روايات شيقه

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_1]

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل السادس والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل السادس والعشرون

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

 

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل السادس والعشرون

 

“لحظات مميتة”

أكمل سحب سلمى على السلم إلى أن وصل لغرفتها .. ألقى بها على الفراش بقوة فتألمت وأخذت تفرك معصمها من أثر قبضة يده وهي تنظر له بعين باكية وحسرة وغضب شديد إلى أن قام وقال :

– أسمعي يا سلمى .. من هنا ورايح ولا في خروج من البيت ولا مرواح للكلية ولا فيه عربية ولا تليفون حتى .. وهتقعدي هنا زيك زي الكرسي .. مسمعش حسك خالص لحد ما تفوقي من الوهم إللي عايشة فيه ده

نهضت بألم وهي تنظر له بألم وحسرة :

– وهم! .. أنت إللي عايش في وهم مش أنا .. أنت بتعمل معايا كده ليه؟ أنا ذنبي إيه .. فوق بقى

صفعها صفعة قوية جعلتها تقع وتفقد وعيها ..

خرج سريعًا بمجرد أن صفعها ولم يلتفت إليها حتى .. أغلق الباب بعنف وخرج من المنزل.

في ذلك الوقت وصل يوسف وركض على درجات السلم متجها إلى غرفة سلمى، فتح الباب ووجدها ملقاه على الأرض .

ركض نحوها مهرولًا والقلق يعتصر قلبه عصرًا، فرفع رأسها وهو يهتف بأسمها بخوف ولهفة :

ـ فوقي يا سلمى .. إللي حصل .. سلمى

قام سريعًا وتناول زجاجة عطر من أعلى سطح التسريحة، وحاول أفاقتها وهو يصفعها برفق إلى أن بدأت تستعيد وعيها ببطئ وفتحت عيناها .

عندما رأته هو بجانبها بكت بشدة كأنها وجدت أمانها، بكت لدرجة لم يستطع حدها عن البكاء، أستطاعت أن تتحدث وسط دموعها المنهمرة وتقول :

ـ ضربني يا يوسف .. ضربني تاني .. هو بيعمل معايا كده ليه؟

أتسعت عيناه دهشة وأدرك حينها سبب إغماءها، قبض يداه وأغمض عيناه بعنف وهو يتوعد سرًا، ضمها إلى صدره وأخذ يربت على ظهرها بحنان وهو يحاول تهدأتها بكلمات مريحة إلى أن هدأت .

في لحظة نسيا المشاحنات التي كانت بينهم منذ قليل، يذوب كل شئ بلحظة إذا وجد أحدهم يتألم أو في مشكلة، يتركون الغضب والعتاب جانبًا ولا يرون شيء سوى بعضهما فقط.

ساعدها على النهوض ووضعها على فراشها لكي يتركها تستريح قليلًا، قبَل جبينها وخرج من الغرفة يتهدت بألم وحزن شديد يجب أن يوقف تلك المهزلة بأي شكل وثمن.

******************

أنصرف محمود بعد رحيل الجميع وهو يستغفر ويفوض أمره لله، وسط ذهول وحزن من حوله.

لم يتبقى مع سميحة سوى أمير ونور يواسانها وهم بحاجة إلى من يواسيهم، خاصًة نور اخيها من ناحية وصديقتها من ناحية أخرى ولا تعرف أي منهم يكون الضحية، هي أم هو أم كلاهما بالفعل.

طريقة سحب سلمى من وسطهم غير مطمئنة لقلب نور وسميحة على الإطلاق بعد تلك النظرة المودعة التي تركتها قبل ذهابها.

هاتفت تهاني ابنها للإطمئنان على الوضع ولا تعرف ماذا تقول أو ماذا تفعل، أستأذنت وقامت ترد في الشرفة بأريحة:

ـ ايوة يا ماما

تهاني بقلق شديد :

ـ طمنيني يا بنتي إللي حصل .. اخوكِ عمل حاجة؟

صمتت لحظات حيث تجمعت الدموع في مقلتيها، حبيسة تحاول السيطرة عليها وعلى صوتها فقالت :

ـ لأ الحمد الله معملش حاجة، الوضع نوعًا ما قدرنا نسيطر عليه

 

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصه متسولة كعابيش

رواية زواج لم يكن في الحسبان الفصل الاول

رواية الشادر الفصل الثامن

شكت تهاني من نبرة صوتها :

ـ مال صوتك؟ .. مش ده بس إللي حصل في إيه

لم تستطع نور السيطرة أكثر من ذلك، فأنهمرت في البكاء :

ـ سلمى أنفجرت وقالت كل إللي جواها لطارق قدامنا كلنا، كل إللي كانت كبتاه جواها وسنين حبساه .. أنكل هاشم سحبها من وسطنا ومشي وأنا مش مرتاحة لرد فعله ده نهائي .. في حاجة غلط

تنهدت تهاني وقالت بحزن :

ـ لا حول ولا قوة إلا بالله .. مش هيرتاح ولا يعقل إلا لما يخلص على بنته .. الله يهديك يا هاشم ويرحمك يا فريدة

تنهدت نور هي الأخرى بعدما جففت دموعها وقالت :

ـ ماشي يا ماما هقفل دلوقتي وهكلمك بعدين

أنهت المكالمة وعادت للداخل تجلس بجوار سميحة، تربت وتمسح ذراعها برفق، هونًا عليها حزنها على ابنة اخيها القاسي.

ـ ما تكلميها يا نور نطمن عليها

قامت بالإتصال على الفور جرس دون رد لعدة مرات لا تجيب، نظر لها أمير ليقول بإهتمام :

ـ بردو مبتردش؟

هزت رأسها نافية بيأس ثم قطعت الصمت :

ـ مش مطمنة من ساعة ما سحبها بس أن شاء الله خير

تنهد أمير ليقول :

ـ يسمع منك ربنا .. واضح أن خالي عقله فوت على كبر

*******************

بعد تفكير طويل أكتشف ما حدث بينه وبين سلمى كان خطأ منذ البداية، كان من الممكن أن يكونوا سويًا لولا تم أرتباطهما بهذا الشكل الإجباري، دون وجود أي أختيار على الأقل لهم، ولكن لا كل شيء كان بمنتهى السرعة دون أي مبررات حتى من هذه الشركة أو من هاشم الجوهري شخصيًا، يشعر بأن هناك خطأ ما بشأن هذه الزيجة، يوجد وراء ما يحدث بهذا الشكل المتسرع شيء غامض وغير مفهوم، ولا يعتقد أن كان والده يعرف شيء عنها على الإطلاق.

والآن جاء الوقت لكي ينسحب، كي يرتاح قليلًا وترتاح معه سلمى، فلا ذنب لها في كل ما يحدث، يمكن أبتعاده يعيد من تفكيرهم مرة أخرى.

********************

يشعر محمود بأنه حقًا في كابوس كبير، لم تحدث كل تلك المصائب والمشاكل ألا منذ اللحظة التي وافق عليها على هذه الصفقة، أو بمعنى أصح تلك اللعنة التي حالت عليهم جميعًا بلا أستثناء، سواء عائلته أو عائلة هاشم الجوهري التي تأذت بها تلك الابنة المسكينة التي كل ذنب أرتكبته إنها ابنة هاشم.

شيئًا ما في داخله جعله يعيد النظر في الملف الخاص بتلك الشركة، فطلب من السكرتيرة أحضار الملف.

وبالفعل دخلت بعد دقائق ووضعته أمامه على سطح المكتب وخرجت على الفور، مسك الملف وبدأ بفحصه جيدًا وبعد قليل من القراءة وإجراء مكالمة تجهم وجهه، وترك المكتبه والملف خلفه ..

عاد إلى منزله وهو يفكر بما كان يحتويه يداه من كارثة، يخشى من القادم بشكل كبير وتصور سبب كل حدث لهم جميعًا حتى الآن.

أستقبلته تهاني التي اندهشت قدومه في هذا الوقت على غير عادته، أستقبلته ببسمة صغيرة وهي تقترب منه وعيناها بها تساؤلات عديدة وهو شعر بها .. رد باسماً هو الآخر فصطحبها بضم ذراعه حول منكبيها إلى غرفة مكتبه .. جلسا على الأريكة المجاورة للمكتب وهو يزفر بشدة والتفكير والسهوم ينطلق من وجهه وعيناه، نظرت له تهاني في حيرة شديدة لا تعرف ماذا تقول، فلم تعتاد أن ترى زوجها في هذه الحالة من قبل، ربتت على يداه بلطف وقطعت الصمت :

– مالك يا محمود في إيه؟

ارتسم إبتسامة مصطنعة بعدما رفع رأسه ونظر إليها :

– مممممم لا مفيش

أعادت وجهه إليها ثم قالت قلقة وهي تشعر بأنه يخفي عليها شيئًا ما :

– يا سلام !! على أساس إني مش فهماك يعني ولا إيه .. مالك يا محمود ومتقوليش مفيش

زفر في ضيق وتعب شديد، فهو مجهد للغاية من كثرة التفكير وحده، وهو لا يخفي شيئًا عن زوجته، بل العكس يشعر بالراحة الكبيرة وكأن تل أزيح من فوق صدره عندما يسرد عما بداخله، وفي كل الأحوال سوف تعرف في نهاية المطاف، فلا يعرف كيف يبدأ معها الحوار بشأن هذا :

– مش عارف أقولك إيه بالظبط يا تهاني .. أنا عن نفسي مكنتش مصدق ولا مستوعب .. بس حاسس أن في كارثة ولكن مكنتش عارف إنها هتبقى بالشكل ده أبدًا

صاحت به تهاني نوعًا ما بقلق :

– كارثة إيه يا محمود قلقتني

تنهد بتردد ثم قال بنبرة محذرة :

– إللي هقولهولك ده ميطلعش برة .. ولا الجن الأزرق يعرف بيه لحد ما نشوف حل للمصيبة دي

خفق قلبها بشدة وطالت نظرتها له بإن يبدأ بالحديث، فأومأت برأسها إيجابًا وبالفعل بدأ يحكي لها …..

*******************

في المساء أرتدت سلمى ملابسها ونزلت للردهة وهي تتلفت حولها بحذر، تخشى أحد من الخدم أن يراها .. فأستغلت الوقت الذي تركها فيه يوسف وذهب إلى غرفته كي يستريح قليلًا منذ لحظة أختفاءها، ثم أستيقظ وذهب لعمله .

خرجت للحديقة ومنها بخفها ركضت مسرعة نحو البوابة لتجد سيارة والدها تدخل، تجمد الدم في عروقها وشعرت بأن قدمها تخشبت لحظة، أختبأت خلف إحدى الجدران إلى أن يدخل وعندما تأكدت من دخوله ركضت بسرعة في طريقها.

شعر هاشم بخطواتها، فألتفت خلفه وشاهدها تركض، فصاح بها مناديًا بصوته بالكامل .. بغضب وعنف شديدين بأسمها جعلها ترتعش وتنتفض وتقف في مكانها وقلبها يدق بسرعة شديدة من شدة الخوف، تخشى من مواجهته وأن تنظر لوجهه، دقيقتان وجذبها من ذراعها وأدارها نحوه بغضب وهو ينظر لها بأعين الشرر ينطلق منها كالسهام النارية الحارقة :

– مش قلت مفيش خروج من البيت .. حصل ولا محصلش؟ كنتِ رايحة فين الساعة دي .. عايزة تهربي وتعريني زي ما عملتِ قبل كده؟ .. أنطقي .. إللي نزلك من اوضتك

سلمى من داخلها قلبها يرتعش من الخوف، ولكن قررت بأن لا تطهر ذلك أمامه، يجب بأن تبقى صامدة على قدر الإمكان، نظرت له بتحدي :

– مش هتحبسني ومش هعمل حاجة بمزاجك تاني .. عايز تقتلني وتريحني زي ما قلتت أمي أتفضل .. على الأقل هيكون أرحم من السجن إللي أنا عايشة فيه ده

أشتعل الدم في عروقه من شدة الأتهام الذي تقذفه أمامه ونبرة التحدي وعدم الخوف الظاهر على نبرتها، يشعر بأنه سوف يفقد السيطرة عليها تدريجياً .. حكم قبضته بشدة وهو يسحبها خلفه بقوة وهو يقول :

– واضح أن كلامي مبيتسمعش .. أنا هوريكِ السجن إللي على أصوله .. إن مكنتش أربيكي يا سلمى من أول وجديد مبقاش أنا هاشم الجوهري

كانت تستغيث بالخدم وهو يسحبها للداخل ولكن لا يوجد مساعدة يقدموها إياها في هذه الحالة وإلا إنقطع عملهم في هذا المنزل، فأخذ هاشم يصيح بعنف وقسوة في الخادمة :

– مش قلت سلمى متعتبش برة البيت .. كنتِ نايمة على ودانك ولا كنتِ بتهببي إيه

توترت الخادمة وأرتعشت يداها وكادت أن تتكلم فقاطعها:

– حسابك معايا بعدين بس لما أخلص منها الأول

صعد بها السلم ومنها إلى غرفتها، فتح الباب وألقى بها بعنف وقسوة فأرطضدمت على الأرض وهي تبكي، تتظرت له بحسرة وألم وعتاب ليقول لها محذراً وهو في أقصى حالات إنفعاله وغضبه :

– أسمعي يا سلمى وده آخر تحذير ليكِ .. لو فكرتي تعملي العملة السودة دي تاني أنا هعرفك شغلك كويس .. من هنا ورايح مفيش خروج من الأوضة دي نهائي إلا بأمر مني مش من البيت بس ولا مخلوق هيقدر يوصلك .. وحسك عينك تفتحي بؤك بكلمة واحدة لحد ما أشوف حل للمصيبة إللي أنتِ وقعتينا فيها دي بعملتك السودة

خرج من الغرفة وأرطضدم الباب بشدة وأوصده من الخارج وأخذت تبكي بشدة وحرقة على قدرها مع أب لا يعرف للرحمة والحنان مكان، فكل شيء أصبح أسوء من قبل، مشاعر وأحاسيس كثيرة بداخلها لا تستطيع التعبير عنهم سوى بالبكاء، بعد مدة لم تشعر بنفسها، نامت بمكانها على الأرض من شدة التعب ولا تزال عبراتها تسري على وجهها في صمت ..

******************

على قرابة الساعة التاسعة مساءًا يوسف، وأول شيء قام به هو المرور على سلمى للأطمئنان عليها قبل أن يذهب إلى غرفته .

قرع على الباب عدة مرات وهو ينادي عليها لم ترد، أمسك بالمقبض ليفتح الباب تفاجئ إنه موصد، دب القلق والخوف الشديد إلى قلبه وأخذ يقرع على الباب بشدة وسرعة شديدة ومازال ينادي عليها، يخشى أن يكون قد حدث لها شيئًا ما بالداخل، ولا يعلم لماذا أوصدت الباب بهذا الشكل.

تناول هاتفه وحاول الإتصال بها عدة مرات ولكن دون جدوى، فلم يسمع سوى تلك الرسالة السخيفة المسجلة الهاتف مغلق أو غير متاح، حاول معها مرة أخرى ويقرع على الباب لا يوجد أي ردود أو صوت من الداخل، إلى أن خرج هاشم من غرفه مكتبه وصاح به من الأسفل :

– في إيه .. الغاغة إللي أنت عاملها دي

كان يوسف يستشاط غضبًا من والده على ضربه لسلمى للمرة الثانية، فلم ينسى بعد ما فعله صباحًا، فصاح به هو الآخر :

– في إن سلمى قافلة على نفسها من جوة ومبتفتحش ومش سامعلها صوت

رد هاشم بكل برود وهو يعود حيثما آتى :

– متتعبش نفسك مش هتفتحلك لأني أنا إللي قافل عليها

يوسف أتسعت عيناه دهشة وفتح فاه بعد تصديق لما سمعه، ركض سريعًا على درجات السلم ووقف أمام هاشم قبل أن يدخل مكتبه، وأردف مستفهمًا بنبرة هادئة يحاول فهم ما قيل:

– نعم!! قلت إيه!! أنت إللي قافل عليها .. طب ليه؟

عقد ذراعه وقال ببرود :

– أسأل الهانم كانت ناوية تعمل .. عايزة تهرب وتدخلنا في دوامة ملهاش أول من أخر تاني .. كنت عايزني أعملها إيه أسيبها تجيب أجلنا كلنا

إبتسم باستنكار وقال ساخرًا :

– وأنت فاكر أن أجلنا كل ده لسة مجاش؟ تبقى غلطان .. أحنا أجلنا بدأ من يوم ما مضيت على الصفقة الملعونة دي وحياتنا كلها اتشقلبت .. مش من حقك تحبسها هات المفتاح

لا يوجد أي كلمة هزت ولو شعرة واحد، فقط رد بثبات :

– مفيش مفاتيح ومش هتشوفها عقابًا ليها .. لازم حد يوقفها عن حدها

كاد أن يرد ولكن هاشم لم يعطيه أي فرصة على الإطلاق، صعق من رد فعله ووقف متخشبًا عاجز عن أي شيء .. لا شئ سوى الغضب الذي يكسيه فقال لنفسه بعنف شديد “والله مفيش حد محتاج يقف عند حده غيرك أنت”

أختفى هاشم وركض سريعًا إلى الأعلى ليقرع باب غرفتها لا تجيب، مسح على شعره بعنف شديد وهو يشعر بالعجز ولا يعرف ماذا يفعل بأباه، بينه وبين شقيقته فاصل خشبي لا يتعدى خمس سنتيمترات ولا يستطيع أن يراها أو يطمئن عليها، ماذا يفعل الآن يا ترى، يحتاج من يتحدث معه ليفضي ما بداخله ولا يوجد سوى نور ولكن الآن بعدما حدث بينهم لم يعد يجرأ على الحديث معها مثلما سبق وهذا ما يتعبه أكثر ويشعره بالضيق أكثر وأكثر.

*****************

لم يمضي الليل في سلام ليس فقط على يوسف، بل أيضاً على سميحة التي أصبح عقلها منشغل كثيرًا بعد رد فعل هاشم على حديث سلمى المنفعل، وزاد توترها أكثر بعدما رحلت نور إلى منزلها كانت تهون عليها بالجلوس معها وطمئنتها ببعض الكلمات.

ملت من جلوسها في الردهة بمفردها فقامت متجهة إلى غرفة أمير، قرعت على الباب ودخلت بعدما سمح لها بالدخول.. تنهدت ثم إقتربت من فراشه وجلست أمامه فقد كان يعمل على حاسوبه .

فركت في يدها لا تعرف كيف تبدأ الحوار معه وهي واثقة من رد فعله جيدًا ولكن ستحاول فلا تستطيع الإنتطار أكثر من ذلك :

– مش نازل شغلك ولا إيه يا بني؟

رد عليها دون الإلتفات إليها :

– كمان ساعة كده ولا حاجة وهنزل .. في حاجة؟

سكتت سميحة والتوتر زاد على وجهها وزادت معه حيرتها، فأمير أيضًا لاحظ ترددها فرفع عيناه عن حاسوبه وقطع الصمت بينهم بأهتمام :

– خير يا أمي .. عايزة تقولي حاجة ومترددة

تفاجئت به سميحة وإندهشت بأنه يعرف ما يدور في مخيلتها، تنهدت وقالت بحماس جارف:

– متكلم خالك يا أمير نطمن على البنت الغلبانة إللي سحبها من وسطنا دي

رنا إليها بغضب ليقول بجدية :

ـ خالي تاني! لا يا ماما لا .. أنا مش طايق أكلمه بعد إللي سمعه وشوفته النهارده ده

تنهدت سميحة بيأس رغم كونها تعرف رد فعله ولكن كان لديها ذرة أمل أن يوافق، فقالت برجاء :

ـ طيب سلمى ذنبها إيه بس يابني عايزة أطمن عليها

تنهد بحيرة واستسلام من تلك النبرة التي يعرفها جيدًا، فرد بهدوء :

ـ سلمى على عيني وعلى راسي يا أمي وأنتِ عارفة كده كويس أوي .. أنا مستعد أطمن عليها هي بنفسها تالت وعاشر إنما خالي أنا أسف .. من ساعتها بكلمها الفون مغلق أو غير متاح مش مطمن

زاد قلق سميحة بعد هذه الجملة فصاحت على الفور :

ـ هنسيب البنت كده يعني .. كلم يوسف مستنى إيه

ضرب أمير كفه على جبهته عندما تذكر أمر يوسف، شرد عن ذهنه أن يتصل به نهائيًا، فكل تفكيره كان منصب على سلمى فقط وما حدث.

فمسك هاتفه وقام الإتصال بيوسف، الذي كان في نفس الوقت بسيارته بعد المحاولة الفاشلة للوصول لسلمى، فلم يستطع المكوث في هذا المنزل ولا يعرف إلى أين يذهب، فوجد أتصال من أمير، فتناول هاتفه وقام بالرد سريعًا فهو يحتاج لمن يخفف عنه :

ـ ايوة يا أمير

رد أمير بهدوء وبداخله لهفة كبيرة :

ـ إيه يابني فينك .. إيه الأخبار ؟

لم يتحمل يوسف فأغمض عيناه في ألم وسقطت دمعة دون أراده منه ليقول بصوت مليئ بالألم :

– تعبان أوي يا أمير .. أوي

أعتدل جلسته في إهتمام ولهفة ليقول :

ـ إللي حصل .. أنت كويس .. سلمى حصلها حاجة؟

مسح يوسف دمعته وقال بجمود :

ـ بابا حبس سلمى ومنع أي حد يشوفها .. مفيش كلية ولا فون ولا عربية .. زيها زي المساجين

أنتفض بغضب ليصيح به :

– أنت بتقول إيه هي حصلت إللي حصل .. يحبسها وياخد منها كل حاجة .. عشان إيه كل ده؟ !

سمعت سميحة ذلك فشهقت وضربت صدرها بيدها وهي في دهشة لتمسك بذراع أمير وتقول :

– هاشم اتجنن ولا إيه؟ .. إللي بتقوله ده ..

صاح بها أمير بضيق كي يعرف يكمل المكالمة مع يوسف

أستنى بس يا ماما أفهم التهريج إللي بيحصل ده (تابع مع يوسف) ما تتكلم يابني !!

صاح يوسف بضيق :

– عشان حاولت تهرب مرة تانية يا أمير .. والمرة دي كانت بلا رجعة لما هددها وضربها بالقلم لتاني مرة .. مقدرتش تستحمل إجباره وقسوته عليها .. خالك بقى أعمى يا أمير مبقاش شايف إلا الفلوس وبس.. سلمى بقت تحت رحمته وأنا أحساسي بالعجز مموتني مش عارف أعملها حاجة أنا هتجنن

ضرب الموقد بعنف وغضب شديدين، أتسعت عين أمير بصدمة ودهشة لا تقل عنها، حاول تهدئته قليلًا كي يعرف حل هذه الورطة :

– أهدى أهدى طيب وقولي أنت فين دلوقتي

فك زرار قميصه العلوي وهو يشعر بالأختناق :

– مش في حتة .. لسة في العربية مش عارف أروح فين ولمين وأنا هنفجر لو مكنتش أتكلمت مع حد .. حتى الإنسانة الوحيدة إللي كان مسموحلي أكلمها خلاص .. بفكر أروح لأمي

أنتفض أمير وصاح به بعنف شديد وتحذير :

– إياك يا يوسف تروح هنا لوحدك تاني إياك .. أنت اتجننت !! تعالى يابني أنا في البيت ونفكر سوا

زفر بشدة وقال :

– طيب مسافة السكة

أنهى المكالمة وحرك سيارته وبدأ في طريقه .

جهوم أحتل وجهه في ثوان معدودة والضيق والحزن حل عليه من جميع الإتجاهات، قطعت سميحة شروده :

– إللي حصل .. يوسف فين؟ .. حصله حاجة؟

زفر بحنق :

– اخوكِ ده اتجنن رسمي بجد مش هزار .. مش هيعقل إلا لما بضيع عياله واحد ورا التاني .. يوسف هيطق كان عايز يروح لطنط فريدة نفس المكان إللي جبته منه بس أنا حذرته .. سلمى حاولت تهرب تاني وهاشم باشا سجنها ومانع أي حد يشوفها .. أنا مش عارف أفكر الله يكون في عونك يا يوسف بجد

بكت سميحة وصاحت بضيق :

– هاشم ده مش هيتهد إلا بمصيبة تيجي على دماغه، ربنا يهديه يا رب لعياله ويفوقه من إللي هو فيه .. مش حاسس بالكوارث إللي بيعملها بقى أعمى البصر والبصيرة .. أعمى القلب

بعد تفكير نظر أمير لوالدته :

– هو إللي حصل بين يوسف ونور .. عشان يقلب عليها كده

صوته كان مخنوق وهو بيتكلم عنها بطريقة غير مباشرة.

تنهدت بحسرة لتقول في حزن :

– والله ما أنا عارفة يابني .. عين وصابتهم كلهم

تنهد أمبر بتفكير ونظر أمامه:

– أكيد في حاجة .. وحاجة كبيرة كمان عشان يقلب عليها بالشكل ده

خلال نصف ساعة وصل يوسف إلى منزل سميحة، وصعد على الفور، عندما سمعت صوت الجرس قامت بلهفة هي وأمير الذي تحرك مسرعًا وفتح الباب، ليجد أمامه شبح يوسف وليس بيوسف الذي يعرفه .. أثر الدموع مطبوع على وجنتيه، شريد وبائس فاندهش أمير لحالته وضمه لصدره بسرعة وأخذ بربت على ظهره بهدوء كي يخفف عنه.

أبتعد عنه ودخل ووجد سميحة أمامه باسمة له بحزن ودموع باسطة ذراعيها دعوة عامة له أن يرتمي في صدرها، وبمجرد أن فعل ذلك بدأ في البكاء بصوت عالِ، أطلق ما كبته في صدره من ألم وحزن وهموم، أراد أن يخرج تلك الطاقة السلبية ليستجمع قواه ويستطيع بذلك الدفاع عن سلمى، فهي تحتاج له أكثر من أي وقت مضى.

أبتعد عنها وجلسوا جميعًا سويًا وقص لهم عما حدث منذ أن رأى سلمى تبكي على الأرض للحظة الذي ترك فيها المنزل..

ظلوا يسمعون والدهشة تكسوا وجوههم أكثر فأكثر وعقل أمير مشتت فلم يستطع إستيعاب الحالة التي وصل إليها هاشم من جشع وقسوة لينفجر فجأة:

– الراجل ده عقله فوت .. مش طبيعي أبدًا إللي بيحصل ده .. مفيش حد بيعمل كده أبدًا .. فيها إيه الصفقة دي عشان يصر عليها ونتايجها من وراها تبقى بالشكل ده؟! .. إللي بيحصل يا يوسف ..

يوسف تنهد بألم وحزن:

– أنا ذات نفسي مش عارف بجد .. زيها زي أي صفقة أدوية بنتعامل معاها قبل كده .. بس مش فاهم ليه دي بالذات بابا متمسك بيها أوي كده .. الموضوع ده وراه سر كبير أوي

أمير بتفكير:

– ورق الصفقة ده فين؟

رد بدون اكتراث:

– في الشركة عند سلمى .. هي إللي تابعتها بعدما بابا دخل في غيبوبة .. بس رجع مسكها تاني على ما أعتقد مادام رجع للشغل .. فمش متأكد حاليًا إذا كان معاه ولا مع سلمى

أمير بحيرة نظر له وقال:

– لازم نفحص الورق ده .. ممكن يدلنا على سر تمسك خالي بالصفقة الملعونة دي

تدخلت سميحة سريعًا وقالت بضيق شديد:

– بعدين إللي بتتكلموا فيه ده .. هو ده وقته بالذمة!! .. المهم هنعمل إيه مع الغلبانة المحبوسة هناك دي وهنخرجها أزاي .. ده مانع حد يشوفها ولا يفتح لها باب

يوسف بحسرة ووجع رد قائلًا:

– بالشكل ده هتفضل هربانة طول عمرها من حاجة ملهاش يد فيها .. يا إما هتبقى محبوسة لحد ما توافق تتجوز طارق وترجع عن إللي في دماغها .. أنا مش طايق أرجع البيت وهي محبوسة ومش في إيدي حاجة أعملها .. مش قادر

ربت أمير على ظهره بألم وحزن يشعر به:

– أناا حاسس بيك يا يوسف وحاسس بوجعك .. أنت تبات هنا وبكرة الصبح نبقى نفكر هنعمل إيه

إبتسمت سميحة بحزن وقالت:

– ايوة يابني الصباح رباح .. يا عالم بكرة مخبيلنا إيه

******************

أشرقت الشمس نورها والجميع من في المنزل نيام، ولكن القلق لم يغفل لها عقل عن التفكير الطويل، ونظرة ملية إلى مستقبل مجهول ينتظرهم.

أستيقظت سميحة باكرة، فلم تأخذ قسطًا من النوم المريح .. فظلت تفكر بسلمى وأخيها، الحال الذي وصل إليه غريب ومفاجئ، لم يكن هكذا من قبل فما حدث له ليبدله بهذا الشكل؟ ..

مرت ساعة وأستيقظ أمير وخرج ليجلس قرب سميحة .

ـ صباح الخير

تنهدت سميحة وقالت بهدوء:

– صباح النور يا حبيبي .. أحضرلك تفطر قبل ما تنزل؟

رد سريعًا:

– لا يا ست الكل مش دلوقتي .. أعمليلي بس فنجال قهوة

هزت رأسها نافية لتقول:

– قهوة على الصبح يا أمير .. غلط على الريق .. تفطر الأول وبعدين أعملك إللي أنت عايزه

رد بضيق وهو يمسك رأسه بكلتا يداه:

– مصدع ومش قادر يا أمي

رنت إليه سميحة ثم قالت بأستفهام:

– هنعمل إيه النهارده؟

أعتدل في جلسته ونظر لها متحدثًا بجدية:

– شوفي يا أمي خالي مش هيهداله بال ولا هيفرج عن سلمى غير لما يعمل إللي في دماغه .. غير لما الجوازة دي تتم

شهقت سميحة وردت بضيق:

– دي هتبقى جنازة مش جوازة .. تتجوز غصب عشان عناد أبوها!! ده يرضي مين بس يا ربي

أمير أكمل بنفس اللهجة:

– مفيش حل غير كده وسلمى لازم تفهم كده .. مفيش قدامنا غير إننا نطاوعه وناخده على أد عقله

نكزته سميحة في ذراعه وبضيق:

– ده كلام يا أمير! .. ترميها في ناره!!

تنهد بنفاذ صبر ثم أكمل بهدوء نوعًا ما:

– يا أمي أسمعيني للآخر .. في حاجة غريبة ورا الموضوع ده .. نطاوعه عشان نعرف إللي بيحصل بالظبط .. موضوع التمسك ده مريب

سميحة شبه مقتنعة بحديثه، فكرت مليًا ثم قالت:

ـ ولنفترض .. هنقنع سلمى ويوسف ازاي؟

أمير بجدية أردف:

ـ مقدمناش حل تاني .. لو عندك غيره ياريت

ردت بعد تفكير:

– طب وطارق .. تفتكر رد فعله إيه

أمير تنهد ثم قال:

– طارق من حال سلمى .. بس كل الإختلاف ما بينهم إنه راجل

نظر في ساعة يده ثم قال:

– يا دوب الساعة داخلة على 9 أفطر وأنزل .. لما يصحى يوم أتكلمي معاه

نهض أمير ليبدل ملابسه وخلفه سميحة تعد الفطور.

******************

أستيقظت نور من نومها بتعب شديد، كأنها لم تنم منذ سنوات .. تنهدت وأسترخت في مكانها وقت ليس بطويل .. سمعت قرعات الباب لتدخل بعدها تهاني.

إقتربت منها وهي تنظر في ساعة يدها:

ـ كل ده نوم يا نور .. مش نازلة الكلية ولا إيه؟

زفرت بشدة ثم قالت بضيق:

– ولا طايقة أروحها بعد إللي حصل .. من امبارح بتصل بسلمى مغلق .. مش مطمنة

تنهدت بحيرة وقالت:

– اخوكِ من امبارح نفس الكلام .. معرفش راح فين ده

أعتدلت نور في جلستها لتنظر إلى أمها بإهتمام وتقول:

– طارق مبتش هنا من امبارح؟

أومأت تهاني رأسها بلا .. فكرت نور لحظة ثم قالت:

ـ طب أتصلي كده بإيهاب ممكن يكون عنده

نظرت لها ثم خرجت من الغرفة كي تحضر هاتفها .

حاولت نور بعد خروج تهاني الإتصال بسلمى ولكن دون جدوى، ألقت الهاتف بجانبها بملل وضيق وهي تفكر كيف تصل بسلمى، من المستحيل أن تحدث يوسف بعد طريقته السخيفة معها، قررت الإنتظار قليلاً ثم تفكر ماذا تفعل.

*******************

بعد أن أغلقت تهاني معه حاول الإتصال بطارق مرارًا وتكرارًا ولكنه لم يرد .. يوجد جرس ومبالاه منه، قلق كثيراً أن يكون قد حدث شيء بشأنهما مرة أخرى بعد ظهور سلمى وأختفت أخبارهم.

كل هذا وسارة جالسة بجواره تتابعه منذ المكالمة بأنتباه شديد، بعد مدة قطعت الصمت بينهم.

ـ دي طنط ماما طارق مش كده؟

أجابها دون النظر إليها:

– أيوة هي

زفرت من أسلوبه ثم قالت بضيق:

متعرفش أي أخبار عنه؟

أجاب دون النظر إليها:

– لا للآسف .. طارق مختفي من امبارح ومحدش عارف راح فين

صاحت به سارة في ضيق شديد دون مبرر :

– طبعاً يمكن يكون مع ست سلمى المرادي وراميني خالص من حياته

انفجر فيها ولم يعد يحتمل أي ضغوط أو اتهامات عليه حتى الآن :

– حرام عليكِ بقى يا شيخة أنتِ إيه

تركها ورحل على الفور يبحث عن صديقه، حاول مرارًا وتكرارًا الإتصال به دون جدوى .. أغلق هاتفه ولم يعد له أثر، كاد أن يجن أو عقله ينفجر من كثرة التفكير إذا أصابه أي مكروه .

********************

قلقت كثيراً بعدما أخبرتها والدتها عن ما قاله إيهاب، فلم يعرف عنه أو عن مكان وجدوه أي شيء، أين ذهب يا ترى؟ .. تظهر سلمى ويختفي طارق .. كلاهما في متاهة كبيرة لا يستطيعون الخلاص منها بالمرة، أمسكت بهاتفها وحاول الإتصال به ولكن دون جدوى، ألقته بجانبها بضيق وهي تفكر إلى أين ذهب .

شعرت بالاختناق ولا تعرف إلى أين تذهب، عقلها رافض أن تذهب إلى جامعتها أو حتى عملها .. لا تركيز ولا شغف وحماس، وبالإضافة عدم وجود سلمى في كلتا المكانين .

نهضت من فراشها توضأت وصلت وهي تدعي باكية أن تمر هذه الكارثة بسلام، فقلبها لم يعد يحتمل أن ترى صديقة عمرها واخيها في هذا القارب الملعون الذي يسمى بالصفقة وقد غرق بهم ولا تستطيع إنقاذ أي منهم .

بدلت ملابسها وخرجت على الفور، صادفت تهاني أمامها التي سألتها إلى أين تذهب، فردت عليها بيأس:

– رايحة لطنط سميحة .. ولا طايقة اقعد في البيت ولا طايقة أروح الشغل .. ولا طايقة حتى أفضل هنا .. سيبيني على راحتي يا أمي خليني أشوف سلمى جرالها إيه

كادت تمشي ولكن مسكت تهاني ذراعها كي تقف:

– واخوكِ يا نور .. هنسيبه كده

نظرت لها بضيق وقالت:

– اخويا اختفى هو كمان .. بكلمه قافل تليفونه، حتى أقرب صحابه ميعرفش عنه حاجة .. وأدي سلمى كمان اختفت من امبارح بكلمها مبتردش .. احنا في وباء يا أمي اسمه الفلوس أدعي ربنا يخلصنا منه .. عن إذنك

تركتها نور وخرجت .. استقلت سيارتها وفي طريقها لمنزل سميحة، أثناء ذلك حاولت الإتصال بسلمى ولكنها لم ترد كالعادة .. زفرت بحنق وغضب على قلى حيلتها، فزادت سرعتها إلى سرعة جنونية وهي تصرخ في انفعال وغضب .

*********************

استيقظ يوسف فلم يجد أمير، خرج من الغرفة وجلس في الردهة يحاول استيعاب كل ما حدث بالفعل أمس، يشعر بأنه كابوس بغيض وسوف يستيقظ منه ويجد كل شيء على ما يرام كما كانت تقول سلمى من قبل، ولكن وجد كل شيء كما هو .

خرجت سميحة من المطبخ وخدت غرفة أمير مفتوحة، دلفت رأسها فلم تجد أحد فتوقعت على الفور استيقاظ يوسف .. رحلت متجهة إلى الصالة وجدته جالس على الأريكة ساهم في عالم آخر، جلست بجواره وربتت على منكبه، انتفض ونظر إلى مصدر الحركة ليجدها سميحة، تنهد وعاد لما كان عليه .. ابتسمت وقالت:

– أمير نزل من شوية .. ملوش نصيب في الفطار إللي كنت هعمله، تعال ناكل سوا

رد بفتور دون النظر إليها :

– مليش نفس لأي حاجة خالص يا عمتو

أدارت وجهه ناحيتها وبدأ تتحدث إليه بحانية :

– مفيش عندي الكلام ده .. لازم تاكل عشان تصلب طولك .. اومال هتجيب حق اختك وتخرجها من إللي هي فيه ازاي .. هنشوف حل وأن شاء الله هتفرج من عنده، بس سيبها على الله

صاح دون إرادة منه بغضب:

– ونعم بالله مقلناش حاجة .. بس إللي حصل أنا مش قادر أفهمه، عقلي رافض يستوعبه .. بأي منطق يعمل كده أنا هتجنن

زفرت سميحة بضيق وحزن ونظر له بحيرة لا تعرف ماذا تفعل في هذه الأزمة الكبيرة التي حلت عليهم، ومن اخيها الذي بالكاد فقد عقله من تصرفاته التي لا تقبل التصديق هذه بدون أي مبرر واضح:

– والله يابني مش عارفة أقولك إيه .. بس كل حاجة ولها تمن

اعتدل جلسته وهو يقول باهتمام :

– قصدك إيه؟

كادت أن ترد ولكن عم الصمت عندما سمعوا قرعات الباب، نهضت سميحة لتفتح .. وبعد لحظات عادت وخلفها نور تفاجئت بوجوده ووقفت ساهمة، يوسف الذي بدوره نهض بضيق عندما رآها .. صمت رهيب عم على المكان وسميحة تسترق النظر لكلاهما ونظر عينهما لبعضهما البعض تتحدث بألف معنى وكلمة، حاولت تلطيف الجو العام فقطعت صمتهم قائلة

هنفضل واقفين كتير كده ولا إيه؟

شعرا الاثنين الإحراج فجلسا كل منهم بعيدًا عن الآخر ولم يتفوهان بكلمة واحدة، فقط نظرات عابرة، تجاهل وجودها ليستأنف سؤاله مجددًا:

– تقصدي إيه بدفع التمن؟

توترت سميحة ولا تعرف كيف تبدأ معه هذا الموضوع، فأمير محق، لا يوجد حل آخر سوى ذلك .. تنهدت بقوة وحاولت أن تتحدث بجدية:

– شوف يا يوسف ولازم تسمع كلامي ده للآخر .. أبوك مش هيقعد على حيله ولا هيهداله بال إلا لما ينفذ إللي في دماغه .. ولو وصلت إنه يسجنها بقية حياتها هيعملها

نظرت لها نور بقلق لتصيح بها مسرعة:

– طب والحل إيه يا طنط؟

نظرت لهم بحزن وردت بأسف:

– الحل تمنه غالي أوي يا بنتي .. واللي هيدفع تمنه الاتنين اللي ملهومش ذنب

ابتلعت نور غصتها وهي تحاول أن تتأكد مما وصل إليها:

– تقصدي …

قاطعتها سميحة بجدية:

– ايوة يا نور .. مفيش حل غير كده

صاح يوسف بغضب:

– ازاي يعني .. على أساس الاتنين موافقين!! .. دول ضاربين بعض بالجذم .. وكفاية اللي قالته سلمى مظنش إن طارق بعد كده هيكون متقبل أي كلام في الموضوع ده بعد إللي قاله هو كمان

سميحة نظرت إليهم في اهتمام وقالت:

– أنا بعد ما فكرت في كلام أمير لقيته صح .. الموضوع في أن ّ .. الصفقة دي وراها حاجة وحاجة كبيرة أوي كمان عشان أبوك يتمسك بجواز سلمى من طارق بالشكل ده وهيفضل حابسها لحد ما اللي في دماغه يتم

هنا صعقت نور وفتحت فاها بدهشة لتقول كمن لدغتها حية:

– نعم!! حابسها .. حابسها ازاي مش فاهمة .. وليه ؟

رد يوسف بغضب :

– قافل عليها الباب بالمفتاح ومانع أي حد يشوفها ولا يتكلم معاها .. عشان متهربش تاني بعد كده .. سلمى حاولت تهرب تاني والمرادي بلا رجعة .. مانع عنها كل حاجة .. من الآخر كده سجينة

شعرت نور بقشعريرة تسري في جسدها مما سمعت، العقل يرفض استيعاب حديث يوسف، حقًا أمير له نظرة جيدة في هذه اللعنة التي حلت عليهم .. تمتمت نور بصوت عال كأنها في حالة هذيان:

– يعنى إيه .. كل حاجة باظت خلاص .. يا الله ترجع واحدة ويختفي التاني!!

انتبهت سميحة للجملة الأخير هي ويوسف لتقول بعدم فهم:

– يختفي!! .. تقصدي إيه يا نور ؟

تنهدت نور ثم نظرت إليها بحزن :

– طارق مبتش في البيت من امبارح يا طنط .. بنتصل بيه قافل فونه .. حتى إيهاب صاحبه ميعرفش عنه أي حاجة

ردت سريعًا بقلق:

– يعني هيكون راح فين يا بنتي .. ياعيني عليك يا طارق مستحملش إللي حصل هو كمان ولا كلام سلمى، طيب سألتي خطيبته؟

ألتفتت إليها وقالت ساخرة :

– خطيبته!! دي بنت باردة مبتفكرش غير في نفسها وبس .. معرفش ده حبها وخطبها على إيه ده .. ولا سألت فيه ولا كلمت ماما حتى تطمن منها .. المفروض تقف جنبه في الظروف دي لأنها مدركة إنه مش بمزاجه ولا بمزاج أي حد فينا

تعلم سميحة أن نور محقة ولكن الوضع الحالي يفترض عليهم ذلك .. تنهدت لتقول:

– طيب كلميها شوفي كده لو تعرف عنه حاجة

عقدت ذراعها بضيق لتقول بطفولية:

– معرفش نمرتها أصلًا ولا عايزة أعرف

تنهدت سميحة بحيرة :

– لا حول ولا قوة إلا بالله .. والعمل إيه دلوقتي؟

تنهدت نور هي الأخرى دون النظر إليها:

– العمل عمل ربنا .. مقدمناش سوى الإنتظار .. وأنا وراه وراه لحد ما يرد عليا وساعتها هنفكر هنطلع سلمى ازاي

********************

مر ثلاث أيام ولم يظهر طارق بعد، الجميع كان على محاولة إلا تصال به بصفة دورية وبدأ القلق ينهش في قلوبهم، خاصةً تهاني التي كانت تجلس في غرفتها تبكي في صمت على الحالة التي وصلوا إليها وعلى فقدان ولدها ولا تعرف عنه أي شيء ولا يوجد له أي أثر على الإطلاق .. ما بيديه شيء هو الآخر لينهي هذه المهزلة، حديث سلمى كنصل السيف على عنقه، شعر بكل كلمة تفوهت بها ومدى قسوة الأيام والظروف التي وضعتهم في هذه الصفقة، ولكن ما مصيرهم عندما صرح بعدم إتمام هذه الزيجة ؟.

يوسف حاول بكل الطرق الوصول إلى سلمى خلال اليومين ولكن دون جدوى، سجينة بين جدران غرفتها تبكي ودموعها لا تتوقف عن الانهمار، لا تعرف الذنب الذي اقترفته ليكون مصيرها مشئوم .. لتمتلك أب بهذه القسوة والانانية، نزع من قلبه الرحمة ليتاجر بابنته هكذا دون أي مبرر للجميع، فما السر يا ترى .

تجلس في غرفتها حزينة .. شريدة، لا تجف الدموع من مقلتيها، أصبح وجهها شاحب أصفر اللون .. امتنعت عن الطعام والشراب عندما يقدم لها في المواعيد المحددة التي وضعها هاشم، تخرج الخادمة بصنية الطعام كما هي .

وضع واحد تبدو عليه، ممدة على فراشها بوضع القرفصاء تبكي في صمت لا تستمع لهاشم ولا تتكلم ولو بحرف واحد عندما يدخل عليها ويحاول تغيير مجرى تفكيرها، ولكن دون جدوى .. فقط تنظر له دامعة بنظرات غضب وعتاب وتحدي، لم تعد تهبئه بعد الآن، انتشل الخوف من قلبها ناحيته، فقط يصيح بها وهي لا تكترث له ولا لكلماته، صامتة تدير وجهها لجهة أخرى بعيدة عنه حتى لا تواجهه، منع عنها حديث أي شخص من الخدم وإلا يكون حسابه عسير .. تشفق الخادمات على حال هذه السيدة الصغيرة ولا يعرفن مساعدتها وإلا انقطع عيشهن في هذا المنزل .. فقط سجينة إلى حين موعد الإفراج عنها في وقت غير معلوم .

هاشم يباشر عمله في الشركة كعهده السابق، وجود سلمى معه كان دعماً كبيرًا له ولكن أين هي الآن، ترسل له الإيميلات كل يوم من الشركة المقابلة لتحديد مصير هذا الشرط المبرم في العقد، ولينهي مخاوفه للأبد .

خلال الثلاث أيام نور لم تكف عن محاولة الإتصال بطارق هي وتهاني ولكن دون جدوى .. في إحدى المحاولات سمعت صوت رنين هاتفه، أخفق قلبها بشدة لسماع ذلك .. حمدًا لله على إعادة تشغيل هاتفه، انتظرت بفارغ الصبر إلى أن يرد عليها وإذ بها بصوته لتصيح فيه بانفعال ولهفة وهي في قمة الغضب:

– أنت فين يا طارق كل ده .. غبت وقلت عدولي .. مصدقت تهرب وتسيب كل ده وراك .. تسيب سلمى في الظروف دي .. مترد عليا

زفر طارق بشدة، أنتظر إلى أن تنهي نور صنبور الغضب الذي افتتح فجأة، ليرد ببرود لا يليق بالموقف:

– أهدي يا نور أهدي .. في إيه .. إللي حصل لكل ده؟

فتحت فاها بعدم تصديق لرد فعله لتستئنف غضبها مرة أخرى:

– متقوليش اتزفتي .. أنت إيه البرود إللي أنت فيه ده يا اخي .. الدنيا والعة هنا وأنت ولا على بالك .. مش خطيبتك دي بردو ولا أنا غلطانة !!

زفر بشدة ليصح بها:

– لا مش ناسي يا ستي بس الظاهر إنها هي إللي نسيت .. من الآخر كده عايزة إيه يا نور ؟

زفرت نور بشدة لتقول بانفعال:

– عايزاك ترجع يا طارق ودلوقتي حالًا .. صاح بها بغضب: – لا والله !! ده على أساس إيه بالظبط

لآن صوتها لتقول برجاء:

– أرجوك يا طارق أرجع .. في حاجات كتير هتختلف برجوعك ده

تأثر بنبرتها قليلًا وأغلق المكالمة ووصد عيناه بألم مما سمع، لم يتوقع أن تتطور حالة سلمى إلى هذا الشكل، مجرد سجينة في منزل والدها لتدفع ثمن خطأ لا يد لها فيه .. يعلم أن نور محقة، بحق ذرة ود في قلبه من ناحيتها قرر الرجوع لينهي تلك اللعنة التي حلت عليهم جميعًا .

*******************

نظر له إيهاب الذي كان يجلس بجانبه، يشعر بمعاناته وبألمه .. لا شيء يقدر عليه حالياً سوى أن يكون معه على الأقل صامتًا محترمًا لمشاعره، قطع الصمت وهو يقول بجدية:

– أنا لازم أرجع النهارده

فرح وأطمئن من قراره في داخله ولكنه في ذات الوقت تعجب منه، ليقبل عليه بتساؤل:

– كويس إنك فكرت صح .. بس إللي جد خلاك عايز ترجع أوي كده .. واللي خلاك تكلم نور بالشكل ده .. ملهاش ذنب على فكرة

تذكر كلماتها جيدًا، صورة سلمى وهاشم يسحبها منهم ونظرتها الأخيرة موعدة إياه، تعامله الأخير مع نور .. ليخرج من تفكيره قائلًا بجدية وحزم:

– سلمى هاشم حبسها من آخر مرة رجعت فيها وسجنها لما حاولت تهرب مرة تانية من ضربه وقسوته معاها .. مانع عنها أي حد يشوفها حتى عمتها سميحة

فتح إيهاب فاه بتعجب، ليحاول استيعاب ما سمع:

– أنت بتقول إيه .. قصدك إيه بسجنها

ألتفت إليه طارق بنظرة مليئة بالغضب والضيق المكبوت:

– زي ما سمعت .. سجينة بين أربع حيطان .. عارف حال المسجونين ولا أوضحلك أكتر من كده؟!

لم يصدق إيهاب على الإطلاق أن أب يصل إلى هذه المرحلة .. فاستئنف طارق حديثه:

– أما بالنسبة لنور فأنا غلطت في حقها وهحاول أصلح الغلط ده .. بس مش عارف هتقبل تسامحني ولا لأ

ربت على منكبه ليقول بدعم:

– نور بنت طيبة وبتحبك .. هتقدر إنك مكنتش في وعيك ساعتها وهلفطت بأي كلام وخلاص

ابتسم بمرارة ليقول:

– مظنش يا إيهاب .. أنا جرحتها أوي .. نور مش بس اختي الصغيرة دي كمان صاحبتي وأقرب ما ليا .. مظنش إنها ممكن تسامحيني بالساهل كده

ابتسم إيهاب بحزن وهو يشعر بضيق صدره، وكم من ضغط نفسي ولا أحد يشعر به على الإطلاق:

– ربنا يرجع الماية لمجاريها .. سيبها على الله يا صاحبي

ألتفت إليه طارق سريعًا باهتمام:

– ونعم بالله أسمع .. حسك عينك حد يعرف إنك كنت تعرف مكاني

ضحك إيهاب وهو يضربه بخفة على منكبه:

– يا شيخ اتنيل .. ده أنا لسة عارف امبارح إنك متلقح هنا

رمقه بغضب ليقول:

– ولو بردو .. بدل ما تقع في شباك نور لو شمت خبر .. أنت عارفها كويس

ضحك إيهاب وهو ينقض ليقول بمزاح:

– عارف يا خويا .. يلا قوم عشان نلحق ولا عجبتك القاعدة هنا

نهض طارق وسار دون أن يبدي بأي كلمة .

******************

زفرت نور بشدة ولكن رد طارق على مكالمتها أخيرًا يبشر بالخير، تتمنى بالفعل أن يصدق ويأتي سريعًا، فوجوده في الحال يشكل فارق كبير لحياة سلمى بالأخص وحياة الجميع بعد ذلك .. المهم إنقاذ تلك المسكينة، السجينة في براثن أبيها القاسية .

لملمت أدوات الرسم الخاصة بها في عجالة، ففي الأيام الأخيرة حاولت الإنتظام في محاضراتها، لعل يكون أخف من عدم حضورها هي وسلمى، بعد ذلك تذهب للمعرض وتبدأ العمل في رسوماتها، بعد ذلك تمر على سميحة تأنسها قليلًا .

أقترب منها جاسر في دهشة:

– شكلك مستعجل .. ماشي بدري أوي النهارده

ردت دون النظر إليه وهي تغلق حقيبتها :

– جداً يا جاسر .. مضطرة أمشي حالًا عن أذنك

رحلت على الفور وهي في قرار نفسها تشعر بالراحة نوعاَ ما، تشعر بأن كل شيء سوف يكون على ما يرام .. فالأهم من أي شيء هو إنقاذ سلمى قبل أي شيء .

وصلت لمنزل سميحة وهي تحاول ترتيب أفكارها من جديد، رحبت بها كثيرًا وجلسن في صمت إلى أن قطعته قائلة بتردد:

– يوسف فين؟

ظهر يوسف من إلا شيء عاقدًا ذراعه ليرد بمنتهى البرود:

– يوسف موجود يا .. يا آنسة

نظرت له في ضيق شديد من تلك الكلمة، من تلك المعاملة والأسلوب الجاف الذي بدأ يعاملها بها مؤخرًا ولا تعرف السبب بعد .. كان يريد أن يتحاشاها ولكنه لم يستطع أن تكون موجودة عند سميحة ولا يراها بالفعل، فعندما سمع صوتها في الخارج نهض من فراشه مهرولًا كي يراها، شعر بأنه يفتقدها في تلك الأيام الأخيرة .. لم يصدق أذناه عندما سألت عليه، فكانت أجابته بمنتهى البرود واللامبالاه ولكن من داخله يشتعل شوقًا إليها ولكنه يكابر بعد تلك المكالمة الغامضة من اخيها .. أقترب وجلس قبالها وهي متعمدة أن لا تنظر إليه، ليستئنف بروده قائلًا :

– خير يا آنسة نور كنتِ عايزاني في إيه؟

قررت أن تعامله نفس المعاملة، طالما هو من أبتدأ دون أي مبرر واضح حتى الآن لتقول هي أيضًا ببرود وجدية:

– كل خير يا أستاذ يوسف .. طارق ظهر …

قاطعها يوسف ساخرًا:

– أخيرًا بسلامته راجع

نظرت له بطرف عيناها بضيق، فلم تكترث له واستئنفت حديثها:

– لسة رادد عليا مفيش قبل ما أجي .. وعدني إنه هيجي على طول عشان نشوف هنتصرف ازاي

تدخلت سميحة على الفور بعدما شعرت بحدة الحديث بينهم:

– متعرفيش كان فين يا نور؟

رد نور سريعًا بعدما تنهدت بقوة:

– لا معرفش .. بس أعتقد طارق لما يحب يبعد بيخرج برة إسكندرية عشان محدش يقدر يوصله

ابتسمت سميحة بحزن:

– واضح أن الاتنين فيهم نفس الطبع .. أنا هتصل بأمير يجي

رد يوسف بجدية:

– إجتماع مغلق يعني

ردت نور هي الأخرى بجدية:

– إجتماع أو غيره مش فارقة .. المهم نوصل لحل ونوقف المهزلة إللي احنا فيها دي

*******************

وصل طارق إلى الإسكندرية يقود السيارة في صمت وبجانبه إيهاب يختلس نظرات له بين الحين والآخر كي يطمئن عليه، ليجده في حالة صمت شديدة وتركيز فقط في الطريق أمامه .. ولكن الحالة التي يبدو عليها الآن شرود أكثر ما هو تركيز، ليقطع شروده رنين هاتفه ليجد المتصل نور .. تنهد بعمق ورد بهدوء:

– ايوة يا نور

ردت بهدوء وجدية:

– وصلت لفين دلوقتي؟

أجاب بنفس النبرة وصوت عميق:

– عشر دقايق وأكون في البيت

صاحت به مسرعة مما أدى لفزع كل من سميحة ويوسف:

– لا .. تعالى على بيت طنط سميحة على طول .. هبعتلك اللوكيشن

تنهد وهو يهم بإنهاء المكالمة:

– تمام يا نور .. سلام

قام طارق بتوصيل إيهاب لأقرب مكان لنزله وأتجه هو مباشرة إلى منزل سميحة بعدما أرسلت له نور الخريطة .

وصل أمام الشقة الماكثة بها سميحة ووقف بتردد على الخطوة التي أقدم عليها للتو، ما الذي حدث ولما استدعته نور بهذه السرعة بتلك النبرة الغير مطمئنة بالمرة، ما الذي ينتظره خلف هذا الباب يا ترى؟ .

حسم أمره وضغط على الجرس، لينظروا من خلف هذا الباب بترقب على مصدر الصوت.. لتقوم نور بلهفة وتفتح الباب لتلقي بطارق أمامها .. تخشبا أمام بعضهم البعض ولغة العيون هي فقط نقطة التواصل بينهم .. عتاب وحزن، ترجي وغفران .. تلك الكلمات التي نطق بها لسانه في لحظة غضب لا تزال ترن في أذنيها كأنه قالها للتو، يعلم بأنها لن تصفو إليه بهذه السرعة .. أما هي تريد أن تعاتبه وعدم الحدث معه في آناَ واحد فأكتفت بالصمت وهي تفتح الباب على مسرعيه، ليدخل طارق ويتفاجئ بوجود يوسف الذي نهض هو الآخر ليتقابلا في نظرة كبيرة مليئة بالتحدي والغضب الشديدين .. لتقوم سميحة بدورها بفض هذه النيران المشتعلة بينهم، بعدما تبادلت هي ونور نظرة تساؤل بعدم فهم:

– هتفضلوا واقفين كده كتير .. أتفضل أدخل يا طارق

رد طارق بغضب وضيق شديد ونظره معلقًا على يوسف:

– أنا مقعدش دقيقة مع البني آدم ده في مكان واحد

اندهشت سميحة ونور كثيرًا مما سمعا للتو لتصيح سميحة بها:

– إللي بتقوله ده بس يا طارق يابني .. أقعد بس وأستهدى بالله

نظر لنور معاتبًا إياها:

– لو كنت أعرف إنه موجود هنا مكنتش جيت

نور تفهم جيدًا على ما يرمي حديثه إليه، لترد هي قائلة:

– سيبيه يا طنط .. شكل إللي حصل أثر على تفكيره تنهدت سميحة بحزن على ما وصلوا إليه من خلاف بينهم:

– إللي حصل بس يا ولاد؟

ردت نور ونظرها معلق على طارق بحزن وعتاب:

– خلينا بس في إللي احنا فيه دلوقتي

عقد طارق ذراعه أمام صدره ليقول بجمود ونظراته ثاقبة نحوها:

– ممكن بقى أفهم جايباني على ملا وشي ليه؟

أجابت بهدوء نسبي:

– أظن مش هنتكلم واحنا واقفين يا طارق

من هنا تخلى عن الطابع البارد الذي كان يبدو عليه، فكلماتها أثارت غضبه، لينفجر غاضبًا هو الآخر:

– مش خلاص رجعت ولقيتوها .. وأنا وسبق نهيت الموضوع ده قدامكوا كلكوا .. وهي من البداية مكنتش عايزاني ولا طايقاني لدرجة بعدما اتفقنا هربت يوم الفرح .. عايزين مني إيه تاني متسيبوني بقى .. نفذت كل إللي طلبتوه عايزين تاني إيه

تشعر بكل كلمة تفوه بها، تشعر بحرقة قلبه ومشاعره، تشعر بغضبه وحزنه الشديد، تشعر بإنكساره .. ولكن يجب أن يفيق لينقذ ما يمكن إنقاذه الآن، لتقول رغم عنها:

– على أساس إنك مش زيها .. على أساس إنك مش مغصوب على الجوازة أنت كمان .. على أساس إنك كمان مهربتش .. بس الفرق بينك وبينها الظروف، ظروفها قبل كده هي إللي جبرتها تهرب وتسيب كل حاجة وراها، خافت من المجهول .. أنا مش بدافع عنها يا طارق، بس حق ربنا يتقال

يحاول أن يقتنع بكلام شقيقته، هو يعلم بأن معها كل الحق، طالما هو لا ذنب له فهي كذلك ..

صاحت بهم سميحة لتحد من هذا النزاع والنار المشتعلة بينهم:

– وبعدين معاكوا يا ولاد مش كده .. أقعد يا طارق عشان نتفاهم

جلسوا جميعاَ في صمت ثم نظر إليها ليقول بضيق:

– ها اديني قعدت .. في إيه بقى

تنهدت نور وبدأت تتحدث بحزن:

– انكل هاشم حابس سلمى في البيت من ساعة ما سحبها من وسطنا وزاد قسوته معاها لما حاولت تهرب مرة تانية بعد ما ضربها والمرادي مسجونة ف اوضتها بقالها تلات أيام وقافل عليها .. حتى يوسف مرجعش البيت ومانع أي حد مننا يشوفها .. حتى طنط سميحة مانعها تشوف سلمى هي كمان ..

اندهش طارق مما سمع، لم يصدق أن هاشم يمكنه أن يفعل هذا بابنته الوحيدة، ولماذا؟ من أجل هذه الصفقة اللعينة التي حلت عليهم جميعًا!! .. فصاح دون وعي بها بنبرة مليئة بالخوف والقلق والإهتمام الشديد بها:

– إيه الهبل إللي أنتِ بتقوليه ده .. مش ممكن

لاحظ الجميع ذلك مندهشين من رد فعله على عكس ما توقعوا منه .. كما هو لاحظ ذلك ولا يعرف كيف أندفع نحوها هكذا، فعاد بكل برود وغطرسة لم تعهدها عليه:

– والمطلوب مني إيه دلوقتي ؟

زفرت نور بحنق على أسلوبه فلم تعد تفهمه، ثم قالت بحنق:

– أنقذ المسكينة دي من إللي هي فيه على الأقل .. وتبقى تعمل مابدالك بعد كده .. بس عدي اليومين دول على خير

ألتفتت سميحة لامير الذي كان يجلس يتابع كل ما حدث بصمت تام بتركيز شديد:

– ما تقول حاجة يا أمير .. ساكت ليه من ساعة ما طارق جيه

رد أمير بعد صمت تام بكل هدوء وجدية:

– واضح جدًا أن فيه مشكلة بين طارق ونور وأظن يوسف كمان، في حاجة ما بينكوا أنتوا التلاتة مش مفهومة .. وده بشكل كبير بسبب إللي حصل بس حاجة منعرفهاش

نظر طارق ونور لبعضهم البعض تأكيدًا لكلام أمير، ليستئنف أمير حديثه:

– وده مش موضوعنا دلوقتي .. رغم ان معرفتي بطارق بسيطة بس أنا مقدر موقفه جدًا بس ده مش معناه إني موافق على إللي عمله .. المهم لازم نلم الموضوع وننهي المهزلة دي بأي طريقة .. ومفيش غير حل واحد يا طارق وأظن أنت عارفه كويس

صاح به بغضب ليقول:

– أنت مستوعب إللي بتقوله ده !!! .. أظن إنك كنت حاضر يومها احنا قلنا إيه لبعض ونهينا الموضوع ازاي .. جاي تقولي دلوقتي أتجوزها!!

مقدر ما يقول ولكن الواقع يتحتم عليهم غير ذلك ليرد قائلًا بهدوء وجدية:

– أسمع يا طارق الكلام إللي هقوله ده كويس .. الصفقة دي وراها مصيبة وسر كبير محدش فينا يعرف تفاصيله إلا حماك .. محدش فاهم سر تمسكه باللعنة إللي أسمها الصفقة دي إيه .. ومش هيرجع عن اللي في دماغه غير لما الجوازة دي تتم وهتفضل سلمى طول عمرها سجينة ليه … دي محبوسة بين أربع حيطان مبتشوفش النور .. فلازم على الأقل نسايسه لحد ما نشوف أخرة الموضوع ده إيه .. وتبقى يا سيدي تعمل ما بدالك بعد كده على رأي نور لو عايز تسيبها

أقتنع طارق بحديث أمير، ورأى بأنه نوعًا ما منطقي لتصرفات هاشم وإهتمامه بهذه الصفقة ليفعل هذا بابنته .. زفر بشدة ولآنت نبرته قليلًا ليقول:

– أنا معاك في إللي أنت بتقوله .. بس هل يا ترى سلمى هتوافق على أقتراحك ده ؟!

رد أمير سريعاَ بثقة:

– لازم توافق بأي شكل من الأشكال .. كلنا مجبورين على الوضع ده .. لازم تفهم أن ده الحل الوحيد عشان تخلصوا من إللي انتوا فيه .. بس لازم تخرج ونطمن عليها … احنا في اليومين إللي فاتوا دول ربنا عالم مرت علينا ازاي واحنا مش عارفين عنها أي حاجة

قالت سميحة بحزن ألم:

– أنت بتقول فيها يابني .. احنا هنتجنن عليها خلاص .. قلبي مش مطمن

نور بعد تفكير صاحت:

– طيب يا جماعة دلوقتي هنخرجها ازاي وهو قافل عليها ومانع أي حد يشوفها

رد طارق بتحدي وصرامة:

– ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة .. يعني زي ما أخدها من وسطنا بالعافية احنا بقى هنخرجها بالعافية .. عمره ما هيوافق إنه يخرجها بالذوق أو بالتفاهم حتى

ابتسمت نور على كلام وموقف اخيها ليثبت لها إنه ما زال يحمل في طياته شيئًا لها، ليؤيده أمير:

– فعلًا مفيش حل غير كده

*********************

أنطلقوا جميعًا إلى فيلا هاشم الجوهري بكل عزم وإصرار وتحدي، بعدما تأكدوا أولًا بعدم وجود هاشم في الفيلا في هذا الوقت ليسهل عليهم مهمتهم .. دلفوا إلى الداخل حتى قابلتهم الخادمة تعترض عليهم الطريق بخوف وقلق:

– رايح فين يا أستاذ يوسف .. البيه الكبير منبه محدش يهوب ناحية اوضة ست سلمى أي كان مين صاح بها طارق بغضب وجمود:

– أنتِ أتجننتي !! .. أوعي من سكتنا ألا مش هيحصلك طيب

دمعت عيونها لتقول بترجي:

– أبوس أيدك يا بيه لو البيه عرف إني سمحتلكوا تروحلها هيقطع عيشي وهيوديني في داهية .. أنا بنفذ الأوامر بس يا أستاذ يوسف وحضرتك فاهم نظر لها بنظراته الثاقبة جعلتها ترتجف من الخوف:

– ما أنتِ لو منفذتيش إللي بنقولك عليه زي ما بتقولي هتروحي في داهية وعيشك من هنا هينقطع .. فاهمة ولا أعيد تاني !!

لأول مرة ترى هذا الوجه من يوسف .. هذا الجمود والغضب، شخصية أخرى غير شخصية يوسف الحنونة والباسمة التي تعرفها من قبل .. لهذه الدرجة يحب شقيقته ويخاف عليها لتخرج هذه الشخصية الخفية التي طالما كثيراَ كان يخفيها، نتجت عن كل ما مر به في حيات مع أبيه من قبل .. من أحساسه بالضعف والعجز أتجاه شقيقته كي يساعدها، ولكن لم يعد يحتمل بعد الآن فأنفجر بكل ما يقف أمامه في سبيل إنقاذ شقيقته الوحيدة من يد أبيه الذي لا يعرف الشفقة ولا الرحمة أتجاه أبناءه .

فأزاحها بيديه ليمروا متجهين مباشرة إلى غرفة سلمى .. صعدوا درجات السلم راكضين إلى أن وصلوا غرفتها، حاولوا الشباب كسر الباب بكل ما أتاهم من قوة حتى تكسر بيداهم ليجدوا سلمى جثة هامدة على فراشها ..

*********************

إلي هنا ينتهى الفصل السادس والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_2]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط