قصة الكاشف
“بعد إذن عدالة المحكمة.. جريمة القتل حدثت بين الساعة الرابعة والساعة الرابعة والنصف.. أي حال وجود الشاهد في حديقة الحيوان.. نستخلص من هذا يا حضرات المستشارين.. بأن الشاهد.. ماشافش حاجة…”
ضحكت لما سمعت المقطع ده من مسرحية شاهد ماشافش حاجة، بصوت الممثل القدير.. أستاذ بدر نوفل.. او زي ما كان إسمه في المسرحية، المحامي خليفة خلف الله خِلف خلاف.. ضحكت وانا بكمل سماع المشهد، وفي نفس الوقت كنت بصب المايه المغلية من الكاتل في كوباية عشان تتحول لشاي بسبب باكيت الشاي اللي حطيته في الكوباية من ثواني.
صبيت المايه وحطيت الكاتل مكانه، قلبت كوباية الشاي وبعد كده غسلت المعلقة بمايه وحطيتها في مكانها، مسكت كوباية الشاي واتمشيت بحذر لحد ما وصلت للطرابيزة اللي في الصالة، حطيت الكوباية عليها وقعدت على الكنبة اللي قصادها، ركزت مع صوت التلفزيون اللي المفروض قصادي على طول، ريحت جسمي وابتديت اسمع بقية المشهد وانا عمال اضحك.. فضلت اضحك واضحك لحد ما غصب عني بكيت وانا بلف وشي ناحية جنبي اليمين…
“عارف إنك بتحبي المسرحية دي.. فاكرة يا نجلاء.. فاكرة لما كنتي بتقعدي تتفرجي عليها وانا بفضل اصدعك بأسئلتي عن كل التفاصيل طول المسرحية وانتي عمرك ما زهقتي!.. طب فاكرة لما كنتي بتضحكي على سرحان عبد البصير وهو.. وهو….”
سكتت لما ماقدرتش امسك نفسي، غصب عني دخلت في حالة إنهيار.. بكيت بحرقة لثواني، بعدهم تماسكت وانا بكمل كلامي..
“وحشتيني اوي.. الدنيا بقت ضلمة اوي من غيرك، ايوة.. بقت ضلمة اكتر، النور اللي جوايا انطفى من بعدك.. لسه صورتك محفورة بصوتك جوة قلبي، مع إن عمري ما شوفتها، بس انتي محفورة جوايا بقلبي اللي شافك وإيديا اللي لمستك.. وحشتيني اوي يا نجلاء ووحشتني قعدتنا سوا وكلامنا و…”
قطع كلامي مع نفسي صوت خبط على الباب!
مسحت دموعي في منديل طلعته من جيبي وقومت من مكاني بالراحة، لحد ما مسكت أوكرة الباب وفتحت…
-مساء الخير يا أشرف يا ابني.
قصة الكاشف
بلعت ريقي وابتسمت ابتسامة بهتانة..
-ممم مساء النور يا أستاذ أمين.. اتفضل اتفضل.. تعالى اشرب معايا الشاي، اصلي لسه صاحي بقى وبحاول افوق وكده يعني، ما انت عارف إن انا عكس الناس.. بنام بالنهار وبصحى بالليل عشان..
قاطعني قبل ما اكمل كلامي..
-لا لا لا.. الف شكر، انا بس كنت جاي اقولك إن انا عاوز الإيجار المتأخر.
-ها!.. الإيجار اه.. معلش يا استاذ أمين، انا مش هقدر ادفعه كله مرة واحدة، انا ممكن ادفع لحضرتك ٣٠٠ جنيه دلوقتي، وكمان كام يوم هبقى اديك ٢٠٠ كمان.. والباقي هبقى ادفعه لحضرتك لما تيجي تاني، او مثلًا ممكن اديه ل لؤي لما يفوت عليا و
لا حاجة.
-٣٠٠!.. ٣٠٠ ازاي بس وانت متراكم عليك حوالي ٤٠٠٠ جنيه، ولا انا عشان بعتبرك زي ابني وبفوتلك ومابرضاش اطالبك بالإيجار اول باول، تقوم تسوق فيها وماتدفعش!.. وبعدين يا سيدي ما انت شغال في فرقة وبتاخد يومية كويسة، ادفع اللي عليك عشان ربنا ينورهملك يوم القيامة.
اتحرجت لما قال لي كده ورديت عليه بحزن وارتباك..
-والله العظيم غصب عني.. انا اه شغال في فرقة وبيطلع عيني، بس والله العظيم انا يوميتي مش زي ما انت فاكر، انا يا أستاذ أمين عايش بالعافية، ده انا حتى بدفع مصاريف النور والمايه والتاكسي و…
-خلاص خلاص.. انا هديك يومين وتكون على الأقل محضرلي نص المبلغ، غير كده هكون رايح للقسم ومبلغ.. والحكومة بقى تبقى تاخد منك الإيجار بمعرفتها.. مش جمعية الوفاء والأمل هي، دي عمارة محترمة وشققها كلها إيجار قديم.. يعني الشهر إيجاره مابيعديش ال ٤٠٠ جنيه، ده انت يا راجل لو شيلت في اليوم ١٥ جنيه، هتدفع الإيجار مرتاح.. انا خلصت اللي عندي، سلام.
قصة الكاشف
خلص كلامه ونزل على السلم، خطواته كانت تقيلة، ريحته بايخة ومملة ورتيبة، ريحة شخص عمره عدى الستين، وماقصدش هنا ان ريحته وحشة لا.. انا اقصد ان ريحته بالنسبة لي كانت مميزة، ماهو كونه راجل عجوز بتبقى ريحة برفانه وريحة الادوات اللي بيستعملها، من مساحيق حلاقة لحاجات تانية، بتبقى مميزة جدا بالنسبة لي كشخص بيهتم بالتفاصيل..
رزعت الباب بعد ما اتأكدت إنه نزل لحد الدور اللي بعدي، دخلت الشقة ورجعت مكاني، مسكت كوباية الشاي اللي كانت بردت شوية وابتديت اشرب منها وانا مركز مع المسرحية لحد ما تليفوني رن، طلعته من جيبي وطفيت الصوت وقومت من مكاني ناحية أوضة النوم عشان البس، ايوة.. رنة الموبايل دي معناها إن الساعة دلوقتي عشرة ونص.. وده معناه إنِ لازم اقوم البس واجهز نفسي عشان التاكسي بيجيلي قصاد العمارة، الساعة حداشر إلا ربع.
دخلت الأوضة وغيرت هدومي وخدت الناي بتاعي، بعد كده خرجت منها وطفيت التلفزيون ونزلت من على سلالم العمارة بحذر لحد ما وصلت للباب.. وقفت في الشارع شوية قصاد العمارة لحد ما سمعت صوت منصف سواق التاكسي..
-يا عم اشرف.. انا جيت..
قرب مني وركبني التاكسي، وبعد السلامات، اتحرك بيا ووصلني لحد النايت كلوب.. او بالبلدي كده، الكباريه اللي انا بشتغل فيه، دخلته وعزفت مع الفرقة لحد الصبح.. وبعد ما خلصت شغل على الساعة ٥ ونص بعد الفجر كده، خرجت عشان اركب مع منصف ويوصلني لبيتي.
طلعت البيت وانا هلكان من التعب، غيرت هدومي وفتحت التلفزيون لأن صوته الواطي بيسيلني وانا نايم، بس قبل ما انام، وغصب عني، حصل لي زي كل يوم.. عقلي ابتدى يقلب عليا المواجع وافتكرت كل حاجة عديت بيها في حياتي، من يوم ما اتولدت.. لحد اليوم ده.
انا اشرف عواد، عندي ٣٦ سنة.. بشتغل عازف ناي في فرقة من الفرق اللي بتعزف في الكباريهات، اتولدت كفيف.. او زي ما الناس بيقولوا عليا، اعمى!
قصة الكاشف
ابويا وامي اللي ماكنش حيلتهم غيري، ماتوا ورا بعض وانا لسه عيل صغير، بعدها خدني عمي ورباني في بيته لحد ما كبرت واتجوزت بنته نجلاء.. نجلاء حب عمري وبنت عمي، عكازي اللي كنت بتسند عليه، وعيوني اللي ربنا عوضني بيها، ماكانتش زي كل البشر اللي بسمع صوتهم، دي الوحيدة اللي صوتها كان بيدخل جوة قلبي.. ومرت السنين بعد جوازنا في الشقة الإيجار القديم اللي ورثتها عن ابويا، واحنا زي ما احنا.. ماخلفناش، ولما روحنا لدكتور عشان نعرف السبب.. قال لنا إن العيب مش مني ولا منها والله، بعدها ادانا علاج لما مشينا عليه بقت حامل… بس تعرف، العيب حقيقي ماكنش مننا احنا ولا الغلطة كانت غلطتنا، العيب والغلط كان من القلب.. قلبها الكبير اللي عاش شايلني طول العمر، وقِبل بيا كحبيب وزوج برغم حالتي، القلب ده كان حجمه أكبر شوية من المعتاد، وعشان كده ماستحملتش، قلبها ماستحملش، في الشهر السابع وهي بتولد.. ماتت، ماتت هي والجنين، وبعدها مات عمي ومراته، وانا.. انا بقيت لوحدي.. بقايا بني أدم، لا بقيت عايز اتجوز ولا اعمل اي حاجة في حياتي غير إن انا اكل واشرب واشتغل لحد ما اموت.. اه، انا اوقات كتير بدعي ربنا وبقوله وانا ببكي..
“ارحمني.. ارحمني يارب وخدني عند مراتي وامي وابويا، انا مابقتش عارف اعيش.. حقيقي مابقتش عارف اعيش ولا حتى بقيت لاقي سبب واحد اعيش عشانه..”
لكن دعوتي ماكانتش بتستجاب، اكيد ربنا سايبني عايش لحد دلوقتي لسبب.. والحقيقة انا ماكنتش عارف السبب ده لحد اللي حصل بعد كده والي هتعرفه لما اكمل لك.
انا لما نمت بعد تفكير وحزن كالعادة، صحيت من النوم على صوت خبط على باب الشقة، لما قُمت وفتحت، سمعت صوت لؤي ابن الحاج أمين صاحب العمارة..
-ازيك يا أشرف.
ابتسمت لما سمعت صوته ومديتله إيدي..
-لؤي.. نورت يا حبيب قلبي، ادخل تعالى.
مسك إيدي ودخلنا قعدنا انا وهو في الصالة..
-فينك يا ابني.. عاش من سمع صوتك.
لما قولتله كده، رد عليا بصوت حزين..
-معلش بقى يا صاحبي، ما انت عارف اللي فيها.
رديت عليه وانا بقرب منه..
-عارف يا حبيبي عارف.. عارف وحاسس بيك، الله يرحمه اكرم كان مش بس صاحبك زي حالاتي كده، ده كان عشرة عمرك واكتر من اخوك.. بس هنعمل ايه يعني، دي إرادة ربنا.. ادعيله يا لؤي، ادعيله إن ربنا يرحمه ويغفرله.
طبطب على رجلي وقال لي..
-الله يرحمه ويديك الصحة يا طيب.
بعد كده حسيت إن لؤي بيمد إيده في جيبي وسحبها تاني..
-بتعمل ايه يا لؤي؟!
-مابعملش حاجة.. انا عارف الظروف، وكمان عارف إن ابويا طلب منك ألفين جنيه، ماتزعلش منه يا اشرف.. هو ده طبعه، بس ماتقلقش.. الألفين جنيه معاك اهم، لما يجيلك اديهمله وخد منه نُص الوصولات.
مديت إيدي في جيبي وطلعت الفلوس وانا بقول له..
-بس.. بس انت يا لؤي داخل على جواز واكيد محتاج لكل قرش عشان توضب شقتك.
طبطب عليا وباس راسي وهو بيقولي..
قصة الكاشف
-فلوسي هي فلوسك.. وتوضيب الشقة بتاعتي يعني مش هيقف على ألفين جنيه، حط الفلوس في جيبك ولما يجيلك ابويا بكرة اديهاله، وسيبك بقى من ده كله وقوم اعملنا حاجة نشربها.. انا مش هدخل المطبخ يا سيدي عشان ماحركلكش حاجة من مكانها، اه.. ما انا عارف إنك بتضايق لما حاجة في البيت بتتحرك من مكانها.
قُمت من مكاني وروحت ناحية المطبخ وانا بقوله بهزار..
-اه يا سيدي.. حقك، انا هقوم اعملك انا اللي انت عاوزه، ما انت صارف ومكلف.
ضحك على كلامي وقام دخل معايا المطبخ، وفضلنا نتكلم ونهزر لحد ما بعد شوية نزل وانا نزلت وراه لمنصف اللي جه خدني بالتاكسي.. اه بالمناسبة.. منصف ده يبقى سواق تاكسي معرفة لؤي برضه، عرفني عليه واتفقت معاه إنه كل يوم يجي ياخدني من البيت وينزلني قدام الكباريه والعكس.. وكالعادة.. كالعادة عدى اليوم وخلصت شغل ورجعت نمت الصبح، وبالليل صحيت لبست ونزلت في ميعادي، لكن في اليوم ده وانا نازل، شميت على السلم ريحة برفان غريبة.. ماكانتش ريحة برفان عادية، دي كانت ريحة غريبة كده عاملة زي ريحة اللمون.. ماهتمتش ولا وقفت، انا نزلت وركبت مع منصف اللي وصلني للكباريه، وبعد ما خلصت شغل ورجعت في معادي برضه.. سمعت وانا داخل عند باب العمارة دوشة، قربت من الباب وانا بحرك العصاية اللي في إيدي شمال ويمين..
-ايه.. مش تفتح يا أخينا!
اتنحنحت اول ما اللي العصاية خبطت في حد، كان شخص صوته غليظ، رديت عليه بصوت واطي وبإحراج..
-انا متأسف والله.. انا متعود إن حوش العمارة بيبقى فاضي في وقت زي ده، وبعدين لو على موضوع افتح، فانا حقيقي أسف لأني مش هقدر افتح.. انا كفيف.
حسيت بالشخص ده بيقرب مني اول ما قولتله كده..
-انا اللي أسف يا استاذ والله.. ماتأخذنيش، هو حضرتك ساكن هنا؟!
-اه.. في الدور الخامس، لكن.. لكن هو ايه الدوشة دي، هو في حاجة ولا ايه.. دي الساعة تقريبًا خمسة الصبح!
مسك الراجل دراعي وقال لي..
-اه في.. الست فاطمة اللي ساكنة في الشقة اللي تحتك على طول، اتقتلت.
اول ما قال لي كده اتصدمت..
-استاذة فاطمة مرات استاذ فهيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله، اتقتلت ازاي.. وبعدين هو حضرتك مين؟!
جاوبني وهو بيشدني من دراعي بالراحة..
-انا الظابط عُمر ناجي.. تعالى اوصلك لحد شقتك ونكمل كلامنا فوق، لأني محتاج ادردش معاك شوية.
سمعت كلامه وطلعنا سوا، دخلت انا وهو الشقة وبعد ما قعدنا سألته..
-اتقتلت ازاي يا فندم؟!
-مافيش يا سيدي، فهيم جوزها اللي بيشتغل برة واللي بيكلمها كل يوم بالليل قبل ما ينام، و كمان الصبح اول ما يصحى.. الراجل لما اتصل بيها كذا مرة وهي ماردتش عليه قلق، وقلقه ده خلاه يكلم حد من الجيران.. والجار اللي اتصل بيه فهيم راح للشقة وفضل يخبط كذا مرة وماحدش فتح له.. ف اضطر في النهاية إنه يكلمه ويقوله إنها مابتفتحش، وقتها قلق فهيم زاد اكتر وخصوصًا إنها مش عند اي حد من قرايبهم.. فقال للجار ده يكسر الباب، وفعلا الجار لَم بقية الجيران وكسروا الباب، واول ما دخلوا لقوها مقتولة، راسها متكسرة.. الظاهر إن حد مسك دماغها وفضل يخبطها في الحيطة بقوة لحد ما اتكسرت.
انزعجت من كلام الظابط وقولتله بتوتر..
-لا حول ولا قوة إلا بالله، وده حصل ازاي وامتى؟!
-والله يا استاذ…. إلا هو انت اسمك ايه؟!
مديت إيدي في جيبي وطلعت بطاقتي ومديت بيها إيدي للظباط..
-اشرف عواد.. عندي ٣٦ سنة، بشتغل عازف ناي في نايت كلوب، شغلي بيبدأ الساعة حداشر ونص تقريبا او ممكن قبل كده بشوية، وبيخلص على بعد الفجر.
قصة الكاشف
-ااه.. عشان كده راجع العمارة متأخر، طب انت نزلت الساعة الكام النهاردة؟!
-كعادتي يعني يا فندم.. بعد عشرة ونص، ماعرفش كام بالظبط، بس هو من بعد عشرة ونص، لحداشر إلا ربع.
-يعني انت كنت موجود وقت وقوع الجريمة، اصل المعاينة المبدئية للطب الشرعي، بتُرجح إن جريمة القتل حصلت على الساعة ٩ كده، هو انت ماسمعتش حاجة غريبة في الوقت ده؟!.. يعني، دربكة، خبط.. صوت صويت مثلًا!
-لا يا فندم ماسمعتش حاجة خالص، انا اصلًا ببقى معلي التلفزيون من بعد ما بصحى، صوته بيفوقني وبيونسني في البيت.
حط الظابط البطاقة في إيدي وهو بيقولي..
-تمام يا استاذ اشرف.. بس اعمل حسابك إننا ممكن نحتاجك في القسم او في النيابة، وماتقلقش.. هم نفس الكلمتين اللي قولتهملي دلوقتي، هتروح تقولهم وهتمشي على طول.. بس.. هو حضرتك عايش لوحدك!.. ماحدش بيساعدك في أمورك اليومية؟
كان بيقولي كده وانا حاسس إنه بيتلفت حواليه وبيبص جوة الشقة، فقومت وقفت وانا برد عليه..
-اه يا فندم.. زوجتي متوفية ومن قبلها ابويا ومن قبله أمي، وحقيقي كده أريح، انا اتعودت اخدم نفسي بنفسي.
-طيب.. ربنا يقويك، انا هنزل عشان رجالة المعمل الجنائي لسه شغالين، بس اعمل حسابك.. زي ما قولتلك، ممكن نستدعيك في اي وقت.
هزيتله راسي بالموافقة..
-تحت أمر حضرتك في أي وقت، ولو افتكرت اي حاجة هاجي وابلغها لحضرتك.. دي جريمة قتل.. واللي عملها لازم يتعاقب.
خلصت كلام مع الظابط اللي سابني ونزل، قفلت الباب وراه ودخلت الشقة غيرت هدومي وشغلت التلفزيون ودخلت كلتلي لقمة وبعد كده دخلت انام، حطيت راسي على المخدة وقبل ما احاول اروح في النوم على صوت التلفزيون الواطي اللي جاي من الصالة، فجأة قلقت لما لقيت صوت التلفزيون سكت!
قُمت من على السرير وخرجت من الأوضة عشان اعرف التلفزيون سكت ليه، بس اول ما خرجت، وقبل حتى ما اشوف الكهربا إذا كانت قاطعة ولا لأ، اتثبتت في مكاني.. جت لي حالة من الرعب لما سمعت حواليا أصوات تخبيط، والمصيبة بقى إن الأصوات دي كانت خارجة من الحمام!
يتبع
(ده الجزء الأول من قصة الكاشف.. )
الكاشف
٢
خلصت كلام مع الظابط اللي سابني ونزل، قفلت الباب وراه ودخلت الشقة غيرت هدومي وشغلت التلفزيون ودخلت كلتلي لقمة وبعد كده دخلت انام، حطيت راسي على المخدة وقبل ما احاول اروح في النوم على صوت التلفزيون الواطي اللي جاي من الصالة، فجأة قلقت لما لقيت صوت التلفزيون سكت!
قُمت من على السرير وخرجت من الأوضة عشان اعرف التلفزيون سكت ليه، بس اول ما خرجت، وقبل حتى ما اشوف الكهربا إذا كانت قاطعة ولا لأ، اتثبتت في مكاني.. جت لي حالة من الرعب لما سمعت حواليا أصوات تخبيط، والمصيبة بقى إن الأصوات دي كانت خارجة من الحمام!
بعدها على طول ابتديت اسمع صوت حد بيتكلم، بس ده مش صوت أي حد، ده صوت راجل انا عارفه كويس..
-بطل لعب يا أشرف لا تتعور… انا خلصت حلاقة وجايلك اهو.
ايه ده!.. ده صوت ابويا الله يرحمه، بس الاغرب من صوت ابويا بقى هو الصوت التاني اللي سمعته، كان صوت عيل صغير رد عليه..
-حاضر يا بابا.. يلا خلص بقى عشان انا جعان اوي.
ابتدا صوت ابويا يقرب اكتر… وكأنه خرج من الحمام..
-ايوة يا حبيبي انا خلصت اهو.. تعالى بقى على المطبخ عشان نحضر الغدا سوا.
ومع كلام ابويا ده أدركت إن اللي قدامي، هو مشهد حصل زمان ما بيني انا وابويا قبل ما يموت!.. لكن من بعد سكوت ابويا بقى وانا حسيت بحركة وأصوات حواليا، وكأن في حد بيمشي في الصالة وهو قاصد إنه يطلع صوت عشان يعرفني إنه موجود..
قصة الكاشف
-مين؟.. ممم مين في الشقة؟!
قولت كده وابتديت احسس بإيديا عشان اوصل للكنبة، بس وسط ده كله لفت انتباهي حاجة مهمة اوي، حاجة اهم من الحركة ومن الاصوات ومن كل حاجة.. او بالظبط يعني هي كانت ريحة، نفس الريحة اللي شمتها وانا نازل على السلم يوم ما فاطمة اتقتلت وانا رايح الشغل، في الوقت ده حسيت إن في فكرة او ذاكرة نورت في عقلي، الريحة دي انا فاكرها كويس.. دي الريحة اللي كنت تملي بشمها في ابويا بعد ما بيحلق دقنه، ايوة ايوة.. دي الريحة اللي لما كنت بسأل ابويا عليها، كان بيقولي إنها كولونيا بيستعملوها الرجالة بعد ما بيحلقوا دقنهم!
فضلت سرحان ثواني.. لحد ما سمعت صوت واحدة ست، ومش أي ست.. ده صوت فاطمة جارتي اللي اتقتلت، عرفت اميزه كويس لأنها هي وجوزها كانوا بيطلعوا لي الفطار في رمضان اللي فات، وكمان لأني لما كنت بقابلها على السلالم، كانت بتسلم عليا.. وانا كشخص كفيف، حاسة السمع عندي اقوى من الناس العادية، وقتها اترعبت.. اترعبت وبلعت ريقي بصعوبة بعد ما قالتلي بصوت عالي ومزعج..
-صح.. امشي ورا احساسك.. امشي ورا احساسك يا أشرف، افتكر.. انا حاولت افكرك.. واللي تفتكره بلغ بيه.. هو اللي قتلني.. هو اللي قتلني..
وفضلت تكرر جملة هو اللي قتلني دي كذا مرة لحد ما زعقت فيها بصوت عالي..
-انتي جيتي ازاي.. انتي مش موتتي.. اسكتي بقى اسكتي اسكتي، صوتك مزعج.. اسكتي..
وفعلًا سكتت، بس سكوتها ده كان أسوء حاجة حصلت لأن بعده على طول ابتديت اسمع خبط وترزيع حواليا.. كأن عفش البيت بيتكسر حتة حتة، حطيت إيدي على وداني وابتديت اقرأ قرأن بصوت عالي وانا بلف في الصالة زي اللي مش عارف يعمل ايه ولا يروح فين.. وفي لحظة، حسيت بإيد بتزقني في صدري بقوة.. وبسبب الزقة دي، غصب عني رجعت لورا وانا بحاول اتفادى إنِ اقع، وبرضه ماقدرتش.. ماقدرتش اتفادى ده ووقعت على ضهري وانا حاطط إيدي على وشي، ومع وقوعي.. الأصوات كلها سكتت ومابقتش سامع إلا صوت واحد بس.. صوت خبط على باب الشقة!
شيلت إيدي من على وشي وابتديت امشيها على الأرض اللي انا قاعد عليها، لكن اللي اكتشتفته من ملمسها ومن صوت الباب اللي كان بعيد، إنها مش أرض ولا انا واقع في الصالة من أساسه، انا لسه نايم على سريري، وده معناه إن كل اللي اتعرضتله ده كان حلم!
خدت يادوب ثواني عقبال ما فوقت، بعدهم قُمت من على السرير وروحت فتحت باب الشقة.
-استاذ اشرف.. ازيك؟!
ماخدتش وقت كبير عشان اميز صاحب الصوت، ده استاذ فهيم جوز الست فاطمة اللي اتقتلت..
-انا كويس يا استاذ فهيم.. حمد لله عالسلامة والبقاء لله.
-الله يسلمك.. حياتك الباقية.
فتحت الباب على اخره وشاورتله يدخل..
-اتفضل اتفضل..
قصة الكاشف
دخل هو وانا دخلت وراه وقفلت الباب، ومع دخولي سمعت صوته الكرسي وهو بيقعد عليه، فروحت بلهفة وقعدت قصاده وانا بسأله..
-هو حضرتك رجعت من السفر امتى؟!
-من ساعات، اول ما عرفت الخبر حجزت مستعجل ونزلت على طول، ومع وصولي.. عديت على القسم وهناك قالوا لي اللي حصل بالظبط.. وبعد ما خلصت معاهم جيت على هنا، اتكلمت مع جارنا استاذ عبده اللي اكتشف اللي حصل لما اتصلت بيه وقولتله إن فاطمة مابتردش عليا، وبعد ما خلصت كلام معاه جيتلك..
وقتها حسيت إنه بيعيط وهو بيكمل…
-جيتلك يمكن تقولي على أي معلومة او أي حاجة ممكن تساعدني اعرف مين اللي قتل مراتي، انا هتجنن.. هتجنن ومش قادر استوعب، طب لو اللي قتلها عمل كده بغرض السرقة، ازاي الباب ماتكسرش ولا في حاجة نقصت من الشقة ولا حتى حاجة اتحركت من مكانها بحسب كلام كل اللي موجودين وكمان بحسب كلام حماتي… وبعدين هو اللي هيسرق كان هيسرق ايه يا حسرة، هو احنا بنشيل في بيتنا ملايين!
قربت منه وحاولت اواسيه..
-صلي على النبي كده واهدى.. الدموع مش هتساعدك في حاجة، صلي وادعيلها وادعي كمان إن الحكومة تقدر تلاقي اللي عمل كده.
-حكومة!.. حكومة ايه يا استاذ اشرف، دول يومهم بسنة، انت بس ساعدني.. قول لي لو فاكر اي حاجة او..
قاطعته بسرعة قبل ما يكمل كلامه..
-ماعرفش يا استاذ فهيم.. ما انا لو اعرف أي حاجة، بالتأكيد يعني كنت هقولها للظابط اللي جه ودردش معايا امبارح، انا اه كنت موجود وقت اللي حصل.. بس والله العظيم انا ماسمعتش اي حاجة بسبب صوت التلفزيون اللي كان عالي.
بعد ما قولتله كده، سمعت صوت الباب بيخبط، وبمجرد ما قُمت فتحت، سمعت صوت لؤي اللي كان بيخبط وهو بيقولي..
-ازيك يا أشرف.. في حد عندك ولا..
سكت لما قرب مني وكان واضح كده إنه بص جوة ولقى استاذ فهيم، في الوقت ده حسيت إنه سكت فجأة، وفي الحقيقة ماعرفش سكت ليه، لكني رديت عليه وانا بشاور جوة الشقة..
-اه.. استاذ فهيم يا لؤي.. ادخل ادخل.
دخل لؤي وسمعته بيقول لاستاذ فهيم بصوت مهزوز او متوتر..
-حمد لله عالسلامة.. البقية في حياتك يا استاذ فهيم، انا لسه والله عارف من ابويا اللي حصل.
بعد كده سمعت فهيم وهو بيرد عليه…
-حياتك الباقية يا استاذ لؤي.. طيب.. هستأذن انا بقى، وزي ما قولتلك يا استاذ اشرف.. لو افتكرت اي حاجة ابقى قول لي عليها، هات تليفونك اسجل لك رقمي.
اديته التليفون سجل رقمه عندي وبعدها خد بعضه ومشي، قفلت وراه الباب ورجعت قعدت انا ولؤي مع بعض وابتدى هو الكلام لما قال لي..
-والله يا أخي انا هتجنن.. مين اللي عمل العملة السودة دي وعمل كده ليه اصلًا، ده الراجل يا عيني الله يكون في عونه، انت ماشوفتش شكله عامل ازاي… عيونه وارمة وحمرة من كتر العياط.. ربنا يصبره بقى و..
كان لؤي بيرغي وانا مش مركز معاه، انا كنت مركز مع الريحة اللي كنت شاممها، ريحته.. الريحة دي نفس ريحة الكولونيا إياها!
-ايه يا عم اشرف.. ساكت ليه؟!
قُمت من مكاني وقربت منه وانا بقوله..
-قرب وشك يا لؤي.
قرب مني وابتديت امشي إيدي على وشه، دقنه لسه محلوقة، والريحة اللي طالعة منه هي كمان بتأكد كده..
-في ايه يا أشرف؟!
بلعت ريقي بتوتر ورديت عليه بتلقائية..
-لؤي.. انت حلقت دقنك امتى؟!
-امبارح الصبح، ماهو امبارح كان اخر يوم في الاربعين بتاع اكرم، وعشان كده قررت احلق دقني في البيت، ده انا حتى اتعورت وعمال احط في الكولونيا من امبارح عشان مش متعود احلق في البيت، يلا.. اهي جت كده ومانزلتش للحلاق بقى.. بس… بس سؤالك غريب، انت بتسأل ليه من أصله؟!
ماجاوبتش على سؤاله بجواب.. انا رديت بسؤال..
-لؤي.. انت كنت على علاقة بالست فاطمة مرات استاذ فهيم الله يرحمها؟!
سكت شوية، حسيت فيهم إنه بيجمع افكاره او بيرتب الكلام اللي هيقولهولي..
-لا.. لا لا طبعًا ما ما ماكنليش علاقة بيها، انت تقصد ايه يا أشرف؟!
سكتت.. ماردتش عليه، لؤي كان بيكدب عليا، ومع سكوتي سألني تاني..
-اشرف.. تقصد ايه بسؤالك ده فهمني، انت شاكك فيا؟!
-لا يا لؤي.. بس.. بس.. انا اعصابي متوترة شوية وحاسس اني متغلبط، الراجل صعبان عليا اوي، واللي عمل كده حد معاه مفتاح الشقة، يعني مش حرامي.
-طب وانا ايه دخلي بده كله.. انا مابجيش العمارة هنا اصلًا إلا عشانك انت، ما انت عارف… ما انت عارف إننا ساكنين بعيد عنها، وإن انا ماليش علاقة بأي حد من السكان، زي ما ليا علاقة بيك بحكم إن والدك الله يرحمه كان صاحب والدي، وانا وانت كنا صحاب من واحنا صغيرين وقت ما كنا عايشين في الشقة اللي فوقيك زمان.
هزيتله راسي وسكتت.. ماكنتش عارف ارد اقوله ايه، هل اقوله على موضوع الكولونيا ولا اسكت.. ماهو جايز اكون انا غلطان وظالمه، بس هكون ظالمه ازاي ولؤي شاب.. هو في شاب عادي ممكن بعد ما يحلق يستخدم كولونيا زي الناس بتوع زمان!
التفكير خلاني سكتت لدرجة إنه اتضايق وقال لي بنبرة صوت كان واضح فيها الزعل..
-بقولك ايه يا اشرف.. انا مقدر إن اعصابك تعبانة وإن اللي بيحصل مع فهيم فكرك بمراتك الله يرحمها، بس ده مش معناه إنك تشك فيا بالشكل ده.. وعمومًا، انا ماشي.. انا بس كنت جاي اقولك إن ابويا قال لي اعدي عليك النهاردة واخد منك الإيجار، هات الالفين جنيه اديهمله.
رديت عليه بسرعة..
قصة الكاشف
-لا يا لؤي.. حقك عليا، ماقصدش اضايقك، بس انا زي ما انت، قولت اعصابي تعبانة بعد اللي حصل..
قولتله كده واتمشيت ناحية أوضة النوم وانا بكمل كلامي..
-ثواني.. هجيبلك الفلوس.
دخلت جيبتله الفلوس اللي بعد ما خدها مني، اداني الوصولات المتأخرة وبعد كده مشي وسابني لوحدي.. سابني قاعد بتكلم مع نفسي وانا هتجنن…
“معقول يكون لؤي قاتل!… طب ولو هو اللي قتلها، قتلها ليه وازاي؟!.. وبعدين ريحة الكولونيا دي معناها ايه!.. انا هتجنن!!”
فضلت اتكلم مع نفسي وانا قاعد على كنبة الصالة لحد ما حسيت إن دماغي واحدة واحدة بتتقل، فردت جسمي على الكنبة وقولت اريح شوية لأن الظاهر كده ماعرفتش انام كويس بسبب الحلم او الكابوس اللي عيشته من شوية… وقبل ما تسأل نفسك انا زي عيشت كابوس، فانا هجاوبك.. الشخص اللي بيتولد كفيف بيحلم زيه زيك، لكن احلامه بتبقى شبه حياته بالظبط، اصوات واحاسيس وروايح.. إنما ألوان ونور، لأ.. انا ماعرفش يعني ايه نور، ماعرفش يعني ايه ألوان ولا ملامح.. انا لما بحلم بحس واسمع واشم، إنما مابشوفش في الحلم.. وده على عكس الشخص اللي اتولد بيشوف وبعد كده اتعرض لحادثة او لأي حاجة خلته يبقى كفيف، الشخص ده لما بيجي يحلم، ذاكرته وعقله الباطن، بيخلوه يشوف ألوان وصور حتى لو هو كفيف في الحقيقة.. وعشان كده انا سمعت وشميت وحسيت في الحلم اللي حلمته قبل ما اصحى على خبطات فهيم، وبرضه نفس اللي حصل في الحلم او الكابوس الأولاني.. حصل في الحلم التاني، اه.. ما انا لما فردت جسمي على كنبة الصالون، سمعت وقتها صوت باب شقتي بيتفتح، ومع صوت فتح الباب.. شميت نفس الريحة، ريحة الكولونيا!
يتبع
(ده الجزء التاني من القصة الكاشف..)
الكاشف
٣
“معقول يكون لؤي قاتل!… طب ولو هو اللي قتلها، قتلها ليه وازاي؟!.. وبعدين ريحة الكولونيا دي معناها ايه!.. انا هتجنن!!”
فضلت اتكلم مع نفسي وانا قاعد على كنبة الصالة لحد ما حسيت إن دماغي واحدة واحدة بتتقل، فردت جسمي على الكنبة وقولت اريح شوية لأن الظاهر كده ماعرفتش انام كويس بسبب الحلم او الكابوس اللي عيشته من شوية… وقبل ما تسأل نفسك انا زي عيشت كابوس، فانا هجاوبك.. الشخص اللي بيتولد كفيف بيحلم زيه زيك، لكن احلامه بتبقى شبه حياته بالظبط، اصوات واحاسيس وروايح.. إنما ألوان ونور، لأ.. انا ماعرفش يعني ايه نور، ماعرفش يعني ايه ألوان ولا ملامح.. انا لما بحلم بحس واسمع واشم، إنما مابشوفش في الحلم.. وده على عكس الشخص اللي اتولد بيشوف وبعد كده اتعرض لحادثة او لأي حاجة خلته يبقى كفيف، الشخص ده لما بيجي يحلم، ذاكرته وعقله الباطن، بيخلوه يشوف ألوان وصور حتى لو هو كفيف في الحقيقة.. وعشان كده انا سمعت وشميت وحسيت في الحلم اللي حلمته قبل ما اصحى على خبطات فهيم، وبرضه نفس اللي حصل في الحلم او الكابوس الأولاني.. حصل في الحلم التاني، اه.. ما انا لما فردت جسمي على كنبة الصالون، سمعت وقتها صوت باب شقتي بيتفتح، ومع صوت فتح الباب.. شميت نفس الريحة، ريحة الكولونيا!
قعدت في مكاني وابتديت اركز مع الأصوات اللي سمعتها، والأصوات دي كانت جاية من أوضة النوم، كانوا صوتين بالتحديد.. صوت واحدة ست، وصوت راجل.. وشوية شوية ابتدت الأصوات تقرب وتوضح اكتر..
-يلا.. هسيبك انا بقى واطلع للبقف اللي فوق ده عشان اخد منه الإيجار المتأخر.
كان صوت مين بقى.. مش لؤي لأ، ده كان صوت استاذ أمين، ابوه!
ورد عليه صوت الست، اللي هو كان صوت فاطمة..
-ماشي.. خلص وانزل لي عشان عاوزة ابلغك بخبر هيفرحك.
-خبر!.. خبر ايه ده؟
-لما تنزل هبقى اقولك.
وقتها حسيت بصوت استاذ أمين وهو متعصب لما رد عليها..
-مابحبش المفاجأت.. قولي واخلصي.
سكتت شوية وبعد كده ردت عليه بسعادة..
-انا حامل يا سي أمين.
بعد كلامها ده ماسمعتش حاجة.. السكوت دام لفترة، بعدها اتكلم أمين وقال لها..
-والمطلوب؟!
-نتجوز يا اخويا.. اطلق من جوزي ونتجوز، هو كده كده مابيخلفش، وبعدين هو مسافر بقاله ست شهور.. يعني لا هينفع اكدب عليه واقوله إن ربنا استجاب لدعواته وبقيت حامل منه، ولا حتى هينفع البسه العيل، انا كده هتفضح.
-تتفضحي!.. ما انتي اصلًا مفضوحة.. انتي شمال.. انا يا روح امك مابخلفش، شوفي انتي غلطتي مع مين وعاوزة تلبسيني غلطتك.
قصة الكاشف
اتعصبت فاطمة وقالتله بغضب وهي موطية صوتها..
-انت هتصيع عليا انا يا أمين.. اُمال لؤي ده يبقى ابن مين، ولا هي بقى الله يرحمها كانت بتستغفلك هي كمان و..
اول ما قالت كده سمعت صوت ضرب.. وكأن أمين بيضرب فاطمة وهو بيقولها..
-اوعي تجيبي سيرتها على لسانك النجس ده، دي كانت ست الستات..
ومع كلامه ده سمعت صوت خبطة قوية، بعدها ماسمعتش اي حاجة، غير بس صوت باب الشقة وهو بيتفتح وبيتقفل تاني!
ومن بعد صوت قفل الباب المرة دي، ابتديت احس بحركة حد معايا في الشقة، وفي نفس الوقت كنت سامع صوت خطوات بتقرب مني.. خطوات مع قرب صاحبهم، حسيت بهوا سخن بيقرب مني، حاولت اقوم من مكاني ماعرفتش، زي ما اكون اتشليت او جسمي لصق في الكنبة..
-أشرف.. انت سمعت كل حاجة، هو السبب.. هو اللي القاتل يا أشرف.. هو اللي قتل يا أشرف.. هو اللي قتل…
وعند كلمة هو اللي قتل دي، سمعت صوت خبط على الباب!
في اللحظي دي حسيت إن روحي بتتسحب مني، او كأن روحي كانت برة جسمي وبترجعلي من تاني.. احساس غريب ماعرفتش افسره، انا كل اللي عرفت افسره كويس، هو إن بعد الإحساس ده، اكتشفت إنِ لسه نايم على كنبة والباب عمال يخبط.
روحت بسرعة فتحت الباب وسألت..
-مين؟!
رد عليا صوت راجل غريب..
-انا الأمين محمد.. انت أشرف عواد؟!
رديت عليه وانا ببلع ريقي..
-ايوة انا.. خير؟!
-حضرة الظابط عُمر بيه ناجي عاوزك في القسم، بيقولك هياخد اقوالك في حاجة مهمة بخصوص المتهم لؤي وهيمشيك على طول.
قصة الكاشف
اول ما أمين الشرطة قال جُملة المتهم لؤي دي، حسيت إن انا اتجمدت في مكاني والكلام بقى بيخرج مني بالعافية..
-المتهم.. لؤي!.. هو لؤي بقى متهم امتى وازاي؟!
-ماعرفش.. تعالى معايا القسم وابقى اسأل البيه بنفسك.
-حاضر.. اديني بس ثواني اغير هدومي واجيلك.
قفلت الباب ودخلت غيرت هدومي وخرجت لأمين الشرطة اللي روحت معاه القسم ودخلت لمكتب الظابط عُمر، رحب بيا وطلبلي حاجة ساقعة كمان، بس قبل ما يقول لي اي حاجة سألته..
-أمين الشرطة يا فندم بيقول إن لؤي متهم.. ازاي، لؤي بقى متهم امتى وازاي؟!
-اه متهم يا أشرف.. وعشان كده انا استدعيتك، انت اكتر واحد كان على علاقة قوية بلؤي.. وبيني وبينك كده، انا حاسس إنك كنت عارف، بإنه كان على علاقة بالقتيلة.
-علاقة!.. علاقة ايه يا فندم بس، ده لؤي خاطب وبيحب خطيبته جدًا وكمان..
قاطعني بسرعة..
-وايه يعني خاطب.. هو كل واحد خاطب يعني مستحيل يلعب بديله!.. وبعدين يا أشرف احنا ماتهمناش لؤي من غير أدلة.. لؤي كان على اتصال بالقتيلة، لقينا رقمه في سجل المكالمات بتاعت الموبايل، وكمان لقينا رقم غريب كده مش متسجل بأسم، لما اتصلنا بيه لقيناه مقفول واخر مرة تم استخدامه كان في نفس المنطقة اللي هو ساكن فيها.. يعني كان بيكلمها من رقمين، وكمان القتيلة كانت حامل، وجوزها مابيخلفش.. ده غير عينات ال.. السائل المنوي اللي لقيناها في رحم القتيلة جنب الجنين اللي عمره تلات شهور واسبوعين… كل دي حاجات بتؤكد إنه هو اللي قتلها، بس تعرف بقى الحاجة الغريبة فين.. لؤي لما قبضنا عليه الضهر بعد ما نزل من عندك، قال لنا قصة غريبة اوي.. قال لنا إنه كان بيكلمها اه بس ماكنش في ما بينهم علاقة، دي كانت على علاقة بواحد صاحبه إسمه أكرم.. وصاحبه ده مات أوفر دوس مخدرات من اكتر من اربعين يوم.. وقال لنا كمان إن اكرم قبل ما يموت، قال له إن فاطمة كانت حامل منه وهو كان على علاقة بيها، ف لؤي بيقول إنه كان بيتصل بيها عشان تنزل الجنين، وحاول كتير يتواصل معاها واتخانق معاها اكتر مرة في التليفون، وهي تملي كانت بتقوله لأ.. وكمان كانت بتقوله إنها هتحتفظ بالجنين وهتقول لجوزها إنه يبقى إبنه.. بس طبعًا لؤي كان بيقولها لأ، لأن ده من وجهة نظره يعني هيشيل صاحبه ذنوب وهو ميت اكتر ما هو شايل.. بس تعرف، كل الحدوتة دي مادخلتش دماغي بمليم احمر.. انا شايف إن لؤي بيكدب وبيقول أي كلام عشان يطلع منها، وكمان انا شايف إنك عندك كلام مهم ممكن يفيدني.
بعد ما الظابط قال كلامه ده، رديت عليه بسرعة..
-صح يا عُمر بيه، انا عندي كلام هيفيدك.. بس الكلام اللي هقوله ده مش هيرجح كلامك ولا ظنك بأن لؤي هو القاتل.
-اُمال؟!
قصة الكاشف
-هقول لحضرتك، هحكيلك على كل حاجة وارجو منك إنك تصدقني، بس قبل ما احكيلك خليني اقولك حاجة بسيطة في الأول، انا يا فندم كفيف.. من يوم ما اتولدت والدنيا حواليا ضلمة، بس ربنا عز وجل زي ما أخد مني نعمة البصر لحكمة لا يعلمها سواه.. ف برضه اداني او عوضني عنها يعني بنعمة البصيرة..
وكملت كلامي وحكيت له على كل حاجة، حكيتله على الحلمين وعلى موضوع ريحة الكولونيا وعلى كل اللي مريت بيه، وبعد ما خلصت كلامي عن الاحلام وعن اللي شكيت فيه، كملت كلامي وقولتله..
-انا يا فندم شايف إن القاتل يبقى استاذ أمين لأن الكولونيا دي بتاعته هو اصلًا ولؤي مش من عادته يحلق في البيت.. وحقيقي انا ماعرفش هو ازاي مابيخلفش ولؤي ابنه، وبرضه ماعنديش أي اجابة عن اي حاجة ممكن حضرتك تسألهالي، انا اصلًا ماكنتش اعرف إن لؤي يعرف فاطمة ومعاه رقمها.. بس أظن إن حضرتك لو جيبت استاذ أمين وضغطت عليه، ممكن يعترف بكل حاجة.
ضحك الظابط بعد ما قولت كده وقال لي..
-انت بتقول ايه بس.. ماهو لو أمين القاتل، ازاي هيسيب ابنه يروح في داهية وهو واقف بيتفرج عليه!
-يا بيه ما انا قولت لحضرتك إن أمين مابيخلفش، انا سمعته في الحلم بيقولها كده.
-ايووه.. في الحلم، ده لو هنفترض إن الهري اللي انت قولته ده صح يعني، فهو في الأخر حلم.. إنما الحقيقة بقى هي إن لؤي هو اللي قتلها، وكمان دقايق هتجيلي نتيجة تحاليل السائل المنوي بتاعت لؤي، التحاليل اللي عن طريقها هتأكد بأنه فعلًا كان على علاقة بفاطمة قبل ما..
مالحقش الظابط يكمل كلامه، سكت لما تليفونه رن، والظاهر كده إنه رد عليه لأن بعد ما صوت الرنة سكت، سمعته بيقول..
-ايوة يا دكتور هنائي.. اه اه.. هو.. ايه!.. ازاي يعني عينة السائل المنوي مش متطابقة!.. طيب طيب، ابعتلي التقرير يا دكتور عشان ابعته للنيابة الصبح مع المتهم.
بعد كده سكت شوية وقال لي..
-العينات مش متطابقة يا أشرف.
رديت عليه بسرعة..
-ما انا قولت لحضرتك يا فندم.. اللي كان على علاقة بيها هو أمين مش لؤي، وموضوع إن لؤي مش ابنه ده.. والله العظيم انا ماعرفش عنه اي حاجة غير اللي سمعته في الحلم وحكتهولك، بس الظاهر كده إنه سابه يروح في داهية لأنه مش ابنه.. ده التفسير الوحيد يعني.
سكت الظابط شوية وبعد كده سمعته بيقول وكأنه بيتكلم في التليفون..
-ايوة يا محمد.. خد الرجالة وروح هات لي أمين ابو لؤي من البيت، بسرعة..
سكت شوية وبعد كده قال لي..
-اديني بعتت اجيبه وهاخد منه عينة، ولو طلعت متطابقة، ساعتها بقى هتبقى الجريمة لبساه لبساه، وكمان هنقدر نعرف منه هو ازاي لؤي مش ابنه زي ما انت قولت.
ولحد هنا كان خلص الكلام ما بيني وما بين الظابط عُمر.. واللي حصل بعد كده كان زي ما توقعت بالظبط، الحكومة لما قبضت على أمين وخدوا منه عينة وقارنوها بالعينة اللي كانت في رحم فاطمة.. طلعت متطابقة، ومش بس كده.. ده كمان لقوا بصمات له في الشقة، وطبعًا بعد كل الادلة دي اعترف.. اعترف بإنه كان على علاقة بفاطمة اللي في نفس الوقت كانت على علاقة بأكرم صاحب لؤي وبقت حامل منه هو مش من أمين.. وده ببساطة لأن أمين فعلًا مابيخلفش، ولؤي مايبقاش إبنه.. هو ابن مراته، مراته اللي اتجوزها وقت ما كانت حامل من راجل غلط معاها وساب لها قرشين وهرب.. فاتجوزها أمين وكتب الواد بأسمه عشان الست ماتتفضحش، وفي نفس الوقت، خد منها كل اللي حيلتها واشترى العمارة اللي انا ساكن فيها دي، وكمان اشترى محلين وفتحهم سوبر ماركت.. ومن بعد ما الست ماتت وهو بقى مقضيها مع الستات من غير ما الناس تعرف عنه حاجة.. هو بس كل اللي كان باين منه، هو استاذ أمين الشخص المحترم البخيل صاحب الأملاك.. وهو في الحقيقة كان شيطان، شيطان بسببه اتكسر استاذ فهيم وساب العمارة ومشي.. وبسببه كمان لؤي باع العمارة والمحلات وخد بعضه وسافر هو وخطيبته بعد ما اتجوزها ونسي موضوع ابوه الحقيقي ده خالص، لأنه لما سأل أمين.. قال له إن ده كان سر امه ماقالتهوش لحد، واندفن معاها، اما بقى أمين نفسه.. فهو من بعد اللي حصل وبعد ما اعترف بكل حاجة واتسجن.. من بعدها وهو تعب جدًا واتنقل للمستشفى ومات فيها… وبالنسبة لوضعي انا بقى؛ فانا لؤي بعد ما العمارة بقت بتاعته من بعد ما أمين كتبها بإسمه هي والمحلات.. وقبل ما يبيعهم ويسافر، كتب لي الشقة اللي انا عايش فيها دي بإسمي بيع وشرا.. ودلوقتي.. اديني اهو، لوحدي.. لسه عايش لوحدي، ولسه برضه شغال في النايت كلوب زي ما انا ومابقتش بحلم بأي حاجة تخص فاطمة او جريمة قتلها.. بس تعرف، انا من بعد اللي حصل ده، اتعلمت حاجة مهمة اوي؛ احنا كل واحد فينا جواه بلاوي متدراية، تمام زي أمين اللي ربنا أراد إن كشف مصايبه تبقى بسبب أحلام شخص كفيف زي حالاتي.. بس البلاوي دي، ربنا عز وجل بيخليها مستورة عن عيون الناس عشان العبد يتوب ويرجع عنها قبل فوات الأوان.. واللي مابيستغلش المهلة اللي ربنا بيديهاله عشان يفوق ويرجع عن الغلط اللي هو فيه، وبيتمادى بقى وبيفتكر إن ربنا مش شايفه، في النهاية بيقع في شر بلاويه وبتكون نهايته يا أما زي أكرم اللي مات أوفر دوس مخدرات بعد ما فاطمة بقت حامل منه، او فاطمة او اللي استغلت غياب جوزها وعملت علاقة مع امين واكرم، او أمين اللي فاطمة انت عاوزة تلبسه ابن مش ابنه بسبب مشيه المنيل واللي بسببه قتل واتسجن.. بس ايه ده.. ده صوت الباب بيخبط، ثواني هفتح..
-مين؟!
-ازيك يا أستاذ أشرف.. مش حضرتك برضه استاذ أشرف بتاع الناي.. انا الحاج رؤوف صاحب العمارة الجديد، جيت عشان ارحب بيك واقولك إنك لو تعرف حد ممكن ياخد الشقة الفاضية اللي تحتك ابقى قول لي.. استاذ اشرف.. يا أستاذ.. سرحت في ايه!
-ها.. لا لا مافيش.. اهلًا وسهلًا بيك.. حاضر.. لو.. لو عرفت إن حد عاوز شقة، اوعدك إن انا مش هقوله على الشقة دي مهما حصل، حتى لو ببلاش… وعن إذنك عشان عاوز انام.
قفلت الباب وانا سامعه من برة بيقول وهو نازل على السلم..
-استغفر الله العظيم يارب.. الناس اتجننت! ولا هو الراجل ده مغفل ولا ايه!
انا برضه اللي مغفل.. ولا اللي اشترى العمارة من غير ما يعرف أن اتقتلت فيها واحدة ست هو اللي مُغفل!
تمت
محمد_شعبان
قصة الكاشف