قصص

قصه قمر شاحب (كامله)

“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
“+21”
لقيت نفسي كده، من وقت ما وعيت على الدنيا، هي دي أحوالي، هو ده بيتي وده شارعي ودي ظروفي ودي تركيبتي…
أنا نتاج كل العناصر اللي قلتها مع بعض، كل تفصيلة فيا اتنحتت من كل حدث صغير حصل في حياتي، حتى موهبتي اللي للأسف مقدرتش أستخدمها غير في الهاكنج أو القرصنة أو الاختراق…
أنا كنت مدركة إني من أشطر الهاكنج، يمكن على مستوى العالم كله، ودي معجزة، أولًا لإني بنت مش راجل، والتخصصات دي عادة بتاعة الرجالة، ثانيًا عشان الإمكانيات المتاحة ليا بسيطة جدًا، وثالثًا عشان أنا من إمبابة، إمبابة يا دولة…
لك أن تتخيل إن واحدة من أزحم وأبسط الأماكن في الدنيا يكون مستخبي فيها حد زيي، بعقلية تقدر تخترق أي موقع وأي أبليكيشن مهما كان معقد ومتطور…
أنا مش قصدي أتباهي، بالعكس أنا مجرد بقول الحقيقة المجردة ولا شايفة إن موهبتي دي هتوديني في حته ولا هتمسكني منصب ولا وظيفة محترمة، لكن للأمانة هي ودتني في داهية…
أنا مش من الهاكرز الأشرار، اه إحنا فينا الهاكرز الطيب والهاكرز الشرير، مش بدافع عن المهنة، هي كلها غلط ف غلط، لكن في اللي زيي، مش بيأذي حد، لا أخترق حسابات شخصية ولا أبوظ أكونت بلينكات فيك، ولا أتعدى على خصوصيات حد، ولما كان بيتطلب مني حاجة زي دي كنت برفض مهما اتعرض عليا فلوس…
أمال أنا كنت بعمل إيه…
كنت بخترق مواقع شركات او ناس معاها فلوس كويسة وابعتلهم رسالة أوضحلهم فيها إني صديقة وإن مش قصدي الأذى وإن غرضي هو الكشف عن الثغرات في الحسابات أو المواقع وبما إني قدرت أخترق يبقى غيري هيقدر، وغيري ممكن يبقى شرير ويأذي صاحب الأمر وأطلب مقابل مادي لخدماتي وهو إني أخلي التطبيق أو الحساب أو الموقع منيع من الاختراق ، في اللي بيستجيبوا وفي اللي مش بيستجيب، وأنا مش بعمل رد فعل، زي ما قلت أنا مليش في الأذية، بنسحب بهدوء وبكرر عرضي على ناس تانيين…
ومن وقت للتاني كنت بعمل كده نشاط جانبي، حاجة لتسليتي أنا، مجرد تسلية، وهو إني بخترق لعب على الكمبيوتر أو أبلكيشينز وأقعد أعدي في ليفل ورا ليفل من غير ما التزم بقوانين اللعبة، وده في حالات اللعب الصعبة أو المراحل الصعبة من لعبة معينة، وفي يوم من الأيام الفاضية جتلي مكالمة من زميل، واحد كده زي حالاتي، ملقاش شغل فجرب حظه في السكة التانية، وأهي جت معاه، كان موهوب وذكي، “سعد” قال لي إن جاله سي دي عليه لعبة مملة جدًا وملهاش معنى وتافهة كمان لكن الغريب إن اللعبة المملة دي بتقف في مرحلة معينة ومحدش مهما كان شاطر سواء في اللعب أو الهاكينج بيقدر يعديها…
رديت عليه ساعتها:
=إيه الجو القديم ده، سي دي وننزل من عليه لعبة، إحنا رجعنا للتسعينات ولا إيه؟
-أنا برضه قلت كده، حتى إنتي يا “آسيا” مش هتقدري عليها، مش هتقدري تعديها، عشان كده بتنسحبي بكرامتك..
كان قاصد يستفذني عشان ألعبها، وأنا كنت مدركة التكنيك بتاعه، الخدعة اللي كان بيعملها، ومع ذلك فعلًا اُستفزيت، قلتله أني هلعبها وهعدي كل المراحل وأقفلها، قبلت التحدي…
مش أنا بس و”سعد” اللي قررنا نلعبها، ده كان في خمسة هاكرز غيرنا، اتفقنا كلنا نبدأ مع بعض في يوم وميعاد معين، وكمان نكون في مكالمة جماعية ومشغلين مكبر الصوت…
حسيت إني رجعت عيلة، صغرت 15 سنة، بقى اسيب الشركات الكبيرة اللي بخترق مواقعها واشغل نفسي بلعبة بدائية بتنزل من على سي دي؟
يالا شوية متعة ضوروية برضه وسط شقاء الحياة والتوتر اللي بنشوفه كل يوم…
الساعة وصلت 12 نص الليل، جدتي كانت نامت من أكتر من ساعة وخلصت كل اللي ورايا، واتفرغت بقى، أما نشوف إيه قصة اللعبة دي…
المكالمة بدأت، سبت الموبايل جنبي وفتحت مكبر الصوت…
تقريبًا كلنا دخلنا السي دي في أجهزتنا في نفس الوقت وبدأنا في تنزيل اللعبة…
اللعبة أخدت وقت طويل عشان تنزل على الأجهزة، أكتر من ربع ساعة، هي باينة من أولها، ملل بس!
وأخيرًا نزلت…
الأيقونة بتاعة اللعبة شبه اللعب العبيطة البدائية اللي هي فئات الإكس أوه والسلم والتعبان والحاجات دي…
كانت عبارة عن رسمة متكروتة كده لراجل لابس برنيطة على دماغه طويلة وبيضة وبالطو أبيض، شكله يوحي بإنه طباخ ووراه دايرة لونها غريب، أبيض مصفر باهت كإنه قمر لكن باهت، درجته مزعجة، تحس كده إن اللي رسم الأيقونة طفل مكملش ال5 سنين…
احنا ال7 ضغطنا زرار “بدء اللعبة” مع بعض…
الشاشة قلبت سودة تمامًا، للحظة شكينا إن اللعبة معلقة لكن رجعت نورت، اللي ظهر حيطان على اليمين والشمال لونها رمادي وفي الخلفية ستاير حمرة وكان في راجل واحد بس حاطط إيديه الاتنين ورا ضهره، كل ده كان زي ما يكون رسمة بدائية بتتحرك شبه الرسوم المتحركة بتاعة زمان من بداية اختراع الكارتون، نفس الإيد اللي رسمت الأيقونة اللي كنت متأكدة إن صاحبها طفل صغير من الجودة اللي رايحة في داهية..
الراجل فضل يبربش بعينه حبه وبعدين بدأ يحرك شفايفه…
قال:
-وريني تذكرتك…
بعدها ظهرت في جنب الشاشة لوحة عليها أرقام، من 1 ل6592، ودي المفروض المقاعد…
أول حاجة لفتت انتباهي الرقم الغريب ده، 6592 مقعد! كل دي مقاعد؟!
واشمعنى الرقم ده بالذات؟ ماشي تمام، اخترت اخر رقم 6592، وكل واحد فيهم اختار رقم مختلف..
الستارة اتفتحت والراجل لف واداني ضهره ومشي في ممر طويل، طويل، طوييل، فضل على ده الحال ييجي دقيقة كاملة، وهنا كان أول سقوط…
اتنين قرروا ينسحبوا، مستحملوش جرعة الملل الزيادة دي، مقدرش أعاتبهم، فعلًا اللي بنعمله ده كان عته، اللعبة مملة بشكل بشع وأخرها في الغالب زي أولها، وبكده بقينا 5 اللي صامدين وقررنا نشوف أخرتها إيه…
الراجل وقف، وبان المكان، كان صالة سينما، والراجل هو الموظف اللي بياخد التذاكر وبيمشي مع الناس لكراسيهم، وقف عند كرسي معين، آخر كرسي في آخر صف، اللي هو بتاعي، وكان في عدد مهول من الكراسي، أظن لو كنت عدتهم كانوا هيطلعوا 6592 كرسي بالظبط!
ظهرت شاشة في مقدمة الكراسي، دي بقى المفروض كانت شاشة السينما…
اللي ظهر عليها كان غير متوقع على الإطلاق…
مكنتش رسومات مهلهلة زي باقي اللعبة، ولا كرتون، كان تشويش، صور كتير كتير، الصورة منهم مش بتقعد لحظات بعدين تتشال وتيجي الصورة اللي بعديها، حاجة تجيب صداع وزغللة، وفي الآخر اللي يبان إنه تشويش وبس، لكن أنا وفي لحظات قليلة ركزت وشفت صور حقيقية لأحداث واقعية، مشهد اغتيال الرئيس الأمريكي كنيدي في عربيته سنة 1963، مشاهد من الحرب العالمية الأولى والتانية واختراق برج التجارة العالمي، أجسام مرمية على الأرض وعلى السرير في أماكن ودول مختلفة، ده باين من ملامحهم ولبسهم، ناس متكتفين، مربوطين وفي بوقهم حبال بيصرخوا من غير صوت…
دي الصور اللي قدرت أرصدها من ضمن صور كتير أوي ملحقتش أستوعبها، ومن هنا اللعبة شدت انتباهي…
كنت عمالة اسمع الباقي بيسبوا ويسخطوا على الهبل اللي بيحصل ولاحظت إن محدش فيهم ركز في الصور…
بعد ما عرض الصور أو الفيلم انتهى المستوى الأول خلص، ده اللي اتكتب على الشاشة، احنا الخمسة قررنا نوقف على كده، عملنا حفظ للعبة عشان اليوم اللي بعده نكمل وندخل على المستوى التاني.
اتفقنا على المعاد اللي هنلعب فيه، بعد ما اليوم يخلص، 12 بليل زي الليلة الأولى…
كنت متحمسة جدًا بعكس الباقي، استغربت نفسي، اللعبة فعلًا مملة وملهاش معنى، لكن أهو كان بالنسبة لي فصل عن الواقع، تأثير التجربة زي المخدرات اللي بتخلي الواحد يعيش عالم تاني، يهاجر ويتخلى عن مسؤولياته ومرار حياته، الفرق إن دي مش مميتة، ده اللي كنت فاكراه…
وفتحنا الأجهزة مع بعض….
أما نشوف المستوى التاني…
لكن اللي شوفناه هو بداية اللعبة، المستوى الأولاني، تاني!
ملقناش أيقونة حفظ اللعبة ولقيناها بشكل تلقائي بتبدأ من الأول…
الشاشة قلبت سودة، حيطان يمين وشمال لونها رمادي وفي الخلفية ستاير حمرة ونفس الراجل البلط التنح بإيديه الاتنين ورا ضهره…
-وريني تذكرتك…
وفي جنب الشاشة ظهرت لوحة عليها أرقام من 1 ل 6597، أرقام المقاعد…
هختار أنهي كرسي؟
ثواني كده، ثواني…
الأرقام…اختلفت!
اليوم اللي قبله المقاعد كانت 6592، أنا متأكدة!
وأنا اخترت الكرسي الأخير، اللعبة…بتتغير، إزاي، مش المفروض إن احنا نقلناها عن طريق سي دي ومثبتينها على الأجهزة، مش بنلعبها أون لاين عشان تتغير، إزاي وليه؟
ما علينا، هي كانت حاجة غريبة، بس موقفتش عندها كتير، “رائف” صرخ:
-إيه الهبل ده، لأ أكيد أنا مش هضيع وقت أكتر من كده على اللعبة العبيطة دي، هنرجع نلعب من الأول تاني؟
“سعد” رد عليه:
-أمال احنا بنعمل إيه؟ إيه شغلانتنا يا نبيه؟؟ أكيد لأ، مش هنلعب من الأول، هنخترق ونشوف للعبة دخلة ونعدي المستوى ده واللي بعده كمان لو عايزين…
-لا، لأ! لا يا جماعة الموضوع مش مستحق، العمر مش مستاهل يضيع منه وقت على الهطل ده، أنا منسحب، لا اختراق ولا غيره، شكرًا…
وبكده بقينا أربعة، كنت عارفة إنها مسألة وقت عبال ما التانيين كمان ينسحبوا وأنا في الغالب هبقى معاهم…
وعملنا اللي “سعد” قاله بالظبط، قدرنا نتخطى المستوى الأول والتاني ودخلنا على التالت…
في المستوى التالت مكنش في موظف السينما ولا كان في صالة وستاير، كان في طباخ ببالطو أبيض وبرنيطة طويلة بيضة، واقف قدام حلة على بوتاجاز ومعاه معلقة خشب…
قال:
-ممكن تساعدني في الطبخ؟ أنت هتبقى المساعد بتاعي، المقادير اللي هتظهر على الشاشة هتكتبها على لوحة المفاتيح…
مهمة بسيطة لحد التفاهة، حصة إملاء دي؟؟
ما علينا، خلينا وراه…
ظهرت 3 مقادير على الشاشة: طماطم- زيت- بيض
كتبنا الكلمات، ظهرلنا كلام مع صوت الراجل: “مبروك! عديت المستوى التالت”
نعم؟ هو ده المستوى التالت، دي لعبة صعبة أوي.
اللي بعده…
في المستوى الرابع ظهرت 4 مقادير على الشاشة، كتبناها وبعدها “مبروك! عديت المستوى الرابع”
-أنا فهمت! دي لعبة للأطفال عشان يتعلموا الكتابة وكده.
ده اللي قاله “صديق”، هو كلامه كان منطقي بس “سعد” لما اديلنا السديهات قال إن اللعبة بتوصل لمرحلة ومحدش بيعرف يعديها، تبقى إزاي بقى لعبة أطفال؟ ولا “سعد” اتلخبط واتضحك عليه؟
متأكدة إنه في المرحلة دي كان بيشك في نفسه وجاله نفس الخاطر…
اللي غبر فكرنا هو المستوى الخامس…
بعد ما كانت المقادير عبارة عن 3 أو 4 كلمات في المستويات اللي قبل كده، لقينا الشاشة اتملت مقادير، حاجة بتاعة 25 كلمة ومطلوب مننا نكتبها في دقيقة واحدة.
هو تحدي مش صعب أوي بالنسبة لنا لكن بالنسبة لطفل صعب، ده غير النطة في مستوى الصعوبة من 4 كلمات فجأة ل25؟؟
مش منطقي خالص…
كتبنا بسرعة ال25 كلمة واتقلنا للمستوى السادس، مكنش في مكان فاضي على الشاشة! اتزحمت كلمات، كانت أكتر من 70 كلمة، بقينا نحرك صوابعنا بسرعة وبننهج…قدرنا نتخطى المستوى السادس وفي السابع الشاشة برضه اتملت كلمات، كتبناها كلها، لكن المفاجأة بقى إن ظهرت كلمات مختلفة مكانهم ومكنش فاضل غير ثواني والدقيقة تخلص (اللي هو التوقيت اللي المفروض نكتب فيه الكلمات) وكلنا فشلنا، محدش فينا الأربعة لحق يكتب المقادير في المرة دي، وهنا اللعبة اتغيرت…
بدل الموسيقى الهادية في الخلفية، بقى في أصوات مزعجة ومريبة، صوت خربشة على صبورة مع صوت تزييق لباب ورياح مع….صريخ…
وملامح الطباخ اتبدلت، مبقتش نفس الملامح الوديعة، حواجبه بقت تمانية، الخطوط في جبهته كترت، عينه احمرت وشفايفه طلعت لقدام، كان…غضبان…
شكله…يخوف…
وفي اللحظة دي النور قطع…
النور قطع عندنا احنا الأربعة!
أنا كنت شغالة على لاب توب عشان كده مفصلش، لكن “سعد” كان شغال على كمبيوتر عادي بيتوصل بالكهربا ففصل…
“صديق” قال:
-إيه اللي بيحصل؟
رديت:
=معرفش الكهربا مقطوعة في مصر كلها ولا إيه؟
“فريد” قال:
-واضح كده…
ده المنطقي، ده اللي كلنا كنا بنردده، بس من جوانا كنا مهزوزين، حاسين إني في حاجة مريبة، ليه الكهربا قطعت وقتها بالذات؟ لما خسرنا في المستوى السابع؟
“سعد” قال:
-طب يا جماعة أنا بقول نقف لحد كده ونكمل بكره…
كلنا في نفس واحد وافقنا، محدش اتردد، وده بيأكد إننا اتهزينا وللحظة خفنا…
مكنش في سبب واضح للخوف ده، يمكن تأثيرات اللعبة مع قطع النور أثروا فينا…
صحيت على 10 كالعادة عشان أجيب الفطار ليا ولجدتي، مينفعش اتأخر عن المواعيد دي، دي بتاخد أدوية لازملها تغذية…
لبست أي حاجة وفتحت الباب وكنت هتحرك لولا إن حاجة وقفتني…
عيني جت عالأرض قدام باب الشقة، لقيت ظرف!
الظرف كان مكتوب عليه حاجة:
-هتحتاجيهم…
فتحته ولقيت جواه فلوس، الف ونص…
أول حاجة جت في بالي إن الظرف ده جالي بالغلط، كان مقصود بيه حد تاني، لكن برضه إحساس تاني عميق كان بيقول إنه ممكن يكون ليا أنا، وممكن، لا، مستحيل! ممكن يكون ليه علاقة باللعبة؟
إزاي يعني، يعني إيه ليه علاقة باللعبة…مش ممكن، مش ممكن…
كنت مترددة، أخد الظرف ولا مخدوش، الفلوس دي ممكن متكونش حقي، حد تاني يكون محتاجها، في الآخر رجعت الفلوس جوه الظرف وروحت أوضتي وحطيته في درج الكوميدينو، قلت مش همد إيدي عليهم ويجوز ألاقي اللي بيخبط عليا من الجيران ويسألني إذا كان وصل لي ظرف بالغلط…
اليوم ده مكنتش بنفس التحمس بتاع الأيام اللي فاتت، مش عايزه الوقت يعدي، لكن مكنش ينفع أتراجع في المرحلة دي، كرامتي متسمحليش، عشان أنسحب من اللعبة لازم أكون الأخيرة أو كلنا نقرر منكملش مع بعض، هقول إيه؟ خايفة من لعبة عتيقة نزلناها من على سي دي؟
جت 12 بالليل، فتحنا اللعبة وزي ما توقعت، اللعبة ابتدت من الأول…
المقاعد كانوا “6614”!
المرة دي زادوا 17 كرسي، عيب عليا في المرحلة دي أكون مش فاهمة إزاي ده بيحصل، اللعبة دي عليها فيروس من خلاله أجهزتنا بقت مخترقة!
سبت الملاحظة دي لنفسي ومرضتش أتكلم، دي كانت أنانية مني، بعترف، لكن كان عندي فضول أوصل لآخر اللعبة، برغم خوفي، عايزه أكمل ومكملش في نفس الوقت…
طبعًا دخلنا في الإعدادات ولعبنا فيها وعدينا ال7 مراحل ودخلنا على التامنة.
وفي المرحلة دي ملقيناش رسومات..
كان مشهد، الحلة اللي على النار مبقتش كرتون، كان تصوير لحلة حقيقية على بوتاجاز حقيقي، الكاميرا فضلت تقرب على الحلة وتقرب لحد ما قربت تدخل جواها، ساعتها قدرنا نشوف المحتويات، ميه حمرة، جواها…قلب!
سألت:
-هو إيه ده؟
رد عليا “سعد”:
-مش واضح؟ قلب، تلاقيه قلب حيوان، خروف مثلًا أو جاموسة أو غزالة، أي حاجة.
سبت الماوس ورجعت بضهري على الكرسي، عيني كانت مفتوحة على الآخر، اللعبة دي بجد مريبة…
بعد المشهد ده كل أجهزتنا قفلت واتعمل لها ريستارت مع نفسها!
صديق صرخ:
-لاااااأ، العمر مش بعزقة، مش هقضي وقت تاني في الهبل ده، وأكيد إنتوا كمان بقيتوا متأكدين زيي إن اللعبة دي مش سهلة، وراها حاجة مش تمام، أنا منسحب، همسحها من على جهازي عشان أنقذه..
أما إحنا التلاتة فسكتنا، أنا و”سعد” و”فريد”…
وبسبب السكوت ده وداني لقطت حاجة، حركة من بعيد، خطوات…
الخطوات كانت بتقرب، الصوت بيعلى شوية بشوية، الخطوات دي كانت متوجهة لأوضتي…
بقت قريبة أوي….
اتنترت من مكاني، جريت على الباب، دورت المفتاح…
شفت الأكرة بتتحرك بالبطيء، حركة خفيفة، بعدين رجعت لوضعها…
كان في حد هنا، قدام أوضتي، سمعني وأنا بقفل بالمفتاح، الشخص ده كان بيحاول يقتحم الأوضة!
-إيه يا شباب هنكمل ولا إيه؟
فريد سأل، قلت بصوت مضطرب:
=معرفش، مش النهارده، نشوف بكره، بكره…
دي…كانت…جدتي، لازم، لازم تكون جدتي، ما هو مفيش غيري أنا وهي في الشقة…
كدابة، أنا عارفة إني كدابة، بحاول أقنع نفسي بكده، جدتي بتمشي بعصايا، ده كان واحد واقف على رجله عادي، واحد بصحته، خطواته نشيطة…
متجرأتش أخرج من أوضتي باقي الليلة وطبعًا مقدرتش أنام، نبضات قلبي سريعة وعيني متعلقة عالباب طول الوقت.
لما الصبح جه اتجرأت وفتحت الباب، روحت لأوضة جدتي، كانت بتتحرك على السرير، يدوبك لسه بتفوق…
قعدت جنبها، حاولت أبان متماسكة، رسمت ابتسامة خفيفة على شفايف بتترعش وقلت:
=صباح الخير
-صباح الفل يا حبيبتي.
=إيه يا جميل إيه اللي قلقك بليل، دخلتي الحمام ولا مكنش جايلك نوم؟
-لا ده ولا ده، نمت زي الطوبة طول الليل، أنا حتى متقلبتش.
حلو أوي كده، رسميًا كان في حد غريب في البيت، حرامي، وكان مستهدف أوضتي بالذات ولما سمع حركتي وحركة المفتاح رجع في كلامه…
برضه، برضه بحاول أريح نفسي!
ما هو في الوضع اللي فيه، برضه سيناريو الحرامي أرحم من اللي مش عايز أواجه نفسي بيه، إن اللعبة ليها علاقة…
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
فتحت موبايلي على صفحة الفيسبوك في مرحلة ما من اليوم، أول ما فتحته ظهر قدامي بوست عن “قمر السرجاني”، “قمر” كانت بلوجر ولا انفلونسر، معرفش يتسموا إيه دول، كانت عندها صفحة على انستجرام وبتعمل فيديوهات ميكب في الأول، البنت كانت جميلة، جميلة جدًا، ملفتة، شقرا، شعرها دهبي وعيونها عسلي فاتح وبيضة بشكل صحي، بياض بحمار، من غير نقطة ميكاب كانت فتنة، اسم على مسمى “قمر”، لكن مشكلة “قمر” إنها كانت طماعة، مكنتش مكتفية بالعدد الرهيب للمتابعين، وحاسه إنها مش عاملة جذب كفاية، شوية شوية لبسها بقى ملفت أكتر، وبقت تعمل ايحاءات مش تمام، بحركاتها وكلامها ونبرة صوتها، وبعدين لقيناها بتنزل فيديوهات على التيك توك والانستجرام وهي بترقص ببدلات رقص كاشفة، أهو أي أي حاجة تشد الانتباه وتجيبلها شهرة، وبعدها بفترة “قمر” اختفت…
فص ملح وداب، محدش عرف طريقها، اختفت بطريقة مريبة، دخلت أوضتها تنام ولما جه الصبح وغابت أهلها فتحوا عليها الباب وملاقوهاش، أكدوا للشرطة إنها متحركتش من البيت، محسوش بيها بتخرج من أوضتها بليل، الشرطة قلبت الدنيا عليها، مفيش، ولا ليها أثر…
ياه، إيه اللي خلى بوست لقمر يظهر قدامي، قضيتها كان بقالها أكتر من سنة، غريبة!
…………………….
رجعت تاني للي أنا فيه، الليل بدأ يزحف، والمعاد بيقرب،لا، مانا مش عبيطة، أكيد مش هكمل اللعبة، يمكن لما أتراجع في المرحلة دي المعاكسات هتبطل، ده اللي كنت بقوله لنفسي، وبرغم كده…
لما جه المعاد لقيتني بكلم الاتنين مكالمة جماعية “سعد” و”فريد”، أهو ده بقى داء الهاكرز، فضولهم ورغبتهم يكشفوا المستور…
=هاه هتكملوا؟
الاتنين ردوا بالإيجاب حفظًا لماء الوجه بس عشان ميتقالش عليهم جُبنا…
اللعبة فتحت عند المستوى اللي وقفنا عنده الليلة اللي فاتت!
اشمعنى اتعمل حفظ في اليوم ده، ليه اللعبة استجابت المرة دي دونًا عن باقي المرات؟
المستوى التاسع…
اتكتب على الشاشة بحروف لونها أحمر كبيرة:
-مبروك عليك الوصول للمرحلة دي، إحنا بقينا أقرب من أي وقت فات..
اللي ظهر بعدها هو صورة للكورة الأرضية من بره، بعدين الصورة قربت والكاميرا دخلت جوه الكوكب ومنه على قارة أفريقيا ومنها على مصر ومنها على مبنى ورا مبنى ورا مبنى وبعدين ظهرت 3 صور جنب بعض، صور…لينا احنا التلاتة، صور لينا في وقتها، مش صور، بث حي، من أوضنا وبنتصور وإحنا قاعدين على الأجهزة من ضهرنا، الكاميرات..موجودة في أوضنا وبتراقبنا وبتسجل!
-أنتوا…شايفين اللي شايفه؟
“سعد” سأل بصوت مهزوز…
ردينا بالإيجاب، ايوه شايفين…
“فريد” قال:
-مين المرضى دول؟ هيعملوا فينا إيه؟ إيه اللعبة دي؟….لأ، لأ، أنا همسحها حالًا…
قلت وأنا بحاول أطمنه مع أني كنت مرعوبة:
=متقلقش يا فريد إحنا كمان هنمسحها وهننساها، إن شاء الله مش هيحصل حاجة، إحنا لسه مغوطناش…
-مغوطناش؟! دول معانا في أوضنا، وصلوا لأوضنا.
=هنبطل نلعبها، هنمسحها، أكيد هيسيبونا، أكيد.
احنا مكناش أصلًا عارفين بنتكلم عن مين، مين صاحب اللعبة غريبة الأطوار، مين اللي بيلعب بينا واحنا اللي فاكرين نفسنا بنلعب؟ وعايز يوصل لإيه؟
قفلت اللعبة ومسحتها فورًا، خرجت من أوضتي وقررت اقعد مع جدتي، فضلت لازقة جنبها زي ضلها بقية اليوم…
كانت مستغرباني، حاسه إن فيا حاجة مش مظبوطة، في لقطة شدتني من دراعاتي وخدتني في حضنها وسألتني:
-مال قلبك بيدق كده ليه؟
رديت وأنا بنهج:
=الشغل، مشاكل الشغل.
المغرب دخل، مديت إيدي ومسكت الموبايل وفتحت الفايسبوك، وأول بوست ظهرلي عن “قمر السرجاني”، تاني قمر؟
لكن البوست ده كان مختلف عن اللي فات، البوست اللي قبله كان بيتكلم عن تفاصيل الليلة اللي اختفت فيها قمر وظروف الاختفاء المريب، البوست ده بتاع قمر نفسها، فيديو كانت نزلته قبل ما تختفي بشهر…
الفيديو عنوانه : “الطباخ اللي بيراقبني!”
فتحته طبعًا…
“قمر” قالت وهي بتضحك:
-دلوقتي أنا عندي مشكلة، في واحد بيراقبني، كل لما أروح حته ألاقيه، أنا متعودة على كده من المعجبين، كل شوية يظهرلي معجب يلاحقني، سواء بالرسايل ولا المكالمات أو حتى ظهوره شخصيًا، لكن ده مختلف…تعالوا أحكيلكم من أول لقاء لينا…كنت في السوبر ماركت اللي متعودة أروحله، في طرقة من الطرق بنقي منتجات من على الأرفف، منتج منهم وقع على الأرض، لقيت اللي بيوطي جنبي وبيجبهولي، لسه هشكره الكلام اتحشر في زوري وده عشان منظره اللي مش معتاد، كان راجل لابس بالطو ابيض بزراير مقفولة، عنده، آسفة في الكلمة، كرش عظيم ولابس برنيطة طويلة، شكله من الآخر طباخ، أنا عارف اللي جه في بالكم، أكيد واحد من العاملين اللي بيبقوا في قسم اللحوم، ده برضه اللي فكرت فيه في الأول، اللي بس استغربته وقتها إنه ساب القسم بتاعه وبيتمشى بالبيونيفورم في القسم ده، مش مشهد معتاد، لكن إيه رأيكم بقى إني شفته تاني في نفس اليوم بليل على طرابيزة قدامي في مطعم مشهور من المطاعم المفضلة عندي، وكان لابس نفس اللبس! المرة دي ابتسملي ابتسامة مريبة…
ضحكت بتوتر وبعدين كملت:
-الوضع كله عجيب يا جماعة، مبدئيًا هو إزاي ماشي كده وبيدخل سوبر ماركت ومطاعم بزي الطباخ الغريب ومش بيشيل حتى البرنيطة الطويلة، إيه الستايل ده؟ بصراحة أول معجب يترصدني ويبقى غريب الأطوار كده، وعلى فكرة دي بس كانت المرة التانية، شفته بعدها بيومين تحت عمارتي، أيوه تحت عمارتي بالظبط وهنا اتأكدت 100% إنه بيراقبني، مش صدفة، ده ناقص يطلعلي من الدولاب، اه نسيت أقول لكم… كان لبس للمرة التالتة نفس اللبس، تفتكروا الراجل ده أخره إيه معايا؟
جسمي اتجمد، مبقتش قادرة أتحرك، الطباخ، الطباخ كان بيراقبها، طباخ لابس زي، بالطو وبرنيطة، وأنا من وقت ما لعبت وهي بتظهرلي في الفايسبوك، في علاقة، في خطوط خفية هتشبك الأحداث مع بعضها، بس أنا مش مهتمة أوصل الخطوط، مش عايزه أعرف، عايزه أبعد على قد ما أقدر، متأكدة إن نهاية المتاهة المعقدة دي مش حلوة، أيًا كانت…
فات يومين كاملين على آخر مرة لعبنا فيها، المفروض أكون في حالة سلام، لكن لأ، مكنتش على بعضي، أعصابي مش فيا، مش بنام، بتقلب طول الليل، بتنفض كل شوية لما يتهيألي إني سمعت حاجة ولا حاجة لمستني، ببص للاب توب كل كام ثانية، انعكاسي على شاشته المضلمة بيرعبني، ده غير إني طول الوقت لابسه مستور، ما انا شفت نفسي بقى من خلال كاميراتهم وعرفت إنهم وصلوا لهنا عندي…
وطول اليومين بتظهرلي منشورات عن “قمر” في كل أكونتات السوشيال ميديا، فيسبوك بقى، انستجرام، تويتر، يوتيوب، كله، منشورات عن اختفائها وتحليلات أو منشورات ليها هي شخصيًا..
في اليوم التالت كان عندي مقابلة شغل، عميلة طالبة خدماتي، قابلتها ورجعت البيت، كان وقت العصر وجدتي سرحانة في التلفزيون بتتابع المسلسل اللي بييجي في نفس المعاد كل يوم، عديت من وراها كإني طيف لحد أوضتي، محستش بيا ولو حست مكنتش برضه هتتحرك…
لسه كنت بفتح الدولاب بس حاجة خلتني أوقف اللي بعمله….
شفت إنعكاس شاشة اللاب توب على المرايا الجانبية بتاعة الدولاب…
“مبروك، وصلت للمرحلة ال10…أنت أقرب مما تتخيل”!
الشاشة بقت سودة وبعدين ظهرت كتابة باللون الأخضر، الحروف كانت بتتكتب بالبطيء كإن حد بيكتب على آلة كاتبة…
“دلوقتي بقينا في مرحلة الألغاز، مستعد؟”
قربت، كتبت على لوحة المفاتيح بصوابع بتترعش:
=مستعدة…
مكنش ليا اختيار أصلًا، في حد شغل اللعبة، نفسه هو صاحبها واللي بيراقبني وعارف تحركاتي، يأما شغل اللاب توب عن بعد يأما كان في أوضتي قبل ما أجي بشوية إذا مكنش لسه موجود ومستخبي في ركنٍ ما!
أدركت في المرحلة دي إن رجلي غرزت وهكمل اللعبة غصب عني لحد النهاية، الخطوط اللي مش عايزه اوصلها ببعض هوصلها إذا كنت عايزه ولا مش عايزه…
اتكتب بنفس الخط والطريقة:
“7 وردات بيض في غابة ضلمة شجرها ضخم، أغصانها متداخلة، ورقها دابل، ميتها حمرة جفت، أربعة من الورود دبلوا، تلاتة صمدوا، واحدة اتقطفت، اتبقوا اتنين، واحدة زاهية شدت الصياد، التانية تجاهلها، اكتب اسم الوردة الجذابة..
=الوردة الجذابة؟ 7 ورود…غابة ضلمة، شجرها ضخم..
إحساسي باللعبة دي والعالم بتاعها إنها زي الغابة والمتحكمين فيها كإنهم أشجار ضخمة، أجندتهم مبهمة ومعقدة زي الأغصان المتداخلة، مش معروف نيتهم، المية الحمرة…مش عايزه أفسرها، الأكيد إن ال7 ورود هم إحنا، الهاكرز ال7 اللي قرروا يدخلوا العالم ده وهم جاهلين، معندهمش فكرة كانوا داخلين على إيه…أربعة انسحبوا، دول الورود اللي دبلت “رائف، صديق، أمين، مندي”، اتبقى تلاتة، ودول، بما فيهم أنا انسحبنا بعد كده، لكن يعني إيه “واحدة اتقطفت”؟ المهم الوردة الجذابة، اللي شدت الصياد، عرفتها…
كتبت:
“آسيا”..
أنا الوردة الجذابة، أنا اللي اختارني صاحب اللعبة عشان أكملها…
اتكتب:
“صحيح…برافو!”..
بعدها…
“جسم مدور، في أماكن يتشاف كإن ليه ملامح، عنين مكحلة ومناخير وبوق وخدود، في أماكن تانية يتشاف أرنب، ودان طويلة وبراءة الحيوان الأليف، لكن الكل أجمع على جماله وتألقه، في الحقيقة هو جسم مطفي، في كشاف نور وراه هو اللي بيديله الضي، بس مهما اتسلط عليه الضوء مش عارف ينور زي زمان، بقى جسم باهت…”
=الجسم المدور اللي بينور عشان وراه كشاف هو القمر، عشان بحد ذاته هو مطفي والشمس اللي وراه هي مصدر الضوء الحقيقي، وبنشوفه ليه ملامح وعيون مكحلة، لكن…بقى باهت؟ ايه المقصود ببقى باهت؟ اللعبة… اسمها… “قمر شاحب”، ده اللي كان مكتوب على السي دي…
كتبت “قمر شاحب”..
“صحيح! اختيارنا ليكي موفق، يا وردتنا الجذابة!”
قفلت اللعبة، مكنتش مستحملة أكتر من كده، جسمي كله كان بيترعش من الرعب، ساعتها لاحظت…في حاجة متغيرة في اللاب توب، ملفات ظهرت مكنتش موجودة قبل كده، فتحت واحد منهم، كان في عدد من الصور والفيديوهات، جربت أفتح صورة…
كانت لأطفال مربوطين بحبال، في كدمات على وشهم، عنيهم مبرقة عالآخر، مرعوبين…
فتحت فيديو تاني…
كان لوحدة ست في حوض ضخم شبه أحواض السمك، كانت بتصرخ، بتخبط على الإزاز حواليها، في نافورة ميه طلعت من كذه جهة وبدأت تملى الحوض، الميه بقت كل مدى تعلى لحد ما غطتها، اتخنقت وماتت…
بعد اللي شفته ده، في ساعتها أنا اتغيرت…
جاتلي صدمة، كنت حاسه بدماغي تقيلة، عيني مزغللة وبقيت خايفة، خايفة من كل حاجة، من كل حاجة…
ايه العالم ده، ليه ؟ الناس دي عملوا إيه عشان يتعرضوا للتعذيب والموت، الأطفال عملوا إيه؟ ايه تركيبة البشر اللي عملوا فيهم كده؟
روحت على السرير، مددت، أخدت وضعية الجنين…
متحركتش الصبح، فضلت على وضعي، جدتي جاتلي الأوضة، كانت مخضوضة عشان لا اتطمنت عليها ولا نزلت أجيب الفطار كالعادة…
لقيتني بوضعية الجنين، جلدي كله ساقع ومزرق…
-مالك يا “آسيا”؟ فيكي إيه يا بنتي؟؟
هزيت راسي يمين وشمال من غير مانطق…
جريت على الجيران وطلبت منهم يكلموا دكتور، المشكلة إنهم مكنوش فاهمين أنهي دكتور يكلموه، إيه أصلًا اللي فيا..
من قلة حيلتهم كلموا الصيدلاني اللي في الشارع، قالوله ييجي يشوفني…
جاب جهاز الضغط وقاسهولي، ضغطي تمام، قال لجدتي يستحسن أروح مستشفى، هزيت راسي وقلت :”لأ”..
جدتي فضلت تتحايل عليا وأنا رافضة تمامًا، اللي أنا فيه مكنش عضوي، أنا كنت محتاجة علاج نفسي بسبب اللي شفته واللي بعيشه من فترة…
في الآخر جدتي وصلت لحل من وجهة نظرها…
كلمت واحدة من صحباتي القريبين، استنجدت بيها…
لقيت اللي بتدخل عليا الأوضة مع جدتي، قربت للسرير، قعدت جنبي وهي بتبصلي بشفقة، عنيها كلها أسئلة وحيرة وحزن عليا، أنا بقى لا اتكلمت ولا اتحركت، عيوني بس كانت بتتحرك ما بينها وبين جدتي…
-يالا قومي البسي..
معلقتش.
-يالا لحسن أشدك بنفسي وألبسك، هنروح ناكل كشري في المحل المفضل عندك.
قمت وأنا مغصوبة لا ليا نفس لكشري، ولا للحياة بحد ذاتها.
لحد ما وصلت المحل وقعدت منطقتش، ملامحي كانت جامدة برغم محاولات صاحبتي المستميتة معايا.
لكن لما جه الأكل ومع الأجواء اللي فكرتني بأيام حلوة وكلام صاحبتي فكيت، نسيت في الوقت ده كل حاجة مريت بيها في الأيام الأخيرة، نسيت اللعبة و”قمر السرجاني” وإن في حد بيراقبني وجررني لسكة مش عارفاها، نسيت صور وفيديوهات التعذيب، والعالم البشع ده كله…
لكن السلام ده كان مؤقت، حسيت بعد الأكل بنغزة في بطني، ألم رهيب كان بيتطور كل لحظة، مبقتش مستحملة…
قفلت عيني وفتحتها لقيتني في أوضة حيطانها بيضة، الدهان مقشر، عتيق، شامة روايح زاعقة، كحول، أدوية، لقيت أنابيب في إيدي موصولة بأكياس منفوخة فيها سوايل، أنا كنت في المستشفى..
ببص جنبي لقيت “سعد” و”سمية” صاحبتي اللي كانت معايا في محل الكشري…
قلت بلسان تقيل:
=حصل إيه؟ أنا فين؟
رد “سعد”:
-أنتي جالك تسمم، وكنتي في حالة خطر، بس ولا يهمك إحنا هنودي المحل في داهية، هنفضحهم، قادرين نخترق كل الحسابات وننزل منشورات عنهم.
رديت بكلمة واحدة:
=جدتي.
“سمية” قالت:
-كانت معانا في المستشفى، مرضتش تسيبك، بس إحنا أصرينا تروح بيتها وتريح شوية، اتصلت بسواق التاكسي اللي ساكن في الشارع معاكم، جه خدها، هي المفروض كانت ترجع من حبه، بس مش مشكلة خليها تريح.
هزيت راسي هزة خفيفة، بما معناه “تمام”..
اتحركت، ندهوا ممرضة، دخلتني الحمام واستنتني بره.
كنت خلاص بظبط هدومي وهطلع، لكن…
شفت على رجلي من فوق حاجة…
رسمة، دايرة متلونة بالرمادي الكئيب، قمر…قمر شاحب!
محل الكشري بريء، الأكل اتحط لي فيه سم، قدروا يوصلوا للمطبخ بتاع المطعم ويسمموني، وقدروا كمان يخترقوا المستشفى وحد رسملي على رجلي…
خرجت وأنا بجر رجلي بالعافية، كنت بتحرك بعنف، سألتهم:
=بتقولوا جدتي كانت المفروض تيجي المستشفى من مدة؟
بصوا لبعض بحيرة و”سعد” قال:
-أيوه، مالك يا “آسيا”؟
مديت إيدي وفكيت الكانيولا، وطلعت جري بلبس المستشفى اللي عليا، جريوا ورايا، لما لحقوني طلبت منهم فلوس وأنا متعصبة وقلتلهم محدش ييجي ورايا…
ركبت تاكسي وروحت على البيت…
باب البيت كان مردود!
دخلت، البيت هادي أوي، مفيش صوت ولا حركة، ندهت على جدتي، مفيش استجابة، قلبي قال لي اشيك عالحمام…
فتحت الباب ودخلت…
جدتي كانت ممددة على الأرضية…ندهتها، فضلت ماسكاها وأنا بنده، فاقت، سألتها حصل لها إيه، جاوبت:
-خبطة جامدة على راسي، حد في الحمام، خبطني من ورا…
بصيت على راسها كويس، مكنش في نزيف، ولا كانت عايزة تستفرغ، يعني مبدئيًا الحمد لله، مفيش نزيف داخلي، بطرف عيني لمحت مراية الحمام، كانت متغيرة.
وقفت وبصيت عليها، كان مكتوب بسائل أحمر لزج:
“مش عايزه تكملي اللعبة؟ أنتي أقرب للنهاية مما تتخيلي”
=فهمت، تسميمي كان عقاب ليا، هم فعلًا كانوا عايزين يموتوني عشان المفروض مكنتش أقفل اللعبة، المرحلة الأخيرة بتاعة الألغاز كان المفروض أكملها على بعضها، لو محلتش كل الألغاز ووصلت للنهاية مصيري الموت، والسائل اللزج ده كان دم لكن مش دم جدتي..
سبت جدتي وبهدوء مشيت لأوضتي وفتحت اللاب توب، مغيرتش حتى هدومي…
مفيش غير إني أقفل اللعبة للآخر…
اللعبة اتفتحت، اتكتب باللون الأخضر..
“لو كنا عايزين نموت جدتك كنا موتناها، مستعدة للسؤال الأخير؟”
=مستعدة.
“حاجة كل لما ناخد منها تزداد وتكبر”
=حاجة…كل لما ناخد منها تزداد وتكبر؟
سرحت، صور كتير جت على بالي، من صورة للتانية، مفيش، لحد ما في الآخر لقيتها…
كتبت:
=حفرة.
هي الحفرة اللي كل ما ناخد منها تراب بتبقى غويطة أكتر، بتكبر..
“مبروك وصلتي للنهاية! الفلوس اللي كانت في الظرف هتحتاجيها دلوقتي، اشتري فاس!”
وبعدين ظهرت جملة، عبارة عن حروف وأرقام، فتحت الواتساب بتاعي من على اللاب توب ونسخت الجملة على المحادثة اللي ما بيني وبين نفسي..
كان…موقع!
مكان ما، فتحته على الخرايط، لقيت إنه في طريق مصر اسكندرية الصحراوي، بعيد، ما بين القاهرة واسكندرية…
خلاص بقى المفروض في المرحلة دي أكون فهمت القواعد، مش هينفع أخد معايا حد، ولازم أروح ولازم أجيب الفاس زي ما قالوا، وإلا المرة دي بجد هيقتلوني وهيقتلوا جدتي..
غيرت هدومي ونزلت أدور على فاس، مكنتش عارفه أجيبه منين، لكن افتكرت إن في عمارة اتهدت على آخر الشارع وكان بيتبني بدالها عمارة تانية، روحت عليها ولقيت كام عامل موجودين، رميت الفلوس ليهم وطلبت فاس أو أي حاجة شبهه، حاجة تنفع للحفر، عينهم لمعت، إدوني حاجة فعلًا شبه الفاس، وطلبوا إني أرجعه اليوم اللي بعده، هزيت راسي بالموافقة من غير ما أتكلم…
انطلقت بعربيتي على الموقع…
عبال ما وصلت الشمس كانت بدأت تغيب، الفكرة بقى كنت هحفر في أنهي حتة بالظبط؟
فضلت أمشي وامشي لحد ما لقيت علامة أكسر محفورة في بقعة محددة، عرفت اللي فيها، هو ده المكان…
فضلت أحفر، حفرت كتير، كتير أوي، نفسي اتقطع، الليل دخل عليا، مفيش حاجة باينة، لكن أنا متأكدة إني هلاقي حاجة في الآخر..
الفاس خبط في حاجة، وقفت حفر، تنيت ركبتي وقعدت، شغلت فلاش الموبايل، كانت…راس…شعر أصفر دهبي، بوق مفتوح وعنين مفتوحين، الملامح كانت لسه واضحة، مماتش من كتير، دي كانت…”قمر السرجاني”، وشها كان شاحب، “قمر شاحب”!
كانت راس بس من غير جسم…
موبايلي اتهز، فتحت رسالة الواتساب، كانت من “سعد”..
سمعت الرسالة الصوتية:
-“آسيا”، “فريد”، “فريد” طلع كان اختفى من يوم انسحابه، أهله والشرطة كانوا بيدوروا عليه، لقوه مرمي قصاد عمارتهم من شوية، ميت، مضروب لحد ما ملامحه مبقتش باينة، آسيا إنتي فين؟
“الوردة المقطوفة”، الورد الباقي كان دبلان، مجرد انسحبوا، لكن اللعبة قالت على وردة معينة، اللي هي من ضمن آخر ورود “اتقطفت”، يعني اتقتل، قتلوا “فريد”…
شفت لحظتها كشافات عربيتين ورا بعض، عربيات ضخمة، قربوا مني ووقفوا، نزل منهم عدد من الرجالة…
واحد منهم قال:
-مبروك، حليتي اللغز.
=أنتوا اللي خطفتوا “قمر” وقتلتوها..
اكتفى بإنه قال:
-أممم.
=أنتوا مين، وليه بتعملوا كده؟
-تؤ، عيب، معقول واحدة من اكبر الهاكرز في العالم لسه مفهمتش..
=للأسف فهمت من وقت، بس مكنتش عايزه أواجه الحقيقة..أنتوا جزء من الإنترنت المظلم، طول الوقت بتعملوا ألعاب بناس حقيقين، بتخطفوهم وتعذبوهم وجمهور معين بيتفرج عليكم.
-معندكيش فكرة يا “آسيا” في ناس أمزجتهم عاملة إزاي، إيه اللي بيبسطهم، وبيدفعوا مقابله كام..
=ناس مريضة، نفسيتهم ملتوية، بيستمتعوا بعذاب ناس تانية.
-ده بالنسبة لك أنتي، اللي تصنفيه مرض بالنسبة لغيرك وسيلة للمتعة والوصول للنشوة.
=ليه “قمر السرجاني”؟
-ليه لأ، بنت جميلة جدًا، النوع المفضل للجمهور، بنت جميلة بتتعذب، بتنازع، روحها بتتسحب بالبطيء، والحقيقة هي اللي عرضت نفسها بفيديوهاتها والمحتوى بتاعها، كانت مغرية جدًا للجمهور، شدت الانتباه، واتطلبت بالإسم من واحد منهم، دفع ملايين، أنتي متخيلة؟
=والمشاهد اللي في صالة العرض، اغتيالات الناس المشهورة والحروب والحرايق؟
-ده قبل ما يبقى فيه دارك ويب، بصي يا “آسيا” في هرم، وفي قمة للهرم، الناس في القمة بيتحكموا في أحداث كتير أوي…
=هم اللي مسؤولين عن الاغتيالات والمصايب دي…وهم اللي صنعوا الدارك ويب.
-ده إيه الحلاوة دي، فعلًا ربطتي الخيوط كلها ببعض.
=وعدد الكراسي اللي كانت بتزيد كل مرة؟
-دول المشاركين في اللعب، اللي ادوا مهمتهم وماتوا.
طلعت مني ضحكة، ضحكة توتر وصدمة رهيبة، كتير أوي عليا ده، كتير.
=طب أنا وصلت لآخر اللعبة، حليت اللغز، مش كده خلاص.
قرب مني أكتر لحد ما وشه بقى واضح وقال:
-كده إحنا مشوارنا هيبدأ يا “آسيا”، إنتي كنز، هتنضمي للهاكرز بتوعنا، مين عارف يمكن تبقى الأعلى والمفضلة عندنا…
=مش ممكن، لأ!
قرب مني وكان هيهجم عليا مع اتنين تانيين، رفعت الفاس وضربت واحد منهم، اتراجعوا كام خطوة ورفعوا مسدساتهم…
-البديل هو إنك تحفري قبرك بالفاس اللي في إيدك، متضحكيش على نفسك يا “آسيا” إنتي مش مستعدة تموتي، وإلا مكنتيش جيتي هنا ونفذتي كل القواعد.
=مكنتش مستعدة قبل كده، بس البديل جحيم عالأرض..
رفعت الفاس ونزلت بيه وابتديت أحفر!
الحفرة زادت، كل مدة بقت غويطة أكتر لحد ما شكلها بقى مناسب لدفن جثة…
كلنا بصينا لنور بيقرب، كشافات عربية تانية، جريوا لعربياتهم ومشيوا، ده معناه إن العربية مش تبعهم…
العربية وقفت، في الأول سمعت ضحك وكلام بصوت عالي، مجموعة شباب، واضح إن كان معاهم مواد ممنوعة ووقفوا يشربوها…
انتبهوا ليا، اللي في كرسي السواق نزل… شافني بالمنظر ده والفاس في إيدي وشاف الحفرتين…
بصلي بذهول..
قلت بصوت واطي بسبب طاقتي اللي خلصت:
=ودوني لأقرب قسم.
قلت على كل حاجة، اللعبة وشغلتي وموقع راس “قمر السرجاني” وعلاقة اللي قتلوها بقتل “فريد”…
فعلًا لقوا الراس في نفس المكان، صادروا اللاب توب…
لكن ملقوش عليه حاجة!
لا لقوا اللعبة ولا الملفات اللي عليها، ولا الصور والفيديوهات المريضة، فتشوا أوضتي شبر شبر ملقوش الكاميرا اللي كانت بتصورني ولا لقوا السي دي…
الحاجة الوحيدة العدلة هي إن أهل “قمر السرجاني” خلاص عرفوا اللي حصل لها، وقدروا يدفنوا ولو جزء منها، والناس كلها دعتلها بالرحمة، وعرفوا بوجود الإنترنت المظلم وبقوا يحذروا بعض من اللعب المشبوهة ومن جذب الانتباه ومحاولة الوصول للشهرة ولفت الانتباه بمحتوى ممكن يشد العقول المريضة ويأذي صاحب المحتوى…
فاتت سنتين على الأحداث، من وقتها لا أنا ولا سعد ظهرلنا أي حاجة ليها علاقة باللعبة، لكن أنا بقيت عايشة على المهدئات ولسه بروح جلسات نفسية، مبقتش أنام غير جنب جدتي، وكل يوم، كل يوم، مستنياهم ييجوا يخطفوني، يأما أبقى من المشاركين في اللعبة، يأما اتحط في حفرة ويلقطوا ضحية جديدة تلعب اللعبة لحد المرحلة الأخيرة وتلاقيني وابقى زي “قمر شاحب”.
“تمت”
قمر_شاحب
ياسمين_رحمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط