قصص

انهم تحت السرير

انهم تحت السرير هتنام؛ ولا أخلّي البعبع اللي تحت السرير ياكلك؟!
مفيش ليلة بتفوت غير لما بسمع الكلمة دي من مرات عمّي، أصل أبويا وأمي ماتوا في حادثة وأنا صغيّر، وعمي أخدني يربّيني مع ابنه.
الشهادة لله يعني؛ مقصّرش معايا، ومراته كمان كانت بتعاملني زي ابنها بالظبط.. وبالمناسبة؛ كانت بتقول له نفس الكلام لما الوقت يتأخر وتلاقينا لسّه صاحيين، لكن مكنتش بلاحظ إنه خايف زي حلاتي، الكلام كان بيأثر فيا بدرجة كبيرة، وبرغم إني كنت لسّه طفل فهمت إن الظروف اللي مرّيت بيها هي سبب خوفي الزيادة، فقدان أبويا وأمي مكانش شيء بسيط، كان بيخلّي أي كلمة ولو بسيطة تخوّفني.
كنت بنام في أوضة وابن عمي في أوضة، ولما كانت بتقول تحذيرها بتاع كل ليلة وتطفي النور وتقفل الباب عليّا، كنت بسمعها في الأوضة اللي جنبي وهي بتقول لابنها نفس الكلام، وقتها كنت بشِد الغطا على راسي، وبرغم الضلمة كنت بقفل عينيا، عشان مشوفش البَعبَع، في حالة لو خرج من تحت السرير وطلع كلام مرات عمّي صح.
فاتت أيام طويلة، كل ليلة بسهر وبلعب أنا وابن عمي، ومبندخلش ننام، خصوصًا لما الدراسة بدأت، وكان لازم نصحى بدري، ساعتها مرات عمّي بدأت تزوّد تحذيرها، ومبقاش البَعبَع بس، دي بقت تقول لكل واحد فينا: هتنام؛ ولا أخلي البَعبَع وأبو رِجل مسلوخة والأشكيف يطعلوا من تحت السرير وياكلوك؟!
لما كنت بسمعها بتردد نفس الكلام لابنها بعد ما بتطفي النور وتقفل الباب وتمشي، كنت بشِد الغطا فوق راسي وأقفل عينيا زي ما أنا متعوّد، وبقيت أضُم رجليا عند صدري وأنا جسمي بيرتعش، لحد ما في ليلة قررت أتأكد إذا كان كلامها صحيح ولا لأ.. وبمجرد ما قالت تحذيرها وطفت النور وقفلت الباب، رفعت الغطا من فوق راسي ونزلت من السرير، مشيت ناحية الباب، وفتحت نور الأوضة الصغيّر؛ عشان لا هي ولا عمّي ينتبهوا إني صاحي..
رجعت من تاني ناحية السرير، ولما وصلت عنده قعدت في الأرض، مديت إيدي اللي لقيتها بترتعش ومسكت الملاية، أخدت نفس عميق عشان أتمالك أعصابي، وبعدها رفعت الملاية بالراحة وبصيت تحت السرير؛ عشان أشوفهم، لكن ملقتش حاجة تحت السرير، وساعتها أخدت نفس عميق؛ وحسيت إن أحاسيس الخوف اللي جوايا من ناحية الحكاية دي انتهت.
قًمت من الأرض وطفيت النور وطلعت فوق السرير، شديت الغطا فوقي ونمت وأنا مش خايف، ولما مرات عمّي صحَّتني بدري كالعادة عشان المدرسة، وشوشت ابن عمّي وإحنا بنفطر وقُلت له: “بعد كده متخافش من كلامها، مفيش حاجة تحت السرير، أنا شُفته بنفسي امبارح بعد ما سابتني وقفلت باب الأوضة”.
كان بيبُص لي ومش مصدقني، زي ما يكون عاوز يقول إنه مامته مش بتكذب، بس أنا اتأكدت بنفسي؛ شُفت بعيني، وخلاص، معادش ينفع أخاف تاني.
لما رُحت المدرسة في اليوم ده، الميس طلّعتني أكتب على السبورة، ولما كتبت الإملاء صح رسمت لي نجمة على السبورة، وقالت لي: أنت تستحق النجمة..
كانت أول مرة آخد نجمة، عجبني شكلها، وقررت أتعلم أرسمها، ولأني كنت طفل، كان عندي قناعة إن النجمة مش بتترسم غير بالطباشير زي ما الميس رسمتها، ده اللي خلاني آخد قطعة طباشير وأنا خارج من الفصل في نهاية اليوم، حطيتها في شنطتي وأنا راجع البيت، في الوقت دَه كنت بفكّر هتعلم أرسم النجمة فين، لو كتبت بالطباشير في أي مكان مرات عمّي هتشوفني، وساعتها هتعاقبني لأني هكون شوِّهت المكان اللي رسمت عليه، وعلى ما وصلت البيت، كنت مقرر إني هرسمها على البلاط تحت السرير، لأن ده المكان الوحيد اللي مش بتشوفه غير كل فين وفين.
لما حذَّرتني ومشيت كالعادة، نزلت من السرير وفتحت نور الأوضة الصغيّر، وبعدها نزلت تحت السرير، ومسكت قطعة الطباشير وبدأت أقلّد رسمة النجمة اللي عملتها الميس، وبعد محاولات كتير؛ لقيتني راسم النجمة، عدّيت أطرافها ولقيتهم خمسة، وساعتها عرفت إني رسمتها مظبوط، كنت مبسوط لدرجة إني بدأت أسخر من مخاوفي، وبدأت أسخر من اللي مرات عمّي كانت بتخوّفني منهم، لدرجة إني حاولت أكتب أسماءهم جوه النجمة وأنا بقول: “أنتوا فين ما تظهروا؛ تعرفوا ترسموا نجمة زي نجمتي؟”..
كلام كتير قُلته على ما خلصت كتابة أسمهاءهم، وبعدها مسحت النجمة عشان مرات عمّي متشوفهاش لو جت تنضّف تحت السرير وأنا في المدرسة.
خرجت من تحت السرير وطفيت النور ونمت، وساعتها كنت واخد قرار، وهو إني أخبّي قطعة طباشير وأنا خارج كل يوم من الفصل، وبالليل أكرَّر نفس اللي عملته، لأني زي ما كنت مبسوط إني أخدت نجمة، كنت مبسوط إني هزمت الخوف اللي مرات عمّي زرعته جوايا.
فضلت أكرَّر الحكاية دي كل يوم، لحد ما الامتحانات قرَّبت، ساعتها عمّي طلب من كل واحد فينا يركز في مذاكرته، وده كان سبب إني كنت بقضّي وقت طويل في أوضتي أذاكر، وفي مرَّة القلم الرصاص وقع من على المكتب اللي بذاكر عليه، ولما مديت إيدي عشان أجيبه من الأرض لقيته بيتحرَّك..
في البداية اتعاملت عادي، قلم ووقع وطبيعي إنه يتدحرج لحد ما يقف، بس اللي مكانش طبيعي إنه كمّل دحرجة ناحية السرير لحد ما دخل تحته، قرَّبت ورفعت الملاية، وساعتها شُفت القلم لازق في الحيطة عند الناحية التانية من السرير، في اللحظة دي دخلت تحت السرير عشان أجيبه، ساعتها اتفاجئت بإن رسمة النجمة موجودة والأسماء فيها، افتكرت إني مسحتها بعد ما رسمتها آخر مرة، ومعرفش اترسمت ازاي، ده غير إنها مرسومة بطباشير لونه أحمر، وأنا كل الطباشير اللي أخدته من الفصل من وقت ما بدأت أعمل ده؛ كان لونه أبيض!
مديت إيدي أمسح النجمة؛ عشان مرات عمّي متشوفهاش، ولقيت إنها مش بتتمسح، كانت لازقة في البلاط، ولما سمعت حركة قدام باب الأوضة مديت إيدي أخدت القلم وخرجت بسرعة، ولما جَت الساعة اللي بننام فيها، ونور الأوضة انطفى والباب اتقفل ومرات عمّي خرجت، فتحت النور الصغيّر ودخلت تحت السرير كالعادة، اتفاجئت إن النجمة زي ما هي، حاولت أمسحها تاني، دعكت كف إيدي فيها بكل قوتي ومكانتش بتتأثر، ساعتها حسيت بهوا سُخن جاي من كل ناحية، وبيرفع ملاية السرير لفوق، وساعتها شُفت رجلين ٣ أشخاص واقفين، واحد منهم رجليه كانت على اللحم لأن رجليه كانت مسلوخة، والتاني رجليه من تحت كانت زي رجلين المعيز، والتالت كان له رجلين زي البَشر، لكن حجمها ضخم وضوافرها لونها أسود ومليانة شَعر..
حسيت إن جسمي تلِّج، فضلت مبحلق فيهم وأنا متنَّح، لحد ما الهوا بدأ يخِف وملاية السرير رجعت مكانها، وفي اللحظة دي اختفوا من قدامي.
بلعت ريقي وخرجت بسرعة من تحت السرير؛ ملقتش حاجة في الأوضة، لفيت حوالين نفسي عشان أتأكّد إني لوحدي، وفعلًا مكانش في حد غيري، وساعتها عيني جت على ملاية السرير من تحت، ولمحت رجليهم ظاهرة من المسافة اللي بين الملاية والبلاط..
جريت على المكتب وبدأت أشغل نفسي بالواجب اللي ورايا، كنت متأكد إني متخيّل حاجة مش موجودة، ولما قعدت وبدأت أكتب سمعت أصوات جاية من تحت السرير، كانوا ٣ أصوات مختلفين، لكنهم بيقولوا حاجة واحدة: “إحنا هِنا يا عمرو”.
جسمي اتكلبش في بعضه، قعدت على المكتب وأنا قاطع النفس، لحد ما الأصوات اختفت والدنيا بقت هادية، ساعتها قُمت من مكاني وبصيت تحت السرير وملقتش حاجة، مكانش في غير النجمة اللي باللون الأحمر.
سمعت صوت مرات عمّي في الصالة بتطلب مننا ننام لأن الوقت اتأخر، ولما طفيت النور ونمت، سمعت همس تحت السرير، معرفش إيه اللي خلاني أقوم من تحت الغطا وأنزل، فتحت النور الصغيّر وبصيت تحت السرير، ساعتها شُفت مكان غريب كله صخور، كان أشبه بالكهوف اللي بشوفها في برامج ناشيونال جيوغرافيك لما بنقعد نتفرج عليها من وقت للتاني..
معرفش إيه السبب اللي خلاني أشوف تحت سريري بالشكل ده، الكهف اللي ظاهر قدامي إضاءته كانت باللون الأحمر، والغريبة إني لمحت فيه ٣ خيالات، ولما بدأت أدقق فيهم، عرفت إنهم ٣ أشخاص ليهم نفس الرجلين اللي شُفتهم لما ملاية السرير اترفعت وأنا تَحته.
زحفت على بطني لورا وبعِدت عن السرير ونزّلت الملاية، رجعت عند المكتب ووقفت أبحلق في السرير، ساعتها شُفت كل حاجة طبيعية، ومع الوقت قرَّبت من السرير تاني ورفعت الملاية، ولما بصيت مشوفتش الكهف ولا شُفتهم، بس كنت لسّه شايف النجمة اللي باللون الأحمر!
الليل فات وأنا قاعد صاحي على السرير، لحد ما النوم غلبني قبل طلوع النهار.. مرات عمّي صحَّتني بالعافية، وطبعًا قالت لي إني مسمعتش الكلام ونمت متأخر، وإني لو كررت ده تاني هيطلعوا من تحت السرير وياخدوني عندهم.
في اليوم ده رُحنا المدرسة ورجعنا، لقيت مرات عمّي منضّفة تحت السراير، دخلت بصيت تحت سريري ولقيت النجمة الحمرا موجودة، لكن اتأكدت إنها مشافتهاش لأنها مجابتش سيرتها، وفي اللحظة دي لقيت ابن داخل أوضتي، ملاية السرير كانت مرفوعة، ولما بص تحت السرير مشافش النجمة، فهمت إن مفيش حد غيري شايفها.
استغربت هو داخل عندي ليه، لأن دي مش من عادته، قُلت أكيد هو جاي يقول لي حاجة، وفعلًا تخميني كان صح، لأنه قال لي:
“كنت بتكلم مع بابا من شوية، ولما سألته عن اللي ماما بتخوّفنا بيه عشان ننام، قال إن دول عفاريت، والعفاريت حقيقة بس إحنا مش بنشوفهم، وإننا بنقدر نشوفهم بس لما نفتح بوابة بينّا وبينهم، ونقدر نشوف عالمهم عن طريقها، وقال كمان إن البوابة دي ممكن تكون بيت مسكون، أو مكان مقطوع وضلمة، والمرايات، وبعض الرسومات زي النجمة اللي ليها خمس أطراف، وإنهم ممكن يدخلوا عالمنا لو دخلنا الأماكن دي وندهنا عليهم، أو رسمنا رسومات من اللي بتنتمي لعالمهم واتكلمنا معاهم، ساعتها بيدخلوا عالمنا ويسكنوا المكان اللي اتندهوا منه، شُفت بقى يا عمرو إن ماما مش بتكذب، أنا عن نفسي هنام بدري وهسمع الكلام، أنا مش عايز أشوفهم يا عمرو؛ ولا عايز أروح العالم بتاعهم”.
لما سابني ومشي، عيني راحت تحت السرير، ساعتها شُفت النجمة، وشُفت آثار رجلين على البلاط حوالين النجمة، كانت مطابقة لآثار رجليهم، بدأت أربُط بين كلام عمّي اللي قاله لابنه، واللي كان هنا من شويّة عشان يحكيه ليّا، وملقتش قدّامي غير إني أتكلم مع عمّي، أخدت بعضي ورُحت له، ساعتها لقيته قاعد لوحده في مكتبه، ولما حكيت له عن اللي سمعته من ابنه قال لي:
“أنت خايف من إيه يا عمرو؟ متفكرش إننا بنجيب سيرتهم من فراغ، دي مخلوقات موجودة في العالم بتاعهم، يعني مش مخلوقات اخترعناها من خيالنا، العفاريت مذكورين في القرآن، وموجودين فعلًا، بتحجز بينا وبينهم بوابات، المهم إننا منفتحهاش، ولا نعمل الحاجات اللي تفتحها، عندك المرايات مثلًا بوابات سريعة بينتقلوا من خلالها بين عالمنا وعالمهم، لكن إحنا بنستخدمها في حدود، عشان ميستخدموهاش كبوابة بينا وبينهم، يعني لو في بوابة قدامك ومفتوحة بينك وبينهم متقرَّبش منها، متحاولش تنده عليهم من خلالها، متعطيهومش فرصة يسمعوا صوتك أو يشوفوك ويركزوا معاك، ساعتها وجود البوابة هيكون زي عدمه”.
سيبته ورجعت أوضتي، واتفاجئت إن آثار الرجلين مش موجودة تحت السرير، لكن النجمة الحمرا زي ما هي، كنت شايفها قدام عيني..
نزلت ملاية السرير وبدأت أتجاهل وجود النجمة زي ما فهمت من عمّي، الأيام فاتت ومكنتش بحاول أقرَّب من تحت السرير ولا أبُص عليه، ومع الوقت أصوات رجليهم اللي كنت بسمعها كل ليلة بدأت تقِل، لحد ما اختفت تمامًا، وبرغم إن النجمة الحمرا اللي فهمت إنها بوابة فضلت موجودة، لكن سمعت كلام عمي، وتجاهلي ليها عمل منها مجرد صورة مالهاش لازمة، وبرغم كده منسيتش إن بقى في بيني وبينهم بوابة تَحت سريري!
***
تمت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط