رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر (نبضة)
نبضة
وضعت مفتاحها بالباب ودفعته حاملة كل تلك الأكياس البلاستيكية لاهثة من فرط اعيائها، دفعت الباب بقدمها مغلقة إياه ملقية بالمفاتيح على الطاولة القريبة، دفعت بالأكياس على طاولة المطبخ وعادت ادراجها لداخل الشقة تقضم تفاحة في شهية هاتفة تطمئن على امها التي اعتقدت أنها تغط في نوم عميق عندما لم تتلق منها جوابا، لكن ما أن ولجت للردهة القصيرة المفضية لغرفتها الا وشهقت في صدمة لتسقط التفاحة من يدها وهي تندفع لجسد امها المسجي أرضا صارخة في لوعة: – ماما، يا ماما، ردي عليا..
تطلعت حولها في تيه، من لها لينقذها وامها في هذه اللحظة، نهضت مدفوعة نحو حقبتها تبحث عن هاتفها بكف مرتعش وما أن وجدته حتى ضغطت رقمه بشكل لا أرادي..
رنين دام لثوان قبل أن يهتف بصوت رجولي واثق: – السلام عليكم يا آنسة شيرين ف..
هتفت في اضطراب: – إلحقني يا دكتور علاء، ماما واقعة مغمى عليها ومش بترد عليا، تعال بسرعة..
انتفض هاتفا في محاولة لتهدئتها يخلع عنه معطفه الطبي: – طب حاضر، انا جاي حالا، متقلقيش، هاتبقى كويسة..
ارتفع نحيبها ليهتف بها في نبرة حانية: – والله هاتبقى تمام، اهدي يا شيرين..
لحسن الحظ كان قريبا من بيتها فوصل إليها في غضون دقائق، طرق على الباب في لهفة لتندفع هي تفتح باكية، لم ينتظر إذنا منها بل هرول باتجاه حجرة امها ليجدها ممددة أرضا، انحنى نحوها يفحصها في سرعة ومهارة ليرفع رأسه نحو شيرين التي وقعت عاجزة الا عن النحيب هاتفا في حزم: – لازم ننقلها المستشفى حالا، انا طلبت عربية اسعاف اول ما بلغتيني، بس مش هنقدر نستنى أكثر من كده..
هتفت شيرين في ذعر: – هي حالتها صعبة قوي كده..
لم يجب بل هتف بشيرين أمرا: – روحي افتحي باب الشقة حالا..
اندفعت تنفذ بلا مجادلة وما أن عادت خطوتين الا ووجدته قادم نحوها يحمل امها على كتفيه في صلابة عجيبة لا تتناسب اطلاقا مع ضآلة جسده..
تسمرت موضعها لبرهة الا أنه أمرها من جديد: – تعالي خدي من جيبي مفتاح عربيتي واسبقيني وافتحيها..
مدت كفها في اضطراب بجيب سترته وما أن خرج حاملا امها حتى أغلقت باب شقتها واندفعت تهبط الدرج في سرعة وهو خلفها حاملا ثقل جسد امها وكذا همها هي..
كان الجميع بمقر عملها لا سيرة لحديث بينهم الا عن انتهاء علاقة كمال بتلك المرأة التي سرقته من أحضانها، كانت جميع النظرات تتبعها في غدوها ورواحها وكأنما يتساءلون في صمت، هل هناك امل في عودة بينكما!؟، ذاك السؤال الذي دفع بالغيرة لتصل لأقصى درجاتها عند زميلهم المتحرش ليقترب منها في تردد ليس من عادته هاتفا في نبرة مهذبة: – نجوى، ممكن اطلب منك طلب!؟.
هتفت في لهجة رسمية: – اتفضل يا استاذ موافي..
اضطرب هاتفا: – عايز ميعاد من الوالد عشان اجي اطلب ايدك..
اضطربت الملفات بين كفيها وتمالكت أعصابها حتى لا تسقط أرضا هاتفة بدورها: – حاضر، هبلغه واقولك..
أكد في عجالة: – يا ريت في اقرب وقت..
هزت رأسها في إيجاب واستأذنت راحلة في عجلة لكنها لم تدرك أن هناك عيون نادمة تحوم حولها متتبعة خطواتها دون أن تدري..
زغاريد تعالت ما جعلها تنتفض من موضعها في اتجاه باب الشقة تطل خارجه لتستطلع ما يحدث فإذا بها تجد ام صفية تهلل بالأسفل، هل ما تسمعه صحيح!؟، وهل له أن يحدث بهذه السرعة!؟
استشاطت غضبا وأغلقت الباب في عنف متجهة نحو حجرة ولدها لتوقظه صارخة في غضب جاذبة عنه الغطاء: – جوم يا بيه ياللي نايم فالعسل، مرت خالك السنيورة الچديدة حامل وكل ترتيبنا طول السنين اللي فاتت هيروح هدر..
انتفض عماد هاتفا: – بتقولي حامل!؟ يا دي الخبر المهبب ع الصبح..
هتفت سعدية في غل: – ايوه يا حيلة امك، هتچيب له الواد اللي هيجش، وانت خليك نايم على ودانك حتى حج بته هيضيع من يدك هو راخر..
هتف عماد حانقا: – من غير تقطيم بس، قوليلي اعمل ايه وانا هعمله..
هتفت سعدية: – تروح تطلب هناء من خالك، ونخلي الفرحة فرحتين، ده اللي هتقولهوله، اهو يبقى ضمنا حاچة..
هتف عماد في شك: – وهو انتِ خلاص سلمتي باللي بيحصل ده!؟، مش عادتك يا ام عماد..
تطلعت إليه سعدية في استهزاء
هاتفة: – ومين جالك اني هسكت!؟، كله چاي..
صفق عماد بكفيه في سوقية هاتفا: – ايوه بقى يا ام عماد، هو ده، انا هروح لخالي واطلب ايد هناء عشان نخلص من الموضوع ده مع ان دمها تقيل على قلبي..
هتفت أمه وهي تربت على كتفه في حنق: – فلوسها هتحليها يا عين امك، روح له بجى خلينا نخلصوا..
انتفض عماد من موضعه خارج فراشه ليلحق بخاله لطلب يد هناء للزواج..
اعياء ودوار تكتنف رأسها، شعور رهيب بالغثيان والرغبة في إفراغ محتويات معدتها الفارغة من الأساس..
كان ابوها يجلس قربها تحاول أن لا تشعره بمعاناتها، مدت كفها لهاتفها تفتحه على صفحتها التي تخط عليها خواطرها وأفكارها، والتي كانت تحقق نجاحا كبيرا لم تتوقعه يوما..
بدأت تطرق على الأحرف تحاول تناسي الوجع الذي يمزق احشائها..
انى اكلم الله، لمٓ تتعجب!، انى احادثه دوما بما يعتمل فى نفسى و اخبره بألام جسدي واوجاع روحي، انه هنا قابع بداخلي يسمعني حين أناجيه بل ينصت لكل خلجة من خلجات روحي المكروبة، نعم يفعل، أوليس اقرب لى من حبل وريدي!؟، حدثوا الله، فيا لها من نعمة!، و ما أروعها من راحة!
ازداد شعورها بالغثيان حدا فاق قدرتها على الاحتمال والتظاهر بعكس ما يكتنفها من ألام..
نهضت في عجالة تترنح ليلحق بها ابيها الذي لم ترفض مساندته لها حتى وصلت اخيرا للحمام باللحظة المناسبة لتلق ما بجعة معدتها خارجا.
ألقت بجسدها المنهك أرضا تتشبث بحافة المغطس لتعاود معدتها فورانها، لا تعرف كم استمرت على حالها وأبوها جوارها يبكي ألما من رؤيتها على هذه الحالة..
مد كفه لها لكي تنهض عائدة للغرفة إلا أنها كانت واهنة بما فيه الكفاية حتى أنها ما كانت قادرة على التشبث بكفه، و ابوها رجل انهكه المرض ولن يكون قادرا على مساعدتها، ربتت على كفه تطمئنه أنها قادرة على النهوض وحيدة كما يحدث دوما، لكنها فشلت هذه المرة عندما شعرت بدوار اخر جعلها تعاود الجلوس موضعها أرضا..
اندفع ابوها طالبا المساعدة ليعود وخلفه الدكتور عبدالرحمن الذي تصادف مروره بالقرب من باب حجرتها..
هرول عبدالرحمن نحوها في لهفة حاملا إياها بين ذراعيه، لم تكن تشأ أن تكون بهذا الضعف أمام ابيها حتى لا تحزن قلبه ولا أمام أي من كان لكن ما كان بيدها حيلة، وضعها عبدالرحمن على فراشها غير راغب في افلاتها هامسا يطمئنها: – متقلقيش، ده عادي، هاتبقي كويسة..
هزت رأسها في وهن وابتسامة شاحبة على محياها ليبتسم لها بدوره مشجعا، كان يعرف عاداتها لذا مد كفه لهاتفها مشغلا أحدى روائع ام كلثوم التي تعشق والتي كانت من اختياره، أغمضت عينيها في محاولة لتهدئة ثورة الأوجاع التي تطحن صبرها وصوت الست يصدح مترنما في عذوبة: -صالحت بيك ايامي، سامحت بيك الزمن..
نستني بيك ألامي..
ونسيت معاك الشحن.
رنات متعاقبة وملحة لا تهدأ جعلتها تندفع بعد أن أنهت تصوير الحلقة الجديدة وقد نسيت تماما هاتفها المحمول بشقتها، تصاعد الرنين متناهيا لمسامعها وهي تهم بفتح الباب مندفعة تبحث عن مصدر الرنين الذي نسيت أين تركته والذي ما أن وصلت إليه حتى انقطع صوته..
تنهدت في حنق وما أن أمسكت به حتى عاود الرنين صخبه لتفتح مجيبة في لهفة: – ايوه يا عامر، معلش كنت ناسية ال..
قاطعها عامر هاتفا في اضطراب: – بابا تعبان قوي يا ماما، بابا في العناية المركزة، حالته صعبة قوي..
هتفت في صدمة: – لا حول ولا قوة الا بالله، هيكون كويس باذن الله..
هتف عامرا بنبرة متأثرة: – الدكاتره بيقولوا جلطة، بابا مستحملش موضوع البيت وكمان اللي عملته فيه الهانم مراته..
لم تعرف بما تجيبه لكنها هتفت بلا تفكير: – انا جاية لك يا عامر، انتوا فمستشفى ايه!؟.
اندفعت تحمل حقيبة يدها واضعة بها كل ما لديها من مال لتكاد تصطدم بعبدالغني الذي وجد باب شقتها مشرعا فقرر استطلاع الأمر..
هتف في قلق عندما شاهدها على هذه الحالة المتوترة: – فيه ايه!؟.
هتفت في اضطراب: – توفيق ابو الاولاد فالمستشفي وعامر ابني معاه لوحده، لازم اروح له حالا..
هتف عبدالغني مندفعا خلفها: – انا جاي معاكِ..
توقفت في صدمة هاتفة: – تيجي فين!؟.
هتف في إصرار: – مش هسيبك لوحدك والمغرب داخل، انا معايا عربية وهوصلك، اعتبريني تاكسي رايحة بيه..
لم يمهلها فرصة للتفكير أو اتخاذ قرار بل اندفع أمامها يحثها على الإسراع للحاق بولدها فلحقت به في قلة حيلة..
ساد الصمت بينهما داخل السيارة حتى المشفى، ترجلت في سرعة في اتجاه المدخل تسأل عن موضع غرف العناية الفائقة، تركها عبدالغني تسبقه وقد قرر اللحاق بها بعد دقائق..
وصلت حيث عامر الذي انتفض ما ان رأها كأنه غريق ألقي له طوق النجاة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة..
هتفت به إحسان: – هايبقى بخير متقلقش، ابوك شديد وهيقوم منها، أهدى بس..
هتف عامر في حزن: – يا ماما خلاص، مبقاش حيلتنا حاجة، الست الهانم طلبت من بابا يكتب لها الشقة اللي جابها من فلوس البيت اللي خلاص المفروض نسلمه للحكومة، كتبهالها، تخيلي بعدها رفعت خلع على بابا، طبعا مقدرش يستحمل كل ده ووقع من طوله..
هتفت إحسان متعجبة: – وهو ابوك معاه قليل يا عامر!؟، ما الحمد لله كان معاه اللي يعيشه ملك..
هتف عامر في قلة حيلة: – معرفش يا ماما والله ما اعرف فيه ايه!؟، بس وقعة بابا دي ليها سببها القوي و..
قطع كلامه خروج الطبيب من الحجرة مكفهر الوجه لا تنبئ قسمات وجهه بخير ابدا وهتف مؤكدا: – اللي كنت متوقعه حصل، الجلطة شديدة وللأسف عملت له شلل نصفي..
انهار عامر على المقعد المجاور ولم ينطق حرفا بينما شهقت احسان في صدمة ولم تعقب، ليستأذن الطبيب لاستكمال عمله تاركا اياهما في اضطراب لا علم لهما بما عليهما فعله..
لحق بها عبدالغني ليجدهما على حالهما المريب فسأل في هدوء لتجيبه إحسان: – الجلطة عملت شلل، ربنا يعفو عنه..
هتف عبدالغني متعاطفا: – باذن الله..
واستطرد متسائلا: – مش هتروحي!؟
أكدت إحسان: – لا روح انت، كفاية اني تعبتك معايا، انا هبات مع عامر مش هسيبه لوحده..
أكد عبدالغني: – طيب، خلي بالك على نفسك..
هزت رأسها في طاعة ليهمس بها قبل أن ينهض في عجالة: – انا عديت ع الحسابات ودفعت الحساب، طمني عامر أن كله تمام، وقوليله انك اللي دفعتيهم..
هتفت إحسان في امتنان: – انا مش عارفة اقولك ايه بجد!؟.
أكد عبدالغني مبتسما: – متقوليش حاجة، كله من فلوسك فعلا انا مش بجاملك، سلام عليكم.
هتفت في راحة: – وعليكم السلام..
سار مغادرا المشفى لبيته تاركا اياها خلفه تجلس أمام حجرة طليقها مستشعرا دبيب غيرة يتسرب إلى نفسه..
دخل بيت أبيه في سأم ملقيا مفاتيحه على الطاولة كعادته وجلس متنهدا على اقرب مقعد، طالعته أمه وهي قادمة من المطبخ هاتفة: – ايه ده!؟، انت جيت يا كمال!؟، جيت بدري عن ميعادك يعني!؟.
هتف كمال في ضيق: – استأذنت، تعبان ومخنوق، ومش طايق جو الشغل واللي فيه..
تطلعت إليه أمه بعين خبيرة بما يعتمل من صراعات داخل نفس وليدها ما دفعها لتهتف في تساؤل مبطن بفطنة واعية: – مش عارفة ليه اللي انت فيه ده ملوش علاقة خالص بالهانم اللي سبتها!؟، هو فيه حاجة تانية انا معرفهاش!؟.
تنهد كمال مغلقا عينيه في إرهاق مسندا رأسه المكدود لظهر مقعده هامسا: – اه فيه!؟، شفت نجوى..
ابتسمت امه في سعادة: – طب وشوفة نجوى تخليك كده!؟، ده حتى نجوى طلتها تشرح القلب..
هتف كمال منفعلا: – ماما، هو انت قصدك تغيظيني اكتر ما انا هفرقع!؟
لم تعقب أمه بل كانت ابتسامة رضا هي التي ارتسمت على شفتيها ليستطرد متحسرا: – انتِ مشوفتيش بقت ازاي!؟، ولا الرجالة اللي كل واحد بيخطب ودها وهي ولا هي هنا، مطنشة الكل..
هتفت أمه في حسرة: – ما انا قلت لك نجوى متتعوضش، وانت اللي بعت الغالي بالرخيص..
هتف كمال في لهفة: – طب ما تيجي معايا نرجعها، هي بتحبك وهتسمع كلامك..
هتفت أمه معترضة: – لا، مش هيحصل ابدا، أنا فاكرة يوم ما جت تترجاني اني اقنعك مطلقهاش وانا للاسف ملحقتش لانك دخلت عليا بورقة الطلاق، عايزني دلوقتي اروح لها وارجعك ليها بأي وش يا كمال!؟.
هتف كمال محبطا: – طب هعمل ايه انا دلوقت!؟
هتفت أمه: – العمل عمل ربنا، وبعدين كل الامور بايدك، لو عايز فعلا يبقى انت اللي تروح وتشوف أن كان هترضى ترجع ولا لأ!؟..
تطلع كمال لجنبات الشقة التي استشعر أنها تطبق على أنفاسه ولم يعقب..
جلست وما تزل تنتحب وامها بغرفة العناية الفائقة وهو يجلس جوارها غير قادر على النطق بحرف في انتظار الطبيب المعالج الذي خرج اللحظة هاتفا في لهجة تقريرية
لعلاء: – الحمد لله، جت فالوقت المناسب، لو اتاخرتوا شوية كانت المضاعفات هاتبقى كبيرة..
هتفت شيرين في لوعة: – يعني هاتبقى كويسة!؟
أكد الطبيب: – يمر بس التمانية وأربعين ساعة دول على خير يبقى كده تمام، عن اذنكم..
رحل الطبيب لتعاود جلوسها على نفس المقعد متطلعة إلى الفراغ قبالتها ليجلس جوارها بدوره هامسا في مؤازرة: – الدكتور كلامه كويس، فيه أمل كبير أنها تبقى زي الفل، ملناش دلوقتي الا الدعاء، ادعيلها..
هتفت في نحيب: – يا رب، انا مليش غيرها في الدنيا، ده انا حياتي كلها موقفاها علشانها..
هتف علاء متأثرا لوجعها: – ربنا يخليهالك وميحرمكيش منها ابدا..
نهضت تتطلع إليها من خلف الجدار الزجاجي تطمئن أنها ما تزل هنا لينهض بدوره هامسا: – انا رايح اجيب لك حاجة تشربيها..
لم تعر كلامه اهتماما وعيونها شاخصة على محيا امها الغالية لتتركه يرحل في هدوء..
اندفعت هناء بين ذراعي عمتها ما انفرج باب شقة الأخيرة هاتفة في حزن وهي تشهق باكية: – بابا رفض يا عمتي، بابا رفض اني اتجوز عماد..
دفعت بها سعدية بعيدا عن صدرها هاتفة في حنق: – بتجولي ايه!؟، رفض چوازك من ولدي!؟.
ليه!؟، هو كان هيلاجيلك فين عريس زي عماد، طول بعرض وكمان مهندس كد الدنيا؟!، لاه دي مش عمايل ابوكِ ابدا، دي عمايل الحيزبونة اللي اتچوزها، بس انا وهيا والزمن طويل، يانا يا هي فالبيت ده..
ارتفع نحيب هناء هاتفة: – هاتعملي ايه يا عمتي!؟
أكدت سعدية في حقد: – هخرچها من البيت ده بفضيحة بس جبلها لازما نخلص من اللي چايلنا فالسكة ده وبعدين كله چاي..
استمر نحيب هناء هاتفة: – اعملي اي حاجة يا عمتي، اي حاجة، انا بحب عماد ومش هقدر اعيش من غيره..
اخذتها سعدية بين ذراعيها هاتفة وهي تربت على ظهرها
فاستهزاء: – عارفة يا حبيبة عمتك، واني ميخلصنيش كسرة جلبك وجلب ولدي، متجلجيش، سبيها على عمتك..
وربتت على كتف هناء من جديد ونظراتها تشرد في الكثير من الخطط الجهنمية..
اندفع حماد لداخل حجرة النوم في هرولة وقلب ملهوف مدفوع نحو صفية هاتفا في عدم تصديق: – صحيح اللي سمعته ده يا صفية!؟، اني چايني واد، چايلي عيل من صلبي يشيل اسمي ويبجى سندي..
دمعت عينى صفية لفرحته هاتفة في صوت متحشرج انفعالا: – ايوه يا سي حماد، هيحصل باذن الله، ناوي تسميه ايه!؟.
هتف حماد في فخر: – هايبجى عوض الله، ايوه، عوض ربنا بعد السنين دي كلها..
وانتفض مندفعا للخارج لتستوقفه صفية في تعجب: – على فين!؟.
هتف حماد في فرحة طاغية: – رايح اصلي ركعتين لله فالسيدة نفيسة وهدبح وادعي أنه يرزجني باللي تمنيته ويجومك ليا بالسلامة..
ابتسمت ولم تعقب فقد كان يكفيها تلك السعادة الطاغية التي تشع من كل خلجة من خلجاته، هم بالخروج إلا أنه عاد مسرعا ملثما جبين صفية ليندفع للخارج من جديد لينفذ ما عزم عليه والسعادة منطلقة باعقابه..
كانت تجلس في هدوء تطالع كتابها بين يديها في انتظار ميعاد جلسة الكيماوي حين دُفع باب حجرتها في عنف لينفرج عن محياها، امرأة في نهاية العقد الثالث من العمر، كانت تقف صامتة في تحفز مقلق..
هتفت بها أمل في هدوء معتقدة أنها أخطأت رقم الغرفة التي تبغي زيارتها: – تحت امرك!؟، حضرتك عايزة مين!؟.
لم تجب المرأة على أسئلة أمل بل هتفت في تعال تنظر إليها في تفحص مستفز: – أنتِ بقى اللي اسمها أمل!؟
هتفت أمل في ثبات مؤكدة: – ايوه، مين حضرتك!؟.
أكدت عايدة في كبر: – انا مرات دكتور عبدالرحمن..
أكدت أمل في هدوء مستفز: – قصدك طليقته..
استشاطت عايدة غضبا: – ده ميخصكيش، عبدالرحمن ابو اولادي وهيفضل..
ابتسمت أمل مؤكدة: – طبعا محدش يقدر يقول غير كده، هيفضل ابو اولادك..
هدأت ثورة عايدة قليلا لكن أمل استطردت في برود متعمد: – لكن كزوج!؟، اعتقد العلاقة انتهت بينكم من زمن..
هتفت عايدة في حنق: – أنتِ مين بقى عشان تبقي عارفة التفاصيل دي كلها وتتكلمي بأي صفة!؟.
هتفت أمل في ثبات: – اعتقد انتِ عارفة انا صفتي ايه!؟، هم جواسيسك مبلغوكيش؟، ده أنتِ جاية النهاردة مخصوص عشان تتأكدي من الكلام اللي وصلك، ولا انا غلطانة!؟.
هتفت عايدة في سخط: – جواسيس ايه وليه ولمين من اساسه!؟، انا اللي طلبت الطلاق على فكرة، يعني لو فبالك اني..
قاطعتها أمل بابتسامة ثقة على.
شفتيها: – انا مفيش حاجة فبالي اطلاقا لو ده هيطمنك..
هتفت عايدة في ثورة: – هيطمني على ايه يا مخبولة أنتِ!؟، انا بس جيت اطمن أن مفيش واحدة من إياهم عرفت تلف دماغ عبدالرحمن وتأثر عليه وتكرهه فأولاده و…
استطردت أمل باستفزاز: – وأمهم..
صرخت عايدة في ثورة: – أنتِ مستفزة..
أكدت أمل باسمة: – وأنتِ لسه بتحبيه..
هتفت عايدة: – بحب ايه!؟، انتِ اكيد مرضك أثر على عقلك..
ابتسمت أمل لتهتف مؤكدة: – بتحبيه يا مدام عايدة!؟، مش الاسم عايدة برضو!؟.
تطلعت عايدة إليها متسائلة في ريبة: – هو عبدالرحمن اللي قالك على اسمي كمان!؟.
أكدت أمل: – اه..
هتفت عايدة وقد رق صوتها بشكل لا أرادي: – هو عبدالرحمن بيجيب سيرتي!؟.
أكدت أمل: – ايوه طبعا، ده أنتِ ام أولاده، ودائما بيفتكرك بالخير..
هتفت عايدة في سعادة: – صحيح!؟.
وتقدمت تجلس على طرف فراش أمل هامسة: – عمري ما كنت أتوقع أن عبدالرحمن يتكلم عني بالخير ابدا، اصل انا عملت معاه حاجات كتير صعبة تخليه مش بس يتكلم عني بالوحش، لا، ده حقه يكرهني.
هتفت أمل هامسة: – دكتور عبدالرحمن عمره ما يعرف يكره..
اومأت عايدة مؤكدة: – ايوه صحيح، عبدالرحمن مفيش زي طيبة قلبه، وانا اللي كنت غبية وفاكرة اني باللي بعمله بكسبه مكنتش اعرف اني هخسره للأبد..
وسالت دموعها في حسرة لتهمس أمل: – مش قلت لك لسه بتحبيه..
هزت عايدة رأسها في براءة طفلة في الخامسة وما زالت عيونها تهطل في حزن: – ايوه بحبه قوي وعمري ما حبيت حد غيره، ولما سمعت أنه معجب بيكِ جيت جري اشوف مين دي اللي ممكن تاخده مني، انا عمري ما اعتبرت نفسي فارقته لحظة، كان عندي دايما احساس أننا هنرجع لبعض في يوم من الايام، عارفة، انا أحيانا كنت برفض اخليه يشوف الولاد عشان يجي يشوفهم فالبيت واشوفه..
ابتسمت أمل متطلعة لخيال عبدالرحمن الذي كان يقف على أعتاب الباب لا يكاد يُرى، كانت قد أعطت له الإشارة بأن ينتظر بالخارج عندما جاء مهرولا بعد علمه من الممرضات أن طليقته هنا بالمشفى وقد توجهت صوب غرفة أمل..
ستة أشهر مرت على طلاقهما الذي كان جراء طلبها الملح، حاول إثنائها عن قرارها لكنها لم تتراجع بل ظلت على إصرارها ليطلقها بالفعل، حفظ حقوقها كاملة ولم يقصر يوما في طلبات أبنائه رغم كل المشاكل التي كانت تختلقها لتثير حفيظته، لم يكن يعلم أنها ما كانت تفعل كل هذا إلا لمناكفته ورغبة منها في إرجاع حبال الود لتوصلها من جديد بعد شعورها بالندم على قرارها وانفضاض الجميع عنها..
تقدم عبدالرحمن لداخل الغرفة عندما أشارت له أمل بالتقدم، استشعرت عايدة خطوات أحدهم خلفها فأستدارت في هدوء لتشهق عندما طالعه مرأه، حملت حقيبتها ونهضت مغادرة في عجالة تتعثر في خطواتها..
تطلع عبدالرحمن لأمل هاتفا في تعجب: – ليه عملتي كده!؟.
هتفت أمل مستفسرة: – عملت ايه!؟، قلت الحقيقة اللي كل الناس تعرفها عنك، وخليتك تسمع منها الحقيقة اللي اتكبرت هي تقولهالك..
هتف عبدالرحمن مندهشا: – بس ازاي عرفتي أنها فعلا بتحبني!؟.
أكدت أمل باسمة: – مفيش ست هاتسعى تعرف كل تحركات طليقها وخاصة علاقاته النسائية وبالذات لو دخلت مرحلة الجد الا لو كانت فعلا بتحبه، الست لما بتبيع بجد وتطلب أنها تبعد يا دكتور اول حاجة بترميها ورا ضهرها هي مشاعرها تجاه شريكها لانها بتبقى عارفة ومتأكدة أن مشاعرها دي هي سبب وجعها وضعفها فبتتخلص منها عشان يبقى عندها الجراءة الكافية أنها تصر على قرار الانفصال، اسأل مجرب..
هتفت أمل بكلماتها الأخيرة في شجن..
ساد الصمت بينهما لبرهة قبل أن تقطعه أمل هاتفة في نبرة محفزة: – روح لها يا دكتور، صفو اللي ما بينكم، مش هقولك عشان بينكم اولاد، لا، عشان انتوا الاتنين تستحقوا انكم تعيشوا مبسوطين مع حد بيحبكم بجد، وهي بتحبك، وانت، انا متأكدة انك مكرهتهاش، ووقفتك بره تسمع اعترافها بحبك انت كنت مستنيه..
ابتسم عبدالرحمن مازحا: – المفروض تشتغلي معانا دكتورة نفسانية..
ابتسمت أمل في حياء: – العفو يا دكتور، الحكاية وما فيها اني عرفت أقيم المشاعر صح، اصل المشاعر دي حاجة معقدة قووي وبسيطة جدا، ويمكن بساطتها هو سر تعقيدها..
هتف عبدالرحمن مقهقها: – لا احنا كده قلبنا ع الفلسفة وده مش تخصصي..
اتسعت ضحكة أمل ولم تعقب ليهتف عبدالرحمن ممتنا: – أمل، متشكر..
هزت رأسها في هدوء وهو يرحل لخارج الغرفة وقلبها يرقص فرحا أنها ساهمت في جمع شمل قلبين اضناهما الوجع..
لكن ماذا عن قلبها!؟.
رن هاتفها وقد أنهت لتوها صنع كوب من الشاي بعد وجبة خفيفة كانت قد قررت تجربتها من وصفات غنوة البسيطة، تطلعت للشاشة لتجد اسم ابنها يسطع عليه فاضطربت واضعة الكوب جانبا وردت في
قلق: – خير يا عامر!؟، بابا بخير!؟
أكد عامر في هدوء: – اه يا ماما، بخير الحمد لله، بس..
انتظرت في قلق ليكمل ما بدأه مستشعرة أنه يحمل خبر ما يخصها وقد صدق حدسها عندما هتف ولدها مستطردا: – بابا عايز يشوفك، هاينفع!؟.
صمت ساد بينهما لبرهة قبل أن تهتف في ثبات مؤكدة: – وماله يا عامر، انا جاية، ساعتين كده واكون عندكم قبل ميعاد الزيارة ما ينتهي..
هتف عامر مقترحا: – تحبي اجي اخدك يا ماما!؟.
أكدت إحسان: – لا يا حبيبي مفيش داعي..
أكد عامر في نبرة ممتعضة: – الصراحة انا مش مريحني مرواحك ومجيك مع اللي اسمه عبدالغني ده، انا بقول اجي اخدك..
أكدت إحسان في هدوء حاولت تصنعه: – عبدالغني مش رايح جاي معايا يا عامر، دي كانت مرة لما جت لكم المستشفي وهو كان ذوق وشافني نازلة وأصر على توصيلي، كتر خيره..
تجاهل عامر تبريرها للموقف
مؤكدا: – تمام يا ماما انا منتظرك، متتأخريش علينا..
أغلقت الهاتف متنهدة تفكر فيما يمكن أن يكون سبب استدعاء توفيق لها..
مدت كفها لكوب الشاي ترتشفه قبل أن يبرد وهي في سبيلها لارتداء ملابسها والتجهز للزيارة العجيبة..
طرقات على باب شقتها جعلتها تترك ملابسها التي تناولتها من داخل الخزانة، ملابسها الجديدة التي ابتاعتها بمالها الخاص والتي غيرت فيها ذوقها الذي اعتادته لتصبح أكثر شبابية وحيوية..
فتحت الباب لتجد عبدالغني أمامها تطلعت إليه في حيرة متسائلة عندما وجدته صامت على غير العادة: – خير يا غنوة!؟، فيه حاجة!؟.
تطلع إليها في اضطراب عجيب على شخص في مثل جرأته وهمس: – انا كنت عايزك في موضوع، انتِ فاضية!؟.
أكدت في أريحية اكتسبتها من معاشرتها له: – اه يا عبدالغني، انا كنت بجهز عشان اروح المستشفي لعامر، لو الموضوع سريع انا تحت امرك..
أكد بنفس اضطرابه: – طب كويس، تعالي اوصلك ونتكلم، انا في انتظارك تجهزي..
تركها واندفع لداخل شقته ولم يترك لها فرصة الرفض لتندفع لحجرتها ترتدي ملابسها في عجالة، دقائق وكانت أمام باب شقته ليخرج متناولا مفاتيح عربته وهبطت الدرج سويا..
ساد الصمت لفترة وأصبح جو العربة خانقا ما دفعه لتشغيل بعض الأغنيات التي ارتفع صوت شجوها من المذياع..
كانت إحسان اول من تحدث هاتفة في فضول: – خير يا عبدالغني!؟، كنت عايزني فأيه!؟.
فوجئت به يوقف العربة على أحد جانبي الطريق وتطلع إليها مليا قبل أن يهتف في عجالة: – تتجوزيني يا إحسان!؟.
شعرت أنها محاصرة تماما، حصار عينيه المنصبة نظراتها عليها تنتظر جواب بلهفة وحصار العربة التي تجلس فيها لا يفصلها عنه إلا بضع سنتيمترات قليلة لا تعلم اين يمكنها الهرب والاختباء من ذاك القيد اللامرئي الذي يطوقها اللحظة..
كل هذا لم يكن يساوى ذرة مقارنة بذاك الاضطراب اللذيذ الذي استشعرته يعربد بين جنبات صدرها يعبث كطفل ثائر بحنايا روحها..
لم تفه بحرف أو بالأدق لم تستطع ما دفعه ليدير العربة من جديد منطلقا إلى وجهتهما التي ما أن لاحت أمامها حتي تنفست الصعداء وترجلت سريعا تهرول باتجاه المدخل دون أن تجرؤ على الالتفات صوب العربة التي كان يجلس داخلها عبدالغني نظراته تتعقبها حتى اختفت وما حصل على ردها حتى يرتاح قلبه الحائر المتوقي لقربها والراغب فيه حد اللامعقول..