بقالي فترة بحلم أحلام غريبة، مخيفة، مرة كنت في مكان كله ضلمة وحواليا ناس كتير كلهم متكفنين أبيض وبيبصولي بجمود وفجأة قربوا مني وحاولوا يهاجموني، ومرة تانية في أوضة مقفولة وفي أصوات خبط من تحت الأرض وبدأت الأرضية تتفتح وطلعت حشرات وعناكب حاصرتني!
الأحلام بتتكرر، بصحي من النوم ألاقي جسمي فيه كدمات من محاولة الناس أنها تضربني أو حتت حمرا في جلدي من الحشرات لدرجة أني افتكرت نفسي ملبوس رغم أن يومي بيكون كله طبيعي!
الموضوع مخيف، فكرة أن حلم يتحول لحقيقة حاجة مرعبة، بقالي أسبوع بخاف من النوم، خاصةً وأن الأحلام بدأ تأثيرها يظهر في الواقع لأني صحيت كذا مرة لقيت حواليا على السرير ناس باصين عليا وفجأة اختفوا، وصحيت مرة تانية لقيت حاجة بتقرص رجلي ولما رفست الكوفيرتة لقيت أثر حاجة قرصتني ورجلي حمرا!
كتير حذروني من أن شغلي في المشرحة نهايته الجنون، بس ده أكل عيشي، وكمان اللي بيحصل ده أكيد مالهوش دعوة بالشغل. حاولت أشوف إيه الغريب اللي مريت بيه الفترة اللي فاتت وممكن يكون هو السبب ملقتش غير الجثة الغريبة اللي وصلت من كذا يوم وماتت في ظروف غامضة.
راجل كبير في السن، وشه أبيض، دقنه خفيفة، نحيل جدًا وسبب وفاته مش معروف بس أكيد قضاء ربنا. في الليلة دي كنت في المشرحة بنضفها وأرتب الأدوات للدكتور علشان يشتغل على طول وفجأة سمعت صوت حد بيكلمني “يا ابني”! سمعتها وبصيت حواليا ملقتش غير ترابيزات فاضية والتلاجة وجثة الراجل ده!
الغريب أن إيده كانت برا الغطا الأبيض رغم أني مغطيه كويس! أنوار المشرحة كانت هادية، زودت الإضاءة وحاولت موترش نفسي، كملت شغلي وسمعت الصوت تاني “يا ابني”!
اتنفضت، خوفت المرة دي، الصوت جاي من ورايا ناحية الراجل، روحت ورفعت الغطا من على وشه لقيته مبتسم! لما جه مكانش كده! كان وشه جامد! جسمي قشعر، اتنفضت، فكرت أخرج لحد ما الدكتور يجي بس مش عايز يطلع عليا سمعة أني خواف، بلعت ريقي بصعوبة ورجعت الغطا وقريت قرآن وأنا بفتح ملف الراجل ده اشوف هو مين.
اسمه محفوظ سيد السماك، 65 سنة، على المعاش. بصيت للجثة وقولت بصوت واطي: “مالك يا عم محفوظ أنت هتزاولني ولا إيه”؟! بمجرد ما خلصت الجملة لقيت نور المشرحة بيرعش وبعدها طفى!
قلبي اتقبض، جريت اخرج من المشرحة لقيت الباب مقفول! بصيت ورايا وعلى ضوء الكشاف بتاع الطوارئ لقيت جسم واقف في أخر المشرحة! جسم نحيل متغطي! زي ما يكون محفوظ!
صرخت بخوف وخبطت على المشرحة جامد، زودت الخبط، ناديت على سامية اللي شغالة في الدور، سمعت صوت خطوات ورايا بتقرب مني، خوفي منعني أني أبص، زودت صريخ، الخطوات قربت أكتر، حسيت بإيد على كتفي ولسعة قوية في لحمي، صرخت ولفيت مصدوم لقيت في وشي عم محفوظ بوشه الأبيض وبيبتسم وبعدها محسيتش بنفسي من الصدمة!
مش عارف قعدت قد إيه مغمى عليا، فوقت لقيت نفسي على الأرض والباب بيتفتح والدكتور مصطفى بيدخل عليا. “نايم كده ليه يا عباس”؟ سألني باستغراب. قومت وأنا مش مستوعب وبصيت على ترابيزة محفوظ لقيت جثته موجودة عادي ومتغطية!
مكنتش عارف أقول إيه، سكتت ثواني وقولت: “تعبان شوية يا دكتور بس”. شاورلي وقالي: “لو خلصت روح أنت” اخدت الكلمة وطلعت جري على برا، مشيت، روحت البيت.
تاني يوم كان محفوظ اتدفن والمشرحة هادية وارتحت من الرعب اللي حصل.
اكيد اللي حصل ده ليه علاقة بالاحلام الغريبة اللي بشوفها، بس ليه وإزاي! افتكرت الوجع اللي حصل في كتفي، جريت على المراية وقلعت التيشيرت لقيت علامة زي القوس معمولة بحرق في كتفي! حسست عليها بصباعي لقيتها محفورة وزي ما يكون في كلمات عليها!
صورتها بالموبايل وبصيت قريت كلمة “العابر”! واسمي! عباس!
أعصابي سابت، الخوف اتمكن مني، روحت المستشفى وجبت بيانات محفوظ وكلمت رقم موبايل المفروض انه لابنه، طلب منه أقابله ضروري، وفعلا روحتله مكانه. عايش في الوراق، بيت بسيط، طلعت بتردد وخبطت الباب لقيت شاب من سني تقريبا في التلاتينات فتح، عرفته بنفسي ودخلت وهو مستغرب من الزيارة.
قعدت وحكيت له اللي حصل، وشه عليه جمود ورعب. “شوفت ابويا”؟ قالها بخوف. رديت “أه، كان هو اللي في المشرحة ومش فاهم إزاي”!
دخل جوا وجاب ظرف بني كبير شوية واضح أن فيه ورق أو فلوس وإدهولي وهو بيقولي برعب واضح: “أبويا وصاني قبل ما يموت أن ده هيجي واحد ياخده والأمارة أنه هيشوفني بعد ما أموت”!
تنحت، مش فاهم، كمل: “كنت فاكر أن أبويا يقصد أن الشخص يشوفه في حلم إنما مش في واقع زي ما بتحكي”! اخدت الظرف ولسه هفتحه قالي بعصبية: “لأ مش هنا، أبويا كان غريب وبيحصل معاه حاجات أغرب والوضع هنا مش متحمل، عندي عيال”!
كلماته خوفتني أكتر، أخدت الظرف ومشيت روحت البيت وفتحته، لقيت ورق كتير لوحده وورقة لوحدها مكتوب عليها “أحرق الورقة”! جبت ولاعة وحرقتها شميت ريحة دخان غريب وحسيت بدوخة وفجأة لقيت نفسي في أوضة سودا!
قدامي محفوظ! متكفن! عرفته من صوته اللي كان بيقولي بيه “يا ابني”! قرب مني وقال: “أنت العابر، اخترتك”! حاولت أصرخ معرفتش، بقي زي ما يكون مربوط، متكمم، حاولت أهرب رجلي متثبتة في الأرض، قرب مني أكتر وقال بهدوء وصوته القوي: “هتعمل دورك زي ما عملت دوري، هتسخر روحك لخدمة المحتاج”.
سمعت صوت خبط جامد حواليا، والضلمة بدأت تبهت لحد ما لقيت نفسي رجعت وقدامي الورق! ريحة دخان النار لسه في الأوضة، مسكت الورق وفتحته لقيته عبارة عن طلاسم وتعاويذ كتير، وكلمات بالعربية مكتوبة بخط حلو زي “استحواذ” “فك السحر” و”منع الخروج” و”حبس الجن” وحاجات تانية ليها علاقة بالأعمال والسحر!
دي كانت بدايتي، ناس بتقول عليا دلوقتي دجال بس أنا عارف إني مش كده، أنا عابر، بعبر الخط الفاصل بين البشر والجن علشان أحافظ على الاستقرار، بفك الأعمال، بساعد في كشف الشر، بحمي الخير، بيسموني الشيخ عباس بس أنا مش شيخ، أنا اختارني محفوظ أكمل دوره، أختارني لأنه حاول يخلي ابنه يساعده بس ابنه خاف ورفض وكان لازم يسلم التركة دي لحد قبل ما جسمه ينزل تحت التراب ومن حظي أنه اختارني أنا.
الأحلام اللي كنت بشوفها اتغيرت، الأول كانوا بيحاصروني علشان أقوم بدوري، دلوقتي بقت الأكفان دي حواليا بتدعيلي، الحشرات لما تخرج من تحت الأرض بتشوفني وتخاف وترجع تستخبى. سيبت شغلي في المشرحة ومستني يوم ما يجي دوري واختار أول شخص يشوفني علشان تتنقل ليه التركة دي ويبقى العابر الجديد!
اترك رد