قصص

عمارة شبرا

“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
هي الرحلة كانت لطيفة، بحيرة وشلالات وتجمعات أبو قردان ووادي فيه آثار لحيتان، باين على الولاد إنهم كانوا مبسوطين وأنا كمان كنت مبسوطة، حقيقي مبسوطة، لساعات نسيوا إني المدرسة بتاعتهم وإني بتاعة قصص التاريخ، القصص إياها اللي بره المنهج، وأنا كمان نسيت القصص كلها، واندمجت مع الأجواء الساحرة بتاعة الفيوم، لكن غصب عني، أول ما الشمس بدأت تغرب افتكرت، افتكرت قصة ليها علاقة بالفيوم، قصة ديولها لسه مستمرة لحد اللحظة دي…
والولاد مش يسكتوا، لأ، هم كمان شجعوني…
فجأة لقيتهم اتلموا حواليا، وكان باين عليهم الملل، الفرحة والتحمس اللي كانوا موجودين على وشوشهم اتطفوا، بدالها اتبقت ابتسامات باهتة…
-هاه يا ميس هايدي!
=هاه إيه يا ولد؟ عايز إيه؟
ابتسامتهم وسعت وعنيهم ضاقت، كإنهم حيوانات ليلية أو شي.اطين خبيثة، عارفاها أنا البصات دي، بس كنت قاصدة أعمل ساذجة ومش فاهمة، عايزاهم ينطقوها، مش مجرد يلمحوا…
-مش هتحكيلنا قصة من قصصك؟
=وهو ده وقته يا أمنية، ده وقت درس تاريخ؟
-احنا لعبنا وأكلنا واتفسحنا، وزهقنا، كل دي متع وقتية…
=أنتوا عرفتوا كمان يعني إيه متع وقتية، هو التعليم حوق فيكم وبقيتوا مثقفين ولا حاجة؟؟
-دروس التاريخ يتاعتك يا ميس!
أهو يعد الجملة الأخيرة اللي قالها “إبراهيم” مقدرتش، استسلمت، أنا أصلًا كنت مستنياهم يطلبوا…
=كان ياما كان، زمان زمان، من 110 سنة، اتولدت بنت في بيت فقير، أب صياد، أحواله يوم ويوم على حسب صيدته، الصنارة غمزت؟ الشبكة عبت؟ وحتى لو غمزت ولو التانية عبت، هيبيع بكام يعني ويقبض كام، مهو برضه الناس في منطقته غلابة زيوا، ده غير إنه كان بياخد من الصيدة بتاعته كام سمكاية على كام جمبرياية لقوته وقوت أسرته الكبيرة، مراته وأبوه وأمه وعياله ال8، اللي منهم بطلة قصتنا… “ياقوت”…
أبوها سماها “ياقوت” عشان ده كان إحساسه بيها، مع إنها مكنتش أحلى إخواتها يوم ما اتولدت، حتة لحمة حمرة، ومع إن السنة اللي اتولدت فيها كانت من أصعب السنين عليه، حصيلة الصيد كانت نادرة والبحر شاحح عليه وعلى غيره من الصيادين، لكن قلبه انشرح أول ما شافها، إحساسه بيها إنها نورت بيته وحياته، نورت روحه المطفية، زي الياقوت اللي بيخرج من الصدف المتألم…
هو كان بيعافر، الراجل مقصرش، حاول يعلم ولاده، لكن التمانية خرجوا من المدرسة بعد كام سنة بس، ملحقوش يستوعبوا ولا يتعلموا حاجة، “ياقوت” بقى كانت حاجة تانية…
“ياقوت” برغم صغر سنها كانت نبيهة، وعيت إن الدور هييجي عليها، هي كمان شوية وهتخرج من المدرسة، وأبوها كالعادة، هيحاول ويعافر، لكن مش هيقدر ، كل مرة بيعاند، يقول لأ ده هيقعد في المدرسة، ده هيكمل، طب دول مش هيخرجوا زي اللي قبلهم، لكن كان بيعجز، وبيخرج عيل ورا التاني وهو متمرر…
هي بقى الصغيرة اللئيمة دي عملت إيه؟ صحصحت!
ركزت أوي، الوقت اللي فاضل لها في التعليم كان زي الحبات في الساعة الرمل، الأيام بتتسرق وتنساب زي الرمل بالظبط، وقتها محدود، عشان كده، اجتهدت إنها تتعلم القراية والكتابة، على الأقل دول، ودول مفتاح كل حاجة تانية، لازم كانت تطلع من المدرسة وهي بتقرا كويس…
ونجحت في ده…
“ياقوت” أم 8 سنين خرجت من المدرسة زيها زي خريج اعدادي في أيامنا دي، متزعلوش مني يعني، أجدع منكوا في سنكوا ده، ما هي أصلها كان عندها هدف، مش مدلعة زيكوا، عد تنازلي، مفيش رفاهية الأيام والسنين الدراسية، ودروس ومراجعات وامتحانات شهر ونص وآخر سنة، مفيش….
“ياقوت” بقت منفذ البيت بتاعها للعالم الأكبر، والعالم الأكبر موجود في الجرايد والمجلات وفي اليفط اللي بتتعلق في الشارع، مهو العالم موصول ببعضه من خلال الجرايد والجوابات، ومش بس كانت المنفذ لأسرتها، ده لأهل مطروح كلهم، أي حد جاله جواب بتقراهوله، أي حد عايز يعرف الأخبار بتقراله الجرنان، الصيادين، تجار الأقمشة، العطارين، البقالين، أيًا كان…
-غريبة يا “ميس هايدي”، معرفش ليه أنا تخيلت إنها كانت من الفيوم، حسيت إن القصة ليها علاقة بالمكان اللي احنا فيه.
=ما هو ده صحيح، القصة فعلًا يا “سميحة” ليها علاقة بالفيوم…
-الله، إنتي مش بتقولي “مرسى مطروح”..
=يا بنت مستعجليش، أنا لسه ببتدي، بنقول يا هادي…عارفين إيه مشكلة الناس الأذكيا؟ مشكلتهم إن وعيهم بيخليهم مدركين للي عايزينه واللي مش عايزينه، اللي يناسبهم واللي مش لايق عليهم وممكن يضرهم، ودي كانت مشكلة صاحبتنا ،”ياقوت” اتأخرت في الجواز، اتأخرت لحد سن ال27 سنة، وفي الوقت ده كانت كارثة، 27 اللي هي دلوقتي زي 50 مثلًا، كل البنات كانوا بيتجوزوا قبل ما يتموا ال20، هي رفضت كل العرسان اللي اتقدمولها عشان مشافتش في واحد منهم اللي يليق عليها، اللي شبهها أو يفهمها أو تقدر تعيش معاه، لحد ما في يوم وهي ماشية في الشارع شافت بلورة سحرية، بلورة بتنور وجواها أحداث، وناس، بس هي مكنتش مدورة، كانت مربعة وطويلة، مفرودة ومسنودة بسنادات وجنبها واحد واقف يفهم الناس الأحداث، عشان كانت من غير صوت…
البلورة هي شاشة، جواها قصة وناس بتعيش القصة، متقسمين أدوار، واللي جنبها وبيشرح للناس وعمال يتنطط وسطهم ده كان المفهماتي، شغلته كانت يفهم الخلق اللي بيحصل، البطل بيقول إيه للبطلة وهي بترد تقول إيه، وحصل إيه خلى الواد يعيط وخلى الراجل الكبير مبسوط وخلى الشابة تجري زي المجنونة وتهرب…
طبعًا “ياقوت” بذكائها واستيعابها أدركت إن المفهماتي بيقول أي كلام ملوش علاقة بالأحداث، وهو بياكل عيش على قفا الناس الغلابة المزبهلين، الناس اللي فاتحين بوقهم على الآخر ومبهورين بالتكنولوجيا الرهيبة اللي شايفنها قدامهم، بقى بدل المرسح في شاشة جواها ناس بتمثل، ناس مش لحم ودم قدامهم، عرض بيتقدم، شايفينه من غير ما الممثلين يكونوا موجودين بشحمهم ولحمهم؟
لكن برضه “ياقوت” كانت مبهورة زيهم بالشاشة والعمل الفني البديع اللي بيحصل، دي قطعة لا تقدر بثمن، أغلى من القطع الفنية في المتاحف والقصور، ده اللي جه في بالها، ووقعت في عشقها وأدركت، أدركت بكل ما فيها إنها بتنتمي للعالم ده، للإبداع اللي ورا الشاشة ولازم، لازم تسعى تبقى جزء منه بكل الطرق…
وتفوت سنة واحدة والشاشة تدخل جوه قاعة، والصمت يتحول لكلام، والتمثيل يبقى حي أكتر، والأحداث تطول وده لإن أول سينما اتفتحت وبقى في أفلام وممثلين بأدوار وحبكة، بداية ونهاية ومشاهد وحوار، ويوم بعد يوم حب “ياقوت” للسينما والتمثيل بيكبر، ويقينها إن ده الطريق اللي المفروض تمشي فيه بيترسخ، بس إزاي؟ أكيد مش مرسى مطرح، بلدها المرمية المنسية المنفصلة عن العالم الأكبر والفرص الحقيقية، معروفة، القاهرة هي مركز الرزق والإبداع في مصر وهي المحطة اللي ليها اتصال بمحطات العالم بره مصر، وفي النهاية “ياقوت” أخدت قرارها، هتروح على القاهرة وهتشق طريقها هناك…
طب هتعمل ده إزاي؟
هتقعد في بيت خالها اللي عايش هناك لحد ما ربنا يفرجها وتقدر تشتغل وتستقر وتصرف على نفسها…
طبعًا في الأول ابوها وأمها لطموا وصوتوا، قاهرة إيه اللي تروحها، وكمان هتبقى ست عاملة وتشبه البنات هناك، كده أكيد باي باي جواز، حكمت على نفسها بالوحدة بقية عمرها، لأ وإيه، ده هي أصلًا مقالتلهمش كل الحقيقة، قالت إنها هتروح تشتغل في القاهرة أي حاجة، خياطة، ولا بياعة في بوتيك ولا في مصنع حلويات، وده بحجة إنها تصرف على نفسها ومن وقت للتاني لما ربنا يقدرها تبعت لأهلها فلوس، بدل العيشة الصعبة اللي هم عايشينها، أمال هتقول سيما؟ دول كانوا يطيروا رقبتها…
وبعد الزعل منها، ومع صعوبة الظروف وضيق الحال، دوروا كلامها في دماغهم وبقى مقنع بالنسبة لهم ، وبالعكس رضيوا عنها وشجعوها ودعولها من قلبهم، وقالولها إنطلقي وربنا معاكي ويرزقك برزقنا…
قدروا يتواصلوا مع خالها من خلال التليفون الوحيد في المنطقة بتاعتهم بعد ما دفعوا حق المكالمة وبلغوه بالموضوع، والخال رحب…
لمت شنطتها المحندقة وطلعت على القاهرة…
ياااه يا ولاد، على كمية الطموح اللي كان عندها، طموح يكفي أهل مطروح كلهم ويفيض ، تخيلت نفسها وهي في القطر في طريقها للوطن الجديد منورة على شاشة السينما، والجمهور واقف بيصقف وبينزل دموع من العظمة اللي شافها، رجليهم ورمت من الوقفة ومحسوش بالوقت والتعب وإيديهم احمرت وجابت لون الدم، وقتها بقى أهلها مش هيبقوا زعلانين، لما يشوفوا نجاحها والناس يوقفوهم ويهنوهم بنجومية بنتهم، هينسوا بقى الحاجات الوحشة، بتاعة بقت فنانة وبتحط مكياج وبتسهر في شغلها، ومعروضة كده للناس على الشاشات واتأخرت في الجواز ولا اتجوزت واحد مش شبهنا…
سقف طموحها نزل سِنة لما وصلت المكان اللي خالها ساكن فيه، لإنها كانت حارة ضيقة والعمارات بائسة ومهكعة، لكوا أن تتخيلوا إن بيتها في مطروح ومنطقتها كانوا أحسن بكتير!
اللي كانت فيه بالنسبة للي شايفاه وداخلة عليه رفاهية…
لكن راجعت نفسها وقالت يعني هي كانت عملت إيه بالمنطقة الحلوة والبيت الواسع والشوارع البرحة النضيفة، مهم في الآخر عيشتهم كانت صعبة وأيام كتير كانوا بيناموا جعانين، يمكن هنا البيوت والشوارع ضيقة بس الرزق أوسع والفرص أكتر، المقاييس مختلفة يعني…
وحال خالها مكنش يختلف كتير عن حال أبوها يا ولاد، مخلف 5 عيال ومعاه مراته وهو موظف حكومي، مرتبه بيكفي حاجة البيت بالعافية من غير أي رفاهيات، يدوبك الأكل والشرب، الهدوم وأي حاجة البيت عايزها كانت بتبقى في المناسبات وبس…
وهي، اكمنها ملقتش شغل بسهولة، اتحرجت من نفسها وحست إنها متقلة على خالها فبقت تشتغل في البيت وفي خدمتهم مقابل أكلها وشربها وقعدتها معاهم، لحد ما ربنا كرم، وأخيرًا لقت شغلانة، بقت تكتب على الآلة الكاتبة في مصلحة من المصالح، وبكده بقى ليها مهيتها وتقدر تستقل ماديًا وتجيب الأكل بتاعها ومن وقت للتاني بتشارك كمان في مصروف بيت خالها، وبما إنها كانت بتخلص الشغل بدري، على واحدة الضهر كده، فكانت بتطلع تلف على المسارح والاستديوهات بعد ما تكون شافت عرض في الجرنان ده عن دور عايزينله وجه جديد والجرنان ده والجرنان التالت..
وفي يوم من الأيام حصلت المعجزة واتقبلت في دور كومبارس، متتخيلوش فرحتها بالدور إزاي، ظهورها متعداش الدقيقتين لكن بالنسبة لها كإنها بطولة فيلم بحاله ومن الدور ده لدور تاني وتالت ورابع، وبعد ما كانت كومبرس ساكت، بقت تقول كلمات وبعدها جمل وبعدها فقرات، والدنيا زهزهت معاها لدرجة إنها مبقتش محتاجة وظيفة الكاتبة وسابتها وبقى كمان معاها فلوس تقدر تستقل بيها وتأجرلها شقة محندقة في شبرا…
كانت عمارة من دورين وسطح، شقتها في الدور التاني، كل دور فيه شقتين، الدور الأول ساكن فيه راجل عجوز بس والشقة اللي قصاده فاضية، أما الدور التاني فهي بس اللي كانت ساكنة فيه والشقة اللي قدامها فاضية، أو…هو ده اللي كانت فاكراه….
ومن هنا يا ولاد بتبدأ القصة…
يفوت شهر كامل و”ياقوت” معتقدة إنها هي والراجل العجوز اللي تحتها بس سكان العمارة، لحد ما في ليلة من ليالي الشتا التلج وهي راجعة من جلسة تصوير بليل متأخر، حست بحركة وراها، السلم كان بيزيق، أصل العمارة كلها قديمة أوي، والسلم كان خشب، تخيلوا؟
المهم الدنيا كانت ضلمة كحل والسلم عمال يزيق، والتزييق بيزيد كل مدى وبقى معاه صوت خطوات بتبقى أوضح وأوضح…”ياقوت” خا.فت وافتكرت إنها سايبة قنديل جنب شقتها عشان لو رجعت في وقت متأخر، طلعت كبريت كانت شايلاه معاها وولعت عود ومسكت بإيديها التانية القنديل، لكن عبال ما رفعته الكبريت كان اتطفى، ملحقتش تحط القنديل تاني على الأرض عشان تطلع عود غيره، الخطوات قربت منها وبعدين…وقفت…
اتخشبت مكانها، بلعت ريقها بصعوبة، مستنية قدرها، وبعد ثواني سمعت صوت وشافت بصيص نور، الصوت كان حكة عود كبريت في الشطاطة وبصيص النور كان جي من عود الكبريت اللي والع قصاد وشها…
اللي ولعه هو صاحب الخطوات، واللي طلع جارها!
أيوه، “ياقوت” كان ليها جار، ولمدة شهر من وقت ما سكنت مشافتوش…
نور الكبريت كان ضعيف، لكنها قدرت من خلاله تبص بصة خفيفة على ملامحه، وأاه على ملامحه…
كإنه بدر في ليلة التمام…
-إيه بدر ليلة التمام ده؟
=ده يا “مؤمن” القمر في ليلة 14 في الشهر، القمر لما يبقى مدور ومنور السما، أهو هو ده وش الشاب اللي كان واقف قصادها في العتمة..
أخد القنديل من إيديها وهي لسه مشلولة ومش مستوعبة اللي بيحصل وحط فيه عود الكبريت ونوره..
قال لها وهو بيبتسم وبيحاول يطمنها:
-أنا آسف مكنش قصدي أخوفك، أنا جارك، ساكن في الشقة دي…
حطت إيديها على صدرها وقالت وهي بتنهج جامد:
-تخوفني؟ ده أنت فزعتني..
-آسف حقيقي، اعذريني يا هانم، عن إذنك…
ابتسامة اترسمت على وشها غصب عنها، هانم، ده بيقول لها يا هانم، مش آنسة ولا مدموزيل، مش بس وسيم ده كمان لسانه بينقط سكر ولبق وراقي…
اتدور ومشي في اتجاه شقته، بس وقفته لما قالت:
=اس، استنى يا…
-“لطيف”…
-لطيف أوي..
-نعم؟
-هو إزاي أنا مشفتكش كل المدة دي؟ ده أنا بقالي شهر مأجرة..
-ده للأسف بسبب ظروف شغلي، شغلي يا هانم غير آدمي، لكن أهو اتعودت ومقدرش أقصر فيه..
-ليه، بتشتغل إيه؟
-دكتور..
-ووقت الشغل مش محدد؟
-محدد إيه، دي نوبات الصبح ونوبات بليل، نوبات موصولة ببعض، ونوبات يفصل ما بينهم ساعات بس، وأوقات ساعة واحدة، مش بلحق أرجع بيتي وأريح..
-معلش، الله يكون في عونك…
الاتنين كانوا بيتلككوا عشان ميدخلوش شققهم، الاتنين وقعوا في هوى بعض من أول مقابلة، لكن البدايات بقى، الخجل اللي بيبقى موجود في الأول بيعجز الواحد إنه ياخد خطوة، سواء “لطيف” أو “ياقوت” أوقات كانوا بيبقوا متأكدين من مشاعر الطرف التاني وأوقات بيقنعوا نفسهم إنها تهيؤات، والاتنين كانوا قلقانين لو عبروا بشكل صريح الطرف التاني يرفض وتطلع أوهام، وكرامتهم تبقى في خبر كان، لحد ما أخيرًا الدكتور “لطيف” اتشجع وصارح “ياقوت” بمشاعره وفي نفس القعدة طلب منها الجواز…
ده كان بعد إسبوعين بس من لقائهم الأولاني، لكنهم كانوا زي سنين بالنسبة لناس تانية، مشاعرهم نضجت وبقوا غاليين جدًا على بعض، عشان كده وبرغم سرعة الوقت “ياقوت” وافقت فورًا، كلمت أهلها وقالتلهم ييجوا عشان حفلة الجواز، أهلها أصلهم اتبدلوا يا ولاد، بعد ما بقوا يشوفوها على شاشة السيما، ولقوا أدوارها ابتدت تكبر برغم إنها مكنتش لسه معروفة أوي يعني، اتغيروا، مبقوش متحفظين زي الأول، معرفش يا أولاد هل المباديء مباديء بجد؟ يعني ثابتة ولا بتتغير حسب الظروف والأحوال؟ بتتشكل حسب اللي بيحصل، وحسب الوضع الاجتماعي والمادي، وأصحابها بيمثلوا إنهم أصحابها، ولا المباديء ملهاش ذنب ومش لاقيه اللي يراعيها بجد؟ المهم أهلها جم القاهرة وحضروا الاحتفال، ولطيف اتجوز ياقوت…
-وخلفوا بنين وبنات..
=لأ يا ابراهيم، ياريت….”ياقوت” صحيح كانت ممثلة وفي أفلام لما كانت بتبدأ فيها بتنسى نفسها، وفي أدوار بتتطلب منها تسافر مثلًا أو تتأخر بره البيت، بس ده مكنش الوضع علطول، أفلام كتير كانت بتقدر خلالها تراعي بيتها وتنظم وقتها، ولما “ياقوت” ركزت لقت إن “لطيف” تقريبًا كده مش موجود، مش موجود تمامًا، بتعدي أيام كاملة مش بيرجع البيت، هل ده منطقي؟ بييبات ويقوم في المستشفى كل الأيام دي؟ ولو…ده وضع لا يطاق… صحيح لما بيرجع بينسيها غيابه بمعاملته الرقيقة وحنيته ووسامته الطاغية، لكن ده كان في الأول بس، بعدها مبقتش تسهى عن الوضع اللي مكنش باينله آخر ده..سألته كتير إمتى هيستقروا، إمتى الشغل هيخف من عليه، كانت دايمًا نفس الإجابة، لما يقدروا يجيبوا دكاترة تانيين، لإن عدد الدكاترة في المستشفى قليلين جدًا قصاد عدد العيانين، لكن تفوت الأيام ومن الواضح إنهم مش بيعينوا دكاترة جداد ويبقى الوضع كما هو…
لحد ما في يوم ولسبب ما، الفار لعب في عبها، في حاجة مريبة، صوت بيقول لها إن “لطيف” مخبي عنها حاجة، عملت حركة لئيمة بحيث لو طلعت غلط “لطيف” ميزعلش منها، حضرت أكل في كيس وراحت على المستشفى اللي قال لها إنه بييشتغل فيها، على أساس لو لقته تتحجج بأنها عملت مفاجأة وجابتله أكل…
إيديها كانوا عرقانين من التوتر، مكانتش عارفه تبدأ منين ولا تقول إيه، في الآخر اتجرأت ووقفت ممرض بيمشي في طرقة من الطرق بسرعة وسألته عن دكتور لطيف، قال لها ميعرفش حد بالإسم ده، ومشي وسابها، بعدين وقفت ممرضة تانية وسألتها، جاوبت نفس الإجابة، وفضلت على ده الحال، كل لما تشوف حد تسأله، من ممرضين لدكاترة لموظفين، وبكده اتأكدت، مفيش حد إسمه دكتور لطيف بيشتغل هناك! جوزها مبيشتغلش في المستشفى دي، إيه اللي يخلي جوزها يكدب، ويا ترى لو مبيشتغلش هنا هيكون بيشتغل فين؟
هل تواجهه ولا تستنى، تحاول توصل للحقيقة مع نفسها، لكن ده..ده روحها، سرها وحبيبها، الراجل اللي متخيلتش إنها ممكن تتجوز زيه، أحن راجل في الدنيا، ما تسأله مباشرة من غير لف ودوران؟ لكن لأ، اللي يخليه يخبي من الأول أكيد سبب كبير، ونفس السبب هيخليه يخلق كدبة تانية، مش هتقول له إنها عرفت، مش هتحسسه بحاجة، ده اللي قررته…
بس تبدأ تراقبه مثلًا، ليه لأ!
فعلًا نزلت في يوم وراه، الساعة كانت 6 الصبح، فضل ماشي وهي مشيت وراه من بعيد، ركب أتوبيس، ركبت الأتوبيس اللي وراه، أتوبيسه وقف، قالت للسواق بتاعها يقف ونزلت، مكنتش المنطقة اللي فيها المستشفى إياها، اللي كان قال لها إنه بيشتغل فيها، دي منطقة بعيدة تمامًا، كانت شايفاه، هناك قدامها، على مسافة لكن شايفاه، عدى اتنين رجالة حجبوه، وعبال ما مشيوا كان هو اختفى، داب، متعرفش مشي في أنهي اتجاه…
رجعت البيت وهي محبطة، كانت هتعرف مساره، المكان الحقيقي اللي بيشتغل فيه، لكن فشلت، بس…افتكرت حاجة!
المكان اللي فقدته فيه، بالقرب منه كان فيه تياترو، هو ده، أكيد “لطيف” بيشتغل في التياترو! أتاريه مكسوف، ومخبي عليا، تلاقيه بيشتغل جارسون، بيقدم الخمرة للناس ولا طبال ولا مؤدي، حاجة يتكسف منها، بس مكنش في داعي يخبي، دي حبيبته ومراته، مهما كانت شغلانته كانت هتتفهم وهتقف جنبه لحد ما يلاقي وظيفة محترمة، ولو حتى أخدته معاها وبقى ممثل، ده ولا أنور وجدي في حلاوته…
بس خلاص كده؟ هتعتمد على تحليلها من غير ما تتأكد؟
بعد ما كانت اتطمنت للتحليل بتاعها، رجعت الوساوس ليها، كان لازم تتأكد إنه فعلًا بيشتغل في التياترو إياه، وإيه يا ترى الطريقة؟ تنزل من تاني تراقبه لحد ما يوصل؟ وهل يا ترى المرة دي هتعدي سلامات زي المرة اللي فاتت ومش هياخد باله؟
كانت هتتج.نن، الأفكار كإنها مخالب بتنهش فيها، فكرة توديها وفكرة تجيبها، لحد ما فكرة معينة طفت وغطت على باقي الأفكار، افتكرت حاجة…
“لطيف” كان بيقضي وقت كبير في أوضة المكتب بتاعه، ده يعني لما بيبقى في البيت، اللي هو كل فين وفين، وهي لما كانت بتنضف في الأدراج، كان في درج معين دايمًا مقفول، مش بتقدر تفتحه، قبل كده كان بيتهيألها إنه بس معصلج وإنها مش قادرة عليه، لكن مع كل اللي بيحصل واللي اكتشفته عن جوزها، بقى عندها يقين إنه مش معصلج ولا حاجة، ده أكيد مقفول بمفتاح…
والمفتاح ده تلاقيه فين؟ لو في مكان “لطيف” هتخبيه فين؟
أكيد برضه جوه نفس الأوضة، في مكان ميتخيلش حد يدور فيه، وسط كتبه!
دخلت أوضة المكتب وفضلت تقلب في الكتب على الأرفف لحد ما خدت بالها إن في كتاب مش مترب زي الباقي، شكله نضيف، وده معناه إنه أكتر واحد بيتمسك، نزلته وفضلت تقلب فيه، لحد ما لقت المفتاح وسط الصفحات، إيديها كانت بتترعش وهي بتمدها وبتمسكه، مكنتش واثقة، ايوه، في المرحلة دي مبقتش واثقة إنها فعلًا عايزه تفتح الدرج وتعرف اللي فيه، وكان عندها يقين إنه حل للغز، السؤال هنا هي مستعدة؟ والأهم هل أنتم مستعدين؟…
شفت عيونهم بتطرف جامد وسمعتهم وهم بيبلعوا ريقهم بصعوبة، وصدرهم كان بيعلى ويهبط، الولاد كانوا بجد خاي.فين…
“سميحة” اتطوعت واتكلمت بلسان الكل وقالت:
-أيوه يا “ميس هايدي” مستعدين، كملي الحكاية، قوليلنا الدرج كان في إيه…
=دورت المفتاح جوه الفتحة، وافتح يا سمسم، الدرج اتفتح… كان جواه ملف تخين، سحبت الملف بحذر، كان واضح إن جواه ورق كتير، وهي مكنتش عايزه أي ورقة تطير ولا إن ترتيبهم يتغير، مكنش لازم “لطيف” يحس بأي حاجة، مشيت بالملف بهدوء وحطته على الأرض وفتحته…
أول ورقة كان فيها لستة أسماء، وتاني ورقة، والتالتة، والرابعة وكل الورق، كل الورق كان مليان أسماء، الأسماء تبدو ملهاش علاقة ببعض، لكن كان في ما بينهم عنصر مشترك…
كل الأسماء بتاعة ستات، مفيش ولا إسم راجل!
قلبها كان بينبض بسرعة وعن.ف، ده ليه معنى، أكيد ليه معنى…
ومن هنا قررت…
هتدور ورا الأسماء دي وتعرف قصتهم وعلاقتهم بلطيف…
بسرعة جريت وجابت كشكول بتاعها، من اللي بتكتب فيهم ملاحظات عن أدوارها والتمثيل بشكل عام، وفضلت تنقل في الأسماء، إيديها كانت بتترعش وهي بتكتب، والقلم كل شوية يفلت منها، بالعافية كتبت 20 اسم وبعدين قررت ترتب الورق زي ما كان وترجع الملف في الدرج، كانت خاي.فة جوزها يدخل عليها في أي وقت…
لكن وهي بتعمل كده، وهي بترتب الورق لاحظت حاجة تانية…
طرف آخر ورقة في الملف بان، ولمحت فيه حرف عجيب، شدت الورقة بحذر، لقت مكتوب فيها حروف ، شبه اللغات اللي بحروف مرسومة ومعقدة، يعني أشبه بالرموز، ومكنتش الورقة الأخيرة بس، دي كذه ورقة، اتش.لت وتفكيرها كمان ات.شل، كإنها روبوت اتعطل، فضلت على حالها كده ثواني وبعدين كملت ترتيب في الورق ورجعت الملف الدرج وقفلته، وحطت المفتاح في نفس المكان في الكتاب والكتاب رجعته الرف…
لكن قبل ما تسيب أوضة المكتب جالها نوبة هلع وأنفاسها عليت، عشان مبقتش متأكدة إذا كانت حطت المفتاح في نفس الصفحة اللي لقته فيها ولا صفحة مختلفة!
كده “لطيف” ممكن يعرف، ولو عرف هيعمل إيه؟ يا ترى هيعمل إيه؟
-و”لطيف” عرف؟
بصيت لأمنية بصة لئيمة بابتسامة الئم، وبعدين كملت، وتجاهلت سؤالها، كنت عايزاهم كده يفضلوا على نار، والفضول يزيد لحد ما أحكي كل اللي عندي…
=”لطيف” وصل البيت بعدها بنص ساعة، تخيلوا! يعني بيغيب بالأيام ومش بتشوف سحنته غير كل فين وفين، ويوم ما تقرر تدخل أوضة المكتب وتكشف سره، ييجي البيت بعدها بنص ساعة! طب تخيلوا لو كان طب عليها وهي بتفتش في الملف وبتنقل الأسماء…
كان وشه أصفر، باين عليه مرهق أوي، كإنه ورقة شجر دبلانة في موسم الخريف، “ياقوت” كان لازم تلعب أهم دور في حياتها، تستحضر قدراتها التمثيلية كلها عشان تعمل الدور ده… وهو إنها تعمل عبيطة! ولا كإنها شافت، ولا كإنها عرفت، تبقى نفس الزوجة المحبة، اللي عنيها مرسوم عليها قلوب وبطنها مكركبة من الفراشات اللي بتطير فيها، من كتر الحب بقى والأشواق، والثقة العمياء، وده اللي عملته، ونجحت فيه بامتياز، جواها كانت واحدة بترتجف، بتص.رخ، حاسة ببرد شديد ونار قايدة فيها في نفس الوقت من الحيرة، بتواجه خطر متعرفوش، متعرفش ملامحه ولا كينونته ولا مصدره…
عرضت عليه بكل حب وحنان تحضرله لقمة ياكلها، جاوب وقال إنه تعبان أوي، مش قادر، هيدخل يريح…
مشي في الطرقة، عدى أوضة المكتب، الحمد لله عدت بسلام، ده اللي ياقوت كانت فاكراه، لحد ما وقف فجأة كإنه أدرك حاجة، مكملش لأوضة النوم، لف واتوجه لأوضة المكتب!
كل المخ.اوف انسابت ليها، نهشت فيها، وحست إن قلبها هيقف….
إيه اللي وقفه فجأة كده وخلاه يغير رأيه وهو مهدود وباين عليه خلصان؟؟
فضلت واقفة مكانها مستنية المصير، لحد ما سمعته بيندهها بصوت عالي:
-يا “ياقوت” اعمليلي فنجال قهوة ودخليهولي المكتب…
من إمتى؟! من إمتى بيدخلها المكتب وهو موجود فيه، ده كان بيحب ينعزل، الوقت ده بالذات كان مقدس ليه، بيفضل جوه لوحده على قد ما هو عايز، وهو اللي كان بيعمل لنفسه الحاجة اللي عايز يشربها ويدخل بيها…
صحيح كانت بت.موت وتحيا بس لازم كانت تجاريه، عملت القهوة ودخلت عليه بيها، راسه كانت مدلدلة جوه الكتاب اللي فاتحه، مرفعهاش عشان يبصلها… هي حطت الفنجان واتلفتت عشان تمشي…
-استني عندك!
ركبها خبطوا في بعض بعد جملته، لفتله وفي اللحظات دي غيرت وشها ورسمت إبتسامة عريضة..
-عاملةإ إيه يا “ياقوت”؟ بقالي فترة معرفش عنك حاجة…
-عاملة فضلة خيرك صنية بطاطس باللحمة، نفسي تاكل منها، بدل ما أنت طول الوقت هفتان ومع العيانين ومش بتراعي نفسك.
مردش عليها! ابتسم ابتسامة خفيفة ومال براسه كإنه بيقراها، رفع الفنجان وأخد شفطة وقال:
-غريبة، القهوة مش مظبوطة زي كل مرة، لكن أي حاجة من إيدك شهد…
-تسلم يا حبيبي.
-الوضع هيتغير يا “ياقوت” هبقى معاكي أكتر، هكون موجود عن كده..
هزت راسها وضحكتها ملت وشها وقالت:
-تنور حياتي!
من الليلة دي، من قبل حتى ما تعرف سر اللستة واللغة ولا الرسومات الغريبة وهي بقت مرع.وبة منه، فجأة ملامحه بانت لها مختلفة، مبقاش نفس الشخص الوسيم، كل حاجة حبتها فيه وشافتها حلوة بقت العكس، مريبة ومش مريحة، كإنها كانت بتبصله قبل كده من زاوية تانية واتهيألها هيئة غير الهيئة، خدعة بصرية ونفسية…
“يتبع”عمارة_شبرا
ياسمين_رحمي
“الجزء الثاني والأخير”
“ياقوت” اتحركت علطول، أول ما “لطيف” خرج من البيت تواصلت مع ناس تقدر تجيبلها أرقام تليفونات وعناوين الأسماء اللي معاها، وفعلًا وصلت للبيانات اللي عايزاها خلال كام يوم، لكن مكنش عندها صبر إنها تتكلم في التليفون، شافت إنها تتحرك بنفسها على عنوان إسم من الأسماء في الليستة واللي اختارته بشكل عشوائي…
العنوان مكنش بعيد عن مكانهم، على بعد كام شارع، كان مبنى صغير أوي، متهالك، في حارة ضيقة وأهلها باين عليهم الغلب…
طلعت السلالم المتاكلة وخبطت على باب الست صاحبة الاسم، مفيش رد… جربت تاني، برضه محدش رد عليها…
نزلت وخرجت من المبنى وسألت صاحب البقالة القريبة عن الست…قالها:
-أنتي تعرفيها؟ طب عندك فكرة ممكن تكون فين؟
سألته باستغراب:
-أنا اللي بسألك هي فين؟
-معلش، لمؤاخذة، أصل ما صدقت، الست “بهيجة” مختفية بقالها ييجي أكتر من شهر! ومحدش يعرف راحت فين، دي مش عوايدها، وعلى حد علمنا قرايبها في البلد، محدش ليها هنا ولا اتجوزت ولا ليها قرايب حوالينا، ومنعرفش كمان فين بلدها دي، ألا أنتي تعرفيها منين؟
سابته في حيرته ومردتش عليه، كان فيها اللي مكفيها، إحساسها بالخطر زاد، وبإن جوزها ليه علاقة بموضوع كبير وغامض، مش عادي إن الست اللي في لستته تكون مفقودة..
اليوم ده كانت مهزوزة جدًا، وكان لازم تتفوق على نفسها وعلى أداءها اللي فات عشان مطلوب منها أداء اقوى، برغم التطورات كان لازم تفضل ثابتة قدامه، عنيها بتلمع من حبها ليه، وتعمل كإنها شايفاه أحلى راجل في الدنيا، الراجل اللي بيحسسها بالأمان وبيشقى عشانها وعشان يداوي المرضى!
تماسكت ولمت الأجزاء المبعترة من نفسها، وتاني يوم اختارت اسم تاني عشوائي من الليستة ، من اللي جابت بياناتهم، وراحت على صاحبة الاسم…
كورت صوابعها المتلجة وخبطت على الباب، المرة دي كان حي بسيط اه بس عادي، شبه أحياء كتير، من بتوع الطبقة المتوسطة، الموظفين الحكوميين وأصحاب المهن المعقولة، اللي فتح شابة صغيرة، مكملتش العشرين، “ياقوت” استبشرت، ونبضات قلبها انتظمت، أكيد هي دي البنت اللي بتدور عليها، وأهي عايشة وبصحة كويسة، ده اللي كانت بتحاول تقنع نفسها بيه لحد ما لاحظت إن البنت شكلها مضلم، ملامحها مكسورة، لابسة اسود من ساسها لراسها، رجع قلبها ينبض سريع من تاني، ومكنتش واثقة من اللي هتعمله، بس كان لازم تسأل…
سألت:
-هو…ده بيت “عنايات عمر”؟
-تعرفيها منين؟؟
الشابة سألتها بإسلوب هج.ومي، ضيقت عنيها وكإنها بتتهمها بحاجة…
-أ…أبدًا، هي كانت بتبعتلي جوابات، اصل أنا ممثلة، وبيجيلي جوابات من معجبين، و” عنايات ” كانت متعودة تبعتلي بشكل منتظم وبقالها مدة مبعتتش، فقلت اسأل عنها، أنا بهتم بمعجبيني…
-كد.ابة! دي مش من عادات أختي، أنتي أكيد تعرفي حاجة، ليكي علاقة بق.تلها!
-قت.ل؟! هي اتق.تلت؟
الشابة، اللي هي أخت الق.تيلة دارت براسها وفضلت تصرخ وتقول: “يا ماما في واحدة هنا، شكلها تعرف أختي، جايه تتطقس وتعرف البوليس وصل لإيه” وهنا بقى “ياقوت” قالت يا فكيك، وجريت بأقصى سرعة على الأتوموبيل بتاعها وساقته بسرعة واختفت من الساحة…
-واتأكدت بقى إن جوزها ليه نشاط مريب، مش كده يا ميس؟
=أوقات كده يا ولاد من الصدمة، عقلنا بيدينا سيناريوهات مش منطقية كآلية دفاع يعني، مثلًا في الحالة دي، ومن كتر ما الموقف رهيب وب.شع، “ياقوت” حاولت تدي تفسيرات تبرأ جوزها من الج.رايم، وهي إنها مجرد صدفة! اللستة كانت طويلة أوي، مئات الأسماء، وطبيعي لو دورت ورا عدد منهم، حتى لو عشرات تلاقي اللي ما.تت واللي اختفت واللي اتق.تلت، ممكن المشترك ما بينهم تكون مهنة سرية مثلًا لجوزها، أي نشاط بيعمله سواء لوحده أو بالاشتراك مع حد، زي الداية اللي بتولد ستات كتير، يمكن برضه يكون مكسوف من مهنته السرية اللي لحد ساعتها مكنتش عرفتها، والمهنة هي اللي جمعت كل الستات دول، جايز زباينه…
-وده حقيقي؟
=لأ، مش حقيقي، ده التفسير اللي طلعت بيه كوسيلة دفاع عشان تحمي عقلها من الانه.يار، هي كانت تقريبًا عرفت الإجابة جواها، متعرفش بالظبط القصة كلها، لكن “لطيف” نشاطه مش.بوه وفي الغالب ليه علاقة بالحوا.دث بتاعة الستات، لكن عشان تتأكد وميبقاش في مجال للشك كانت محتاجة تدور ورا اسم تالت…
وفعلًا، وزي المرتين اللي فاتوا اخترت اسم عشوائي، وراحت العنوان….
المرة دي البيت كان في حي أرقى من الاتنين اللي فاتوا، الناس هناك عايشين حياة مرتاحة أكتر، مش فلل، بس بيوت كبيرة في عمارات رايقة ونضيفة، يعني لستته فيها كل المستويات، ناقص بس أصحاب القصور!
اتوجهت للبيت اللي كان في الدور الأول، كانت شقة واحدة في الدور، واضح إن هو ده نظام العمارة، كل دور فيه شقة واحدة..
خبطت ومحدش رد، خبطت تاني، وتالت ورابع، برضه مفيش إجابة، بس “ياقوت” لاحظت إن الباب بيتزق معاها، اتجرأت وفتحته للآخر، لسبب ما الباب مكنش مقفول..
الساعة كانت 7 بليل، مفيش نور بره البيت ولا جواه!
ولا نور كان مفتوح، ضلمة، كحل…
الدنيا كانت برد، برغم إنهم في الصيف، لكن “ياقوت” كانت حاسه ببرد، بترتجف…
ندهت على الناس في البيت، قعدت تقول “سلام عليكم” “سعيدة” “مساء الخير”، لكن مفيش حد رد، فضلت ماشية جوه البحر المضلم وتغوض فيه أكتر وأكتر لحد ما داست على حاجة، لاحظت إن كعب جزمتها بقى لزج، ده غير الجسم الصلب اللي داست عليه، وقفت، فكرت في خطوتها اللي بعد كده….
مشيت، بتدور على مصدر للنور، وكل مدى جزمتها بتلزق أكتر، أخيرًا لقت مفتاح النور، رفعته، ولفت…
عنيها وقعت على الحاجة اللي داست عليها، كانت…صباع، واللزوجة اللي في كعب جزمتها بسبب بحر الد.م اللي كان عالأرض، الد.م مكنش في مكان واحد، ده متفرق ما بين أماكن كتير وعلى الحيطان والتليفون، والجرامافون، والمصدر…. أكيد الج.ثة اللي هناك دي اللي سايحة في د.مها ومنهوشة في كل جسمها، كإن حيوان بري هج.م عليها…
“ياقوت” جالها نوبة…مكنتش قادرة تاخد نفسها، دي كانت في شقة قت.يلة، لسه مق.تولة مبقالهاش كام ساعة بالكتير! والق.تل غريب جدًا ومش مبرر، ليه حد يتق.تل بالطريقة الشني.عة دي، مين أو نقول إيه القاتل؟ إيه طبيعته بالظبط؟؟
وبكده “ياقوت” اتأكدت، “لطيف” جزء من كيان أكبر، كيان مج.رم بيق.تل الستات، في الغالب عص.ابة، والسبب هو س.رقة الستات بما إن مقاومتهم هتبقى أقل من الرجالة، وحتى الست الغلبانة الفقيرة، أكيد راقبوها وعرفوا إنها مخبية فلوس ولا دهب هنا ولا هنا وقت.لوها وخفوا جث.تها، زيهم زي عص.ابة ريا وسكينة والرجالة اللي كانوا بيساعدوهم، “لطيف” ح.رامي وق.اتل!
عرفت ساعتها، إيه سبب البرد اللي كانت حاسة بيه، غطا الأمان اتسحب من عليها، وبقت مكشوفة، عرضة لخطر اسمه “حقيقة لطيف”…
المفروض تعمل إيه؟ تروح فين؟ تلجأ لمين؟ هل ترجع تاني لشقة خالها، لكن، “لطيف” يعرف عنوانه، وأكيد لما تهرب وتقعد معاه ومع ولاده “لطيف” هيشك وهييجي وراها ويعمل فيها حاجة مع عصابته ولو هربت لمكان تاني، مكان محدش يعرفه، ممكن يأذ.ي خالها ومراته وولاده كيدًا فيها، عشان يأدبها…
بعد ما سرحت وطارت وراحت بخيالها لأماكن وأحداث رجعت تاني لوعيها واكتشفت إنها كانت لسه في شقة القت.يلة، محاوطها الد.م من كل حته والج.ثة هناك لسه سخنة وجزمتها متلطخة بالد.م!
اتحركت بعد ما دبت فيها الحياة والوعي من تاني، جريت بره ساحة الجري.مة ورجعت على بيتها..
-بيتها اللي في شبرا؟
=أيوه يا “إبراهيم” رجعت بيت جوزها، مهو مينفعش كانت تختفي وخلاص، اللي فكرت فيه إن الدور كان هييجي عليها والعصابة بتاعة جوزها تق.تلها عشان كرامة صاحبهم، لازم الأول كانت تعرف طريقة تتخلص بيها من جوزها ومن اللي معاه، اللي متعرفهمش…
-بس، في حاجة يا ميس هايدي.
=إيه يا “تاره”؟
-العص.ابة دول، بيق.تلوا الستات عشان فلوسهم ودهبهم، بس المنظر اللي شافته “ياقوت” يعني عن.يف أوي، ليه يق,تلوا الست بالطريقة الد.موية دي عشان يسر.قوها، ما يخبطوها على راسها جامد وخلاص؟
بصيت ل”تاره” بإعجاب، مقدرتش أخبي ابتسامتي ورديت…
=حلو اوي، خليكي فاكره النقطة دي، وهنرجعلها بعدين…وبكده بقت في نفس المساحة الضيقة مع عربجي قت.ال ق.تلة، نايمة جنبه، مدياله ضهرها كإنها غرقانة في النوم وهي بترتجف وعنيها مفنجلة على الآخر، دموعها بتنزل في صمت من الر.عب….
وأول ما جه النهار وجوزها طبعًا نزل، ده بقاله ييجي 5 ساعات بحالهم في البيت، هي كمان لبست ونزلت، راحت على “يحيى بك فهمي”..
-“يحيى فهمي”؟
=ايوه يا “سميحة” هو نفسه، الممثل المشهور، هي كانت بتعتبره أخوها الكبير، برنس في زمن العز، ليه وقار وعنده حكمة بتاعة شيخ عجوز، مجاش في بالها غيره تلجأله… حكتله على كل اللي حصل، مكنش مصدق، الموضوع أكبر منه ومنها، كان عايز يروح يبلغ عنه، بس هي قالتله إنها مرعوبة من العصابة اللي بيشتغل معاها وعايزه توصل لاسمائهم قبل ما الشرطة تبتدي تحرياتها وياخدوا وقت، وهي ممكن تتأذ.ي مع عيلتها في القاهرة عبال ما يعرفوهم ويقبضوا عليهم، عايزه طريقة تعرف بيها أفراد العص.ابة وتقدم أسمائهم بنفسها للشرطة وياخدوهم كلهم مرة واحدة، سألها عن اللي في بالها، يبدأوا منين، بصوت واطي قالت:
-في…ال…ناس، بتوع الكار ده، اللي بيعرفوا المستخبي..
-ومين يعرف المستخبي غير ربنا؟
-بتوع ال…مندل والشيوخ البركة دول، اللي ليهم علاقة ب…
-سح.ر، سح.ر يا “ياقوت”؟
-احنا مش هنعمل سح.ر ولا قصدنا ش.ر، بالعكس، إحنا عايزين نفادي ناس من الم.وت وناخد بحق اللي ما.توا، نعرف بس اللستة، معانا لستة الض.حايا، ناقص لستة المج.رمين..
=”يحيى” مكنش مقتنع تمامًا، لكن شافها قدامه منهارة، ده غير إن بصراحة الموضوع كان غريب أوي، وكان عنده فضول يعرف القصة كلها، ويشوف مصير الدكتور الق.اتل، مهو مش كل يوم زميلة ممثلة هتجيله وتحكيله عن دكتور طلع نص.اب وعنده لستة فيها أسماء ض.حايا قت.لهم مع عصا.بته عشان يسر.قوهم!
وراحوا لدج.ال، الناس كانت بتقول عليه شيخ، عشان يطلع الع.فريت من القمقم….
الدج.ال رمى شوية حصى في إيديه على نار قايدة قدامه، والنار شعللت أكتر، سمع “ياقوت” وهو ساكت لحد ما خلصت وبعدين قال:
-لا عص.ابة ولا غيره…
-أمال إيه؟
-دي حاجة تانية خالص، جوزك مش عايش معاكي، مش عايش على سطح الأرض، مكانه تحت…
-يعني إيه يا شيخنا؟
-إنتي متجوزة من ج.ن!
هي ويحيى بك اللي كان موجود بصوا لبعض، عنيهم وسعت على الآخر من الصدمة ومعلقوش على كلام الدج.ال، اللي كمل وقال:
-ده ج.ن بيتغذى على خوف الضحية وش.ر الق.اتل، عنده ليستة بأسماء الضح.ايا قبل ما يتق.تلوا، بيروح على مسرح الجر.يمة يوسوس ويشعلل في نفوس اللي شايلين من الض.حايا، جوز دي على حبيب دي على أخت دي، يزقهم بس من على الحافة، يشجعهم على الق.تل، وهم أصلًا بيبقوا شايطين، ويتغذى على الألم والخو.ف بتاع الض.حية، اللي هي بس بتشوفه لما روحها بتتخلى عن جسمها وتنسحب منه واحدة واحدة وده بيخليها خاي.فة أكتر…
-أنا متجوزة من ج.ن؟
-قدرك، حبك، لكن ميقدرش يحتفظ بشكله البشري كتير وميقدرش يعيش على الأرض، عشان كده طول الوقت مش موجود، بيبقى ما بين بيته تحت الأرض ومصالحه هناك وما بين ساحات الج.ريمة اللي بيمارس فيها هوايته المفضلة…
=كلام يا ولاد برغم إنه غريب ومش منطقي أبدًا إلا إنه مقنع، متفصل على جوزها وعلى تصرفاته، تخيلوا إنه وفي الحالة دي تفسير منطقي، “لطيف” مش إنسان أساسًا! ميقدرش يظهر كتير لإنه هيتفضح وقدرته على إنه يتشكل في صورة بني آدم محدودة، هو ده السبب، منطقي! الخبر الحلو للسخرية إنه مش بيق.تل بإيده الضح.ايا، يدوبك بس بيوسوس للقا.تل وبيزن عليه عشان هو اللي يق.تل، و”لطيف” بيقف يتفرج كإنه بيشوف فيلم في سينما، عرض ممتع! نزلت من عند الراجل، ركبت الأتوموبيل مع “يحيى” اللي فضل ساكت، بيسوق من غير هدف، من غير ما يعرف المفروض يروح فين، لحد ما وقف العربية فجأة واتلفت ل”ياقوت” وقال لها إنها مش ممكن ترجع البيت، ج.ن بقى، عصبجي، عف.ريت أزرق، مش هينفع ترجع، لازم كانوا يروحوا على أقرب قسم ويبلغوا! مش هيخسروا حاجة في المرحلة دي، وصاها متجبش سيرة إنه ج.ن والكلام ده، يقولوا بس اللي عندهم، يوروا للظابط اللستة اللي مع “ياقوت” ويحكوا إنهم دوروا وعرفوا إن الستات دي يا مفقودة يا مق.تولة، وكل التفاصيل التانية وهم يتصرفوا…وده اللي عملوه، راحوا وبلغوا وقدموا اللستة وحكتلهم على اللي عندها… والبوليس طلع بيدور عليه! كانوا عارفين الضح.ايا وعارفين إن في ق.اتل واحد مشترك ما بينهم، س.فاح، كل اللي فاضل كان اسم وعنوان، وقالولها معلومة غريبة أوي، كل ضحية من الض.حايا كانت ناقصة عضو أو قطعة من جسمها وهنا “ياقوت” افتكرت حاجة…
رجعت تاني ب ذاكرتها، للشقة بتاعة الق.تيلة…
كانت واقفة، بتبص بعيون جامدة للج.ثة، اللون الأحمر محاوطها من كل مكان كإنها مع المشهد حواليها لوحة فنية ذوقها ب.شع، لكن كان في حاجة غريبة في الج.ثة، غير وضعها، وتشو.يهها والد.م المدهون على الحيطان والأرضية، الج.ثة كانت من غير دراع!
صوباع بس اللي متبقي على الأرض، الصوباع اللي داست عليه….
محستش بنفسها، نزلت بسرعة من قسم الشرطة، شاورت لتاكسي واتوجهت لشبرا!
قوات الشرطة اتحركت بس للأسف هي سبقت…
في حاجة، همس، صوت استدعاها لهناك، للأوضة المقفولة تحت السلم، قرب مدخل العمارة، هي المفروض تكون شقة، لكنها كانت صغيرة أوي، يدوبك تنفع أوضة، وكانت مقفولة من وقت ما سكنت في العمارة…
راحت على الأوضة دي علطول، مطلعتش شقتها، كسرت الباب ودخلت وهناك لقت… أكياس جواها بقايا بشرية، إيدين وروؤس وشعر وجذع، الد.جال كان صح في حاجة واحدة، مكنتش عصابة، ولا الق.تل بغرض السر.قة، جوزها هو الع.صابة، هو اللي ق.تل ضحاياه لوحده، بالطريقة البش.عة الد.موية دي كإنه 10 رجالة في بعض، والغرض مش الس.رقة، إيه الغرض؟ شاف إيه في الستات دي، هو صحيح إيه اللغة الغريبة اللي كانت في الورق مع الأسماء، مش دي…طلاسم؟ ليه الطلاسم؟
سمعت تزييق، باب الأوضة اتفتح على آخره، شافت ضل على الحيطة قدامها، انعكاس ليه، ل”لطيف”…
من 117 سنة…
-إيه ده، إيه ده؟! إيه يا ميس حصل إيه ل”ياقوت”؟ “لطيف” عمل فيها إيه؟
=من 117 بنتين ظهروا في الفيوم، سنهم قريب من بعض، الاتنين في بداية العشرينات، سمر، ملامحهم مسمسمة، شبه بعض، أي حد شافهم ميز إنهم اخوات، لكن زي ما يكون كان عند صعوبة في فهم الناس، وده أكد لأهل الفيوم إنهم غالبًا مش من مصر، كلامهم برضه كان قليل أوي، لهجتهم غريبة، مين دول بقى، إيه أصلهم، فصلهم؟ محدش عرف، سألوهم ملقوش جواب، لكنهم كانوا بنات هادية مش مؤذيين، واشتغلوا بإيديهم في الأراضي الزراعية عشان يأكلوا نفسهم ويعيشوا، وده خلى اتنين اخوات يجازفوا ويقرروا يتجوزوهم، ودي مش من عادات الناس وقتها، عادة كانوا بيتجوزوا قرايب بعض أو على الأقل المعارف، يتجوزوا بنات مقطوعة من شجرة، أهو ده كان جديد…
واتجوزوهم…
في أول سنة محدش من الرجالة اشتكى من حاجة، بالعكس كانوا شايفين إن الستات بتوعهم مطيعين وهاديين، وبيجتهدوا في بيوتهم، في شغل البيت يعني، إنما بعد السنة في موقف غريب حصل…
لما الإخوات الرجالة اجتمعوا في مرة، واحد فيهم فضفض للتاني بإنه في ليالي كان بيقلق وييصحى ميحسش بمراته جنبه وبعد ما يخرج من أوضته بيلاقيها في الساحة، صاحية بتخبز عيش ولا بتغسل ولا بتراعي الجاموسة، مش ده بس اللي غريب، كمان إحساسه إنها اختلقت النشاط اللي بتعمله، تلاكيك يعني، ومش هو ده كان هدفها من الصحيان في الوقت ده، والأغرب بقى من ده كله إن أخوه قال إن نفس القصة بتحصل معاه هو ومراته! وإنه شاكك إن مراته بتخرج بره البيت وبترجع تاني…
يا ترى ستاتهم بيروحوا فين تحت جناحات الليل، بيتسحبوا ليه؟
لكن الموضوع اتنسى لما الستات حملوا، وخلال سنتين، واحدة منهم خلفت واحد والتانية خلفت اتنين…
اللي اتغير هو موقف الرجالة وتطنيشهم للموضوع لكن الستات كملوا على نفس العادة حتى بعد ما خلفوا! كانوا بيسيبوا عيالهم ويتسحبوا لما يتأكدوا إن رجالتهم نايمين ويرجعوا بعد فترة، والرجالة بعد ما كانوا ملهيين ومبسوطين بالخلفة رجعوا تاني انتبهوا للتصرفات المريبة…
واحد منهم، “حسن” قرر ياخد موقف، يعرف مراته بتروح فين، وقال لاخوه على اللي هيعمله، وهو إنه هيفضل فايق على قد ما يقدر ليلة ورا التانية، لحد ما في ليلة تتسلل وتمشي من البيت ويمشي وراها ويعرف قرارها، وقد كان…
كام ليلة عدوا متحركتش فيهم “زنوبة”، لحد ما في ليلة اتسحبت من الفرش بعد نص الليل، وهو استنى لحد ما خرجت من البيت وبهدوء خرج هو كمان، وفضل ماشي وراها…
محستش بيه وده عشان مجاش في بالها إنه عارف، مهو الواحد يا ولاد لما بيبقى فاكر نفسه في أمان الإدراك عنده بيبقى بعافية، سرينة الإنذار بتتعطل ومش بياخد خوانة…
“زنوبة” وصلت المكان اللي عايزاه….المدا.فن!
“حسن” داخ، حس إن الدنيا بتدور بيه وده لإنه كان متأكد إن في مصيبة ورا “زنوبة”، مرواحها المد.افن مخبي سر شن.يع، ده من قبل حتى ما يشوف بنفسه….
لقى أختها مستنياها على مقبرة من المقابر، الاتنين حفروا ونزلوا جوه الحفرة العميقة وطلعوا جث.ة، ودي كانت جث.ة واحد لسه مدفون يومها الصبح، جتته لسه مابردتش، “حسن” كان عارف لإنه حضر الجنازة بنفسه، كان واحد من أهل البلد اللي يعرفهم…
شالوا الج.ثة بقماشها على أوضة في الم.قابر، فكوا القماش وبدأوا…ياكلوا…
“زنوبة” وأختها “أصيلة” آكلي لح.وم بشر…
دخل عليهم زي التور الهايج الغض.بان، بقى يشد في شعورهم هم الاتنين وكانوا هيم.وتوا في إيديه، بقى ده اللي بيعملوه؟ بيستنوا لما حد جديد يم.وت في البلد ويروحوا بليل ينهشوا في قبره ويخرجوه وياكلوا منه، والمر.عب أكتر والسؤال اللي بقى ملح، مين دول؟ مين “زنوبة” و”أصيلة”، إيه أصلهم وقصتهم بالظبط؟؟
قدروا يهربوا من إيده بعد ما اتضربوا العلقة التمام، جريوا على بيوتهم والاتنين أخدوا عيالهم ويا فكيك، محدش عرف سكتهم، والرجالة اتحصروا على عيالهم اللي بقوا لوحدهم مع ستات غرباء الاطوار متوح.شين بياكلوا لح.وم البشر…
-وده إيه علاقته بقصة “ياقوت”؟
=صبرك يا “إبراهيم”…تفوت كام سنة و”حسن” يكون في شغل في محافظة تانية، اسكندرية، وبالمناسبة هو كمل حياته واتجوز تاني وخلف، المهم يشوف قصاده مييين؟ ابنه، صحيح كبر وشكله اختلف، بس ده كان ابنه، ميتوهش أبدًا عنه، جري عليه وحضنه وأخده من إيده ومشي بيه لحد الشط، كان هيتج.نن عليه، عيط، سأله عن أحواله، الولد مردش، شكله كان تعبان، وشه أزرق، بعدها جاب اللي في بطنه على الشط، “حسن” سأله:
-مالك يا بني ، فيك إيه؟ أنت عيان؟
-ده عشان…العيل..
-عيل إيه؟
-العيل اللي اكل.ته!
باااس، عين “حسن” فتحت عالآخر، عرف اللي فيها، الواد بقى زي أمه، آكل للح.وم البشر، “حسن” أدرك إن الولد مشي في د.مه الداء، هو كمان بقى وح.ش، وتلاقيه اتعود على لحم الناس، واللي جه في باله إنه ش.ر لازم يتد.فن…
مسك إيده ومشي بيه ناحية البحر، غوط وبدأ يغ.رقه…
الولد خلاص، كان بيقطع النفس، مش عارف يقاوم، لكن فجأة حس بإيد أبوه بتخف من عليه، وأبوه هو اللي بقى في القاع…
وده لإن أمه وخالته كانوا حضروا وغر.قوا “حسن” قبل ما يق.تل الولد، قبل ما يق.تل “لطيف”…
-“لطيف”؟ “لطيف” الدكتور، قصدي الن.صاب، القا.تل المتسلسل؟؟
=من 138 سنة…
بنت اتولدت في بلدٍ ما، هي وأختها كانوا فقرا أوي، بنت إسمها “زنوبة” والتانية “أصيلة”، كانوا عايشين في أوضة في المدا.فن مع أبوهم الحانوتي، أمهم ما.تت وهي بتولد الصغيرة “زنوبة”.. أبوهم كان بيسيبهم كتير بسبب شغله، بيروح يغسل ويدف.ن ويرجعلهم، وفي ليلة من الليالي كانوا لوحدهم عشان الأب عنده شغلانة، خرجوا من الأوضة برغم تنبيهات أبوهم إنهم ميخرجوش بليل، كانوا أطفال بقى وعايزين يلعبوا، راحوا حتة مقطوعة وقعدوا يتنططوا، لعبة كده زي الأولى، وفجأة ظهر راجل، كان وشه سمح، دقن بيضة وابتسامة صافية، قال لهم:
-متخافوش، أنا جايبلكم هدية…
وفرش قدامهم حاجة ملفوفة بقماش أو كتان أبيض وبدأ يحكي وهو بيفك القماش:
-زمان كان في واحدة غنية في بلد إسمها رومانيا، وقعت على كنز، مش فلوس، حاجة أقيم، سر القوة والشباب الدايم، د.م البنات…
واحدة من الخدمات عندها اتعورت فنز.فت والد.م جه على “ماري” وشافت التجاعيد في إيديها بتختفي قدام عنيها وفهمت إن الإنسان هو ترياق الإنسان اللي زيه، بقت تخ.طف البنات الفقيرة وتدب.حهم وتستحمى في د.مهم، وفعلًا فضلت عايشة كتير ومكبرتش يوم واحد، مش بس الد.م يا بنات، ده كمان اللحم والعضم، الإنسان ترياق للإنسان، في بلد إسمها فرنسا، كانوا في زمن بيعملوا حفلة اسمها “فك الكتان”، بيجيبوا مومياوات مصرية ويفكوا من عليها الكتان وياكلوها، وأوقات يطحنوا العضم ويعملوه مساحيق يحطوه في المشاريب بتاعتهم، وده عشان عظمة المصريين القدماء وحضارتهم، قالوا في بالهم العظمة دي أكيد هتجري فيهم بعد ما ياكلوا المومياوات، وأنتوا يا بنات مش عايزين قوة جبارة وشباب دايم؟
“وفك القماش كله واتفرشت قدامهم الجثة الطازة، قربوا ليها كإنهم مسح.ورين، معندهمش إرادة…ودي كانت أول مرة يدوقوا فيها اللحم البشري… ومن وقتها بقوا مدم.نين عليه، قوى خارقة بقى، إكسير شباب، مش مهم، هم خالص أد.منوه كده كده…
أما الراجل فاختفى بعد ما انهمكوا في الأكل ومظهرش تاني، أو بمعنى أصح “الج.ن” اللي اتشكل في صورة إنسان” وكدب عليهم الكد.بة الحق.يرة دي عشان يحولهم لو.حوش بينهشوا لحم اخواتهم من البني آدمين، القصص اللي حكاها حقيقية لكن طبعًا شيطان زيه، إن مكنش هو اللي وز الناس على العمايل دي وهيألهم حاجات مش حقيقية، بسبب حفلات فك الزفت الكتان الناس جاتلهم أمراض، لا بقوا شباب ولا نيلة، وماري بتاعة رومانيا دي ست مخ.تلة، اتهيألها إنها بترجع شباب بعد ما تق.تل البنات المسكينة وفي الآخر اتقبض عليها واتحبست يا في بيتها الكبير يا في سج.ن.. وهي دي يا ولاد بداية اللع.نة، الأسباب اللي انتجت مخ.تل زي “لطيف”، اللي برر تصرفاته في ق.تل الستات على قناعة إنه بكده هيفضل قوي وشباب طول عمره، إنما دوافعه الحقيقية واللا وعي بتاعه هو كر.هه للستات، اللي كان بيشوف فيهم أمه وخالته اللي عاش معاهم طفولة وشباب قاسيين، عاش مع نباشين قبور آكلي لل.حوم البني آدمين، أبوه كان عايز يق.تله وشافه وهو بيم.وت قدامه، حياة صعبة…والطلا.سم كانت جزء من التوهم اللي عنده، قال بعد ما يق.تل الستات وياخد أجزاء منهم وياكلها بيقرا الطلا.سم عشان يكمل الطقس اللي بيجدد شبابه..
من 80 سنة “ياقوت” كانت واقفة في أوضة في الدور الأرضي مبرقة في أش.لاء البني آدمين حواليها، لما دخل عليها “لطيف” وأدرك إنها كشفته…
مسكها من راسها وكان هيخبطها في الحيطة، لكن شالت إيده وهي اللي خبطتته في الحيط، كانت متفاجأة بنفسها، إزاي رد فعلها كان سريع كده، والقوة دي جاتلها منين، كإنها…كإنها كانت نفسها مع ناس تانيين جواها، أكتر من شخص!
جواها ولا قوة 5 بني آدمين، واللي أكدلها إحساسها الهمس الكتير اللي سمعته وهي بتض.ربه، ده إن.تقام ضح.ايا ليه، ضح.ايا أجزاء منهم كانت في الأوضة، ومع الخبطة دي جمجمته اتهشمت وطب ساكت، م.ات في ساعتها…
وفورًا ظهر راجل، متعرفش دخل إمتى وإزاي، وشه سمح، دقنه بيضا، قال لها:
-مش عايزه يا بنتي تفضلي دايمًا شباب؟
هزت راسها بتنفي، وفضلت تص.رخ وتقول له:
-لأ، لأ، مش عايزه، مش عايزاااه…
وهي دي كانت اللحظة اللي فقدت فيها “ياقوت” عقلها، مرجعتش تاني لوعيها، اتنقلت مستشفى المج.انين، واكتشفوا هناك إنها حامل، ولدت ومحدش عارف مصير الولد واللي حصل له بعد كده، وهي عاشت كام سنة وم.اتت على حالها، م.اتت في المستشفى…
الولاد فضلوا مزبهلين، محدش فيهم قال كلمة لحد ما ركبنا الأتوبيس ورجعنا بيوتنا…
أنا بقى فتحت شقتي اللي في شبرا، قلعت الجاكيت على الكنبة ودخلت أغسل وشي…
خرجت ولمحتها معدية في الصالة، “طيف ياقوت”، ما هو….ما أنا عرفت القصة منها، اصل العمارة اللي أنا فيها اتبنت على أنقاض عمارة تانية كانت موجودة زمان في نفس المكان، العمارة اللي سكنت فيها “ياقوت” والق.اتل المتسلسل “لطيف”، وهي أو نقول شب.حها اللي حكالي القصة كلها…
=مش أنا حكيت حكايتك النهارده للولاد يا “ياقوت”، يا ريت الليلة دي تهدي السر وتسيبيني نايمة من غير إزعاج، أحسن أنا مهدودة ويومي كان طويل…
وقفلت نور اوضتي ونمت، بس قبل ما أنام كنت بفكر في درس التاريخ اللي هحكيه للولاد بعد كده، يا ترى أحكيلهم أنهي قصة…
“تمت”
درس_تاريخ
عمارة_شبرا
ياسمين_رحمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط