ج1… قصة مأخوذة من احداث حقيقية
يوم زي باقي الايام، مافيش جديد، مافيش تغيير، ده الكلام المعتاد على لسان اي مغترب بره بلده، واكتر حد هيفهم احساسي المغتربين اللي زي حالاتي.. كنت دايما اسمع امي بتقول “الغربة كُربة”، وردي عليها كان بجملة قاطعة فاصلة لأي حاجة بعدها “لقمة العيش مرة، مابتجيش بالساهل يا امي”.. فكانت تدعيلي وتسكت، وبفضل دعواتها ربنا موسع في رزقي والحمد لله، ده غير ميزة مهمه جدا عملالي توازن نفسي، وجود مراتي وابني معايا بره مصر، والحياة ماشية برغم صعوبتها ومشقتها.
في يوم رجعت من شغلي كالعادة، استقبلني ابني وهو بيترمي في حضني، ومراتي اللي خرجت من المطبخ عشان تطمن عليا، قولتلها وانا باخد نفسي:
ـ الجو بره صعب، حر ورطوبة.
فابتسمت وهي بتقول:
ـ سبحان الله، شوف الجو هنا عامل ازاي، وفي مصر النهاردة عامل ازاي!
قعدت على اقرب كرسي ارتاح عليه شويه، هزيت راسي بعدم فهم من كلامها، فكملت كلامها وقالت:
ـ تابعت صفحة منطقتنا، اليوم كله مطر ورعد وبرق، الدنيا غرقانة هناك وحاجة صعبة.
تعب الشغل طول اليوم، خلا القدرة على خد وهات في الكلام معدومة، فاكتفيت بهزة راسي على اللي قالته، اللي هو بنهي الحوار بشياكة، بعدها اتسندت وقومت عشان ادخل اوضتي اغير هدومي، مراتي تلقائيا كأنها اتبرمجت على الروتين اليومي اللي اتعودنا عليه، وده خلاها بعد ما قومت من مكاني، ترجع المطبخ تجهز الاكل، بصيت في ساعتي اللي كانت عدت نص الليل، غيرت هدومي وفتحت الدولاب عشان اعلقها مكانها، بس مالحقتش.. وده لما سمعت صوت حاجة بتقع الارض وتتكسر، مش ده اللي وترني.. اللي قلقني وخلاني سيبت اللي في ايدي وخرجت اجري بره الاوضة، بعد صوت التكسير سمعت صوت مراتي بتشهق بصوت عالي، اقرب لصوت صرخة مكتومة، بصيت في الصالة ماكنش في غير ابني ملهي باللعب بتاعته، فمشيت ناحية المطبخ.. كانت واقفة قصاد رخامة المطبخ ومتخشبة، واقع تحت رجلها طبق متكسر مية حتة، وبلمحة سريعة قبل ما اسألها في ايه، شوفت عينها مركزة على حاجة قصادها، كان الموبايل بتاعها.. وقفت جنبها عشان اطمن عليها بعد ما لمحت خطفة وشها والقلق اللي كان باين عليه، مافكرتش ابص على موبايلها ولا اعرف ايه اللي عمل فيها كده، كل اللي شغل بالي في اللحظة دي اطمن عليها، سألتها:
ـ مالك يا “مليكه”؟
فضلت واقفة ونظراتها ثابتة في نفس الاتجاه، بخوف لفت وشها ناحيتي، عملت حركة براسها بدون ما تتكلم، معناها بص على الموبايل، وفعلا.. لفيت وشي ناحية موبايلها، مسكته وقربته مني، عيني ثبتت على جملة مكتوبة بطريقة منمقة ” جريمة قت*ل بشعة في منتصف الليل، يعجز اللسان بالنطق عن مدى بشاعتها، اشباح خرجت وسط الظلمة، سفكت الد*ماء التي امتزجت بماء المطر، وعادت مثلما اتت، اختفت تحت الارض”.
الكلام من صعوبته شدني، لدرجة اني عيني اتثبتت عليه للحظات بدون ادراك لمعناه، او يمكن فهمت بس عقلي مش مصدق، لفيت وشي ناحية مراتي اللي كانت مسنودة بكفوف ايدها على حافة الرخامة:
ـ مش فاهم.. ما تتكلمي يا مليكة.
بس ماردتش غير بنظرات عيونها التايهة واللي كانت مليانة دموع، اتوترت اكتر.. اوقات الصدمة من الموقف بتخليك تشوف المشهد من بره، لكن بدخولك الكواليس هتتفاجئ بالرعب اللي يوقف كل حواسك، ده اقل وصف للي حصل معايا.. لما لقيت مافيش نتيجة او رد من مراتي، بالاضافة للي السطور اللي قريتها، رجعت تاني اقرا اللي مكتوب في تليفونها، وكانت المفاجأة اللي لمحتها وكدبت بيها نظري.. تليفونها كان مفتوح على صفحة المنطقة اللي ساكنين فيها، وبالتحديد على حارة “ايوب”.. الحارة اللي فيها اهلي واهلها.
في لحظة مر قصادي شكل الحارة، اللي مكونة من بيت “ايوب”، وده اسم جدي الكبير، والبيت اللي قصادنا بيت “ولاد ابو حجر”، والتالت بيت حمايا عمي “زايد”، دماغي تفكيرها وقف على سؤال واحد، مجرد بس انه خطر على بالي روحي كانت هتخرج من جسمي، ” ايه اللي حصل في الحارة؟.. واهلي جرى لهم ايه؟”.. ماستنتش لحظة تانية اسأل وافكر، سيبت مراتي واقفة في مكانها، خرجت بسرعة من المطبخ ورجعت اوضتي، من التوتر توهت، فضلت الف حوالين نفسي بدور على تليفوني، برغم انه كان قصادي على السرير مكان ما سيبته، بس ماكنتش شايفه.. في غمامة على عيني شبه شبورة الفجر من حالة اللخبطة اللي انا فيها، احساسي كان معدي الخوف بمراحل.. ده كان احساس بالعجز، العجز اللي خلاني مربوط ومتقيد، مش عارف اتصرف بسبب بعد المسافة بيني وبين اهلي، واللي زود الاحساس ده جوايا لما مسكت تليفوني ورنيت على اخويا “شريف”..مرت لحظات تق، تل بالبطئ، جرس تليفون استمر لاكتر من دقيقة ومافيش رد، في اللحظة دي دخلت مراتي ووقفت جنبي، اتكلمت بصوت مخنوق وانا بعيد اتصالي بأخويا:
ـ حد رد عليك يا “سليم”؟
ماردتش عليها وملامح وشي كانت ابلغ رد على سؤالها، فضلت ارن على نمرة اخويا اكتر من 5 مرات، والجواب واحد، رنة جرس طويلة بتنتهي بفراغ، فراغ خلاني انا ومراتي في حالة مالهاش وصف، فجأة اختفى صوت نفس مراتي من جنبي، لفيت وشي لقيتها واقعة بركبتها على الارض، حاطة وشها بين كفوف ايدها بتشهق وبتعيط بحرقة، دخل على صوتها ابننا الصغير، قال وهو حاطط ايده على ضهرها:
ـ بتعيطي ليه يا ماما؟
حاولت اتماسك عشان اقدر ارد عليه:
ـ ماما تعبانه شوية يا “ادم”، روح يا حبيبي كمل لعب لحد ما تيجي تجيبلك الاكل.
ببراءة طفل بيصدق كلام اهله ابتسم، خرج يجري بره الاوضة عشان يعمل اللي قولتله عليه، وقتها شالت “مليكه” وشها من بين كفوفها، بصتلي وعيونها مش ظاهرة من شدة بكاها، قالت وهي بتخرج الكلام بالعافية:
ـ اتصلت على اهلي ماحدش بيرد، اكيد جرالهم حاجة، اتصرف لازم ننزل مصر بسرعة.
جملة “لازم ننزل مصر حالا”، ضربتني في مق*تل.. عشان كانت من المستحيلات، وبسببها حدفتني مراتي بين اختيارين اصعب من بعض، نزولنا مصر معناه اني هضحي بشغلي وده صعب، قعادي واستنى لما حد يتصل يطمنا برضه صعب، ففضلت اني ماردش عليها واسكت وده الموت بعينه، عدت لحظات مش كتير وجالنا لطف ربنا بحالي انا ومراتي، وده لحظة ما سمعت صوت اشعار تليفوني، قومت من على الارض وسحبت الموبايل من على السرير مكان ما حدفته.. عشان اتقابل بكارثة جديدة، وقتها للأسف كانت مراتي متلهفة تشوف اشعار الرسالة كان من مين، وبقول للأسف عشان اللي شوفناه كان كارثة بالمعنى الحرفي، فيديو صغير من دقيقتين او اكتر شوية، مبعوت من نمرة تليفون ابن اخويا الكبير، فتحت الموبايل عشان اتقابل بدوامة جديدة غرقت فيها، الفيديو كان ضلمة.. شغلت اضاءة التليفون على اخرها، على امل اننا نعرف محتوى الفيديو، بس برضه مش شايفين حاجة، مافيش غير ضوء بسيط خارج من كشافات عربية واقفة، ولحظات من برق بيضرب في السما، بيتكشف من خلالهم ظلال سودا واقفة، لكن مش موضحين ايه ولا مين ولا حتى اللي بيحصل، الحاجة الوحيدة اللي ظاهرة بوضوح صوت صرخات مختلطة ببعضها عالية، بمعنى.. ان كان وصلنا اصوات من كل الاجناس والفئات العمرية، من راجل لست وحتى اطفال.. اصواتهم غلبت وغطت على صوت المطر والرعد، كنت انا ومراتي بنتابع الدقايق ومعانا المجهول ورا كل اللي بيحصل، وفجأة في اخر ثواني بالفيديو المكان اتقلب ضهر، وده لما ضرب صوت انفجار شديد اشبه بصوت قنبلة في حرب، معاه صوت ازاز لشبابيك بتتكسر، والصرخات عليت اكتر مع اهتزاز لصورة الفيديو، وده معناه خوف اللي كان بيصور فاتهزت ايده.. والفيديو خلص لحد هنا.
وقتها بصتلي مراتي في حالة ذهول، في اللحظة دي مشاعرنا كانت واحدة متبادلة في حالة صمت، ما هو الطبيعي عدم الفهم ملازم ليه السكوت، بس الصمت قطعه هزة لجسم مراتي اللي بدأ يتمايل بحركة خفيفه، مسكت راسها وهي بتفرد ايدها بتحاول تتسند على اي حاجة، مديت ايدي سندتها وقعدتها على طرف السرير، جيبتلها كوباية المايه بس رفضت تاخدها من ايدي، رجعت الكوباية مكانها وقعدت جنبها مستني فرج ربنا، فضلنا قاعدين مكانا لوقت مش عارف قد ايه، حتى ابني من الزهق جه ونام جنبنا على السرير، لحد ما الشمس بدأت تشرق، وقتها سمعت صوت اشعار رسالة، مسكت تليفوني بخوف من فتح الرسالة، بس مافيش قصادي اختيارات بديلة، لمحت على وش مراتي نظرات قلق، مديت ايدي وفتحت الرسالة اللي كانت من اخويا.. كان بيقول فيها..
” معلش يا حبيبي ماعرفتش ارد عليك، احنا كويسين الحمد لله، وطمن مراتك ان اهلها كمان بخير، نخلص بس من الوش اللي احنا فيه وهتصل بيك”.
مابقتش عارف ولا فاهم حاجه من سطر مبعوت في رسالة، الحاجة الوحيده اللي هدتني شويه انه بعت وطمني عليهم، بس انفعالي خلاني قولت بصوت عالي:
ـ ده مش كفاية يا “شريف”، مش كفاية.
حسيت بأيد مراتي بتتحط على كتفي، اللي هو بتحاول تهديني او تصبرني، قالت بهدوء:
ـ نحمد ربنا يا “سليم” المهم انهم طمنونا عليهم، اهو بدل الحالة اللي كنا فيها عرفنا انهم بخير، واكيد هيرجع يكلمنا، قوم خد دش عشان تاكل اي حاجة خفيفة وتنام شوية، وكويس ان شغلك شفت بالليل.
قاطعت كلامها:
ـ لا لا شغل ايه، انا مافيش دماغ ولا اعصاب لأي شغل، هاخد النهاردة اجازة واستنى اي مكالمة من مصر.
هزت راسها مع ابتسامة جاهدت انها تترسم على وشها، قامت من جنبي عشان تشوف اللي وراها وتنيم ابننا في اوضته، بعد كام ساعة من الوقت ده، اتصل عليا اخويا مكالمة فيديو كول، وقت ما شوفت عيلتي حسيت ان اتولدت من جديد، اتكلمنا وحكالي على كل حاجة حصلت.. ساعتها كل مشاعري اتشبكت ببعضها، ما بين المفاجئة والاستغراب والحزن.. ولكن كل المشاعر مهما كانت قوتها جوانا، عمرها ما بترجع ساعة الزمن او توقفها.
ساعة الزمن اللي لفت دايرتها في سفري، يوم وراه شهر وراه سنة، لحد ما كملت سنة ونص.. اليوم ده كنت واقف على باب شقتي وانا ببص على محتوياتها قبل ما اقفلها، سبقتني مراتي مع ابني للنزول قصاد العمارة، كنا فرحانين برجوعنا مصر بعد الفترة دي، عدا كام ساعة بخطوات مدروسة بداية من ركوب الطيارة، لحد عربية اخويا اللي كان واقف مستنينا قصاد المطار، بعد السلامات الطويلة بيني وبين اخويا، ركبنا معاه العربيه عشان نرجع البيت، وطبعا طول الطريق ماوقفش كلامه عن اشتياق امي لرؤيتنا، وانها وقفت مع مراته طول اليوم في المطبخ تجهزلنا الاكل اللي بنحبه، بس قطع كلامه قطرات مايه بدأت تظهر على ازاز عربيته، رفعت وشي لفوق وبصيت في السما، واضح ان كان في استقبال لرجوعنا ماكنش في الحسبان، السحاب خفا ضوء القمر والسما بدأت تمطر، بصيت في ساعتي كانت قربت على الساعة واحده بعد نص الليل، شغل اخويا مساحات العربية عشان الطريق يتكشف قصاده، بعدها قال:
ـ الشتا لسه بأوله، واهو بدأنا.
داس بنزين العربية بعد ما المطر بدأ يزيد، والطريق اللي كان ساعة خدناه في نص ساعة، ساعدنا اكتر الشوارع اللي كانت فاضية من الناس، بسبب المطر والوقت المتأخر، لحد ما اخويا وقف بالعربية على ناصية الحارة اللي ساكنين فيها، نزلنا من العربية وشاورت لمراتي تاخد الولد وتسرع في خطوتها للبيت، عشان البرد والمطر مايتعبوش.. في الوقت ده شوفت على باب البيت اهلي واقفين، ومن الناحية التانية اهل مراتي، اللي ما منعهمش المطر انهم يقفوا يستنونا.. بس وانا بخرج الشنط من العربية لمحت حاجة .. الحاجة دي خلتني اتسند بأيدي على كبوت العربية وبص تحت العجلات، وتحت رجلي.. الارض كان فيها حاجة غريبة، مااقصدش في الشكل، لا.. لون الارض نفسه كان غريب، ارض الحارة متبلطة فطبيعي مع مايه المطر هيكون لونها رمادي، لكن ماكنتش باللون ده، لما دققت وركزت اكتر، كان لونها ابيض.. فضلت لثواني ببص تحت رجلي ومركز، لحد ما سمعت صوت اخويا بيقول:
ـ بتبص على ايه “سليم”؟.. بقالك دقيقة واكتر متخشب في مكانك، ايه يا ابني اخلص وهات الشنطة، المطر بيزيد وبالشكل ده هناخد دور برد يرقدنا في السرير.
رفعت وشي وقولت:
ـ ها، بتقول حاجة يا “شريف”؟
ـ هو ايه اللي بقول ايه؟!
رفع دراعه وهو بيشاور للسما، كمل كلامه:
ـ المطر، ايه مافيش احساس باللي احنا في؟
بس الفضول بقى منه لله، غطا على كل حاجة تاني، لا حاسس بماية مطر ولا سامع صوت حد، هزيت راسي ورجعت ورا خطوتين، ميلت نص ميلة بضهري، مديت ايدي ناحية الارض و لمستها بأطراف صوابعي، اللون الابيض كان عبارة عن حصا لونه ابيض مغرق ارض الحارة، والغريب اكتر ان الحصا ده كان مغرق الارض، وبالتحديد مدخل الحارة وقصاد بيت اهلي وبيت حمايا، وقتها انتبهت لزعيق اخويا عشان نروح البيت، خرجت الشنط بسرعة بعد ما البرد بدأ يدخل جسمي وهدومي تقريبا غرقت، قفلنا العربية خدنا الشنط وجرينا بسرعة ناحية البيت، استقبلتني امي بالاحضان، بعد ما خلصت شدتني من دراعي عشان ادخل جوه، بس في حاجة وقفتني مكاني، ماكنتش مركز فيها غير لما وقفت بالقرب منها، بيت “ولاد ابو حجر”.. البيت الوحيد في الحارة اللي العامود اللي قصاده مطفي، ف ماكنش واضح كفاية، بس بتركيز بسيط بان الى حد ما شكله، امي لما لقيتني وقفت مركز في البيت ندهت عليا عشان ندخل، فبصيت على بيت “ولاد ابو حجر” مرة اخيرة ودخلت معاها.
بعد ما دخلنا البيت قعدنا اهلي ما وقفوش ترحيب، فرحتهم برجوعنا نسيتني اسأل عن حاجة، لحد ما امي لفت وشها لمرات اخويا وقالت:
ـ قفلتي بلكونة شقة “سليم”؟
ردت عليها وقالت:
ـ ايوه طبعا قفلتها يا خالتي، بعد ما خلصت تنضيفها ورشيت الملح منها قفلتها.
بنهاية كلامها، بصيت لأمي اللي كانت ملامح وشها اتبدلت، كأن في حاجه اتقالت مش حابه انها تتقال او حتى تتسمع، وقتها جه في بالي حاجة مهمة، وقبل ما استفسر عنها سألت امي:
ـ ملح ايه اللي بتتكلم عنه “ام يوسف”؟
“يتبع”
ج2.. من قصة #حارة_أيوب
بصتلي امي وابتسمت ابتسامة خفيفة، وقبل ما ترد عليا.. اتكلم اخويا وهو بيوزع نظراته بيني وبين مراته:
ـ سيبك من اللي بتقوله “سهام”.. دوشة العيال والبرد خلا مخها بيلسع.
رد اخويا ماعجبنيش، وده خلاني اربط اللي شوفته بره في الشارع بكلام “سهام”، فسألته:
ـ لا عاوز افهم، معنى كلام “سهام” ان اللي شوفته في الشارع ده كان ملح، مش حصا زي ما كنت متخيل.
ردت مرات اخويا وهي بتضحك ببلاهة، خلت الكل بص عليها وخاصة امي وجوزها:
ـ اسكت.. ما هو داب من ماية المطر.
ضربت بكفوف ايدها على رجلها، وكملت كلامها بأسلوب واحدة بتعدد في جنازة:
ـ هي ليلة مش فايته النهارده.
من بعد اللي قالته، ما سمعناش حاجة تاني خالص.. السبب ان في مخده صغيرة طارت في الهوا ولبست في وشها، وكان مصدرها ايد جوزها اللي قال:
ـ قومي يا “سهام”، قومي ربنا يسامحك جهزي لقمة ناكلها.
قاطعت في الكلام وانا بقوم من مكاني:
ـ لا لا اكل ايه بس الساعة دي، احنا كلنا في الطيارة، هنقوم نرتاح شوية وبكرة ان شاء الله، نخلص على الوليمة اللي عملاها الحجه.
قومت من مكاني وانا بكمل الكلام، قربت من امي و بوست ايدها:
ـ وتسلم ايدك مقدما يا ست الكل.
قاطعت كلامي “مليكه”:
ـ نوم ايه يا “سليم”!.. انا مشتاقه اشوف اهلي واسلم عليهم.
ردت عليها امي بنبرة صوت غريبه:
ـ اهلك مين في الوقت ده يا مرات ابني، هم مقدرين تعبكم من السفر، واكيد زمانهم ناموا، النهار يطلع روحيلهم واقعدي معاهم براحتك.
الكلام ماعجبش مراتي وده كان واضح على ملامح وشها، لفيت وشي ناحيتها وكلمتها بنظرات العيون، معناها انها تسكت دلوقتي، وهي فهمتني، سكتت وعدت الموقف.. بس في مخلوق معانا مش هيرتاح غير لما يتحبس في اوضة، مرات اخويا اللي قربت من مراتي وهمستلها بصوت مسموع:
ـ اسمعي كلام حماتك يا “مليكه”، لاحسن جيران الشوم والندامة لو خرجتي دلوقتي، مش هتخلصي منهم بسهولة.
في اللحظة زعقت امي وهي بتكلم اخويا:
ـ خد مراتك واحبسها في شقتك.
ده المتوقع يحصلها انا شخصيا ماتفاجئتش، وفعلا.. راح اخويا ناحيتها سحبها من قفاها وطلع بيها السلم، ضربت كف على كف وانا بضحك، وقبل ما نسأل عن اي حاجة، قالت امي:
ـ بقولكم ايه.. الساعة قربت على 2، ما تخليكوا بايتين معايا النهاردة، وبكره اطلعوا شقتكم.
رديت عليها وانا بشيل شنطة من الارض:
ـ معلش يا امي، احنا فعلا هلكانين من المشوار، ولو بيتنا معاكي ابني مش هيخلينا ننام ساعة على بعضها.
سكتت لثواني كانت بتفكر في حاجة، وبعدها قالت:
ـ طيب يا حبيبي اللي يريحكم، بس اقفل الشبابيك كلها وبلكونة الصالة كويس، اوعى تنساها مفتوحة، عشان البرد والمطر زي ما شوفت يبهدل الشقة.
هزيت راسي وانا ببتسم، سلمت عليها واستأذنتها عشان نمشي، هي كمان قامت عشان تدخل اوضتها، وصلت انا ومراتي قصاد باب الشقة، بعد ما دخلنا.. لفت مراتي وشها في كل ركن، كأنها كانت بتتأكد انها اخيرا رجعت بيتها، بعد ما خلصت دخلت نيمت الولد في اوضته، كنت انا غيرت ودخلت انام، وفي خلال دقايق حسيت بيها وهي بتحط راسها ع المخدة، ومن بعدها حل سكون تام بأستثناء صوت الهوا بره، وصوت المطر اللي نازل على ارضية البلكونة.. غرقت في النوم، بس الليلة دي شوفت العجب، مشاهد فلاش باك بتتعاد قصادي، من بداية دخولي الحارة لحد ما كنت رايح ناحية بيتنا، بس الغريب.. بدل ما امشي في اتجاهه، روحت ناحية بيت “ولاد ابو حجر”.. كنت سامع صدى صوت ورايا يشبه صوت اخويا، بينده عليا بصوت عالي مكتوم، بس انا ماهتمتش او اتلفت ناحيته، كأني كنت مجبر على الخطوات ناحية البيت، وقفت قصاده وانا بتفحصه، شكله المعتاد اللي اعرفه، انوار البيت اللي مكون من اربع ادوار كلها شغالة، وقتها سمعت صوت همس او حد بيتكلم، رفعت وشي لفوق.. كان في حد واقف في بلكونة الدور التاني اللي قصاد بلكونة شقتي، لما ركزت في ملامحه عرفته، كان “فضل عاشور ابو حجر”، ده اقرب واحد ليا من بيت “ابوحجر”.. رفع ايده بحركة معناها اطلع عندي الشقة، بس في اللحظة دي.. سمعت صوت اخويا بينده عليا بنفس نبرة الصوت، كأنه كان في حاجز بينا بيمنع صوته ومانعه حركته، بس مش ده بس اللي شوفته، لما رفعت عيني ناحية بلكونة شقتي، كان واقف ابن اخويا وفي ايده حاجه، الحاجة دي اقرب لكاميرا بيصور بيها، واللي اكدلي احساسي ضوء الفلاش اللي كان بيضرب كل ثانية والتانية، بصيت حواليا اشوفه بيصور ايه، بس الحارة كانت فاضية ماكنش في حاجة يصورها، الاغرب من ده كله.. مرات اخويا اللي كانت واقفة جنبه بتصرخ، ومن الناحية التانية امي بتتكلم بحاجة مش سامعها كويس، بس اللي واضح من حركة ايدها، انها عاوزاني ارجع البيت، رفعت كتافي بأستغراب وشاورتلها لحظة وهاجي.
مديت ايدي وزقيت الباب اللي كان اصلا موارب، كل حاجة زي ما هي او زي ما شوفتها قبل سفري، بس الاضاءة ماكنتش كفاية، وبرغم ان البيت مليان ناس، لكن ماكنش في صوت.. البيت ساكن وساكت وحتى حيطانه باردة، نديت بصوت هادي:
ـ فضل، يا فضل.
بس ما فيش رد، كملت مشي بخطوات متحدده، كنت حاسس ان فاقد التحكم في كل حركة بمشيها، المشهد بيتبدل بوقوفي في مدخل شقة فضل، ونفس الاضاءة الخفيفة اللي جاي من عامود الشارع، اللي لمحت منها “فضل” وهو قاعد.. وشه كان شاحب ونظراته جامدة، متثبتة على مكان في زاوية معينة من الشقة، لفيت وشي ناحية ما كان بيبص، كانت مراته قاعدة على الارض، حاضنة والدها تحت دراعها في حالة ذعر، بتتبادل بنظراتها مع جوزها.. كأنها خايفة منه، لحظات وسمعت صوت بكا اطفال، فضلت اتلفت حواليا بس ماعرفتش الصوت جاي منين، لحد ما سمعت خطوات جايه على السلم، دخلوا اخوات “فضل”.. جريوا ناحيته وقعدوا حواليه، كل واحد منهم كان بيمسك في جزء من هدومه ويشده، المنظر كان غريب مش مفهوم، والاغرب لما بدأ يتجسد حواليهم ظلال سودا، ظهرت فجأة وحاوطتهم من كل الجهات، والصرخات عليت لدرجة ان حسيت انها خارجة من بين الشقوق، واختلط بيها صوت فرقعة جامدة جاية من الشارع، من بعدها الدنيا ضلمت ما بقتش شايف حاجة، حالة من الجنون اتلبست بحد بيصرخ، من اللي شايفه مابقتش متحقق اذا كنت في حلم ولا ده حقيقي.
في اللحظة دي كان الفاصل بين الحلم والحقيقة، صوت خبطات قوية على باب.. وبالتحديد باب شقتي، قومت مفزوع وانا بتنفس بعمق، بصيت جنبي مراتي ماكنتش نايمة في مكانها، الصراخ مستمر وصوت الخبط كمان مستمر، ماخدتش ثانية افكر واستوعب، قومت من السرير وخرجت بره الاوضة، وكان المنظر مايقلش غرابة عن اللي شوفته من شوية، مراتي واقفة في البلكونة ومتبته ايدها على سور البلكونة، جسمها بيتنفض.. بس ماكنتش فاهم ده بسبب الهوا الشديد اللي قرب يقلع الابواب والشبابيك، ولا من حالة الخوف اللي باينه على وشها، واللي اتمثلت في تبريقة عينها وهي بتبص قصادها على حاجة، حاولت احركها من مكانها عشان تدخل الشقة بس مافيش، وقعت في حيرة ما بين ان احاول ادخلها، وبين ان اسيبها واروح افتح الباب، بس القرار اتحسم في اقل من الثانية، الباب لو ماروحتش فتحته كان هيتكسر علينا، جريت ناحية باب الشقة وفتحته.. دخل منه امي واخويا ومراته، ده غير اهل مراتي اللي واضح انهم صحيوا على صراخها، سيبتهم واقفين ورجعت لمراتي اللي واقفة مكانها.. لما كلمتها عشان تدخل جوه، رفعت ايدها وشاورت على البيت اللي قصادنا، الغريب بقى ان لمحت في ضوء حاجة منورة جوه، صحيح مش ثابت.. بس كان موجود بينور لثواني ويرجع يطفي، لفيت وشي ناحية مراتي حاوطها بدراعي ودخلتها الشقة.
بعد ما قعدتها اتلموا حواليها اهلنا وفضلوا يهدوها، سيبتهم ورجعت ناحية البلكونة عشان اقفلها، شديتها وقبل ماتتقفل.. شوفت خيال حد بيتحرك جوه الشقة، الضوء اللي كان بينور كشف ملامحه لثواني، كان هو “فضل”، شكله وملامحه اللي شوفتها في الحلم، ركزت اكتر.. لقيته مشي لحد ما وصل لباب البلكونة ووقف قصادي بالظبط، بص عليا بدون ما يصدر منه اي حركة، لحد ماسمعت صوت امي من ورايا بتقول:
ـ اقفل البلكونة يا “سليم” وتعالى هنا.
قفلت البلكونة بسرعة، وروحت اطمن على مراتي، قبل ما اسألها عن اي حاجة، اتكلمت “سهام”:
ـ كنت عارفه انها ليلة مش فايته النهاردة، المطر دوبه.
لفيت وشي ناحية اخويا عشان يفهمني معنى كلام مراته، بس بدل ما يشرح.. ابتسم بأحراج من كلام مراته، اللي هو مش عارف ولا عاوز يقول حاجه، كنت لسه هتكلم مع امي، بس سبقتني مراتي وهي بتوجه كلامها لسهام:
ـ ملح ايه اللي المايه دوبته؟!.. الكلام ده ما حصلش.
كلنا استغربنا من اللي قالته، بصينا ناحيتها مستنيين تفسير لمعنى كلامها، وفعلا كملت:
ـ من وقت ما حطيت راسي ع المخدة ماشوفتش طعم النوم، دي طبيعة فيا لما بغير مكان نومي، عدا تقريبا اكتر من نص ساعة، مش سامعه فيهم غير صوت الهوا اللي بره بعد ما المطر وقف، ونفس جوزي اللي كان في سابع نومه، وحاجة تالته.. سمعت صوت تزييقة شباك او باب بيتفتح ويتقفل، وده خلاني قومت وقعدت مكاني، ركزت اكتر وكان الصوت لسه مستمر.
قاطعت كلام مراتي:
ـ ما يمكن حد في البيت نسي الشباك وبيقفله، عادي يعني يا “مليكه”.
ردت بحزم:
ـ ماتقلش عادي، تخميني كان زيك بالظبط لما قولت في بالي كلمة “عادي”، وبسببها قومت من السرير عشان ارضي فضولي واشوف مين اللي صاحي في الوقت ده، بنية اتكلم معاه دقايق لحد ما يجيلي نوم، بس بمجرد ما فتحت باب البلكونة ودخلتها، حسيت بوجع في رجلي، حاجة جت تحتها وحسيت بيها لاني كنت حافية، بصيت في الارض.. البلكونة كانت مليانة حبات من الملح اقرب لحصى كبير، يعني مادابش زي ما قالت “سهام”.
ردت سهام وهي بتنفي اللي بتقوله مراتي نفي قاطع بحركة ايديها:
ـ مستحيل طبعا، لو الملح مادابش بسبب المايه، يبقى مافيش غيرهم هم السبب اللي فضلوا طول الليل يحدفوه على البلكونة.
كل الموجودين بصوا لمرات اخويا بنظرات مختلفة، ما بين التعجب وبين التساؤل، وبين اللي كان نفسه انها تخرس في اللحظة دي، واقصد طبعا امي وجوزها، بس كل ده ماهمنيش.. اللي كان يهمني ان افهم معنى كلامها بسؤال.. اللي قاطعته “مليكه” بجملة رسمت الدهشة المصطنعة على وشوشهم، لما قالت:
ـ فعلا كلام صح يا “سهام”، انا شوفتهم بعيني.. وتقريبا هم السبب في تزييقة الباب، عشان بعد ماحاولت اخطي حوار الملح، ومنين جه، ومين اللي حطه في البلكونة؟.. سمعت صوت شباك بيترزع بكل قوة، اتقفل!
كلنا بصينا بتركيز، وكأننا بنسمع حكاية من حكايات الرعب بتاعت زمان، كملت مراتي كلامها:
ـ اتقفل وده برغم انه كان مفتوح من ثواني، والله كان مفتوح انا لمحته قبل ما اوطي اشوف اللي وجعلي رجلي، وكلكم عارفين ان البيت فاضي من زمن، يعني معنى كده ان البيت في حرامي.
ضربت “سهام” كفوفها ببعضها، ضحكت بطريقتها المعهودة ببلاهة على شوية سخرية من كلام “مليكة”، وقالت:
ـ تصدقي يا “مليكة”، والله انتي بت حلال وطيبة، حرامي!.. حرامي ايه بس…..
ولسه بتكمل كلامها، قاطعتها امي اللي هي بالمناسبة “خالتها”، وكانت متعصبة:
ـ اخرسي يا بنت اختي بدل ما اقوم اقطعلك لسانك، ولا اقولك.. خدي جوزك وعلى شقتكم شوفي ولادك.
بص اخويا لمراته، قالها وهو بيجز على سنانه:
ـ دايما جيبالنا الكلام، يلا عشان نرجع شقتنا.
وفعلا.. لفت “سهام” وشها ناحية الباب وهي بتقول مع نفسها كلام مش فاهمينه، اللي هو بالمعنى الدارج ما بينا “بتبرطم”.. خرجت هي واخويا من باب الشقة، من بعد خروجهم استأذنوا اهل مراتي، وكان كل كلامهم مافيش حاجة ده اكيد بسبب تأثير تقلبات الجو، كلام مايقنعش عيل في الروضة، دي حاجة فاهمها كويس انا ومراتي، بس لما يكون الحوار بدأ بأسئلة مافيش عليها أجوبة.. ف بيخلص زي ما بدأ بالظبط والليلة بتتفض، وده اللي حصل.. كل الموجودين بما فيهم اتسحبوا واحد ورا التاني حتى امي، بعد توصيات اشد من اللي قالته لما وصلنا، لحد ما فضيت الشقة عليا انا ومراتي، دخلنا اوضتنا وحرفيا النوم اختفى، فضلنا قاعدين على السرير ساندين راسنا وكل واحد فينا مخه بيلف في دوامة، بس كان احساسي وقتها ان الدوامة واحدة، متصلة ما بيني وبين مراتي بخيط واحد، اللي هو بيت “ولاد ابو حجر”، يمكن بسبب الحلم اللي شوفته، ممكن.. او ممكن بسبب اللي هي شافته بعينها عيانا بيانا، برضه جايز.. كل شئ وارد، ومدام اتوجدت كلمة ممكن، يبقى الكلام والتساؤلات هتكتر، وده لما رفعت مراتي راسي، وقالت وهي بتبص قصادها بتركيز:
ـ سامع يا “سليم”؟
مع سرحاني مانتبهتش لاي حاجة بره نطاق عقلي، بس مع تلميحها اتعدلت انا كمان وركزت انتباهي، وقبل ما ارد بجواب على سؤالها، لقيتها شالت الغطا من عليها ونزلت رجلها على الارض عشان تقوم، وفي لحظة وقفت بتدور على حاجة تتغطى بيها، وده معناه انها هتخرج تتأكد من اللي سمعته، واللي انا كمان سمعته، قومت بسرعة عشان اخرج وراها، وقفت قصاد البلكونة وقبل ما ارفض او اقبل اللي هتعمله، فتحت باب البلكونة بهدوء وبصت ناحية مصدر الصوت، الشقة اللي قصادنا.. واللي تقريبا حوارها مش هيخلص الليلة دي، بس المرعب فعلا.. لما شوفنا حد او حاجة، انا مش لاقي تفسير او مسمى ينطبق على اللي شايفينه قصادنا، بس كان في خياله بيفتح باب البلكونة، صحيح واربه.. بس كان كفاية عشان نشوفه، واخد المكان وهو بيجري، ونفس الضوء اللي كنت شوفته بينور ويطفي، وشويه.. سمعنا اصوات ناس بتتكلم، الصوت كان واضح بسبب هدوء المكان برغم صوت الهوا.. وفي اقل من الثانية، كل الشبابيك بتاعت البيت اللي بتطل ع الشارع، بدأت تتهز.. في منها اللي كان بيفتح ويقفل، وفي منها اللي كان عليه خبط شديد من جوه البيت، في نفس اللحظة.. قربت مني مراتي مذعورة ومسكت في دراعي، همست جنب ودني وقالت بخوف:
ـ الموضوع اكبر من حوار حراميه موجودين في البيت.
حطيت كف ايدي على بوقها وانا ببصلها:
ـ ششششش، اسكتي دلوقتي خالص ويلا ندخل جوه.
ماكنش قصادها غير انها تهز راسها بالموافقة، هي اصلا كانت في حالة رعب تخليها معدومة لكل الاختيارات، وده خلاها تدخل على اطراف صوابعها جوه الشقة، اتحركت وراها وانا بقفل باب البلكونة، وقبل ما تتقفل بثانية، بدأ يتحدف على الباب حصا صغيراو الملح اللي كان في الشارع، دخلنا اوضتنا بسرعة وسبحان من عدا باقي الليلة الغريبة دي، لحد ما النهار طلع.. وبدأ نوره يدخل من فتحات شباك الاوضة، وقتها بس قدرنا ننام.
لحد ما صحيت على صوت مراتي، بعد ما فوقت قالت:
ـ الضهر أذن، ابن اخوك جه من شويه بيقولك طنط مستنيانا ننزل.
قومت بسرعة خدت دش و اتوضيت، وبعد ما صليت جهزت نفسي ونزلنا انا ومراتي عند امي، بعد ماقعدنا وفطرنا، جم اهل مراتي والرغي والحكاوي اشتغلت، لحد ما بصيت في ساعتي بعد ما سمعت اذان العصر، وقتها سألت على اخويا، ردت مراته:
ـ ده ميعاد خروجه من الشغل، بأذن الله جاي في الطريق.
وفعلا.. ماعداش وقت طويل وسمعت صوته بيسلم على ابنه، من بعدها دخل علينا واحنا قاعدين، سلم على امي والموجودين، قرب مني بصتله بنظرة خاصة بيا انا وهو، زي الشفرة السرية لما اكون عاوز حاجة، هز راسه وهو بيضيق في عينه، قام من مكانه بعد ما قعد بدقيقة، استغربت امي من تصرفه، وبما انها فاهمنا كويس وتقريبا قاريه الشفرة اللي بينا كويس، ابتسمت وقالت:
ـ خير يا “شريف”، قومت ليه يا حبيبي؟.. اقعد عشان تاكل، ربنا يهديك انت واخوك.
بصيتلها وضحكت بصوت عالي:
ـ وانا مالي بس يا حجه، ما انا كلت من بدري.
كملت كلامها وهي بتضيق عنها، ملامحها بتقول انها فهمت اللي بينا:
ـ هي الهداية وحشه يا “سليم”، ده خير الدنيا كله، واللي خير من اللي اشترى يا قلب امك.
هزيت راسي وماردتش، فهم اخويا تلميحات امي، فاضطر انه يكمل قعدته معانا، في الوقت ده كانت مراته جابتله الاكل، بعد ما خلص.. قربت منه وقولتله:
ـ عاوزك بره البيت شويه.
هز راسه بالموافقة، بعد دقايق قام وقومت وراه، اللي كانت متابعة اللي بيحصل امي، بعكس مراتي ومرات اخويا اللي كانوا ملهيين في رغي مش سامعينه، بس المرة دي بصتلنا بدون اي تعليق.. خرجت انا واخويا بره البيت ووقفنا في نص الحارة، بالتحديد بين التلات بيوت، وبالتحديد اكتر.. قصاد بيت “ولاد ابو حجر”، اللي كانت الشمس لسه بتغرب على سطوحه، فكانت كاشفه معالمه بوضوح، المعالم اللي ماخدتش بالي قد ايه مرعبة الا في اللحظة دي، فضلت واقف جنب اخويا بثبات، عيني بتفرز وتلف في كل زاوية فيه من الدور الاخير، لحد مدخله.. ذهول، احساس اتملكني بوصف من خيالي للي حصل واتحكالي من سنة ونص، بس من صعوبته مخي مش قادر يرسملي صور مناسبة للكارثة اللي حصلت، يمكن عشان عقلي مش قادر يصدق، ممكن!.. وعشان اثبت لنفسي كان لازم اسأل اخويا سؤال، تقريبا عارف اجابته، وقتها لفيت وشي ناحيته، كان زي حالاتي بيبص بتركيز برغم انه من ضمن الشهود على المجزرة، سألته:
ـ معقولة اللي حصل كان كارثي بالشكل ده؟!.. لدرجة انه يغير معالم البيت لكهف اشباح!!
“يتبع”
الجزء الثالث والأخير من.. #حارة_أيوب
ـ معقولة اللي حصل كان كارثي بالشكل ده؟!.. لدرجة انه يغير معالم البيت لكهف اشباح.
حط ايده ورا ضهره، شبك ايده في بعضهم واتنفس بعمق، حسيت انه بيسترجع اصعب ذكرى مؤلمة مرت عليه، عدت ثواني بعدها لف وشه ناحيتي، اتكلم بثبات وهو بيركز عينه عليا، عيونه اللي كانت بتلمع لمعان غريب، ماكنتش فاهم اللمعة الغريبة دي دموع مثلا، ولا توهج نار حرقت اجسام ودوبتها، قال بعد ثواني صمت:
ـ فاكر اللي حكتهولك من سنة ونص، وقتها طلبت منك تبعد عن مراتك عشان ماكنتش عاوزها تسمع، وطلبت من مراتي واهلها ما يحكوش حاجة، وده برضه كان رأي امك، بس اللي سمعته افظع من كلمة كارثة بمراحل، دي مجزرة واللي نفذها “اشباح”، والاشباح يا ابن ولدي ماحدش يقدريمسكهم، وللسبب ده الشرطة قفلت القضية بدون متهم.
لف جسمه وشاور على كنبه مركونة قصاد بيتنا عشان نروح نقعد عليها، اعترضت لاني كنت عاوز ادخل بيت “ولاد ابو حجر”، بس هو رفض رفض قاطع، بعد ما قعدنا قال:
ـ مستحيل ندخل البيت ده، المنظر جوه ماحدش يتحمله، ميل نص ميلة وخد حاجة من على الارض، فتح كف ايده وقربه مني، كان حصوات ملح ابيض، قال وهو بيلفت انتباهي للي في كف ايده:
ـ مسألتش نفسك ليه الملح مالي الحارة!؟
هزيت راسي بعدم فهم فكمل كلامه:
ـ بسبب اللي بنشوفه في البيت وبنسمعه من وقت اللي حصل، من وقتها وامك بترش الملح في الحارة، عشان تمنعهم عننا، وللسبب ده مراتي خافت لما المطر نزل ودوب الملح.
استغربت من كلامه فسألته:
ـ هم مين؟
رد وهو بيحدف حصوات الملح ناحية بيت “ولاد ابو حجر”:
ـ ولاد “ابو حجر”.. وبالتحديد اشباحهم.
جسمي اتنفض من جملته، مش خوف.. قد ما هو عدم استيعاب لخطورة الكلام اللي بيقوله، وده اللي قراه اخويا على ملامحي، ركن ضهره لورا وبدأ يحكي:
ـ امك بعد اللي حصل، قعدت معايا وحكتلي حاجات كنت اول مرة اسمعها، لما قالت:
ـ “البيت ده زمان تقريبا من 10 سنين، يمكن اكتر من كده بسنتين ولا حاجة، كانوا ساكنينه ناس طيبين وجيران عشرتهم طيبة، بس الظروف حكمت عليهم انهم يعرضوه للبيع، عشان سفرهم المفاجئ بسبب شغل ولادهم، والبيت عشان حلو ومساحته كويسة، جاله بدل المشتري عشرة، بس اللي هيدفع فيه اكتر يشيل، لحد ما ظهر واحد اسمه “عاشور حجر”، دفع فيه مبلغ كبير جدا، يمكن اكتر من السعر المطلوب في البيعة، وطبعا البيعة تمت لصالحه بدون تفكير، الراجل ده ماكنش لوحده زي ما انت عارف، كان معاه مراته وولاده التلاته “فضل اكبرهم، وضاحي، وزكريا”.
لما جم الحارة كانوا في بداية شبابهم، اعقلهم كان فضل، واللي كان يبان عليه لعنة ابليس الواد ضاحي، اما زكريا ده لاكان بيهش ولا بينش، ماشي طول الوقت جنب اخوه “فضل” زي ضله، خاصة انه كان اصغر واحد فيهم، الغريب بقى انهم لما سكنوا الحارة، كان حالهم مبهدل، ولبسهم وهيئتهم مايبينوش اللي عملوه بعد كده.
ولما لاحظت عليا امك اني مش فاهم قصدها، كملت كلامها المباشر في صلب الموضوع:
ـ هدوا البيت من اساسه، وبنوه من جديد بيت كبير اربع ادوار، زي ما انت شايفه.. ودي حاجة غريبة بالنسبة لواحد زي “عاشور”، بس لا انا ولا انا ابوك اهتمينا، كل واحد ادرى بخبياه ربنا، يوم يجر شهر.. ولقينا الراجل ده وعياله بان عليهم العز والعيشة المرتاحة، فتحوا تجارة كبيرة لبيع الخضار والفاكهة، وبين يوم وليلة بقيوا معلمين.. والحتة كلها ماكنش عندها سيرة غير “ولاد ابو حجر”.
وده اللي حكيتهولي امك عن اساسهم، وبداية ظهورهم في الحارة بالشكل الغريب والمريب ده.
قاطعت كلام اخويا:
ـ وايه السبب اللي خلا امي توصفهم بغرابة ظهورهم.
رد وهو بيبص ناحية البيت:
ـ ما هو ده السبب الرئيسي للي حصل جوه البيت، هتفهم لما كملك.. زي ما انت فاكر عشرتنا بيهم كجيران كانت كويسة، هم الشهادة لله مش بتوع مشاكل وده كان معروف عنهم، وانت بنفسك “فضل” برغم السن اللي بينكم كنت بتحبه، حياتهم ما بين تجارتهم وبيوتهم بعد جوازهم من بنات المنطقة، لحد اليوم المشئوم الله لا يعيد ذكراه، كنا قاعدين كعادتنا انا وامك في الاوضة اللي ع الشارع، مقفلين الشبابيك بسبب المطر اللي كان مغرق الدنيا يومها، الوقت كان متأخر والدنيا كانت ساكته وهادية بسبب شدة المطر، وبدون مقدمات قطع كلامي مع امك صوت عربية داخلة الحارة، لا عربية ايه.. ده صوت فرملة اكتر من عربية، قومت من مكاني مفزوع وروحت ناحية الباب، كانت ورايا مراتي ماسكة في دراعي، سحبته منها وفتحت الباب بهدوء، عشان اسمع صوت حد بيصرخ فيا بقوة “ادخل جوه بيتك والا هرقدك مكانك”.
لو عليا ولوحدي في اللحظة دي كنت خرجت شوفت في ايه، بس اللي جه ببالي وقتها امك وولادي ومراتي، فقفلت الباب بسرعة ودخلت، جريت ناحية السلم وكانت ورايا مراتي وابني الكبير “يوسف”، دخلت شقتك.. وقتها سمعت صوت عكاز امك جاي ناحيتي، شاورت لهم ماحدش ينطق و طفيت نور الشقة بالكامل، بعدها فتحت باب البلكونة ووقفنا بزاوية نشوف منها اللي بيحصل، زي ما توقعت.. كان في بدل العربية اتنين، من اكبر وافخم العربيات اللي في السوق، واقفين قصادهم خمس رجالة، من نوعية الرجالة اللي لو ادوا حيط خبطة بكتفهم هيساووها بالارض، طول بعرض.. لابسين اسود في اسود، كانوا خافيين ملامحهم بشال مايتناسبش ابدا مع لبسهم المودرن، ماكنش ظاهر منه غير عيونهم، والله يا “سليم” لو اقولك انهم شبه المافيا اللي بنسمع عنهم، يمكن تقول اخويا بيزود ويأفور في الوصف، بس ده اللي شوفته بالظبط.. واللي بيأكد وصفي، طريقة وقفتهم والسلاح الالي اللي عمري ما شوفته غير بافلام حرب العصابات، كل ده انساه.. الاغرب اللي جاي، الرجالة دي كانوا ماكنوش بينطقوا.
هزيت راسي بعدم الفهم فكمل “شريف” كلامه:
ـ اقصد المعنى الحرفي للكلمة، الرجالة كانوا بيتفاهموا مع بعض بلغة الاشارات، اللغة الخاصة “بالصم والبكم”، اكيد انت عارفها بحكم دراستك الجامعية، وانا كمان عارفها كويس وعرفت اترجمها بسهولة، بمجرد ما البرق ضرب في السما ووراه الرعد، شاور واحد فيهم للسما وبص للي كان جنبه بالاشارت، وكان معناه “اكسر الباب ونزلهم”.. هز الراجل راسه وعيونه بتبرق بحماس مرعب، شاور لواحد من اللي معاهم، اللي فهم حوارهم كان داير على ايه، جريوا بأعصاب من حديد ورجلين بتغوص في المايه اللي مغرقة الحارة، ناحية بيت “ولاد ابو حجر”.. الباب المصفح ماخدش من كتفهم غلوة، من تلات خبطات اتفتح على اخره.
قاطعت اخويا في كلامه:
ـ كل ده وماحدش جه الحارة ولا انتبه للي بيحصل؟
ـ الرجالة دول كانوا عارفين بيعملوا ايه كويس، والجو العام من مطر وتوابعه، خلا من المستحيل حد يخرج بره بيته، والاهم.. انهم لو حد فكر يقرب من الحارة، كانوا هيجيبوا اجله مش هيسموا عليه، بعد ما اتفتح الباب، سمعنا صوت الموجودين جوه البيت بيصرخوا، من حريم لعيال صغيرة، انوار البيت كلها طفت.. ماعدا نور بسيط كان موجود في صالة شقة الدور التاني.
وشاور بأيده على شقة “فضل”، الشقة اللي قصاد شقتي.
ـ شقة “فضل”، صوت الصرخات كان جاي من ناحيتها، لمحتهم بيجمعوا كل الستات وحتى العيال الصغيرة في الصاله، قعدوهم ع الارض، بعد لحظات.. الصرخات العالية اتقلبت لصرخات مكتومة خارجة من حناجر الرعب والخوف اتحكم فيهم، شوية ولقينا اول راجل خارج من باب البيت، ووراه “عاشور حجر وولاده التلاتة” بهدوم نومهم، وراهم الراجل التاني بسوقهم قصاده زي الخرفان اللي بتتساق لدب*حها، شاور الراجل اللي كان واقف قصاد العربية بلغة الاشارة انهم يقعدوهم ع الارض، وفعلا.. بخبطات من الالي اللي كانوا ماسكينه في ايدهم، نزل عاشور وولاده بركبهم على الارض قصاد الرجالة اللي كانوا قصاد العربيات، بص الراجل اللي حسيت انه كبيرهم للي كان واقف على روسهم، شاورله بحاجة مافهمتش قصده بيها، بس فهمت معناها اللي هو “نفذت اللي قولتلك عليه”، رد عليه باشارة واحدة “تمام”.
وقتها ما تحملتش اللي بيجرى، لفيت وشي ناحية باب البلكونة ونويت انزل، سمي اللي كنت ناوي اعمله اللي تسميه.. جنان، نخوة راجل شايف قصاده جيرانه بالحال ده، بس لقيت اللي جاي ورايا وبصوت بيهمس قالت:
ـ اوعى تتحرك من مكانك.
عرفتها وسط الضلمة، كانت امك.. وقفت مكاني وقبل ما ارد كملت كلامها:
ـ انت لو نزلت تحت وخرجت من البيت، هترجعله جثة، انت شايف الناس اللي تحت شكلهم عامل ازاي، دول ما بيفهموش ولا بيتفاهموا، بعد غربة اخوك ماليش غيرك يا ابني بعد ربنا.
كلام امي في اللحظة دي فوقني، مر قصادي حالها لو جرالي حاجة، وحال مراتي وولادي لما يتيمتوا، الناس دي فعلا ما بيهزروش، والرصاصة من بندقيتهم ارخص من روحي بكتير، وقتها سمعت صوت ابني بيقول بهمس” الحق يا بابا”.. جريت بسرعة ودخلت البلكونة، مراتي كانت حاطة ايد على صدرها، والايد التانية على بوقها، امي وقفت جنبي بثبات غريب وهي بتتشاهد، واما ابن اخوك شغل موبايلها عن بعد وكان بيصور، اخر حاجة شوفناها.. “ضاحي” وهو بيصرخ في اخوه “فضل” وبيقوله:
ـ شاور ” لاسماعيل” يا “فضل”، انت الوحيد اللي بتفهم وتعرف اشاراتهم، قوله حقك عليا يا “سمعه”، خلوهم يسامحونا.
وفعلا.. كلم “فضل” الراجل اللي اسمه “اسماعيل” بلغة الاشارة،عشان يسامحوهم، بس الراجل وزع نظراته عليهم بعدها رفع كف ايده، وحرك ايده على رقبته بأشارة الدبح، الرعب اتملك من ولاد ابو حجر وجسمهم اترعش، رجع فضل يشاور على ابوه، بعد كلم الراجل بالاشارة، وكان معنى كلامه “سيبوا ابويا هو مالوش ذنب”، بس الراجل اتملك منه الشيطان، شاوره بالبندقية اللي في ايده عليهم واحد واحد، بعدها لف وشه ناحية اللي كان واقف جنبه، وشاورله عشان ينفذ حاجة معينة، هز الراجل راسه.. خرج من جيبه مسدس وبطلقه منه كسر الكاميرا اللي كنا حطينها في مدخل الحارة، لف وشه الناحية التانية وكسر لمبات العواميد، وفي لحظة.. الحارة بقت ضلمة كحل، لحد ما نوروا كشافات العربيات اللي كانت متثبتة على “عاشور حجر وولاده”، عدت ثواني بعدها لمحتهم بيتحركوا ناحية ولاد “ابو حجر”، وبحركة سريعة خرجوا حاجة من جيبهم كانت بتلمع في الضلمة، الحكاية ماكنتش محتاجة تخمين، كان في ايدهم سك*اكين.. كل سكين منهم حطوها على رقبة واحد من البيت، بداية من “عاشور” الراجل العجوز، اللي كان مستسلم للي بيحصل من وقت ما بدأ، زي ما يكون عارف ان دي النهاية الحتمية ليه ولولاده، لحد اصغر واحد فيهم “زكريا”، واللي كان الخوف افقده كل الحواس وسلمها للامر الواقع، وفي اقل من الثانية.. نح*روا الرجالة رقاب “ولاد ابو حجر”.
سكت اخويا بعد ما خلص اخر جملة قالها، وبرغم انه حكالي اللي حصل، او بمعنى ادق حكالي مجمل اللي كان في الليلة دي، بس التفاصيل في حد ذاتها مرعبة، التفاصيل بتخلي الواحد كأنه كان موجود، شايفهم، حاسس بوجعهم ولحظة موتهم، شايف نظراتهم اللي جحظت وقت خروج روحهم، سامع صوت د، مهم وهو بيخرج عشان يختلط بماية المطر تحتهم، وزي ما يكون في اللحظة دي حصل توارد افكار بيني وبين اخويا، وده لما قال:
ـ اللي اتخيلته هو بالظبط كان احساسنا في اللحظة دي، لدرجة ان مراتي خرج منها صرخة مكتومة، فلفيت وشي بسرعة ناحيتها وحطيت ايدي على بوقها، والا هيكون مصيرنا مايقلش بشاعة عن اللي حصل وشوفناه من دقايق، وياريت اكتفوا باربع جثث لاربع رجالة غرقانين في د*مهم ع الارض، دول بعد ما خلصوا شاور الراجل لواحد منهم يطلع فوق، بعد ما طلع بصله من البلكونة، خرج الراجل اللي كان واقف في الحارة من جيبه “ولاعه” وشغلها، وبس.. بعد دقيقة بالظبط كان خارج الراجل يجري من البيت، وفي الدقيقة التانية، الشقة انفجرت.. الازاز بتاع الشبابيك من قوة الانفجار اتفتت في الحارة، الشقة باللي جواها اتحرق، عفش وستات واطفال اتفحموا.. حتى صراخ مالحقوش يصرخوا.
بعد ما خلصوا المهمة اللي كانوا جايين عشانها، شاور الراجل للباقيين يركبوا العربيات، وفعلا.. في ثواني لفوا بالعربيات لفه كاملة ناحية مخرج الحارة، وزي ما ظهروا فجأة اختفوا برضه فجأة، شبه الشياطين اللي ساكنين تحت الارض، كنت واقف مكاني من الصدمة مش عارف اتحرك، ذهول وخوف خلوا عقلي وقف عن التفكير، فضلت واقف وعيني بتبص لحظة على مكان الجثث اللي ريحة د*مهم ماليه الحارة، واللحظة التانية برفع عيني ناحية الشقة اللي النار قايدة فيها، ماكنتش سامع صوت مراتي وهي بتعيط وتصرخ جنبي، لحد ما امي فوقتني وقالت:
ـ اتصل بالشرطة بسرعة يا “شريف”.
خدت نفسي عشان استرد وعيي، دخلت من البلكونة وروحت ناحية التليفون الارضي، اتصلت بنمرة النجدة وبلغتهم ان في جر*يمة ق*تل حصلت في الحارة، خدوا مني العنوان، وفي خلال فترة بسيطة كانت الحارة مليانة بافراد الشرطة والامن، وطبعا اتفاجئوا باللي شافوه، كانوا جايين على بلاغ عادي بيحصل كل يوم، لجر*يمة ق*تل برضه بتحصل كل يوم، لكن مجزرة لافراد عيلة بالكامل ده اللي ماكنوش يتوقعوه نهائي، كان الوقت بعد نص الليل بشوية، المطر كان بدأ يهدى، ومع دوشة عربيات الشرطة، في ناس من اهل المنطقة بدأوا يتجمعوا في مدخل الحارة، وفي ناس كتبت عن الجر، يمة زي ما قريت انت ومراتك، بس الشرطة طلبت بحذف اللي اتكتب لحد ما يعرفوا مين ورا الجريمة اللي حصلت، بعد ما طفوا النار اللي كانت في الشقة بصعوبة، جت الاسعاف وبدأت تنقل الج، ثث اللي اتحرقت للمشرحة، وبعد معاينات فضلت لوقت متأخر، عرفوا ان سبب الحريق انفجار انبوبة غاز كانت جوه البيت، شوية وخدت الاسعاف جث، ث ولاد “ابو حجر”، بعدها طلب الظابط عربية تيجي الحارة عشان تشفط المايه والد*م اللي كانوا جواها، من بعدها وقف الظابط معايا وسألني الاسئلة المعتادة، كنت فين؟.. شوفت ايه؟.. وشوفت مين اللي عمل كده؟.. كل الاجابات كانت محدده باللي شوفته وحكيته بالتفصيل، بس لحد شوفت مين، لساني وقف.. لاني فعلا ماشوفتش حاجة، وده اللي قولته:
ـ يا فندم كانوا مغطيين وشهم بالكامل، ماشوفتش ملامحهم وواضح انهم مش اهل منطقتنا خالص.
وعرفته انهم كانوا من “الصم والبكم”، بسبب الاشارات اللي كانوا بيتكلموا بيها، بس كلامي مش خيط قوي يقدر بيه يوصل للي ارتكب الجريمة، بالعكس ده كان خيط عنكبوت هش ضعيف، مايصلحش كدليل في محضر جريمة ق*تل، فسألني الظابط:
ـ مالهمش قرايب او معارف، يعني نقدر نسألهم لو كان لهم اي اعداء او خصومات مع حد، ماهم كانوا تجار في السوق، وتجار معناه ان كان لهم منافسين، والحاجات دي بتعمل ضغائن بين التجار، فاهم طبعا اللي اقصده.
هزيت راسي بعد الموافقة على كلامه، وكان المبرر ورا رفضي لما قولتله بأستنكار:
ـ ضغائن!!.. ضغائن ايه اللي بتتكلم عنها يا فندم؟!.. مهما كانت المنافسة في التجارة او المال، ماتوصلش ابدا اي حد انه يرتكب جريمة بالبشاعة دي، ولو هفترض ان كلام حضرتك صح، فهيكون الانتقام في الرجالة نفسهم، مش يعملوا تصفية للبيت كله بالستات وكمان الاطفال اللي مالهمش ذنب، اللي عمل كده واللي شوفته، ده حقد وكره وغل، ابليس بذات نفسه كان حاضر الجريمة، لا لا مستحيل يكون اللي حصل وراه منافسة سوق، والاهم يا حضرة الظابط، ان ولاد “ابو حجر”، كانوا معروفين بسمعتهم الطيبة وانهم في حالهم، حتى ماكنش في حد يعرفلهم قرايب ولا معارف، ده ماكنش في حد بيزورهم لحد ما اتجوزوا من بنات منطقتنا، من وقتها نسايبهم بدأوا يترددوا على البيت عشان يزورا بناتهم، ومن بعدهم احفادهم.
هز الظابط راسه كان بيحاول يقنع نفسه باللي قولته، بس كانت محاولات فاشلة لانه ماقتنعش بحرف منه، عذرته طبعا.. كلامي بالنسباله كلام انشا عابر بيخلص في وقته، اما مهنته اللي اساسها الشك في كل حاجة بتدور حوالين الجريمة، خلاه هراني تحقيق لاكتر من يومين، س و ج.. تقريبا كلها بتدور على نفس الاسئلة، وانا طبعا ماعنديش غير نفس الاجابات اللي هي في الاساس لا عجباه ولا مقتنع بيها، ونفس الكلام بينطبق على نسايبهم، انهم جوزوهم بناتهم بناءا على سيرتهم الكويسة وعيشتهم المرتاحة، لكن اصلهم وفصلهم ايه، ماحدش يعرف.
لحد ما في يوم سمعنا صوت عربية الشرطة داخلة الحارة، خرجت بره البيت عشان افهم اللي بيحصل، شاورلي الظابط اروح ناحيته، فعلا روحتله.. دخلنا بيت “ولاد ابو حجر”، وهو بيتكلم معايا عن الحريق اللي حصل، قولتله انه كان في شقة الدور التاني، لكن باقي البيت سليم الي حد ما، بعد ما فتش البيت كله، دخل شقة “فضل”، وبالتحديد اوضته.. شاف زي “سحارة” او صندوق من بتاع زمان، واللي اساسه بيكون عند اهل الصعيد، قرب منها وتقريبا ماتحرقش منها جزء كبير، بسبب انها كانت مصنوعة من خشب عتيق، فتح الظابط السحارة كان فيها حاجات برضه قديمة، وكان في بينهم “صندوق” صغير، مد الظابط ايده وخده، فضل يقلب في شمال ويمين وبعدها فتحه، كان جواه اوراق كتير.. والاهم من الاوراق بطاقات شخصية، لف وشه وحط الصندوق على السحارة بعد ما خد منها الورق والبطاقات، اللي اتعرف منها انها الاصلية “لفضل وضاحي وزكريا وحتى ابوهم”.. بمكان ولادتهم واساسهم، وكانت المفاجأة اللي خلت الظابط وقف للحظات بيقلب في الورق، عشان يتأكد ان اللي بيقراه صح.
قاطعت كلام اخويا وسألته:
ـ اساميهم كانت مختلفة؟
ـ لا لا خالص، اساميهم واحدة.. بس هم غيروا في البطاقات الجديده محل اقامتهم بالمنطقة هنا.
ـ طيب ما كل الناس اللي بتنقل بتعمل كده.
رد عليا وهو بينفي كلامي:
ـ لا دول كمان زوروا محل ميلادهم، عشان بدل ما يبقوا من اهل الصعيد، يتحولوا لاهل المدينة هنا.
عقدت حواجبي بتعجب، بحاول استوعب اللي بيقوله:
ـ هم من الصعيد؟!
ـ ده اللي كان بيقوله الورق الاصلي بتاعهم، وده مالوش الا معنى واحد، انهم جم البلد هربانين من حاجة، ومش اي حاجة ومش من اي حد، دول هربانين من شياطين الانس بعينهم.
قاطعت اخويا بلهفة واحد بيفك لغز، بعد ما الخيوط اتجمعت في ايده:
ـ تقصد عليهم تار؟
رد عليا وهو بياخد نفس عميق:
ـ التار بيتاخد من صاحب التار، اقصد من القا*تل نفسه، لكن مش من عيلة بأكملها، ركز يا “سليم” قبل ما تسأل.
هزيت راسي فكمل كلامه:
ـ برق الظابط وكأنه عتر وسط الورق على حل القضية، وبصراحة كان عنده حق.. كان في ورقة بين الاوراق، مكتوب عليها نمرة تليفون وتحت منها كلمة “الخال”.
كنت لسه هتكلم وسأله، قاطعني بأجابة سريعة مع حركة بكف ايده:
ـ ايوه بالظبط زي ما فهمت، النمرة كانت تخص خال ولاد “عاشور ابو حجر”، بدون تفكير كتير، مسك الظابط تليفونه واتصل بالنمرة اللي كانت في الورقة، اول اتصال ماكنش في رد، الاتصال التاني رد واحد بصوت جهوري بيتكلم بلهجة الصعيد الجواني، برغم انه يبان من صوته كبر السن، بس كانت ردوده شديدة واضحة، بعد ما سأله الظابط عن هويته، رفض الاول انه يقول هو مين، لحد ما سأله الظابط:
ـ انت نسيب “عاشور حجر”؟
سكت الراجل لثواني، وبعدها رد بأحساس واحد اتملكه القلق من السؤال، لدرجة انه كان بيرد وهو بيتهته:
ـ ايوه ، ايوه انا نسيبه، انت تبقى مين؟
رد الظابط بحزم عشان ينهي الحوار، ويجبره انه ييجي لحد عنده:
ـ ولاد اختك عملوا حادثة، البقاء لله وحده، لازم تيجي حالا عشان تعمل تصريح دفن وتستلم جث*ثهم، والا هندفنهم في مقابر الصدقة.
طبعا الظابط قاله الكلام ده عشان زي ماقولتلك يجبره ييجي، برغم انه عارف انهم بيمتلكوا مقابر خاصة بيهم، كان بناها “عاشور ابو حجر” من فترة قريبة، بس استغرب الظابط من سؤال الخال لما قال بحزن:
ـ لا حول ولا قوة الا بالله، طيب هو ايه العنوان لو سمحت؟
التعجب طبعا كان بسبب سؤال مهم، “ازاي خالهم وازاي مايعرفش عنوانهم؟”.. وده اللي قاله الظابط للراجل، اللي رد عليه بتوتر:
ـ ها، لا يا بيه اصل نسيته.
ودي اجابة مش مقنعة بالمرة، بس زي ما بيقولوا مش ده “بيت القصيد” بالنسبة للظابط، الاهم عنده ان الراجل ييجي عشان هو اللي عنده بداية الخيط، وفعلا.. رد عليه الظابط بكل ثبات وهدوء بالعنوان، بعدها قفل المكالمة معاه بعد ما أكد عليه انه لازم يحضر فورا، وقتها كنا لسه في اول اليوم، وعلى قرب المغرب.. سمعت صوت عربية بتضرب فرامل ووقفت قصاد الحارة، تقريبا بسبب اللي حصل جالي “فوبيا” من صوت العربيات، خرجت بسرعة بره عشان اشوف اللي بيحصل، نزل من العربية راجل ستيني، ملامحه جامدة ومش متفسره، لابس جلابية واسعة المعروفه عند اهل الصعيد، ماسك في ايده عكاز اثري نادر لما تلاقيه في ايد حد الايام دي، وملفوف على راسه شال ابيض، وعلى كتافه شال مطرز بنفس لون الجلابية، دخل الحارة وفضل يتلفت حواليه في كل زاوية فيها، لحد ما جت عينه على بيت “ولاد ابو حجر”.. لاحظت انه بدأ جسمه يتهز هزات خفيفة، والملامح الجامدة بدأت تلين وتتبدل بحزن واضح في عيونه، فضل لثواني واقف مكانه وعينه متثبته على البيت، اتمشيت بهدوء وروحت ناحيته، اتنحنحت عشان اخليه ينتبه وقولت بصوت هادي:
ـ حضرتك عاوز حاجة يا حاج؟.. اؤمريني يابلدينا.
لف وشه ناحيتي فلمحت عينه مليانه بالدموع، رفع ايده وبطرف جلابيته مسح عنيه، رجع لحالة الجمود اللي كان عليه، بس ده مامنعش ظهور الحزن في الكلام اللي قاله:
ـ الامر لله وحده يا ابني، انا ابقى نسيب الحج “عاشور حجر”.. خدت عنوان بيته من نقطة الشرطة وجيت اطل عليه، كان نفسي اشوفهم ولو لمرة واحدة، بس مالحقتش اودعهم لا دلوك ولا زمان.
استغربت من كلامه اللي معناه انه ماشوفهمش بقاله سنين، فسألته:
ـ حضرتك بقالك كتير ماشوفتهمش؟
ـ سنين يا ولدي، سنين كتير من وقت ما فروا هربانين من البلد.
كلامه شدني، والحوار خد منحنى تقريبا مشابه لتوقعاتي، وده خلاني اشاور على الكنبة اللي قاعدين عليها انا وانت، واطلب منه ييجي يرتاح شويه عشان افهم منه، وافق على طلبي باستسلام غريب، اتسند على عكازه ومشي ورايا بخطوات واحد رجليه شيلاه بالعافية، لحد ما وصل للكنبة ورما جسمه عليها، استأذنته لدقيقة دخلت البيت وطلبت من مراتي تعمل كوباية شاي، وفي خلال دقايق جابها ابني واديهالي ورجع البيت، قدمتها للراجل اللي عرفني باسمه الحج “فضل”.. اللي اتسمى باسمه ابن اخته الكبير.
قاطعت كلام اخويا:
ـ انت لدلوقتي ماقلتليش هو ولا هم منين؟
سكت اخويا لثواني وقال:
ـ الطلب الوحيد اللي طلبه الحج “فضل” اني ما احكيش اللي قاله لمخلوق، واهو هحكيلك.. والطلب التاني ان ما اجبش سيرة بلدهم مهما حصل، وهتعرف السبب لما احكيلك اللي قاله، ف كفاية عليك تعرف انهم من الصعيد وبس، بعد ما شرب الحج “فضل” من كوباية الشاي، لف وشه ناحية البيت وقال:
ـ الله يسامحك يا ولدي.
بعدها رفع ايده وحطها على مكان في راسه، بان على ملامحه التأثر بذكرى مرت قصاده، نزل دراعه جنبه وقال:
ـ من زمن الزمن، ماكنتش انت اتوجدت في الدنيا، كان النجع اللي اتولدنا فيه له كبير، وكبيره ما اقصدش بيه انه العمدة مثلا، لا.. اقصد كبير النجع بماله وسطوته ومساحة اطيانه، اللي كانت بتحاوط قبلي النجع لحد بحري، معظم الفلاحين اللي ما يمتلكوش ارض، كانوا بيشتغلوا حداه في ارضه، حتى نسيبي وانا كنا شغالين عنده، وبعد جوازه من اختي الله يرحمها، اشتغلنا تحت يده في القصر بتاعه، البيه “حارث” كان بيعاملنا احسن معاملة وبيكرمنا اخر كرم، كان متجوز هانم وست ماتقلش عنه في اخلاقه، خلف منها ولدين زينه الشباب، بس النصيب خلاه يشوف بت من بنات البلد، كانت بتيجي مع ابوها اللي شغال عند البيه، فعجبته وطلب من ابوها يتجوزها، الناس لما عرفت استغربوا.. صحيح البت كانت كيف البدر المنور في ليلة تمامه، بس ابوها شغال اجري عنده، والاهم ان كان فيها عيب مولودة بيه، كانت “خرسه” ما بتتكلمش.
بس زي ما بيقولوا “القلب وما يريد”.. البت عجبته ومافرقش معاه كل الكلام ده، وفعلا ابوها ماصدق والفرحة كانت هطير عقله، وافق على الجوازة اللي تمت في خلال ايام، وعاشت معاه ومع مراته الهانم في مكان واحد، كانت بتعاملها كويس بعكس ما كنا متوقعين، ومرت الايام وخلفت منه تلات بطون، اول خلفتها توأم صبيان بس ماكنوش شبه بعض، والتاني برضه ولد، واخرهم كانت بت ما تقلش عن جمال امها، ده اذا ماكنتش تزيد وتفوقها جمال.. والقدر بيكمل دايرته كل خلفتها ورثوا منها نفس اللي اتولدت بيه “الخرس”، كانوا ينطقوا كلمات بسيطة ومن بعدها يقطعوا النطق خالص، وداهم ابوهم لدكاترة كتير بس النتيجة واحدة، الموضوع وراثة.. سلم امره لله واتربوا عياله وكبروا مع بعض، ما يفرقش بينهم غير اختلاف اسم الام، طلعوا سند لبعض وايد واحدة، واللي كبر معاهم ولاد اختي ” فضل وضاحي وزكريا”، كانوا اصحابهم ومقربين لبعض حتى في الشغل، والوحيد من ولاد اختي اللي كان فاهم لغة الاشارة هو “فضل”، من عشرته بولاد البيه “حارث”.. كان هو دايما اللي بيترجملنا كلامهم واللي بيطلبوه، واتوطدت علاقتهم اكتر بعد موت البيه، كانوا عارفين كل حاجة عن تجارتهم.. التجارة اللي ماكنتش اكتر من ستار بيخبوا وراه شغلهم في تجارة “السلاح”.. وولاد اختي ماكنش فارق معاهم غير الفلوس الكتير اللي بياخدوها من ولاد البيه، اما شغلهم نوعيته ايه ما يخصهمش ولا يهمهم، كان بيورد على القصر اشكال كتير من البشر، الاجنبي والعربي، واللي من الجنوب واللي من الشمال، لحد ما في ليلة كنا سهرانين كالعادة، وده بسبب الضيوف الاجانب اللي كانوا في ضيافة ولاد البيه، وطبعا الضيافة معناه وجود كل انواع المشروبات، خمرة وشيشة عليها حشيش وافيون، لزوم الترحيب لعقد صفقة بيع وشرا سلاح، لمحت “اسماعيل” بيشاور لضاحي ابن اختي، اداه في يده مفاتيح الخزنة عشان يجيب منها فلوس، خد منه المفاتيح وراح يجيب طلب البيه، بس الواد كان ماشي يطوح، عميان من اللي الهباب اللي شاربه، بس راح مارجعش، عدا اكتر من نص ساعة وضاحي ماعودش، فقومت اتسحبت عشان اشوفه، لقيته واقف في نص الاوضة وقصاده حد ممدد ع الارض، بصيت بطرف عيني وركزت كانت “حورية” بت البيه، واصغر اخوات عياله، دخلت بسرعة عشان افهم اللي بيحصل، اول ما شافني “ضاحي” ارتبك ورجع لورا كام خطوة، سألته بخوف:
ـ انت عملت ايه؟
فضل يتهته وماكنش عارف يجمع كلمتين على بعض، الحكاية كانت واضحة وفهمتها من البهدلة والحالة اللي كانت فيها البت، الخمرة كانت مغيبة عقله، شافها حليت في عينه فاعتدى على شرفها، وفي عرفنا ده الخراب بعينه، اما في عرف ولاد البيه خراب وموت، وده اللي افتكره ابن اختي بعد ما فاق ووعي لعملته، عشان ماكتفاش باغت*صابها ده كمان قت، لها، استغل انها مابتنطقش ولا تقدر تصرخ تستنجد، وقتها ماكنتش عارف اتصرف ازاي، كان الحل الوحيد قصادي اروح اشوف ابوه، بس مالحقتش.. يادوب لفيت عشان اخرج بره الاوضة، حسيت بضربة قوية على راسي ضلمت الدنيا قصادي، من بعدها مادرتش بحاجة، لما فوقت لقيت ولاد البيه حواليا، ونار خارجة من عيونهم، اللي بيتكلم منهم سألني اذا كنت اعرف مكان اختي وولادها، استغربت لكلامه.. بس فهمت بعد كده، ان “ضاحي” سرق الفلوس اللي بالخزنة، بعد ما ضربني على راسي، وخد امه وابوه واخواته وهربوا من البلد، هم كانوا عارفين لو قعدوا هيكون مصيرهم ايه، اللي مهما طال الزمن هيصيبهم مهما هربوا، واللي برأني وخلاهم سابوني، الكاميرات اللي كانت ماليه الاوضة وصورت كل اللي حصل، من اغتصاب اختهم وقتلها لحد ضربي والسرقة، فشالوا جواهم الكره لحد ما الوشوش تتقابل، ومن اللي حصل وعرفته من الظابط، اتأكدت انهم عتروا عليهم وخدوا بتارهم.
بعد ما خلص كلامه، سألته:
ـ حكيت للظابط الكلام ده يا حج “فضل”؟
بان على ملامحه الذعر من سؤالي، اتكلم بخوف:
ـ بتقول ايه يا ولدي؟.. ده لا يمكن ابدا، يعني يق*تلوني ومايكونش ليا عندهم ديه، الكلام ده بس انت اللي تعرفه، خليني اقابل وجه كريم على فرشتي، كل اللي قولته للظابط ان ما عرفش حاجة عن شغلهم، واكيد اللي عملوا كده حد بينافسهم في السوق، الله يرحمهم ويغفرلهم، استأذن انا عشان الحق ارجع قبل الفجر.
حاولت اخليه يبات والصبح اشوفله مواصلة، بس رفض خالص، سلم عليا وهو بيودع بنظراته بيت اخته وولادها، اللي اغلبهم راحوا ضحايا ظلم بدون اي ذنب، استأذن ومشي ناحية العربية اللي كانت مستنياه، فضلت متابعة لحد ما العربية طلعت وصوتها اختفى، بس.. ومن الوقت ده اتقفلت قضية “ولاد حجر” بدون متهم مدان، اما احنا ربنا يتولانا، البيت اتسكن بالاشباح اللي مابتنيمناش طول الليل، اللي قدرت عليه امي، تمنع ظهورهم في الحارة بالملح اللي بترشه مراتي، اما جوه البيت، فالصراخ والبكا ما بيسكتش، ده غير الشبابيك اللي بتفتح وتقفل لوحدها، واصوات لخناقة مش عارفين مصدرها فين بالظبط، بس الحياة ماشية ما بتقفش لا على عفريت ولا حتى بني أدمين.
خلص اخويا كلامه اللي طبعا ما كنش يقدر يروح يقول للشرطة اللي عرفه، خوف او قلق من الناس دي، ولازم اعزره حتى لو رافض ده.. عدا كام شهر فترة اجازتي، اتقضت ما بين اهلي وبين الاصوات اللي كنا بنعمل نفسنا مش سامعينها، لحد ما جه يوم سفري ورجوعي للشغل، سلمت على اهلي وودعتهم، واخر حاجة وقعت عليها عيني وقت خروجي من الحارة بيت “ولاد ابو حجر”..
“تمت”..
#حارة_أيوب
#لمياءالكاتب