قصة شبح البيت القديم -هو أنت ورثت يا كريم؟
-أورث مين يابني؛ أنا جدي الله يرحمه كان على الحديدة، وتقريبًا اتزنق في تمنها قبل ما يموت قام بايعها.
-يعني حتى الحديدة جدك الله يرحمه استخسرها في أبوك!
-الورث الوحيد اللي أبويا أخده من جدّي هو اسمه؛ وحساسية الجيوب الأنفية، وهو نفس الورث اللي هورثه.
-ولما الحكاية كده؛ ليه فاتح صفحة عقارات للبيع من ساعة ما قعدنا على الكافيتيريا، أنا قُلت أبوك طلع وارث وأخيرًا حَن عليك وهيفُك الكيس.
-والله يا عصام ما فتحت صفحات ولا حاجة، دَه إعلان ممول ظهر لي وكأنهم شايفين معايا فلوس أنا نفسي مُش شايفها، ولما جيت أخفي الإعلان تاتش التليفون علَّق؛ وإيدي ضغطت على اسم الصفحة بالغلط؛ عشان كده اتفتحت.
-أومال مخرجتش منها ليه؟
-ياعم بقول لَك التاتش معلَّق، بحاول أخرج منها ومش عارف.
كبرت دماغي لأن الحكاية دي بتحصل كتير مع كريم، أصل تليفونه بعافية شوية.. وبرغم إن الموضوع حصل معاه صدفة، لكن لاحظت إنه مركز مع الصفحة، وهو دَه اللي كان لافِت نظري، عشان كده قُلت:
-مُش بتقول يابني إنك دخلت الصفحة بالخطأ؛ قاعد بتقرأ فيها ومندمج ليه بقى؟!
-أصل كل العقارات اللي الصفحة بتعلن عنها في مصر، وفي نفس الوقت في إعلان عن بيت قديم تصميمه مش مصري، ومكتوب العنوان عشان لو حد حابب يروح يعاين العقار.
-طبيعي يكتبوا عناوين البيوت عشان اللي حابب يعاين البيت يروح، وجايز صاحب البيت كان مسافر برَّه ولا حاجة، ولما رجع بنى بيت على نفس تصميمات بيوت البلد اللي كان عايش فيها.
-المعلومة مش وصلاك يا عصام، البيت مُش مصري، والعنوان اللي مكتوب ميلتون؛ فلوريدا.
-قصدك إن البيت أصلًا في ميلتون؛ فلوريدا؟ يعني لو حابب أتفرج على البيت أروح أجيب فيزا لأمريكا وأحجز طيران رايح جاي؟
-بالظبط كده، ومعرفش ليه صفحة عقارات مصرية تعرض إعلان بيع بيت قديم في أمريكا بصراحة.
الحكاية كانت غريبة فعلًا؛ ولأني كنت عايز أتأكد من كلام كريم، دخلت من تليفوني وعملت سيرش على الصفحة، لأن مكانش عندي بال طويل يتحمل تليفون كريم اللي التاتش بتاعه بيعلَّق، ولما لقيت الصفحة ودخلتها؛ بدأت أقلِّب في بوستات الإعلانات، نزلت لتواريخ قديمة وملقتش حاجة من اللي كريم بيقول عنها، عشان كده سألته:
-هو بوست الإعلان اللي نازل بتاريخ كام يا كريم؟
-البوست بتاريخ النهارده، لأنه نازل من كام ساعة بس.
رجعت لبداية الصفحة من تاني؛ قلت جايز عدّيت عليه ومأخدتش بالي، ولما وصلت للبوستات الجديدة؛ برضه ملقتش حاجة من اللي كريم قال عليها، ولما قُلت له إن مفيش حاجة، لقيته بيوريني تليفونه؛ ساعتها شُفت إعلان البيت فعلًا، بيت قديم كان له أكتر من صورة، كل صورة كانت من زاوية مختلفة، البيت مكانش متوفّر له صور من جوَّه، والعنوان فعلًا كان مليتون؛ فلوريدا، السِّعر مكانش مكتوب، لكن كان مكتوب جملة تانية؛ البيت قديم؛ وفيه ساكن غير قابل للرحيل، وإن السعر مناسب لأصحاب الذوق الغريب ومحبي الخوارق!
لما شُفت الكلام ده؛ بدأت أفسَّره على إن دي مجرَّد تهنيجة من تليفون كريم، وجايز تليفونه يكون خرَّف لدرجة إنه دخّل بوستات الصفحات في بعضها، بيت إيه ده اللي مناسب لمحبي الخوارق، أكيد كان بيتصفّح صفحة بتتكلم عن ظواهر غريبة والتليفون علَّق وهو بيخرج منها، ولما دخل الصفحة دي والدنيا مهنجة البوستات دخلت في بعضها، أكيد الفيس بوك محتاج يتعمل له ريفريش عشان الدنيا تظبط.
معلَّقتش على الموضوع وكبرت دماغي، كملنا قعدتنا على الكافيتيريا؛ وبعدها خلصنا المحاضرات اللي ورانا وكل واحد رجع على بيته، وبعد ما قعدت شوية مع أمي؛ دخلت أوضتي قبل المغرب بشوية وقفلت ورايا الباب، وفي الوقت ده ولحد ما تظهر صفحة الموقع بعد المغرب، قُلت أسلّي نفسي مع المكتبة بتاعتي، كان عندي رغبة أقرأ في أي كتاب من اللي بيحكي عن الظواهر الغريبة، عشان لما الموقع يظهر يخليني أروح أي مغامرة جديدة.
الوقت فات وملقتش أي موضوع يشبع شغفي، لحد ما بدأت أسمع صوت أشبه بالفحيح، الصوت كان جوه أوضتي، في حد بيتكلم وكأنه بيهمس، ولما دققت في الصوت لقيته جاي من اللاب توب اللي كان مفتوح، وبما إن الموضوع اللي كنت بقرأه مكانش فيه صوت حد بيتكلم، فعرفت إن الموقع النهارده قاصد حاجة مختلفة غير اللي كنت بقرأها.
بدأت أقرَّب من اللاب توب، بصيت في شاشته ولقيت صفحة الموقع موجودة، مكانتش بتعرض أي حاجة، صفحة باللون الأسود زي ما اتعودت أشوفها في بداية ظهورها، لكن صوت الفحيح كان طالع منها، ولما ركزت شوية عرفت إنه صوت بِنت بتقول:
“أنا مُش هسيب البيت”!
الطريقة اللي البنت بتتكلم بيها بتقول إنها مُش مصرية، ولا حتى عربية، دي لهجة واحدة بتتكلم لغة إنجليزية وبتحاول تتكلم عربي، عشان كده بتتكلم عربي مكسَّر، وبتقول إنها مُش هتسيب البيت!
مكنتش عارف مين دي ولا بيت إيه اللي بتتكلم عنه، الشاشة باللون الأسود، مفيش أي صورة معروضة عليها، لا للبنت ولا للبيت، عشان كده مكنتش قادر أعرف الرحلة فين الليلة دي؛ لحد ما لقيت نفسي ببُص حواليا، المكان متغيَّر، ولاحظت إني واقف في حديقة بيت قديم، الأشجار من حواليا أوراقها واقعة، ولأن الدنيا ليل ومفيش إضاءة، مكنتش قادر أتعرف على المكان كويس.. بدأت أتحرَّك لقدام، وبعد كام خطوة قدرت أشوف لوحة مكتوب عليها بالإنجليزي، لكني ترجمتها، “بيت قديم للبيع؛ لمحبي الظواهر الغريبة”، في اللحظة دي افتكرت حواري مع كريم لما كنا قاعدين في الكافيتيريا، وعرفت إن تليفونه مكانش مهنّج ولا حاجة، الحكاية كانت مقصودة؛ بالدليل إني هنا دلوقت وفي نفس المكان، وبقرأ على اللوحة نفس الكلام اللي قرأته في البوست تحت صورة البيت من على تليفون كريم.
بدأت أتحرك من قدام اللوحة وأكمل طريقي، وبعدها بكام متر لقيت نفسي قدام بيت، كان طبق الأصل من الصورة اللي كانت في البوست، وقفت قدام بابه المقفول وأنا بفكر إيه اللي ممكن يكون وراه، وساعتها سمعت صوت البنت من تاني: “أنا مُش هسيب البيت”!
-مين دي اللي بتقول مُش هتسيب البيت؟
بصيت للصوت اللي جاي من ورايا؛ ولقيته كريم، ظَهر فجأة كالعادة وكان سامع صوت البنت وبيسألني، مقدرتش أجاوبه لأن مفيش عندي معلومة، لسه لحد دلوقت عامل زي الأطرش في الزفة، معرفش أي حاجة عن المكان هنا، وده خلاني أقول له:
-بما إنك مُش عارف مين دي؛ ولا أنا أعرف، يبقى نروح نسأل تليفونك اللي هنِّج وخلانا نيجي هنا.
-مُش فاهم تُقصد إيه! إيه علاقة تليفوني بأحلامي اللي دايمًا بتشاركني فيها؟
آه؛ هو كريم وسؤاله الغبي في كل رحلة، اللي زهقت من الإجابة عليه، عشان كِدَه قُلت له:
-أنا رأيي نسيبنا من الكلام ده؛ ونركّز عشان نعرف إحنا هنا ليه.
قُلت الكلام ده وقربت من باب البيت، ولقيته جاي ورايا، ولما وقفنا قدام الباب سمعنا وراه صوت بنت بتغنّي، الصوت كان هو نفسه اللي سمعته في اللاب توب؛ وسمعته من شوية، وبما إن البيت ضلمة والتُراب متراكم على الباب والشبابيك، دليل على إن مفيش حد عايش فيه؛ فسألت كريم:
-أنت سامع؟
-في بنت بتغنّي جوَّه.
وبعد ما جاوبني بَص على الباب اللي قدامنا وكمل كلامه…
-مُش البيت ده المفروض إنه مهجور؟ شكله بيقول كده، مين بقى اللي جوَّه دي وبتغنّي؟!
-إحنا بقى هنا عشان نعرف إجابة السؤال بتاعك ده.
منتظرتش كتير، مديت إيدي وفتحت الباب، الغريبة إنه اتفتح بكل سهولة، زي ما يكون مقفول من غير مفاتيح أو ترابيس، دخلت وكريم دخل ورايا، الدنيا كانت ضلمة لدرجة إني مكنتش شايف إيدي..
اتفاجئنا بصوت البنت بيظهر من تاني، كانت بتغنّي زي ما سمعناها وإحنا برَّه، لكن في تفصيلة جديدة حصلت، سمعنا مع صوت البنت عزف بيانو، إيقاعه كان مناسب لرِتم الأغنية اللي البنت بتغنيها، ولسه كنت هعلَّق على إننا مُش شايفين حاجة، ولقيت المكان نوَّر، والمفاجأة إن الضوء كان جاي من ناحية كريم، اللي اتفاجئت إنه ماسك ولاعة في إيده، ولأن كل الرحلات اللي طلعناها عن طريق الموقع، محصلش إن كان في حد مننا معاه حاجة؛ فكنت مستغرب كريم جاب الولاعة منين، وده اللي خلاني أسأله:
-الولاعة دي منين يا كريم؟
-أصل دخلت أعمل شاي قبل ما أنام؛ ولعت البوتاجاز وحطيت الولاعة في جيبي، ونسيت ونمت بيها
-تصدق أنت هتجلطني!
لقيته بَص لي وصابعه ساب زرار الولاعة والدنيا ضلِّمت من تاني، وسألني:
-هجلطك ليه يعني؟
-يابني ولَّع أم الولاعة دي بدل ما آخدها وأولَّع فيك.
ساعتها النور رجع من تاني لما ولَّعها، وكملت كلامي وقُلت…
-أهي جت بفايدة، زي ما تكون الدنيا مترتبة.
قطعنا الجدال اللي كنا فيه لما صوت البنت وعزف البيانو رجعوا من تاني، وفي ضوء الولاعة المرة دي قدرنا نشوف بيانو قديم، التُراب متراكم فوقه والعنكبوت ناسج خيوطه عليه، كل ده كوم والبنت اللي كانت قاعدة قدام البيانو كوم تاني، كانت لابسة فستان أبيض، وشعرها أصفر نازل لنُص ضهرها، فضلت تعزف وتغني بصوت زي الفحيح، لحد ما لقينا ضوء الولاعة بيتهز، في اللحظة دي البنت التفتت ناحيتنا، هيئتها من ضهرها مكانتش توحي بشكل وشّها، لأن لما شُفنا ملامحها لقيناها مخيفة، وشها كان لونه أزرق ولسانها طالع لبره، عينيها مفتوحة على الآخر ولونها أبيض، وبمجرد ما شُفنا المنظر ده قدامنا لقيت كريم بيقول:
-هي بتبُص ناحيتنا ليه؟
همست في ودن كريم عشان ميتكلمش، لأني كنت مدرك إنها مُش بتبُص ناحيتنا.. في اللحظة اللي التفتت فيها كنت سامع صوت خطوات بتقرب من ورانا، وجايز لأن الصوت كان ضعيف كريم مكانش سامعه، ولما صوت الخطوات ظهر أكتر؛ وحسيت إنه قريب مننا، بصيت ورايا عشان أشوف مين اللي موجود، ولما كريم شافني بصيت ورايا بَص هو كمان، في اللحظة دي شُفنا شاب لابِس بدلة، كان واقف مذهول وهو بيبُص ناحية البيانو، وساعتها فهمت إن البنت كانت بتبُص ناحيته، ضحكتها المخيفة ليه ونظرته المذهولة ليها كان بيقول إن في بينهم حاجة، وفهمت دَه لما لقيت الشاب بيتكلم بلسان متلجلج وبيقول لها:
-أنتي.. أنتي رجعتي إزاي يا إيزابيلا؛ أنا قتلتك ودفنتك بإيدي!
في اللحظة دي بدأت أفهم جزء من الحكاية، بما إن هيئة البنت بتقول إنها ميّتة، وكلام الشاب ده بيقول إنه قتلها، يبقى الجريمة وقعت في البيت ده، وأكيد حادثة القتل هي السبب في إنها تظهر من تاني بالشكل ده، مهما كان دي ماتت مقتولة، واللي بيموت مقتول بيظهر الشبح بتاعه، ودي حاجة مفيش ثقافة من الثقافات بتختلف عليها..
وقفت تفكيري لما سمعت صوت البنت ارتفع أكتر وهي بتقول:
“أنا مُش هسيب البيت يا جاك”!
بمجرد ما البنت قالت كده لقيناه وقع في الأرض؛ وبدأ يزحف وهو قاعد وبدأ يرجع بضهره لوراه، لحد ما قرَّب من باب البيت وخرج وهو على الوضع ده..
الوقت اتبدّل وبقينا بالنهار، لكننا في نفس المكان اللي كنا فيه، تفاصيل البيت من جوه ظهرت، بيت كلاسيكي جميل، أول حد شُفناه هي نفس البنت، كانت قاعدة قدام البيانو بنفس الهدوم، وبتعزف نفس الموسيقى وبتغني نفس الأغنية، لكن صوتها المرَّة دي كان طبيعي، مكانش فحيح زي ما سمعناه في البداية، أول ما شُفنا نفسنا في المشهد ده؛ عرفت إن الأحداث بتتعاد من البداية، من قبل ما الجريمة تحصل..
اتفاجئت إن كريم بيغمزني في كتفي، ولما بصيت أشوفه عايز إيه؛ لقيته بيقول لي:
-نفس الشاب اللي خاف من البنت في الضلمة نازل على السلم.
كان بيتكلم معايا وبيشاور بإيده، بصيت في نفس الناحية ولقيت جالك نازل على السلم، كان بيربط الببيون بتاع البدلة، وأول ما البنت لمحته وقفت عزف وسابت البيانو وقامت، ساعتها راحت ناحيته، بدأت تتكلم معاه وقالت:
-أنت لحد دلوقت مش عاوز تنفذ اتفاقنا.
ساعتها مسكها من كتفها وقربها منه وقال لها:
-إيزابيلا؛ أنتي عارفة إني بحبك، وهو دَه أهم حاجة.
-لكن اتفاقنا إننا نتجوز لو حصل حمل.
-إيزابيلا؛ أنا مأنكرتش اتفاقي معاكي، بس أنتي لسه عندك 15 سنة، أي نعم حبينا بعض وده حقنا، لكن شايف إن خطوة زي دي لسه بدري عليها، إحنا عايشين مع بعض، ومش عارف إيه سبب القلق اللي عندك!
-أنا أعرف القانون يا جاك، كل اللي محتاجينه إنه يكون حصل حمل، وبعدها موافقة الوالدين والقضاء.. إحنا نقدر نثبت الحمل عن طريق التحاليل، وبعد كده نكمل باقي إجراءتنا.
-إيزابيلا حبيبتي؛ لسه بدري، أوعدك إننا هنتجوز رسمي أول ما أحس إننا مؤهلين.
سابها ومشي، وبعدها البنت وقفت وهي في حالة غضب غريبة، لكن ملامح كريم كانت لافتة نظري أكتر من البنت، وده اللي خلاني سألته:
-مالك؟
رد عليا بكلمة واحدة سألني بيها:
-إزاي؟
-هو إيه اللي إزاي؟
-هي إزاي حامل؟
-مُش فاهم فين السؤال برضه، عايز تعرف حملت إزاي يعني ولا إيه حكايتك أنت كمان؟!
-لأ عايز أعرف هي إزاي حامل قبل الجواز يعني؟
-عادي يا سيدي، انفتاح، الدنيا هنا غير عندنا، هنا كل واحد بيعمل اللي هو عايزه تحت بند الحريات، أنت مش بتشوف أفلام أجنبية ولا إيه؟
-بَس دي حاجة غريبة يا أخي.
-والله أنت اللي غريب؛ بصفحة العقارات بتاعتك اللي جابتنا هنا دي.
وقفنا جدالنا لما الوقت اتغيّر، الدنيا كانت ليل، بس هدوم إيزابيلا اللي كانت لبساها وهي قاعدة بتعزف على البيانو كانت بتقول إننا لسه في نفس اليوم، ساعتها شُفنا جاك داخل من الباب، في اللحظة دي إيزابيلا قامت من قدام البيانو ووقفت قدام جاك وقالت له:
-من وقت ما قُلت لك إني حامل وأنت طول اليوم بتكون برَّه، أنا عايزة تنفذ وعدك معايا، خصوصًا إن القانون بيسمح بالجواز من سن 15 سنة في حالة الحمل.
في اللحظة دي جاك ابتسم ابتسامة باردة، وهو بيقرب منها وبيملّس على شعرها وقال:
-حبيبتي، إحنا مش هنكون أول اتنين حبوا بعض وخلفوا؛ وبعدها اتجوزوا لما حسوا إنهم مؤهلين للجواز.
-لكن دَه مكانش اتفاقنا يا جاك.
لهجة جاك لما اتغيرت معاها عرفت إن صبره نفد، لأنه قال لها:
-إيزابيلا؛ ياريت نفقل الموضوع ده، قُلت لِك مش وقت مناسب للجواز.
-والطفل اللي بيتكوّن في بطني.
-ابني وأنا معترف بيه، ولكن برضه مش وقته.
-أنا مُش هقبل إن الطفل يتولد غير وإحنا متجوزين، لسّه مفيش حد يعرف إني حامل، وعايزة أعلن الخبر لأصحابنا وإحنا متفقين.
ساعتها ملامح جاك اتبدلت تمامًا، بقت ملامح قاسية، حتى لهجته اتبدّلت وهو بيقول لها:
-خلاص؛ اجهضي الجنين.
-أنت مجنون يا جاك؛ مجنون.. عايزني أقتل طفلنا عشان أنت شايف إننا لسه مش مؤهلين!
-ده آخر كلام يا إيزابيلا.
سابها وطلع على فوق، لكنها جريت وراه وشدّته من جاكيت البدلة، وبمجرد ما عملت الحركة دي أعصاب جاك فلتت، حصلت بينهم خناقة وضربها بالقلم على وشها، وساعتها هي ردّت له القلم، وقالت له “يا حقير”؛ لما حصل كده جاك جَن جنونه، ساعتها مسك رقبتها بإيديه الاتنين وفضل يضغط عليها لحد ما إيزابيلا وشها ازرق وعينيها برَّقت وبقت شبه بيضا، ولسانها خرج من بوقها، بالظبط بقت في نفس الشكل اللي شُفناها فيه أول مرة، ولما حس إنها معادتش بتقاوم ساب رقبتها، في اللحظة دي نزلت جثة هامدة في الأرض!
لما جاك فاق من لحظة الغضب اللي كان فيها أدرك إنه ارتكب جريمة، بدأ يفتح الببيون وهو بياخد نفس عميق، زي ما يكون بيفكر إزاي يخرج من الورطة اللي حط نفسه فيها، ساعتها قلع جاكيت البدلة وشد إيزابيلا من رجليها؛ وسحبها ناحية باب خشب صغير، ولما فتح الباب؛ شُفنا سلم نازل لتحت لمكان ضلمة، عرفنا إنه بدروم وإنه بيحاول بيداري الجثة فيه، ولما أخدها ونزل، لقينا المكان اتغير من حوالينا وبقينا في البدروم، واكتشفنا وقتها إن جاك مكانش بيداري جثة إيزابيلا بشكل مؤقت، ده كان بيدفنها في البدرم!
فضلنا واقفين لحد ما دفنها، سحب كنبة قديمة في البدروم وحفر الأرض من تحتها، وبعدها حطها في الحفرة وردم عليها، ولأن الأرض كانت تُرابية فكان من السهل إنه يساوي التراب، بحيث ميبانش إن كان في حفرة في المكان، وبعدها رجّع الكنبة في مكانها..
لما انتهى من دفن إيزابيلا أخد بعضه وطلع فوق، وإحنا كمان اتفاجئنا بنفسنا فوق، شُفناه وهو بيقفل باب البدروم وبيتأكد إنه قفله كويس، وبعدها راح قعد قدام آلة كاتبة، اتفاجئنا لقينا نفسنا وراه، ولما ده حصل عرفت إن اللي هو بيكتبه شيء فاصل في الأحداث، وفعلًا لما وقفنا وراه لقيناه بيكتب الآتي:
“عزيزي جاك؛ بشكرك على الفترة اللي قضيتها معاك، لكن لازم أعترف لَك بشيء مهم، اتضح لي إن شعوري ناحيتك الفترة اللي فاتت كان شعور مُزيّف، عرفت ده بعد ما حبّيت بجد، ويؤسفني إنك هترجع البيت مُش هتلاقيني؛ لكن هتلاقي خطابي، وفي الوقت اللي هتكون بتقرأ فيه الخطاب؛ هكون مع الشخص اللي قلبي اختاره، وبالمناسبة؛ اتفقت معاه إننا نسافر ونبدأ حياتنا في مكان بعيد، بشكرك على الفترة اللي قضيناها سوا.. إيزابيلا”.
بعد ما جاك انتهى من كتابة الخطاب، أخد الورقة وقام قعد على كرسي في الريسيبشن، الوقت فات وهو قاعد في مكانه، لحد ما النوم غلبه، واتفاجئنا إن النهار طلع وهو على الوضع ده، وساعتها سمعنا باب البيت بيخبط، في الوقت ده جاك قام من النوم وفتح الباب، شُفنا شاب في نفس سنه، ولما سأله عن سبب إنه لسه بالبدلة، رفع الخطاب قدام وشه وقال إنه مجالوش نوم بسبب خطاب إيزابيلا؛ اللي اتفاجئ بيه بعد ما رجع ليلة امبارح، الشاب كان بيقرأ الخطاب وهو مصدوم، ويادوب ساعات وكل اللي يعرف بالعلاقة بين إيزابيلا وجاك كانوا عارفين إنها هربت مع واحد تاني، جاك لعب اللعبة صح، خطط لها بعقل ماكر، لكن في الليلة دي شُفنا نفسنا في البيت من جوه، سمعنا عزف البيانو بالموسيقى اللي سمعناها أول مرة، وشُفنا إيزابيلا وهي قاعدة بتعزف، وبتغني بصوتها اللي شبه الفحيح، نفس المشهد اللي في البداية كان بيتكرر، الفرق الوحيد إن نور البيت كان شغال، ساعتها شُفنا جاك وهو داخل من الباب، وقف مصدوم من تاني لما شافها، ولما إيزابيلا التفتت ناحيته بوشها المخيف قالت نفس كلامها اللي فات، لكنه كان زايد عليه تفصيلة جديدة: “أنت قُلت إني سيبت البيت وهربت مع واحد تاني، لكني أنا مُش هسيب البيت ده”!
مشهد جاك وهو بينزل على الأرض وبيزحف اتكرر من تاني، لحد ما خرج من الباب على نفس الوضع، بعدها الوقت اتبدل وكنا جوه البيت، شُفنا جاك وهو قاعد مع كام واحد من أصحابه، كانوا بيواسوه عشان الظروف العاطفية اللي بيمُر بيها، ومحدش كان يعرف اللي فيها، واتفاجئنا بكلامه لما كان بيقول لهم إنه هيبيع البيت ويمشي، لأنه مش هيقدر يستمر فيه بعد إيزابيلا.
أنا وكريم كنا فاهمين سبب قرار بيع البيت، لأنه أدرك إن روح إيزابيلا ساكنة البيت ومش هتمشي، بعد ما شافها قدام البيانو وهي بتأكّد له على كده، ومكانش قدامه غير إنه يمشي، لأن وجوده في مكان واحد مع شبح حد هو قتله، أكيد هينتهي بهلاكه، وأي حد مكانه كان هيبقى مُدرك ده.
الوقت اتغير واتفاجئنا بشخص في البيت، بيظهر لأول مرة، لكنه كان بيتكلم في التليفون الأرضي وبيقول:
-عايز حد يشتري البيت، من وقت ما اشتريته وأنا بشوف فيه شبح بنت، بسمعها بتغني بصوت مخيف، وبسمع البيانو بيعزف لوحده، وأحيانًا بسمعها بتقول لي إنها مُش هتسيب البيت، الجيران بدأوا يلاحظوا أضواء البيت وهي بتقيد وتطفي من نفسها وأنا برَّه، وبيشوفوا الستاير وهي بتتهز في عز الصيف، وبدأ يحصل كلام إن البيت مسكون، وده هيخلّي حال البيت يقف ومش هعرف أبيعه، أنت سمسار وتعرف تتصرف.
بعدها أخد نفسه وكمل كلامه…
-عندي فكرة كويسة، إحنا ممكن نعمل إعلان ونقول: لمحبّي الخوارق والظواهر الغريبة، بيت قديم للبيع بالشبح اللي ساكن فيه؛ عشان لما الزبون ييجي ميهتمش بكلام الناس اللي بيتقال عن البيت، بالعكس؛ كلامهم هيشجعه يشتري بيت فيه ظواهر غريبة وأحداث خارقة.
لحد هنا المشهد انتهى، لقينا نفسنا واقفين قدام البيت من بره، البداية بتتعاد من تاني، بس المرة دي كريم كان موجود جنبي، شفنا اللوحة اللي مكتوب عليها بيت قديم؛ مناسب لمحبي الظواهر الغريبة والخوارق، وكنا سامعين صوت إيزابيلا جوه البيت وهي بتغني بصوت زي الفحيح، وسامعين صوت البيانو، منظر البيت بالتراب المتراكم عليه بيقول إن فات سنين طويلة، لا البيت اتباع؛ ولا إيزابيلا سابته، ولا السمسار شال لوحة الإعلانات اللي حطها، كل حاجة كانت على وضعها برغم إن فات سنين طويلة، وفي عز ما كنا مركزين مع البيت، سمعنا صوت فرامل عربية، مشينا ناحية الطريق بره ولقينا عربية داخلة في عمود إنارة قدام البيت، وحوالين منها ناس، ولما قربنا من المشهد، عرفنا إن سواق العربية مات من شدة الخبطة، لكن ملامحه مكانتش غريبة، قدرت أعرف إنه جاك؛ حتى لو كان الزمن غيَّر ملامحه، واتأكدنا من ده لما واحد من اللي واقفين قال: ده جاك مالك البيت القديم، باع البيت من سنين طويلة، وفي النهاية مات في حادثة قدامه!
كنت عارف إن الحادثة مكانتش صدفة، شبح إيزابيلا هو السبب، واستغل وجود جاك وهو سايق قدام البيت وتدخَّل واتسبب في الحادثة، مفيش شبح بيسيب اللي قتله في حاله، وما بيصدق تيجي قدامه الفرصة عشان ياخد حق القتيل، ودي حاجة كنت متأكد منها تمامًا، زي ما أنا متأكد إن الشبح برضه هو اللي ورا بقاء البيت على نفس الوضع، عشان ينفّذ بوعده بعدم خروجه من البيت.
المشهد اتغير والحادثة اختفت، ولقيت نفسي واقف قدام البيت، بس كنت لوحدي وكريم مكانش موجود، كنت سامعها جوه بتغني وبتعزف على البيانو، وساعتها بس فهمت معنى إنها مش هتسيب البيت اللي جاك اتهمها إنها هربت منه، دي سكنته بالمعنى الحرفي وحال البيت اتوقف، عشان تفضل جثتها جوه، والشبح بتاعها يفضل يحرسها.
بعد المشهد ده؛ لقيت نفسي واقف قدام اللاب توب في أوضتي، بعد ما فهمت اللي فيها وحكاية البيت اللي ظهر في صفحة مالوش علاقة بيها، بس ظهر عشان إحنا كان مكتوب لنا نروح هناك، ونشوف حكاية غريبة عننا، أي نعم مش بتحصل في مجتمعنا، ولكنها بتحصل في أماكن تانية، وعلاقتنا الوحيدة بيها هي إنها كانت سبب في جريمة قتل، والجريمة دي اتسببت في إن بيت من البيوت يتسكن بالأشباح.
سمعت تليفوني بيرن، المكالمة إياها اللي بستلمها من كريم بعد كل رحلة، فتحت المكالمة وقُلت:
-حلمت بإيه المرة دي يا كريم؟
-هو حلم بس، ده أنا نِمت ونسيت الولاعة في جيبي، وكل ما اتقلب الحجر بتاعها يدور، النار كانت بتولع في جيبي ولسوعتني، بس في الآخر لقيت نفسي في حلم وأنت معايا كالعادة، المكان كان ضلمة، وقال إيه طلعت الولاعة من جيبي ونوَّرت بيها في الحلم، بس بعد ما حرقت رجلي يا أخي.
كتمت الضحكة اللي كانت هتطلع مني وقُلت له:
-يخرب عقلك، يابني أنت نايم بالولاعة؟ مش خايف تعمل حريقة! يبقى جدك الله يرحمه باع الحديدة اللي حيلته، وأنت تولع في نفسك وفي البيت اللي حيلتكم.
-ياعم كبر دماغك بقى جت سليمة الحمد لله.
-وحلمت بإيه بقى؟
كنت بسأله وأنا عارف هو هيحكي إيه، خصوصًا لما بدأ الحكاية من وقت ما طلَّع الولاعة من جيبه في الرحلة، وساعتها بدأ يحكي باقي اللي شافه، اللي كان عبارة عن تفاصيل الرحلة اللي كان معايا فيها، وبيتعامل على إنه الحلم المعتاد.
***
تمت…