قصه خدام المقبرة
“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
إحنا فاكرين أن أقسى قدر بيتلخص في المقولة دي “ليس كل ما يتمناه المرء يلقاه” وبيجيلنا إحباط، يمكن حتى دنيتنا كلها تقف لما منحققش حاجة من اللي عايزنها. قد إيه البشر جاهل!
معندناش فكرة أن المصيبة بتبقى أوقات لما نطول اللي بنحلم بيه وبنحقق اللي عايزينه عشان إحنا مش بنبقى عارفين اللي يناسبنا واللي محتاجينه، مش شايفين غير رغباتنا وبس.
أنا منهم، من حزب الأغلبية، اللي عندهم أهداف بيسعوا ليها طول حياتهم من غير تفكير أو استخارة أو توكل على الله. من وأنا صغير حاطط دايمًا أجندة ومش بهدى غير لما أحقق هدف وره هدف وأوصل بالظبط للي عايزه.. كنت عايز أتفوق في دراستي وتفوقت، كنت عايز أدخل طب ودخلت، كنت شايف نفسي دكتور تجميل بيلجأ ليه كل المشاهير والفنانين وبعدين يطلعوا من العيادة على حلقة في برنامج تليفزيوني ينكروا انهم عملوا اي عملية تجميل وبقيت الدكتور ده… الصورة اللي رسمتها ف خيالي عن شكل عيادتي والرقم اللي موجود في الحساب البنكي اتجسدوا وبقوا واقع. وامتدادًا للنجاح والشهرة والفلوس كان لازم أغير مكاني، أروح مكان يليق بالشخص اللي بقيت عليه. أنا مكنتش عايش في مكان وحش، بالعكس، أنا وأهلي من سكان المهندسين القدام، بس خلاص الأماكن دي راحت عليها، الكل دلوقتي متوجه للمدن الجديدة الواسعة، وأنا اخترت أني أنقل التجمع. سبت البيت اللي فيه إخواتي والعمارة اللي فيها كتير من قرايبي وروحت أعيش لوحدي، حجتي كانت موقع العيادة في التجمع، لكن الكل كان فاهم اللي فيها ومتوقعين الخطوة دي من زمان.
حاربت عشان احجز فيلا معينة في منطقة جديدة، مش مأهولة لسه، منطقة فيلل، سكانها يتعدوا على الصوابع وقدامهم مساحات شاسعة فاضية، طلبت من واحد من الزباين بتوعي اللي شغال في جهاز المدينة أنه يحجزلي فيلا في الصف الأول عشان تبقى جنبها فيلا واحدة والباقي فضا وبتقسيط نسبيًا مريح، مع إنها مكنتش مستهلة، مكنش لازم يعني ابقى محنتف كده، كده كده المنطقة فاضية جدًا، هوو، لكن أهو عملت حساب المستقبل لما الشوارع تتزحم.
واتنقلت…..
عمري ما دقت المتعة دي، إني أختار بيتي وكل حاجة فيه، ذوقي أنا بس، اللي يناسبني ويبسطني في العفش والأجهزة وأهم حاجة الهدوء الرهيب والروقان، أنا أصلًا جوه راسي أفكار وزحمة يعني مش محتاج نفس معايا في البيت. أغلب الأيام كنت برجع مهدود من الشغل، يدوبك أكل وأنا بتفرج عالتليفزيون وأنام وأصحى للشقا اليوم التان
ي وف ايام الأجازات القليلة كنت بقعد في الجنينة بتاعة البيت ، معايا قهوتي وكتابي وأفصل عن الوجود كله. بصراحة لقيت سعادة رهيبة في عدم وجود بشر، كل فين وفين كنت بشوف حد معدي في الشارع، تقريبًا مفيش جيران، شوية غُفرا وبس.
الوضع استمر على كده كام شهر، الفرحة بالمكان مش بتطفي أو بتقل …لحد اليوم ده….
اللي حصل مقدرش اوصفه، مفيش حدث معين، كل الحكاية إني فجأة وأنا بمشي في البيت حسيت إني مش مرتاح، نبضات قلبي سريعة وحاسس بخنقة. فسرت الموضوع على إنه ضغط الشغل والتحديات بتاعة كل عملية تجميل عشان عملية واحدة فاشلة كافية أنها تبوظ السمعة وكل اللي بنيته.
مع الأيام الإحساس متغيرش، عدم الارتياح بقى يزيد ولما ركزت لقيت أن في أماكن معينة في البيت بيزيد فيها الإحساس ده عن أماكن تانية، زي أوضة النوم بتاعتي مثلًا، كنت بحس بضيق فيها عن باقي الفيلا ولما بعدي من الركن المواجه للسرير جسمي بيقشعر ومع ده بدأت أشوف أحلام عجيبة….
حلمت برجالة وستات لابسين أزياء مختلفة وبواريك وحاطين كحل، شبه الوصف بتاع الفراعنة جدًا. عددهم كان كبير، وقفوا كلهم قدامي بيراقبوني، بدأوا يتكلموا معايا بلغة غريبة أول مرة أسمعها بس كنت فاهمهم، قالولي إن المكان اللي أنا وهما فيه على أرضه مقبرة جماعية…
بس أنا مشفتش مقابر، كل اللي شفته هو بير كبير مدور أو حاجة شكل البير، الفتحة بتاعته كبيرة أوي وشفت منهم ناس بتدخل الجثث على توابيت مستطيلة بنفس حجم الجثث بطريقة معينة من غير ما يدخلوا بنفسهم جوه البير… وفي نهاية الحلم، المشهد ده اختفى وسمعت صوت تخين بيقول لي بنبرة تهديد:
-المكان ده بتاعنا، أنت دخيل!
قمت مفزوع، كنت حاسس جدًا أن الصوت اللي سمعته مكنش جوه الحلم، كان مجسم وحي..
وبتلقائية بصيت قدامي على الركن إياه اللي متوجه للسرير، أكتر ركن في الفيلا بحس بخوف منه…
ودي كانت البداية….
كنت بحاول أهرب، اتأخر على قد ماقدر ، مش عايز ادخل البيت، مش عايز ابقى لوحدي فيه، الموضوع اتطور من إحساس بالضيق لرعب ملوش تبرير…
وفي يوم لما رجعت، وأنا واقف على عتبة الباب قررت مدخلش، مش قادر أدخل، قلت هقعد في الجنينة معرفش لحد إمتى ، أكيد في مرحلة ما كنت هتضطر أدخل عشان أنام، بس أهو اقنعت نفسي إني هفضل بره لحد ما أهدى وأطرد الوساوس..
قعدت في الجنينة وفتحت الموبايل، قلبت في مواقع وفيديوهات تافهة تسحلني وتنسيني اللي أنا فيه لحد ما حسيت بوجود معايا…الوقت كان المغرب والشمس نورها بيضعف.. سمعت دربكة، بصيت ناحية الصوت لقيت قط. حسيت براحة لما شفته، وصل بيا الحال إني أحس بالأمان في وجود أي كائن حتى لو حيوان ضعيف قليل الحيلة زي ده، أي ونس..
القط وقف مكانه لما لمحته، فضل متسمر مش بيتحرك، وبعد وقت إحساس الراحة اللي عندي اتبدل لأني حسيت أنه بيراقبني، البصة بتاعته كانت عجيبة، كان فيها نوع من الإدراك ويمكن التحدي، ده غير أنه شكله مميز مشفتوش يمكن قبل كده، النقط اللي على جلده شبه النقط اللي بتبقى على الفهود، زي وصف سلالات “الماو” اللي كانت موجودة أيام الفراعنة…
في الآخر ولما لقيته مش هيتحرك، قررت أمشي لحد كرسي بعيد شوية عشان مبقاش في مواجهته…
مديت إيدي وشيلت التراب اللي على الكرسي عشان أقعد عليه، في اللحظة دي سمعت صوت صرخة مكتومة، كأن حد اتخض أو بيتألم أو الاتنين، ومعاه حسيت بوجع في كف إيدي اللي نفض التراب.
أنكرت اللي سمعته، ما هي مش ناقصة رعب، قعدت على الكرسي وكملت تقليب في البوستات والفيديوهات.
الوقت عدى، والدنيا بقت ضلمة رسمي، وبقى قدامي اختيارين، يأما أفضل قاعد في الجنينة مع القط المريب اللي لسه واقف مكانه من ساعتها وكمان لفلي عشان يكمل مراقبته، يأما أدخل البيت واسترجل وأحاول اتجاهل الضيق والخنقة اللي بحس بيهم.
قال إيه اللي رماك على المر قال اللي أمر منه! القط بالنسبة لي ساعتها كان مرعب أكتر من البيت نفسه فقررت أدخل وأمري لله… كنت مخطط هعمل إيه بالظبط، هدخل أخد دش وأنا أصلًا تعبان ودايخ من دلوقتي فجسمي هيهمد أكتر وألاقي نفسي عايز أنام.. ومن الدش على السرير اتلف بالغطا وأنام بعمق ومحسش بحاجة لحد تاني يوم..
وفعلًا ده اللي حصل…
بقيت مستعد للنوم، مش مركز ولا حاسس بحاجة، اترميت على السرير وتقريبًا نمت أول ما غمضت عيني…
لقيت نفسي في مكان حلو أوي، قدامي النيل وأنا واقف على عمود زي مسلة كده، ضوء الشمس كان خفيف، والجو دافي، وقت الشروق..
مية النيل كانت هادية لحد ما فجأة بقى فيه حركة، المية بدأت تتحرك، الحركة مكنتش سريعة، مش موج، مجرد حركة ، خرجت بره حدودها وكملت على البر وفضلت مكملة…
سمعت صوت بيهمسلي:
-الفيضان بيبتدى كده، المية بتخرج عن محيطها المعتاد وبعدين الموج بيعلي وحركتها بتبقى أسرع، والتاريخ هيكرر نفسه، الفيضانات هترجع تاني، جيلكم هيشوفها زي ماحنا شوفناها وعيشناها!
نفس اللغة الغريبة، الصوت اتكلم بيها زي الحلم اللي فات…
شفت الميه بتمشي، بتقرب على المسلة اللي واقف عليها وبتعلى وتعلى، مفيش مكان أهرب ليه، مفيش مفر، الموج جي عليا وهيغرقني، عايز أمشي من هنا، حد يلحقني!
قمت بعدها قبل ما الموجة تضرب المسلة، حمدت ربنا أنه حلم عشان كنت مقتنع وأنا بحلم أنه واقع، مكنتش لسه فايق، عيني مش مفتحة عالآخر. لمحت حاجة في الركن المواجه للسرير، الركن اللي بعدّيه بسرعة وبخاف منه، كان طيف، صورة مشوشة لكيان لافف نفسه بقماش أسود، عينه مبرقة وبيراقبني.. فتحت عيني على الآخر، بس ساعتها اختفى!
معقول؟ اللي شفته يكون زي الخيالات أو الفراش الصغير اللي بنشوفه أول ما نفتح عنينا وبيبقى ليه علاقة بالنظر مش أكتر، بس ده خيال عجيب جدًا!
حطيت كفوفي الاتنين على وشي وبعدين بعدتهم، في اللحظة دي شفت في كفي اليمين جروح، خربشات سايبه خطوط حمرا، الكف ده هو اللي نفضت بيه التراب اللي على الكرسي الليلة اللي فاتت. افتكرت… الصرخة المكتومة.. جالي خاطر عجيب، الوقت امبارح كان ما بين المغرب والعشا، البرزخ ما بين عالمين، ويقال أن الفترة دي هي فترة خروج الشياطين والكائنات الغير محسوسة من جحورها، ويمكن أكون خبطت حاجة أو كيان وأنا بنفض عشان كده كانت الصرخة المكتومة والخضة ورد الفعل ده، الهجوم عليا وخربشة إيدي، لكن…الكائنات اللي موجودة في الفيلا، لو صحت النظرية دي، هي مش عادية، ليها علاقة أكيد بالقطة المريبة الفرعونية وبالأحلام اللي عمال أشوفها، ده أنا وقعتي سودة!
بقيت حاسس أن البيت لعنة بعد ما كنت فرحان بيه، صرفت اللي ورايا واللي قدامي عليه ولسه فيه أقساط عايزه شغل طور في ساقية، هعمل إيه؟ هروح فين أو أتصرف إزاي؟
مش هقدر أبيع ومش هقدر أمشي وكمان مش هروح أعيط لإخواتي وأقولهم إني خايف من البيت والقط اللي فيه. مكنش في غير حل واحد..
كلمت التلاتة وعزمتهم عندي وعاتبتهم كمان إنهم مش بيزوروني ويقعدوا معايا، نبهت عليهم أنهم لازم يروحوا وييجوا ويباتوا، البيت مينفعش يبقى فاضي عليا عشان قال يعني “مفتقدهم” ومش راضي ببعدهم…
هما طبعًا كانوا مستغربين الكلام، من إمتى الحنية والاهتمام ده، لكن تمام جاروني وقرروا يبقوا ييجوا ويباتوا زي ما قلتلهم..
ونفدوا كلامهم.. جم علطول بعدها، أوقات كنا بنتجمع كلنا في البيت وأوقات بيبدلوا، كل يوم لمدة اسبوعين حد فيهم أو أكتر كان بيبات معايا.. وفي خلال الوقت ده الأحلام موقفتش…
حلمت مرة مثلًا بنفس المكان اللي كان في أول حلم، الأرض اللي عليها المقبرة، لكن المرة دي مشفتش المقبرة بس شفت نفس الاشخاص اللي ظهرولي قبل كده، واحد فيهم كان معاه بردية، فردها وورهاني، كان فيها قائمة بأسماء كتير باللغة الهيروغليفية لكن كنت قادر اقراها. اللي ماسك البردية فهمني أن دول أسماء الناس المدفونة في المقبرة أما آخر اسم فكان اسمي أنا!
حلم بشع، ومش فاهم ولا عايز افهمه، ليه اسمي يبقى من ضمن أسماء الأموات اللي في المقبرة؟ لكن وجود إخواتي كان مهون عليا، الرعب كنت بعيشه بس وأنا نايم وبنسى بقى اللي حاسه وانا صاحي… الخنقة اتطورت لشبه يقين بوجود كيان في الركن إياه، كيان لسبب ما بيكرهني ومش عايزني في البيت وبيهددني طول الوقت، لحد ساعتها لا كنت شفته ولا سمعت صوته، لكنه قدر بطريقة ما يوصل لي الرسايل دي.
الحلم ده اللي كنت فاكره مفزع عشان إسمي كان في قائمة الأموات لا يقارن باللي بعده،
شفت مجموعة من الناس لابسين لبس موحد، قماش كتان ابيض ناصع، كانوا في مكان مقفول بيتحركوا بصناديق كبيرة، بينقلوها من مكان لمكان. في الآخر واحد منهم لف ناحيتي وفتحلي الصندوق، شفت جواه راس حيوان شبه الكلب، كلب بري مثلًا، ده اللي كنت متخيله لحد ما الشخص ده بدأ يتكلم معايا، قال لي أن دي راس “إبن آوي” حيوان بيسكن في الصحاري وأنهم كهنة بيخدموا ويقدسوا “أنوبيس” رمز إبن آوى عشان يحمي المقابر بتاعة الناس من السرقة والتدنيس… وفي الآخر قال لي أني غلطت غلطة كبيرة وإني سكنت في محيط بيت ميت، بسببي اتكدر سلامه وراحته قلت، وإن خدامه هينتقموا مني وأن قريب مش بس هبقى ساكن في بيت مش بتاعي، لأ ده القبر هيتدنس ووقتها الرد هيبقى أعنف…
………………….
دوام الحال من المحال بس مكنتش أتوقع أن الوضع يتغير بسرعة أوي كده، بعد الإسبوعين إخواتي قالوا أنهم عايزين يرجعوا بيتهم وأنهم مش بيرتاحوا للآخر غير فيه بس ووعدوني إنهم هييجوا من وقت للتاني. وأنا هعمل إيه بقى في الفترات دي؟! إزاي هبقى لوحدي؟؟
في اليوم الأخير من الأسبوعين رجعت من الشغل لقيت أختي بس اللي مستنياني، مرضتش تمشي غير لما تشوفني وتسلم عليا.. استغربت ذوقها الزايد عن اللزوم، كانت واقفة على عتبة الباب بتستقبلني.. مفهمتش إيه الداعي تستنى على العتبة لما ممكن تستناني جوه البيت..
مستنتش كتير عشان أفهم، لقيتها بتقول لي إني ندهت عليها من بره البيت عشان كده طلعتلي، لكن في الحقيقة ده محصلش! مندهتلهاش، مكنش أنا….
وشي جاب ألوان وسكت، مبررتلهاش ولا شرحت ولا رضيت أفهمها الحقيقة…
قبل ما تمشي قالتلي أنهم مش متعودين على البيت، وأن أي حد مش بيرتاح غير في بيته وأوضته وسريره لكن في سبب تاني خلاهم يستعجلوا في المشي، التلاتة اتخنقوا من المكان، روحه مش خفيفة وكان بيجيلهم كوابيس كل ليلة.
كانت بتقول لي ده وهي بتضحك، على أساس أنهم خوافين وساذجين، مش واخدين على الأماكن الفاضية والمناطق الرايقة الحلوة، معندهاش فكرة أن كل أحاسيسهم كان ليها أسباب حقيقية مفزعة.
كنت زي العيل اللي بيخاف من الضلمة والوحوش اللي جوه الدولاب وتحت السرير، كل دقيقة في الليلة الأولى لوحدي كانت بتعدي كأنها ساعات، كل شوية ببص على الساعة، عمال أعلي في التليفزيون وأفتح مواقع من الموبايل في نفس الوقت، جه في بالي مليون حد ممكن أكلمه وأشوفه فين ونتقابل، بس كنت وصلت لمرحلة من الرعب خلتني مشلول عن الحركة خايف حتى أتحرك من مكاني..
مبقتش عارف إيه أرحم، أفضل صاحي وبتلفت حوالين نفسي ولا أستسلم للنوم وأشوف الكوابيس اللي بقيت مقتنع أنها مش مجرد كوابيس…. في الآخر استسلمت، مقدرتش أقاوم النوم، سبت النور والأجهزة مفتوحة…
شفت قدامي على بعد أمتار بحر أو نهر أو بحيرة، بعدها بلحظات عرفت أنها بحيرة ناصر، بس كان في واحد واقف على الشط مباشرة، شايف ضهره، قربت ووقفت جنبه وساعتها عرفت هو مين، ده كان “إكرام” إبن عمي اللي عايش في أمريكا!
مكنش حاسس بوجودي، كان متجمد في مكانه، نظره متثبت في الفراغ قدامه، عينه مفيهاش حياة.. “إكرام” بدأ يحرك رجله، يمشي خطوات بسيطة، لكن يمشي فين؟ هيروح فين؟ قدامه الميه، إيه اللي في دماغه؟
مشي كام خطوة بس قبل ما الميه تضطرب وتتحرك جامد، في حاجة جواها، حركة عنيفة، الحاجة اللي جواها خرجت من الميه وبقت واضحة، تماسيح، تماسيح كتير وراها تماسيح ووره التماسيح تماسيح، البحيرة جفت منها الميه وبقت كلها تماسيح!
زحفوا ناحية “إكرام”، فتحوا فكهم وجروه من جسمه….
-ده عشان التدنيس!
شفايف واضحة من غير وش، الشفافيف دي هي اللي همست جنب ودني وأنا بتفرج على المنظر البشع.
قمت من النوم وأنا بصرخ… التليفزيون كان مطفي وشاشة الموبايل مطفية برغم إني لا طفيت التليفزيون ولا قفلت اليوتيوب على الموبايل قبل ما أنام..
وسعت مني دي! الحلم ده، برغم إني مكنتش روحت ولا شفت بحيرة ناصر لكن أثبتلي أن ممكن كل اللي بمر بيه وهم وحالة نفسية عشان موضوع “إكرام” ، إيه اللي جاب إكرام مصر أساسًا وإيه اللي هيوديه بحيرة ناصر وإيه علاقته بالفيلا اللي أنا فيها؟ لكن الأجهزة، أنا متأكد أني كنت مشغلها والصوت اللي ندا على أختي قبل ما أظهر مباشرة؟ وأحاسيسهم السلبية بالمكان؟
………………….
الحياة لازم تستمر، وأنا بالذات مينفعش أتهوس وأنشغل بالغموض بتاع البيت، وأنا رايح الشغل لازم أفصل، أشيل كل ما يتعلق بالبيت من دماغي ، أقفل عليه في صندوق وأدفنه وأبقى أرجعله بقى لما أرجع للبيت، أي رعشة في صوابعي أو سرحان ممكن توديني ورا الشمس…
شغلت موسيقى “أنطونيو فيفالدي” كالعادة وأنا في أوضة العمليات، مسكت المشرط وبدأت أرسم لوحتي الفنية على جسم الزبونة الممدة على السرير..
دخلت في المود المعتاد كأني طاير في السما، ذهني صافي، وفاصل عن الواقع بكل بشاعاته وضغوطه لحد ما كذه ممرض وممرضة دخلوا عليا، كانوا لابسين أبيض، اليونيفورم العادي، لكن رد فعلي مكنش عادي..
اتسمرت مكاني، سرحت فيهم، ماسك المشرط في إيدي ومش قادر أحركه أو أحرك جسمي، “كهنة أنوبيس”! بعدتهم وصناديقهم في الأوضة المقفولة، حسيت المشهد بيتكرر واالكلام والتفاصيل اللي كانت في الحلم مش قادرة تفارقني..
الحمد لله أن الحالة مستمرتش غير دقيقة تقريبًا، بعدها قدرت أخرج نفسي من المود ده وأكمل اللي كنت بعمله…
أول ما خرجت من أوضة العمليات وفتحت الموبايل لقيت رقم غريب بيتصل. رديت…
المتصل كان حد مكلمنيش ومسمعتش أخبار عنه من كتير “إكرام”…
“إكرام” عايش في أمريكا بقاله 10 سنين، كان بييجي مرة في السنة يقعد شهر ويرجع تاني لكن المرة دي منزلش بقاله فترة عشان الكورورنا والحظر والتهديدات من شغله هناك. أنا أقرب حد ليه في مصر، أقرب صاحب، لكن الدنيا بتسحلنا كتير عن بعض، وكل واحد بيتلهي في شغله وحياته..
لقيته بيبلغني أنه نازل مصر تاني يوم وعايزني أروح اجيبه من المطار وبعديها هيقعد معايا في البيت الشهرين اللي هيقعدهم في مصر.
كانت فرحة رهيبة مش عشان “إكرام” واحشني زي ما افتكر، لأ عشان مش هبقى لوحدي لمدة شهرين كاملين، وعبال ما المدة دي تفوت أكيد مخاوفي هتتبخر وهنسى الجو المشحون الغامض في الفيلا، هكون اتعالجت تمامًا من الوساوس.
مفتكرتش غير وأنا بستقبله في المطار وشايفه ماشي في اتجاهي الحلم! إزاي كده؟ إزاي أحلم بإكرام اللي مكنتش بفكر فيه تمامًا ولا بكلمه ولا عندي أخبار عنه وبعديها بيوم يكلمني وخلال يومين يبقى ف مصر وكمان يقرر يقعد معايا في نفس الفيلا، بقيت قلقان يكون في رابط ما، رابط غامض ما بين كلمة “التدنيس” اللي اتكررت في كذه حلم ووجوده معايا في نفس المكان اللي الأحلام والحاجات التانية حصلت فيه ، خصوصًا إني لما شوفته في الحلم الأخير، في حد وشوشوني وقال لي “ده عشان التدنيس”!
“الجزء الثاني والأخير”
شفايف واضحة من غير وش، الشفافيف دي هي اللي همست جنب ودني وأنا بتفرج على المنظر البشع.
قمت من النوم وأنا بصرخ… التليفزيون كان مطفي وشاشة الموبايل مطفية برغم إني لا طفيت التليفزيون ولا قفلت اليوتيوب على الموبايل قبل ما أنام..
وسعت مني دي! الحلم ده، برغم إني مكنتش روحت ولا شفت بحيرة ناصر لكن أثبتلي أن ممكن كل اللي بمر بيه وهم وحالة نفسية عشان موضوع “إكرام” ، إيه اللي جاب إكرام مصر أساسًا وإيه اللي هيوديه بحيرة ناصر وإيه علاقته بالفيلا اللي أنا فيها؟ لكن الأجهزة، أنا متأكد أني كنت مشغلها والصوت اللي ندا على أختي قبل ما أظهر مباشرة؟ وأحاسيسهم السلبية بالمكان؟
………………….
الحياة لازم تستمر، وأنا بالذات مينفعش أتهوس وأنشغل بالغموض بتاع البيت، وأنا رايح الشغل لازم أفصل، أشيل كل ما يتعلق بالبيت من دماغي ، أقفل عليه في صندوق وأدفنه وأبقى أرجعله بقى لما أرجع للبيت، أي رعشة في صوابعي أو سرحان ممكن توديني ورا الشمس…
شغلت موسيقى “أنطونيو فيفالدي” كالعادة وأنا في أوضة العمليات، مسكت المشرط وبدأت أرسم لوحتي الفنية على جسم الزبونة الممدة على السرير..
دخلت في المود المعتاد كأني طاير في السما، ذهني صافي، وفاصل عن الواقع بكل بشاعاته وضغوطه لحد ما كذه ممرض وممرضة دخلوا عليا، كانوا لابسين أبيض، اليونيفورم العادي، لكن رد فعلي مكنش عادي..
اتسمرت مكاني، سرحت فيهم، ماسك المشرط في إيدي ومش قادر أحركه أو أحرك جسمي، “كهنة أنوبيس”! بعدتهم وصناديقهم في الأوضة المقفولة، حسيت المشهد بيتكرر واالكلام والتفاصيل اللي كانت في الحلم مش قادرة تفارقني..
الحمد لله أن الحالة مستمرتش غير دقيقة تقريبًا، بعدها قدرت أخرج نفسي من المود ده وأكمل اللي كنت بعمله…
أول ما خرجت من أوضة العمليات وفتحت الموبايل لقيت رقم غريب بيتصل. رديت…
قصه خدام المقبرة
المتصل كان حد مكلمنيش ومسمعتش أخبار عنه من كتير “إكرام”…
“إكرام” عايش في أمريكا بقاله 10 سنين، كان بييجي مرة في السنة يقعد شهر ويرجع تاني لكن المرة دي منزلش بقاله فترة عشان الكورورنا والحظر والتهديدات من شغله هناك. أنا أقرب حد ليه في مصر، أقرب صاحب، لكن الدنيا بتسحلنا كتير عن بعض، وكل واحد بيتلهي في شغله وحياته..
لقيته بيبلغني أنه نازل مصر تاني يوم وعايزني أروح اجيبه من المطار وبعديها هيقعد معايا في البيت الشهرين اللي هيقعدهم في مصر.
كانت فرحة رهيبة مش عشان “إكرام” واحشني زي ما افتكر، لأ عشان مش هبقى لوحدي لمدة شهرين كاملين، وعبال ما المدة دي تفوت أكيد مخاوفي هتتبخر وهنسى الجو المشحون الغامض في الفيلا، هكون اتعالجت تمامًا من الوساوس.
مفتكرتش غير وأنا بستقبله في المطار وشايفه ماشي في اتجاهي الحلم! إزاي كده؟ إزاي أحلم بإكرام اللي مكنتش بفكر فيه تمامًا ولا بكلمه ولا عندي أخبار عنه وبعديها بيوم يكلمني وخلال يومين يبقى ف مصر وكمان يقرر يقعد معايا في نفس الفيلا، بقيت قلقان يكون في رابط ما، رابط غامض ما بين كلمة “التدنيس” اللي اتكررت في كذه حلم ووجوده معايا في نفس المكان اللي الأحلام والحاجات التانية حصلت فيه ، خصوصًا إني لما شوفته في الحلم الأخير، في حد وشوشوني وقال لي “ده عشان التدنيس”!
قصه خدام المقبرة
لكن أنانيتي طغت على أي حاجة تانية، قررت مقولوش أي حاجة حصلت في الفيلا ولا إني حلمت بيه، أصلًا كنت هقول له إيه؟ فين الرابط المنطقي ما بينه وبين المقبرة الخفية وقائمة الأموات والبير وكهنة “أنوبيس”؟
واللي خلاني متأكد أن موقفي صح هو إن “إكرام” من وقت ما جه البيت محسش بحاجة، بالعكس كان مبسوط جدًا وقال لي كمان أنه بدأ يحس بالندم من قرار الهجرة لأمريكا وأنه بقى يقدر مصر أكتر وبيقكر يعمل shift تاني وينقل عيشته هنا وأظن اللي غذى الفكرة دي هو الفيلا والمنطقة اللي عايش فيها، ده كان ناقص يقول لي هاخد الفيلا اللي جنبك.
………………….
-إيه يا “محيي” في حاجة؟
فتحت عيني ف ذعر. ده كان “إكرام” دخل عليا الأوضة وفتح النور ووقف على طرف السرير.
بعفوية بصيت في الموبايل، الساعة كانت 4 ونص الفجر! سألته:
=مش فاهم يا “إكرام”.
-كنت بتندهلي ليه؟
قبل ما اتسرع وأقوله ندهته إمتى قررت أسمع اللي عنده عشان الفار بيلعب ف عبي وحاسس بأن المواضيع إياها ليها علاقة.
قال لي:
-كنت بصلي الفجر في أوضتي لقيتك بتندهني، واقف بره الباب.. خلصت السنة وقبل ما أصلي الفرض طلعت أشوفك، لقيتك ماشي في اتجاه المطبخ، مشيت وراك واقعدت أكلمك بس مكنتش بترد، ادتني ضهرك وسندت على الكاونتر، قررت أصلي الفرض وبعدين اشوفك تاني.
عيني زاغت، مكنتش قادر أبصله، أنا غلطان، الظواهر مختفتش ومكنتش هتختفي بسهولة، ده غير أني بقيت حاسس إننا داخلين على مرحلة جديدة.
سألني وهو بيضحك:
-هو مش أنت اللي ندهتني ولا إيه؟ ولا كنت بتمشي وأنت نايم؟
قصه خدام المقبرة
لقيتني بقول له:
=لأ إزاي… أنا طبعًا اللي ندهتك، كنت لسه صاحي وجه ف بالي أشوفك لو عايز تاكل حاجة، وبعدين روحت للمطبخ ولما جيت اتكلمت معايا مكنتش عارف أرد، لسه مش فايق، وكنت ناوي أستناك لما تخرج تاني من الأوضة لكن اكتشفت إني عايز أنام أوي ومش قادر أاكل أو أعمل لك أكل، رجعت نمت تاني، تعبي غلب على الجوع..
مينفعش يعرف! لو عرف هيمشي ويسيبني، مكنش لازم يعرف أن اللي جاله على عتبة الباب وندهله ومشي للمطبخ مكنش أنا ولا أي حاجة تانية بتحصل في البيت. رعبي على نفسي خلاني محذروش….
وعشان أخفف عن نفسي الإحساس بالذنب، قررت إني هركز ، من هنا ورايح هشغل قرآن باستمرار في البيت ، بالذات سورة البقرة، أكيد الأشباح والحراس والحاجات اللي مش فاهمها أثرها هيخف ومضطرش أعرف أكتر من كده، زي تاريخ المكان والأسباب اللي خلت الأحداث الأخيرة تحصل.
………………
مكنتش لسه شغلت قرآن، فتحت أوضتي وأنا مستعجل عشان أروح المستشفى.. جسمي اتحرك بسرعة وعنف لدرجة إني كنت هقع على السلالم، في حاجة زقتني! أنا كان ممكن أقع ويحصل لي حاجة، كان ممكن أموت!
وده اللي فكرني أني لازم أفتح التليفزيون في الصالة على قناة القرآن، دي بقت ضرورة، ومفيش مانع أحاول أنتظم في الصلاة، يمكن اللعنة دي تخف عني لكن في كل حال من الأحوال مش همشي من البيت ومش هقول ل”إكرام”، مش هقول له!
الكام يوم اللي بعد كده الدنيا اتحسنت فعلًا، مبقتش أحلم بكوابيس غير كل فين وفين، ولا بقيت أحس ولا أشوف الكيان اللي في أوضتي ولا حد بينده بصوتي ولا قرين ليا بيظهر، تقريبًا كده المشكلة اتحلت ومبقاش فيه أشباح.
“إكرام” كان من النوع اللي دايمًا دماغه شغالة وبيحاول يصلح كل حاجة حواليه أو يحسنها.. قال لي أن البلاط في الجراج عندي مش متثبت كويس وأنه يعرف صنايعية شاطرين هيخلعوا البلاط ويركبوه كويس من تاني…
أنا كالعادة رفضت وقعدت أتريق عليه، قلتله يسيب البلاط ف حاله، لكن أصر أني أنزل معاه عشان يوريني ومع إصراره وافقت…
نزلنا الجراج.. مشي لحد بلاطة معينة وقعد يدبدب عليها برجليه. فعلًا طلعت متلخلخة. كنت بضحك أنا وهو لحد ما هبت رياح قوية فجأة ومصدرها كان جهة معينة في الجراج نفسه!
قصه خدام المقبرة
“إكرام” بطل ضحك، ملامحه اتجمدت ، عينه اتثبتت في الفراغ قدامه، نفس منظره اللي شفته في الحلم قبل ما التماسيح تهاجمه…
=إكرام، إكرام أنت كويس؟ إكرام؟
مردش ، جسمه كله اترعش وراسه وقعت كأنه فقد الوعي.. فضلت أنده عليه. قربت بعديها ومديت إيدي بالعافية على كتفه..
=يا “إكرام” رد عليا.
راسه اترفعت ، بصل لي كأنه تايه أو فاقد الذاكرة وقال:
-كويس…كويس.
مكانش كويس، أبدًا مكانش كويس، أنا متأكد، وعارف إلى حد ما اللي حصل، معنديش علم بالتفاصيل ولا عايز أعرفها، بس عارف أنه اتأذى أو بمعنى أدق الأذية ابتدت….
البلاطة اللي وقف عليها، الدبدبة اللي عملها برجليه، “إكرام” داس على منطقة المفروض مكنش يقربلها ودلوقتي الحراس أو الحاجة اللي بتحمي المقبرة اللي تحت الفيلا هينتقموا منه، أيوه ساعتها جمعت كل الخيوط وبدأت إستوعب، الأحلام والحاجات اللي شفتها والكلام اللي اتقال لي، في هنا مقبرة فرعونية وده يفسر الفراعنة اللي بشوفهم والفيضان والكهنة. الخدام من الجن دورهم يحرسوا المقبرة وأي حركة ممكن تترجم على إنها طمع في فتحها ونبش الآثار اللي جواها، ده غير إني أصلًأ سكنت فوقيها وزاحمتهم وبقيت تهديد..
دخلت مع “إكرام” أوضته وقعدت جنبه لحد ما أنام، هو مكنش مدرك أصلًا اللي حصل له ولا فاهم حاجة ومستغربني، وأنا قلتله عشان أبرر تصرفاتي أني شايف وشه شاحب وشكله تعبان، وأقنعته أنه لازم يرتاح..
قفلت على نفسي أوضتي بعدها، قعدت على الكرسي ومليون فكرة هاجمتني، هعمل إيه؟ “إكرام” هيحصل له إيه؟ أستمر على تشغيل القرآن؟ والموضوع هيعدي كده؟ التعدي على المقبرة هيعدي؟
قصه خدام المقبرة
فتحت المذكرة بتاعتي، اللي بكتب فيها تفاصيل عن العمليات والزباين، كان لازم أفصل، أشغل نفسي بأي حاجة.. قلبت في الصفح لحد ما وقفت عند صفحة معينة، الصفحة مكنش مكتوب فيها ملاحظات دي كانت قائمة فيها أسماء، الأسماء كانت غريبة كلها، مش بتاعة الزمن بتاعنا، دي أسماء فرعونية مكتوبة بالعربي! وآخر إسم كان إسم “إكرام”!
القائمة اللي شفتها في الحلم كان فيها اسمي أنا لكن اللي حصل… إسمي اتبدل باسم إكرام، إكرام هيحصل له إيه؟؟
حسيت ببرد فجأة. لما ركزت أدركت أن البرد كان موجود من وقت، أنا بس اللي كنت مسحول في القائمة اللي اختفت ورجعت صفحة عادية.. قمت أشوف مصدر الهوا، سمعت أزيز الباب الجانبي اللي بيوصل للجراج. الباب كان مفتوح على أخره.. نزلت السلم على مرة واحدة…
الدنيا كانت عتمة، “إكرام” واقف كأنه تمثال، مادد دراعه في إتجاه معين…
جريت عليه.. قلتله بنبرة مهزوزة:
=إكرام تعالى معايا.
-أنت فاهم غلط!
=إيه اللي فاهمه غلط؟
-هنا مش مقبرة جماعية، البير اللي شفته، دي مقبرة ف مكان تاني، هما بس بيوروك، أنت اتخطيت حدودك ودخلت في المحيط بتاعهم وبقيت متصل بيهم، عشان كده بيوروك، لكن هنا مش المقبرة دي، هنا مقبرة تانية.
=أنهي مقبرة؟
-مقبرة الملك اللي الموت هيلف بعبايته كل اللي ينتهك حرمته.
=طب…طب تعالى معايا يا حبيبي، محدش هينتهك حرمة قبر ولا حد طمعان في حاجة..
لفلي، عينه كانت حمرة، مفيش بياض فيها وقال لي بصوت شبه فحيح الأفاعي:
-متأخر، الإنتهاك حصل!
ساعتلها جاتلي الشجاعة وشديته بالعافية وطلعت بيه. فضلت مراقبه لحد ما نام وبعدين نمت جنبه. أنا استاهل! لازم أبقى موجود حواليه طول الوقت عشان استاهل، حتى لو هتأذي وهتبهدل، أنا اللي عملت فيه كده، أنا اللي كان المفروض أكون مكانه. “إكرامي” مش إبن عمي ده أخويا، أنا بديت نفسي وسبت أخويا يتأذي من غير ما أحذره أو أسيبه يختار يفضل معايا في البيت أو يمشي ويهرب. قررت أني هبقى زي ضله لحد ما الموجة تعدي ويبقى كويس.
صحي كالعادة وقت الفجر. هزني ولما صحيت سألني باستغراب عن سبب وجودي معاه في الأوضة ونومي جنبه. مكنش فاكر أي حاجة من اليوم اللي فات…
قصه خدام المقبرة
قلت إني قلقت بسبب كابوس شفته. وبنفس طريقته المعتادة طردني من الأوضة وهو بيضحك وقال لي إن شاء الله العفاريت كلها تركبك.. مكنش مدرك خطورة اللي بيقوله ولا واقعيته، لكن مش مهم، المهم أنه بقى كويس، واليوم المرعب خلص وراح لحاله..
رجعت أوضتي، بس فضلت قلقان مش جايلي نوم. بعد وقت سمعت صوت خبط منتظم. فتحت الباب ومشيت وره المصدر، الخبط كان جي من أوضة “إكرام”.. فتحت باب أوضته بأطراف صوابعي للآخر، فضلت واقف على العتبة، مش عايز أدخل غير لما أشوف..
وشفت…
“إكرام” كان في وضع السجود وراسه كانت عمالة تخبط عالأرض….
في كيان مش باين، ماسك راسه وبيخبطها عالأرض..رعبي شلني، كنت خايف أقرب يحصل لي حاجة، “إكرام” غايب عن الوعي وأنا لوحدي مع الكيان في الأوضة. في لحظات ممكن يقتلني، زي ما بيقتل “إكرام” كده…
مقدرتش أقف وأشوفه بيموت وأنا متكتف، ربنا ألهمني بتصرف معين… مديت إيدي على موضع راسه على الأرض بهدوء في اللحظة اللي راسه مرفوعة فيها بحيث أن راسه بدل ما تخبط في الأرض تخبط في كفي. ولما ده حصل، لما راسه بقت في كفي رفعتها براحة وأنا بقرا آية الكرسي.
“إكرام” نام بعمق لكذه ساعة ولما صحي مكنش بيضحك ويهزر كعادته. قال لي أنه حاسس أن في حاجة غلط، أنه عيان أوي وأنه شاف كوابيس بشعة..
قصه خدام المقبرة
في اللحظة دي انهرت، حكيتله على كل حاجة من أول ما سكنت في الفيلا لحد اللحظة دي، فضلت أقول في اعتذارات ووعدته إني مش ههدى غير لما يبقى كويس وأن حياتي كلها هتقف، لا هروح شغلي ولا هروح مصالح. أنا هو فرد فعله عذبني أكتر، “إكرام” قال لي أنه مش هسيبني ولا هيسيب البيت غير لما الجن اللي فيه يتصرف وأبقى مرتاح فيه. بعد كل اللي عملته فيه مهاجمنيش ولا اتهمني إني أذيته بالعكس، ده برغم اللي فيه كان عايز يساعدني.
………………
وفعلًا منزلتش الشغل لا يومها ولا الأيام اللي بعد كده، أخدت إجازة مفتوحة. بقيت أراقب “إكرام” طول الوقت.
كنا قاعدين في الصالة بنتفرج على التليفزيون بقالنا فترة. “إكرام” لف لي فجأة وقال:
-أوضة الكراكيب..
=مالها أوضة الكراكيب؟
-عايزين نشوف فيها إيه!
=إشمعنى، هي مفيهاش حاجة، إسم على مسمى، فيها كراكيب.
-أصلي حلمت بيها، حلمت إني كنت فيها، عندي فضول أشوفها..
قلقت طبعًا من اللي قاله، لو فعلًا حلم بيها يبقى المفروض نبعد عنها مش ندخل جواها، لكنه أصر وأنا مكنتش هسيبه يروح أي مكان لوحده غير الحمام طبعًا وساعتها بستناه على الباب لحد ما يخرج.
مشيت أنا وهو لحد أوضة الكراكيب، الأوضة ضيقة جدًا مكانها جنب السلم اللي بيطلع للأوض.
كنت قدامه، دخلت قبليه واستنيته يدخل، لكن اتفاجئت أنه قفل ورايا الباب وف لحظات وقبل ما استوعب جر طربيزة وحطها وراه..
الطربيزة كانت تقيلة جدًا والباب بيتفتح لبره. حاولت أفتح وأزق الباب لكن معرفتش، اتحبست في العتمة والمساحة الضيقة دي من غير مصدر هوا!
ساعتها بس أدركت، ده مكنش “إكرام” اللي كلمني، كان الجن اللي جوه جسمي، خدعني عشان أتحبس هنا و”إكرام” يبقى لوحده….
رفعت إيدي الاتنين وبقيت أرزع في الباب وأصرخ، نديت على “إكرام” يمكن يفوق وييجي يفتحلي لكن مستجبش..
وزي ما بطريقة ما عرفت المفروض أعمل إيه لما راسه كانت بتخبط عالأرض، في حاجة همستلي بإني أقول بسم الله الرحمن الرحيم وأخبط الباب بجسمي كله.. وده اللي عملته، مرة واتنين وفي المرة التالتة الباب اتفتح فتحة صغيرة وبقيت أزقه ومن وراه الطربيزة لحد ما اتفتح أكتر وعرفت أخرج…
قصه خدام المقبرة
نزلت الجراج ملقتوش، طلعت البيت تاني، فتشت في كل أوضة ، ملوش أثر، سمعت دوشة من الجنينة، طلعت وأنا بجري، لقيته مرمي على ضهره عالأرض. قعدت جنبه وبهدوء حركت جسمه، لما لف شفت وشه… عينه كانت منفوخة وفي كدمات في باقي وشه وإيده وكل حته ف جسمه، اتضرب بشكل بشع ولو اتأخرت شوية كان أكيد هيروح فيها.
مبدهاش! حتى لو “إكرام” مشيمن البيت مظنش أنه هيسلم لأن الجن بقى جوه جسمه وهيفضل معاه، مبقاش ينفع نرتجل، لازم نلجأ لحد…
كلمت قريب ليا كان بيحكيلي عن راجل مبروك، أنا عن نفسي مكنتش مقتنع بده، مكنتش مقتنع بإيمان قريبي الأعمى بالشيخ لدرجة أنه كان بيستشيره في كل أموره وبيروحله بالعربية لحد قنا، عشان يقعد معاه ويتبارك بيه لكن الوضع اللي أنا فيه يستدعي إني أحاول في كل الاتجاهات، كنت عامل زي الغرقان اللي بيتعلق بقشة…
“إكرام” رفض تمامًا الفكرة في الأول وأصر أننا مينفعش نلجأ لحد، المفروض نلجأ لله وبس، نصلي وندعي ونقول أذكار لكن أنا اقنعته أن حالته مينفعش نستنى عليها…
قريبي جه مع الراجل اللي بيقول عليه شيخ وقعدنا إحنا الأربعة قدام بعض.. لاحظت حاجة على الشيخ من ساعة ما دخل، كان بيتلفت حواليه وأوقات بيركز في بقع معينة كأنه شايف حاجة، بس مكنش باين عليه خايف بالعكسفي لقطة شفت ف عينه لمعة وتحمس مش فاهمهم.
قصه خدام المقبرة
قبل ما أكلم أنا أو “إكرام” اتفاجئت بيه بيقول:
-أنت مش محتاج تحكي، البيت ده مبني على مقبرة فرعونية!
أنا خفت منه زي ما بخاف من البيت بالظبط! أنا أصلًا مقولتش لقريبي موضوع المقبرة الفرعونية حكيت بس على اللي حصل ل”إكرام” وأن كذه حد سمع صوتي وشافني من غير ما أبقى موجود..
بعدها الشيخ ثبت نظره على “إكرام” وإبتسم بلؤم.. فضل ساكت شوية وبعيد قال له:
-كل وقت وليه أدانه، كل زمن وليه ناسه، كل أرض وليها مُلاكها! والأرض زي الزمن بتدور وملوك إمبارح هما أموات اليوم وأحياء النهارده هما الملوك…
“إكرام” وشه إحمر، في أصوات خرجت منه كأنها حشرجة، كفوفه الاتنين اتكورت وقال بصوت تخين:
-ملوك إمبارح هما ملوك النهارده وحرامية إمبارح صابهم نفس اللي هيصيب حرامية النهارده، هيبقوا عبرة للي تعبر بس فكرة التعدي والتدنيس في بالهم!
العفش بدأ يتحرك وفي ريح هبت.. حاولت أقنع الشيخ يبطل لحد كده ونكمل وقت تاني لكن هو تجاهلني وكمل…
قصه خدام المقبرة
-هتفضل خادم لحد إمتى، الدنيا مش دايمة حتى ليكوا، إمتى هتعيش لنفسك؟
-هدفي هو حماية ملكي.
-وأنا قادر أحررك من العهد.
“إكرام” سكت أو بمعنى أصح الجن اللي جواه سكت كأنه بيفكر ورد:
-عايز إيه في المقابل؟
-عايز السر، المفتاح، عايزين نفتح المقبرة!
هنا بقى مقدرتش، قمت وأنا هايج وزعقت في الشيخ، قلتله إننا عايزين نعالج “إكرام” وبس، وبالعكس لا أنا ولا “إكرام” عايزين نفتح المقبرة ولا كنوزها…
الشيخ بص لي بتحدي.. أدركت ساعتها إني كان عندي حق أخاف منه، الراجل ده أخطر مما كنا نتخيل وليه قدرات حقيقية بس أكيد مش في الخير، هو عرف موضوع المقبرة من ساعة ما دخل وكان بيشوف حاجات إحنا مش شايفنها عشان كده عينه لمعت.. والموضوع خرج بره “إكرام” والجن اللي لبسه، الشيخ ولا أولى أقول عليه ساحر طمع في المقبرة ومكنش هيهدى غير لما فعلًا يفتحها.
حاول يقنعني لما زعقت فيه أنه تراجع عن الفكرة بدل إحنا معندناش رغبة ف ده وأنه هيركز على علاج “إكرام” وصرف الجن من جسمه ومن البيت..
تاني يوم جابلنا زي حجاب قماش في شكل سلسلة لكل واحد فينا وقال إننا لازم نلبسهم طول الوقت تحت الهدوم ومنقلعمش لمدة شهر لما سألته عن اللي جوه الحجاب قال إنها آيات قرآنية وفيها الشفا..
قصه خدام المقبرة
من وقتها وأنا حاسس بتحول وبقول تحول عشان الحاجات المعتادة مبقتش تحصل لكن مكنتش حاسس أن الموضوع خلص، لسه مش مرتاح، يعني مثلًا مبقتش أشوف كوابيس كتير بس بقيت بصحى على حركة على السرير وألاقي الفرش بيتحرك حركة خفيفة عند رجلي.. والكوابيس كلها اتبدلت بكابوس واحد بيتكرر ، واحدة ست لابسه عبايه وطرحة سودة بشوفها من ضهرها بتطلع على سلم مبهدل ، درجاته مكسرة وكل ما تطلع سلمة السلمة اللي عديتها تتكسر وتقع في الفضا وتختفي وميبقاش في أرض وعلى آخر سلمة تلف لي وتبصل لي وهي بتضحك، بشوف أخيرًا وشها، فيه تجاعيد كتيرة أويكأن وشها متحجر وسنانها أغلبها مكسر واللي متبقي منها لونه إسود وعينها مفيهاش بؤبؤ، مجرد بياض وفي الآخر تقول لي بنبرة بشعة:
-السلالم بتتكسر والأرض بتتكشف!
التحول في أجواء البيت بقى بالنسبة لي مرعب أكتر من اللي كان بيحصل في الأول لأن المرة دي مش فاهم حاجة وحاسس أن في حاجة مش تمام بتحصل..
……………
اضطريت أرجع لشغلي وأنتظم يأما هيتقطع عيشي مهما كان ليا وزن وبيعتمدوا عليا… وفي سوم وأنا نازل الجراج لقيت حته من الأرض محفورة! الحفرة كانت عميقة أوي، وكان في حاجة بتلمع في آخرها.. مديت راسي وفضلت مبرق فيها، لحد ما حاجة زقتني ووقعت جوه الحفرة، في لحظة ظهرت خنافس كتيرة جوه الحفرة، اتجمعوا حواليا وبدأوا يمشوا على جسمي… صرخت بصوت عالي، كنت حاسس إني هموت، لو مش الخنافس يبقى من الخضة..
قصه خدام المقبرة
“إكرام” جري عليا وهو كمان صرخ لما شاف المنظر، مد دراعي وشدني من وسط الخنافس وأنا وهو جرينا على فوق وقفلنا ورانا الباب…
حكيتله على موضوع الحفرة وأنا وهو وصلنا لنفس الاستنتاج ، الساحر اللي لجأنا ليه أخدنا على قد عقلنا وقرر يفتح المقبرة، البيت بقى هدف ليه وأصر يطلع حتت الآثار ومفيش حاجة ولا حتى إحنا كنا هنوقفه..
“إكرام” قلع السلسة القماش وقال لي أقلع بتاعتي… مرر صباعه بعدها على الحجابين عشان يحاول يشوف اللي مكتوب جواهم من القماش الشفاف اللي مغلفهم… لقينا حروف غريبة شبه نقش الفراج، مكنتش آيات! دي طلاسم، لغة للتواصل مع الجن الحارس، وعشان كده ابتدا الحفر، المقبرة كانت بدأت تتفتح…
والست اللي حلمت بيها قالتلي فعلًا “السلالم بتتكسر والأرض بتتكشف!”
اتفقنا أنا هو نتخلص من السلاسل، قلنا نحرقها وبعدين فضلنا نرميها وخلاص عشان متحصلش كارثة وكمان اتفقنا إننا حتى لو هنتأذي بسبب ده فأحسن لنا ما نموت مشركين، نخسر دنيتنا بس منخسرش أخرتنا، خصوصًا إننا عرفنا اللي فيها وإننا بنتواصل مع الجن وبنستعين بيه…
قصه خدام المقبرة
وعملنا كده….
اللي حصل إننا أول ما رمينا السلاسل، كل حاجة، كل حاجة إختفت، الحفرة في الجراج اترممت واتردمت ولا كإنها كانت موجودة، الكوابيس إختفت، الجن اللي كان على “إكرام” إتصرف، وأنا وهو حلمنا بسور قصيرة من القرآن بترتيب معين وبقينا نقولها بنفس الترتيب وأنا حلمت بكائن شكله قبيح ومخيف واقف جوه قفص بقضبان وبيستغيث ومش قادر يخرج…
الساحر محاولش بعدها يتواصل معانا والبيت بقى مريح جدًا حتى لما “إكرام” سافر وسابني وإخواتي بقوا ييجوا ويطولوا في القعدة ويقولوا إنهم بيناموا بعمق في أوضتي بالذات…
قصه خدام المقبرة
كأن اللي حصل ده كله كان بالونة إختبار والحمد لله وبرغم إني اتأخرت لكن أظن إني نجحت، أنا مش كامل، بالعكس أنا شخص أناني وإنتهازي وكداب كمان، كان بيوصل بيا الحال إني أقنع زباين عارف إن عندهم مشاكل نفسية وقلة ثقة إنهم محتاجين يغيروا ف أشكالهم، بغذي إدمانهم عشان أكسب من وراهم، لكن التجربة أثبتت لي إني أقدر أحارب شيطاني وأتغلب عليه، أقدر اتغير….
بعد الحوادث دي بسنين روحت إسكندرية مع مجموعة وكان معانا مرشد، دخلنا كوم الشقافة، وقفت مشلول مكاني لما شفته… البير الكبير اللي طلع مقبرة جماعية والمرشد شرحلنا أن الجثث كانت بتتحط على توابيت مستطيلة وبيقدروا يدخلوها بطريقة منا عن طريق قنوات نفس اللي كنت شفته وإتشرحلي في الحلم مع الحاجات الكتير التانية اللي عرفتها في المرحلة إياها والحمد لله إن الباب ده اتقفل وإلا معرفش كنت هشوف إيه كمان…
قصه خدام المقبرة
“تمت”
قصه خدام المقبرة
#ياسمين_رحمي
قصه خدام المقبرة