_الفصـل الثانـي والثلاثــون_
إستيقظت آصال من نومها .. بل إن صح القول فهي لم تَذُق طعم الكري ولم يكحل النعاس لها جفنًا.
قضت ليلتها تتقلب يمينًا ويسارًا وعقلها يفتك به الضجيج وتهلكه الفوضي والتفكير المميت..
إستمعت إلي صوت هاتفها مسفرًا عن وصول إتصال من رياض فأجابته بهدوء ليصلها صوته الحاني العذب وهو يقول: آخر يوم من غير حضنك.. أخيرااا.
تبسّمت بفرحه وحب وأردفت: ريااض أنا بحبك جداااااااا..
ضغطت كلماتها بشده كتوكيد له وأردفت: مش متخيله إن كلها ساعات وهنتجوز!!!!
ضحك بحماسةٍ مماثله وأردف: مش عايزك تتخيلي.. كل شئ هيبقاا حقيقه من هنا ورايح .
_إن شاءالله.
=بإذن الله ياا حبيبي.. يلا إجهزي كده وأنا قدامي بالظبط نص ساعه وأكون عندك.. تمام؟
_تمام ماشي.. يلا مع السلامه.
………
توقفت السياره أمام الفندق الذي سيُقام به حفل الزفـاف، نظرت آصال إلي رياض و سحبت شهيقًا طويلًا فقال مبتسمًا: جاهزه؟
هزت رأسها تباعًا بتأكيد فقال وهو يمسك بيديها: مش عايزك تتوتري خاالص.. إن شاء الله اليوم هيعدي بسرعه وكل حاجه هتبقا تمام.. تمام؟
_إن شاء الله.
رفع كلتا يديها إلي شفتيه و قبّلهما ثم نظر إليها مبتسمًا وصمت قليلًا وهو يتفحص وجهها بدقه، يجوب بعينيه داخل تفاصيل وحهها وملامحها المميزه التي إرتسمت بعقله وداخل قلبه ثم قال: أنا فرحان جداا يا آصال.. متتخيليش فرحتي بيكي شكلها إيه.
_وأنا خايفه و متوتره جدااا.. قالتها وهي تقاوم كي لا تنهال دمعاتها علي خديها فإقترب منها أكثر وهو يقول: تعالـي..
إجتذبها نحو أحضانه حيث غمرها بقوه وحب وهو يمسد رأسها بيديه وهو يقول: متقلقيش من أي حاجه.. فكري بس فينا إحنا.. أنا وإنتي.. وإنسي أي حاجه مسببالِك قلق او توتر.. خلاص؟
شعر بإيماءتها وهي تعانقه بقوه ليبتعد عنها قليلًا ثم طبع قبلةً مطمئنه علي جبينها وقال: يلاا؟
أومأت أن نعم بصمت ليترجل من السياره ثم إستدار للجانب الآخر وفتح باب السياره فنزلت بدورها وهي تطالعه بإبتسامه مهزوزه..
مد لها يده فأخبأت كفها الضئيل بداخل كف يده الذي إحتواها و سارا سويًا إلي الداخل.
_ دلوقتي هنطلع الـ suite تاخدي راحتك خاالص و تروقي كداا وبعدها الـ crew بتاع البنات المسئوله بقاا عن الميكب والكلام ده هيكونوا عندك.. رقيه أكيد هتبقا معاكي، وأنا معاكي في كل دقيقه وكل ثانيه لو إحتاجتي حاجه كلميني فورا.. إتفقنا؟
نظرت إليه وتنهدت بتوجس ليقول: مالك طيب؟
_ متوتره جدااا.. حاسه إني عايزه أعيط!
سالت دمعاتها علي جانب خديها بالفعل ليزيلها بيديه سريعًا وهو يقول: ولا يهمك يا روحي.. إنتي لما تلاقي رقيه معاكي والبنات هتنسي القلق والتوتر ده و تنشغلي معاهم..
ثم أمسك يديها يضغط عليها برفق بين يديه مردفًا: آصـال، مش عايزين اي حاجه تبوظ اليوم.. خدي وقتك كده وإهدي خاالص وبعدها تبدأوا.
أومأت بإستجابه لحديثه ليقول: خلاص؟
_أوك..
صعدا إلي الغرفه الخاصه بها ومن ثم ودعها ثم إنصرف ليتقابل مع رقيه بالأسفل التي قابلته بإبتسامه وقالت: مبروك يا مستر رياض، ربنا يتمم بخير..
_ربنا يبارك فيكي يا رقيه.. عقبالكوا إن شاء الله.
= آصال فوق؟
_أيوة لسه واصلين حالا، من فضلك يا رقيه خلي بالك منها..
=من غير ما تقول طبعا، في عنيا.. عن إذنك..
_متشكر جداا.. إتفضلي.
إتجه هو نحو الخارج وإنطلق بسيارته نحو الشركه، صعد للأعلي متجهًا نحو مكتبه ليتلاقي مع معتز الذي طالعه بإستغراب وقال: إيه اللي جايبك؟
_جاي أظبط كام حاجه عشان الإجتماع بتاع بكره اللي هتحضروه إنت ومراد.
غمزهُ معتز مردفًا: أيوة يا عم.. إنت تهيص وإحنا يطلع عين أبونا هنا.
نظر إليه رياض بحنق وقال: أهو أنا مش متفائل بسبب القرّ بتاعك ده! عامةً كلها أسبوع وهرجع اكمل شغل.. متقلقش يا بومه.
_بومه! يسلااااااام.. الشتيمه ليها طعم تاني وإنت فرحان بردو!
ضحك رياض وهو يتطلع نحوه ثم تقدم منه وإحتضنه دون أي مقدمات.
_جرا إيه يا عم إنت بتعمل بروڤا ولا إيه ؟ .. تسائل معتز ساخرًا بينما تحدث رياض قائلا بصدق: معتز أنا متشكر جداا علي كل حاجه عملتها وبتعملها عشاني.. أنا عمري ما هلاقي صاحب زيك.
إبتعد عنه معتز مردفًا بمزاح يحاول إخفاء تأثرهُ به: جرا إيه يا رياض إنت بقيت ذو خلق كده إمتا؟ هما اللي بيتجوزوا بيبقوا كده؟! وبعدين إنت مش صاحبي يا رياض.. إنت أخويا وأبويا كمان.. أنا مليش حد غيرك في الدنيا..
وتابع بصوتٍ مهزوز: وبعدين مالك قلبتها غم كده ليه، هي ناقصه! يلاا شوف حاالك كده وأنا كمان هخلص كذا حاجه في المكتب وبعدها نروح بقاا نشهيص نفسناا.. چاكوزي ومساچ ودلع.
هز رياض رأسه دون أن يعقّب ثم توجه نحو مكتبه وبدأ ينجز ما حضر من أجله.
…….
كانت الفتيات قد إنتهين لتوّهن من تجميل العروس التي كانت تُبصر إنعكاس صورتها بالمرآه التي تمسكها بيديها ونظرت إليهن وقالت: بجد ميرسي جداا..
ونظرت إلي رقيه وهزت رأسها بتساؤل صامت لتقترب منها رقيه وهي تطالعها بحب وإعجاب وتأثر في آنٍ واحد ثم قالت: زي القمر ياا روحي.. جميله اووي يا آصال بسم الله ماشاء الله.
نظرت إليها آصال بعينان تمتزج فيهما الفرحه بالقلق وعادت تنظر إلي هيئتها في المرآه بفرحه ثم قالت: فين تليفوني؟
_هتعملي إيه؟!
=هبعت صوره لرياض..
نظرت إليها رقيه بتعجب وأردفت: إنتي مجنونه؟! مينفعش طبعًا.. إيه مسمعتيش عن حاجه إسمها firest look !!
=أيوة صح.. خلاص مش هبعتله حاجه.. طيب قوليلي شكلي حلو بجد ؟
إقتربت منها رقيه وهي تضحك وإحتضنتها ثم قالت: أحلي واحده في الكون كله بجد..
فرّق عناقهما صوت طرقات علي باب الغرفه لتقول رقيه وهي تتجه نحو الباب: أكيد الفستان.
فتحت الباب وتناولت الفستان الخاص بآصال ثم ذهبت برفقتها لتساعدها في إرتدائه..
…..
كانت تدور حول نفسها بفرح وسعاده وهي تطالع هيئتها الملائكيه بعد أن إرتدت فستان زفافها ذو التصميم الراقي والذي يتزين بالألماس، ثم توقفت هنيهه وهي تحاول تنظيم أنفاسها المضطربة ووقفت أمام المرآه وثبتت ناظريها علي صورتها المقابله لها وشردت بعيدًا.. نحو عشرون عامًا مضوْا.
حينما كانت طفله، تدور حول نفسها بردائها الجديد وهي تنظر إلي المرآه بإعجاب.. تتصنع الدلال والغنج حتي تُثني عليها والدتها أو يمنحها والدها إطراءً..
والدتها التي تمنت كثيرًا أن تعيش حتي ذلك اليوم، حتي تراها بأبهي طلّاتها، وتذرف دموع الفرح من أجلها و توصي زوجها بأن يعاملها بالحب و اللين .
و كم تمنت هي أن تكون والدتها برفقتها اليوم.. تربت عليها، تطمئنها وتخبرها بأنها جميله للغايه.
_آصـــال.. سرحتي فين؟
نفضت رأسها وهي تحاول مهاجمة تلك الذكريات المريره ونظرت إليها ورسمت إبتسامة عذبه علي شفتيها ثم قالت: ولا حاجه..
_طيب يلا عشان تجهزي مش فاضل وقت.. لسه ساعه بالظبط..
…….
في أقل من نصف الساعه كانت قد إكتملت إطلالتها الساحره وراحت تتأمل نفسها بفرحه وقد غمرتها السعاده وفاضت من عيونها..
إستمعت إلي طرقاتٍ علي باب الغرفه فإستدارت تنظرنحو الباب بتلهف لرؤية الطارق الذي تعلم هويته جيدًا.
دلف والدها متأنقًا.. يرتدي حلّةً سمراء تناسب شخصيته الوقوره الراقيه كثيرًا.
نهضت علي الفور عندما رأته وأسرعت نحوه بينما إستقبلها هو بذراعين مبسوطتين علي آخرهما..
إحتضنته بفرحه وحب وبادلها الإحتضان رابتًا علي ظهرها بفرحه وقد لمعت عيناه بالحزن والفرحه في آنٍ واحد ثم قال: ألف مبروك يا حبيبتي.
_الله يبارك فيك يا بابا.. ربنا يخليك ليا.
أبعدها عنه قليلًا وهو يطالعها بنظرات فاض منها الحنين وقال: ربنا يفرحك يا بنتي.. كبرتي يا آصال والنهارده فرحك!! العمر جري بسرعه أوي يا حبيبة أبوكي.
خانتها دمعاتها وهي تطالعه بتأثر ليقول بصوت مختنق: لالالا.. مش هينفع نعيط دلوقتي خاالص.. أنا خلاص مش هقول الكلام اللي بيخليكي تعيطي ده.. أنا خارج عشان تخلصي..
أومأت ولم تتخلي عن إبتسامتها المتألقه ليغادر الغرفه وفور أن أغلق الباب إنهال الدمع من عيناه.
صغيرته، طفلته، وحيدته، مهجة فؤاده و أُنس أيامه تصبح اليوم عروسًا! تغادره وتغادر مسكنها وبيت طفولتها وأحلامها وتنتقل إلي آخر لتعمره بحبها وحيويتها ودلالها.
تمنح آخرًا الحب و تهِبَه الحياه التي حتمًا ستنتزعها من بيت والدها بمجرد مغادرتها إياه.
جفف وجهه من آثار دمعاته ثم نزل للأسفل ليتابع الحفل ويرحب بالضيوف الذين يجلسون في إنتظار العروسين.
………
_معتز إيه رأيـ…. بتر رياض كلماته وأكمل بأخري: إيه ده!! إنت لسه ملبستش!!
زفر الآخر بحيره وهو يقف أمام تلك الحقيبه التي تحوي العديد من بدلاته وقال: الحقيقه أنا حيران جداا.. مش لو كنت جبت القميص السيلڤر كان أحسن..
_هو إنت مفيش عندك غير القميص السيلڤر؟! وبعدين إنت مش لسه مشتري بدله إمبارح؟! وإيه كل البدل دي!!! ده أنا العريس ومش عامل كده!
حك مؤخرة رأسه بتفكير وأردف: خلاص يبقا هلبس البدله اللي إشتريتها إمبارح وأمري لله.. إيه ده إنت لبست!! ده إيه السرعه في الأداء دي!
أردف رياض وهو يعقد ربطة عنقه أمام المرآه: اومال إنت مفكرني زيك.. المفروض تكون حضرتك في القاعه بتستقبل الضيوف دلوقتي.
_ ماهو مراد تحت متشغلش دماغك انت.. شكلك بالبدله دي شبه “جيرارد بتلر ” شويه.. بس هو عينيه لونها فيراني كده..
نظر إليه رياض بملل مردفًا بنفاذ صبر وقال: معتز.. ياريت تنجز.. أنا خلاص خلصت وهروح لآصال.. لازم إنت تسبقني.
_متقلقش.. هوب كنتلوب أكون جهزت ومستنيك تحت.
غادر رياض غرفته متجهًا إلي غرفة آصال، طرق الباب لينفرج وظهرت من خلفه رقيه التي قابلته بإبتسامه ثم تنحت جانبًا ليدلف رياض إلي الداخل..
كانت تقف بمنتصف الغرفه تمامًا ؛ حيث إستحوذ فستانها علي بقعةٍ كبيره من أرض الغرفه، يديها إلي جوارها تنتظران أن تمسدان چيدهِ بشوقٍ وحنان.
طالعتهُ بإبتسامةٍ مشرقه تتفحص علائم وجهه المبهمه التي لم تستطع تفسيرها علي الاطلاق.
…
كان مسحورًا ، مسلوب العقل والقوي ، تحسبهُ أبلهًا أو ما شابه.. ولكنه في الحقيقة كان قد أُخِذ بجمالها وإنتهي الأمر.
تقدم منها كمن يتسابق مع الزمن ثم إحتضنها بقوه حتي كادت عظامها أن تُسحق من شدة ضمه لها.
أغمضت عينيها تجاهد كي لا تتساقط دمعاتها اللعينات وتفسد زينتها بينما كانت تتشبث به بقوه و يداها تأبي إفلاته.
_ يلاا يا جماعه مش وقته! .. صاح بها معتز الذي داهم الغرفه فجأةً غافلًا عن تلك الملاك خاصته والتي كانت تنتظر أن ينتبه إليها حتي تتبين مدي إعجابه بها.
_ علي طول متأخرين كده! الناس زهقت تحت!! أضاف متصنعًا الجدّيه وهو يهز رأسه بحنق ليلمح بطرف عيناه تلك الحوريه التي تجاوره فنظر إليها وتسائل ببلاهه: إنتي مين؟
إرتفع حاجبها مردفه بغيظ: والله!!
_رقيه!! إيه الحلاوه دي يخربيت عقلك!!
أمسك بيمناها ورفعها للأعلي قليلًا لتستدير بين يديه بخفه بينما أطلق هو صفيرًا معجبًا وقال: مصممه كل مره تبهريني كده!
_شكلي حلو؟! تسائلت وهي تنظر إليه بتركيز تستشف صدقه بينما أردف هو بصدقٍ خالص: جميله يا روحي.. أجمل واحده شافتها عيني.
إتسعت إبتسامتها بحب وتأبطت ذراعه ثم تقدما سويًا نحو الخارج وهو يتحدث إلي رياض قائلًا: إخلص يا عم روميو مش وقتك!
كانا يتبادلان النظرات الصامته، فقط الفرحه والشوق هما من تنطق أعينهما بهما، دقات قلبيهما تتلاحق بعنف وقوه وكأنهما في سباقٍ مهلك.
إلتقط كفها ورفعه إلى فمه مقبلًا إياه ثم ندر إلي عينيها مبتسمًا بسرور وقال: أخيرًا.. كلها لحظات وتبقي مراتي!
أومأت بتأييد وعيناها تلتمعان بحماس وتأثر لينتقل من أمامها إلي جوارها ثم ثني ذراعه إلي صدره ليقاطع ذراعها ذراعه وإنطلقا خارج الغرفه.
…..
نزلا إلي الأسفل ليقابلهما الحضور جميعًا بتصفيقٍ حار مرحبين بهما ومن بعدها أعلن منسـق الحفـل عن وصول المأذون ليجتمع كلًا من رياض ومهدي وبجواره آصال..
وضع رياض قبضته في قبضة مهدي و أسند المأذون قبضته عليهما و أردف في الميكروفون قائلًا بصوتٍ عذب: ربنا سبحانه وتعالي قال في كتابه العزيز:_ ” وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أزوَاچًا لِتَسكُنوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً”.. كما تعلمون أيها الأحباب أن الزواج أساس بناء الأسره و حفظ النوع الإنساني وهو ما شرّعهُ الإسلام من آداب وأحكام هو السبيل الأقوم للسعاده.. والزواج من سنن الأنبياء والمرسلين.. لذا .. وبفضل الله نعقد اليوم قران إثنين من أبنائنا ونسأل الله لهما التوفيق..
إلتفت المأذون برأسه نحو رياض و ردد بنبرته الوقوره: من فضلك ردد ورائي..
أومأ رياض موافقًا وتمتم بحماس وفرحه: حاضر.
تنحنح المأذون بصوتٍ ثابت وقال: أنا رياض عبدالرحمن المسلماني قد إستخرتُ الله ، وأطلب منك أن تزوجني إبنتك الآنسه آصـال المهدي مكرّم البِكر الرشيد علي سنة الله ورسوله ، وعلي الصداق المسمي بيننا.
أخذ رياض نفسًا عميقًا ، و زفره علي عجاله ثم قال مرددًا بهدوء نسبي وهو ينظر إلي مهدي : أنا رياض عبدالرحمن المسلماني قد إستخرتُ الله ، وأطلب منك أن تزوجني إبنتك الآنسه آصـال المهدي مكرّم البِكر الرشيد علي سنة الله ورسوله.
حينها إلتفت المأذون إلي مهدي وقال: من فضلك يا أستاذ ردد ورائي.. وأنا إستخرتُ الله و زوجتُكَ موكلتي الآنسه آصـال المهدي مكرّم البِكر الرشيد علي كتاب الله وسنة رسوله..
إرتجفت قبضة مهدي وإرتجف صوته وهو يردد : وأنا إستخرتُ الله و زوجتُكَ موكلتي الآنسه آصـال المهدي مكرّم البِكر الرشيد علي كتاب الله وسنة رسوله..
حينها نزع المأذون قبضته من فوق قبضتيهما مرددًا: علي بركــة الله.. بالرفاء والبنين إن شاء الله.
……
تعالت الزغاريد بعد إنتهاء مراسم عقد القران ثم إرتفع صوت تلك الموسيقي الساحره وبدأت تلك الكلمات الرومانسيه تتردد من حولهما وقد إستعدا ليرقصا سويًا علي تلك الأنغام الحالمه.
وقفا مقابلان لبعضهما البعض فإمتدت يديه تحيط خصرها بينما أحاطت عنقه بيديها وبدأا يتراقصان وهما ينظران كلاً منهما بعين الآخر دون أن يحيد ببصره بعيدًا وكأنه لا يوجد بالكون سواهما.
أجمل نساء الدنيا جوة عيوني إنت
أجمل نساء الدنيا إنت يا حبيبتي
كان يردد كلمات الأغنيه الذي صدح صوتها عاليًا من حولهما وهو ينظر إليها بعينان مبتسمتان تنطقان بالحب..
أجمل نساء الدنيا جوة عيوني إنت
أجمل نساء الدنيا إنت يا حبيبتي
خدني الغرااااام ..خذني لحكاية حب حلوة
عشت ليها.. شفت فيها أجمل حيااااااة
قرٌبها منه أكثر حتي تسنّي له أن يستند بذقنه إلي أعلي رأسها بينما كانت يداها تحيطانه بتملك وحب..
أنا مش مصدق نفسي إنك بين إيديّ
من يوم ما حبك خذني مش بتنام عينيّ
جوايا شوووق .. قد الحنان اللي في عينيك
روحي فيك .. نظرة ليك هي الحيااااة
سارت الرجفة بقلبيهما وجسديهما من أثر تلك الكلمات التي تجسدت علي إحساسهما تمامًا لتنظر هي إليه بداخل عينيه مباشرةً وهي تردد تلك الكلمات معه وعيناهما تفيض بالحماس و الشوق المطنب..
أجمل نساء الدنيا في عينيّ أنا
قدرت تخذني في ثانية من روحي أنا
وعد مني ما حب غيرك في الوجود
إحساس جميل جوايا أكبر من الغرام
واللي ما بيني وبينك أكبر من الكلام
إحساس جديد خذنا لبعيد مالوش حدود
إحساس جميل جوايا أكبر من الغرام
واللي ما بيني وبينك أكبر من الكلام
إحساس جديد خذنا لبعيد مالوش حدود
يا أجمل من كل النساااااء….
هنا توقفا مع إنتهاء كلمات الأغنيه وتوقف الموسيقي الذي صاحبهما تصفيق الحضور عاليًا لترتفع من بعدها الأغاني المبهجه لأحد المطربين و أضاف الحاضرين جوًا من الحماسه والمرح حيث بدأوا يتفاعلون مع الأغاني ويتراقصون علي أنغامها المبهجه..
كان معتز ورقيه يشاركان تلك الأجواء الحماسيه ويتراقصان بفرحه و إنضم إليهم مراد الذي أضاف المزيد من البهجه والفرحه ..
إقترب معتز من رقيه وتحدث أمام أذنها مباشرةً وقال بصوتٍ مرتفع نظرًا للجو الصاخب من حوله: عقبالناا يا رقووووش..
نظرت إليه قاطبة الجبين وهي تقول بصوت مرتفع مماثل : مش سامعه.. بتقول إيـــه؟؟
_بقوللك….. إسماعيـل عوده!!!!!
نطق بالأخيره فاغرًا فاه وهو يصوب ناظريه تجاه ذلك الكهل الذي دلف لتوّه من باب القاعــه متكئًا علي عصاه المرصعه بالذهب ثم توقف يطالع المكان من حوله بتريث إلي أن وجد وجهته المنشوده.
…….
أسرع معتز يتوجه نحو رياض تبعته رقيه وهي لا تعلم ماذا دهاه ولكنها فعلت.
إجتذب معتز رياض من جوار عروسهِ تحت أنظارها المترقبه وتحدث إليه بقلق بالغ: إسماعيل عوده هناا..
تسائل الآخر ببلاهه قائلًا: هنا فين؟!
_هيكون هنا فين يعني! هنا في الفرح.
بتر كلًا منهما حديثه عندما لفت إنتباههم تقدم إسماعيل عوده من مهدي فنظر كلًا من معتز ورياض لبعضهما البعض وقد جال بخاطرهم نفس الخاطر سويًا.
دنا رياض يتبعهُ معتز من إسماعيل الذي يقف مقابل مهدي ويقول: ألف ألف مبروك مهدي بيه..
نظر إليه مهدي بتريث محاولًا سبر أغواره ثم تحدث بنبره ذات ثبات وقال: أنا مش بيه.. إسمي أستاذ مهدي، أهلا بحضرتك شرفتنا.
قهقه الآخر بضحكاتٍ رنانه أثارت النفور في صدور المحيطين وأردف: ده شرف كبير ليا أنا ياا أستاذ مهدي.
حانت منه نظره متفحصه إلي رياض الذي يقف إلي جوارهم ودقات قلبه تكاد تُسمع من قوة إرتفاعها وتلاحقها ثم قال: أهلا أهلا أهلا.. ألف مبروك يا عريس.. إن شاء الله جوازة العمر..
وأردف متهكمًا: مش بيقولوا كده ولا إيه؟!
تجاهل رياض حديثه الساخر ونظر إلي مهدي الذي ينتظر فهم ما يحدث وقال: إسماعيل عوده.. جد زهره.
هكذا ألقي إليهم رياض بإقتضاب لم يتفهمه مهدي ولكنه قال بإبتسامه ودوده: أهلا وسهلا بحضرتك.. عقبال ما تفرح بالأميره الصغيره إن شاء الله.
نظر إسماعيل إلي رياض الذي يطالعه بترقب وتحذير مبطن ثم قال: أكيـــد.. الحقيقه من الأمانه إني أقولك إن باشمهندس رياض مش هتلاقي زيه زوج لبنتك الوحيده.
أومأ مهدي ولا يزال علي وجهه علائم الترقب وقال : بدون شك طبعا.
هز الأخير رأسه بتريث وصمت لعدة ثواني يتلذذ بالقلق والخوف والترقب في أعين المحيطين به ثم قال وهو يشخص بصره نحو مهدي: و يا تري حضرتك سألت علي البشمهندس قبل ما تخطب بنتك ليه؟
إنزوي ما بين حاجبيّ مهدي وهو يحاول فهم المغزي من خلف سؤاله بينما إزدرد رباض لعابه بتوجس وقد أدرك ما سيحدث في اللحظه التاليه فنظر إلي مراد الذي يقف إلي جوارهِ متأهبًا وأشار بعينيه إلي زهره ليصطحبها مراد بعيدًا..
نظر رياض إلي زوجته يراقب صفحة وجهها حيث بدا القلق والخوف يزحفان إلي ملامحها وهي تتابع ما يحدث بغير فهم إلي أن إستطرد إسماعيل ما بدأه وقال: ولا إكتفيت إنه رجل أعمال معروف وبنتك تعرفه وبيظهر دايما الشهامه زي ما معروف عنه؟؟
علي الفور أجابه مهدي بنفاذ صبر من مراوغته وتلاعبه بأعصاب الجميع وأولهم هو فقال: ياا ريت حضرتك تخليك واضح وتقول اللي جاي تقوله من غير مقدمات طويله وكلام ملوش لزمه.
برز صوت معتز حينما قال: إسماعيل بيه إتفضل معايا حضرتك..
نظر حينها إسماعيل إلي معتز مردفًا بسخريه: أهلا أهلا بـِ ديل الأفعي.
ونظر إلي مهدي قائلاً: أصل أنا دايما كنت بشبه رياض ومعتز دول بالأفعي.. رياض راس الأفعي و معتز الديل.
_إسماعيـل بيـــه.. أظن لا وقته ولا مكانه للتهريج ده.. خليك دوغري و قول اللي عندك. هكذا صاح به مهدي بنفاذ صبر فأومأ إسماعيل مردفًا بتساؤل آخر: طبعا تعرفوا إن رياض كان متجوز بنتي..
_الله يرحمهــا.
تمتم مهدي بإقتضاب بينما أردف الآخر: واللي أكيد فهمكوا إنها ماتت.
قطب جبينه بشده متعجلًا من صياغته للحديث هكذا بينما إستطرد إسماعيل حيث قال: لكن في الحقيقه هي مماتتش!!
إستمعت آصال إلي كلماته وعندما ألقي إليهم بالكلمات الأخيره هوي قلبها أسفل قدماها وشعرت أنها ستسقط أرضًا فإمتدت يداها لتمسك بيد رقيه التي كانت تجاورها وهي تنظر إليها بشفقه وحزن وهي تقاوم كي لا تبكي و تُبدِ معرفتها بالأمر سابقاً.
وسّع رياض ربطة عنقه من حول رقبته وهو يشعر بالإختناق وقد أصابه الوجوم وشعر بالقهر يتملكه وهو ينظر إلي الأعين المتسائله تُصَوب تجاهه بإستنكار.
ظل مهدي علي ثباته و صمته، يعلم أن ذلك العجوز لم يفضي جميع ما بجعبته بعد! لا يزال لديه المزيد لقوله.
نظر إسماعيــل إلي وجوه الحاضرين واحدًا تلو الآخر بتمهل وترقب ثم قال ضاغطًا أحرف كلمته الوحيده: إتقـ.ـتلــت!!
نظرت إليه آصال بأعين جاحظه ووضعت يدها فوق فاها تكتم صيحةً كادت أن تنفلت وأمسكت بيدي رقيه بكلتا يديها وقد أخست بأن ساقيها لم تعد تحملها بينما أضاف إسماعيل قائلاً وهو يشبع فضول المحيطين: هو قـtـلها ، و بدم بارد.. بعد ما طعَن في شرفها بالكدب و الزور..
كان هذا ما أثار دهشة رياض بذاته وجعله ينظر بأم عينيه وهو يلقي كذباته و إدعاءاته الباطله متلذذًا بما يُثيره من رعبٍ وفزع في نفوسهم.
_ و طبعًا إتسجـ.ـن سنتين بس لأنها جريـ.ـمة شرف بعد ما لفق لبنتي تهمه زور و قتـ. ـلها غدر!! مع إن العدل إنه كان يـتـ ـعدم أو يفضل في السجـ.ـن لحد ما يموت زي ماتت.
نظرت آصال إليهم بأعين زائغه وقد إرتجفت مفاصلها إرتجافًا وتلبد الدم بعروقها لتسقط أرضًا غائبه عن الوعي.
……….
كانت ترقد علي سريرها بالمستشفي مغمضة الأعين، ساكنه بلا حراك بفعل تلك الأدويه المهدئه التي حقنها الطبيب بأوردتها بعدما إنتابتها حاله من الهَيَاج العصبـي بعد إفاقتها من الإغماء ليضطر الطبيب للجوء إلى تلك المهدئات لضمان إستقرار حالتهــا.
بالخارج يحتشد الكثير بالردهة المقابله للغرفه التي تقبع آصال بها، علي رأسهم والدها الذي كان يقف مستندًا برأسه بإنكسار علي زجاج الغرفه يطالع وجهها البرئ الذي أُغتيلت فرحته منذ قليل.
وفي الجوار بقليل يقف ريـاض واجمًا، شاحب الوجه، منطفئ الروح.. يطالع الجميع من حوله بنظرات فارغه خاليه من الحياه..
عن يمينهِ يقف معتز ساندًا رأسه إلي الجدار من خلفه وإلي جانبه تقف رقيه عاقدةً ذراعيها أمام صدرها بقلة حيله وعيناها تذرفان الدموع بندم وأسف ووالدتها تقف بجانبها تربت فوق يديها بمواساه.
دلف مراد إلي المشفي وصعد إلي الطابق الموجود به غرفة آصال ليجدهم يتراصون إلي جانب بعضهم البعض بدون حيله فإقترب من رياض و ربت فوق ظهره وهو يسأله: فاقـت؟
هز رياض رأسه أن لا دون أن يُعقّب فإتجه نحو معتز الذي طالعه بعينان يكسوهما الحزن وقال: زهره فين؟
_مع أمي في البيت.. مش مبطله عياط وعابزه تعرف إيه اللي حصل.. وكمان عايزه تيجي تطمن علي آصال.
تنهد معتز بضعف وقال وهو يفرك وجهه بتعب: أنا هتكلم معاها وأحاول ألاقي حاجه مقنعه أقولها لها.. أهم حاجة تخليها بعيد.
أومأ مراد موافقًا ثم نظر إلي مهدي وعاد بنظرهِ إلي معتز وهز رأسه بتساؤل ليرفع معتز كتفيه بضيق وقال: ربنا يكون في عونه.
زفر مراد مطولًا وهز رأسه بتأييد لينتبه الجميع علي صوت الممرضه وهي تلقي إليهم بـ: المريضـه عايزه تشوف باباها..
هرع إليها والدها بينما كان رياض واقفًا كالمكبل بالأغلال لا يقوي علي الحركه قيد أنمله..
جرّ قدميه نحو الممرضه وسألها بصوتٍ متقطع ونياط قلبٍ متمزقه: هي كويسـه؟ مينفعش اشوفها ؟
_حضرتك جوزها ؟
تسائلت بتفحص فأومأ بتلهف لتقول وقد زمّت شفتاها بأسف: هي مش عايزة تشوف غير باباها.
أغمض عيناه بحسره وهز رأسه مستسلمًا راضخًا إلي رغبتها ثم تقدم من المقعد المجاور منه و تهاوي إليه دافنًا رأسه بين كفيه بقهرٍ وقلة حيله ولأول مره يشعر بأنه خائر القوي هكذا.
…….
بداخل الغرفه التي ترقد بها آصال.. تقدم منها والدها محاولًا التبسم وهو يقول: حمدالله علي سلامتك يا بابا.. ألف سلامه يا حبيبــي.
كانت تتسطح فوق الفراش بوهن وقد أخذ منها التعب كل مأخذٍ، يداها قد إنتفخت و تورمت إثر كم الحقن والمحاليل المهدئه التي حصلت عليها، وجهها باهتٌ وقد تلطخ أسفل عيناها بزينة وجهها..
نظرت إلي والدها وقالت بصوتٍ خفيض: عايزه أخرج من هنا! عايزه أرجع بيتنا.
أومأ موافقًا علي الفور: أول ما تحسي إنك قادره تقفي خلاص و تصلبي طولك هنمشي فورًا.
حاولت الإعتدال من مرقدها لتجلس ببطء كي تبرهن لوالدها بأن حيويتها قد عادت إليها قبل أن تقع عيناها علي ذلك المنهزم المتحطم الذي يراقبها عن كثب من خلف زجاج الغرفه فنظرت إلي أبيها وتسائلت بجنون: ده بيعمل إيه هنا؟ أنا مش عايزه أشوفه! مش عايزه أشوفه خليه يمشي من هنا ..
نهض محاولا تهدأتها وهو يقول: حااضـر يا حبيبتي.. هخليـه يمشـي حالا والله بس إهدي.
_أرجوك يا بابا خليه يمشـي، دلوقتـي!!! .. قالتها وهي تمسك برأسها بكلتا يديها وقد هاجمتها نوبة الهَياج العصبي من جديد وهي تقول بصراخ: قولله يمشــــــي.. مش عايزه أشوفه تانـــي!!!
ظلت تردد بكلماتها المتكرره تلك تباعًا وصاحت صيحةً مزقت أرجاء الغرفه من حولها قبل أن تتتهاوي إلى الفراش من خلفها بقوه وقد غابت عن الوعي من جديد .
……