روايات شيقهرواية المستحيل

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل الأول

مقدمة الرواية

هل يمكن أن ننسي بسهولة جرح أصابنا ممن ظنناهم أقرب إلينا من أرواحنا؟ هل يمكن أن نغفر طعنة غدر أصابتنا في الصميم فأردت قلوبنا وجعلتنا نفقد الثقة في الجميع؟إن جاء الغادر معتذرا يعض أنامله من الندم هل نسامحه ونبدأ من جديد أم يصير الغفران مستحيلا؟

ناشدت في كنفك الأمان فسلبتني إياه وتخليت عني حين كنت في أمس الحاجة إليك.
كانت حياتي معك أوهاما صنعتها يداي. جريمة اقترفتها دون قصد.
كنت أري الضعف بداخلك فأشيح بوجهي عنه حتى لا أراه.
لم أرغب في رؤية حقيقتك فقد أعماني الهوي واستسلمت له.
لم تفكر في أبدا بل كانت ذاتك محور تفكيرك. وحين أردت اهتمامك لفظتني من حياتك.
وقد رحلت عنك حين انتهت أسباب البقاء آملة في أن تلحقني نادما. فصفعتني الحقيقة بقسوة
متخاذل أنت فخذلتني وكسرت قلبي حين خنت الوعود وتركتني.
صار الجرح بداخلي يحذرني ألف مرة من أمثالك أشباه الرجال فقد كانت الفعلة شنعاء و الأعذار أقبح من الذنب.
أتمني أن لا أراك ثانية حتى بالصدفة كي لا تستيقظ الآلام وتذكرني بخيبة الأمل لقلبي الذي كان وفيا صادقا في الحب فكوفئ بالخيانة.
قد نغفر نحن النساء لطفل صغير يخطئ ولكننا لا نستطيع أن نغفر لرجل يدرك ما قد تصنعه أفعاله بقلوبنا من كسر وحرقة. ان لم نأخذ بثأرنا تركناه لثأر خالقه فقد أخبرنا نبينا أنه كما تدين تدان.

الفصل الاول

في هذا الحي القديم حيث تنتشر البيوت العتيقة، كانت هي تقف في شرفة إحدى هذه البيوت تتطلع إلى الشارع الخالي من المارة في هذا الوقت المتأخر فقد جاوزت الساعة منتصف الليل بقليل وليس من عادة زوجها التأخر في العودة إليها، فما إن ينهي عمله حتى يسرع بالرجوع إلى المنزل وكأنه لا يقوي على فراقها للحظات أخرى حتى أن حماتها تسخر دوما من ذلك فلا تصيبها بالحنق كما ترغب، تدرك أن سخريتها خلفها قلب أم يخشى تعلق طفلها الوحيد بغيرها حد الإستغناء عنها.

نظرت في ساعتها قبل أن تتنهد، تمر الدقائق بطيئة على من يشتاقون لأحبتهم، ينهشهم فيها القلق خشية أن يكون سبب البعاد أذى أصابهم، أغمضت عيناها تضع يدها على قلبها تبتهل بصمت ان يرده الله إليها سالما وأن يحفظ خطواته من كل شر.

فتحت عيناها لتتهلل أساريرها وهي تراه يظهر في الشارع، يتطلع إلى الشرفة حيث كانت وكأنه يعلم علم اليقين أين ستكون في هذه اللحظة، إبتسم فبادلته إبتسامته. أرسل إليها قبلة هوائية فتطلعت حولها بخجل تخشي ان تكون فعلته على مرأي أحدهم وحين لم تجد عادت بمقلتيها إليه تطالعه حتى دلف إلى باب المنزل، كادت أن تسرع إلى الخارج تستقبله على باب شقتها بلهفة الزوجة ولكنها خشيت كلام حماتها، لن تحتمل السخرية الآن وقد كانت مشاعرها على الحافة منذ قليل لذا انتظرته بتوق، تسمعه يتبادل مع والدته بضع كلمات ثم يتمنى لها نوما هنيئا، وما إن دلف الحجرة وأغلق بابها حتى أسرعت ترتمي في حضنه يستقبلها بشوق زوج يحب زوجته بكل ذرة في الكيان.

كانت تنام على صدره بعد جولة من المشاعر عبرا فيها سويا عن اشتياق اجتاح الوجدان. تخبرها دوما حماتها منذ أول ليلة لها في هذا البيت أن شوق وليدها إليها سيخبو ما إن ينالها ويمر بعض الوقت على زواجها به، ولكن هاهم ستة أشهر قد مروا ومازال الشوق بينهما مستعرا وكأنها ليلتهما الأولى تماما.

دوى صوت حماتها فجأة في رأسها: متفتكريش ابني بيحبك، انت بس حلوة حبتين بكرة تحملي وحلاوتك دي ياخدها حفيدي ووقتها هتبقى أم إبنه وبس.

لا لن يحدث أبدا، سيحبني أكثر لإني سانجب له قطعة من روحي وروحه تزيد من ثبات علاقتنا وتقوى رباطنا الأبدي. ولكن متى سيحدث ذلك؟ لقد حملت في خلال هذه الفترة مرتين وفي كل مرة تجهض الطفل لسبب تجهله، حتى أن الطبيب لم يمنحها أبدا سببا بدوره، يخبرها أنه امر الله فقط وعليها أن تتقبله فتتقبله بصدر رحب تبتهل إلى الله في صلواتها ان يقر عينها يوما بطفل من حبيب الفؤاد، فقط لو تتركها حماتها وشأنها. لا تزرع هذه الهواجس في قلبها لعاشت مع زوجها حقا بسلام.

تململت فمرر يده على شعرها يتخلل خصلاته بحب قائلا: حبيبتي بتفكر في إيه؟
رفعت رأسها تواجه بعينيها الرماديتين مقلتيه العسليتين قائلة بصوت ثابت لايعكس خفقاتها المضطربة: إيه رأيك ياحبيبي نغير الدكتور اللي بنروحله ده ونروح لحد تاني؟ صفية بنت خالتي…
اعتدل مستقيما يقاطعها وهو يخرج من سريره يمسك علبة سجائره ويخرج منها واحدة قائلا بحنق: صفية تاني! احنا مش اتفقنا منتكلمش في الموضوع ده ياهند؟

نهضت تسحب روبها وترتديه ثم تقترب منه قائلة: ياعادل ياحبيبي أنا عايزة أفرحك، عايزاك تشيل ابنك على ايديك وتتباهي بيه في وسط عيلتك زي أصحابك.

كاد أن يشعل سيجارته فتوقف يمسك يديها بين يديه قائلا: وجودي بس جنبك بيسعدني ويفرحني ياهند، ده حلم واتحقق. فاكرة في الكلية لما كان كل شبابها نفسهم يكلموكي وانت كنت بترفضي، خفت أقرب منك مع ان قلبي كان متعلق بيك، خفت تصديني زيهم لغاية في يوم مالقيتك بتقربي مني وتطلبي كشكول المحاضرات بتاعي، ابتسامتك وقتها اديتني أمل فقلت جازف ياواد واطلب منها تقعدوا في الكافتيريا وتشربوا عصير ولما وافقتي حسيت اني اتفتحتلي طاقة القدر واني ممكن يبقى لقصة حبي نهاية سعيدة.

ابتسمت تطالعه بحب قائلة: وده اللي حصل، بسرعة حبينا بعض وبسرعة اتخطبنا وأهو اتجوزنا و عايشين أجمل أيام حياتنا. لكن…
لكن إيه؟
أطرقت برأسها قائلة: مش قادرة أمنع نفسي أفكر انك أكيد نفسك في طفل زيي تمام عشان فرحتنا تكمل.
مد أنامله يرفع ذقنها إليه قائلا: أكيد نفسي بس مش مستعجل، قلتلك كفاية عليا وجودك جنبي لغاية ده مايحصل، انسى بقى كلام أمي ومتحاوليش تتأثري بيه.

طيب عشان خاطري ياعادل نغير الدكتور. لو بجد بتحبني.
ابتسم قائلا: مع انك عارفة اني بحبك بس حاضر ياستي نغيره، أي أوامر تانية يابرنسيسة؟
ابتسمت تهز رأسها في سعادة، قبل أن تعقد حاجبيها قائلة: استنى هنا ومتوهنيش. كنت فين النهاردة وإيه اللي أخرك لبعد نص الليل؟
قرصها في وجنتها قائلا: غيرانة عليا ولا بتشكي فيا.

انت عارف اني واثقة فيك زي نفسي تمام. الحقيقة كنت خايفة وقلقانة، أنت عارف اني مقدرش أنام قبل مااتطمن انك بقيت في البيت.
رفع يدها يقبلها بحنان قائلا: هو أنا بحبك من شوية.
نظرتها أخبرته ألا يراوغ ويخبرها على الفور بما لديه، ليتنهد قائلا وهو يسحبها لتجلس جواره على السرير: الحقيقة كنت قاعد في القهوة مع صديق.
صاحب المحل اللي بتشتغل فيه؟
هز رأسه قبل أن يقول: بنته تعبانة وهتعمل عملية خطيرة في القلب.

ظهر الأسى على ملامح هند لتقول بألم: لا حول ولا قوة الا بالله.
مشكلة فعلا ومأساة بيمر بيها، طبعا محتاج فلوس فعرض عليا أدخل شريك معاه.
وإيه المشكلة دلوقت؟ اسحب الفلوس اللي محوشها في البنك وادخل معاه شريك، أهو ينوبك ثواب.
ميكفوش طبعا، محتاج مبلغ كمان عليه عشان أقدر أدخل شريك معاه، وطبعا لو مدخلتش شريك هيضطر يجيب شريك تاني عشان يوفر المبلغ لعملية بنته والله اعلم هيبقى عامل ازاي وهيعاملني زي صديق ولا لأ.

طب والحل؟
مش عارف جبتها كدة وكدة ملقتلهاش حل. حتى فكرت اروح لعمي البلد وأطالبه بميراثي بس انت عارفاه مش هيديني حاجة.
لمعت عيناها وهي تقول: وتروح بعيد ليه؟ أنا عندي الحل.
قطب جبينه قائلا: حل إيه ده؟
رفعت يديها أمامه قائلة: الحل في ايديا ياحبيبي.
نظر إلى يديها قبل أن تتسع عيناه يهز رأسه قائلا بنفي قاطع: مستحيل، دي شبكتك يعني حاجتك. ومش أنا الراجل اللي يبيع مراته دهبها.

أسرعت تمسك يديه قائلة بحنان: ومين اللي جابلي الدهب ده؟ مش انت؟ ياحبيبي خدهم وبيعهم ولما ربنا يفتحها في وشك ابقى عوضهملي. أنا بقبل العوض عادي جدا.
رغم المرح بصوتها إلا أنه طالعها للحظة بتردد قبل أن ينفض تردده وهو يقول: حتى لو قبلت، برضه المبلغ هيبقى ناقص.
يبقى تاخد الفلوس اللي انا حاطاها في البوسطة كمان.
دي الفلوس اللي باباك كان شايلهالك للزمن، مستحيل ألمسها.

مفيش حاجة اسمها مستحيل بين اتنين بيحبوا بعض. فلوسي فلوسك وفلوسك فلوسي. اقبلهم ياعادل. ساعدني أقف جنبك زي أي زوجة بتحب جوزها مابتعمل، وياسيدي قلتلك لما ربنا يفرجها عليك ابقى ردهملي.
طالعها بحب قائلا: أنت مفيش منك ياهند، ربنا يخليكي ليا.
ويخليك ليا ياحبيبي.
انا هاخد منك الدهب والفلوس بس همضيلك ورقة تحفظلك حقك. ماشي. ياإما اعتبري اني مش موافق. اتفقنا؟

مفيش بينا الكلام ده بس لو ده هيريحك أنا معنديش مانع. أهم حاجة تكبر في شغلك وتحقق أحلامك.
أحلامي اتحققت في اليوم اللي قبلتي فيه تكوني مراتي وحبيبتي ياهند.
بحبك ياعادل.
مال يلثم ثغرها ماإن غادره اعترافها بحبه، ينهل من حبها كيف يشاء يرضي خفقات قلبه التي تتوق لها في كل لحظة.

كانا يتحدثان وهما يسيران بجوار مقهى الحي الذي يسمع رواده الراديو القديم بينما يشربون المشروبات الساخنة. لتتوقف صفية قائلة بجزع: هتعملي ايه يااختي؟
امشي بس ياصفية، متفرجيش الناس علينا. جاية قدام القهوة وهتفضحينا.

سارت صفية بجوار هند وهي ترفع رأسها للسماء قائلة: ماانت هتشليني، رايحة تديله الدهب و الفلوس بالبساطة دي. افرضي المشروع منجحش أو حماتك غصبته يكتب العقد باسمها، وقتها هتتصرفي ازاي يافالحة؟ وهتعيشي منين؟
هفترض الكلام الأهبل اللي انت بتقوليه ده. هعيش من شغل جوزي. أو حتى أخرج أشتغل مش قضية يعني، لكن يبقى معايا اللي أساعد بيه جوزي وأقف أتفرج وأبخل بيه عليه أهو ده اللي مش ممكن أعمله أبدا.

انا مبقولش تبخلي ياهند، ماانا قدامك أهو هتجوز من غير دهب، وأنا اللي طلبت بنفسي من محمد ميجيبليش دهب ويحط الفلوس في شقتنا. بس كان كفاية قوي حاجة من الاتنين. ياالفلوس ياالدهب. حماتك مش سهلة ومفيش حاجة مضمونة في الزمن ده وممكن المشروع يفشل و تحتاجي الفلوس دي في يوم من الأيام.

لا أعرف كيف أصارحك يابنت الخالة ولكني أخشى أن تنجح حماتك في تحقيق رغبتها والتفريق بينكم، أراها في عينيها دوما كلما التقينا. وقتها كيف ستعيشين؟
أفاقت من أفكارها على صوت هند التي قالت بمرح: ياصفية تفائلي خير. المشروع هينجح بإذن الله وحتى لو منجحش هنشوف شغل تاني زي ماقلتلك.
عموما انت حرة، أنا نبهتك وعقلك في راسك تعرفي خلاصك.
ماشي ياست العاقلة، ممكن بقى أعرف احنا خارجين النهاردة رايحين على فين؟

محمد مشغول مع الناس اللي بيبيضوا الشقة وطلب مني أروح لعم سعد أختار أوضة النوم وأوضة الضيوف. بصراحة بحب ذوقك قوي وقلت تختاري معايا.
أيوة بقى هانت ياصافي وهشوفك عروسة. عايزين نفرح ونبل الشربات.
والله قلبي مقبوض ياهند ومش عارفة مالي، المفروض اكون فرحانة زي أي عروسة بس فيه غصة في قلبي معكننة عليا وكأن فرحتي ناقصها حاجة.

اي عروسة بيجيلها الشعور ده. متقلقيش بس زي ماقلتلك تفائلي خير وهتبقى ليلتك ولا ألف ليلة وليلة.
طب سرعي خطواتك ياست المتفائلة عشان نلحق نرجع بسرعة قبل المغرب.
هو انت مش هترجعي معايا البيت عشان اوريكي تصميم فستان الفرح قبل ماأبدأ فيه؟
انا واثقة فيكي يا هنودة، ده لسة فستان خطوبتي الكل بيتكلم عنه وبيسألوني عملتيه فين؟ انا مش عارفة ازاي تبقى بتصممي بالحلاوة دي وفستان فرحك تشتريه.

أعمل إيه بس؟ الوقت مأسعفنيش. وكل حاجة جت بسرعة. عموما هعوضها فيكي ياعسل.
تأبطت صفية ذراع صديقتها قائلة بحب: ربنا مايحرمني منك يابنت خالتي.
ولا يحرمني منك ياصافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط