حلمي ان ينتهي بي الأمر مع الفتاة التي أحب.
وماالذي يمنعك؟
حدوتي.
كانت تلك المرة الأولى التي يذكر فيها امر حدوته، شعرت بالألم يقطر من حروف كلمته لتقول على الفور: إن أحبتك حقا ستراها مميزة.
وماذا ان لم تحبني؟

ولماذا لا تفعل؟ انت رجل يمتلك قلبا طيبا وعقلا واعيا متفهما وروح رقيقة مهتمة، سيكون من الجنون ألا تقع في حبك.
صمت من جانبه ونظرة طويلة غامضة أرسلها تجاهها جعلت خفقاتها تضطرب، هل شعر بما تحمله تجاهه من مشاعر إعجاب تدركها الآن بكل وضوح؟ أم انه يفكر في كلماتها فقط؟
كلما هممت بالتصريح لها يجبرني الخوف على الاحجام، اكتفي بقضاء اللحظات معها آملا أن تراني يوما فارسها.
إلى متى ستنتظر؟ حتى يأخذها منك أحدهم.

قبضة يده التي ضمها بقوة وملامحه التي تجهمت أخبرتاها بمدى حبه لفتاته ليصيب قلبها خيبة امل بينما قال هو: لا أستطيع حتى تخيل الفكرة.
أتدري أرانا نعيش معزوفة حزينة نغماتها تمزق الفؤاد. فالمعزوفة حين تكون حزينة ترسل نغماتها الشجن إلى الحياة، تحرق المشاعر لوعة الأفكار وربما تتمزق الأوتار ليصير المساء معتم غابت عنه الألحان.
طالما حبيبتي معي لن أفقد الألحان.
تحبها؟
اكثر من نفسي. ربما أخبرها بالغد مشاعري.

هنيئا لك.
ولك أيضا، بالمناسبة أحمل خبر لك قد يحمل البسمة إلى ثغرك.
هات مالديك.
العازف سيحضر غدا حفلا في فندق مشهور على أطراف المدينة. وسيفجر مفاجأة هناك.
وكيف عرفت؟ لا اخبار مطلقا عن العازف.
أخبرتك لدينا صديق مشترك.
إذا تعرف المفاجأة؟
نعم. وأؤكد لك. ستكون مفاجأة من العيار الثقيل.
عقدت حاجبيه قائلة: ماالذي تقصده؟
ستدركين بنفسك قصدي، فقط حين تفعلين سامحيني لأنني لم أخبرك الحقيقة سابقا، ولكني كنت مجبرا.

عن أي شيئ تتحدث؟
عن خيال سيتحول لواقع في القريب العاجل.
ماذا تقصد؟
لا تستعجلي الأمور وهيا لنعد إلى المنزل فالغد لكلينا مصير.
هشام!
لن أبوح فهي مفاجأة ادعوا الله أن يتحملها قلبك. هيا لنذهب.
كادت ان تتحدث ولكنها أحجمت عن ذلك، تدرك انه لن يبوح بشيء لذا ستنتظر للغد حتى تحصل على مفاجئتها.

تلعبين بالطعام منذ نصف ساعة، حسنا من الواضح جدا انك لن تتناوله وبدوري لن اتناول طعامي حتى اعرف ماالذي يؤرق بطلتنا في لعبة الشيش.
إنه أبي.
ماخطبه؟
مريض ويرغب في رؤيتي.
وماالخطب في ذلك؟
لا أريد رؤيته.
ماذا؟

لقد أذاني الرجل كثيرا، قتلني حين رفضني مدعيا كره الإناث وقتل امي حين تزوج عليها رغبة في انجاب الذكور، وحين فعل حرمني من الميراث ومنحه لأخي فلم أبالي، لقد ورثت عن أمي الكثير ولم يهمني المال قط. جل مااردته هو صدر دافيء يضمني ويمنحني أمانا افتقدته، أدركت أن لا يد قد تمسح دمعتي او تسندني سوي يدي فسعيت لأكون أقوى من أجلي، وحين مات أخي منذ عام في حادث مرض ابي واشتد المرض عليه في تلك الأيام كما أخبرتني الخادمة لديه، فطلب رؤيتي آملا في الغفران وهو على مشارف الموت فأجدني عاجزة عن رؤيته واجدني أيضا عاجزة عن إسكات ضمير يخبرني في كل لحظة ان هناك خطب ما في قراري الذي اتخذته بعد تفكير.

أشارك ضميرك رأيه.
بعد كل ماأخبرتك به؟!

نعم. أخبرك قصة. هي قصة شاب أحب فتاة من صميم قلبه ثم تم التفريق بينهما ليكتشف ان امه ضالعة بالأمر، كرهها ونفر منها ثم ترك لها البيت، حاولت رؤيته فرفض، بعثت له من يقسم انها فعلت ذلك لمصلحته وقد رأت أن الفتاة لا تحبه، طامعة فقط في ماله ونسبه وشهرته، ابي الاستماع إليها، رفض منحها السماح، قطع كل السبل أمامها، وحين كان يلعب اهم مبارياته على الإطلاق بعثت له برسالة فحواها. مافعلت شيء طيلة عمري الا لأجلك، أخطأت ولكن ألا تتذكر لي شيئا يمنحني الصفح، انا امرأة على فراش الموت ترغب في رؤية ابنها الوحيد فإن تذكرت لي شيئا فاسرع إلي.

جلس البطل في مكانه يتذكر امه. هي من أنجبته، من منحته القوة ليستمر وشجعته ليصل إلى حلمه، كل ماهو فيه مدين لها به، حتى وان أخطأت فمن منا معصوم من الخطأ؟ علي هذه الفكرة وجد نفسه يسرع إليها، يأخذ أول طائرة ليصل حدها وحين وصل إليها يود أن يسكب دموع ندمه فوق صدرها كان الأوان قد فات وماتت الأم ودفنت دون أن يراها، من وقتها يقتله الندم، في كل لحظة تنحصر كل أمنياته في يوم واحد يعيده الزمن إليه فيخر راكعا تحت قدميها يطلب منها بالغفران. أتعلمين مايقتل حقا أنها كانت محقة واتضح ان البطل كان غبيا جدا.

شعرت بألمه وكأنه بقلبها هي، اطراقة رأسه مع تهدج صوته أخبراها انه مخنوق بالعبرات، مدت يديها دون تردد وأمسكت بيديه فرفع رأسه على الفور إليها، رأت العبرات بمقلتيه تأبى السقوط فقالت بحنان: الطيبة ليست غباءا. ولا تحزن قد غفرت لك والدتك، بالتاكيد كانت تدرك أنك تحبها رغم كل شيء، فقط كنت معمي بالغضب. حين تتذكرها وتترحم عليها. تدرك أنها أنجبت ولدا صالحا يدعوا لها، ولدا أدرك خطأه في حقها، ربما فاتك طلب الغفران منها في حياتها ولم يمهلك القدر الوقت الكافي ولكن بالتأكيد مع طلب الغفران لها في كل يوم تقوم بواجبك تجاهها وتجعلها فخورة بك في لحدها.

تظنين هذا؟
بل انا متأكدة.
ضم أنامله على اناملها فأصابها الاضطراب وقد باتت خفقاتها مسموعة للغاية حتى خشيت ان يسمعها رائف لذا سحبت يدها من يده وهي تنهض قائلة: هيا. فلا وقت لنضيعه.
نهض بدوره عاقدا حاجبيه بحيرة قائلا: إلى أين؟
سأمنح ابي زيارة وغفران وستصحبني إلى هناك.
لكنه لا يعرفني. بأي صفة ستقدمينني إليه؟ قد يطرد…

قاطعته قائلة بمرح: لا اعتراضات، ولا تخشي شيئا أبدا، لن اورطك معي. سأقدمك على انك مدربي لا عريسا متقدما لي. هيا يارجل. أسرع.
سبقته بينما تابعها هامسا بابتسامة: مجنونة حقا. عريسا؟ ولم لا…
ليناديها مردفا: انتظري يابسمة. اريد أن أسألك شيئا.
ليعود لهمسه قائلا: او الأفضل سأجعلها مفاجأة وستجدين نفسك قبل نهاية اليوم خطيبتي أيتها الساحرة الشقية.

أسرع يلحقها بعد أن ابتعدت كثيرا، ينوي التقدم لخطبتها من والدها اليوم، مفاجأة ستصيبها بصدمة. من العيار الثقيل.

لم تستطع البقاء بمكانها، تجول في المنزل تشعر بالتوتر، الجميع صار غامضا، حتى هشام كلماته اليوم كانت غامضة على غير العادة و بسمة أيضا لا تجيب هاتفها ولا تعلم عنها شيئا منذ البارحة، وصلت المنزل وهي نائمة واستيقظت صباحا فلم تجدها، تشعر بالقلق عليها تفكر في النزول إلى الشارع والبحث عنها ولكن لطالما خشيت ظلمات المدينة ووحشتها ليلا، تدرك انها في قرارة نفسها فتاة قروية تعشق ضوء النهار ووضوحه وتخشي ظلام الليل والأنفس، وجدت رسالة ففتحتها على الفور، كانت رسالة من رقم غريب تقول كلماتها.

في حضرة معزوفة رقيقة أنغامها وقفت هناك أمامه تضمها ألحان الكمان لتندمج بنبضاتها وتتوحد مع النغمات وبعد لحظات صارت هي معزوفته. انه عازف تاب عن العشق طيلة حياته وأفنى روحه فقط لألحانه، فصارت هي ألحانه التي امتزجت بروحه حتى بات مستحيل انفصامها عنه، هذا القلب بداخل العازف يعترف. يحبها كما لم يحب مخلوق قط وان أرادت صارت له وصار لها طيلة العمر، سينتظر اجابتها بالغد، حين يرفع اللثام عن الغموض وتنكشف الحقيقة للجميع وحينها سيعلنون. وقع العازف في حب أميرته فهل تتوج قصتهما بالزواج؟

الزواج! يحبها! العازف يعترف لها بحبه ويطلبها للزواج، تلك هي المفاجأة التي تحدث عنها هشام اذا. كيف عرف بها؟ هل بينهما صديق مشترك حقا كما يدعي؟ الأصدقاء المشتركون لا يتشاركون أسرارهم العاطفية مع أحد. ترى هل العازف صديق له بالفعل؟ حتى إذا كان. ما شان ذلك بالرسالة تلك. العازف يطلبها للزواج. لماذا اذا لا تقفز فرحا؟ ماخطبها؟ هل تحب العازف أم هشام؟ تارة تجد نفسها منجذبة لذلك وتارة لذاك. تكاد تجن من اضطراب مشاعرها، تخشي فقدان أحدهما، ماالذي تقوله؟ لقد فقدت هشام بالفعل لحبيبته اذا عليها التمسك بالعازف ولكن كيف تتمسك به ومشاعرها منجذبة لآخر. أين بسمة الآن؟ ربما لو كانت هنا لأراحت قلبها بكلماتها وآرائها. وجدت نفسها تكتب رسالة له: لقد بعث لي العازف برسالة.

أسعدتك؟
لم تجبه وإنما كتبت: هل صارحت حبيبتك بمشاعرك؟
نعم.
وبماذا أجابتك؟
لم تقبل ولم ترفض بعد.
تمنحها فرصة للتفكير اذا.
شيء من هذا القبيل.
كذلك فعل العازف.
لماذا أشعر بترددك؟
لإني أحبك لذا فلتلعنني السماء.
سأوافق بالغد.
هنيئا لك.
ولك…
صمتت للحظة ثم كتبت: هشام!
نعم.
ماهو الحب؟
ان ترى نفسك فيمن تحبين، تشعرين بأنكما روح واحدة بجسدين، وفكرة انفصام روحكما تعادل الموت لديك. حين تشعرين هكذا تكونين عاشقة بكل تأكيد.

حسنا لقد عرفت الآن من أحب حقا. شكرا لانك أريتني المصير الذي ينتظرني، موت اكيد. ربما لو وافقت على العازف لنجوت. وربما لا. حسنا سأجازف فحين تصارع الروح الموت تتمسك بطوق نجاة.
أين ذهبت؟
إلى اللحد.
ماذا؟
لا شيء تصبح على خير.
تجدين الخير.
فتح الباب في تلك اللحظة ودلفت بسمة لتجري أحلام إليها، ترتمي بحضنها وتبكي بقوة بينما عقدت بسمة حاجبيه تتساءل عن خطب صديقتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط