قصه تلسكوب : انا معتز موافي، طالب مغترب، انا اصلًا من بلد أرياف بس مش هذكر اسمها، جيبت مجموع عالي في ثانوية عامة وعشان كده قدرت ادخل كلية الهندسة جامعة الاسكندرية، كان ليا خال عايش هناك، كان يعتبر مغترب زيي وفرق السن بيني وبينه مش كبير، تقريبًا خمس سنين، ولانه عازب فعرض عليا اني اعيش معاه، وبصراحة انا ماصدقت خصوصًا اني ماعرفش أي حاجة في اسكندرية، وقبل العام الدراسي بأسبوع روحت قعدت معاه، استقبلني في الشقة بتاعته وبدأنا ننزل نتمشى شوية يعرفني الشوارع والمحلات اللي في المنطقة، وكمان مشاني في الطريق اللي هروح منه كل يوم للجامعة، بدأت الدراسة وبدأت أركز في مذاكرتي وتقريبًا ماكنتش بشوف خالي ده خالص، لحد مافي يوم كنت قاعد بذاكر وكانت الساعة وقتها حوالي4 الفجر، خرجت من الأوضة عشان أروح المطبخ اعمل أي حاجة أشربها، وانا معدي في الصالة لمحته واقف جوة البلكونة وقدامه حاجة انا مش قادر اميزها، استغربت وروحت ناحيته…
– بتعمل ايه يا فهمي؟
بص لي والرعب في عينيه بعدين قالي…
– ايه يا معتز؟! مش تكح ولا تعمل أي حركة ياأخي!
ضحكت على منظره وانا بعتذرله…
– اسف ماخدتش بالي، انت بتعمل ايه في البلكونة دلوقتي؟ وبعدين ايه ده؟
– ده تلسكوب، كنت بتفرج على القمر من قرب.
– الله تلسكوب، انت لك في الحاجات دي؟
– طبعًا مش مجال شغلي.
– ليه هو انت بتشتغل ايه؟
– في الفلك.
– عالم فلكي يعني؟
– لا، انا بكتب حظك اليوم والابراج في صفحة في الجرنان كده.
– وانت كنت بتعمل ايه دلوقت كنت بتشوف للناس حظها؟! ولا كنت بتشوف حظ بنت الجيران؟
– بنت الجيران ايه بس يا معتز، انا برضو بتاع كده؟
– ده انت ابو كده، اقفل يلا البتاع ده وخش جوة.
– انت هتستهبل يلا على فكرة انا اللي خالك مش انت اللي خالي.
– ما انت خال.. ولا بلاش، يلا ندخل جوة.
– استنى بس نشوف عطارد في انهي بيت.
– في البيت اللي قصادنا، يلا ياخال يلا.
خدته ودخلنا جوة، قعدنا على الكنبة اللي في الصالة وساعتها قولت له…
– افرض حد شافك وانت بتعمل كده هيقول عليك ايه؟
– شافني وانا بعمل ايه مش فاهم؟! يابني انا كنت بشوف النجوم والقمر زي ماقولتلك.
– وهي النجوم فوق ولا تحت؟!
– قصدك ايه؟
– قصدي لو انت بتشوف النجوم فعلًا زي مابتقول التلسكوب نازل لتحت ليه؟
ارتبك أول ما قولتله كده وماعرفش يرد، ضحكت على منظره وبعدها سألته…
– انت مش بتفكر تتجوز؟
– اتجوز! وهو انا لو اتجوزت هصرف على هتجوزها دي منين؟! ده انا يدوب مكفي نفسي بالعافية.
– صدقني لو سعيت في الموضوع ربنا هيكرمك، فكر انت بس.
– ربنا يسهل، المهم دلوقتي موضوع التلسكوب ده سر بينا، مفهوم.
– ماتقلقش يافهمي هو انا عيل ولا ايه؟!
– جدع ياض، طول عمري بقول عليك راجل.
– اه بس انا هاخد البتاع ده معايا البلد وانا نازل الاجازة الجاية.
– يابن اللذينة، انت مابتعملش حاجة ببلاش أبدًا، ماشي خده بس تحافظ عليه فاهم، ولا اقولك خليه في اجازة نص السنة.
– ماشي، وماتقلقش هحافظ عليه.
فهمي كان متغاظ من مساومتي له، بس مش مهم المهم اني هاخد البتاع معايا واتفشخر به قدام العيال اصحابي في البلد، هو كان فاكر اني هنسى بس على مين، اول ما خلصت امتحانات الترم الأول رجعت البيت ولميت شنطتي وحاجتي وبعدين قولتله…
– هات بقى الشنطة اللي فيها التلسكوب؟
– تليسكوب ايه؟
– كده! ماشي خليه بس مش عارف أمي وستي هيعملوا ايه لو عرفوا انه موجود في البلكونة هنا؟
بص لي بغيظ وبعدين دخل جوة جابه ورجع، ناولهولي وهو بيقولي…
– عارف لو حصله حاجة هعمل فيك ايه؟
– عيب يا خال.
– لما نشوف، طبعًا انت عارف بيشتغل ازاي؟
– اه ما انت علمتني عليه.
– جدع، يلا بقى عشان متتأخرش على القطر.
– ماشي سلاموا عليكوا.
سيبته ومشيت، ركبت القطر وبعد حوالي 3 ساعات كنت في بلدنا، نزلت في المحطة وقت أذان المغرب وانا ماشي قابلت ناس كتير اعرفها، منهم حمدان اللي أول ما شافني فرح وجري عليا…
– معتز، حمدالله على السلامة، عامل ايه؟
– الله يسلمك يا حمدان، انت اخبارك ايه؟
– والله ماشي الحال، انت خدت الاجازة؟
– اه، وابوك ازيه؟
– تمام الحمدلله، هات عنك.
كان بيحاول ياخد مني شنطة التلسكوب، قولتله وانا ببتسم…
– لا لا مش مستاهلة، عيشت الله يخليك.
بص للشنطة باستغراب وبعدين سألني…
– الا هو ايه ده صحيح؟!
– ده…
فكرت وقتها اني مش هقول لحد على التلسكوب، وده بعد ما جت في دماغي فكرة شيطانية، وهي اني اراقبهم واخوفهم بعدها، كملت كلامي وقولتله…
– دي شنطة فيها شوية حاجات بستخدمها في الدراسة.
– طب وجايبها معاك ليه؟ ماكنت سيبتها هناك.
– لا عشان لو احتاجت حاجة منهم تبقى معايا، وبعدين الشنطة مش تقيلة.
– طب مش…
– بقولك ايه يا حمدان اني هروح وبالليل هبقى اقابلكوا في المكان بتاعنا، يلا سلام.
بص لي باستغراب كده وهو بيرد ببطء…
– سلام يا اخويا.
سيبته ومشيت وانا سامعه بيقول اني اتغيرت عليه وبقيت مغرور، بس مش مهم اهو احسن ما ارجعله وساعتها مش هيرتاح غير لما يفتش الشنطة حتة حتة، وصلت البيت وسلمت على أهلي اللي كانوا وحشني جدًا، دخلت بعدها أوضتي حطيت الشُنط وغيرت وبعد كده رجعت قعدت معاهم، اتغديت وبعدين قولت لابويا وامي…
– اني هنزل للعيال شوية عند المصرف.
ردت امي عليا…
– انت لحقت تقعد يابني؟
– معلش ياما هسلم عليهم بسرعة واجي.
قالي ابويا…
– روح بس متتأخرش.
– حاضر يابا، سلاموا عليكوا.
نزلت بسرعة وروحت للعيال عند المصرف الي في أول البلد، وده المكان اللي بنتجمع فيه من واحنا في ابتدائي، سلمت عليهم وقعدنا زي مابنقعد كل مرة، بس لاحظت إن حمدان متغير من ناحيتي فسألته…
– مالك يا حمدان؟ انت زعلان مني في حاجة؟
– لا واني هزعل منك ليه؟ هو انت عملت حاجة؟
– وله اني مابحبش الطريقة دي، قول زعلان من ايه واخلص؟
رد اسماعيل وقالي…
– هو زعلان اكمنك يعني قابلته مقابلة وحشة وانت راجع عشية.
– اني! لا والله أبدًا، اني بس كنت تعبان وكنت عايز أروح أحط الشنط واسلم على ابويا وأمي عشان وحشوني، اني ماقدرش ازعلك يا حمدان.
قالي وهو لسه لاوي وشه…
– لا ما خلاص بقى مابقيناش قد المقام، انت دخلت كلية الهندسة واحنا كلنا دبلومات، وكمان بقيت قاعد في اسكندرية لوحدك وعيشتك اتغيرت، انما احنا لسه ملطوعين في البلد الفقر دي.
بصراحة حمدان كان بيملك قدر كبير جدًا من الحقد الطبقي والاجتماعي، وده كان بسبب ان ابوه زمان سابهم هو وامه وسافر وعاش مع جوز امه، ومن ساعتها وهو حاسس بانه أقل من اللي حواليه، مهما كان الشئ اللي عندهم قليل لكنه دايمًا بيحس بأنه أعظم حاجة وبيتحسر ازاي مابيمتلكهاش، بيصعب عليا جدًا، بس مانكرش اني اوقات بضايق من العادة دي، حاولت أراضيه يومها وافهمه ان الموضوع عكس ما هو فاهم واني ماتغيرتش وماقدرش مهما حصل اتغير على صحابي اللي اتربيت وسطيهم، ماقتنعش بسهولة بس في الاخر قدرت اخليه يضحك وبفرد وشه، قعدنا اتكلمنا في حاجات كتير، وطبعًا أغلب القعدة كانت عبارة عن أسئلة موجهة ليا، عن اسكندرية ودراستي والناس اللي قابلتهم، وكلام قليل منهم عن اللي حصل الفترة اللي غيبتها، وفي اخر الليل سلمت عليهم وروحت، رجعت البيت بسرعة، كانوا كلهم ناموا ماعدا أمي اللي أول مادخلت البيت قالت لي بقلق…
– كل ده بره البيت؟
– معلش ياما، القعدة خدتني وسرحت مع العيال.
– بركة انك بخير، بس ماتتأخرش كده تاني.
– حاضر، تصبحي على خير.
– وانت من اهل الخير ياضنايا.
سيبتها ودخلت أوضتي بسرعة، جريت على شنطة التلسكوب وطلعتها، فتحت البلكونة وحطيت التلسكوب في البلكونة زي مافهمي كان حاطه في اسكندرية بالظبط، بعدها بدأت ابص فيه وانا بلف العدسة يمين وشمال وبقول…
– فين بيت حمدان؟ ايوة هو ده.
كنت شايف حمدان وهو داخل بيته، كان باين عليه الزعل جدًا، بعد دقايق لقيته خرج وقعد على المصطبة اللي قدام البيت، كان واضح انه بيعيط، فضل يعيط لحد ما شوفت بنت خرجت من البيت وقعدت جنبه، طبطبت عليه وخدته في حضنها، دي عزيزة أخته، عزيزة كانت أصغر مننا بأربع سنين تقريبًا، كانت بنت جميلة بس دايمًا تحس انها مكسورة أو في حاجة وجعاها، ماكنتش عارف السبب ولا هي كانت بتجاوب لما بسألها، بعد شوية عزيزة قامت ومدت ايدها لحمدان الي مسك ايدها وقام معاها ودخلوا جوة وقفلوا الباب، قعدت بعد كده اتفرج على بيوت عشوائية لناس اعرفها وناس ماعرفهاش، وبعد شوية زهقت فرفعت عدسة التلسكوب لفوق وبدأت اتفرج على القمر والنجوم، المنظر كان جميل فعلًا وشدني، لحد ما حسيت اني عطشان قومت روحت المطبخ عشان اشرب بس لما رجعت لقيت العدسة اتحركت وبقت لتحت، استغربت وماكنتش عارف ايه اللي حركها، ظبطتها زي ماكنت ولسه هبص منها لقيتها نزلت لتحت تاني، وبعدين بقى، هو الدراع باظ ولا ايه؟ رجعت ثبتها لفوق تاني، بس برضو نزلت لتحت، بصيت في العدسة لقيتها جايبة صورة للأرض، ايوة يعني انا المفروض اتفرج على الأرض دي يعني، ماتتعدل بقى خلينا نشوف القمر، قعدت كتير احاول اظبط فيه لكن مافيش فايدة، فجأة لقيته اتحرك حركة بسيطة لفوق، رجعت ورا ساعتها، وانا بقول “بسم الله الرحمن الرحيم” البتاع ده ملبوس ولا ايه؟ فضلت باصص عليه وانا مرعوب، بس بعد شوية استجمعت شجاعتي وقربت منه، وبحذر حطيت عيني في العدسة، كان قدامي واحد مديني ضهره وبيحفر في الأرض، فضل يحفر ويحفر لحد ما في الأخر رمى الفاس جنبه، وبعدها راح ناحية الحفرة وطلع منها قماشة غامقة، وبعدها شال القماش عشان يظهر هيكل عظمي، الهيكل قام قعد وبعدها لقيته بيبص ناحيتي وبيشاورلي، رجعت بسرعة لورا، وفي رجعتي وقعت على الأرض، كنت قاعد منكمش على نفسي وانا برتعش من الخوف، مين ده؟ وبيشاور لي ليه؟ عيني جت على التلسكوب حسيت بالرعب أكتر، قومت بخوف وشيلته بسرعة وعينته في الشنطة، دخلت بعدها في السرير وخبيت وشي بالغطا، يانهار اسود لو كان عفريت من اللي بنسمع عنهم، يارب ما يفضل يطاردني زي ماستي كات بتحكي، انا سمعتها قبل كده بتقول ان عفريت الميت لو شافك مش هيسيبك، الدموع بدأت تتسحب من عيني، وفضلت اعيط لحد مانمت.
فتحت عيني على صوت حاجة بتتحرك في الأوضة، رفعت الغطا عن وشي بهدوء، وساعتها شوفته، كان واقف عند شباك السرير قدام رجلي، هيكل عظمي طويل، بيبص لي، لميت رجلي وانا ببعدها عنه، وفضلت اصرخ انت عايز مني ايه؟ بص ناحية البلكونة، قولت له بسرعة…
– اني ماكنتش اقصد، مش هعمل كده تاني.
شاور ناحية الشنطة وبعدين ناحية البلكونة…
– لا اني مش هتفرج على حاجة تاني.
فتح بوقه على الأخر وكأنه بيصرخ، غمضت عيني، كنت حاسس بهوا شديد، وبردت فجأة، بعدها باب البلكونة اتفتح بقوة، فتحت عيني على صوت الخبطة، شاورلي على الشنطة…
– قولتلك مش هتفرج على حاجة تاني.
قرب مني وقتها، حاولت اجري لكنه مسكني، قرب وشه من وشي وصرخ صرخة عالية المرة دي كان لها صوت، صوت مرعب، غمضت عيني وانا بحط ايدي على ودني.
قومت من النوم مفزوع، ماكنش في غير الصمت، ستي كان معاها حق،عفريت الميت مش ممكن يسيبك لو شافك، بس هو عايزني ارجع التلسكوب ليه؟ اكيد عايزك تتفرج على حاجة، بس انا مش عايز اتفرج، طب مش تسمع الكلام يمكن يسيبك في حالك، والله فكرة ممكن لما اتفرج واسمع كلامه يبعد عني، قومت عشان احط التلسكوب مكانه لكن اكتشفت ان النهار طلع، فقررت أجلها لليل، فطرت وبعدها نزلت البلد شوية، ووانا ماشي شوفت حمدان، كان واقف في بيت من البيوت اللي بتتبني جديد، كان واقف ماسك شاكوش في ايده وعلى وسطه لافف شنطة قماش مليانة مسامير، حمدان بيشتغل نجار مسلح، فضلت واقف ابص عليه من غير مايشوفني، فكرت ساعتها ايه اللي يخلي واحد زي حمدان يبكي بالليل، رغم القوة اللي بيبان عليها طول اليوم، سيبت المكان ومشيت من غير ما اسلم عليه، خوفت يفهم زيارتي له غلط زي عادته ويقول اني جاي اتفرج عليه وهو بيشتغل، حمدان شخص طيب بس لو يغير الطبع ده فيه هيبقى احسن، روحت البيت قعدت معاهم، وانا مستني الليل بفارغ الصبر، رغم الخوف اللي جوايا الا اني كنت عايز اعرف الهيكل ده عايزني أشوف ايه، وبعد العِشا سيبت اهلي وطلعت اوضتي، وقفت في البلكونة، كانت البلد كلها نامت تقريبًا، ومافيش حد ماشي في الشارع، بس قولت استنى ساعة كمان عشان اتأكد ان كلهم ناموا في البيت، وفعلًا بعد ساعة طلعت التلسكوب من الشنطة وبدأت أركبه، وبعدها حطيته في البلكونة وقعدت على السرير، شوية ولقيت العدسة بتتحرك بزاوية معينة، وقتها قومت وقربت منه بهدوء وحطيت عيني في العدسة.
كنت شايف بلدنا، بس مش بنفس الصورة اللي عليها دلوقتي، كان قدامي شجرتين كبار مش موجودين دلوقتي، ومن بين الشجرتين كنت شايف بيت من دور واحد، كان شكله قديم أوي، ده بيت حمدان، رفعت عيني من العدسة وبصيت على البيت دلوقتي، بقى بيت من خمس ادوار، وقدامه وسعاية كبيرة متزوقة بالزرع، رجعت بصيت من العدسة تاني، شوفت واحد شكله غريب عمري ماشوفته في حياتي، كان خارج من البيت، باين عليه الفقر وجلابيته مبهدلة، خرج وقعد على المصطبة اللي قدام البيت، كان تاني ركبته على المصطبة وحاطط ايده على خده وهو ساندها على رجليه، الهم كان واضح على ملامحه، شوية وخرجت ست جميلة، صحيح هدومها هي كمان باين عليها الفقر لكنها كانت زي القمر، خرجِت وقعدت جنبه، قولت في سري “انا مش سامع حاجة” وقتها حسيت بصفارة في ودني وبعدها، سمعت الست بتقوله…
– ايه يا عوض يااخويا، قاعد حزنان كده ليه؟
– مش عاجبني حالنا يا فرحة، لحد امتي هنفضل في الفقر ده؟
– فقر ايه بس؟ ما احنا زي الفل اهو.
– لا مش زي الفل يا فرحة، انتِ بتضحكي على روحك ولا بتضحكي عليا؟ احنا مش عايشين اصلًا.
– بكرة ربك هيعدلها وهتبقى عال.
– وبكرة ده هيجي امتى وازاي بس وانا قاعد مكاني هنا؟
– قصدك ايه يا عوض؟ انت بتفكر في ايه؟
– لازم اسافر يا فرحة، لازم اسافر عشان حالنا يتعدل.
– وهتسافر فين وهتشتغل ايه؟ هو انت بتفهم غير في زراعة الأرض.
– هسافر اي حتة، واشتغل اي حاجة تجيب فلوس المهم حالنا يتعِدل.
– طب والواد اللي جاي للدنيا ده هربيه لوحدي؟
– هعمل ايه بس يا فرحة، ماهو لو مسافرتش الواد ده مش هيلاقي ياكل من أصله.
– طب ارمي حمولك على الله يا اخويا وماتشلش هم.
– كله على الله، كله على الله يافرحة.
رفعت راسي من العدسة، دي خالتي فرحة أم حمدان، يعني ده عم عوض ابوه، هو ازاي كان عايز يسافر عشان يظبط حياتهم وبعدها مسألش فيهم؟ رجعت بصيت من العدسة، بس المرة دي لقيت منظر تاني…
عوض كان واقف في وسط الأرض بيشتغل، لما فجأة قرب ناحيته واحد ونده عليه بصوت عالي…
– ياعوض، ياعوض.
– ايوة اني هنا، تعالى.
قرب الراجل لحد ما وقف قدامه…
– اخبارك ايه؟
– الحمدلله رضا، ها عملت لي ايه في موضوع السفر؟
– اني خلصت كل حاجة وكلمت لك الناس اللي هتسافر وياهم.
– طب خير، والسفر امتى بالمشيئة؟
– يعني بعد اسبوعين كده.
– طب حلو اوي، وهيعوزوا كام بقى؟
– مش كتير، هم كانوا عايزين 3 الاف جنيه، بس اني كلمتهم لك وخليتهم الفين بس.
– ربنا مايحرمنيش منك يا اصيل.
– توصل انت بس بالسلامة واطمن عليك وابقى كده ارتاحت، يلا سلاموا عليكوا.
– وعليكوا السلام.
اختفى الراجل اللي ماكنتش قادر اشوف وشه، وبعدها رجع عوض كمل شغله في الأرض، وقتها حسيت بصوت رجلين بتقرب من الأوضة، قفلت باب البلكونة بسرعة، ونطيت على السرير، شوية والباب اتفتح، بصيت على الباب لكن ماكنش في حد، اومال مين اللي فتح الباب؟ قومت ناحيته وبصيت بره يمين وشمال لكن مالقيتش حد، رجعت وانا مستغرب بس فجأة اتسمرت مكاني، وقلبي وقع في رجليا، عزيزة كانت واقفة جنب السرير وبتبص لي بغضب، بصت بعدها على باب البلكونة عشان يتفتح لوحده ويظهر التلسكوب، ضحكت ضحكة مرعبة وقالت…
– انت فتحت على نفسك باب مش هتعرف تقفله، أدي اخرت اللي يتجسس على جيرانه.
– انا.. انا….
قاطعتني…
– قوله اني ماليش ذنب.
ماكنتش قادر ارد عليها، فضلت مبرق لها، كملت كلامها…
– قوله اني مش هقدر اغير اللي حصل.
اختفت بعدها وانا فضلت واقف مكاني مرعوب وجسمي كله بيتنفض، عزيزة! عزيزة شافته زيي؟ هو بيعمل معاها ايه؟ وليه بيأذيها؟ وبعدين.. وبعدين هي ازاي كانت هنا واختفت فجأة؟! بس هي معاها حق انا فتحت على نفسي باب مش هقدر اقفله تاني، كل ده عشان لعبة قررت العبها واخوف اصحابي، دلوقتي انا اللي بقيت مرعوب، ماكنتش عارف اعمل ايه، انا بقيت لعبة في ايد شبح أو هيكل عظمي مش عارف ناوي لي على ايه؟ خصوصًا بعد ما طلع بيعذب عزيزة، في وسط كلامي مع نفسي لقيت العدسة بتتحرك، جريت عليها وبصيت بسرعة.
عزيزة نايمة في السرير، بتتنفض وباين عليها الرعب، كانت بترجع لورا كأنها بتهرب من حاجة بس الشباك مانعني اشوفها، بعدها صرخِت وقالت…
– انت عايز مني ايه؟ انا ماعملتش حاجة.
سمعت صوت مرعب ساعتها بيرد عليها…
– انتِ شوفتي اللي حصل وعرفتي كل حاجة.
عيطت وهي بتتوسل له…
– انا ماليش ذنب في كل اللي حصل.
– انتِ اللي هتدفعي التمن.
بعدها لقيت راس بتتمد من ورا الشباك وبتبص لي، زقيت العدسة بعيد ووقعت على الأرض، الراس.. الراس كانت مقطوعة وغرقانة دم، انا ايه اللي عملته في نفسي ده؟ انا لازم امشي من البلد النهاردة، مش هينفع اقعد اكتر من كده، لميت التلسكوب في الشنطة، وقررت اني هسافر أول ما النهار يطلع، والصبح فعلًا نزلت اتكلمت مع ابويا وبلغته بقراري، اعترض طبعًا ورفض، لكن في وسط كلامنا لقينا أختي الصغيرة داخلة البيت وهي بتعيط بحرقة، جريت عليها انا وابويا وسألناها…
– مالك يا فتحية؟
– عزيزة يابا، عزيزة ماتت.
الجملة رعبتني، ابويا سألها بعدها…
– ماتت ازاي يابت؟
– دخلوا عليها الأوضة لقوها واقعة على الأرض ومبرقة كأنها شافت عفريت.
قولت في عقلي وقتها “هي فعلًا شافت عفريت، مش كأنها” طلعت على أوضتي بسرعة، لميت هدومي ونزلت، ابويا سألني…
– انت رايح فين؟
– انا لازم امشي دلوقتي حالًا.
– تمشي فين؟ انا مش قولت لا.
– يابا انا لازم ارجع اسكندرية دلوقتي ويومين كده وهبقى ارجع.
بص لي بشك كده وبعدين سألني…
– انت متلهوج على السفر كده ليه يا وله؟ في ايه هناك مستعجل عليه؟
– مافيش حاجة بس عندي شوية مذاكرة ولما جيت ادور على المذكرات لقيتني ناسيهم في الشقة هناك، هرجع اجيبهم واجي على طول.
– طب مش تعزي حمدان صاحبك الأول.
– لا لا، لما ارجع ابقى اعزيه.
رفع حواجبه وبص لي باستغراب…
– ماتنطق ياد وقول في ايه مسربعك كده؟
– مافيش حاجة يابا، انا همشي دلوقتي وابقى سلملي على امي لما ترجع، سلاموا عليكوا.
– طب خد يا متيور خد فلوس ولا هتسافر ببلاش؟
– اه صح، هات يابا.
خدت منه الفلوس ومشيت بسرعة، كنت بجري من البلد، عايز امشي بأي شكل، ركبت القطر وبِعِد عن البلد، ساعتها بس حسيت براحة واطمنت، وصلت الشقة لقيت خالي مش موجود، بس لحسن حظي كان سايب المفتاح تحت المشاية اللي قدام الباب زي ما كنا متعودين، دخلت الشقة وحطيت الشنط، بعدها قولت ادخل اخد دش اريح اعصابي من السفر وكمان افصل شوية من اللي شوفته اليومين اللي فاتوا، وانا تحت الماية سمعت صوت باب الشقة بيتقفل، عليت صوتي وانا بقول…
– انا هنا يا فهمي، هخلص واطلع لك.
ماردش عليا، خرجت راسي من تحت الدش وانا بحاول اسمع، بس ماكنش في صوت، مش عارف ليه حسيت بالخوف، قفلت الماية ونشفت جسمي ولبست هدومي بسرعة، خرجت بره، بصيت في الصالة لكن ماكنش في حد، ندهت بصوت عالي…
– فهمي، يا فهمي.
ماكنش في حد بيرد عليا، قولت يمكن كان بيتهيئلي ولا حاجة، لكن ساعتها لمحت اثر رجلين على البلاط، فضلت ماشي بعيني ورا الأثر لقيته داخل لحد أوضتي، وقفت مكاني وانا مشلول، فكرت اجري بره الشقة بس حاجة جوايا منعتني، يمكن الفضول أو الرعب اللي كان شاللني مش عارف، المهم اني ماقدرتش اتحرك، بالعكس انا لقتني رايح ناحية الأوضة زي مايكون في حاجة بتسحبني لجوة، أول ما دخلت الأوضة لقيت اثر الرجلين واصل للسرير، رفعت راسي وساعتها شوفته، اتفزعت لثواني لكن هديت نفسي بعدها، كان عوض قاعد على السرير، بس بهيئته العادية مش هيكل عظمي ولا راسه مقطوعة، لفت نظري ان رجله كانت وسخة جدًا ومعلمة على السرير، بص لي وضحك قبل مايقول…
– فاكر نفسك هتقدر تهرب لما تسيب البلد وتمشي؟
رديت عليه بارتباك…
– اااانت.. انت عايز مني ايه؟
– مش عايز منك حاجة، انت اللي فتحت الباب ودخلت، انت اللي قررت تشوف حاجة مش لازم تشوفها.
– بس انا قفلت التلسكوب وشيلته، الهيكل هو اللي ظهرلي وطلب مني أكمل.
– شيلته بعد ايه؟ بعد ما اتجسست على بيتي ولا بعد ماشوفت جثتي؟
– جثتك؟ هي.. هي دي جثتك؟
– طبعًأ، اومال انت كنت فاكرها جثة مين؟
– ماعرفش ومش عايز اعرف.
– مش بمزاجك، انت هترجع البلد دلوقتي، وهتكمل الحكاية وهتكشف المستور وإلا هتموت زي عزيزة.
– هو انت اللي قتلت عزيزة؟
– عزيزة كان لازم تموت، ضريبة من الماضي ولازم تتدفع، بس انا ماقتلتهاش هي اللي ماسمعتش الكلام، ها هتسمع الكلام ولا هتحصل عزيزة؟
– لا لا، هسمع الكلام.
– تكون في البلد الليلة، هستناك هناك.
سابني واختفى بعدها، انا تقريبًا كنت بعيط، ماهو اللي بيحصل معايا ده مش طبيعي، ولا سهل اتحمله، ماكنش عندي حرية الاختيار زي ماعوض قال، وعشان كده لبست هدومي وخدت نفس الشنط ونزلت بسرعة روحت على محطة القطر، وانا في الطريق نمت.
عزيزة كانت بتقرب عليا من اخر عربية القطر، كانت ماشية ورجليها بتعلم في الأرض بنفس الطين اللي كان في رجل عوض، فضلت تقرب لحد ما وقفت قدامي وقالت بهدوء…
– اوعى تروح معاه، الطريق ده اخره موتك.
سألتها بلهفة…
– انتِ موتي ازاي؟
– خدني معاه لنفس المكان، بلاش تروح معاه.
فجأة لقيت ملامحها بتتغير وبتبص على حاجة ورايا وهي مرعوبة، وقبل ما اسألها بتبص على ايه؟ لقيت راسها اتقطعت والدم غرق هدومي.
قومت وانا بصرخ…
– عزيزة، لاااا.
استوعبت بعد ثواني اني بحلم، وساعتها بصيت للست اللي قاعدة قدامي، لقيتها بتبص لي بهدوء وبتقولي…
– انت كويس يا ولدي؟
– اه يا أمي، كان كابوس مرعب. وراح لحاله.
– هو فعلاً كابوس، بس الكابوس الأكبر هتشوفه لو ماسمعتش كلامه.
برقت لها وانا بسألها…
– كلام مين؟
ماردتش عليا وعشان كده قومت قربت منها ومسكتها من هدومها وانا بسألها بزعيق…
– ردي كلام مين؟
فوقت على صوت واحد بيشدني من ايديي وبيقول…
– انت يابني فوق، ايه اللي بتعمله ده، سيب الحاجة يابني.
لقتني ماسك في الست اللي قاعدة قدامي في الكرسي، وهي بتبص لي بخوف، سيبتها وانا بقول…
– اني اسف يا أمي ماكنتش اقصد، اني مش عارف اني عملت كده ازاي؟!
– ولا يهمك يابني ماحصلش حاجة، كلنا بنشوف احلام مزعجة، خصوصًا لما نكون ماشين في سكة مش عارفين اخرها ايه.
بصت لها بشك وبعدين سألتها…
– قصدك ايه بالكلام ده؟
– ماقصديش حاجة معينة، واضح ان كلامي جالك على الجرح، بس ده طبيعي البني ادم دايمًا تايه ومنين مابيلاقي السكة منين مابيرجع يتوه تاني، دوامة وكلنا عايشين فيها.
القطر وصل لمحطة بلدنا وكنت انا والست لسه بنتكلم، سلمت عليها ووانا نازل قالت لي…
– خليك فاكر، لو فتحت عينك تشوف وماتفهمش لكن لو فتحت قلبك تفهم ولو مابتشوفش.
ابتسمت لها وبعدين سيبتها ونزلت من القطر، كانت العِشا بتأذن وقتها، روحت البيت، بس لما دخلت مالقيتش حد، أكيد كلهم في العزا دلوقتي، غيرت هدومي وروحت العزا، اول ما دخلت سلمت على حمدان، كان بيعيط بحرقة، حضنته وواسيته، بعدها سلمت على عم غانم ابو عزيزة كان منهار في العياط وصالب طوله بالعافية، دخلت قعدت جنب ابويا اللي أول ماشافني وشه اتغير، وبعد ماقعدت ميل عليا وسألني بهمس…
– ايه اللي رجعك؟
– دي قصة طويلة هبقى احكيهالك بعدين يابا.
– اني قولت الموضوع دِه فيه إن.
– بعدين يابا، مش وقته.
خلص الشيخ ربع من القران وبعدها قام ابويا عشان يمشي وساعتها سألني…
– هتيجي معايا؟
– لا يابا روح انت، انا هقعد مع حمدان شوية عشان احاول اخرجه من اللي هو فيه.
– واجب برضو، ماشي هستناك بعد ماترجع عشان نتكلم.
– ماشي يابا.
بعد ما العزا خلص ولمينا الكراسي، قعدت انا وحمدان وبقيت اصحابنا، بعدها اقترحت عليهم نروح المكان بتاعنا عند المصرف، وهناك بدأ نحاول نخرجه من اللي هو فيه، وفي اخر السهرة، كلهم روحوا وانا فضلت مع حمدان، وصلته لحد البيت، وقبل ما امشي سألته…
– هي عزيزة ماقلتلكش حاجة قبل ماتموت يا حمدان؟
– لا ماقلتش حاجة، بس هي دايمًا كانت بتحكي لي عن شبح بيظهر لها وبيقولها انه هياخدها معاه، بس اني ماكنتش بصدقها وبقعد اتريق عليها، انت بتسأل ليه؟
– هاه لا عادي، سؤال جه في بالي.
– عارف عزيزة رغم انها اصغر مني لكن هي اللي كانت بتاخد بالها عليا، خصوصًا لما كان ابويا غانم يضربني، كانت تيجي وتطبطب عليا وتقولي ماتزعلش منه.
– ربنا يرحمها يا حمدان ويصبرك.
– يارب، روح انت عشان متتأخرش.
– مش عايز حاجة؟
– لا سلامتك يا اخويا.
سيبته وروحت بيتنا، أول ما دخلت لقيت اختي صاحية وقاعدة في الصالة، كان باين عليها انها لسه بتعيط على موت عزيزة، قربت منها وواسيتها، وبعدين طلعت اوضتي بسرعة قبل ما ابويا يصحى فجأة ويشوفني وساعتها مش هخلص من اسئلته، لما طلعت فوق فتحت شنطة التلسكوب وحطيته في البلكونة وقعدت مكاني على السرير لحد ما اتحرك زي كل مرة، قومت بصيت من العدسة وساعتها شوفت عوض قاعد مع خالتي فرحة وبيقولها…
– ماتخافيش يا فرحة اني مش هتأخر كلها سنة ولا اتنين وارجع على طول.
– انت ضامن السفرية دي يا عوض؟
– الا ضامنها، ديه غانم اخويا اللي جايبها، يعني اكيد مضمونة مية المية.
– والله اني مش مرتاحة للسفرية دي.
– انتِ بس عشان خايفة اسافر وتبقي لوحدك، لكن ماتقلقيش، وبعدين اني وصيت غانم ياخد باله منك في غيابي وانتِ لو احتاجتي أيُتُها حاجة اطلبي منه على طول ديه اخويا يعني انا وهو واحد، واني هبقى ابعتله فلوس واخليه يوصلهالك كل شهر.
– صحيح هو السفر امتى؟
– كمان ساعتين، غانم هيفوت عليا عند المصرف وبعدها هنروح البلد اللي بيقول عليها ومن هناك هنركب المركب ونسافر.
– واشمعنا في الليل كده ليه مش بالنهار؟
– عشان غفر السواحل يابت احنا مسافرين تهريب.
– تروح وترجع بألف سلامة يا اخويا.
– الله يسلمك يا حبيبتي يا أم الواد.
العدسة اسودت وبعدها رجعت شوفت غانم واقف عند المصرف، بس المكان كان شكله متغير خالص عن اللي بنقعد فيه دلوقتي انا والعيال، غانم كان واقف عمال يبص يمين وشمال، لحد ما شاف عوض اللي قرب منه وسلم عليه، كان باين على غانم التوتر والقلق اما عوض فكان فرحان، غانم خد منه الفلوس وحطها في جيبه، بعد كده شاورله عشان يمشوا، بس أول ما عوض اداله ضهره، غانم خد حاجة كان حاططها على جنب وضربه بها على دماغه، عوض وقع على الأرض، وبعدها غانم ضربه ضربتين كمان، شوية ولقيته بيشيله وواخده ورا المصرف، حط الجثة على جنب وبدأ يحفر، وفي الاخر رماه فيها وردم عليه، بعدها بص حواليه يمين وشمال وكمل مشي ولا كأنه عمل حاجة.
العدسة اسودت تاني، المرة دي غانم كان قاعد مع فرحة وهي شايلة ابنها، كانت بتعيط وبتقوله…
– يرضيك اللي بيعمله اخوك ده يا غانم؟ من يوم ماسافر واخباره اتقطعت ولا كأن كان له اهل خالص، ده ابنه بقى عنده سنة وهو حتى مسألش هو اتولد ولا لا؟
بصلها بأسف وهو بيرد عليها…
– حقك عليا يا فرحة ياأختي، هو عوض كده طول عمره براوي.
– قليل الأصل، يرميني انا بعد ما الدنيا تضحكله، ابعت مع حد من المسافرين يقوله يطلقني يا غانم، اني عايز اطلق.
– ايهي وديه كلام برضك، اغزي الشيطان يا فرحة، عوض بيحبك.
– حبه برص، ابعتله يطلقني ياغانم.
– طب وهتعملي ايه بالواد وهتروحي فين؟
– لنا رب اسمه كريم.
– ماشي استهدي بالله ومحلولة باذن الله.
اسودت العدسة ورجعت تاني، كان غانم واقف قدام البيت وبيخبط على الباب، فتحت فرحة وساعتها دخل غانم وهو باين عليه الحزن، وهنا سالته فرحة…
– مالك يا غانم؟ فيه ايه؟
رد عليها بعياط…
– الواد علي وصل من ايطاليا النهاردة وبلغني ان عوض.. ان عوض غرق في البحر، المركب اللي كان مسافر عليها غرقت ومانجاش منها غير كام نفر بس.
خبطت فرحة على صدرها، وصوتت بعدها وهي بتزعق في غانم…
– انت بتقول ايه يا غانم.. عوض!.. يا حبيبي ياعوض.
في اللحظة دي حسيت بايد بتخبط على كتفي، جسمي اتشل في مكانه، لكن حسيت بالخبطة التانية، لفيت ببطء، ووقتها شوفت عوض، كان واقف ورايا، رجعت لورا وساعتها التلسكوب وقع على الأرض واتكسر، ابتسم وهو رايح ناحية السرير، قال بصوت مرعب…
– ولا يهمك انا هكملك الحكاية.
بصيت على التلسكوب وبعدها قربت منه وانا بقوله…
– عمل كده ليه؟ قتلك ليه؟ وليه قال لخالتي فرحة انك مُت؟
– عشان يتجوزها، وانا عايش ماكنتش اعرف ان غانم عينه من فرحة مراتي، لكن بعد ماقتلني ضحك عليها وقالها اني مُت، وخلى علي يحكي قدام اهل البلد كلها انه كان راكب معايا في المركب وفي وسط الطريق المركب غرقت وهو حاول ينقذني لكن ماعرفش، وعمل عزا كبير يليق بعلاقتنا وحبه ليا قدام الناس وبعد ما عِدة فرحة خلصت، اتقدملها الخسيس وطلب ايديها للجواز، زغلل عينيها بالفلوس اللي كان بيكسبها من المخدرات، وافقت المسكينة، على أمل انها تلاقي حد يربي الواد، لكن غانم كان دايمًا بيضرب حمدان ويعذبه، وده لانه كان بيشوف اللي عمله فيا كل ما يبص في وشه، وبعد سنتين جابوا عزيزة، واني ظهرت عشان احسره على بنته زي ما ضيع حياتي وحياة ابني.
– طب وعلي عملت في ايه؟
– علي انتحر، رمى نفسه قدام القطر ماستحملش اللي عملته فيه، انت لازم تعرف كل اهل البلد الحكاية، لازم تحفر عند المصرف وتطلع جثتي.
– بس.. بس ماحدش هيصدقني.
– لا هيصدقوك لما يحفروا ويلاقوا الجثة هيصدقوك، ووقتها بس ماعدتش هتشوفني تاني.
اختفى عوض بعدها، بصيت على التلسكوب اللي عدسته اتكسرت، وبعدين لميته في الشنطة، ماعرفتش انام يومها واول ما النهار طلع نزلت تحت لقيت ابويا قاعد، وسألني وقتها…
– تعالى يا معتز احكيلي ايه اللي بيحصل معاك الومين دول؟
– حاضر يابا هحكيلك.
حكيت له كل اللي حصل بالتفصيل، كان بيسمعني وهو مذهول وعينيه مبرقة، وبعد ما خلصت قولتله…
– وهو دلوقتي طالب مني أحفر واطلع جثته عشان ماشفوش تاني.
– بص اني مصدق كل اللي انت قولته، وده لسبب واحد، ان غانم يعمل اكتر من كده وكمان عوض ماكنش من طبعه الغدر واني وقتها استغربت اللي بيحصل بس ماكنش ليا صالح، لكن المشكلة دلوقت ان أرض المصرف دي بتاعت غانم يعني هنحفر فيها ازاي؟
– اني اللي هحفر يابا، اني هاخد العيال ونروح هناك زي كل يوم وهخليهم يحفروا من غير ما يعرفوا حاجة وأكيد هنلاقي الجثة، ساعتها بقى تيجي انت والرجالة وتلحقونا، ولما غانم يلاقي الجثة قدامه مش هينطق.
– عفارم عليك يا وله، ماشي اني موافق، بس خلي بالك عشان اكيد غانم عامل حسابه وواخد باله.
– غانم من ساعة موت بنته وهو في عالم تاني، تحس انه اتجنن.
جمعت العيال بالليل زي ما اتفقت مع ابويا، وفي وسط القعدة اخترعت لعبة واتحديتهم اني اقوى واحد فيهم، طبعًا حمدان سخن وقالي انه اقوى، راهنته وكان الرهان على اللي هيقدر يحفر الأرض أسرع، خدته للمكان اللي شوفته في العدسة بالظبط، وبدأنا التحدي، فضل حمدان يحفر وانا ببص عليه شوية وبحفر شوية، لحد ما في الاخر بدأ يظهر قدامه قماش جلابية، بطل حفر وبدأ ينبش بايده، لحد ما شال الرمل عن الجثة كلها، ساعتها كل العيال جريت ماعدا انا وحمدان اللي بص لي في استغراب وسألني…
– دي جثة مين دي؟
بصيت له بأسف…
– دي جثة عم عوض أبوك يا حمدان.
– ابويا! ابويا.. ابويا ازاي؟ اني ابويا سافر وغرق في البحر.
– لا ابوك اتقتل في نفس اليوم اللي كان مسافر فيه، واللي قتله عمك غانم، اللي اتجوز امك بعدها وخد بيتكوا لحسابه.
ماكنش قادر يستوعب اللي بقوله، قعد على الأرض وفضل يبص للجثة وهو بيعيط، في اللحظة دي وصل ابويا ومعاه أهل البلد، وكانوا بلغوا البوليس، طلعوا الجثة وساعتها لقوا جنبها محفظة عوض وفيها بطاقته وصورة لخالتي فرحة واتأكدوا انها جثته، لما راحوا عشان يقبضوا على غانم لقوه ضارب نفسه بالنار في وسط البيت، أما خالتي فرحة، فاتجننت، اهل البلد بيقولوا ان هي اللي ضربته بالنار من صدمتها بعد ماعرفت الحقيقة، وبقت بتمشي في الشارع تنده على عم عوض، لحد ما ماتت في يوم عند المصرف، حمدان دلوقتي بقى مقاول كبير وصاحب أراضي وعقارات، اما انا فاتخرجت من كلية الهندسة ودلوقتي بقيت صاحب شركة من الشركات اللي لها اسمها في السوق، الحكاية دي عدى عليها أكتر من تلاتين سنة، بس لسه بفتكرها كأنها حصلت امبارح، وبالمناسبة التلسكوب لسه معايا لحد دلوقتي، ماعرفتش أصلح العدسة بتاعته أو يمكن هي اللي مابقيتش عايزة توريني حاجة تانية بعد ما ورتني حكاية عم عوض، انا محتفظ به في المكتب بتاعي وعمري ما هتخلى عنه أبدًا.
#شادي_اسماعيل