خيمة الشيخ (كاملة)
نورا حسين جاب الله
مستوحاة من قصة حقيقية
كانت حكاية خيمة الشيخ دى.. هى الطريقة اللى قررت اهرب بيها من الشغل المطلوب منى، مكنتش عارف انى بنكش فى عش الدبابير، ومكنتش مدرك العواقب اللى ممكن تحصل، واعتبرتها خرافة من ضمن خرافات كتير بنشوفها، لكن الحقيقة كانت غير كدة خالص، وللأسف.. انا دخلت نفسى فى طريق انا مكنتش أده.. ولا كنت مستعد ليه، ووقتها مكنتش عارف ازاى هخرج منه…
الحكاية ابتدت لما اتجمعنا كلنا فى مكتب المدير زى ما بيحصل كل اسبوع، دة مدير الجريدة الالكترونية اللى انا بشتغل فيها، كان قاعد ورا مكتبه، وقدامه شوية ورق ، وكام شاشة مفتوحين على مواقع السوشيال ميديا، استنى لما كلنا قعدنا قدامه.. وبدون اى مقدمات بدأ يوزع علينا الشغل، بصلنا بكل حماس وقال:
_ جاهزين ياشباب؟ النهاردة عندنا تريندات كتير مولعة..
بص على الورق اللى فى ايده، وبعدها مسك اول ورقة وقال لزميلى اللى قاعد جنبى:
_ شريف.. خد انت الموضوع بتاع البراند اياه، عاوزك تكشف حقيقة الست دى، ومش عاوز ولا غلطة تمسكها علينا.. انت فاهم؟
شريف خد منه الورقة وهو بيتبسم بغرور، وانا كنت قاعد باكل فى نفسى.. لان موضوع البراند دة.. كان من المواضيع اللى انا كنت حاطط عينى عليها، قولت استنى اما اشوف اخرتها، لقيت المدير بيكمل كلامه وبيقول:
_ مروة.. انتى عليكى الفستان اللى اتكلموا عنه فى مهرجان الجونة، ومش عاوز ثغرات زى المرة اللى فاتت، اتعلمى ازاى تعملى شغلك من غير ماتخسرينا حد.
مروة ردت عليه وكان باين عليها ان الموضوع عجبها:
_ تحت امرك يابوص.
نفخت فى سرى.. وانا شايف المواضيع بتتسرسب من تحت ايدى واحد ورا التانى، انا مكنتش قلقان.. لانى واثق فى نفسى وعارف انى كفء، والمدير كان دايما يسيبلى المواضيع التقيلة، بس فى نفس الوقت.. عنيا كانت على كذا حاجة من اللى عمال بيوزع فيهم دول.
فضلت مستنى للآخر لغاية ما خلص الورق اللى معاه، والتريندات كمان خلصت، ومجبش سيرتى خالص، مكنش متجاهلنى.. انا كنت متأكد من حاجة زى كدة، لكن كنت بسأل نفسى ياترى مخبيلى ايه؟
لقيته بيبصلى وبيبتسملى وهو رافع حاجب واحد وقال:
_ يالا يامحمد.. ورينا شطارتك بقى.
بصيتله بنظرة استفسار كدة.. اللى هو… ها.. قول اللى عندك، لقيته كمل كلامه وقال:
_ بما انك طنطاوى، والمولد عندكم قرب، انت اللى هتشيل قصة اللى بيحصل فى مولد السيد البدوى.
سكت شوية.. وانا حاسس انى بدأت أتوتر ونبضات قلبى بتعلى، انا كنت فاهم كويس هو يقصد ايه، لكن بصراحة كدة عملت عبيط، وقولتله وانا عامل نفسى مستغرب من كلامه:
_ مولد ايه ياريس!، هكتب ايه عن المولد؟، عن المراجيح ولا لبايش القصب اللى بتبقى مرمية فى كل حتة، ولا عن امى اللى كانت بتاخدنى وانا صغير تصورنى بالجلابية البيضة والطربوش.
بس هو كمان كان فاهمنى.. وفاهم انى بلف وادور عليه، لقيته بيقولى بتريقة كدة:
_ ولا وحياتك مش دول بس، نسيت كمان العيش والدُقة اللى الموالدية بيوزعوهم على اهل البلد!!
رجعت سكت تانى وانا مش عارف ارد، كنت عاوز اخلع منه بأى شكل، بس مش عارف اجبهاله ازاى، قولتله وانا بفكر اعتذر عن مقال الاسبوع دة وخلاص:
_ مش هينفع اللى فى دماغك ياكبير، الدنيا هتتقلب عليا، عالاقل بلاش انا.
_ وبلاش انت ليه؟ انت بتقول الحقيقة، كلنا عارفين ان الراجل دة مكنش صاحب كرامات ولا اى هرى من اللى بيتقال، يبقى ليه متثبتش الكلام دة.. وتسلط الضوء عالجهل اللى بيحصل كل سنة؟
_ مفيش دليل لا على كراماته.. ولا على انه كان راجل مش كويس، كلها اجتهادات، مش هينوبنا غير ان اللى مآمنين بكراماته يقلبوا علينا الدنيا.
رجع بضهره وسند على كرسيه بتناكة.. وفتح ايديه الاتنين وقاللى:
_ وماله، يقلبو علينا، خلى الريتش يعلا، انت بس زودلى الشطة فى المقال، يعنى اكتبلى بقى عن الناس اللى بتسيب بيوتها بالايام.. وتروح تبات فى الخيام عشان خاطر تحضر المولد دة، والناس اللى بتدبح عشان خاطره.. مش لوجه الله، واللى بيوفى ندر عليه، واللى بيروح يتمسح فى حديد المقام عشان البركة تحل عليه وعلى اهل بيته، ومدد ياشيخ العرب.
رديت عليه وانا قايم وناوى انى مكملش الاجتماع معاهم:
_ طب اعفينى انا ياريس، اى حد تانى ممكن يعمل الكلام دة عادى..
_ لأ… انت انسب واحد للحوار دة، اعتبر نفسك فى اجازة، انزل على طنطا شوف اهلك، واستعيد الذكريات الجميلة، واكتبلى عن الخرافات اللى بتحصل هناك، واعمل حسابك تخلص بسرعة، عشان المقال ينزل فى ايام الاحتفال بالمولد، وقبل ما تعترض تانى يامحمد.. مش هقبل اى اعذار، والا شوفلك جريدة تانية تكتب فيها، دة لو لقيت زينا..
جزيت على سنانى، وعصرت على نفسى لمونة وانا بقوله:
_ تمام ياريس.
لكن من جوايا مكنتش عاوز اكتب عن الموضوع دة، الحكاية كانت تقيلة على قلبى، انا اة مش مع الخرافات اللى بتحصل فى المولد.. واللى بتثبت أد ايه فى ناس لسه الجهل مسيطر عليها، وانهم بُعاد اوى عن الدين، بس برضو كان فى حاجة جوايا منعانى، عارف لما تلاقى حد بيقولك شوه ذكرياتك، انا من الناس اللى كانت بتفرح بأجواء المولد نفسها، يعنى زحمة البلد، والمراجيح، والعيال الفرحانة ولابسة طراطير، والبنات وهى بتتصور بالزى البدوى، لكن عمرى ما شغلت بالى بالتفاصيل التانية، ومكنتش مهتم بالطقوس اللى الناس بتيجى تعملها، ومش انا لوحدى على فكرة اللى كدة، ناس كتير اوى زيى، بس هعمل ايه؟ الشغل شغل، مقدرش اقول لأ…
روحت عالبيت وجهزت شنطتى.. واتوكلت على الله، وخدت اول قطر رايح على طنطا، وطول الطريق كانت الذكريات بتعدى قدام عنيا لحظة بلحظة، ايام المولد واصوات الذكر، وريحة الاكل اللى بتملى الشوارع، والقصب والزحمة، وكأن الدنيا كلها جاية تحضر المولد.
نزلت من القطر واول ما حسيت بتراب الارض تحت رجلى، خدت نفس عميق.. وانا بشحن طاقتى من ريحة البلد، وروحت طوالى على بيتنا.
ولما وصلت البيت.. امى استقبلتنى بأكل جامد من عمايل ايديها، نزلت عليه وانا حاسس ان روحى بترد فيا، لانى كنت نشفت من اكل الشارع، امى سابتنى اكل براحتى خالص.. واما خلصت سألتنى عن سر الزيارة المفاجأة، قولتلها وانا ماسك صوباع المحشى مش هاين عليا اسيبه:
_ جاى اكتب عن المولد والاحتفالات والحاجات دى.
طبعا مقولتلهاش الحقيقة، لان لو عرفت انا جاى اكتب عن ايه.. هندخل فى جدال هيستمر لتانى يوم عالأقل.
لكن هى فاجأتنى لما قالت:
_ ياريتك تكتب عن خيمة الشيخ.
_ ايه خيمة الشيخ دى ياماما؟
لقيت عنيها لمعت وبتتكلم بحماس وقالت:
_ انا مشوفتش بعينى.. بس سمعت عنها، انت عارف ان اليومين دول مولد سيدى عبد الرحيم، لقينا الناس بتقول.. ان فى شيخ بركة وله كرامات.. ناصب خيمته هناك، بيعالج بالقرآن والاعشاب.. وشفا ناس ياما، وكل اللى قصدوه مخيبش ظنهم، والحلو بقى.. انه هيخلص هناك، ويجى هنا يحضر مولد السيد البدوى.
كلامها خلى عندى فضول كبير افهم ايه حكاية الشيخ دة، وقولت بينى وبين نفسى: ياريت يكون الكلام دة بجد، تبقى فرصة هايلة..
سيبتها ودخلت اوضتى ومسكت تليفونى واتصلت بمديرى فى الجريدة، واول مارد عليا قولتله:
_ ايوة ياكبير، انا فى طنطا اهو زى ماامرت.. وهعملك اللى انت عاوزه، بس فيه تغيير بسيط.. بدل ما هننزل بالمقال والمولد شغال هننزل بيه بعد ما يخلص.
_ ازاى يعنى يامحمد ويبقى ايه الفايدة، كدة التريند بتاعه يضيع.
_ متقلقش خالص، ليك عليا اجبلك التريند اللى يستمر 3 شهور قدام.
_ طيب ياسيدى اما نشوف، بس انت المسؤول الوحيد لو ضيعته من ايدك.
_ وانا موافق.. سلام.
قفلت معاه.. وقررت انى استنى هنا، واحضر المولد بنفسى، واشوف ايه حكاية خيمة الشيخ دى واكتب عنها، وكانت الخيمة دى هى الطريقة اللى قررت اهرب بيها من الشغل المطلوب منى، مكنتش عارف انى بنكش فى عش الدبابير، ومكنتش مدرك العواقب، واعتبرتها خرافة من ضمن خرافات كتير بنشوفها، لكن الحقيقة كانت غير كدة خالص…
عدت الايام اللى باقية على المولد، ومن بداية الاسبوع بدأت الخيام تتنصب فى كل حتة، والمراجيح تشتغل، وبتوع التصوير يفرشو شغلهم..
مسكت التليفون وكلمت واحد صاحبى من ايام الشباب والشقاوة، وبعد السلامات والتحيات قولتله:
_ بقولك ايه ياكريم .. انا عاوز انزل المولد السنة دى زى زمان، مشتاق لايام الصياعة والسهر لحد الصبح.
طبعا هو ماصدق، لقيته بيقولى وهو متحمس:
_ ايوة ياعم بقى، يلا بينا يامعلم.. دة انت تؤمر، بس غريبة يعنى.. اشمعنى السنة دى؟
_ مانا بقولك واحشنى السهر، ها.. ننزل الليلة؟
ضحك وقاللى:
_ ننزل الليلة ياعم.. انت هتخوفنى يعنى هههههههه.
اتفقنا نتقابل بعد صلاة العشا، ونزلنا اتمشينا وسط المناطق اللى بتبقى زحمة.. والاحتفالات فيها شغالة،
كريم كان ماشى يرغى فى كلام مالوش لازمة، وانا عينى بتدور وسط الناس بدور على هدفى، وسؤال واحد بيدور فى دماغى..خيمة الشيخ دى تطلع فيييييين؟
وبعد وقت طويل مقدرتش اوصل فيه لاى حاجة.. قولت أسأل كريم يمكن يكون سمع حاجة عن الموضوع دة:
_ بقولك ياكريم.. متعرفش خيمة الشيخ البركة اللى بيقولو عليها دى فين؟
_ اة طبعا عارفها.. بتسأل عنه ليه؟
_ لا عادى.. امى حكتلى عنه فقولت افهم ايه القصة..
_ دة شيخ مبروك.. والله كلنا بندعيله من ساعتها.
_ كلكم مين؟ وبتدعوله ليه؟
_ مانا امى برضو سمعت عنه، وخدت زينب اختى وراحوله عشان حوار جوازها المتأخر دة، ومفيش اسبوع وكنا قاريين فاتحتها.
_ ياسلام.. دة واصل بقى، طب هو فين مكانه يعنى؟
_ وانت عاوزه ينصب خيمته هنا عادى كدة وسط البلد، دة هناك فى اخر السارى.
_ طب وماله.. ودينى ليه.
_ ايوة ليه يعنى؟ ماتفهمنى الكلام على ايه؟
_ ودينى بس وهتعرف.
كريم خدنى وروحنا على السارى، ولو مش عارف ايه هو السارى.. دة عبارة عن ارض واسعة اوى، بيتنصب فيها خيم الموالدية، والمصوارتية، والمراجيح، وكمان فيها مساحات واسعة.. نقدر نفرش فيها عالارض ونقعد براحتنا، كل دة فى مكان واحد، يعنى تقدر تقول ان اجواء المولد كلها هناك، المهم دخلنا الارض واتمشينا جوة.. وسط كل الحاجات دى، لغاية ما شوفتها من بعيد، خيمة خضرة كبيرة، وواخدة مساحة واسعة لوحدها، اول حاجة جات فىى بالى.. ليه عاملها باللون الاخضر؟ وبقيت أقول لنفسى: ما الخيم كلها بيضة او رصاصى.. معروفة يعنى، ليه خيمة تتعمل بالقماش الاخضر بالشكل دة، بيعمل لنفسه كاريزما يعنى ولا ايه؟
فضلنا ماشيين لغاية ما قربنا من الخيمة.. وقولت انى لازم اشوف الشيخ دة بنفسى، بس كنت شايف الناس زحمة موت .. والكل بيتحايل عالراجل اللى واقف برة الخيمة عشان يرضى يدخلهم بسرعة..
فقربت منه فى الخباثة كدة، وبالطريقة المعروفة فى المواقف اللى زى دى.. طلعت فلوس من جيبى.. واديتهاله فى السر عشان يرضى يدخلنا على طول، وزى ماتوقعت رحب بينا وقالنا:
_ اتفضلوا… اتفضلوا.
بعدها لقيته بيقرب منى وقالى وهو موطى صوته:
_ ياريت متقولش حاجة لشيخنا.
طبعا كان قصده عالفلوس اللى خدها، ضحكت فى سرى وقولت لنفسى: قال يعنى مش هيقسموها سوا.
دخلت انا وكريم الخيمة واول حاجة قابلتنى.. هى ريحة البخور القوية اللى مالية المكان، ريحة كانت غريبة عليا، والدخان كان كتير اوى.. لدرجة ان كان فاضل شوية ومشوفش كف ايدى،
ولقيت واحد قاعد فى نص الخيمة، على مساند مرصوصة على الارض زى القاعدة العربى، لابس جلبية بيضة، وفوقها عباية خضرة مفتوحة، وعلى راسة عمة خضرة منقوش عليها كلام باللون الدهبى.. لكن الكلام دة معرفتش اقراه،
وكان فى ناس كتير قاعدين حواليه، ويظهر ان كل واحد فيهم جاى بشكوته، ولفت نظرى واحدة ست ومعاها بنت صغيرة.. قاعدين قدام الشيخ، ركزت معاهم ورميت ودنى عشان أعرف بيقولو ايه، لقيت الست بتتكلم وهى متأثرة وزى ما يكون هتعيط:
_ ياشيخنا، لفيت بيها على ناس كتير، كلهم قالو ان عليها جن، وعملتلها الاحجبة كلها بس مفيش فايدة.
الراجل سكت شوية وبعدين اتكلم بهدوء:
_ فى حاجة غريبة حصلت معاها؟ حد اتكلم على لسانها؟
الست هزت راسها بسرعة وقالت:
_ اة ياشيخ حصل، كتير تتكلم بصوت مش صوتها وتقول حاجات مبفهمهاش، وفجأة الاقيها تصرخ وتعيط من غير سبب، دة غير انها بتطفش من البيت فى انصاص الليالى، ونروح نجيبها من الكنيسة اللى فى اخر الشارع، واما تفوق لنفسها تقولى بحب اقعد هناك يامة.
لقيت كريم بيزقنى فى دراعى وبيقولى بصوت واطى:
_ عجبك اللى احنا سامعينه دة، ماتنطق يابنى وتقول احنا جينا هنا ليه؟
_ اصبر بس.. وبعدين انت خايف من ايه؟ انت مش شوفته قبل كدة؟
_ لا ياناصح امى واختى اللى راحوله.. لكن انا ماليش فى الجو دة.
مردتش على كريم، وركزت مع الشيخ اللى مسك مقص صغير، وقص خصلة شعر من ضفيرة البنت، وحطها فى كيس اسود كان موجود جنبه، وبعد كدة.. ابتدا يتمتم بكلام مسمعتش منه حاجة، المفروض وحسب ما سمعنا انه بيعالج بالقرآن، لكن حركة شفايفه وتمتمته مكنتش زى قراية القرآن خالص، شوية ولقيته قرب ايده من البنت وبدأ يحركها حواليها بطريقة غريبة، وبعدين قعد يمسح بإيده على راسها وجسمها، لكن طريقته مريحتنيش، مكنش مظبوط الراجل دة، والغريب ان امها كانت قاعدة ساكتة وسيباه يعمل كدة عادى، وبعد ماخلص لقيته بيقول للست:
_ فعلا البنت دى مأذية، فى جن ماسكها.
ولقيته بيطلع ازازة صغيرة من جيب العباية، وطلب من البنت تفتح بوءها.. وقام مقطرلها كام نقطة من الازازة دى، وقال لامها:
_ الجن اللى عليها مش هيسيبها بسهولة كدة، لازم تجينى كل يوم.. لغاية ما اقولك انها بقت كويسة، بس هديكى ميعاد تانى تيجى فيه بعيد عن الزحمة دى.
الست بقت قاعدة تدعيله، وتشد فى ايديه عشان تبوسها، وكريم فضل يشد فيا عشان نخرج، لكن انا الموضوع كان قلب معايا بتحدى، وكنت خلاص قررت ان الشيخ دة.. هو التريند الجديد اللى هشتغل عليه،
وقفت ابصله وانا بكلم نفسى وبقول: بقى بشوية بخور وعباية خضرة وخيمة.. تضحك عالناس وتستغلهم، وكمان متحرش دة انا هنفخك..
اتفاجأت بيه بيبصلى وهو بيبتسم، اتخضيت وارتبكت.. عارف لما تكون بتفكر فى حاجة.. وتحس ان اللى قدامك سمعك او قرا افكارك؟
اهو انا يادوب قولت فى دماغى: (دة انا هنفخك) ولقيت دة بيبصلى وهو مبتسم اوى، وشاورلى على مكان فاضى جنبه عشان اقعد فيه، روحت وانا متردد ومش فاهم اشمعنى انا اللى شاورلى من وسط الناس اللى واقفة، قعدت جنبه وكريم قعد جنبى وكان على اخره منى، لقيت الشيخ بيقولنا:
_ هااا.. خير ياشباب! ايه سبب زيارتكم الكريمة ليا؟
مكنتش عارف ارد اقوله ايه، مكنش على بالى اى حجة اقولها، لقيت نفسى بقول اول حاجة جات على لسانى:
_ اصل انا جيت مع كريم صاحبى أااا… عشان هو بيحس بأاااا……
مبقتش عارف اجمع كلمتين على بعض، وحاسس برجل كريم بتخبط فى رجلى.. عشان ينبهنى للعك اللى بعمله، لقيت الشيخ بيقاطعنى وبيقول:
_ انت جاى هنا عشان تكتب عنى.. وتقول انى دجال ونصاب وبستغل الناس.. مش كدة؟
اتصدمت من اللى قاله واتوترت، وكان على لسانى اقوله عرفت منين، لكن انا مسكت نفسى وقولتله:
_ مين؟ انا؟ لا خالص مفيش الكلام دة، ليه بتقول كدة؟
لقيته ضحك ضحكة تريقة كدة معجبتنيش، وقام مقرب منى واتكلم بصوت واطى عشان محدش يسمعه:
_ طب خد صاحبك وروح على بيتكم، ولو فكرت تكتب كلمة واحدة عن اللى شوفته هنا.. انا اللى هنفخك.
بصيتله وانا ببلع ريقى بتوتر وقلق، ومن صدمتى معرفتش ارد عليه خالص، شديت كريم من ايده عشان نخرج برة المكان دة، لكن قبل مااقوم.. لقيت الراجل دة حط ايده على راسى ومسكها لحظة واحدة بعنف وسابها تانى بسرعة، وقبل ما أسأله انت بتعمل ايه، حسيت انى بدأت اتخنق ونفسى بيتقل، فقومت وانا بشد كريم معايا، وقبل مانخرج برة الخيمة.. بصيت عالراجل لقيت عينه عليا، باصصلى بثقة وعين قوية، مكنش خايف ولا قلقان من حاجة، زى مايكون بيقولى: المفروض انت اللى تخاف وتقلق.. مش انا…
مشينا من عنده.. وانا كنت خلاص حطيته فى دماغى، تهديده ليا كان زى اللى بيحط البنزين عالنار، قولت فى بالى: من الآخر كدة الراجل دة جابه لنفسه،
مشينا انا وكريم وسط الزحمة وانا عقلى شغال فى اللى هكتبه، وبعدين افتكرت انى مخدتش صور ولا اى حاجة اوثق بيها المقال، بسرعة طلعت تليفونى وقولت لكريم:
_ بقولك ايه.. استنانى هنا..
_ ليه؟ رايح فين ؟
_ نسيت بس حاجة مهمة.. هعملها وارجعلك على طول.
_ يابنى نسيت ايه! انجز خلينا نروح من الزحمة دى انا بدأت اتخنق.
_ اصبر عليا بس، خمس دقايق وهبقى عندك، ولو توهنا من بعض.. هكلمك.
كنت عارف ان اللى بعمله فيه مخاطرة كبيرة، لان لو حد لمحنى وانا بصوره.. اقل واجب كنت هترن علقة محترمة، لكن الصور ضرورية، وهتخلى المقال يفرقع اكتر عالسوشيال،
ولما قربت تانى من الخيمة.. لاحظت ان عدد الناس بقى اكتر، وقفت بعيد وحاولت ابان طبيعى عشان محدش ياخد باله من حاجة، وبعدها رفعت الموبايل وبدأت أصور..
وقدرت انى اخد كام صورة تبين الاقبال الفظيع على خيمة الشيخ دة، وشكل الخيمة المميز عن بقية الخيم اللى حواليها، لكن كان ناقصنى اهم صورة، كنت عاوز اخد صورة للراجل نفسه، وقفت شوية افكر فى طريقة ادخل بيها.. وبقيت محتار، استنى قدام الخيمة يمكن يطلع لأى سبب، ولا اجازف وادخله تانى؟؟
وفى اللحظة دى.. لمحت مجموعة كبيرة داخلين الخيمة مرة واحدة، شكلهم كانوا اسرة كاملة جايين للشيخ، قلبى بقى يدق بسرعة وانا بفكر ازاى استغل الفرصة دى، وقولت هحاول ادخل وسطهم واخد صورة،
هى صورة واحدة بس واهرب من المكان كله بسرعة، وفعلا اتحركت ودخلت وسطهم من غير ماحد ياخد باله، ومن كتر الزحمة كنت ماشى معاهم بقوة الدفع، وفى خلال لحظات لقيت نفسى جوة الخيمة، بس المرة دى ريحة البخور كانت اتقل من الاول بكتير، والناس اللى جوة كانو زحمة اوى، وواقفين كلهم قدام الشيخ.. فمكنتش عارف اشوفه، فضلت احاول اعدى بينهم عشان اقدر اشوفه، وبصعوبة ومن بعيد قدرت انى اخدله صورة، ورغم انى كنت تقريبا مش باين من وسط اللى واقفين، لكن الشيخ التفتلى وبصلى وانا بصور، وشافنى.. رجعت لورا بسرعة لانى خوفت لا يعمل حاجة ويقوم الناس عليا.. وخدت بعضى وطيران على برة، وانا حاسس بقلبى هينفجر من القلق والتوتر، ومشيت بسرعة عشان اللحق اهرب من المكان دة خالص،
وبعد ما بعدت شوية..فتحت تليفونى عشان اشوف الصورة اللى صورتهاله، بس لما شوفتها.. خوفت، وجسمى ارتعش، وانا شايف الشيخ باصص للكاميرا بنفس الثقة الغير مبررة.. وبيبتسم ..
قفلت التليفون ومشيت ابص حواليا لغاية ما لقيت كريم، لقيته بيسألنى وهو متوتر:
_ انت كنت فين يامحمد؟
_ بص يابنى من الآخر كدة.. انا هكتب مقال عن النصاب دة ومش هحله.
_ وكنت راجع تانى تعمل ايه؟
_ كنت عاوز أصوره ،وأصور النصب والدجل اللى بيعمله.
_ وصورت خلاص اللى انت عاوزه؟
هزيت راسى بسرعة من غير كلام، ومشينا جنب بعض واحنا ساكتين، لغاية ماوصلنا للمكان اللى المفروض نسيب بعض فيه.. وكل واحد يرجع على بيته، لقيته بيبصلى ويقولى:
_ محمد.. بلاش تكتب عن الموضوع دة، انا مش مرتاح.
رديت عليه وانا اصلا من جوايا كنت قلقان ومش مقتنع باللى بقوله:
_ متقلقش.. الموضوع كله مجرد دجل ونصب مش اكتر، وانا هكتب اللى شوفته.
كان باين على كريم انه مش عاجبه كلامى، سلمنا على بعض على وعد اننا نتقابل مرة تانية، ومشينا كل واحد فى طريقه.
روحت عالبيت لقيت امى طالعة من المطبخ ومجهزة العشا ومستنيانى، اول ماشافتنى ابتسمت وقالتلى:
_ كويس انك جيت بدرى، يالا انا مجهزة العشا ومستنياك.
ورغم ان دماغى مكنش فيها غير المقال، وفعلا مكنش ليا نفس للاكل، لكن قعدت كلت معاها عشان متزعلش، وبعد ماخلصت وجيت اقوم لقيتها بتقولى:
_ هو انت مالك النهاردة؟ سرحان كدة ليه ومش زى عوايدك؟
_ مفيش ياحبيبتى سرحان فى الشغل بس.
_ طيب ياحبيبى انتبه بس لصحتك شوية.
_ حاضر ياحبيبتى متقلقيش.
بوست ايديها ودخلت على اوضتى.. وجهزت كل حاجة لكتابة المقال.. وقعدت اكتب، كتبت كل حاجة شوفتها وطبعا زودت الشطة والبهارات اللى تحول اللى كتبته من مقال عادى لتريند محصلش، حفظت الملف وقفلت اللاب توب ، وبعدها فتحت التليفون واتفرجت مرة تانية عالصور عشان اتأكد انها واضحة وكله تمام، ولما جيت عند صورة الشيخ، حسيت ان جسمى قشعر وقلبى بيدق بسرعة غريبة..
ومكنتش مرتاح، وقلبى كان مقبوض، فقفلت التليفون وسيبته من ايدى، وقولت كمان بلاش اسهر وانام بدرى احسن.. عشان اقدر ارجع القاهرة الصبح بدرى، واهو يبقى الشغل نزل فى ميعاده زى ماكان مديرى عاوز من الاول..
حطيت دماغى عالمخدة وروحت فى النوم على طول، ومش عارف عدى وقت اد ايه، بس انا كنت فى عز نومى لما فجأة صحيت على صوت حد معايا فى الاوضة، فى الاول النوم كان واخدنى ، ومكنتش قادر اميز دة صوت ايه بالظبط، ومابين النوم والصحيان بدأت احس ان فى حاجة قريبة منى، قريبة اوى زى ماتكون جنبي عالسرير، فتحت عنيا وانا لسه مش قادر احدد انا صاحى ولا نايم، لكن الدنيا كانت ضلمة، ودى عادة عندى للاسف.. انا مبعرفش انام غير لو الاوضه كلها ضلمة خالص، عشان كدة مقدرتش اشوف اى حاجة حوالية، حاولت اتحرك عشان اجيب التليفون اللى كان مرمى عالكومودينو اللى جنب السرير، بس حسيت بجسمى تقيل اوى.. وزى مايكون متكتف، فضلت احاول وانا حاسس انى بقاوم حاجة مش عارف ايه هى، يادوب قدرت احرك ايدى بالعافية، حركة بطيئة وتقيلة، وقدرت انى امسك التليفون، ويادوب ضغطت عليه عشان اعمل اى اضاءة حواليا.. لمحت حاجة سودة جنبى عالسرير..
اتنفضت من الخوف.. والتليفون طار من ايدى وقع على الارض، والنور اللى كان جاى منه انطفى، فضلت ثابت مكانى وانا مش قادر اتحرك وحاسس انى مشلول من كتر الرعب، وبعدها حاولت اهدى نفسى واقول ان دة مجرد وهم، لكن كنت حاسس انى جسمى كله متلج، وجو الاوضة كله كان برد،
ومكنش قدامى غير انى انزل من السرير واروح اشغل النور، بس اول مانزلت رجلى عالارض.. حسيت بحاجة باردة بتلمس رجلى، اتحركت وقومت بسرعة وخوف لدرجة انى كنت هقع، بس لحقت نفسى وجريت عالنور شغلته.. وفضلت ابص فى كل حتة فى الاوضة.. وانا مش فاهم ايه اللى حصل معايا دة، قعدت ادور تحت السرير والدولاب وفى كل حتة يمكن اللى حسيت بيه دة قطة ولا حتى فار، لكن ملقتش اى حاجة خالص…
بس من جوايا كنت لسة خايف، وحاسس ان فى حاجة مش مريحة،
بصيت عالساعة لقيت فاضل ساعتين واصحى عالميعاد اللى ظبطت منبهى عليه، قولت خلاص مش مشكلة، كدة كدة استحالة يجيلى نوم تانى ، قعدت اوضب فى شنطتى عشان استعد للرجوع، واما خلصت.. قولت اريح امى شوية قبل ما اسيبها.. واحضرلها انا الفطار المرة دى،
دخلت عالمطبخ.. وشغلت الكاتل عشان اجهز الشاى مع الفطار، حطيت الفيشة بتاعته وشغلته، ولفيت افتح التلاجة عشان اطلع الجبنة والبيض، بس بمجرد مالفيت الناحية التانية.. لقيت الكاتل بيطلع اصوات غريبة اوى، زى اصوات الشرايط بتاعة زمان اما كانت بتسف كدة، بصيت عليه وقولت لنفسى:
_ هو ماله دة فى ايه؟
سيبته ورجعت تانى للتلاجة ويادوب فتحتها وطلعت علبة الجبنة.. حسيت بحاجة باردة بتزقنى لورا لدرجة انى فعلا رجعت خطوتين، ولقيت باب التلاجة اتقفل لوحده بسرعة، لا متقفلش.. دة اتهبد..
وقفت مكانى متنح وانا مش عارف اعمل ايه!ولا اقول ايه! ولا فاهم فى ايه!!!
وفجأة نطيت من الخضة لما حسيت بإيد بتتحط على كتفى، وصوت امى اللى اتكلمت على غفلة وقالت :
_ ايه يابنى.. بتخبط فى الحلل ليه عالصبح؟
وقفت قدامها وانا قلبى بيدق جامد وبتنفس بسرعة، وببصلها وانا لسه متاخد من اللى حصلى، رديت عليها وانا لسه مفوقتش من الخضة:
_ مفيش حاجة ياأمى، كنت عاوز احضر الفطار بس.
_ حبيب امك.. متتعبش نفسك روح انت استنانى برة وانا هحضر كل حاجة.
بوست ايديها وراسها وقولتلها:
_ تسلم ايدك ياست الكل.
وبعدها سيبتها وطلعت برة وانا أعصابى سايبة، وعقلى مشغول بكل حاجة غريبة بتحصل معايا، وفضلت اقول لنفسى يمكن السبب ارهاق ولا قلة نوم،
وروحت واخد كرسى وطلعت قعدت فى البلكونة، وبعد شوية وصلتنى ريحة الاكل اللى طالعة من المطبخ، فدخلت تانى بسرعة.. وساعدت امى فى تجهيز السفرة، وقولت اما ادردش معاها شوية يمكن تقولى حاجة مفيدة تخدم المقال بتاعى عن الشيخ، قولتلها واحنا بناكل:
_ قوليلى ياماما مسمعتيش حاجة تانية عن الشيخ اللى قولتيلى عليه؟
سكتت شوية وبعدين قالتلى:
_ هى الناس ليها كلام غير عنه، بس كله كلام بالخير والله، بيقولو حل مشاكل كتير، وشفا ناس كتير اوى.
_ وانتى بتصدقى الكلام دة برضو ياما، الشافى هو الله ، هو الراجل دة فى ايده ايه بس؟
_ يابنى مقولناش حاجة.. بس دة راجل مبروك وصاحب كرامات، وبعدين بيعالج بالقرآن ومبياخدش ولا مليم.
_ ياسلام.. لا طبعا استحالة، اكيد بياخد فلوس.. اومال هيعمل الحاجات دى مجانى؟
_ بقولك ولا نكلة، هو بس ممكن يطلب حاجات معينة لو هيفك ربط، غير كدة مبيطلبش اى حاجة خالص.
_ يفك ربط؟ وانتى عرفتى الكلام دة منين ياماما؟
لقيتها اتوترت شوية وقالتلى:
_ الناس كلها بتتكلم عنه..
_ بيتكلمو ولا انتى روحتيله؟ قولى الحقيقة ياماما لانى لو عرفت من برة هزعل.
_ ولا برة ولا جوة، هى مرة واحدة ايام مولد سيدى عبد الرحيم.. روحت فيها مع خالتك نوال عشان خلفة بنتها.
اتعصبت وقولتلها:
_ هو فى ايه؟ الراجل دة عمل فيكم ايه كلكم؟ خلاص بقى حاجة مهمة اوى وكلكم روحتو عندو؟
_ ماخلاص بقى متكبرش الموضوع، وبعدين مانت كمان بتسأل عنه اهو، بتسأل عليه ليه بقى طالما هو مضايقك كدة؟
مردتش عليها وقومت سيبت الاكل وانا مضايق، ودخلت اخدت شنطتى واما طلعت قولتلها:
_ انا ماشى عشان الحق القطر، وياريت ياامى ملكيش دعوة بالسكك دى خالص.
_ حاضر.. متزعلش نفسك بس، دى كانت مرة وعدت.
مطولتش معاها فى الكلام، ومشيت عشان ميحصلش خلاف بينى وبينها وضغطها يعلا زى كل مرة، وخدت بعضى وروحت عالمحطة.. والحمد لله قدرت اللحق القطر،
ولما وصلت القاهرة..طلعت عالجريدة على طول، وعلى اد ماكان جوايا حماس انى انزل مقالى.. لكن برضو كنت شايل هم المدير اللى لسه لغاية دلوقتى معتقد انى كتبت الموضوع اللى هو طلبه، بس قولت لنفسى مش مهم، طالما هيلاقى حاجة تنفع انها تكون تريند.. خلاص مش هيبقى ليه حجة..
دخلتله المكتب.. وفتحت المقال قدامه عاللاب توب بتاعى، طبعا فى البداية وشه قلب واتصدم لما شاف انى كتبت حاجة تانية غير اللى طلبها، وقعد يبصلى بصات مش مريحة، قولت بسسسس .. دلوقتى هيزعق فيا ومش بعيد يرفدنى ويقولى الشغلانة دى مش ليك..
لكن فجأة لقيت ملامحه بتتغير، ورفع حاجبه وكأنه مستغرب من اللى بيقراه، وفضل مركز فى الشاشة اللى قدامه لغاية ما لقيته بيبتسملى وبيقولى:
_ لأ برافو عليك.. الموضوع دة هيفرقع بجد، بس الصور.. فين الصور اللى هنوثق بيها الكلام دة؟
_ اة طبعا ياريس موجودة.
طلعت تليفونى واديتهوله عشان يشوف الصور، فضل يقلب فيه وهو مبسوط، وبقى يشاور على بعض الصور ويقول:
_ ممتاز يامحمد.. الصور تحفة.
لكن فجأة وشه قلب تانى، ولقيته بيبصلى وهو مضايق وبيقولى:
_ ايه دة يابنى؟ انت جاى تهزر ولا ايه؟ الصورة دى عاملة كدة ليه؟
_ ليه بس؟ ايه اللى حصل؟
_ بص الصورة دى وشوف مالها، انت مراجعتش اللى صورته ولا ايه؟
اخدت منه التليفون وبصيت عالصورة اللى بيتكلم عنها، كانت صورة الشيخ اللى كان باصص فيها للكاميرا ، لكن ساعتها
كان وشه مش واضح خالص، دخان جامد مغطى عالوش كله ومش مبين منه اى حاجة، كنت هتجنن.. مانا شايف الصورة وكانت طبيعية ومفهاش مشاكل،قولتله وانا متلخبط:
_ مش عارف، انا متأكد ان الصورة كانت تمام، مش فاهم ايه اللى حصل دة.
_ يعنى ايه كانت تمام؟ ماهى بقية الصور كويسة قدامك اهى، اشمعنى الصورة دى، اكيد متاخدة من الاول غلط.
_ طيب.. ها.. هاتصرف… متقلقش.. متقلقش.
فضلت باصص فى التليفون.. وطلعت برة المكتب، وروحت على مكتبى وانا مش عارف ابعد عينى عن الصورة، قعدت أكلم نفسى واقول: ازاى دة حصل؟ انا متأكد انى شوفت الصورة دى وكانت كويسة، وبالامارة كان باصص للكاميرا زى مايكون عارف انه بيتصور…
وكأن جرس رن فجـأة فى دماغى، افتكرت اللحظة اللى الشيخ بص فيها للكاميرا، قولت لنفسى: معقول يكون هو السبب فى اللى حصل للصورة؟ معقول يكون عنده قدرات خفية او كرامات زى مابيقولو عنه؟
وايه معنى اللى بيحصل معايا دة كله؟ ايه بقى؟ بينفذ تهديده ليا لما قاللى لو فكرت تكتب عنى حاجة هنفخك!!
بس قبل ما ألحق اجاوب على اى سؤال منهم.. لقيت المدير بيطلبنى على تليفون الجريدة، رديت عليه لقيته بيزعق وبيقولى:
_ يومك باين من اوله يامحمد، الملف بتاعك مش عارف افتحه تانى.
_ ماحضرتك فتحته قدامى وقريته ومحصلش حاجة.
_ ورجعت قفلته شوية.. ومن بعدها مفتحش تانى يابنى ادم، الملف فى حاجة غلط، كل ماافتحه الجهاز يجيب شاشة سودة، تعالى شوف ايه الحكاية بالظبط.
رجعت تانى على مكتب المدير، وحاولت اكتر من مرة انى افتح الملف.. لكن فى كل مرة الجهاز يفصل او الشاشة تسود، ونرجع نقفل ونفتح من تانى ومفيش فايدة، حاولنا نبعته او ننقله لجهاز تانى لكن منفعش خالص، الملف كان متعفرت فعلا، كنت حاسس بالعرق البارد اللى غرق جسمى كله، وبقيت فى نص هدومى من المدير اللى واقف وعنيه بتقولى: لا منك عملت المطلوب.. ولا منك فلحت فى غيره،
لكن انا قولتله وانا بحاول اطمنه:
_ متقلقش ياريس.. انا حافظ اللى كتبته بالحرف، هقعد حالا واكتبه من الاول، ادينى بس ساعة زمن وهيكون المقال قدامك.
رد عليا وهو قرفان منى:
_ اعمل اللى تعمله يامحمد، انا اتقفلت عالآخر.
خدت بعضى وروحت على مكتبى.. ورسترت الجهاز، وابتديت اكتب المقال من الاول، الافكار كانت جاهزة فى دماغى، لكن يادوب بعد سطرين حسيت بتنميل فظيع فى ايدى، فى الاول حاولت اقاوم الاحساس دة واكمل كتابة.. لكن لقيت التنميل بيزيد بطريقة مش طبيعية، وفى خلال لحظات مكنتش حاسس بدراعى اليمين نهائى، وبدأت اشك ان اللى بيحصل دة كله.. بسبب انى بكتب عن الراجل دة، قفلت اللاب ومن غير ماابلغ اى حد فى الجريدة، سيبت المكان.. وقولت أروح أحسن، وروحت عالشقة اللى انا قاعد فيها انا واتنين زمايلى، بس فى الوقت دة هما كانوا فى اشغالهم، وانا ماصدقت انى اقعد لوحدى.. عشان اصفى ذهنى ، وافكر براحتى فى كل اللى بيحصل معايا، واقدر اشوف حل للشغل اللى باظ دة،
لما وصلت الشقة.. كنت حاسس انى محتاج افوق شوية قبل مااعمل اى حاجة، دخلت المطبخ.. وعملت ساندويتش جبنة بالطماطم وكوباية شاى، خدتهم وقعدت عالكنبة وفتحت اللاب قدامى، سميت الله وقولت: يالا بقى نبدأ من جديد.. ونشوف هتعمل ايه المرة دى انت وعفاريتك ياشيخ،
فتحت صفحة جديدة، وبدأت اكتب المقال من الاول تانى.. وانا بسترجع كل اللى حصل من ساعة ما دخلت الخيمة، لكن بعد اول سطرين.. لقيت كل اللى بيتكتب على الشاشة بيتمسح لوحده، فضلت اعيد تانى من الاول لكن كل مااخلص سطر الكلام يتبخر ويختفى قدام عينى، قومت وقفت مكانى وانا مستغرب، وقولت: معلش.. مش مهم، يمكن مشكلة فى اللاب ولا حاجة، نكتب على ورق بقى زى زمان، بلاها التكنولوجيا خالص،
قومت دخلت اوضتى.. وطلعت رزمة ورق وقلم وقعدت تانى عالكنبة اكتب المقال النحس دة،
لكن فجأة وانا قاعد بكتب ومندمج، شميت ريحة بخور مش عارف جاية منين، الريحة مكنتش غريبة عليا، كنت حاسس انى شميتها قبل كدة، وبعد شوية افتكرت ان هى دى الريحة اللى شميتها عند الشيخ فى الخيمة، وقفت كتابة وانا مش مرتاح، فضلت اكلم نفسى بصوت عالى وقولت: وبعدين بقى فى القلق دة، اشمعنى الريحة دى اللى اشمها دلوقت، ولا دة حد من الجيران مشغل بخور وبالصدفة نفس الريحة ولا ايه!!
سكت وفضلت مستنى شوية اشوف فى حاجة هتحصل ولا لأ، واما لقيت الدنيا هادية.. رجعت اكتب تانى، وحاولت اكون هادى ومركز فى الورق اللى قدامى عشان انجز، بس وانا باصص فى الورق.. لمحت بطرف عينى حاجة خضرة معدية، زى مايكون حد لابس اخضر معدى جرى من باب الاوضة، رفعت راسى بسرعة ابص اشوف ايه دة، بس مكنش فى صوت ولا أى حركة، قومت من مكانى وروحت وقفت على باب الاوضة، لقيتها فاضية ومفهاش اى حاجة، لفيت على بقية الشقة وفتشت فيها، بس كل حاجة كانت طبيعية ومفيش اى تغيير،
فكرت شوية.. وشوفت ان الافضل انى انزل واسيب الشقة خالص، بصراحة كنت قلقان افضل قاعد فى المكان لوحدى، قولت اروح اقعد فى مكان عام وسط الناس بعيد عن الهواجس دى، لميت الورق اللى كنت بكتب فيه وخدت بعضى ونزلت، وطول الطريق كنت بفكر ازاى اخلص المقال دة بأى شكل، لان مكنش ينفع اروح اقول للمدير معلش اصل كل مااجى اكتبه حاجة غريبة تحصل، كدة ابقى انا بهزر فعلا زى ماقاللى قبل كدة،
وفى خلال دقايق.. كنت وصلت لكافيه صغير قريب من البيت، ولما دخلت.. اخترت ترابيزة هادية فى ركن كدة عشان مفيش حاجة تشوش على افكارى، قعدت وطلبت قهوة وبدأت اكمل كتابة، وقدرت انى اكتب صفحة كاملة من المقال، ودة شجعنى اكتر انى اكمل، واندمجت فعلا والحماس كان واخدنى، لغاية ما لقيت الجرسون جايلى بالقهوة اللى طلبتها، حط القهوة قدامى عالترابيزة وهو ساكت.. رفعت راسى وبصيتله عشان اشكره، بس ملقتهوش نفس الجرسون اللى طلبت منه القهوة، دة كان الشيخ، الشيخ اللى انا قاعد بكتب عنه وبقطع فى فروته فى المقال بتاعى، هو اللى جايبلى القهوة بنفسه، نفس العباية الخضرة، نفس العمة اللى منقوش عليها كلام غريب، ونفس الابتسامة السمجة اللى شوفتها قبل كدة، وقتها مفكرتش ولا لحظة، سيبت كل حاجة وقومت وانا بجرى لبرة الكافيه من غير ما ابص ورايا، طلعت بسرعة وانا سامع الناس اللى كانو شايفنى بجرى بيقولو: الراجل دة مجنون ولا ايه؟
طلعت برة فى الشارع وفضلت ماشى بسرعة، وكل شوية كنت بلف حوالين نفسى وانا متهيألى انه جاى ورايا، مكنتش عارف اروح على فين ولا اعمل ايه، وكنت حاسس بخنقة وعجز رهيب، وان كل الموازين اتقلبت فى دماغى،
انا واحد عمره ماآمن بالدجل ولا الكرامات ولا اى كلام فارغ من دة، يجى واحد زى دة يلعب بعقلى ويشككنى فى نفسى وفى كل حاجة انا مقتنع بيها، ازاى اخلص من اللى انا فيه دة؟ ازاى اكتب المقال من غير ماتجن أو يجرالى حاجة؟
طيب حتى لو هو مش نصاب.. ليه تكون كراماته مؤذية كدة، مش المفروض اللى عنده كرامات دة ميأذيش حد؟ وهو كدة بيأذينى.. يبقى ايه؟ الراجل دة يطلع ايه؟
مسكت دماغى ووقفت فى نص الشارع وانا حاسس بالافكار والاسئلة بتاكل دماغى، كنت تايه وضايع وحتى مش عارف ألجأ لمين،
وبعد تفكير طويل.. ومشى كتير لغاية مانفسى اتقطع، قررت انى ارجع طنطا تانى واواجهه، كان جوايا شحنة غضب وعاوز افجرها فى وشه،
روحت على محطة القطر.. وسألت على اول قطر رايح على طنطا، قالولى ان القطر فاضل عليه ساعة ونص، قولت مش مشكلة هستناه، ودخلت قعدت فى الكافتيريا اللى عالمحطة.. وطلبت كوباية شاى لغاية ما القطر يجى،
طلعت تليفونى وفضلت اقلب فيه، وفى نفس الوقت كنت براقب نفسى وبراقب المكان وانا خايف يحصلى اى حاجة تانية، لكن عدى نص ساعة كاملة ومحصلش اى حاجة، خمنت ساعتها انى عشان محاولتش اشتغل فى المقال فالدنيا هادية، بس بعد شوية قومت دخلت الحمام قبل القطر مايجى، الحمام كان فى اخر الكافتيريا خالص، روحت لهناك واما دخلت مكنش فى حد جوة غيرى، والمكان كان هادى خالص ومفهوش اى صوت.. لانه بعيد شويتين عن الناس اللى قاعدين برة، خلصت ووانا واقف بغسل ايدى.. حسيت بحد بيتحرك ورايا، بصيت ورايا بسرعة ملقتش حد، رجعت كملت اللى بعمله بسرعة.. وخلصت وطلعت برة وانا قلبى بيتنفض من الرعب، وقتها خلاص بقيت متأكد ان انا مش بيتهيألى، انا فعلا فى حاجة غلط بتحصلى بسبب الراجل دة، وفجأة سمعت اذان العصر بيأذن وقطع افكارى اللى كلها خوف ويأس، ورغم انى مش من الناس المنتظمة عالصلاة.. لكن فى حاجة شدتنى انى ادخل المسجد اللى جنب المحطة واصلى جماعة، خصوصا ان كان باقى لسه وقت على ميعاد القطر، رجعت تانى الحمام اتوضيت بسرعة وانا خايف، وبعدها دخلت المسجد ووقفت وصليت مع الموجودين، وبعد ما خلصنا الصلاة.. كنت حاسس انى لسه شايل هم كبير على قلبى، دورت بعينى عالشيخ اللى صلى بينا، قولت اتكلم معاه شوية يمكن أرتاح، لقيته كان قاعد على جنب بيكمل تسبيحه، وحواليه كام واحد بيسلموا عليه وبيتكلمو معاه، قربت منه وانا متردد، واستنيت لما الناس اللى معاه مشيو، وبدون مقدمات سألته:
_ ممكن ياشيخ اخد رايك فى حاجة مهمة؟ الموضوع مهم اوى وانا مش عارف اعمل ايه!!
_ خير ياأستاذ اتفضل، ويارب يقدرنى واساعدك.
لقيت نفسى بحكيله على كل حاجة حصلت معايا من البداية، من اول ما سمعت عن الشيخ ودخلت خيمته، وقولتله كمان على كل حاجة محيرانى، واد ايه الشخص دة قدر انه يهز ثقتى فى نفسى، ويخلينى اصدق فى حاجات عمرى ما صدقت ان ليها وجود، وفى اخر كلامى قولتله:
_ ياشيخ انا مش فاهم ايه اللى بيحصلى، انا طول عمرى لا بصدق فى بركة ولا كرامات، وعمرى ما آمنت بالكلام دة، لكن انا بقيت خايف من اللى بشوفه، ومبقتش بقدر افرق بين الوهم والحقيقة.
رفع راسه عن السبحة اللى فى ايده وبصلى وقال:
_ بص ياأستاذ.. اول حاجة لازم تبقى متأكد منها وتحطها فى دماغك.. ان الشخص اللى اتكلمت عنه دة مش شيخ ولا حاجة، وانه فعلا شخص مش كويس، وتانى حاجة لازم تبقى عارف ان الخوف هو اللى بيخلينا نصدق حاجات ممكن جدا تكون مش حقيقية، الشيطان بيستغل الخوف اللى جوانا عشان يلعب بعقولنا، عشان يحسسنا اننا ضعاف، وان فى حاجات فى الكون اكبر من قدراتنا، هو دة دوره.. انه يوسوس ويخلينا نشك.
_ يعنى حضرتك شايف ان اللى بيحصل معايا دة وهم؟
_ مش بالظبط، لازم تتعامل مع اللى بيحصلك بحذر، لان اللى زي الشخص دة معظمهم بيكون مسخر جن كافر والعياذ بالله، واللى من خلاله بيقدر يلعب بالعقول زى ماحصل معاك، يعنى مثلا لما روحتله الخيمة.. عرف منين انك جاى عشان تكتب عنه، هنا الجن اللى هو مخاويه بيستجوب قرينك.. ويعرف منه كل حاجة، وهى دى الطريقة اللى خدعك بيها وبيخدع غيرك كمان، الناس لما تلاقى الراجل دة عارف كل حاجة من غير مايقولو هما بنفسهم.. يبدأوا يصدقوا انه صاحب كرامات ومفيش زيه، شوف يا أستاذ..لازم تحافظ على ايمانك وتتحصن، ومتسمحش لاى حاجة انها تسيطر عليك او تخوفك.
_ طب ايه رأيك انى اروحله؟ انا كنت ناوى اخد اول قطر واروح اواجهه.
_ مش كل حاجة نقدر نحلها بالمواجهة، ساعات بيبقى الصح انك تبعد وتحل الامور بالهدوء والصبر، مش يمكن لو روحتله من تانى تلاقى نفسك فى مشكلة أكبر، او يورطك فى حاجة متعرفش تخرج منها!!
سكت وانا بفكر فى كلامه، فلقيته بيكمل وقال:
_ لو فعلا عاوز تحل المشكلة دى، ابدأ بالقرآن والصلاة والتحصين، والراجل دة مسيره ينكشف فى يوم من الايام.
_ طب والمقال اللى انا مش عارف اكتبه؟
الشيخ سكت شوية وبعدين قاللى:
_ اكتب المقال، لكن متركزش عليه هو شخصيا، اتكلم عن الظواهر دى بشكل عام، اكتب عن الناس اللى بتلجأ لناس زيه عشان يوهموهم انهم يقدروا يحلوا مشاكلهم، استخدمه كمثال من غير ماتدخل فى تفاصيل كتيرة عنه، كدة هتكون بتعمل شغلك من غير ماتدخل فى مواجهة معاه.
كلامه كان مقنع، ومكنش قدامى حلول تانية للاسف، بس برضو المدير مكنش هيمشى معاه الكلام دة، وفى نفس الوقت انا كنت عاوز اكشف الراجل دة،قولتله وانا لسه متردد:
_ هحاول اعمل كدة، بس لو حصل اى حاجة تانية.. ممكن ارجعلك؟
ابتسملى وقاللى:
_ طبعا، انا هنا لو احتجت اى حاجة.
مشيت من عنده وانا حاسس بهدوء وراحة، لانى فعلا كنت على آخرى ومحتاج اتكلم وافضفض مع حد يفهمنى، خدت بعضى وروحت عالشقة.. شغلت القرآن فيها ومبقتش افصله خالص، حافظت عالصلاة واذكار التحصين، بس قبل ماأرجع لكتابة المقال تانى.. جمدت قلبى وبلغت عن الراجل النصاب دة، عملت بلاغ من فاعل خير.. كأنى واحد بيتفسح فى المولد وشاف الراجل دة والنصب اللى بيعمله، وفعلا خلال فترة قليلة.. كان اتجاب واتقبض عليه، وقضيته سمعت فى كل حتة، ودة خدم مقالى أكتر، وبصراحة انا مسمعتش كلام الشيخ اللى فى المسجد لما قاللى مكتبش عنه، لانى بعد ما قربت من ربنا، ورميت الخوف ورا ضهرى، وكمان الراجل اتقبض عليه، قدرت انى اكتب المقال زى ما كنت ناوى بالظبط، صحيح حصلى فى الاول شوية عكوسات.. لكن بعون الله كل الامور بقت تمام، وقدرت اعمل شغلى واحقق التارجت، وفى نفس الوقت قدرت اتخلص من افعى سامة كانت بتتمشى عندنا فى البلد.. دة غير انى أنقذت امى من نصبه وغيرها من الستات الطيبين اللى بيصدقوا اى حاجة ويجروا وراها،
يالا الحمد لله.. هستنى بقى المولد اللى جاى عشان اشوف الكلام هيبقى على ايه!!
تمت