“مُغتربه داخل قلبه”..(3).
———
قطـب چوزيف بين حاجبيه في حيره وإستفهـام شديدين ، ليضيّق عينيه مستفهمـًا بنبرة ثابتة فهو يُحاول مليًا تـرويض هذه المُشاكسـه ولكن لحديثهـا وَقع قوي عليه :
– ماذا تعني بقولكِ ، بأن اليهوديه هي النسخة الأولي من الإسلام ؟! ، أرغب بتفسيـر لذلك !
تنقـلت اسلام ببصرهـا قليلًا ، ليستقر ناحيه إحدي الصخرات ذات المستوي العالي بعض الشيء ، وبثبـات أكثر في نبرتها تابعت وهي تذهب إليهـا :
– إذًا لـ أُفسر لك .
عقـدت كاثرين بين حاجبيها وقد ذمـت شفتيها بنفـور فقد ملت البقـاء مع هذه الـ..اسلام ، والتي هي من وجهه نظرها ، لا شيء سوي شخصية مُعقـدة ضلت طريق السعـادة بجلبابهـا ووشاحها هذا ،
مـالت اسلام بجذعها العلوي قليلًا حتي لامست أطراف أصابعها سطح الصخره ، لتطالعهمـا مُجددًا بإبتسامة ثابتة :
– هذه صخـره ، قابله للاشتقاق ، أي يمكننا أن نشتق منها قوالب الطوب ، والتماثيل وغيرها ، أليس كذلك ؟! ، أجل كذلك ، أي اننا لا يُمكننا إنكـار أن هذا التمثال الذي يُسـاوي ملايين الدولارات هو في أصله من هذه الصخره .
وضع چوزيف يديه في جيبي بنطاله ، يُطالعهـا بنظرة هادئه دون أن ينبس ببنت شفةٍ ، لتُقاطعه الأُخري بإنعـدام صبر :
– مـاذا تهذي هذه ، انا لا أفهم من حديثهـا شيء ، ولكن من الواضح بأنها حمقـاء ، واستماعنـا إلي حديثها يُعتبـر أكبر حماقة ، فنحن هنـا للسياحة فحسب .
أومأ چوزيف برأسهِ مُتفهمًا لحديثها ، ليعقب إيماءته غمـزه من عينيه لهـا جعلهـا تلتزم الصمت فضولًا فيمـا ينتوي فعله ، ليطالع اسلام مُجددًا وهو يهتف بتساؤل :
– وما علاقة هذا بإجابة حديثي ؟!
اسلام ببرود :
أقصد بأن دينكم الذي تظنونـه هو الحق وليس غيره ، لم يكُن في حقيقته سوي الإسلام في إصداره الأول ، وكُل نصوص التوراة القديمة هي في ذاتها تعاليم اسلاميه ولكن في زمـن ما قبل مجيء محمد أو عيسي ، أي لكُل زمن رسـول جاء برسالته لهداية النـاس ، والكتاب الذي أُنـزل عليه يشير إلي وجود الإصدار القادم منه ، وجميع الرُسل وكُتبهم السماويه تهـدف إلي الاسلام في نهاية المطـاف ولا يوجد بعد الإسلام دين أخر ، لان نبي الإسلام هو خاتم المُرسلين ، فإن الدين عند الله الإسلام .. سواء التوراة التي نادت بالإسلام في زمن اليهوديه ، او الإنجيل الذي نادي بالإسلام في عصر مجيء المسيحيه حتي زمننـا هذا ، بعدما وضحت الرؤيه وأصبح الحق واضح كـ عين الشمس .
صمــتت لوهلة لتُشير بإصبعها السبابة ناحيه تلك الـ كاثرين ثم تابعــت بثبات :
– وكما قالت هذه ، مجيئكم هنا للسياحة فقط ، فاليتها تُدرك هي ذلك قبل أن تستهجن ديني أو تذم عروبتي وتُنسب فلسطيننـا لهـا .
في تلك اللحظه همـت كاثرين بفتحِ فمهـا لتتحدث ثائره مُجددًا ، لتجده يرفع كفـه أمامها لتتمهـل قليلًا وبصوتِ أجشٍ ردد وهو يتنقل ببصره بينهمـا :
– ليس أمامنا سوي إحترام رأيك هذا ، فنحن دائمًا نهتف بالحُرية .. وإذا تفضلتي سيدة إسلام ، فلنواصل برنامجنا لهذا اليوم ! ، أهُنـاك إعتراض علي هذا ؟!
اسلام وهي تتقـدم للأمــام قليلًا :
– بلي .
تابعـت اسلام برنامجهـا التي أعدته هي بنفسهـا لهما حفاظًا علي ماء وجه والدهـا ، ولكنها أدركت للحظة بأنها أستخدمت الصلابة إلي حـد ما معهما ، كيف فعلت هذا ! ، وهي دائمًا التي تحث الجميع علي حُسن معاملة أصحاب الديانات الأخري ، ولكنها وجدت صعوبة في الأمر عندمــــا أُلقيت بين طياته وخاصةً بأن هؤلاء يهود ؟! ، غــابت الشمس وراء السحـاب ، ليستقر برنامج اليوم في نهايته حيث أحد النوادي الراقيه بالقــاهرة الكُبـري ، جلسوا معــًا حول طـاولة بالقُـرب من حوض السباحة وقد أُضيأت الأضـواء بالمكان لتعكس شعاعهـا علي حوض السباحة ، فتجعلـه من أجمل المنـاظر التي تسُـــر العين ..
رفعت طرف شوكتها إلي فمهــا ومن ثم إلتقطت الطعام به وراحت تلوكه في فتـور من أمـرها ، فقد أجبرهـا والدها بأن تُنهي اليوم بتناول العشـاء معهمـا ، داخل هذا المطعم الفاخر التابع لشـركة ضاهر الناصفي للسيـاحة والرحلات ، شـردت ببصرها في البعيـد ولم تلحظ ذاك الذي يُراقبهـا بإهتمام جليّ من طرف عينيه وفجأه قطـع سهـوهـا صـوت أحد الأشخـاص وهو يضحك بصخـب ..
رفعـت بصرهـا لتجد شـاب أخـر ومن الواضح جدًا أنه صديق لهم ،يقضي أجازته بمصر وقد جمعتهم الصُدفة ، هبت كاثرين واقفــه لتميل بجزعها العلوي ناحيه هذا الشـاب ثم تفرد أحد ذراعيها لتلتقطه بين أحضانها ويتبادلا القُبلات التي توحـي بما يربطهما من صداقـة ..
ذمت اسلام شفتيها الصغيرتين ، إلتفتت إينذاك ناحية چوزيف الذي يُراقبهمـا بسعادة مـنه ، فما كان منها إلا أن تُتـابع بنبره طفوليـه يشوبها الهمـس وهي تُطالعه بإندماج :
– ماذا تفعل ؟! ، ألن تضربها كفًا حتي تستفيق ممـا تفعله ! ، إن حبيبتـك تلك قبلتـك وبعدها تُقبل أخــــر ، حصـاد القُبلات في إزدياد ، أتدخرهم لموسم الجفــاف الذي سيحل عليها بأمــر الله !
قطــب ما بين حاجبيه وقد عَلت علامـات الجديه وجهه ليردف بجديه خالصة :
– إنه صديقهـا وهذا أمـر عادي ، فما شأنك أنتِ !
اسلام بإمتعـاض تهتف هامسـة بخيبة :
– ألا تشعُر بالغيره ، فيُقـال أنك تُحبها ، ولكن لا عليـك .. فما الصواب الذي تفعلانه حتي أندهش ممـا حدث الآن ؟! .. لقد تذكرت فأنت غربي مُتحــرر .
في تلك اللحظه قاطعها صوت كاثرين ، فيما لاحظت اسلام رحيل هذا الشـاب وهنا تابعت كاثرين بعصبية مُفرطة :
– أجل هو غربي مُتحـرر ، وليس شرقي إرهـابي .
ثم صـرت علي أسنانهـا وهي تهتف بنبرة عاليه بعض الشي ، وقد تعمـدت الضغط علي هذه الكلمــة ،
– مُسلم !
رمقتها اسلام بنظرة مُستخفة ، ثم نهضــت من مكانها ، ومن ثم نحت ببصرها إليها من جديد مُردفه بتهكم :
– أريد منكِ إجابة علي سؤالي قبل أن أرحل ، إنهـا فقط مسأله حسابيه أجد صعوبه في حلها لا أكثـر .
كاثرين بإنفعـــال :
– وما هي يا حمقـاء أنتي !
مـــدت اسلام أطراف أصابعها أسفل ذقن كاثرين ومن ثم تابعت بتهكم جليّ :
كم عدد القُبلات التي تلقيتيها في ضرب عدد الرجال الذين تلقيتي منهم هذه القُبلات وهذا يساوي سُعرات النار التي ستلتهمكِ في جهنم ؟! ، لأن العقل أنتِ لا تمتلكينه .
في تلك اللحظه استدارت اسلام لتواليهـا ظهرها مُعلنة عن إنتهـاء برنامج اليوم ، بل الإنتقـام من قيود والدها لتجد وفجأه يـد قد مُـدت إلي ظهرها تدفعه بقوة حتي سقطت في حوض السباحة …
فغــرت اسلام فاهها في صدمة منهـا ، تارة تنظـُر لثيابها المُبتل كُليًا وأُخري تنظُر إلي تلك التي ترمقها بنظرة تشفِ وإبتسامة بـارده ..
تعالت الضحكات من قبلهم ، ظلت كاثرين تضرب كفًا بالآخر وصوت نغمات ضحكها يعلو رويدًا رويدًا ، وهنـا تابع چوزيف من بين قهقهاته :
– أستحقيتي هذا وبجدارة ، يا ذات اللســان السليط .
ترقـرقت العبرات في مُقلتيـها ، ولكنها أقسمت علي أن لا تضل طريقها نحو الثبــات حيث تابعت بنبرة صارمة :
– ستدفعين ثمن هذا غاليًا ، يا رأس البطيخ ، بلي يا يا فتـاة القُبلات الرديئـه .
كاثرين بقهقه باردة وقد عقدت ذراعيها أمام صدرهـا :
– ومــا هي القُبلات الجيدة في نظـرك ؟!
– لن تفهمي ، فمن هم داخل المُستنقع لا يعلمون شيء عن النقـاء خـارجه .
ألقــت هذه الكلمـات جُزافًا ، فشد ما لفت إنتباههـا تلاصق ملابسها علي جسدها النحيل بشكلِ أثـار نفورها ، لوت شفتها السُفلي في إمتعـاض وأوشكت بالفعل علي البُكـاء من هذا المنظـر وهنـا رددت بنبرة خافته :
– الآن كيف سأذهب بهذه الملابس ، فقد أصبحت تُفصل كُل جسمي تفصيلًا .
استحــالت قسمات وجهه من الضحك إلي الـ ..، لا يجد لهُ مسمي ولكنه قد سمع غمغماتها الخافتـه ، ليتجه ناحيتها ثم يمـد يده لهـا بعد أن نزع عنه سترته :
– هلا إرتديتي هذه السُتــره مؤقتًا لحين عودتكي إلي المنـزل ؟! .
اسلام برفض قاطع :
– فـ لأبقي هنـا طيلة الدهـر ، ولا أرتدي هذه .
چوزيف بشحوب :
– أنا لا أفهمـك ، أُقدم لكِ يد المُساعدة ، بينما تُقابلين هذا بالرفض !.
رفعــت اسلام أحد حاجبيه وقد نحت ببصرها إلي هذا الشيء ، تفكر قليلًا لتعيد النظـر إليه قائلة بثبات :
– إذًا إن أردت مُساعدتي حقـًا ، فلتُحضر ليّ الهاتف من داخل حقيبتي !.
إنتصــب واقفًا مُجددًا وهو يوميء برأسه مُجيبًا علي رغبتهـا ، استدار صوب هذه الحقيبه ، مـد يده بهـدوء شديد داخل حقيبتـها وبالفعل وقعت عيناه علي هاتفهــا وقبل أن يُعيد غلقها من جديد ، انتبه لهذا الشيء الغريب – قلادة علي شكل مصحف مطعم بالذهب – ، تنهـد بإستغراب ومن ثم عـاد إليها بالهـاتف ، لتتم إتصالهـا العاجل والهـام …
بعد مـرور حوالي النصف ساعة ، دلفـت بسيارتها داخل الباحة الخارجيه للفُـندق حيث دارت حول خوص دائري من الرُخـام به نافورة ميـاه مطعمه بالفضـه لتوقف سيارتها علي الفور أمام هذا الدرج الرخامي وسـرعان ما ترجلت منهـا حتي تخطت باب المطعم المُلحق بالفندق ، لتتوجه ببصرها ناحية حوض السباحة وتجد بالفعـل صديقتهـا مُلـقاه به ، بشكلِ سيء …
هــرولت إليها جودي ، وقد إبتلعت ريقها بصعوبة في قلقِ علي صديقتها ، أسرعت بمحاوطة جسدها بمنشفه كبيرة قد أحضرتهـا معها ثم إحتضنتها بذراعها مُغـادرين المكان …
——
” في صباح اليوم التالي،،،
دلفـت داخل الصالة المُخصصة لتناول الطعام بالفُنــدق ، لتجده يجلس إلي طاولته فقد إعتاد تناول فطوره في ساعة مُبكرة ، ولكن ! ، يجلس وحده ! ، أين هي الآن ؟!
ســارت اسلام بخُطي واثقه ناحيته وقبل أن تتفوه بكلمة وجدت والدتها يهتف بنبرة حـازمة من خلفها :
– أهلًا سيد چوزيـف .
ثم إنتقــل ببصره إلي ابنته :
– أهلًا حبيبتي ، أتناولتي فطوركِ قبل الشروع في العمل !
بادلته اسلام إبتسامة هادئه ثم أومـأت برأسها إيجابًا ولكنها سرعان ما انتابها القلق حين تابع والدها متوجهًا بالحديث إلي چوزيف :
– أردت مُقابلتي في موضوع لا يحتمل الإنتظـار ، أليس كذلك سيد چوزيف !
وضع چوزيف شوكته جانبًا ثم أومأ برأسه مؤيدًا لحديث السيد ضاهـر وقبل أن يتفـوه بكلمة ، وجد نظرات عينيها تُحذرانه من ان يشي بها إلي والدها ، فيمـا إِفتر ثغره عن إبتسامة هادئه وقد لمح تعبيرات وجهها ، وراح يردد بثبـات :
– أجل ، ولكن ليس الآن ، فأنا مُتحمس حقًا لبرنامج اليـوم .
ضاهر بتفهمِ :
– إذًا فليكن في وقت لاحق ، طاب يومكم .
غــادر السيد ضاهر علي الفـــور وقبل أن يتثني لـ چوزيف الحديث وجدها تُتابع بثبات :
– أين هي تلك ؟!
چوزيف ببرود : غادرت فجر اليوم .
اسلام وقد فتحت عينيها علي وسعهمـا :
– كيف هذا ؟! ، فـ الجراد لا يترك صاحبه ولو حتي بالمزمـار البلدي .
تابع چوزيف بنبرة هادئه وقد تختلف في نغمتها قليلًا عن المرات السابقة :
– أردت التخلُص منها ، فـ طيلة الليل وانا أُفكـر في حديثكِ ، وقد أثار إهتمامي ، فقد أحسست للحظة بصدق ما قولتيه .
اسلام بعد تصديق :
– صدق !
شــرد چوزيف في هذه اللحظـة لمّا حدث قبل ساعات حينما أقنع رفيقته بمُغادرة مصر والعودة لموطنهما ، حتي لا تنشب نيران العداوة بينهما أكثر من ذلك ، وقد أقسم علي أن يجعل اسلام هذه تركع لهمـا ، فـ سينتقم منها بشتي الطُرق ، ويُثبــت لها أن ما قالته وسوف تهزي به لم يكُن سوي هـراء …
حـك چوزيف ذقنه ، بطرف أصابعه ثم شقت إبتسامة خبيثة علي ثغره قائلًا :
صـدق .. ولكن أود أن أُخبركِ بشي !
اسلام بإستفهام :
– ماذا ؟!
چوزيف وقد نهض ليقف قبالاتهـا علي الفـــور وبنبرة هادئه تابع :
– أُريدكِ معي ، فهل تقبلين بي زوجًا