قصص

قصه حارة السلاموني

الجزء الأول..
اصوات وصرخات سامعاها بوضوح، ناديت على أمي، أكيد عندها علم باللي بيحصل او مصدر الصوت، بس مفيش رد!
والقرار دلوقتي، اكيد مش هفضل انده وبدون أي فايدة، فكان لازم اقوم من سريري واخرج بنفسي افهم واعرف، وده فعلا اللي حصل.. شلت عني الغطا وقمت خرجت بره الأوضة، عشان الاقي قصادي صمت تام!..
البيت فاضي مافيهوش أي حد من أهلي..
فتحت باب البيت عشان أخرج للشارع، الصرخات اللي كنت سامعها بتزيد، نزلت السلم خرجت ووقفت قصاد البيت.. او بالتحديد في منتصف حارتنا القديمة.. “حارة السلاموني”.
بس في حاجات متغيرة، حاسس ان في حاجه مختلفة، شايف قصادي مفترق طرق، قصادي اكتر من طريق بس كلهم شبه بعض، ركزت اكتر.. اول طريق كان بدايته نار عالية بتاكل كل حاجه حواليها، بتزحف وبتبلع جواها اي حد يقرب منها، وصرخات عالية لناس بتستنجد، شايف قصاد النار واحد بيبكي واقف خايف ومرعوب خايف من المصير اللي مستنيه، بيمد ايده عشان انقذه، بس انا مش قادره اتحرك من مكاني كأن في حاجه مثبته رجلي منعاني من الحركة، وفي لحظات ظهرت ايد مخيفة وسحبته جوه النار، وسط صرخته العالية اللي من قوتها سديت وداني، بس حاسس اني عارف المكان ده..
المكان اللي بيتحرق مش غريب عليا..
عدلت راسي وبصيت في الطريق التاني، واقف في أوله رجاله كتير، بس هيئتهم ولبسهم بتدل على انهم أصحاب نفوذ وأصحاب قوة، هي اللي ساعدتهم انهم يسحبوا بأيادي طويلة مرعبة، ايادي كانوا غرقانين دم.. بيشدوا من الطريق التالت ناس.. الناس دي واضح من ملامحهم الضعف الجسدي، الفقر نهش في أجزاءهم لدرجة انه ماخلاش حاجة تستر جسمهم..
كانت مدبحة.. الأيد المرعبة بتاخد الناس الغلابه وتدبحهم، ودم كتير بيسيل من رؤؤس بتتقطع بدم بارد وبتترمي، شايف استسلام واضح على ملامحهم، كأنه مصير عارفينه وحافظينه..
سمعت صوت حد بينده عليا “راشد.. يا راشد”.. بصيت ناحية الصوت، كان فيه ست قاعده في مدخل مبنى عالي، مش عارف احدد ايه المبنى ده.. قربت اكتر من الست اللي متكوره على نفسها، حط راسها بين رجليها ومغطيه راسها بطرحه سوده، بسبب قعدتها مش شايف ملامحها، مش خارج منها غير صوت بكا ونحيب، لحظه وتسكت عشان تنده بأسمي “راشد.. راشد”.. بتشاور لي على باب قريب منها.. دخلت من الباب وعرفت انا فين، دي مشرحة!
ادراج كتير موجوده بتخبط بقوة، كأن الجثث اللي جواها عاوزه تخرج منها، وصوت تاني بينادي عليا مختلف عن صوت الست اللي كانت قاعده بره.. فجأة حسيت بحد بيتنفس ورايا بصوت عالي، نفس سخن وسط برودة المشرحة.. اتعدلت اشوف مين اللي ورايا، كان صوت الست اللي قاعدة.
مسكت ايدي وشدتني بقوة ناحية درج من أدراج المشرحه، فتحته.. كانت لجثة وشها متغطي بالدم، اتكلمت الست اللي واقفه وهي بتبكي :
-في وقت و زمن الظلم ليه الكلمة الاولى والأخيرة، مش بس هنا، لا.. وفي كل مكان.
كل حاجة بحساب حتى الهوى اللي بنتنفسه.. مع معادلة بسيطة مكونة من كفتين، ظلم.. قصاده ضحايا..
قربت ايدها ناحية الجثة، مسحت الدم اللي على وشها، وبالأيد التانيه رفعت الغطا من على وشها.. الرعب اتملكني الست اللي واقفه تبقي أمي..والجثة اللي ملامحها ظهرت ده كان اخويا.. صرخت بأعلى صوتي “خليل”…
في اللحظة دي، سمعت باب الأوضة بيتفتح وخطوات جاية ناحيتي:
-بسم الله الرحمن الرحيم، اسم الله عليك يا ابني، قوم يا حبيبي، قوم كده واتعدل اجبلك شوية مايه تشربهم..
فتحت عيني بتركيز، عشان اطمن نفسي ان خرجت من الكابوس المرعب، اللي تقريبا بيتكرر معايا، مش بيفارقني من وقت اللي حصل..
قومت بصعوبه كنت حاسس بتعب وارهاق شديد، وده كان واضح لأمي :
-خد يا حبيبي اشربلك شوية مايه بل ريقك، قولت لك كتير يا راشد بلاش نومة بعد العصر، ياحبيبي دي بتتعب الجسم وتهد الحيل، ده غير انها نومه كل احلامها شوية شياطين بيتنططوا.
ضحكت بالعافية على كلامها:
-الله يسامحك يا حاجة.. شياطين وكمان بيتنططوا، بس دول ماكنوش شياطين، دول كانوا….
قطع كلامي صوت رنة تليفوني، بصيت في النمرة اللي بتتصل عليا كانت “رحمة”.. بصيت لأمي وابتسمت ففهمت من غير ما اتكلم، سابتني وخرجت بره الاوضه، رديت علي التليفون:
-الو.. مين معايا؟
جالي الرد متغلف بعصبية ونرفزه كنت متوقعها :
-مين معاك؟.. حضرتك مش عارف مين معاك يا دكتور راشد؟!
ابتسمت وكملت كلامي:
-لا مش واخد بالي، لسه صاحي فمش عارف مين؟
-انت بتتكلم جد، يعني لا نمرة واضحه ولا حتى صوت معروف، خلاص روح حضرتك كمل نومك.. سلام.
-استنى ، استنى بس يا مجنونة.. اهدي كده بلا سلام، انا بهزر معاكي يا شيخة، ماعرفش اهزر معاكي ابدا، دايما كده عامله زي انبوبة الغاز اللي عندها استعداد للأنفجار في أي لحظه..
ضحكت بهدوء وحاولت تداري ضحكتها بسرعة، عشان ماخدش بالي منها وكملت كلامها بنفس الحدة:
-وده تسميه هزار يا دكتور، ده هزار ماسخ ودلع شبه الطبيخ اللي مالوش طعم.
-ده على اساس تشبيهاتك دلوقتي هي اللي مختلفة.. سبحان الله انا مش فاهم ازاي انتي و”سليم” اخوات!
المرة دي صوت ضحكتها اللي قريبه من قلبي، سمعته بوضوح :
-والله العظيم اخوات.. ابقي فكرني اوريك البطاقة اللي مكتوب فيها “رحمه يحيى العزبي”.. وهو كمان نفس الاسم..
-ايه ده هو كمان اسمه “رحمه”؟!
-تصدق انك غلس ودمك تقيل، انا غلطانه اني اتصلت بيك وعلى العموم ابقى اسأله..
ولسه بتكمل كلامها.. باب أوضتي اتفتح علي أخره، كأن بلدوزر شاله من مكانه.. وهو فعلا بلدوزر اسمه “سليم يحيى العزبي”.. حاجة كده شبه ضرفة الباب، جسم رياضي وده طبعا بسبب تمرينات الكلية، ما هو الباشا.. باشا بقى، ظابط شرطة من العيار التقيل..وصديقي الأوحد، ازاي وامتى دي حكاية ليها العجب..
قرب مني ورمى نفسه جنبي، لدرجة حسيت ان السرير هيتكسر، زقيته بعيد عني ورسمت تكشيرة على وشي:
-يخرب بيت رخامتك يا جدع، هو انا قدك انت مرتين تلاته من هبدك ده، هطبق ضلوعي ومش هلحق اتجوز اختك.
ضحك بصوت عالي، وهو اصلا صوته جهوري ويخوف لوحده:
-ما تنشف ياد شوية، مالك كده عيل خرع.. انت بالشكل ده تنفع في جواز ولا نيلة على دماغك، بالمنظر ده هفركشكلك الليلة..
سديت سماعة التليفون، وجزيت على اسناني بغيظ:
-اخرس الله يخرب بيتك، اختك معايا على التليفون احسن تصدق اني خرع بصحيح.
كمل سليم في ضحكه :
-نعم يا روح امك انت وهى، بتتكلموا في التليفون قصادي وتقرطسوني!
-نقرطسك ايه يا فنطاس الزفت انت؟.. دي خطيبتي، انت اللي دخلت أوضتي كأنك في مأمورية وداخل تقبض على مجرم هربان..
سمعت صوت “رحمه” في التليفون وعماله تنده عليا، فرديت عليها :
-ايوه يا حبيبتي.
-عماله اقول الو الو ومتهيألي اني سامعه صوت سليم، هو بيعمل ايه عندك دلوقتي؟
-مش عارف والله يا حبيبتي ايه اللي حدفه عليا الساعه دي؟.. خلينا في المهم انتي عامله ايه وحشتيني.
اتعصب سليم :
-ده انتوا أيامكم سودا معايا، حبيبتي ووحشتيني.. وانا ايه، شوال قطن مركون جنب الحيط!
سحب من أيدي التليفون :
-اقفلي يا روح امك، ولما اجيلك ها علقك من قفاكي.
شديت من ايده التليفون، وانا بقوله
-ده انت عيل بارد ودمك اتقل من جسمك.
كملت كلامي مع خطيبتي:
-معلش يا حبيبتي اقفلي دلوقتي، ولما يغور الشبح اللي جنبي هاتصل بيكي.
قفلت المكالمة وبصتله، مسكته من لياقة قميصه :
-تعلق مين ياد انت، ده انت ولا بلدك كلها تقدروا تقربوا منها.
-اتنيل كده واقعد.. وانت في لحظة قلبت من دكتور ل….
قطع كلامه لما شاف ملامح وشي اتغيرت، وده بسبب اني عارف اللي هيقوله.. بس بلع كلامه عشان مايضايقنيش.. ايدي اترخت عن قميصه، رجعت اتعدلت في قعدتي، وحل بالأوضة صمت تام.. قطع الصمت كلامي وانا باصص قصادي، وكأن مفتوح قصادي شاشة بيتعرض عليها فيلم.. بس مش اي فيلم، لأني كنت من أبطاله وبتفرج عليه من ورا الكواليس، الفيلم عبارة عن احداث وذكريات كلها وجع وألم وظلم..
على لخبطة مشاعر وتناقضات بين الحق والباطل، بين حب وعشق.. وحب التملك والاستبداد:
-كمل كلامك يا سليم قاطعته ليه؟
ماردش الا بجملة واحده، لخصت كل اللي عاوز يقوله :
-والله يا صاحبي كل اللي اقدر أقوله، جملة سمعناها كتير”يخلق من ضهر العالم فاسد، ويخلق من ضهر الفاسد عالم”..
سرحت في جملته، اللي فكرتني بأساسي وتربيتي..
-ويا ترى يا سليم انا أي جزء في الجمله دي، الأول والتاني؟
– مش محتاجه مني أجتهادات، الأمور واضحة قصاد الكل مش أنا بس، انت لو كنت الجزء الأول، ماكنتش وافقت انك تتجوز اختي، ولا أبويا الحج” يحيى العزبي”كان وافق عليك خاصة احنا عارفين أولك واخرك، وانك يعني…
سكت سليم وماكملش باقي كلامه، وخدت مكانه في تكملة الجمله :
-اني يعني اهلي تجار مخدرات مش كده؟!
عدل سليم وشه بعيد عني، بعد ما حس اني اتضايقت من كلامه:
-ما اقصدش والله يا راشد، بس دي..
قاطعته في الكلام وشاورتله بأيدي عشان يسكت:
-دي الحقيقة عارف وفاهم كل حاجه، كل اللي عاوز تقوله واصلي وزيادة شويه.. اعمل ايه أبويا الله يرحمه، اختارني انا دون عن اخواتي، عشان يعلمني في مدارس الجماعه الهاي لايف زي ما كان بيقول، الناس ولاد الناس الاكابر الاغنيا.
-طيب ما انت برضه من الناس اللي معاهم فلوس.
ابتسمت بسخرية:
-فلوس كلها من الصنف مشبوهة يا مقطف.
اتعدل عليا وضربني بونية، كانت هتكسر فك اسناني;
-انا مقطف!..ظابط زيي وحفيد لواء ويتقالي مقطف … العيب مش عليك، العيب على الفلوس اللي جمعتنا في مدرسة واحدة وورطتني بصحوبيتك..
قعدنا نضحك ونفتكر ايام المدرسة، كبرنا سوا وحكت له انا مين واهلي مين، لحد ما علاقتنا اتطورت بالنسب، وخطبت اخته “الدكتورة رحمه”.. في ناس كتير كانت بتحسدني، وناس كانت بتشوف علاقتنا بعيدة عن المنطق والمتعارف عليه في مجتمعنا، بس حظي الكويس لأول مرة من يوم ولادتي، اعرف ناس زي عيلة سليم.. ابوهم التاجر المعروف اللي شاف فيا الشاب المحترم المكافحة وليه مستقبل، وماشفش فيا الجانب الاسود اللي مركون جوه “حارة السلاموني”..
وفي كل الأحوال، ده كان في البداية، أما الوقت الحالي.. انا مش اكتر من الدكتور”راشد منصور اللبان”.. أما ذكرى ابويا واللي كان بيحصل، اتدفنت مع اللي راح…
قطع سرحاني صوت سليم:
-ايه يا ابني سرحت في ايه؟.. بقالي دقايق بكلمك وانت في ملكوت تاني.
-افتكرت حاجات مرت عليا مع انها ما تتنسيش، بس اهو كل وقت والتاني بتيجي في خيالي، فعلا الواحد مش بيختار أصله ولا أهله.
-سيبك من الحوار ده.. انا عاوزك في موضوع مهم وضروري، ما حدش هيفيدني فيه غيرك.
ركنت كل حاجة كنت بفكر فيها، وركزت مع كلام سليم، اللي كان واضح من ملامحه ان الموضوع مهم :
-قول انا سامعك.
-“زهران”.. “زهران عاشور”.
-مين؟!.. وده عاوز منه أيه؟
-عيب لما تسأل ظابط السؤال ده، شغلتي يا ابني بتحتم عليا ادور علي الأشكال دي، وارميهم جوه السجون.
ابتسمت وافتكرت حاجه، فنطق بيها لساني:
-شغلتك!.. مش كل اللي بيشتغلوا شغلتك، بيكون ضميرهم صاحي.
-واضح ان مجيتي قلبت عليك البدري والمتأخر.
رديت عليه وانا بحط ايدي على كتفه:
-لا.. قولتلك دي حاجات ماتتنسيش، وانت عارف ان اي شغل في الدنيا، هتلاقي فيه اللي زيك، وفيه اللي زي “وهبة عزام”.. اهم أمين شرطة في حارة السلاموني.
-طيب قوم كده ننزل الحارة، ونتكلم واحنا ماشيين.. عشان عاوز اشوف اكتر واكون أقرب من “زهران عاشور”.. والاهم عارف بلاوي “وهبة عزام” اللي مابتتنتهيش، حتى انت وأهلك طالتكم.
هزيت راسي وقومت من السرير، وانا بضحك وبقوله:
-كويس انك مش جاي ميري، كنت ماطلعتش من الحارة على رجليك.. ودي مافيهاش ظابط ولا حتى عسكري، هنا مكان سلطة القانون مالهاش وجود.. السلطة لمدير الدولاب “الديلر”..
واكيد انت ورؤسائك عارفينهم، بيت ” السلاموني”..
ضحك وقال:
-بتبيع نسايبك بكلمة.
-ده على اساس انك ماتعرفش، اوعى يا عم خليني اجهز وننزل نروح المقابر، واوعى تعمل فيها عبيط.. وانك ماتعرفش ان “زهران عاشور” عايش وسط الأموات..
-دجال نجس هيكون عايش فين، في الزمالك مثلا!.. لازم مكان يعرف يمارس افعاله القذارة، الأموات نفسهم يترحموا من واحد زي ده اكتر من الاحياء.. يلا بس ونكمل كلامنا بعدين.
غيرت هدومي ونزلت مع سليم الحارة، الوقت كان قرب العشا، الحارة في الوقت ده بتكون مليانه ناس رايحة وجاية، وسط الناس وشوش انا عارفهم كويس، وكل اهل الحارة عارفينهم
بس ما حدش يقدر يفتح بوقه ولا ينطق بكلمة، وده بسبب الاستفادة اللي بتطلع من وراهم، في اللي بيستفيد بصباع حشيش ودي بقى تجارة اهلي، وفي اللي معاهم قرشين زيادة فاتجهوا لكيف البودرة والترامادول، ودي تجارة أصحاب الحارة واغناهم “ولاد السلاموني”.. نسايبي على قول سليم.. وفي طبعا اللي واخدينهم حماية وبيشتغلوا كمان معاهم
نظرات كانت متوجهه لسليم.. في منهم اللي عارف انه ظابط شرطه، وفي اللي مايعرفش، بس اللي عارف ما يقدرش يقرب له، والسبب.. إنه في حماية “راشد منصور” ابن تاني اهم راجل في الحارة..
والاهم ان سليم في الحق وشغله مابيخافش من مخلوق، كملنا طريقنا للمقابر اللي ماكنتش بتبعد كتير عن الحارة، في طريقنا قابلنا الواد “عطوة”.. ده كان واحد من رجالة أبويا، وبعد اللي حصل.. اشتغل مع ولاد “السلاموني”.. شاورتله :
-خد يا عطوة عاوزك شويه.
جه جري ناحيتي، بص لسليم من فوق لتحت اتكلم وبان عليه القلق في كلامه:
-نعم يا دكتور أؤمرني.
-“زهران” قاعد في خيمته ولا بيلف مع المقاطيع اللي شغالين دلوقتي؟.
-ها.. ماعرفش تقصد ايه يا دكتور؟
بصله سليم بغيظ وبرق عينه، لسه هيتكلم فخبط على كتفه، وكملت كلامي مع “عطوة” :
-اقصد الدولاب يا عطوة، انت عارف ان ده اكتر وقت شغالين فيه بيبيعوا وبيشتروا، اتصل يعني على “حسن السلاموني” واسأله؟
رد عطوة وهو بيتهته :
-ده براحتك يا دكتور، انتوا كبرات مع بعض، وكمان ده جوز اختك والداخل بينكم خارج.
جملة عطوة طلعت الوحش اللي جوه سليم، وطول الوقت انا واقف بهديه، مسكه من عند كتفه:
-ما تتكلم عدل ياروح امك، يعني صبي ديلر معروف ومش عارف ايه اللي بيحصل هناك.
-ها.. عندك أثبات على كلامك يا باشا.
رفع سليم ايده وكان هينزل بيها على قفا الواد عطوة، فلحقته بسرعة قبل ما يعمل مصيبة مش هعرف اخلصه منها..
-خلاص يا سليم.. واتوكل انت دلوقتي يا عطوة انا هاتصرف..
جري الواد عطوة من قصادنا، بصلي سليم ولسه هايتكلم، بس ما لحقش.. وده لأننا سمعنا صوت طلقات رصاص جاية من ناحية المقابر، وأصوات ناس بتتخانق..
جريت انا وسليم ناحية الصوت، كان في ناس متجمعين علي مرمي بصرنا، بس بمجرد ما وصلنا كل حاجه اتفضت.. وكأن ماكنش في من ثواني ضرب نار، بس سمعنا واحد بيتكلم بصوت عالي أقرب للصراخ:
-منك لله يا”وهبة عزام”.. ياتمت ولاد اخويا وهم لسه ماطلعوش للدنيا.
من بعد الكلمة دي، ماسمعناش اي صوت تاني للراجل، اتمشيت ناحية شوية رجاله كانوا واقفين، بس حركتي وقفت لما حسيت بأيد بتمسك كتافي.. اتعدلت ورايا كان “وهبة عزام” اتكلم وقال :
-في حد يمشي في مكان زي ده دلوقتي يا بشوات؟
ابتسم سليم واتكلم بتريقة:
-ده علي اساس انك بتتمشى على النيل، ما انت موجود في نفس المكان وفي نفس التوقيت.
ضحك وهبة وقرب من سليم:
-تصدق يا باشا عندك حق، بس زي ما انت عارف انا آمين شرطة، والمنطقة دي تحت حمايتي.
ضحك سليم بصوت عالي، حط ايده على كتف وهبة:
-حاميها حراميها، يخرب بيت كده يا جدعان، انت مصدق نفسك يا حضرة امين الشرطة، ريحتك فاحت في الداخلية ونهايتك قربت، ولا انت فاكر عشان طلعت من جريمة القتل اياها، يبقي انت كده في التمام؟!
اتخرج سليم من الكلام اللي قاله، بعكس بجاحة وهبة اللي متهزش ولا فرق معاه، كمل سليم كلامه وهو بيبص ناحيتي:
-اسف يا راشد..
-متتأسفش يا سليم، اوقات ايد القانون مش بطول اللي زي وهبة، خاصة لما يكون عارف خباياه ودارسه كويس.
اتعصب وهبة :
-ايه الحكاية يا بشوات انتوا هتشقطوني لبعض، جريمة القتيل برئ منها وماخدتش فيها يوم سجن، والسبب الناس كلها عرفاه حتى قبل الحكومة، ده واحد من أهم تجار الحشيش في الحارة.. فاطبيعي هتكون دي نهايته.
ما اقدرتش اتحكم في أعصابي، لما وهبة قال الكلام ده، شديته من قميصه:
-بتقول ايه يا ابن الكلب؟
شد سليم ايدي بعيد عن وهبة، عدل وهبة هدومه ابتسم باستهزاء وقال:
-ماعلش، هاعديهالك بس رأفة بمشاعرك المجروحة، وبرضه عشان وقفة الباشا، اللي لولا وقفته كنت عرفتك ابن الكلب هيعمل ايه؟.
اتعصب عليه سليم:
-بتقول ايه يا روح امك!؟.. انت بتهدده عيني عينك كده.
رفع وهبة ايده عند كتافه:
-لا سمح الله يا باشا وانا اقدر برضه، بس كل حاجه تيجي بشوقها، اخلع انا واسيبكم تروحوا تزوروا الأموات، حكم الصاحيين دلوقتي اختفوا، يعني ماتتعبوش نفسكم وتدوروا عليهم.. سلام يا بشوات.
مشي “وهبة عزام” من قدامنا.. خدت نفس عميق ومليت صدري بالهوا، اللي كنت حاسس انه اختفي والجو كان مخنوق متعكر، بوجود الحيوان ده.. اتكلم سليم:
-فور دمي ابن المحروق، بس ليه يوم وهيتحبس على أيدي بأذن الله.
-مين ده اللي يتحبس؟.. “وهبة عزام”!.. يا ابني ما انت لسه قايلها حاميها حراميها، هو انت مفكر أن ديلر الحارة ايا كان مين هو.. هو اللي بيحمي تجارة المخدرات!.. يا حضرة الظابط اللي بيحمي هنا “وهبة عزام”.. واول المستفيدين هو برضه “وهبة عزام”، وليه عيون وأيادي ملهاش حصر.. العيون دي تبقى كل أهل الحارة تقريبا، اللي بسبب الخوف، ممكن يعملوا اي حاجه عشان يرضوه ويتقوا شره، أما الأيادي أهمهم، أيد النجس اللي اسمه “زهران عاشور”.. اكبر دجال في الحارة والمنطقه اللي حواليها، على كلامهم بيعمل اللي ما يخطرش ع البال، وكان ليه يد في اللي حصل من كام شهر.
-حلو اوي الكلام ده، انا هبدأ التفتيش ورا “زهران” من هنا، وهو اللي هيوصلني اني أوقع “وهبة” واعلقه في حبل المشنقة.. تقريبا عرفت الحكاية كلها من محاضر النيابه، بس اكيد الكلام اللي هتقوله، هطلع منه بمعلومات مهمه ممكن تفيدني، لو فاضي وحابب نسهر شوية.. تعالي ترجع البيت واعملها فنجانين قهوة، انا واخد بكرة أجازة من الشغل.
-فاضي.. عندي بكرة شفت في الليل، بس مش هندخل نشوف “زهران”؟
شدني سليم من ايدي :
-لا لا، يلا بينا دلوقتي، وأكيد هاقبله او هو اللي هيبجي لحد عندي.
خدنا طريق الرجوع للبيت انا وسليم، الساعة كانت قربت على ١١ونص في الليل، هدوء رهيب في الحارة، كأن الناس الأرض بلعتهم.. لاحظت ان نظرات سليم راحت ناحية المحل المقفول، محل بابه الكبير وحيطانه سودا من آثار الحريق اللي مسكت فيه، شتت انتباهه وتركيزه الضلمة.. الكهربا فصلت عن الحارة كلها، برغم ان في ضوء جاي من ناصية الحاره، وده لأن الوقت ده الكهربا بتقطع في الحارة وبتفضل لأكتر من ساعه.. طلعنا الموبايلات ونورنا الكشاف، اتكلم سليم:
-ايه الحظ ده يا ربي، ده وقت الكهربا تقطع فيه.
-ممكن تسرع خطوتك شوية يا سليم.
ضحك سليم ووجه الكشاف علي وشي:
-انت خرع للدرجة دي يا راشد!
-يا عم بس ما تقلش خرع، وشيل الزفت اللي انت ضاربه في عيني..
قطع كلامي صوت تزييق باب بيتفتح، وفي ثانية اترزع بقوة.. همس سليم، وهو بيرفع كشاف التليفون، بيلف بيه في كل ركن حوالينا، بس مافيش حاجه، ارتبك في كلامه:
-هو في ايه يا راشد؟
-قولتلك يلا نرجع البيت، ولما نوصل هافهمك..
-لا أفهم دلوقتي في ايه؟
ولسه بيكمل كلامه ظهر صوت أنين، حد بيأن وبيتوجع، الصوت كان كل شويه بيعلى.. تلقائي رجع سليم رفع الكشاف وبدأ يلفه تاني، المرة دي لمح حد قاعد بعد المحل المحروق بشوية، الحد ده كان متكور على نفسه وضامم رجله عليه.. فاتحرك سليم ورايح ناحية الشخص اللي قاعد، مسكته من دراعه:
-رايح فين يا سليم؟.. ما تروحش عنده الله يكرمك، سيبه في حاله وخلينا في حالنا..
-استني يا عم انت، يعني اشوف واحد قاعد بالمنظر ده في الضلمة واسيبه!.. ده لا اخلاقي ولا حتى وظيفتي يسمحوا بكده.
فجأة الراجل اللي كان قاعد اتحرك، نزل ايده على الارض وبدأ يتسند عشان يقف، ومصدر الأنين كان جاي من ناحيته.. فضل يتسند لحد ما وقف على رجله، بس بصعوبة شديده.. راسه كانت نازله على صدره، مشي ناحية باب المحل المحروق وفضل يخبط عليه بكل قوته، مع انها كانت قوة ضعيفة خارجه من جسم هزيل تعبان، بس صوت الخبط كان شديد تقريبا سمعه كل اهل الحارة..
اهل الحارة اللي كانوا قافلين البلكونات والشبابيك، ومافيش مخلوق فتح ولا سأل ايه اللي بيحصل، لأن كلهم عارفين وفاهمين حتى انا.. إلا سليم ماكنش عارف ولا فاهم، بحاول احركه عشان يمشي، بس فضوله ساحبه انه يتابع اللي بيعمله الراجل.. اللي قطع لحظة الفضول، لما لف الراجل ناحيتنا، فضل لثواني باصص علينا، وفجأة اتقلب لكلب اسود كبير، وجري ناحيتنا بأقصى سرعة..
في اللحظة دي جري سليم وساحبني من ايدي لحد ما دخلنا البيت، قفلنا باب البيت وقعدنا وراه ناخد نفسنا اللي اتقطع من الجري.. كنا سامعين صوت الكلب وهو بيخربش على الباب وعاوز يدخل جوه البيت.. وبعدها بشوية، يكحت برجله في الارض مع نفس صوت الراجل وهو بيتوجع.
قمت انا وسليم وطلعنا الدور التاني، دخلت الشقه اللي كانت الدنيا فيها هادية جدا، امي نامت.. واخويا الكبير في شقته مع اولاده.. عملت فنجانين قهوة ودخلت أوضتي بعد ما ولعت شمعه.. بدأت الكلام لما لاحظت علي سليم ارتباك علي حيرة، ده غير أكيد الاسئله اللي مالهاش نهايه في راسه:
-هاحكيلك كل حاجة من الاول، ومن خلال اللي هتسمعوه هتفهم ايه اللي شوفته ..
الموضوع بدأ من وقت ما عرفنا ان اخويا “خليل”.. بيحب ” زينة السلاموني”، اخت جوز اختنا “جواهر”..
الجزء الثاني والأخير..
الموضوع بدأ من وقت ما عرفنا ان اخويا “خليل”.. بيحب ” زينة السلاموني”، اخت جوز اختنا “جواهر”.. وجه لأبويا وقاله انه عاوز يخطبها.. رد عليه ابويا ;
-وماله “زينهم” ده اخويا وحبيبي وعشرة عمري، وانت متربي مع اخوها “حسن” جوز اختك، ودول ناس مفيش زيهم ومن توبنا..
اتبسط خليل من كلام ابويا، اتصل على “حسن” واتفق معاه كمان يومين هييجوا عشان يخطبوا اخته” زينة”، عدا يومين.. بعد الضهر صحيت على صوت أمي :
-قوم يا راشد الضهر أذن من بدري.
قومت مفزوع من نومي:
-بتقولي ايه يا أمي، الضهر أذن ومن بدري كمان، ليه يا حاجة ماصحتنيش بس؟
خرجت من الاوضة وانا بفرك في عيني، كان ابويا واخواتي قاعدين، ردت عليا أمي:
-ماتقلقش يا حبيبي كلهم قاعدين اهو ومستنيينك، ادخل بس البس واجهز عشان تروحوا تقروا فاتحة زينة وخليل..
ابتسمت وقولت:
-فاتحه ايه واقرا ايه؟.. يا حاجه انا اقصد علي وقت محاضرات الكلية، ناسية اني معيد ولا ايه؟!.. ثم انا مالي ومال قراية الفاتحة.
اتكلم ابويا واضح ان كلامي ماعجبوش:
-ازاي مالك يعني؟.. قراية فاتحة اخوك لازم تبقى موجود افتخر بيك قصاد بيت “السلاموني”.
قعدت قصاد ابويا وضحكت:
-يعني يا حج يوم ما تحب تفتخر بيا، يبقى قصاد آل السلاموني.. انت عارف اني مش بحب العيلة دي، حتى جوازة اختي بأبنهم حسن ماكنتش موافق عليها، بس مفيش رأي بعد رأيك، والاهم من ده كله.. يا حج لو روحت معاكم انا الوحيد اللي حافظ الفاتحة وهقراها، أما انتوا هتندمجوا مع دخان الشيشة والسجاير اللي بطير الدماغ، والقعدة دي صراحه مش شبهي ولا تخصني..
بصلي ابويا :
-اه عاوز تفهمني ان العلام بتاعنا مش زيك، طيب يا ابن منصور.. صحيح احنا مش متعلمين زيك، بس عندنا محل كبير وتجارتنا وفلوسنا اللي في البنك..
-يا حج ربنا يباركلك في محلك وحالك، بس تجارتكم للأسف مش سكتي، انا دكتور مش تاجر مخدرات، أخر معلوماتي عن الصنف انها بتضيع العقل.. ومبروك مقدما لأبو خليل.
ابتسم ابويا ابتسامة رضا:
-بس يا واد يا راشد انا مش بفهم كلامك، مش عارف انت طالع زرع شيطاني لمين؟.
ضحكت وقولت لأبويا:
-انا برضه يا عم منصور اللي زرع شيطاني، فعلا انا الابن العاق اللي جيبلكم العار بشهادة الدكتوراة ، على العموم عشان ماتزعلش هروح معاكم، لا أقدر ازعلك ولا أزعل خليل.
وروحنا بيت “زينهم السلاموني”، وخطبنا بنته لأخويا خليل اللي كان متيم بيها، قصة حبهم كانت تتكتب في قصائد.. حددنا ميعاد كتب الكتاب بعد شهرين في مطلع الصيف..
مرت الأيام وهم بيجهزوا ليوم كتب الكتاب، وفي اليوم اللي اتحدد، فرش ابويا الحارة من اولها لأخرها، وعقاد النور اتعلقت على كل البيوت، واحنا واقفين بنجهز للفرح، جه جنبي أبويا أداني التليفون في أيدي :
-ابني الدكتور المحترم، طلع يا حبيبي نمرة تليفون الباشا “وهبة عزام”..
-أعوذ بالله.. يعني مالقتش الا البني آدم وتعزمه يا ابويا!
-ماله ياواد انت، مالك كده عامل زي الشريك المخالف مافيش حاجة عجباك، وهبة باشا ده اللي عايشين تحت ضله وضهرنا في القسم، هو اللي بيبلغنا بأي كبسه جايه الحارة..
-وبياخد علي قلبه كتير ابن الكلب، يا أبويا نفسي تبطل الشغل ده، انا ضميري بيعذبني وانا شايفكم بتبيعوا السم للناس، وانا من الناحية التانية بعالجهم منه.
-ماتوجعش راسي ياراشد، ماحدش ضربهم علي ايدهم عشان ييجوا يشتروا، خلص واتصل على “وهبة” واعزمه على كتب الكتاب.
اتصلت على امين الشرطه مجبر عشان ابويا مايزعلش، وعزمته على كتب الكتاب، وفي الليل الناس اتجمعوا وكل المعارف جم، حتى انت يومها عزمتك بس اعتذرت بسبب شغلك، وكتبوا الكتاب والليلة اتقضت على خير..
بعد يومين من كتب الكتاب، جه البيت ابو زينه “زينهم السلاموني”.. قعد مع ابويا وكان واضح ان في حاجه، اتكلم وقال :
-بقولك ايه يا منصور، احنا اخوات وأصحاب علي الحلوه والمرة، مافيش حاجه فرقتنا او هتفرقنا.. وانت عارف ان كل شئ في الدنيا قسمة ونصيب..
رد عليه ابويا:
-طبعا يا زينهم كلامك صح، بس شكلك ما يطمنش خير في حاجه؟
-عاوز خليل يطلق بنتي “زينة”.
ابويا استغرب من كلام زينهم:
-يطلقها ازاي؟.. ده لسه كاتبين الكتاب مابقلناش يومين، حصل ايه يا زينهم ما بلاش لف ودوران وتعالى معايا دوغري.
-غصب عني يا منصور، يوم كتب الكتاب جه “وهبة عزام” ماعرفش مين اللي عزمه.. وماكنش وحده، كان جاي ومعاه اخوه.. اللي كان معجب ببنتي ومايعرفش ان ده كتب كتابها، وقال لأخوه “وهبة”.. وطبعا جالي وطلب انه يجوز اخوه لبنتي “زينه”، وهو عاوزها..
في اللحظة دي دخل خليل، اللي كان تقريبا سمع كلام حماه;
-هو مين اللي عايز مين؟.. انت عاوز تجوز مراتي لواحد غيري يا عم زينهم، ده انا اروح فيكم السجن.
بصله حماه وقاله بعصبية:
-انا مش عاوز لعب عيال يا خليل، يا تطلق البت برضاك، ياأما هاطلقها غصب عنك وتدخل برضه السجن.. انا مش قد “وهبة” ده ينيمني على البورش باقي حياتي.. وانا ماعنديش استعداد اضيع نفسي وعيالي عشان خاطرك انت وهي، اخر الكلام وقصاد ابوك، شيل ده من ده، يرتاح ده عن ده.. بكرة تطلق البت.
-مش هطلق يا عم زينهم، واللي عندك اعمله.
-ماعنديش عمايل يا ابن منصور، العمايل هتشوفوها عند الباشا، وقتها هتقول يا ريت اللي جرا ماكان، ده اذا لحقت تندم اصلا، شبكتك اهي على الترابيزة وانت حر يا خليل، وفيك عقل يوزن بلد، سلام عليكم..
قام “زينهم السلاموني” وخرج من البيت، كلنا كنا واقفين وشايفين خليل واقف، عمال يفرك في ايده وملامح وشه اتغيرت.. مسك التليفون واتصل على مراته، وكان تليفونها مقفول، فاتصل على اختي “جواهر” :
-فين زينه؟.. أديها التليفون وخليها تدخل أوضتها.
خليل قعد في ركن لوحده، واتكلم مع مراته بكلام ماكناش سامعينه..خلص المكالمة ودخل اوضته بدون ما يعلق على الكلام اللي قاله حماه..
وتاني يوم الصبح صحيت على هيصة في البيت، وده كان بسبب اختفاء خليل من أوضته ودولابه فاضي من الهدوم.. وخد معاه فلوسه اللي كان شايلها في البيت.
ونفس الكلام في بيت حماه، بنته “زينه” هي كمان اختفت، فهمنا طبعا انهم اتفقوا مع بعض وهربوا، دوروا عليهم في كل مكان مالهمش أي أثر، وكان على رأس اللي بيدوروا “وهبة”.. أزاي حاجة يطلبها اخوه وما ينفذهاش.. ده غير طبعا ولاد السلاموني اللي ماخلوش شبر الا ما دوروا فيه علي اختهم، حتى وقتها اخو زينة” حسن”.. اتخانق مع اختي وجابها البيت، بسبب هروب خليل مع اخته..
ده غير التهديدات اللي وصلت لنا من “وهبة”.. لحد ما جالنا الواد عطوة البيت، وشه كان متغير وخايف، قعد قصاد ابويا وقاله:
-في مصيبة حصلت يا عمنا..
اتعدل ابويا في قعدته ورد عليه :
-مصيبة ايه يا جلاب المصايب؟.. كفاية اللي احنا فيه.
-ما هو المصيبة بخصوص اللي انتوا فيه.
اتعصبت عليه :
-ما تحكي على طول يا عطوة حصل ايه؟
-الباشا “وهبة”.. بعت الواد “زعتر” صبي الحانوتي امبارح في الليل، ينده على زهران عاشور، كان الحوار قصاد الكل في قلب المدافن.. وقاله بالنص :
-عاوزك في شغل، تشغل عفاريتك او تشغل البلا الأزرق على دماغك.. المهم عندي بكرة تجبلي خبر عن مكان “خليل بن اللبان”.. والا قسماً عظماً القضايا اللي شلتها عنك، هرجعها كلها وعليها شوية زياده من عندي، يقعدوك في السجن باقي عمرك، وانت طبعا فاهم قصدي.
اترعب زهران من كلام “وهبة”، صوته كان بيترعش من الخوف:
-لا لا يا باشا سجن ايه بس!.. بكرة اجبلك قراره، بس بلاش الكلام ده، الرجالة كلهم سمعوا.
حط وهبة رجل على رجل، ورفع الشيشه على بوقه بص للموجودين:
-رجالة مين يا ابن عاشور!.. هو في حد موجود ولا انت شايف حد؟
-ها.. لا يا باشا مافيش حد موجود.
-طيب انجز ولخص، وانا هشغل توقيت ساعتي، عشان زي دلوقتي لو ما حصلش اللي قولت عليه، افتح لك تربة تكون هواها بحري وادفن نفسك جواها.
مشي زهران من قدام الباشا وهو بيتعرش يا عم منصور، واللي طلبه تم.. الدجال جاب هدوم لأسطى “خليل” مش عارف مين إدهاله، وعرفت من الواد زعتر، انه طفا نور الاوضة، وفضل يشمشم في الهدوم زي كلب الحراسة، فجأة صرخ وقال “نور النور ياد يا زعتر”..
والمصيبة بقى انه عرف مكان الاسطى خليل، وراح بسرعة بلغ عن طريقه لأبن المراكيب، اقصد الباشا”وهبة”..
خلص الواد “عطوة” اخباره الهباب ومشي، سابنا في قلق ملوش أخر..
باقي اليوم سمعنا هيصه في الحارة، وعرفنا ان وهبة جاب مرات اخويا خليل بيت ابوها، وخد خليل وحبسه.. والحال موقفش لحد هنا، عرف ابويا من عيون لينا جوه القسم، انه وهبة ضرب اخويا وهدده انه هيحبس امي واختي لو ما طلقش مراته..
وبعد ايام من الإهانات والبهدلة اضطر خليل انه يطلق مراته”زينة”.. بس كان جواه غل ونار تحرق بلد، كنت طول الوقت معاه وبحاول اخفف عنه، مراته وبيحبها وطلقها بالغصب، فكنت عاذره في الحالة اللي كان فيها، لحد ما جالنا خبر من بعد كام شهر، بأن زينة اتجوزت اخو وهبة.. حالة خليل ساءت اكتر، بس اللي حصل بعد كده كان الخراب بعينه.
تاني يوم جواز زينة.. صحينا على صوت ناس بتصرخ، وأصوات ستات بتزعق.. خرجت من أوضتي بسرعة لقيت أمي بتعيط فسألتها ;
-مالك يا أمي، وايه صوت الصراخ ده؟
-زينة يا ابني موتت نفسها، دلقت على نفسها جاز وولعت في روحها.
خرج خليل من الاوضة على كلام امي.. والنار اللي بنحاول نطفيها جواه بقالنا شهور، بقت أضعاف كان هيتجنن وفضل يكسر كل حاجه حواليه.. لحد ما جت الساعه ١١ في الليل، وهو في حالة اشبه بحالات الجنان، نزل الحارة ومن الحظ السئ، كان محل القماش اللي بيملكه اخو وهبة مفتوح، وهو موجود جواه..
دخل المحل وقفل الباب عليهم، كتفه في الكرسي ومسك جردل بنزين وكبه في كل أركان المحل، وكب منه على جوز زينة.. ولع عود كبريت وساب المحل يتحرق..
الناس كلها اتلمت على صوت صراخ جوز زينه، بس ماحدش فكر يقرب او ينقذه ، منهم اللي كان خايف من النار اللي قلبت الحارة ضهر، ومنهم اللي كان شمتان في “وهبة” وكسرة قلبه على اخوه الوحيد..
عدا أيام علي اللي حصل، وكل اهل الحارة كانوا مترقبين اللي هيحصل، مستنيين لحظة القبض على خليل، لحد ما في يوم، كانت الساعة قربت علي نص الليل، وسمعنا صوت طلقات رصاص، الناس كلها خرجت من بيوتها اشوف في ايه..
لقينا خليل مرمي في نص الحارة، مضروب بالرصاص في رأسه وصدره!
في لحظات الدنيا اتقلبت، الشرطة جت والاسعاف عشان تاخد جثة اخويا، وتهمة قتله اتوجهت ل”وهبة”.. اللي خرج منها زي ما انت عارف يا سليم، من غير يوم واحد حبس، وده بعد ما قال في أقواله “ده تاجر مخدرات وله أعداء كتير”.. انا أخرهم
دم خليل فضل ٤٠ يوم الأرض رافضه تبلعه، وطبعا انت فاهم تفكير الناس، وجابوا زهران دق مسامير في الارض ومفيش فايدة زي ما شوفت النهارده.. قرين خليل دايما بيظهر، واوقات صرخات جوز زينة بيسموها اهل الحارة خارجة من جوه المحل..
لدرجة ان في واحده جارتنا جت لأمي وقالتها:
-يا ست ام خليل، انا كنت قاعده في الصالة ومضلمة الدنيا، شوفت ابنك واقف على سور البلكونه ونط جوه الشقه، ومشي جوه الصاله لحد ما دخل الحمام..
وامي كمان دايما بتشوفه في الحارة، أو قاعد في صالة البيت، وفضل الحال علي كده، لحد ما تعب أبويا ومات بجلطة في القلب من حزنه علي خليل.. أما أنا خلاص زهقت من الحارة، وزي ما انت عارف بدور على شقة في مكان كويس اتجوز فيها..
بعد ما خلصت كلامي، اتكلم سليم وقال :
-في حاجة ناقصة في اللي حاكيته يا راشد!.. والحاجة دي عند زهران.
بصتله بعدم فهم، بس سكتنا عن الكلام ومن التعب نمنا.. تاني يوم الصبح بعد ما صلينا وفطرنا، كرر سليم نفس الطلب، عاوز يروح عند زهران، وافقت خاصة أن دلوقتي مافيش حد في المقابر، خرجنا من البيت وروحنا عند زهران اللي كان قاعد قصاد قبر من القبور.. أول ما شافنا ارتبك وكان قايم ماشي، نده عليه سليم;
-رايح فين يا زهران؟.. ارجع مكانك والا هارجعك بطريقتي.
خاف زهران من تهديد سليم فرجع وجه ناحيتنا، بصله سليم بنظرات تهديد :
-عاوزك تجيب من الاخر من غير كدب، والا انت عارف…
-في ايه بس يا باشا؟.. انا ماعملتش حاجة.
كمل سليم كلامه:
-سؤال واحد وعاوز إجابته، مين جابلك هدوم خليل من بيته؟
-هدوم ايه بس يا باشا، مش فاهم تقصد ايه؟
نفخ سليم بصوت عالي:
-اللهم طولك يا روح، قولت عاوز إجابه مش سؤال، انت هتستعبط يا….
ورفع سليم ايده ولسه هينزل بيها على وش “زهران” حط ايده قصاد وشه، وصرخ :
-هقول.. هقول، جبتهالي الست “جواهر” اخت الاسطى خليل..
برقت عيني من صدمتي في اللي قاله الدجال، كمل زهران كلامه:
-اللي عرفته من جواسيس وهبة.. ان حوار طردها لبيت ابوها، كان مجرد تأليفه وطبختها مع جوزها عشان تبان انها زعلانه..
قاطعت كلامه:
-طيب وليه تعمل كده؟.. ليه تغضب عشان تيجي وتاخد هدوم اخوها؟.. ما هي ممكن تيجي عادي من غير زعل.
رد عليا زهران وهو بيتهته:
-عشان تهديدات وهبة لجوزها انها لو ماعملتش كده، هيقبض عليه ويرميه في السجن، فاضطرت انها توافق.. ومفيش حد هيشك فى سبب مجيها.. بدون سبب، ولسبب اهم!
الاتفاق اللي تم بين وهبة وحسن السلاموني على قتل خليل.. ما هو اللي قتل خليل يبقى “حسن السلاموني”، جوز اخت الدكتور، بس بتحريض من الباشا وهبة وفي حضوره كمان..
بصيت لسليم، ورجعت بصيت لزهران وانا مش مصدق اللي بسمعه:
-واختي كان ليها يد في قتل اخوها؟.
رد عليا زهران:
-ويعني هتفرق يا دكتور!.. ما هي اللي جابتلي أطره عشان اعرف مكانه وابلغ بيه وهبة، يعني ليها يد برضه بس بطريق غير مباشر.
اتكلم سليم:
-طيب عاوزك تقول كل اللي قولته عندي في القسم..
اتنفض زهران من مكانه، قال بصوت مهزوز:
-ها.. ولو قولت تحميني من شر وهبة؟
-الكلام اللي قولته هيوصله لحبل المشنقة، والحماية تجيلك من عند ربنا، مع ان اللي زيك مايستحقهاش.
فعلا راح زهران القسم مع سليم، وقال في محضر كل اللي اعترف بيه، اتفتحت قضية خليل من اول وجديد، اتقبض علي جوز اختي واختي، اللي ندمت على اللي عملته، وانها ماكنتش تعرف ان جوزها هيقتل اخوها، وكان في تطابق بين الرصاص اللي اتقتل بيه خليل، وبين الرصاص اللى في مسدس وهبة الميري.. فاتقبض عليه عشان يتحاكم..
والناس كأنها ما صدقت، كل اللي اتظلموا من وهبة، راحوا قسم الشرطة وبلغوا عن البلاوي اللي عملها.. وحاليا بيتحاكموا ومستنيين الحكم العادل في جرايمهم..
أما أنا خدت امي وخرجت بره الحاره، عشان اعرف اعيش حياة نضيفه، بعيد عن “حارة السلاموني”..
بقلم لمياء الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط