قصة كفر طناح (كاملة) نورا حسين جاب الله
فى كل بيت هتلاقى حكايات كتير عن الخوف والرعب، بتكبر وتكتر مع الزمن، بتجذب العقول الصغيرة، وتهرب منها العقول الكبيرة، لكن مهما حاولنا نهرب.. بيجى الوقت اللى لازم نواجه فيه مخاوفنا، لأن أحيانا الحواديت اللى بنسمعها قبل النوم، ممكن تكون أكبر من مجرد كلام، ممكن تكون هى نفسها الحقيقة اللى بنهرب منها……
******
انا ناهد… عايشة مع امى بعد ما جوزى توفى، بقالنا سنين واخدين بحس بعض، ليا بنت وحيدة اسمها هالة، وكأننا عايشين جوه سلسال مش بيخلص، ستى خلفت بنت وحيدة… اللى هى امى صفية، وامى جابتنى انا وبس، وانا جبت بنتى هالة وبس، حتى بنتى معرفتش تخرج برا الدايرة الغريبة دى ،وجابت بنت واحدة اسمها نور،
اليوم اللى هالة بنتى بتيجى فيه عندى.. بيبقى يوم الهنا، ما هو أعز الولد ولد الولد، ونور بنتها ملت علينا الدنيا.
فى يوم …هالة جابت نور وجات، زى عادة كل خميس، لما وصلوا قدام البيت.. سمعت صوت نور وهى بتجرى عشان تسبق امها، وتدخل قبلها، هههههههه بنت عفريتة بس قلبى وروحى من جوه،
اول ما فتحتلهم الباب.. لقيت نور جاية تجرى عليا،خدتها بالحضن وفضلت ابوس فيها، وهى فرحانة وبتضحك بصوت عالى، لكن عنيها على امى اللى كانت نايمة على الكنبة ومغمضة ، انا كنت عارفة ان امى صاحية وسامعة كل حاجة،
هالة دخلت وراها:
_ اذيكم ياجماعة.. عاملين ايه كلكم؟
_ الحمد لله ياحبيبتى، نورتينا انتى والغالية، انتو عاملين ايه؟
_ الحمد لله ياماما… ستى نايمة ولا ايه؟
_ لا صاحية.. هى بس مريحة شوية، دلوقتى تقوم
بصيت على امى لقيتها فتحت عنيها ،ورفعت راسها شوية، نور اول ما لمحتها بتفتح عنيها… جريت عليها، باستها من راسها وقعدت تحت رجلها:
_ يالا ياتيتو …صحصحى كدة عشان تحكيلى حواديت زى كل مرة.
قولتلها وانا بضحك على كلمة تيتو اللى بتقولها دى:
_ هههههه تيتو ايه بس؟
_ انتى تيتة.. هى تيتو، ويالا بقى ياتيتو عاوزة حدوتة رعب.
_ رعب برضو؟ انتى مال بنتك ياهالة! ايه حكايتها مع الرعب؟
_ مش عارفة والله ياماما، هى كدة تموت فى حواديت الرعب.
لقيت امى اخيرا قامت واتعدلت فى قعدتها وقالت:
_ هى بتيجى عشان كدة… بتتبسط، سيبوها تتبسط، زمان… انتى كمان ياهالة كنتى بتطلبى منى نفس الحواديت، فاكرة ولا نسيتى؟
_ فاكرة طبعا.. كنت بخاف اوى بس كنت بحب اسمعهم.
امى بصت لنور وشدتها تقربها منها وقالتلها:
_ النهاردة هحكيلك حكاية.. مش زى اى حكاية سمعتيها قبل كدة، حكاية من زمن بعييد،مليانة اسرار، جاهزة تسمعى ولا هتنامى فى اول الحدوتة زى عوايدك؟
نور كانت عنيها كلها حماس، وقالتلها جاهزة طبعا، حطيت قدامهم طبق الكيكة اللى نور بتحبها، وكوبايتين شاى بلبن،
فى العادة كنت بسيب امى تحكى لنور الحدوتة، وانا اخد هالة ونقعد فى البلكونة نرغى، لكن لما سمعت اسم الحدوتة اللى امى هتحكيها، اتلبشت… قولت فى نفسى:
_ معقول ياما!! بعد السنين دى كلها؟
لقيت نفسى بشد ايد هالة وبقولها:
_ اقعدى، المرة دى هنسمع الحدوتة مع نور.
هالة بصتلى وهى مستغربة، رديت عليها من قبل ما تسأل:
_ الحدوتة المرة دى مش زى كل مرة، اقعدى ياهالة.
قعدنا كلنا حوالين امى، وابتدت هى تحكى الحكاية، حكاية الندابة.
*******
اللى حصل بدأ قبل ما اسيب المنصورة، مانا اصلا من هناك، كنت عايشة انا وامى وابويا فى كفر طناح،ابويا سابنا من بدرى وراح للى خلقه، وعشت انا وامى فى امان، مكنتش شايلة هم حاجة، لغاية ما فى يوم.. صحيت على صوت خبط جامد على باب البيت…
_ حاضر.. حاضر ياللى بتخبط، بالراحة الباب هيتكسر.
فتحت الباب ..لقيت واحدة من اهل البلد، لابسة اسود فى اسود وبتعيط
_ بت ياصفية.. ادخلى اندهى لامك يابت، قوليلها ابو منصور ربنا افتكره ،وخليها تحصلنى على بيته اوام.
_ عالصبح كدة ياام هانم! دة الواحد لسه مغسلش وشه.
_ انجرى يابت بلاش رغى، هو الموت له مواعيد يامضروبة.
قالتلى الكلمتين دول ، وطلعت تجرى على بيت ابو منصور، وانا دخلت عشان اصحى امى، ماهى دى شغلتها واكل عيشها، ندابة… يعنى اى حد يموت، تروح لاهل بيته وتفضل تصوت وتلطم، وتندب على الميت اللى راح، وفى اخر الليلة يدوها اللى فيه النصيب…
_ امااا.. امااا قومى ياما، ام هانم بتقولك ابو منصور تعيشى انتى، وبتقولك حصليها على هناك دلوقتى حالا.
_ اااه.. دة اللى كنت خايفة منه، انا مش قادرة اتحرك ياصفية، جسمى مكسر ومنمتش طول الليل
_ خلاص متروحيش، يشوفولهم حد تانى، ولا مش لازم نواح خالص ،ايه اللى هيجرى يعنى!!
_ حد تانى مين بس؟ هو فى غيرى هنا فى البلد؟ ماتروحى بدالى ياصفية، سدى مكانى يابنتى ،اديكى حافظة كلمتين من اللى بقولهم.
_ يالهوى ياما! عاوزانى انا اروح اولول وسط النسوان، عاوزانى اندب ياما؟ مش قولتيلى انى مليش دعوة باللى بتعمليه.
_ يابت بقولك تعبانة ،ومش قادرة اصلب طولى، النهاردة بس عشان خاطرى، والقرشين اللى هيطلعولك خديهم ليكى، ايه قولك بقى؟
الفلوس كلمة مغرية، واللى اعرفه عن الندب مش شوية، وكمان امى صعبت عليا، يعنى فى وضعها دة هتروح تصوت وتندب ازاى، امى كانت دايما تقولى… ان شغلانة الندب دى ليها اصول، ومش اى حد يقدر عليها، لكن انا كنت شايفة ان الموضوع كله تمثيل ،على شوية كلام بيتقال، فقولت خلاص اجرب ،واهو يوم ويعدى.
لبست الجلابية والطرحة، كله اسود فى اسود، وروحت على بيت ابو منصور، كنت بحاول ابان واثقة فى نفسى، لكن قلبى كان بيخبط جوه صدرى، البيت كان زحمة والناس رايحة جاية، الستات متجمعين فى صالة البيت، اللى بتعيط واللى بتلطم، واحدة منهم قامت وجات ناحيتى:
_ اومال امك فين ياصفية؟
_ امى تعبانة اوى مقدرتش تيجى، انا هسد مكانها النهاردة.
_ انتى؟؟ وانتى تعرفى تعملى ايه؟ اجرى يابت وابعتى امك، قوليلها بلاش دلع، هو ابو منصور كان شوية!!!
حسيت بالدم بيضرب فى نافوخى، مابقاش الا دى اللى تستهزئ بيا ، مردتش عليها، ووقفت فى نص البيت وبعزم ما فيا ندبت:
_ ياعينى عليكى ياام منصور، راحت منك الضحكة يامسكينة، فينك ياابو منصور، فينك ياسند البيت، سبتنا ليه ياغالى، سيبتنا للهم والنكد، فين خيرك اللى مالى الدنيا، اة ياحبيبى ، اااه ياغالى.
ختمت الندب وانا برقع بالصوت، وعينى بتلف بين الموجودين ،عاوزة اعرف تأثيرى عليهم، واشوف قدرت اوصل الحزن زى ماامى بتعمل ولا لأ؟
الستات حواليا كانوا حاطين الطُرح على وشوشهم، بيعيطوا بحُرقة، والدموع نازلة من عنيهم زى المطر، وشوية منهم كانوا بيبصولى بطريقة كدة، حسيتهم عاوزين يقولوا :
_ ايوة كدة.. بنت امها بصحيح.
بعد شوية خلصت مهمتى.. وخرجت من بيت ابو منصور وانا حاسة براحة، لانى عملت كل اللى اتعلمته من امى، لكن اول ما وصلت البيت، حسيت بحاجة مش مظبوطة، المكان هادى زيادة عن اللزوم، عليت صوتى وندهت:
_ اماااا .. انا رجعت.
مجاليش رد منها، جريت على اوضتها، لقيتها نايمة فى سريرها زى ما سيبتها، فضلت اهز فيها وانده عليها، لكن مفيش فايدة..
امى سابتنى وراحت، محستش بنفسى غير وانا بشق هدومى، وصوتت بأعلى صوتى، والكلام جرى على لسانى زى جمر النار، ندبت ونوحت.. لكن المرة دى من قلبى، قعدت على الارض جمب سريرها، وصوت ندبى سمع فى البلد بحالها، مكنتش اعرف ان اول ما اندب بجد ومن غير تمثيل، هيكون على فراق اغلى حاجة عندى فى الدنيا.
وفاتت الايام… وبقت الناس تبعتلى فى المياتم، خلاص اتعرفت فى البلد كلها انى ورثت الشغلانة من امى، وبعد ماكنت صفية بنت الندابة، بقيت صفية الندابة…
شهرتى زادت، وبقيت جزء من اى جنازة، زيى زى الكفن او خشبة الميت، محدش يقدر يستغنى عنى، لكن فى نفس الوقت… كانوا بيتشائموا منى، كل ماحد يعدى من جنبى، كانوا بيبعدوا عيونهم عنى، كانوا بيخافوا يرموا عليا السلام، احسن اجيب النكد لبيوتهم،وانا كنت عارفة وفاهمة كل دة، بس مكنتش اقدر اعمل حاجة، دى بقت شغلتى ومصدر رزقى، وحتى لما حاولت ادور على شغلانة تانية، محدش رضى بيا، وكأنى اتوصمت بعار مفيش منه مهرب، لكن صبرت واتحملت وبقيت اقول لنفسى:
_ متزعليش ياصفية، دة قدرك، متزعليش من الناس.. هما فى النهاية مبيستغنوش عنك.
لكن فى نهاية كل ليلة، كنت بقعد لوحدى افكر فى الوحدة اللى انا فيها، عمرى بيعدى من غير ماحد يطلب ايدى، كل البنات اللى فى سنى اتجوزوا وخلفوا، وانا فضلت لوحدى، شوفت عرسان البلد، واللى من برا البلد، وهما بينقوا ويختاروا، لكن انا رغم شبابى وجمالى.. عمر ماحد فكر فيا، طبعا.. مين هيتجوز واحدة شايفها وش النكد.
قطر الجواز عدى من قدامى، وجمالى بقى يتبخر مع الزمن، لغاية اليوم اللى حصل فيه حاجة، غيرت حياتى كلها.
كنت لسه مخلصة جنازة كبيرة، والليل دخل علينا، لكن كنت محتاجة ازور قبر امى، كنت عاوزة اقعد جنبها وارمى حمولى عليها، مهمنيش الضلمة ولا البرد اللى كان بينخر فى عضمى، مشيت فى طريقى ..والدنيا حوالية ساكتة مفيش حس، الطريق كان طويل وبدأت اتعب، حيلى كان مهدود من النواح فى الجنازة، لكن رجلى كانت واخدانى على هناك، زى مايكون النداهة ندهتنى وانا رايحة البى، لما وصلت هناك… حسيت زى مايكون فى عيون مرقبانى، وقفت وانا قلبى بيدق بسرعة، مش عارفة سبب القبضة اللى حسيت بيها، شوفت القبور المرصوصة جمب بعضها، كأنها بتبصلى وبتقولى.. تعالى، مشيت لغاية ماوصلت لقبر امى، ولسه هرفع ايدى واقرالها الفاتحة، حسيت بلمسة باردة على كتفى، لفيت ابص ورايا بسرعة لكن ملقتش حد، الخوف ملا قلبى، ودماغى بدأت تلف.. قولت لنفسى:
_ ايه ياصفية اللى جابك هنا دلوقت؟
حاولت اتلم على نفسى، بصيت لاسم امى على القبر وكلمتها:
_ وحشتينى ياما، كدة ياما تسبينى فى الوحدة دى، محدش راضى بيا ياما، الدنيا كلها بتبعد عنى.
فجأة سمعت صوت غريب جاى من ورايا وبيقولى:
_ واللى يحققلك مرادك؟
جسمى اتلبش وصرخت، حسيت بقلبى هيطلع من جوه صدرى، مكنتش مصدقة اللى سمعته، بصيت ورايا وانا بتنفض، لقيت واحد واقف، كان طويل بشكل مش طبيعى، ملامحه مكنتش باينة فى الضلمة اللى احنا فيها، كنت مرعوبة منه، مش عارفة دة انس ولا جن، كنت خايفة اتحرك من قدامه…
اتكلم تانى بصوت بارد غريب:
_ عاوزة اللى يحققلك مرادك، مش كدة؟
_ انت مين؟ وطلعتلى منين؟ وعاوز منى ايه؟
قرب منى خطوة واحدة، كانت ريحته غريبة، زى ريحة تراب قديم مخلوط بحاجة مش فاهماها…
_ مش مهم انا مين، اللى يهمك انى اقدر احققلك اللى بتتمنيه، عاوزة الناس تحبك؟ انا اقدر اعملك دة، بس……
_ بس ايه؟ عاوز منى ايه؟
ابتسم ابتسامة غريبة، وعيونه عليا كأنها بتسحبنى معاه:
_ كل حاجة ليها تمن؟ انتى مستعدة تدفعى؟
_ انا… انا مش عاوزة منك حاجة، سيبنى فى حالى.
ضحك ضحكة غريبة، حسيت انه بيستهزىء بيا:
_ انتى مش عاوزة! بس روحك بتقول العكس، بصى لنفسك، شوفى ازاى بتسعى ورا الناس،ازاى بتندبى بحرقة عشان تحسى انهم محتاجينلك… ها؟ عاوزة ولا لأ؟
فضلت ابص حواليا، اشوف يمكن حد رايح ولا جاى ينجدنى، لكن مكنش حواليا غير القبور، حسيت انه محاصرنى، بقيت محبوسة بين الجثث والراجل دة.. اللى مش عارفة هو ميت ولا حى!!!
قولتله وانا حاسة انى هيغمى عليا من الخوف:
_ انت… انت عاوز روحى؟
_ روحك؟ لأ مش روحك، انا عاوز جزء صغير، حاجة بسيطة مقابل اللى هديهولك، مجرد وعد، انك تلتزمى بالكلام اللى بينا،وانتى هتشوفى الناس كلها تحت رجليكى.
الناس كلها تحت رجليا!!! الكلمة دى لما قالها حسيتها دخلت جوه دماغى زى السحر، كأنها سكنت روحى، شوفت قدام عنيا كل اللى عيشته، كل الوجع والرفض اللى واجهته،كل العيون اللى كانت بتبصلى بخوف، فجأة بقى عندى الرغبة ان كل دول يبقوا تحت رجليا ، حتى لو فضلت انا الندابة اللى بيخافوا منها،
محستش بنفسى غير وانا ببصله بصة فيها قبول، كل خوفى فى لحظة اختفى، لقيت لسانى بينطق من غير ماافكر ولا اوزن اللى بقوله:
_ موافقة.
لما قولت الكلمة دى شوفت ابتسامته بتكبر، ابتسامة مش طبيعية، قرب منى اكتر لدرجة ان مبقاش فى مسافة بينا، لدرجة انى حسيت بأنفاسه على وشى، ريحتها كانت زى التراب المبلول،
قاللى بصوته الغريب:
_ انتى هتكونى فوق، وهما كلهم تحت رجلك، بس لازم تفتكرى وعدك، لازم تلتزمى باللى بينا.
هزيت راسى انى موافقة، بصيت حواليا اشوف لو حد شايفنا فى وقفتنا دى، لكن ملقتش حد، ولما رجعت ابصله تانى، ملقتوش،
كأن الارض انشقت وبلعته…
روحت وانا مش عارفة اذا كان اللى حصل دة حلم ولا حقيقة! كل حاجة بتلف فى دماغى، نمت ليلتها وانا مش قادرة اهدى، كل ما اغمض عينى..الافكار تحوم حواليا زى الغربان، وبعدها لما روحت فى النوم من كتر التعب، شوفت نفسى فى مكان غريب، كل الناس اللى اعرفهم واقفين حواليا وبيبصولى بحب، وجم واحد ورا التانى يبوسوا ايدى ورجلى، يطلبوا منى السماح والرضا، وانا واقفة وسطهم بقول كلام انا مش فاهماه، لكن كل ما اتكلم ، ينبهروا باللى بقوله ويقربوا منى اكتر وهما فرحانين،
قومت من نومى وانا قلبى بيدق بسرعة، عاوزة اتأكد من اللى حصل، مستنية اشوف كلام الراجل دة بجد… ولا انا كنت بتنقل من حلم لحلم،
خرجت برا البيت وانا مستنية اى حاجة تحصل، لقيت كل حاجة عادية زى كل يوم، كل واحد فى طريقه، لكن انا كنت حاسة بحاجة مختلفة، بس مش عارفة ايه هى…
_ صباح الخير ياصفية.
لفيت ابص للى قالت كدة وانا مش مصدقة ودانى:
_ يسعد صباحك ياعفاف.
مشيت اكلم نفسى، انا فى حلم ولا علم؟ بجد فى واحدة صبحت عليا عادى كدة؟
ووصلتنى الاجابة لما لقيت الصباح جر سلام، والسلام جر كلام، وانقلب الحال وبقى كل اللى رايح واللى جاى، ينادى عليا، انا!!! صفية الندابة.
وفاتت ايام قليلة.. كنت خلاص حاسة انى فوق فى السما، وفى ليلة وانا نايمة، سمعت صوت جاى من بعيد، زى هاتف كدة دخل جوه دماغى، صوت بيقولى:
_ روحى المقابر.
صحيت وانا مفزوعة،قومت وانا حاسة بحاجة مش طبيعية، بسأل نفسى:
_ ليه المقابر؟ وليه دلوقتى بالذات؟
يمكن حلم؟ ولا يمكن رسالة؟
قومت لبست بسرعة وخرجت من البيت، كنت ماشية وانا حاسة برجليا زى ما يكون حد بيمشيهم، حد غيرى مش انا،
وصلت المقابر بتلفت يمين وشمال، مفيش حد غيرى انا والاموات،
فجأة لقيته قدامى، نفس الراجل اللى شوفته قبل كدة، قرب منى ببطء يخوف، ولقيته بيقولى:
_ كويس انك فهمتى الرسالة وجيتى، دلوقتى جه الدور عليكى فى التنفيذ.
مكنش بيكلمنى زى المرة اللى فاتت، المرة دى كان بيؤمر، وطريقته طريقة واحد متأكد انى مش هرفض.
كمل كلامه بطريقة نشفتلى دمى من الرعب:
_ كل ميت تروحى تندبى عليه، متقفيش بعيد عنه زى كل مرة، هتقعدى عند راسه، تندبى وتصوتى، تلطمى وتنوحى، وتاخدى اللى هديهولك تدفنيه فى بوءه او فى كفنه.
_ وليه اعمل كدة؟ ايه اللى هيحصل لو نفذت الكلام دة؟
_ اللى هيحصل انك تفضلى فوق، واخدة وضعك بين الناس، دة هيكون واجبك من دلوقتى، احنا اتفقنا.. كل حاجة وليها تمن.
كنت مترددة ومش فاهمة، حاسة انى خايفة، وان اللى بيحصل دة حاجة كبيرة مش عارفة اخرها ايه؟
فضلت واقفة قدامه ساكته، بحاول اخد قرار، اكمل وانفذ اللى بيطلبه؟ ولا اخد خطوة لورا؟
وزى ما يكون قرا افكارى، لقيته بيقولى بسرعة:
_ مفيش رجوع ياصفية، انتى معاكى المفتاح، ومع كل ميت هتلمسيه، هيتفتحلك باب جديد.
قبل ماارد عليه.. لقيته بيمدلى ايده، كان ماسك حاجة صغيرة ملفوفة فى حتة قماش قديمة:
_ دة اول عمل، حافظى عليه، ومع كل ميت هتفهمى اكتر، ومتنسيش تعملى شغلك فى الندب قبل ما تحطيه.
خدت منه العمل وانا ايدى بترتعش، مش من البرد ..لكن من الخوف، مسكت العمل وبصيت فيه، حسيت انى خلاص اخترت طريقى،
هو مشى بعيد عنى، وانا فضلت واقفة وسط القبور، حاسة الدنيا بتلف بيا، الليلة دى كانت البداية.. لكل الاهوال اللى حصلت بعد كدة.
لما جاتلى اول جنازة بعد الليلة دى، كان عقلى بيقولى ارجع وافكر تانى، لكن فى نفس الوقت.. كنت حاسة بضغط غريب بيجبرنى اكمل،
الميت كان راجل عجوز، معروف فى البلد بطيبة قلبه، وان عمره ما أذى حد، عملت زى ما الراجل الغريب قاللى بالظبط، قعدت عند راس الميت، صوتى كان مليان حزن وانا بنوح عليه، بس جوه قلبى كان فيه خوف كبير، الموت له رهبة، رهبة مكنتش بحس بيها قبل كدة، لكن لما قربت المرة دى من الميت اوى كدة، وقعدت جنبه اندب وانوح، حسيت بالرهبة دى،
قعدت على ركبى جنب الجثمان، كنت عارفة ان الكل مستنى يسمع صوتى يعلا وانا بندب، لكن كنت كل ما ابص فى وش الميت، صوتى يضعف ويوطى، وبحس ان الدنيا كلها سكتت وانا بس اللى بتكلم،
افتكرت كلام الراجل وهو بيقولى ..لازم تعملى شغلك بحرقة، حاولت اجمد قلبى واعلى صوتى وانا بقول:
_ يارايح ومالك رجعة، ليه رايح وسيبتنا.
ايدى ارتعشت وانا حاسة ببرد بيزحف فى كل جسمى، قربت اكتر من الميت، قلبى بيدق بسرعة، مكنتش قادرة اتنفس، كل مااحاول ابعد، كان فيه حاجة بتشدنى ناحيته، الرعب زاد جوايا، وانا حاسة بعيون الميت المقفولة بتراقبنى، فضلت اندب وانا بتنفض من جوايا، وقربت منه اكتر عشان انفذ المطلوب، استغليت الفرصة ان كلهم مشغولين، دفنت العمل فى بوءه وانا قلبى بيضرب فى صدرى، خلصت اللى عملته وقومت وقفت شوية اتأكد ان محدش شافنى، كل حاجة كانت طبيعية، مفيش حد خد باله..
شوية وكانوا جهزوا كل حاجة وخرجوا بيه للدفن.
روحت معاهم وانا حاسة انى فى حاجة غلط، اول ما حطوا الميت فى القبر.. حسيت برعشة بتعدى على جسمى كله،
فضلت صابرة وساكتة لغاية ما خلصنا، وروحت على بيتى..
ليلتها معرفتش انام، كل اللى عملته فى الجنازة..كنت شايفاه قدام عنيا، ولما النهار طلع، طلعت برا البيت، كنت حاسة بجدرانه بتخنقنى، مشيت فى الشارع وسط الناس اللى رايحة وجاية، وسمعتهم بيتكلموا على حاجة حصلت فى بيت الميت، بيقولوا ان اهل البيت ماناموش لحظة من الرعب،
كنت لسه هروح وأسألهم ايه اللى بيحصل؟
لكن لقيت واحدة من بنات الراجل اللى مات ،واقفة مع جارتها وبتحكى اللى حصل بصوت عالى، قربت منهم وسمعتها وهى بتقول:
_ انا كنت نايمة عادى، وفجأة حسيت بحاجة بتتحرك فى الاوضة، فى الاول افتكرت انه كابوس، بس لما فتحت عنيا، لقيت الشباك بيفتح ويقفل لوحده، واصوات جاية من كل حتة فى الاوضة.
اتدخلت معاهم فى الكلام وقولتلها وانا متلخبطة:
_ اصوات يعنى ايه؟ اكيد كنتى بتحلمى، ولا يمكن موت ابوكى مأثر فيكى!!!
_ لأ مش حلم، كنت صاحية وسامعة كل حاجة، وكمان كان فى صوت خطوات حد ماشى.
_ ما يمكن حرامى؟
_ لأ مش حرامى، قومنا وفتشنا البيت، ملقيناش حاجة، حاولنا نشغل القرآن، كان بيشتغل دقيقة ويطفى لوحده.
_اومال هيكون ايه يعنى اللى بيحصل؟
_ معرفش .. امى قالت مفيش فى ايدينا حاجة نعملها، ومالناش غير الصلاة والدعا يمكن ربنا يرفع عننا البلاء دة.
خدت بعضى ومشيت وانا مخنوقة من اللى عملته، حسيت كأنى شايلة جبل فوق صدرى، ايه اللى عملته دة؟ ازاى ادفن عمل مع الميت؟ عقلى كان فين وانا بعمل حاجة زى كدة؟
روحت بيتى وانا ماشية بصة فى الارض، مقدرتش ارفع عينى فى الناس، كنت حاسة انهم لو بصو فى وشى هيعرفو الحقيقة،
لما وصلت البيت.. دخلت بسرعة وقفلت الباب ورايا، كنت حاسة الدنيا بتلف بيا، مش قادرة اتنفس، حطيت ايدى على قلبى.. بحاول اهدى نفسى، لكن خوفى كان بيزيد،
قعدت على السرير ومحستش بنفسى غير ودموعى نازلة، مش عارفة عدى عليا وقت اد ايه، لكن بعدها روحت فى النوم، والكوابيس مفارقتنيش ، وش الميت كان قصادى وهو بيبصلى بطريقة مرعبة، ولما صحيت كان الليل دخل عليا،
فجأة سمعت خبط على الباب، خلانى اتفزعت ونطيت من مكانى، خبط مش طبيعى، خبط بطىء وتقيل كأن حد بيخوفنى بيه، قلبى وقع فى رجلى، فضلت واقفة اكلم نفسى… مين اللى ممكن يجيلى فى وقت زى دة؟
مشيت لحد الباب وانا مرعوبة، خيالى كان مصورلى انى هلاقى الميت فى وشى جاى ينتقم منى،
فتحت الباب بالراحة، وفضلت واقفة وراه مستخبية، لقيت الراجل الغريب اللى ظهرلى قبل كدة، واقف وباصصلى بطريقة خوفتنى اكتر، كأنه عارف اللى فكرت فيه، كأنه حاسس بكل حاجة جوايا،
قبل ما اقول اى حاجة، لقيته بيتكلم بصوت هادى:
_ انا عارف انك ندمانة على اللى عملتيه، بس اللى بدأتيه لازم يكمل، رجوعك دلوقت مش هيفيدك بحاجة.
كنت حاسة ان الكلام خارج من بوءه …بيستحوذ على عقلى وبيسيطر عليه، حاولت ارد عليه، اقوله انى مش عايزة اكمل، انى مش قادرة اعيش كدة، لكن الكلام مطلعش من بوءى، كنت مرعوبة لدرجة ان رجليا مكنتش شيلانى،
لقيته بيكمل كلامه:
_ انا عارف انك خايفة… بس انتى لسه فى حاجات نفسك تحققيها، حاجة اكبر واهم من اللى وصلتلها، وانا عندى اللى هيريحك، ويحققلك اللى بتحلمى بيه.
رديت عليه والكلام بيخرج منى بالعافية:
_ يعنى ايه؟ انت عاوز منى ايه تانى؟
_ الجواز، انتى طول عمرك بتدورى على الامان، وعاوزة حد يحبك ويحميكى، الجواز اللى بتتمنيه طول عمرك، انا اقدر احققهولك، اقدر اخلى اى حد كان بيبعد.. يقرب، وكل اللى رفضك.. يسعى عشان ترضى عنه.
كلامه كان زى السحر، كأنه قارى افكارى وعارف كل اللى جوايا، طول عمرى بحلم بالجواز، حد يحبنى ويحمينى من كل حاجة حواليا، فكرة انى ممكن احقق دة كانت بتغوينى، الراجل دة بقى عامل زى البحر اللى بيشدنى جواه وانا مش عارفة اخرج..
قولتله وانا مترددة:
_ ازاى يعنى هتعمل كدة؟ وايه اللى هتطلبه منى المرة دى؟
_ مطلوب منك تكملى اللى بدأتيه، كل عمل هتدفينه هيقربك خطوة من اللى بتحلمى بيه، والجواز اللى انتى مستنياه هيكون مكافئتك .
لقيت نفسى برجع لورا، مش عشان ببعد عنه… لكن عشان افكر، كان واضح ان الشيطان اللى قدامى دة فاهمنى اكتر من نفسى، وبالرغم من الرعب اللى كنت حاسة بيه.. كان فى حاجة بتشدنى ناحية الوعد اللى قدمهولى..
فى النهاية لقيتنى ببصله بجرأة وبقوله:
_ موافقة.. بس لو فعلا هتحققلى اللى انا عاوزاه.
_ من دلوقتى كل طلباتك مجابة، بس افتكرى.. اللى بيبدأ المشوار دة.. مبيرجعش.
مد ايده ليا يدينى العمل التانى، بس المرة دى كان مختلف، كان ملفوف بقماشة متشربة بالدم، ريحة وحشة اوى كانت طالعة منه، كأنها جاية من قبر قديم، خدته منه وانا قرفانة امسكه:
_ هو فى ايه جواه؟ المرة دى شكله غريب!
_ المرة دى العمل اقوى بكتير، هتاخديه وتدفنيه مع الميت اللى جاى، بس المرة دى جوه الكفن ..وتحت دماغه، وتجيبى من راسه خصلة شعر، دة الامتحان الحقيقى ليكى، ولو نجحتى فيه.. هيبقى عندك قوة مش عادية، وجوازك مش هيكون جواز عادى، هيبقى جواز باللى انتى تشاورى عليه.
مديت ايدى خدت العمل، كنت حاسة انى شايلة حمل تقيل،
سابنى ومشى وانا واقفة فى مكانى، مش عارفة اللى عملته صح ولا غلط، لكن تفكيرى فى الجواز.. غلب تفكيرى فى اى حاجة تانية، قفلت بابى عليا وفضلت افكر، ياترى هتجوز مييين؟؟؟
بعد ليلتين من اليوم دة.. جاتنى جنازة جديدة، لكن المرة دى كانت شابة، عروسة فى اول حياتها خرجت من الدنيا قبل ماتعيش فرحتها، الحزن كان مالى المكان، لكن انا كان كل تركيزى فى المهمة اللى لازم اعملها، كنت عارفة ان المرة دى هتكون اصعب، لازم ادفن العمل تحت دماغ العروسة، واجيب خصلة من شعرها، مجرد التفكير فى اللى هعمله كان بيرعبنى، لكن مفيش قدامى اختيار،
دخلت الاوضة اللى فيها الجثمان …قعدت عند راس العروسة وبدات اندب زى العادة، بصيت حواليا.. الكل بيبكى وحزين ومفيش حد قادر يبص ناحيتها، قربت اكتر منها وانا ايدى بترتعش ، موقفتش ندب عشان محدش ياخد باله، مديت ايدى جوا الكفن ورفعت راسها، وبايدى التانية طلعت العمل، حطيته تحت دماغها بشويش، ريحة العمل هبت فى المكان، بعدت عنها وانا مش مبطلة ندب، قلبى هيقف من الرعب، خايفة يدوروا على مصدر الريحة ويكشفونى، والمفروض انى لسه هجيب خصلة من شعرها، فضلت ابص كل شوية حواليا، اشوف حدقرب منى ولا شم الريحة، لما لقيتهم كلهم ملهيين فى حالة الحزن اللى هما فيها، طلعت المقص الصغير من جيبى، ومسكت شعرها وقصيت بسرعة خصلة صغيرة، غطيت راسها بالكفن تانى وانا خلاص هيغمى عليا من الرعب،وخدت بعضى وقعدت بعيد عنها.. وانا حاسة انى شايلة فى جيبى لعنة.
روحت معاهم الدفن وانا فى دماغى حاجة واحدة بس، لازم اكون معاهم لحد النهاية ..عشان اتأكد ان كل حاجة مشيت تمام، وعشان لو العمل اتكشف.. محدش يقول عملت عملتها وهربت، وقفت بعيد شوية، لكن فى مكان شايفة منه كل حاجة بتحصل، اول ما نزلوها وبدأوا يقفلوا التربة، حسيت براحة كبيرة ان الموضوع تم، خلاص المهمة اللى كانت تقيلة على قلبى خلصت،
رجعت البيت.. وكل تفكيرى امتى هيجى الراجل دة عشان يدينى مكافئتى، خصوصا انى كنت اخترت وقررت المكافئة دى هتكون ايه، المكافئة دى سمير.. زينة شباب البلد، كنت مستنية اشوف هيقدر يحققلى المهمة دى ولا لأ؟
كل دقيقة كانت بتعدى عليا.. كنت بحس بقلق، افكار كتير بتحوم حواليا، شوية احس بخوف، وشوية احس انى متحمسة لو جوازى من سمير تم، سمير كان حلم كل بنت فى البلد، وانا كنت اكبر منه بسنين، يعنى الفرصة بينا محكوم عليها بالاعدام، الا اذا الراجل دة نفذ وعده،
فاتت ساعات وانا لسه قاعدة مستنية، ولما جه عليا الليل.. حسيت بخوف من خصلة الشعر اللى لسه معايا، كنت عاوزة اتخلص منها بأى شكل، وزى عادته معايا من يوم ماظهر فى حياتى، بيجى وقت ما بفكر انى اعمل اى حاجة مش على هواه، لقيت الباب بيخبط، نفس الخبطة الغريبة، عرفت انه هو، جريت على الباب فتحته، اول ما شوفته قولتله:
_ كنت مستنياك
_ عرفت انك مستنية مكافئتك، وجيت عشان احققلك اللى نفسك فيه.
_ بجد؟ هتجوزنى سمير؟
_ اكيد.. بس قبل ما تاخدى المكافئة.. فى حاجة مهمة لازم تعمليها، فين الخصلة؟
مديت ايدى فى جيبى طلعتله الخصلة، خدها وهو بيبتسم، لقيته اتقدم خطوة لجوا البيت، فتحت الباب دخلته ووقفت اتلفت يمين وشمال اشوف حد شايفنا ولا لأ، ولما اتأكدت ان الدار امان …قفلت الباب ودخلت وراه، لقيته واقف فى نص البيت، رسم دايرة على الارض وامرنى انى اقف جواها، وقاللى اتخيلى اللى نفسك فيه، على طول جت صورة سمير قدام عينى، بدأ الراجل يقول حاجات مفهمتهاش، كأنها اغنية بس بلغة مش مفهومة، سكت فجأة وقاللى:
_ دلوقتى لازم تقدمى حاجة من عندك.
_ حاجة زى ايه؟
طلع من جيبه حاجة زى الخنجر.. بس كان صغير، مسك ايدى وجرحنى بيه، وسقط الدم جوا الدايرة اللى انا واقفة فيها، وبعدها ابتدا ياخد من نقط الدم ويرسم بيها على وشى، مكنتش شايفة هو بيرسم ايه بالظبط، وقفت مستسلمة لحد ما خلص، ورجع تانى يقول كلامه اللى مش مفهوم، حسيت فجأة ان الارض بتتهز بيا، وخيالات كتير كنت شايفاها حواليا رايحة جاية بسرعة، وبعدها محستش بنفسى غير تانى يوم، لما فوقت كنت فى سريرى، ومفيش اى آثار لليلة دى غير الدم اللى كان على وشى،
ومن بعد الليلة دى، الدنيا اتقلبت، ومبقتش ملاحقة على الحاجات اللى بتحصل ورا بعضها، سمير اتشقلب حاله، بقى بيبعتلى كل يوم مع حد من البلد… سمير عاوز يشوفك، سمير عاوز يتكلم معاكى، سمير عاوز يكتب عليكى النهاردة قبل بكرة،
كل بنات البلد بقوا متغاظين، مش فاهمين ازاى سمير اللى بإشارة منه يتجوز احلى بنت…بيسعى ورا صفية الندابة اللى الكل بيخاف منها، بقت كل واحدة تعدى من جنبى ترمى كلام زى:
من همه ياخد واحدة اد امه، واللى تقول : ماهو فى ناس كدة غاوية فقر، وكلام كتييير بالشكل دة
لكن انا مفرقش معايا كلامهم، ووافقت على سمير واتجوزنا بسرعة، رغم ان اهله مكانوش راضيين بيا، لكن هو وقف قدامهم، اتحداهم وسابهم، واتجوزنا وجه قعد معايا فى بيتى ، ورغم انى كنت حاسة انى خلاص مش عاوزة حاجة تانى من الدنيا، لكن فرحتى مكملتش، لما عرفت ان الدنيا مقلوبة فى بيت العروسة اللى ماتت، الكلام انتشر فى البلد زى الصاروخ، قالوا ان ام العروسة بدأت تلاحظ حاجات غريبة فى البيت، زى ما يكون فى حد بيحاول يقولها حاجة، بقت تشوف بنتها كل ليلة فى المنام، وتصحى من نومها تصوت وتلم عليها جيرانها، وتقول الحقوونى بنتى مش مرتاحة،
كان لازم افهم ايه اللى بيحصل، ماهو كل اللى بيتحكى عنه دة انا السبب فيه، خدت بعضى وروحت على هناك، عملت انى جاية اطمن عليها بعد ما سمعت الكلام اللى بيتقال،
قعدت معاها وعملت حبيبة، قولتلها فضفضى ياختى ايه اللى جرالك، قالتلى وهى بتعيط:
_ بشوف بنتى كل ليلة، واقفة قدامى ووشها اسود، بتصرخ وتقولى الحقينى ياما.
_ دة حلم ياحجة، حلم ومالوش اساس، دة بنتك عروسة فى الجنة.
_ لا… دى بتقولى شيلى الشر من تحتى ياما.
معرفتش ارد عليها، قولتلها كلمتين وانا مش على بعضى، واتحججت انى اتأخرت على جوزى، وطلعت اجرى من البيت وانا خايفة حتى ابص ورايا،
لكن بلدنا صغيرة، والابرة لو وقعت فيها ترن، كلام ام البنت اتعرف فى كل حتة، وكل واحد بكلمة، لكن فى النهاية الكل متفق ان دى حاجة مش طبيعية، لكن مفيش حد قدر يفهم اللى بيحصل،
وعدت الايام.. وانا بحاول انسى اللى بشوفه وبسمعه، بحاول افرح بجوازتى وبحلمى اللى حققته، سمير كان فرحان بيا من تأثير السحر، لكن انا مكنتش عارفة افرح بسبب اللى عملته، قلبى مكانش عارف الرضا،
وفى ليلة وانا نايمة جنب سمير، سمعت الصوت اللى كنت فاكرة انى خلاص خلصت منه، سمعت الصوت وهو بيؤمرنى انى اروح المقابر، الصوت كان واضح، مش حلم ولا هلاوس، حاولت اهرب واعمل نفسى نايمة ومش سامعة حاجة، لكن الصوت كان بيعلا لدرجة انه بيصرخ فى ودانى:
_ لازم ترجعى.. لازم تروحى المقابر.
قعدت على السرير وانا قلبى بيدق بسرعة، عين فى الجنة وعين فى النار، الصوت بيقولى روحى، والخوف جوايا بيقولى مينفعش اقول لأ، لكن برضو بسأل نفسى.. اروح ليه وانا خلاص عملت اللى انا عاوزاه واتجوزت سمير.
كان لازم اخد قرار، والجبن سيد الاخلاق، وقفت على رجلى، ولبست هدومى بالراحة عشان مصحيش سمير، خرجت من البيت وانا بتسحب، الشوارع كلها كانت ساكتة، لكن قلبى وعقلى لأ، كنت حاسة انى رايحة لكابوس برجليا،
وصلت المقابر، الجو كان بارد بشكل مخيف، لقيته واقف مستنينى، سألته بسرعة:
_ انا هنا ليه؟ ايه اللى عاوزه تانى؟ خلاص عملتلى حاجة وعملتلك قصادها، خلصنا بقى.
_ المرة دى الدور على حاجة اكبر.
_ وانا مش عاوزة اكمل خلاص، انا مش عاوزة حاجة تانى.
_ مفيش رجعة ياصفية، انتى مبقتيش حرة.
_ لو انكشفت المرة دى هتبقى مصيبة…
_ محدش هيكشفك، كل المطلوب منك انك تدفنى العمل الجديد جوه الكفن ، وتجبيلى دم بنت عذراء.
الصدمة المرة دى كانت كبيرة عليا، كررت الكلام وراه، بتأكد انى سمعت صح:
_دم بنت عذراء؟ انت عاوزنى اقتل؟
_ الدم دة هو اللى هيخلى قوتك اكبر.
_ ازاى اعمل كدة؟ اقتل بنت عشان اجيبلك دمها؟
_ الطريق اللى اخترتيه مش سهل، وكل حاجة بتعمليها.. بتقربك لحاجة تانية انتى بنفسك طلبتيها.
فضلت ساكتة ومش بنطق، كنت حاسة انى استاهل الحرق على اللى وصلتله، لقيته بيكمل كلامه وقال:
_ ايه اللى محيرك، مش مهم مين البنت، المهم تكون عذراء، ولا انتى مستصعبة القتل؟ انتى فاكرة انك كنتى شيخة وانا اللى غويتك؟
حاولت اتمالك نفسى وارد عليه:
_ انا… انا كنت مضطرة، مكنتش اعرف انى هوصل لحاجة زى كدة.
_مضطرة! هههههه، انتى كنتى عاوزة كل حاجة تحت رجلك، انا ماغويتكيش ، انا وريتك الطريق وانتى مشيتى فيه.
كلامه كان زى السكاكين فى قلبى، كنت شايفة الحقيقة فى كلامه وهو بيكشفنى قدام نفسى، الطريق اللى كنت فاكرة انه هيوصلنى لاحترام الناس ليا… طلع خراب، هو صح، انا اللى وقعت فى الفخ برجلى.
كنت عارفة انه مستنى قرارى زى كل مرة، عشان كدة عملت نفسى موافقة، خدت منه العمل الجديد، وسيبته ومشيت وانا بحاول اتلم على نفسى، وبسأل ياترى ليا مخرج ولا لأ؟
لما روحت كنت متوقعة انى الاقى سمير نايم، لكن لقيته صاحى وقاعد قدام باب البيت، اول ما شافنى قام وقرب ناحيتى، سألنى وعنيه ناويالى على الشر:
_ كنتى فين ياصفية؟
قولتله وانا بحاول ادارى عملتى:
_ كنت فى المقابر، لقيت نفسى مش جايلى نوم، قولت اروح ازور امى.
كان باين عليه انه مش مصدقنى، كان باصص فى وشى وبيحاول يقرا ملامحى، بعدها لقيت عنيه بتتحرك من وشى ووصلت لجيبى، بصيت مكان ماهو مركز لقيت طرف العمل طالع من جيبى، مديت ايدى بسرعة اداريه.. لكن هو كان اسرع منى وشده، فضل يقلبه بين ايديه وهو بيسألنى:
_ ايه دة ياصفية؟ ايه اللى انتى شايلاه فى جيبك دة؟
سكت لحظة زى مايكون فهم، زعق وقال:
_ عمل!! سحر ياصفية؟ بتروحى المقابر تدفنى الاسحار؟
كنت بحاول انطق وارد عليه.. لكن الكلام كان بيهرب منى، رجعت خطوة لورا بعيد عنه:
_ سمير.. انا.. الموضوع مش زى مانت فاهم.
_ مش بعيد تكونى عملالى سحر انا كمان، جايبانى بالسحر ياصفية؟
_ اسمعنى بس..انا معملتش حاجة
_ اسمعك؟ بعد اللى شوفته؟ انتى فاكرة نفسك ايه؟ وانا اللى عايش معاكى ومش دريان، الكل كان مستغرب حبى ليكى، كان معاهم حق.
مكنتش عارفة ارد عليه، اصل هرد اقول ايه؟ سكت وسيبته يخرج كل اللى فى قلبه، وطبعا بعد الليلة دى معملتش اى حاجة من المطلوبة منى، ولا حتى خرجت من باب البيت،
الايام اللى بعد كدة كانت أسوأ، حاولت معاه بكل الطرق انى انسيه اللى حصل، لكن كان فيه جدار بينى وبينه، كان بيبصلى بخوف بعد ماكان بيحبنى، فضلنا على الحال دة فترة مش طويلة، لحد ما جه اليوم اللى قاللى فيه:
_ انا مش هقدر اكمل عيشتى معاكى.
_ انت بتقول ايه؟ احنا ممكن نحل كل حاجة، ننسى اللى فات ونبدأ من جديد.
_ مفيش حاجة تتصلح، انا كنت فاكر انى عارفك كويس، طلعت معرفش حاجة خالص، انا مأمنش انام فى فرشتك تانى ياصفية.
_ اسمعنى بس، انا كنت عاوزة اعيش معاك، كنت عاوزة كل حاجة تبقى كويسة.
_ بالسحر؟ بالأذى ياصفية؟ روحى لحالك وورقتك هتوصلك لحد عندك.
كنت فاكرة ان اللى قاله شوية كلام وهيروحو لحالهم، فكرت ان السحر اللى عملتهوله هيفضل غالبه وهيرجعهولى ندمان، وان فى اى وقت هيفتح عليا الباب ويطلب منى السماح،
لكن يومين عدوا.. ويوم بعد يوم، وسمير مرجعش، لحد ماحصل اللى عمرى ما تخيلت انه يحصل، سمعت خبط على الباب، فكرت سمير هو اللى رجع، لكن لقيت راجل جايبلى ورقة طلاقى، كنت هقع من طولى والراجل بيقولى:
_ دى ورقة طلاقك… جوزك مش راجع.
كنت واقفة مكانى مش قادرة اتحرك، كل الاحلام اللى حلمت بيها، وكل الخطط اللى رسمتها، كله ضاع فى الارض.
مكنش قدامى غير انى اروح للى كان السبب، مكنش فيه حد تانى الومه على الخراب اللى انا وصلتله، روحت المقابر.. عالمكان اللى دايما بشوفه فيه، ولما وصلت لقيته، بنفس ضحكته الخبيثة وعيونه اللى كلها شر وسواد:
_ اهلا ياصفية.. جيتى فى ميعادك.
_ انت السبب فى اللى حصل، انت اللى خدت منى سمير.
_ انتى اللى دايما بتختارى ياصفية، لما اخترتى تمشى فى طريقى كسبتى، ولما اخترتى تخدعينى خسرتى.
_ انا مكنتش عاوزة اوصل لكل دة، انا عاوزة استقر عاوزة سمير وبس.
_ وسمير كان ليكى، لكن ضيعتيه بعندك وغباءك.
_ رجعهولى.
_ نفذى اللى طلبته، ادفنى العمل ،وهاتيلى العذراء اللى هتروى الارض بدمها.
وقفت قدامه وانا مش لاقية اى طريق تانى، كنت فاكرة انى ممكن اخدعه واهزمه، لكن اللى لقيته قدامى كان اقوى بكتير من اى حاجة تخيلتها.
وكأن نصيبى فى الستر خلص، المرة دى وانا فى وسط الجنازة بندب زى عادتى، حاولت ادفن العمل فى الكفن، حسيت برهبة غريبة بتضرب قلبى، كأن الدنيا كلها وقفت حواليا، كنت بتنفض وانا بطلع العمل، بصيت حواليا اشوفهم واخدين بالهم منى ولا لأ؟
لقيت كله مركز فى البكا والنواح، قولت دى فرصتى عشان اخلص بسرعة، لكن اول ما جيت ادفن العمل تحت راس الميتة، حسيت بحاجة غريبة، حسيت انى خايفة منها، كان جوايا احساس قوى انها هتصحى وتمسك ايدى، تمنعنى عن الجريمة اللى هعملها فى حقها، حسيت بيها عاوزة تحذرنى،
مقدرتش امسك نفسى اكتر من كدة، رميت العمل من ايدى وبعدت عنها، لقيتهم كلهم بيبصولى وزى ما يكونوا ابتدوا يشكوا فيا، كملت ندب وانا صوتى بيقطع ومش على بعضى، خلصت مهمتى وجريت روحت على بيتى وانا ناسية انى رميت العمل فى الارض جنب الميتة،
ليلتها فضلت صاحية طول الليل، حاولت الاقى حل لكن مقدرتش، لو شافوا العمل مرمى هيعرفوا ان انا اللى وراه، وساعتها الدنيا كلها هتتقلب عليا، ولو رجعت المقابر .. مش ضامنة ممكن يعمل فيا ايه!!
قررت ساعتها ان مفيش قدامى غير الهروب، اهرب من كل الناس ومن كل حاجة حصلتلى، كان لازم اسيب البلد وارمى كل حاجة ورايا، لميت حاجتى بسرعة، مكنتش عاوزة اخد غير اللى اقدر اشيله، كنت حاسة ان الوقت بيجرى، وان فى اى لحظة ممكن الاقى نهايتى، اخدت الشنطة وخرجت برا البيت بتلفت حواليا زى الحرامية، لحد ما وصلت لاول البلد، وركبت اول عربية لقيتها.. وانا مش عارفة هى رايحة فين ولا جاية منين، واما العربية اتحركت.. حسيت براحة كبيرة محستهاش قبل كدة،
وصلت على مصر وابتديت حياتى من جديد، الخوف كان ملازمنى، لكن ربك لما يريد يغير حاجة.. مفيش قوة تمنع دة، عرفت انى حامل، الحاجة الوحيدة اللى سبهالى سمير،
كانت هدية مستهلهاش، لكن قررت اصونها، فكرت فى كل ذنب عملته، وكل اذى اتسببت فيه عشان اوصل للى كنت عاوزاه، توبت.. وندمت على كل حاجة عملتها، كان عندى سبب قوى عشان ابدأ صفحة جديدة، بقيت بصلى ومع كل صلاة.. اطلب من ربنا يسامحنى، التوبة مكنتش سهلة، وعدت عليا ليالى كتير شوفت فيها الويل، خوف ورعب وكأنى مش عايشة لوحدى، لكن اتحملت، احساسى انى انا اللى جبته لنفسى.. خلانى اصبر واتحمل، حاولت اكون ام كويسة، حاولت انسى كل اللى فات، اتمنيت ان ربنا يسامحنى على مهنة ورثتها بالجهل، مهنة الدين برىء منها، ويسامحنى على طريق الشيطان اللى مشيت فيه، والاذى اللى اتسببت فيه، اتمنيت لو يرجع بيا الزمن عشان اصلح حاجات كتير اوى، لكن كان فات الاوان..
تفتكروا ربنا قبل توبتى؟
*****
امى خلصت حكايتها، ونور كانت نامت فى اول الحدوتة زى عادتها، قولت الحمد لله انها مسمعتش الحقيقة اللى اول مرة امى تحكيها، اللى اعرفه مكنش كتير، لكن اليوم دة عرفت كل التفاصيل، ولما سألتها:
_ اشمعنى النهاردة ياماما قررتى تحكى؟
قالتلى وهى بتغمض عنيها وبتروح فى النوم:
_ عشان حاسة ان النهاية قربت، قربت اوى
تمت