رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الثامن
_الفصـل الـثامـن_
بعد أن دلفت إلي المشفـي، قامت بالتوجه إلي غرفة والدها علي الفور..
رأتهُ لا يزال يرقد دون حِراك، تقدمت منه بخطواتٍ صامته ثم طبعت قُبلتين متفرقتين علي وجنتيه و خرجت من الغرفه لمقابلة الطبيب..
رن هاتفها فأجابت: أيوة يا أحمد إنتوا فين؟؟
أجابها “أحمد” متلهفًا: إحنا اللي فين؟! إنتي اللي فين يا آصال من أول اليوم إحنا هنتتجن عليكي..
تنهدت بتعب و هتفت: أنا كويسه متقلقش ، كنت عايزة أبقا لوحدي بس.
قال بإستهجان: كنتي عايزة تفضلي لوحدك؟! طيب كنتي ردي علينا يا آصال..
و أكمل بإنفعال غير معهود: كنتي ردي و قوليلنا عايزة أفضل لوحدي وبعدها اقفلي التليفون خاالص.. انا كنت رايح أعمل محضر تغيب وقالولي لازم يعدي ٢٤ ساعه الأول!!. وسيادتك شايفه الرنات والرسايل ومش مستعنيه حتي تطمنينا برساله..
_أحمد فـ….
=اقفلي يا آصـال لو سمحتي.. سلام.
أنهي المكالمه بحدة فعادت لتتصل بهِ من جديد لتجد هاتفهُ وقد أُغلق!
زفرت بإحباط ثم ذهبت إلي غرفة الطبيب و دلفت.
نهض الطبيب مصافحًا إياها و أشار لها بالجلوس ففعلت و من ثم بدأت حديثها فقالت: بابا أخباره إيه النهارده يا دكتور؟
إبتسم الطبيب بعمليه وقال: الحمد لله في نعمه.. كل شئ مستقر..
_وإمتا هيفوق من الغيبوبه؟! ده بقاله زياده عن أسبوعين!
= بصي يا آنسه آصال.. خليكي عارفه ان الغيبوبه ملهاش مده.. و خليكي صبوره و نفسك طويل.. متزهقيش عشان المريض كمان ميزهقش.. متنسيش إنه المفروض بيستمد منك الأمل و بيتمسك بالحياه عشانك دلوقتي.
أومأت بيأسٍ ظاهر فقال: إن شاء الله خير ، إدعي له إنتي بس وهو هيقوم بالسلامه إن شاء الله.
صافحته مره أخري وغادرت الغرفه لتتلقي إتصالًا من ” تميم” فأجابتهُ فورًا : أيوة يا تميم..
_إنتي فين؟! جيتي المستشفى ؟
=أيوة أنا هنا ،كنت بتكلم مع الدكتور..
_طيب أنا كنت بشتري شوية حاجات وراجع الاوتيل ،هاخد شاور وأغير وأرجعلك..
=لا لا استني، خدني في طريقك للبيت عشان أغير هدومي ، ثواني وخرجالك..
خرجت حيث ينتظرها ، فرأته يعتلي دراجةً بخاريه ، صعدت خلفه وهي تنظر بتعجب : بتاع مين ده؟
_بتاع واحد صاحبي خدته منه أروح مشاويري عليه بدل ما عمال أتنطط في التاكسيات كل شويه.. هتروحي عالبيت؟
=أيوة.
دعس مكابح الموتور و إنطلق به مسرعًا بين الطرقات.
_مقولتليش.. كنتي فين طول اليوم؟ ومشوار إيه اللي كنتي رايحاه متأخر كده؟!
تسائل بصوتٍ عالٍ حتي تتمكن من سماعه فأجابته بصخبٍ مماثل : روحت بلغت!
تباطئت سرعة الموتور قليلًا و تسائل مجددًا بإستنكار : بلغتي؟!
أجابتهُ ببساطةٍ حمقي: أيوة، أخيرًا اتشجعت وخدت خطوة صح..
لم يجيبها ، أسرع بدراجتهُ مرةً أخري بجنون حتي أنها تعجبت!
_تميم إنت بتسوق بسرعة كده ليه؟! هتموتنا..
لم يجيبها ، إستل هاتفهُ من جيبهِ ببطء و ألقاهُ أرضًا بخفه ثم أكمل طريقهِ تحت نظراتها المستهجنه..
_تميــــم.. هدّي السرعه شويه يا اما تنزلني.. مش ناقصه جنانك عالمسا…
رأتهُ ينحرف بدراجته يسارًا ، متجهًا بها نحو طريق مغاير..
دقائق من عدم الفهم و محاولة الإستيعاب كانت تفصلها عن توقف الدراجه البخاريه أمام منزلٍ متطرف بأحد الشوارع الجانبية و نزولهُ من أعلي الموتور وهو يسحب يداها بحدة قائلًا : إنزلي..
نظرت إليه بأعين مستفهمه مذعوره وقالت: أنزل فين؟! إنت جايبني هنا ليه؟!
هدر بها بقوة: إنزلـي بقوللك..
سحب يداها بكلتا يداه بعنف حتي كادت أن تسقط أرضًا و أمسك رسغيها بيدٍ واحده و سار للأمام ساحبًا إياها لداخل المبني قسرًا..
لا عجب إن قالت أنها الآن تعيش حاله من اللاوعي.
تسير خلفهُ وهي تطالعه بنظرات متعجبه، مستفهمه ، مستهجنه..
إختلطت الأمور كافةً ولم تستطع تفسير ما تمر بهِ الآن..
صعد درجات السُلّم ركضًا وهو يجرّها خلفهُ جرًّا لتنفلت صرخاتها أخيرًا وقد تداركت للتو بأنهُ هناك ثمة أمر لا ينذر بالخير..
لم يهتم لصراخها فتعالت صرخاتها أكثر و إزداد نحيبها و بكاؤها دون أية رد فعلٍ منهُ..
حاولت إفلات رسغيها من بين قبضته ولكن هيهات..
تمسكت بذلك القائم الحديدي الموجود بجانب الدَرج و لكنهُ كان أقوي منها بمراحل متقدمه فإنفلتت يداها من علي القائم ليترك أثره بمنتصف راحة يدها.. جُرحًا غائرًا يقطُر دمًا غزيرًا تساقط علي درجات السلم أثناء ركضها خلفهُ بفعلٍ منهُ.
توقف أمام بابٍ متهالك وقام بفتحهِ ثم سحبها للداخل عُنوةً و أغلق الباب خلفهما بقوة.
فك وثاق قبضتهُ من حول رسغيها فراحت تدلكهما بألم وقالت بنحيبٍ متقطع: إنت عايز مني إيه بالظبط؟! جايبني هنا ليه؟!
لم تحصل منه علي إجابةٍ قط و لكن شيئًا ما جذب أنظارها و جعلها تحملق حولها بأعين متسعه..
جميع الحوائط والجدران تحمل صورها..!
صورٌ قد إلتقطتها علي أزمنةٍ متفرقه و أخري قد إنمحت من ذاكرتها..
وبينما كانت تتفحص صورها بإندهاش كبّل يداها من الخلف فعاد إليها ذُعرها فقالت ببكاء: تميم إنت بتعمل إيه؟! إنت بتعمل معايا ليه كدا؟!
سحب مقعدًا خشبيًا وأجلسها قسرًا ثم قيّد قدماها و يداها بالمقعد بإحكام دون إبداء أي تعبير..
بعد أن إنتهي من تقييدها بالكرسي سحب آخَر و جلس عليه أمامها وقال بعصبيه : روحتي بلغتي هاا؟ مصممه تأذيني وأنا عمري ما فكرت في أذيتك..
إنعقد ما بين حاجبيها بتعجب و ضيقت عينيها بعدم فهم ثم قالت: أأذيك؟؟!! أنا مش فاهمه حاجه..
مسح وجهه بغضب وحكاتٍ عشوائية أثارت في نفسها الرعب ثم أخرج علبة سجائرهُ وأشعل واحدةً يدخنها بشراهه شديده..
قطبت جبينها بإستغراب لمّا رأت إرتجافة يديه و قدميه اللتان تهتزان بتوتر مفرط..
سحب نفسًا عميقًا من السيجارة و رأتهُ يسحب عُقبها من فمه ويحكم قبضته عليها بشده غير مبديًا أي إنفعال ثم ألقاها أرضًا..
بسط راحة يدهُ أمامها لتتسع عيناها بفزع وقالت: ايدك اتحرقت!!
إرتفعت ضحكاته وإقترب منها أكثر وقال بصوتٍ خفيض: مش ايدي اللي اتحرقت يا آصال.. قلبـي!
إزدردت ريقها بخوف تملكها فإستكمل ما بدأه حيث قال: قلبي اللي اتحرق بسببك.. ضيعت سنين شبابي كلها عشانك .. عشان أشوف في عينيكي نظرة حب واحده.. ضيعت فرص كتير عشانك ..فرص لو كنت استغليتها كان زماني في حته تانيه.. ضحيت كتير عشانك وفي الاخر لقيتك بتقوليلي انت اخويا…
فاض نهر عيناها وقالت: وأنا عمري ما حسستك بحاجه غير كده.. طول عمري بتعامل معاك انت و أحمد علي انكوا اخواتي.. عمري ما عشمتك بحاجه..
_بس كنتي عارفه اني بحبك..وكنتي عارفه ان احمد بيحبك.. وكنتي مبسوطه بلمتنا حواليكي وانتي عايشه دور النجمه اللي كل الناس نفسها تطولها وهي بتبص عليهم من فوق..
كانت تهز رأسها يمينًا و يسارًا بنفي وهي تنتحب بقهرٍ لو أحس بهِ لـ قَــ.ـتل حالهِ في التو..
_إنتي عارفه إنتي وصلتيني لإيه؟! أنا بقيت مريض نفسي بسببك!!.. أنا بقيت بتعالج عند دكاتره نفسيين.. النار كانت بتاكل قلبي وانتي عايشه حياتك وبتروحي وتيجي وتهزري وأنا اللي حياتي واقفه..
كانت علي شفا الإحساس بالشفقةِ تجاهه إلي أن أفحمها بقولهِ: كان لازم أوصلك للحاله اللي وصلت لها!..كان لازم تدوقي شويه من العذاب اللي عيشت فيه..
و أكمل بصوتٍ هامس : كان لازم أخليكي تتمني الموت زي ما اتمنيته.
أخرج سيجارةٍ أخري وبدأ بتدخينها وهو يسرد تفاصيل ما فعلهُ: كنت عارف انك مهووسه بالموضه والأزياء.. بس مكنتش عارف أنتقم منك ازاي.. جاتلي فكرة الاعلان الممول.. عملته و اقترحته لكل اللي تعرفيهم بحيث يظهرلك.. كنت متأكد انك هتقعي في الفخ!
ثواني ولقيتك بعتي رساله علي الرقم اللي في البوست.. بلعتي الطُعم ومشيتي ورا كلامي.. حاولت أبعد الشك عني فكنت بحدد الوقت اللي توصل لك فيه الرسايل في نفس الوقت اللي أكون معاكي فيه.. مكنتش أعرف اني هتكشف.. مكنتش أتوقع انك تبلغي عني..
تسرّب الهلع إلي فؤادها و سرت القشعريره بجسدها وهي تستمع إليه، حملقت بهِ بدهشه وتوقف عقلها عن التفكير..
_إنت!
تسائلت بغير تصديق لتري الإجابة جليةً في عينيه الحاقدتين فتسائلت مجددًا بحماقه: إنت يا تميم؟!
أجابها ببرود: اومال مفكره مين؟!
_شكيت في كل اللي حواليا ماعدا انت!!.. ده أنا بنت عمك!!
ضحك بإقتضاب ساخرًا فقالت:أنا مش مصدقه نفسي.
نهض بغتةً و وقف أمامها مباشرةً ثم خلع قميصه..
إبتلعت لعابها بخوف وقالت: إنت بتعمل ايه؟
لم يُجِبها ، أدار ظهرهُ لها وقال: صدقي.. صدقي يا آصال.. شايفه لدرجة ايه؟!
كانت تنظر إلي ذلك الوشم الذي يحمل صورتها و يملأ ظهره بأعين متسعه ، ألهذا الحد وصل هَوَسهُ بها؟!
_شايفه؟! وشمت صورتك علي جسمي من خمس سنين.. زي ما انتي اتوشمتي في قلبي..
و أدار ظهره لينظر إليها قائلًا: و الوشم مبيطلعش غير بالدم يا آصال.
هتفت ببكاء: يعني إيه؟! هتموتني؟!
إبتسم ساخرًا وقال: يا ريت كنت أقدر أعملها ، كنت عملتها من زمان..
و جلس علي مقعده مرةً أخري وقال: كل اللي قدرت اعمله اني اهددك بشوية صور لا راحت ولا جت.. مكنتش عايز منك فلوس ولا حتي كنت عايزك.. كل اللي كنت عايزه اني أأذيكي نفسيًا، أدمرك، أخليكي محطمه وكارهه الدنيا زيي.. صوت عياطك كان بيريحني.. الحيره و اللخبطه والخوف اللي كنتي عايشه فيهم دول اللي كنت عايش عليهم…
كلماتهُ كانت بمثابة صدمه قد رجت كل كيانها فأطبقت عيناها لكي تسترد أنفاسها..
_إنتي وصلتيني لإني أكرهك يا آصال.
و أكمل وقد إنحدرت دمعاته فوق خديه: وأنا مش عايز أكرهك..
دمعاتهُ ألهبت قلبها فقالت ببكاء مماثل: أنا أسفه.
نظر إليها بأعىن محتقنه بالدماء: مبقاش ينفع أسف يا آصال ، كان زمان.
هبّ واقفًا وذهب إلي المطبخ ثم أحضر مقصًا وعاد إليها لتنتابها حاله من الفزع و البكاء الهيستيري فقالت بأحرف متقطعه : تميم إنت هتعمل إيه.. عشان خاطري متموتنيش.. لو بتحبني…
قاطعها بحده وهو يمسك بفكها بقوه ويقول ضاغطًا أحرفهُ : بطلت أحبك يا آصال.. بطلت!
أمسك بشعرها بإحكام وهتف حانقًا: إثبتـي!
حاولت التملص من بين يديه ولكنه هدر بها بقوة: بقوللك اثبتي..
جذب رأسها للأسفل وهو يقف خلفها قبل أن يستمع إلي بكاؤها وهي تتوسله وتقول: تميـم.. مش عايزة أموت.. أرجوك!
لم يُجبها و إمتدت يداه وبها المقص وبدأ بقص شعرها بعشوائية عابثه وهو يتغنّي بلحنٍ غير مفهوم..
إنفطر قلبها و ذبلت عيناها من البكاء و أدركت للتو أنها أمام مريض نفسي حقًا.
توقف قليلًا وهو يرهف السمع إلي صوت رنين هاتفها ثم نزع حقيبتها من حول خصرها و أخرج منها الهاتف و ألقاه أرضًا وقام بتهشيمه بغِل بواسطة المقص الذي يحمله ثم ألقي المقص أرضًا إلي جانب الهاتف.
….
كان يجلس خلف مكتبه يحاول الإتصال بها مجددًا ، بدأ القلق يساورهُ بعد أن أُغلق هاتفها و شَعر بأن هناك ثمة خطب ما..
رن هاتفهُ فأجاب : أيوة يا رامز باشا.. والله أنا حاولت أوصل لها عشان أبلغهاااااا بس ..مش عارف.. تليفونها رن وبعدين اتقفل!
رامـز: احنا قدرنا نحدد مكان الشريحه لحد نقطه معينه وبعدها الاتصال اتقطع.. علي ما يبدو انه شك أو حس انه متراقب !!.. علي العموم احنا هنتحرك دلوقتي لاخر نقطه احنا قدرنا نرصدها وبعدها هنشوف ممكن نقدرنعمل ايه.
_طيب أنا نص ساعه بالظبط وهكون عند حضرتك..
إلتقط سترتهُ و أغراضه من علي المكتب وخرج مسرعًا ليصطدم بذاك المندفع قبل أن ينظر له شزرًا وقال: ياريت تفتح وانت ماشي..
نظر إليه معتز بصدمه مصطنعه وقال: ولد.. إنت إزاي تكلم معايا كده!!.. أنا معتز باشا يا حيوان..
ثم وضع كفه علي فمه وأردف : هه.. سوري يا رياض ..تقمصت الشخصيه زياده شويه..
نظر إليه رياض بغضب صامت وهو يجز علي أسنانه من فرط الغيظ فقال الآخر: انت بتعمل كده ليه؟! بتسنن ولا اي؟
زفر رياض بنفاذ صبر وقال: ابعد يا معتز دلوقتي مش فاضي لتفاهتك..
تسائل معتز بجديه: رايح فين احنا ورانا اجتماع!
أجابهُ وهو يخطو خطوات واسعه: احضره انت.
ركض خلفه وهو يقول : رياض اسمعني.. رياااض.. ارجوك انت لازم تسمعني.. رياض متعملش كده فياا يا ريااااض..
توقف “رياض” ناظرًا إليه بقوة وثبات وقال بغضب: بالله عليك انت ناوي تعقل امتا وتفهم ان احنا واقفين في شركه وسط موظفين.. ازاي عايز الموظفين يعملولك هيبه وقيمه وانت مهزأ كده!
أجاب حانقًا: يا عم بفرفشهم.. إنت متعرفش إن من أسس وقواعد الشركه الناجحه ان يكون في مدير جد و مدير هلاس..
_والله!!
أومأ بشده مؤكدًا: آاااااه.. ولما لقيتك جد خدت انا دور الهلاس.. ماهو بصراحه الهلس مكانش هيليق عليك بالمجانص دي بردو.
أومأ ريـاض بتهكم وقال: اه.. الهلس ليه ناسه.
_دي حقيقه.. مقولتليش بقاا اي المشوار اللي مخليك مش شايف قدامك كده..
تنهد الآخر بثقل مردفًا : حوار كده اتحطيت فيه بالصدفه ولازم اكمله.. لما ارجع هحكيلك.. سلام.
أمسك معتز برسغه وقال: لااا.. حوار من غيري ازاي يعني ..دنا تخصص حوارات اصلا.. بينا..
نظر إليه بتعجب وقال: رايح فين ؟
_ اشوف الحوار معاك..
هز رأسه بيأس وإنصرف مغادرًا ثم إستقل سيارته و أدار المحرك..
أطلّ معتز برأسه من زجاج السياره وهو يقول بصوت أنثوي: التجمع يسطاا؟
لم يسعهُ أمام ذلك المجنون سوي أن يضحك وقال: اركبي.
دلف معتز إلي السياره وقال: عايزك تحكيلي ايه الحوار بالظبط.. انا معرفش امشي كده علي عمايا..
أومأ ريـاض وقال: الحكايه وما فيها اني شوفت واحده كانت بتحاول تنتحر بسبب ان واحد بيبتزها بصور.. ولما اتكلمت معاها حاولت اقنعها انها تبلغ عنه وفعليا عملنا كده..
تسائل معتز: واحدة مين دي؟! إنت تعرفها؟!
_ولا عمري شوفتها.. المهم دلوقتي اني حاولت اوصل لها بس تليفونها اتقفل!!.. حاسس ان في حاجه حصلت..
قطب معتز جبينه بتعجب وقال: و ليه بتقول كده.. ما جايز تليفونها فاصل شحن مثلا او الرقم غلط من البدايه اصلاا..
_لا.. تليفونها رن وبعدين اتقفل..
مط الآخر شفتيه بإستغراب وقال: قصدك انها في خطر يعني ؟
_حاسس كده.. علي العموم خلينا نشوف رامز بيه هيوصل لإيه وبعدين نشوف حكاية تليفونها.
كان قد وصل للتو أمام مبني مديرية الأمن ،ترجلا من السياره و ذهبا لمصافحة ” رامز” الذي قال: دلوقتي هنتحرك للمكان اللي وصلنا له وان شاءالله نقدر نقبض عليه بسهوله..
………
أنهكها التعب و نال منها الإعياء فخبتت قوتها و إستكانت..
تجلس فوق المقعد بسكونٍ تام ، لا تتكلم ، لا تقاوم ، وحتي البكاء قد إمتنعت عنهُ.
نهض من مقعده وذهب إلى المطبخ ثم أحضر زجاجة مياه و عاد إليها ، توقف أمامها وهو يمد زجاجة المياه إلي فمها وهو يقول: اشربي!
لم تنتظر تكرار كلمتهُ و تجرعت الكثير من المياه حتي إرتوي ظمأها فقام برفع الزجاجه عن فمها و شرب منها ثم سكب ما تبقي منها فوق رأسهُ متعمدًا إثارة تعجبها و خوفها .
برز صوتها خافتًا بتعب وقالت: عايزة اروح التويلت..
أومأ موافقًا و فك وثاق قدميها و يديها ثم أشار لها بيديه وقال: اخر الطرقه.
أومأت بهدوء وهي تدلك يديها بألم ثم ذهبت إلي المغسل و أغلقت خلفها بحذر..
ظلت تبحث بعيناها في أرجاء ذلك الخلاء القديم عن شئ تستطيع الهرب بواسطته ولكنها لم تجد حتي وقعت عيناها علي ذلك الصنبور الحديدي المهترئ فقامت بنزعه ووقفت خلف الباب..
مرّ حوالي دقيقتان و دب الرعب في أوصالها عندما إستمعت إلي وقع خطواته يقترب منها وتوقف خلف الباب و ناداها قائلًا: آصــال!.. إنتي نمتي جوه؟! يلا خلصي..
لم يحصل منها علي إجابه فناداها مجددًا : آصــال!!!.
و إنتظر قليلًا ثم أردف بتوتر: أنا هدخل!
هُنا سحبت شهيقًا طويلًا ملأت بهِ رأتيهاا و حفزت خلايا جسدها جميعًا..
إنفرج الباب و دخل يبحث عنها بجنون فقامت بضربهِ خلف رأسهُ بالصنبور وخرجت من المغسل ركضًا..
أدارت مقبض الباب فلم ينفتح ، تذكرت أنهُ قد أغلق الباب مستخدمًا المفتاح قبل أن يُلقيه أرضًا فأخذت تبحث بعيناها بلهفه وخوف حتي وجدته ، إنحنت تلتقطه من الأرض و إستدارت لتتفاجأ بهِ يقف خلفها مباشرةً..
صرخت بفزع وتعثرت خطواتها فسقطت ، إقترب منها بنظرات مميته وقال: بردو مصممه تطلعي أسوأ ما عندي!
هتفت ببكاء: تميم.. عشان خاطري تسيبني أمشي..
حملها من الأرض و أجلسها علي الكرسي مجددًا و قيدها مرةً أخري وهو يقول بعصبيه : بتعملي معايا كده لييييه.. عملتلك إيه عشان تعملي فيا كده!!.. كل ده عشان حبيتك!! وانتي متستاهليش أصلاً..
صرخت به بإنفعال و عصبيه مماثله بعد أن فقدت الأمل في إستجدائه: انت اللي بتعمل فيا كده ليه.. كل ده عشان مش بحبك!!.. انت اللي متستاهلش يا تميم.. واحد مريض زيك ميستاهلش انه يتحب..
ثارت ثائرته و جن جنونه و نظر إليها بغضبٍ و حقدٍ دفين ، نظر حوله فوقعت عينهُ علي المقص فإلتقطتهُ فقالت : موتني يكون أرحم من اللي أنا فيه.. انت نجحت في اللي كنت عايز تعمله ووصلتني اني احاول انتحر عشان اخلص من العذاب اللي عيشتني فيه ،لكن للأسف محاولتي فشلت، اعملها انت يا تميم و اقتلني..
و كأنهُ لم يستمع إلي كل ما قالتهُ ، وقف خلفها وقام بقص سُترتها فصرخت بشده..
هدر بها صائحًا: اسكتي !
حاولت التملص ولكن يديه كانت أقوي..
_اثبتي بدل ما المقص يعورك..
إستدار و وقف أمامها وقام بقص السُتره من الأمام و نزعها عنها و إبتعد قليلًا يتفحصها بأعين قاتمه ثم ألقي المقص أرضًا وقال: كده حلو.. زي الصور بالظبط!
_ إنت حيوان.. مش مسامحاك يا تميم.. أنا بكرهك!!!
دلف إلي غرفته و عاد إليها ممسكًا بكاميرا ، رأته يستعد لتصويرها فقالت: انت هتعمل ايه؟! انت مجنون.. مجنون ولازم تتعالج..
ألقي الكاميرا إلي الأريكه الموجوده بجوارها بإهمال وتقدم منها ووقف أمامها وقال: مجنون اه.. اول مره تعرفي؟!.. مجنون بيكي..
إمتدت يداه يتلمس وجهها وهو يقول بنبره مهزوزة: مجنون بيكي يا آصال.. بحبك من اول ما عرفت يعني ايه حب.. عمري ما شوفت واحده غيرك ولا عيني شافت واحده غيرك.. عمري ما اتمنيت ألمس واحده غيرك يا آصـال..
أثارت لمستهُ وكلماتهُ إشمئزازها فـ نظرت إليه بإمتعاض ثم بصقت بوجهه بقوة..
جحظت عيناه بغضب لفعلتها ثم سدد إليها لكمةً جعلتها تفقد الوعي!.
…….
إصطفت السيارات إلي جانب الطريق و نزلوا منها و أمر ” رامز” معاونيه بالبحث في كل مكان حتي العثور علي أي دليل..
كان “رياض” يتفحص المكان من حوله بإمعان و بخاطرهِ تدور أمورً كثيره ، بينما ذهب معتز للبحث برفقتهم..
_في تليفون أهو!
نطق بها معتز بحماس و إلتقطه علي الفور ثم تقدم منهم قاطبًا الجبين بتعجب وقال: ده تليفون بزراير!!
تناولهُ ” الظابط رامز” وفحصهُ ثم قال: ده التليفون بتاع المتهم!! اكيد عرف انه متراقب عشان كده اتخلص منه!! واضح اننا قدام شخص مش سهل ابداا..
تحدث رياض بيأس: طيب والعمل؟
زم الظابط شفتيه وقال بحيرة: مهما كان الموضوع صعب بس مش مستحيل ان شاءالله.. في خلال ٤٨ ساعه هنقدر نرصده..
غادر الجميع كلًا إلي سيارته و بينما كان رياض و معتز يجلسان في السياره قال معتز: اشمعنا شاغل نفسك بالموضوع ده يعني؟! بتحاول تثبت لنفسك ايه يا رياض؟!
تملص الآخر من الإجابه وقال: واحده محتاجه مساعده وبساعدها.. لا في دماغي حاجه ولا بحاول أثبت لنفسي حاجه..
ثم أكمل وقال: و ادي انت بنفسك شوفت.. حبال المباحث طويله ومقدرناش نوصل لحاجه..
تسائل معتز: بتفكر في إيه دلوقتي ؟
لم يُجِبه بل أخرج هاتفه وأعاد الاتصال بها فزم شفتيه بيأس وقال: انا حاسس ان لو وصلنا لمكانها هنقدر نوصل للمتهم..
ضيق ما بين حاجبيه وقال: مش فاهم، و ايه اللي هيجمعهم ببعض؟! يكون عرف انها بلغت وخطفها مثلا؟!
أومأ ريـاض بتأكيد وقال: ايوة احتمال كبير..
_ويمكن مجرد تخمين!
هز رياض رأسه بإقتناع: جايز بردو.. بس خلينا نمشي ورا الاحتمالات الاول..
_يعني؟!
= لسه معاك رقم صاحبك ده بتاع الهاكينج وشغل الموبايلات؟!
_تقصد جمال بتاع العجوزة؟
=ايوة هو.. لو بعتناله الرقم هيعرف يرصد مكانها.. كلمه خليه يجيلنا..
إبتسم ساخرًا وقال: وافرض قاعده في بيتهم وقافله التليفون.. هتروحلها البيت تقولها ايه؟
_يا أخي متبقاش بارد.. كلمه بس.
قام معتز بالإتصال إلي صديقه المدعو “جمال” و شرح لهُ الأمر و طلب منه الحضور إليهم..
بعد مرور ربع ساعة كان ‘جمال’ قد وصل إليهم و ركب برفقتهم السياره..
بدأ بتتبع الرقم ثم قال : الحمدلله رصدت مكان التليفون، في شارع الميدان..
تحدث رياض وقد تسرب الأمل قليلًا إليه: يعني مش بعيد من هنا..عال أوي.. يلا بينا.
أدار محرك السياره وإنطلق في طريقه إلي ذلك الموق و بعد مرور قرابة النصف ساعة كانوا قد وصلوا للمكان المحدد.
تحدث جمال وقال: الاشاره يمين..
نظروا جميعهم إلي المباني التي تقع علي يمينهم فقال : لازم ننزل ونشوف الاشاره هتقوي فين وهتضعف فين و عليه هنقدر نحدد النقطه الاقرب لمكان وجود التليفون..
نزلوا من السياره و تقدموا للأمام حتي قال جمال: التليفون هنا.. في البيت ده..
أطلق “رياض” لساقيه الريح وسبقهم متخذًا سبيله إلي الأعلي ركضًا و كلما تقدم إزداد يقينه بأن حدسه لم يخطئ .. إنها تجابه الخطر حقًا!
نظرإلي قطرات الدم التي تملأ أماكن متفرقة من الدرج و توقفت أمام ذلك الباب المتهالك فتوقف قليلًا يحسم موقفه ثم دق الباب بقوة..
ثوانٍ و برز صوت “تميم” من خلف الباب يقول: مين؟!
لم يحصل علي رد ففتح الباب قليلاً ونظر إلي ” رياض” بتعجب وقال: مين حضرتك ؟
تحدث رياض بثبات: لو سمحت ده بيت آنسه آصـال؟
إبتلع الآخر لعابه بتوتر ومسح علي رأسه و وجهه وقال: لأ مش بيتها.. عن اذنك.
أغلق الباب بغتةً ليتفاجأ بهِ وقد دفع الباب بقوة و دلف يبحث بعينيه عنها قبل أن ينفرج فاه بصدمه وقهر عندما رأي حالتها..
سدد إليه لكمانٍ متعدده جعلته يترنح ويسقط أرضًا قبل أن يستمع إلي صوت “معتز” وبرفقته “جمال” فقال بصوتٍ صارم : معتز خليك عندك..
وقف أمامها وهو يدير ظهره لها وتحدث إلي معتز وقال: اخرج لو سمحت.
_في ايه يا رياض ؟! مالها ؟!
أجابه بإنفعال: بقوللك اخرج انت مبتفهمش!
خرج معتز من الشقه فقام رياض بخلع قميصه و ألبسها إياه وهي لا تزال فاقدةً للوعي وقام بحملها وخرج من الشقه تحت أنظار “معتز” المصدومه المذهوله الذي شعر وكأن أحدهم قام بطعنهِ بسكينٍ حاد..
تحدث “رياض” وهو ينزل بها درجات السلم بحذر: كتفوه قبل ما يفوق و اطلبوا البوليس ، وبلغ رامز بيه.. انا هاخدها عالمستشفي.
لم ينطق “معتز” بكلمه فهدر به رياض بقوة: معتز سامعني؟!
أومأ بشرود فكرر كلماته مرةً أخري : كتفه انت وجمال واطلبوا البوليس.. انا هوديها المستشفي وهرجعلك تاني.. اتحرك!!
ركض وهو يحملها للأسفل وقام بوضعها بالمقعد الخلفي بحرص و إنطلق بسيارته نحو المشفي وهو يقول : مش عارف ايه حكايتك معايا!!
……
بَرَهوت “وادي الأحقاف”