معگ صغيري شعرت ان الحياة ردت لروحي من جديد.. ذُقت معگ لذة طعم الحياة.. لن اضيعگ من يدي، ولن اسمح بنيران الفقدان تنهنشني مرة ثانية.. فكفى حرمان وضياع..
سـ أضحى بروحي من أجلگ صغيري، فـ روحي لا تساوي وانت ليست بجانبي تنعم داخل احضاني الدافئة..
* * * * * * * * *
الفصل الثاني والعشرون
بدلت ملابسها مره ثانية وخرجت وحين سألتها والدتها، اجابتها بأنها ستذهب في عمل هام وسوف تتأخر، وطالبتها بالا تقلق عليها، وانصرفت متوجهه إلى مركز تجميل شهير خاص بالسيدات، وطلبت منهما تغيير شكلها وعمل نيولوك جديد، من خلال تسريحه الشعر وتغيير لونه للون البني الفاتح، وعمل خصلات بداخله، كما غيرت لون عيناها بتركيب عدسه لاصقة للون العسلي الفاتح، مر وقت طويل حتى انتهت، وعندما رأت نفسها لم تصدق عيناها ان تلگ الجالسه هي غزال التي أتت من ساعات قليلة، كان الميكب رقيق مع التغيير شعرت بالسعادة، وعاتبت نفسها انها أهملت كثيرًا بها وقصرت في حقها، لقد تحرر العصفور أخيرًا وذاق طعم الحريه ولن يحبس نفسه مره ثانيه حتى لو كلفه ذلگ فقدانه لحياته..
شعرت عندما انصرفت انها ولدت الآن من جديد، فكانت هذه الخطوة ضرورية ومع آسف جاءت متأخره، لكن ما مرت به من حزن هو الذي جعلها تنتظر حتى تخرج من بئر احزانها ولو قليلا، ثم وعدت نفسها بالا تهملها وتحبها كما هي في كل حالتها، فهي تستحق ان تحبها، فغزال دفنت وماتت، والتي تحيا مرأة محبه لأمانها وللحياة.
عادت لمنزلها وعندما رآتها والدتها واخاها، اندهشا من جمالها الذي يشع من ضياء وجهها قالت لها:
– بسم الله ماشاء الله عليكِ ياغزال، اية الجمال ده، انتي اتغيرتي خالص.
استدارت “غزال” عده لفات في فرحه وهي تردد:
– بجد النيولوك اللي عملته رايق عليا؟
رد “سند” وهو محتضنها بكل حب قائل:
– هو رايق عليكِ وبس؛ ده مخليكِ زي البدر في اكتماله، مع انگ حلوه في كل حالاتگ يا قلب أخوكِ، بس التغيير مطلوب برضو، أمان شايفگ؟
– لا ميعرفش اني هقص شعري واغير لونه اصلا، هي طقت في راسي مره واحده وقولت هعملها.
– اكيد هيتهبل اكتر ما هو مهبول عليكِ، ربنا يسعدكم ويهنيكوا يارب يا بنت بطني.
– يارب يا ماما يقدرني اني اسعده زي ما هو بيعمل كل اللي في وسعه عشان اكون سعيدة.
صمتت لحظة وتذكرت موضوع السمسار فقالت موجهه حديثها لاخاها:
– اه بالحق يا سند، عايزاگ تكلم السمسار وتديله رقم أمان عشان يتمن شقته بالعفش بس، ماعدا الأجهزة الكهربائية قالي انها جديدة ومعنديش مانع نستخدمها، بس هغير البتوجاز والتلاجة، عشان عايزة حاجة أحدث.
– عيوني حاضر، هتصل عليه فورا وهتفق على معاد ونقابله نخلص كل حاجة متقلقيش، وهخليه برضو يشوفلگ شقة حلوه متشطبه.
– ربنا يباركلِ فيگ، طول ما انت جنبي وفي ضهري عمري ما اقلق ابدا، ومفيش مانع هو يشوف وانا برضو هبقى اسأل، والاحسن ربنا يتممه على خير وناخدها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
مر يومان على حديث والدة غزال لابنها بخصوص رفضها للشقة، وليس فقط بل هاتفه حماها السابق وطلب منه الحضور ليأخذ العقد ويحاول اقناعها، وبالفعل توجه “سند” إليه ورتب كل شيء وعرض شقتها للبيع، وعندما علمت جارتها بهذا الأمر اتفقت مع زوجها طلب منه شراءها فهما أولى من أي شخص آخر، فهذه الشقة بمثابة فرصة ولا بد من اغتنماءها، بالاخص ان مازالت حديثة وكل محتوياتها جديدة، تفاوض معه ودفع ثمنها وتبقى جزء قليل سيتم دفعه عند التسليم، وبعد تخلص أخته مما تريد منها، وعندما تناول منه حقيبة النقود، توجه إلى منزل والدته، ونادى عليها فأتت إليه، تبسم لها وقال:
– اقعدي يا غزال عايزگ في موضوع مهم، وياريت تسمعيني للآخر من غير ما تقطعيني.
– اتفضل يا سند اتكلم قلقتني، خير؟
– خير يا حبيبة قلب اخوكِ، اتفضلي خدي الشنطة دي الأول.
– فيها اية الشنطة دي؟
فتح الحقيبه وحين رمقت حزم النقود، تعجبت وتساءلت عيناها فأجابها بابتسامة :
– بصي ماما وحماكِ بلغوني برفضگ للشقة اللي كتبها ليكِ طلقيك، وبصراحة انا مش موافق على رفضگ، وبما اني اخوكِ وسندگ فتصرفت نيابة عنگ فيها بالتوكيل اللي كنتِ عملاه زمان ليا عشان ابيع ورثگ، وقبضت الفلوس، ومتبقي مبلغ عند التسليم، بعد ما تشوفي هتاخدي منها أية.
وقفت فجأة كأنها صعقت بماس كهربائي للتو، ازاحت الحقيبه بعنف
وقالت بلوم وعتاب له:
– ليه كده يا سند؟ ازاي تقبلها بعد ما رفضتها؟
– ممكن تقعدي وتهدي شوية.
جلست وهي تزفر انفاسًا حارقة، ربتت على ساقها والدتها وقالت بحنو:
– اسمعي بس كلام اخوكِ يابنتي من غير ما تتنرفزي كده.
– يا غزال انتي مش بتاخدي حاجة مش من حقگ، ده تعويض عن كل لحظة ألم عشتيها، وده ابسط حاجة يقدمهالگ.
– وانا سبق وقولت تغور اي حاجة من ناحيته، انا مش عايزه اي شيء منه، وكل اللي في الشقة مش عايزاه عشان ميفكرنيش بيه، ولا يفكرني باللحظات اللي مريت بيها.
– ولو قولتلك عشان خاطري متكسفنيش قدام الناس اللي اتفقت معاهم، كل اللي عليكِ شوفي هتاخدي اية من هناگ، هدومگ مثلا اللي سبتيها.
ردت والدتها قائلة:
– انتي ناسية أن في هناگ شنط لسة متفتحتش اصلا !!
تذكرت “غزال” تلگ الحقائب من ملابس داخليه وخارجية، فمنذ حملها وزيادة وزنها لم تقترب يداها منها، تنهدت وقالت:
– خلاص هروح اخدهم، ولو احتجتي اي حاجة يا ماما خديها، مش هاخد منهم حاجة في بيتي الجديد.
واتصل على سمية ياسند عشان لو في اي شيء هناگ يلزمها تاخده.
– يعني افهم من كده انگ وافقتي تاخدي الفلوس، يا حبيبتي دي حقگ ومفيش حد في الزمن ده يفرط في حقه.
– حاول تفهمني، انا متأكده من أن أمان مش هيوافق.
– سيبيه عليا أنا، المهم فكري هتعملي اية بالفلوس، انا من رأى تحطي فلوسگ على فلوس شقة أمان وتشتري شقة اكبر.
– فكرة كويسه، بس يارب يرضى، انا مليش دعوة بالموضوع ده.
اومأ لها بالموافقه، واعطي الحقيبه لوالدته لتحتفظ بها، ونهضوا جميعًا للتوجهه لشقتها، وهاتف زوجته تلحق به هناگ، وعندما وصلوا اخذوا ما يريدون من هناگ كل من والدتها وزوجة اخيها، ثم اغلقوا الشقة وسلمتها لجارتها واستلموا باقي المبلغ، وبذلگ انهت “غزال” كل ما يربطها به من احزان وآلام وذكريات مؤلمه، استقلت سيارة اخاها وكل الذي يشغلها؛ هو رد فعل حبيبها فيما اجبرها عليه “سند”، فهو خلال اخر مقابله بينهما لم يتقابلان، نظرا لانشغال كل منهما في عمله، بينما اتصالات هاتفيه قصيرة فقط، ولا تسمح بأن تسرد له ما حدث.
تقابل “سند” معه كما وعد اخته، وشرح له وجهة نظره، فقد كان “أمان” رافضًا بشدة وغير متقبل حديثة، لكنه حين علم ان غزالته تخشى غضبه ورفضه، وافق لكن بشرط هام، آثار فضول “سند” فتسائل:
– شرط اية؟
– أن الشقة تكتب باسمنا احنا الإثنين، ما دام هتساهم فيها، أنا والله لو عليا كنت كتبتها كلها بأسمها، لكن مقدرش اجي على حق فادي.
– عين العقل، واللي يريحگ أعمله، بإذن الله نشوف شقة حلوة ونتوكل على الله.
– ياريت همتگ معايا، نفسي اخلص من الموضوع ده في أقرب وقت.
– متقلقش كل حاجة هتيجي في معادها، احنا دلوقتي هنتمم بيع شقتگ، واللي فيه الخير ربنا يقدمه.
توجهان لمقابلة الشخص الذي آتى به السمسار لشراء شقته، وبعد مده من المناقشات وتداول الآراء؛ تم البيع بمبلغ لم يتوقعه، وبناء عليه تم تسليمه للشقة بعد تسجيلها في الشهر العقاري، واخذ ما يحتاجه منها.
ذهب ليزف لها خبر اتمام بيع الشقة، وحينما وقعت عيونه عليها تفاجأ بتلگ الساحره الوافقه أمامه، وقف متسمرًا حين شاهد جمالها الفتان، فحقًا كانت فاتته، اسرته من قبل بحروفها وكلامتها؛ والآن فاتنته بحسنها، دلالها، الفتاگ، فأي عقل يستوعب كل هذا الجمال ولا يصرخ منادي بحقة في الحياة.. ؟!
اقترب منها وقبل كف يدها وقال بعينان لامعتان بعشق:
– أنا مقدرش على الجمال والحلاوة دي يا غزالتي !!
توردت وجنتيها كتفاحتين ناضجتان حمراوتين، فزادتها فتنه وجمالا، نكست وجهها في خجل، رفع باطراف انامله رأسها وهمس:
– بحبگ يا فاتنتي.
تجلت الابتسامة وعرفت طريقها على محياها منذ دلوفه لحياتها.. فبوجوده تغيرت حياتها واخضرت اوراق خريفها وتحول اسمها لغزال اسمًا وجسدًا، وقبل اي شيء روحها التي احبت الحياة برفقته، وجدت نفسها ترد عليه بنفس همسه:
– انا اللي بعشقگ يا أمانِ، وسر سعادتي وكل دنيتي.
جلسان على الاريكة، ورحبت به والدتها، وقال بفرحة وحماس:
– انا جاي عشان افرحگ، واقولگ اني خلاص بعت شقتي بسعر مكنتش احلم بيه، وكمان وافقت على اقتراح سند بس هكتبها باسمنا احنا الاثنين، ومش عايز اي اعتراض.
– مع اني مش موافقه، بس مش هعارضگ، عشان انا كمان عندي خبر حلو ليگ.
– هو النهاردة يوم الأخبار الحلوة ولا اية، اشجيني يا وش السعد.
– كنت مكلمه حارس البرج اللي بشطب فيه شقة لو في شقق فاضية في المنطقة، واتصل عليا من شوية وقالي في شقة دوبلكس كبيرة متوضبه جاهزه على العفش صاحبها كان هسكن فيها، بس عرضها للبيع عشان هيسافر، بكره نروح نشوفها وفلوسگ مع فلوسي ندفعها، والعفش ربنا يكرمنا ونجيبه.
– احلى خبر سمعته، بكره كلنا نروح نشوفنا، ومعانا سند عشان يقولنا رأية ونربط كلام مع البايع.
– على بركة الله، هتصل بالحارس ياخد معاد مع صاحب الشقة، وربنا يكرمنا.
– انا هقوم بالمناسبة الحلوة دي احليلكوا بقكوا واجيب الرز بلن اللي لسه عاملاه.
– تسلم ايديگ ياطنط.
– تسلم يابني.
استأذن “سند” بعد مباركته لهما، والاتفاق على موعد يتقابل معهم، وتوجه لمنزله، بينما جلس “أمان” بجانبها وعندما تتلاقت الأعين المشتاقة تبوح بفياض من الحب والحنان، يشرد كل منهما في بحور عشق الآخر، ومحت تلك البحور كل ما مضى من ذكريات طمستها وجرفتها بعيدًا حتى رست على مرفأ امانها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
– يابني انا تعب من طول بعادگ ده، قولت هترجع ومش بترجع، وأنا حاسس أن ايامي بقت معدوده.
– والله غصب عني يا بابا، تأسيس الشركة اخد وقت مني، وكان لازم اتواجد واباشرها لحد ما اقف في السوق واقدر أنافس باقي الشركات.
ابتسم بسخرية وقال بوجع:
– واخرتها هتفضل كده لحد امتى تجري ورا جمع المال ومش بتكتفي باللي معاگ، إنما عايزه يزيد ويزيد، زي ما يكون جالگ حالة صرعه لحب المال، وياعالم مين هياخد كل المال ده؟
ادرگ ما تفوه به من كلام لازع الذي سرى في حلقه بمراره ما فعلته به أيامه، اغمض “فؤاد” بألم:
– معقول انت شايفني بالشكل ده ازاي ؟!
رد عليه بوجع اشد منه رادفًا بنبره حزينة:
– للأسف يا فؤاد هي دي الحقيقة المُره اللي مفيش مفر منها، انت بتنسى وجعگ بالمال، فاكر ان ده هو الحل.. شهوة جمع المال بقت هي غايتگ، فوق قبل ما يفوت الأوان.
– لأن شغلي هو اللي باقي ليا بعد ما خسرت كل حاجه، هو اللي هسندني ويخليني قوي، بالفلوس هشتري اي شيء عايزة، والكل في خدمتي، ليه مستكتر عليا اني اعيش يومين حلوين واكون الحاكم الأمر المسيطر في كل شيء حواليا، على العموم
هحاول اجي في اقرب وقت شهرين اوثلاثة بالكتير وهتلاقيني عندگ.
تنهد الأب بيأس فهو لن يتغير مهما حاول معه؛ سيظل هكذا غارق في شهوته التي تملكت منه، والمال الكثير الذي تساقط عليه جعله لا يرى في الحياة اهم منه، وخشى عليه من ان يأتي اليوم الذي يندم اشد ندم، حينها يكون الوقت مضى وفات.
اخذ نفسا عميقًا و رد بكلمه واحده لم تفرق معه حين قال:
– براحتگ.
قذف هاتفه بعنف أمامه، وزفر أنفاس حارقه خرجت من دواخله تبعث عن مدى ضيقه وغضبه مما قال له، افاق من حالته على دلوف إحدى العاملين يقدم له بعض الأوراق تحتاج لتوقيعه عليها، امره ان يضعها امامه على مكتبه ليقوم بمراجعتها، ثم اشار له بالانصراف.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ومع بداية اشراق يوم جديد، انتظر “أمان” موعده مع مالگ الشقة بفارغ الصبر، وحين جاء توجهه إلى غزالته وذهبا لمشاهدتها، وعندما ولجا للداخل، انبهرت “غزال” من المساحه الواسعه في هول الشقة، وبالديكوات التي نفذت في غاية الذوق الرفيع، فهي حقًا لا تحتاج لشيء غير انهما يضعون الفرش بها، تشابگ يدها وصعدان للدور العلوي، فقد كانت كل درجه يصعدان من خلالها يقربهما من بعض اكثر واكثر لتحقيق حلمهما المنتظر، دلفت للغرفة الأولى، وجدت بها حماما خاص كما تمنت، وفي سقفها جبس بورد مزين بالانوار، وعلى إحدى الحوائط مكتبه لتضع التلفاز في المنتصف، وعلى احدي جانبيها ارفف لتعليق التحف فوقها، كانت ابتسامتها تعلو على شفتاها الوردية، مما زاد من فرحة “أمان” الذي كان على الاستعداد ان يدفع عمره ثمنًا لاستمرار تلگ الابتسامه التي تسرق قلبه وتجعله يتتطاير كالبلبل مغردًا انشودة الحياة.
استمر في مشاهدة باقي الغرف والشقة، وتم الاتفاق والتوقيع عليها، على اتفاق دفع باقي المستحق عند التسجيل، اقترب منها “أمان” قائلا بعد انصراف البائع:
– مبروگ عليكِ يا غزالتي، ربنا يجعلها قدم الخير والسعادة علينا يارب، ويرزقنا بالزرية الصالحة.
ردت عليه وهي ترمقه داخل بحور عيناه العاشقة لها، سابحه لا يهمها الغرق فهي داخل موطنها وامانها رادفة بحب:
– مبروگ علينا يا حبيبي، يارب نملي كل ركن فيها بالحب والهنا يا أمانِ، ويرزقنا اخوات لفادي.
– انا مليش دعوة اعملي حسابگ فيه متقلش عن ربع دستة، اقل حاجة، نفسي يكون لفادي اخوات كتير يعوضوه وحدته اللي عاش فيها، وملكيش حجه في غرفين اطفال، مش غرفه واحده.
ضحكت في خجل وقالت في حياء:
ان شاء الله، كله بمشيئة ربنا.
آتى “سند” وقال وعيناه تجوب كل ركن:
– الف مبروك عليكم، الشقة جميلة جدا، واحسن حاجة انها مش محتاجة لاي شغل، يا دوب نبدأ نشتري الأوض والعفش من بكره.
– بإذن الله يا سند، بس بكره لازم يا أمان تجيب معاگ فادي؛ عشان يختار بنفسه الاوضة بتاعته زي ما وعدته، وانا هعمله بنفسي شوية ديكورات كده علي ذوقي.
– عيوني يا قلبي حاضر، بس مفيش داعي تتعبي نفسك.
– مفيش تعب ولا حاجه انا وعدته اني هعملها بنفسي واختار معاه كل حاجة.
– ربنا ميحرمناش منك ياقلبي، ده من وقت ما بعت الشقة وكل يوم يسألني هنجيب اوضتي أمتى، وماما غزالة هتنقيها معايا ولا لأ؟
– يا حبيبي أكيد طبعا قوله ماما هتختار معاگ الاوضة والصور اللي هنعلقها واللعب وكل حاجة، حتى هدومه هختارها معاه، بس يارب بابا ميفلسش بسببنا.
تعالى صوت رنين ضحكاته ليهتز لها جدران قلبها فيشاركها في الصداح قائلا:
– اممم يعني ضاعت تحويشة عمرگ يا أمان على ايد غزالتگ وابنگ، ماشي يا ستي كل ما املگ تحت امركوا انتو الاثنين، بس انتي شاوري وانا البي.
– تسلملي حبيبي، بس ياريت بعد كده لما تتكلم عن فادي؛ تقول ابننا مش إبني، لاني حقيقي بعتبره زي ابني.
– اكيد يا غزالتي، مقصدش والله، ربنا وحده يعلم انتِ عملتي اية من ساعة ما ظهرتي في حياتنا احنا الاثنين، فادي بيعد الأيام اللي هنتجمع فيها، تخيلي بيقولي انه بقي مش حاسس بالنقص اللي كان بيحس بيه !!
– نقص اية؟
– انه محروم من انه ينطق كلمه ماما زي اصحابه في الحضانه.
تألمت أوتار وتينها وتعالى صوت صراخها وآنينها لمدى معاناة الطفل الصغير، ولمعت عيناها بسحابة من اللؤلؤ حزنًا عليه، ردت ببحه مليئة بالاسى:
– ربنا يقدرني اني اعوضة عن اي لحظة حرمان عاشها، واكون نعم الأم له يارب.
ابتسم لها بحب وفخر، ثم قال بنبره يملئها الثقة:
– انا واثق من ده يا غزالتي، ان ربنا مخلكيش في طريقنا صدفة ابدا، انما لهدف انگ تكوني احلى عوض لينا.
– مش انا بس يا أمان اللي عوض ليكوا، انت كمان كنت وما زالت أجمل وأحلى عوض ونصيب ربنا كافئني بيه.
التف ينظر على اخاها فلم يجده، تبسم وقال وهو ضامم يده بيديها هاتفًا بهمس معبرًا عن حبه:
– بحبگ اوي يا أجمل أقداري، وأحلى نصيب عوضتني بيه أيامي.
كادت ان ترد، لولا دلوف اخاها مقاطعًا حديثهما قائل:
– مش يالا بقى ياغزال اتأخرنا؟
نظرت له بأعتذار لعدم اجابتها، اومأ لها برضا، ثم انصرفوا كلا منهم لمبتغاه.
ومرت الأيام يوم يلو الاخر كلها تعب وإرهاق، فلم تغفو أعينهم إلا ساعات قليلة ينهضان لعملهما، ثم يجوبوا المحلات لشراء اثاث منزلهما، وكل ما تحتاج إليه من مشتروات، فقد كانت تشعر بفرحة عروس تتزوج للمره الأولى فالذي مضى من عمرها لم تحسبه، ولن تتذكره؛ فقد كان “أمان” بالنسبه لها أول فرحه حقيقية تسري بداخل اوصالها، كل شيء يمر معه يكون الأول والفريد من نوعه، رجولته الطاغية، خوفة وحبه الشديد الذي يغمرها به في كل ثانيه تكون بقربه او بعيده عنه، لا يكف عن احتواءه لها، فهو جميل حقًا شفتاه لا تقول إلا كل حرف يدخل السعادة بقلبها، حقًا كان لها نعمه العوض.
وبعد مرور شهر من التعب بمشاركة صديقتها “الاء” التي تحولت لاكثر من أخت لها، تم انتهاء كل شيء،
فقد كانت تحيا معهم لحظات قد مرت عليها منذ سنوات، والآن تجددت و ارتسمت صورتها أمام مقلتيها؛ حين كانت تشاهد الفرحه تتطاير من مقلتيهما مثلما كانت مع زوجها حين تنتقي اثاث منزلها، كانت نفس الأحداث كأنه فيلم سينمائي تكرر عرضه للتو أمام شاشه عيناها.. عيناها التي اظلمت نورها منذ رحيله من كثرة بكاءها عليه، فقد غاصت في بئر احزانها، ولا تريد الخروج منه، حرمت على روحها معنى الفرحه، ومحتها من قاموس حياتها، وأدت قلبها ودفنته بجوار حبيبها منتظره لحظة لقاءه، لتقول له بكل ثقة وحب انها حافظت على عهدها ولم تخونه في يوم، استفاقت مما عليه على صوت “غزال” تناديها لأخذ رأيها في بعض المفروشات، تحركت كالدميه بلا روح و وقفت مبديه رأيها محاولة رسم الابتسامة المزيفة التي اصبحت بارعه في رسمها.
اصرت “غزال” على مشاركة “فادي” في كل شيء، وكان سعيد جدا بمشاركتهما في الانتقاء بغرفته، فقد جعلتها “غزال” له جنة صغيرة يلهو ويلعب بداخلها ليقضي فيها اسعد أوقاته، من خلال الرسومات الكرتونية على الجدران، والتلفاز الخاص به لكي يلعب عليه بجهاز (البلاستيشن) الخاص به الذي يعشقه، ولا يغفى عليها مكبر السماعات وجهاز الكمبيوتر، احبت ان تسعده بكل ما لديها ومتوفر لها من إمكانيات حتى يكون سعيد.
دخل “فادي” عليها غرفته دون ان تأخذ بالها، ووجدها تنقش على الحائط لمساتها الأخيرة، كان يبصر كل أنش بالحجرة ويزيد انبهاره بجمالها، خصوصا كل الشخصيات الكرتونية المحببه إلى قلبه، فهي حقا تحبه من قلبها غمر قلبه السعادة والسرور وركض “فادي” سريعًا متوجها لباب الشقة ونزل مسرعًا حتى أن وصل إلى الشارع وظل يركض يبحث عن وسيلة مواصلات.
انهت “غزال” ما تفعله من رص كل شيء لتكون جاهزة لمبيته، وقفت تنظر إلى الغرفة بنظرات رضى وسعادة، رفعت صوتها منادية:
– فادي تعالى بسرعة خلصت، يلا تعالى قولي رأيك…. اخ منك طول ما معاك التليفون مش هتسمعني.
ادارت بجسدها وخرجت تبحث عنه؛ وجدت هاتفها ملقى على منضدة، وباب الشقه مفتوح على مصراعيه، جحظت عيناها وشعرت برجفه تسري بأوصالها فـ انتفض القلب رعبًا وهرب الدماء من جسدها، صكت صدرها وتصرخ بعلو صوتها:
– فاااادي.
توجهت نحو المصعد وبيد مرتعشه ضغطت على الزر لنزوله، ومن سوء الحظ كان المصعد معلق في الدور الاعلى، لم تستطع الانتظار فلابد ان تجده بأي طريقة حتى لو كان الثمن ان تفديه بروحها، لن تسمح بأن تجرب نيران الفقدان مره ثانية، نزلت درجات السلم بسرعة كبيرة جعلتها تقع على ظهرها خمس درجات، هبت واقفه بدون أن تشعر بأي شيء، فكل ما تريده ان تجد روحها التي فارقتها، أكملت ركضها وهي تصرخ حتى وصلت لباب البناية، كانت تركض كمن يطاردها وحش تريد الهروب منه بكل قوتها، حالتها ترسى لها، تكاد ادمعها تغرقها من كثرتها سقوطها، قابلها أمان الذي فزع من منظرها، أمسكها لتهدأ ويفهم منها ما حدث، لكنها كانت تحاول تفلت يدها وهي تبحث بعيناها بأنحاء الشارع بقلب يشعر بالفقدان للمره الثانيه كرر سؤاله للمره الثانية، فرددت بتلعثم وبكاء:
– فادي يا أمان… مش عارفة راح فين؟
وإلى هنا تنتهي احداثها عند هذا الحد لنتعرف غدا رد فعل امان هيكون اية؟
هل هيثور على اهمالها لابنه؟ ولا هيحتوي الموقف؟
وليه فادي ساب الشقة وكان عايز يروح فين؟
للإجابة على تلگ الأسئلة تابعوني في روايتي الجديدة المتواضعة
رواية حب في جزيرة مهجورة الفصل السادس 6 بقلم ايات عبد الرحمن