روايات شيقهرواية جحر الشيطان

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

دلف هارون الى حجرة المكتب الخاصة بعدنان ليقول عدنان على الفور:
عملت ايه؟
قال هارون:
كل شئ تمام، مروان مطلعش سهل ابدا، دماغ شياطين.
زفر عدنان قائلا:
طمنتنى، أنا كنت لآخر لحظة مقلق منه وحاسس بالغدر، كدة بقى أقدر أدخل معاه الصفقة وأنا مطمن.
ثم مالبث ان انتابه القلق وهو يرى ملامح هارون التى تخبره بأن هناك خطبا ما ليقول بتوجس:
فيه ايه ياهارون، اتكلم؟
قال هارون بتردد:
البت اللى اسمها زينة دى.

وصمت ليستحثه عدنان قائلا:
مالها؟، منشفة راسها ومش راضية تروح زي كل مرة،
ليشير بيده بلا مبالاة قائلا:
بسيطة، هددوها بابنها.
هز هارون رأسه نفيا وهو يقول في تردد:
مش هينفع، لإنها، لإنها هربت من البيت.
وقف عدنان وضرب المكتب بقبضته قائلا في غضب:
انت بتقول ايه؟ازاى هربت؟والحراس الحمير دول كانوا فين؟
قال هارون:
الحراس كان كل تركيزهم مع مروان فياض، واكيد هى استغلت الوضع النهاردة وهربت.
قال عدنان في غضب:.

أغبيا، الحراس يتغيروا والبت دى تلاقيهالى ياهارون، مش عدنان المسيرى اللى بت زى دى تغفله وتهرب من بيته، مفهوم؟
اومأ هارون برأسه، ليتجه بعدها للخارج في صمت يتابعه عدنان بعينين امتلأتا شرا لتليق ملامحه حقا باسمه والذى عرف به، ملامح الشيطان.

تأملت زينة حجرتها والتى منحها اياها مروان هي وصغيرها ثم ذهب بسرعة البرق دون كلمة، كانت الحجرة صغيرة ولكنها رقيقة التصميم ودافئة، أفضل بكثير من حجرتها في جحر الشيطان عدنان، والتى كانت رطبة وباردة، ولطالما سببت لها ولطفلها نزلات البرد، ضمت جسدها بيديها وهى تتذكر تلك الليالى التى كانت تضم فيها طفلها إليها بشدة وتدلك جسده بقوة كى تمنحه دفئا، الآن هو ينعم بالدفئ داخل تلك الحجرة الجميلة، نظرت الى ملامحه النائمة بحنان واقتربت منه تجلس بجواره على السرير تمرر يدها في خصلات شعره السوداء الناعمة، تتساءل حقا، هل استطاعت الهروب به من هذا الجحيم؟وهل ستنعم يوما بالأمان؟فرغم هروبها لن تستطيع ان تقول أنها بأمان الآن، لا ليس بعد، لن تحصل على الأمان كاملا سوى بابتعادها عن مروان، فهو خطر كبير عليها، ربما أخطر من عدنان وهارون، فهى معهم تخاطر بالكثير ولكن مع مروان تخاطر بأغلى وأهم ما لديها، ابنها، وقلبها.

ذلك القلب الخائن والذى مازال متعلقا به رغم تخليه عنها بالماضى، نهضت تقترب من النافذة لتفتحها وتأخذ نفسا عميقا، تتذكر ذلك الماضى البعيد حين كانت تلك الجميلة البريئة، فبعد وفاة والدتها وطردها من منزلها لتأخرها في دفع الإيجار أشفق عليها عم سالم البواب وقد كان جارهم بالسكن، و أحضرها الى عائلة فياض لتعمل عندهم كخادمة، من اول يوم لها تعلق قلبها الغض بابن العائلة الوحيد، ذلك الشاب الوسيم القوى، و الحنون، لاحظت منه أيضا اعجابا متبادلا يظهر في نظراته اليها، وتعاطفه معها ضد تصرفات زوجة أبيه القاسية تجاهها، ورغم الفرق الشاسع بينهما إلا ان ذلك الحب ولد بينهما ونما في قلبيهما، تظهر شراراته المشتعلة كلما اقتربا من بعضهما البعض، حتى كان ذلك اليوم الذى تشاجر فيه مع أبيه بسبب تصرفات زوجة أبيه الشريرة، ليخرج من المنزل غاضبا ويتأخر في العودة، انتظرته زينة كثيرا وقد انتابها القلق عليه، ليعود مترنحا، يبدوا على غير عادته، لتوقن انه أسرف بالشرب، أسرعت اليه تسنده ليبتسم لها ابتسامة أشعلت قلبها عشقا، فبادلته ابتسامته، كاد ان يتحدث لتشير له بالصمت حتى لا يوقظ احدا، وصلا الى حجرة مروان لتضعه برفق على سريره ثم خلعت عنه حذائه و دثرته بحنان لتجده يمسك بذراعها يجبرها على الاستلقاء بجواره يخبرها بمكنون قلبه وعشق قاومه وأخفاه كثيرا، لم تصدق أذنيها وهى تستمع الى كلمات لطالما انتظرتها، لتفيق على قبلاته المتناثرة على عنقها يقول مابين القبلة والقبلة كلمات عشق سحرتها، حاولت المقاومة ولكنها في النهاية استسلمت لقبلته التى أعجزتها عن الكلام تماما تلاها العديد من القبلات التى غيبت عقلها وسحرت قلبها لتستسلم لعشق اجتاحها، وعندما أفاقت من ثورة مشاعرهم القوية، بكيت بشدة ليضمها اليه بندم على مافعله وهو تحت تأثير الشراب، يخبرها بأنه سيتزوجها، وبالفعل في اليوم التالى، تزوجها ولكن عرفيا مخبرا إياها أنها مسألة وقت يمهد فيه لأباه رغبته بالزواج بها، بعيدا عن تلك العقربة سوزى، زوجة ابيه التى ستعارض ذلك الزواج وبشدة، كانت كل ليلة بعد نوم الجميع تتسلل الى حجرته لتقضى معه ليلة من العشق يحملها فيها مروان الى السماء لتعود بعد ذلك الى أرض الواقع، تعمل كخادمة لديهم، تنتظر اليوم الذى يخبر فيه مروان أباه بقصتهما لتكلل قصتهما بتلك النهاية السعيدة ويخرج زواجهما من الظلمات الى النور، كم كانت واهمة، فبين ليلة وضحاها اختفى مروان، علمت انه تشاجر مع والده مجددا وسافر للخارج دون وداع، دون كلمة، تركها لمصير مجهول، فوجدت نفسها فجأة تباع الى ذلك العدنان، تذوق العذاب كل يوم في بيته، تباع كل فترة لرجل لليلة واحدة، وكأنها فتاة من فتيات الشوارع، وكل ذنبها أنها قد وقعت بالحب، وياليتها لم تقع بالحب، بل ياليتها ما جاءت الى منزل عائلة فياض وياليتها لم ترى مروان ولم تعرفه مطلقا.

مدت يدها تمسح دموعها الخائنة المتساقطة على وجهها، ليبدو التصميم على عينيها وهى تقسم ان تكون تلك آخر دموعها، فستكون قوية، قادرة على تخطى كل شئ، ليس من أجلها، بل من اجل الشئ الوحيد الذى عاشت من أجله، طفلها الحبيب، فارس.

قاد مروان سيارته بسرعة بإتجاه ذلك المطعم الذى اتفق فيه مع ياسين على اللقاء، تفادى سيارة كاد أن يصدمها بصعوبة، ليتجه بسيارته إلى جانب الطريق ويوقفها، يحل رباط عنقه وهو يتنفس بصعوبة، ليفتح الزر الأول لقميصه ويأخذ نفسا عميقا، يدرك أن سر ضيقه وألم صدره هو إلتقائه مجددا بمن كانت السبب الأول في تحوله إلى ذلك المروان الذى بات لا يعرفه، كم كان بالماضى طيب القلب، يؤمن بالحب، محبا للحياة، وكم كان مخدوعا بها، أحبها منذ أن رآها لأول مرة وهي تحضر إليه فنجال القهوة، وقع في سحر نظرة عيونها الجميلة وملامحها البريئة، أحبها بكل ذرة في كيانه، أرادها في حياته وبقوة، منحها قلبه وعقله وروحه، لتأخذهم جميعا وتضرب بهم عرض الحائط، تتخلى عنه في أول مشكلة مرت به، وتلجأ لغيره فأصبح لها بديلا عنه، ليفقد هو الثقة بالحب، بالمشاعر، وبالنساء، ليظل كيانا هائما ليس له هدف في الحياة سوى الانتقام، الانتقام فحسب، رفع يده يضعه على قلبه الموجوع قائلا بألم:.

أصبر ياقلبى، استحمل معايا شوية لغاية ماننتقم منهم كلهم، متتخلاش انت كمان عنى زي ما اتخلت هي عنى زمان، وأوعدك هاخد حقك، هاخد حقك من كل اللى ظلمك وجه عليك، وقريب أوى هترتاح، ترتاح للأبد.
لترتسم القسوة على ملامحه وهو يعيد تشغيل سيارته متجها إلى ياسين، صديقه الوحيد.

قال ياسين في حدة:
انت بتقول ايه يامروان؟ازاى تعمل كدة؟
هز مروان رأسه وهو يمرر يده في رأسه بيأس:
مقدرتش أعمل غير كدة.
ثم نظر الى عين ياسين قائلا:.

لما شفتها من تانى صحت جوايا أحاسيس كتير افتكرتها ماتت، كنت فاكر انى مفيش غير الكره ليها في قلبى، بس طلعت غلطان، جوايا متلخبط أوى ياياسين، مش عارف انا لسة بحبها ولا خلاص كرهتها ولا اللى جوايا ذكرياتى معاها، انت متعرفش انا كنت بحبها اد ايه، دى كانت روحى ياياسين، البنت الوحيدة اللى قدرت تدخل قلبى وتملكه،
ليزفر وهو يمرر يده في شعره قائلا:.

بص، أنا فعلا متلخبط ومش عارف جوايا ايه، بس كل اللى اعرفه دلوقتى هو إن بالرغم من انى مش ممكن هثق فيها تانى ولا هي بقت تنفع تكون لية، لكنى مش هقدر أتخلى عنها زي ما هي اتخلت عنى زمان، ومش هقدر أسيبها لعدنان يشغلها عنده تانى وانت عارف هو بيشغل البنات إزاي وفى إيه، حتى لو هي مش لية بس مش هقدر أتخيل إنها مع حد تانى، كفاية انى بموت من ساعة ما عرفت هي كانت عايشة فين وبتعمل ايه، ومش هقدر برده اشوفه بيموتها، أو بيموت إبنها، مش هقدر.

ليبتسم قائلا في سخرية مريرة:
تعرف، ابنها ده ياما حلمت إنه يكون منى أنا، طفلى انا، حتة منى ومنها، بس خلاص مبقاش ينفع.
أخرج مروان سيجارة من علبة سجائر ياسين واشعلها بقداحته ليأخذ منها نفسا عميقا ثم ينفثه ليسعل بقوة فأخذها منه ياسين وهو يطفئها في منفضة السجائر أمامه مناولا إياه كوبا من الماء، قائلا بعتاب:
احنا مش قايلين بلاش سجاير عشان صحتك.
تناول مروان جرعة ماء ثم قال في مرارة:.

غصب عنى ياياسين، جوايا مرارة محدش عارف أد إيه قاتلانى، انت لو شفته هتعذرنى، لو شفت أد ايه جميل، ورغم سنه الصغير لكن جواه قوة غريبة مست قلبى.
أغمض ياسين عينيه ثم فتحهما قائلا:
كلامك كله قالقنى يامروان، إنت بتلعب بالنار وأنا خايف عليك تحرقك.
تراجع مروان بظهره الى مقعده وهو قائلا:
عارف بس مش قادر أخلينى بعيد.
ليزفر قائلا:
وعموما احنا كلنا بنلعب بالنار ياياسين بس أهم حاجة ناخد بالنا.
أومأ ياسين برأسه قائلا:.

معاك حق، أهم حاجة ناخد بالنا.
ثم نظر اليه قائلا باستفهام:
صحيح مقولتليش عملت ايه النهاردة عند عدنان؟
قال مروان وقد قست عيناه لتزداد قتامة:
بلع الطعم وصدق إنى رايحله بالخير، ميعرفش انى دقيت النهاردة اول مسمار في نعشه، وإن نهايته قربت، قربت أوى يا ياسين.
زفر ياسين بارتياح قائلا:
طمنتنى، كدة الخطوة الأولى تمام، إيه هي بقى خطوتنا الجاية؟
مال مروان الى الأمام مقتربا من ياسين قائلا:
هقولك ياياسين، هقولك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط