
قصة عائلة غزال كنت نايم مخنوق، حاسس إن فيه حد مراقبني، وزي كل ليلة، فوقت على نفس الكائن وهو واقف جنب السرير، بيبصلي ومُبتسم ابتسامة مرعبة، ومش بس ابتسامته اللي كانت بترعبني، ده كمان وشه وجسمه… جسمه اللي لونه أبيض، كإنه مافيهوش قطرة دم واحدة، ووشه الشاحب وفيه سواد زي عينيه بالظبط، كيان مرعب، كنت خايف أنام لا أحلم بيه، أيوة.. أصله حلم وبفوق منه قبل ما يهجم عليا، بس المرادي مافوقتش، ولا هو هجم، ده همس في ودني وهو بيقولي:
-مستنيك يا دسوقي، عيلة غزال مستنياك.
اترعبت لدرجة إن شعر جسمي كله قشعر، حتى أنا، سيبت السرير وقومت وأنا براقب كل خطوة هيخطيها الكائن ده، لكنه ماتحركش، كل اللي عمله إنه لف وشه ليا، بعدها همس بنفس الجملة بس بصوت أوطى:
-مستنيك يا دسوقي، عيلة غزال مستنياك.
اتشجعت ونطقت أخيرًا، بس مش عشان أنا قوي لأ، عشان هو اداني الأمان لما ماتحركش:
-مستنيني فين، وازاي عرفت عيلتي؟
سؤال غبي، لكن لو انت او انتي مكاني، كنتوا سألتوا سؤال أغبي من كده، أصله ماحدش يتحط في موقف زي ده وهيفكر ازاي يرتب كلامه، وعلى الرغم من إن اجابته اللي كانت مش منطقية، إلا إنها طمنتني شوية لما قالي:
-عشان انا جوة دماغك وفي أحلامك، لكن أوقات بنفهم الحقيقة متأخر، حتى لو مع رنة تليفون.
قال كده وسمعت موبايلي بيرن، لكن لما بصيت مكان ما حطيته، لقيته مش موجود.. الصوت كان جاي من بعيد، وفي اللحظة دي، لحظة ما حاولت أدوّر على مصدر الصوت، الكائن هجم عليا، وزي كل حلم حلمته، وهو موجود فيه، فوقت قبل ما أحس بـ أي ألم، وقتها سمعت صوت الموبايل بيقرب مني أكتر، لحد ما بصيت جنبي ولقيت راجح هو اللي بيتصل، ولإني عارف هو بيتصل ليه، ماكنش ينفع ماردش، أصله الوحيد اللي بيعدل مزاجي وبيجيبلي اللي يفوقني، أيوة زي ما فهمت، راجح ديلر وأنا باخد منه مخدرات، ولإني أخدت منه جرعه امبارح، وماحاسبتوش للمرة العاشرة تقريبًا، هو بيتصل بيا دلوقتي عشان ياخد فلوسه، بس أنا ماعيش فلوس، ومع ذلك، عملت زي كل مرة، رديت عليه عشان أتوهه شوية:
-انا هديك الفلوس والله يا راجح، بس انت عارف، أنا ماحيلتيش حاجة والمشروع بيقع يوم عن يوم.
-وأنت عايز المشروع ينجح بعد اللي بتعمله ده يا دسوقي، ده انت بتاخد ولا أجدع جرعه في اليوم، وماتفوقش منها غير على التانية، وفي الآخر تقولي ماعيش.. وانا كمان ماعيش يا دسوقي، ولو فاكر انك هتنيمني زي كل مرة، تبقى غلطان، انا فاهم كويس وساكت بمزاجي.
-وايه اللي جد المرادي طالما انت فاهم؟
-اللي جد ان المعلم عبد الفتاح عايزك، وانت عارف، اللي بيعوزه المعلم، مابيرجعش سليم.
-هو قالك كده؟
-ايوة.. وانا ههزر في رسالة باعتها المعلم.. ده معلمي، يعني وليّ نعمتي.
-طب اقفل.. اقفل الله يخربيتك ويخربيت أخبارك على الصبح.
قفلت مع راجح وانا مرعوب، خايف، فكرة إن المعلم يعوزني، دي تبقى مصيبة، وأكيد هو عايز فلوسه اللي استلفتها منه للمشروع، وأنا.. أنا ماحلتيش اللضى، يعني هديله منين ولا هعمل ايه، ولو قولتله اني ماعيش، مش بعيد يقتلني فيها، خاصة اني نيمته كتير، وهو خلاص، جاب اخره ومابقاش طايق، وعشان كده قررت أروحله وأمري لله، وروحتله، ووقتها اللي كنت خايف منه.. حصل، ومن هنا بتبتدي القصة.. قصة بيت الغزال.
**
من زمان، قبل ما نيجي مصر، أبويا اتخانق مع جدي خناقة كبيرة، كانت نتيجتها انه يطرده من البلد الخالص، وده حصل بعد ما جدي قاله إن البيت اللي قاعد فيه، بـ اسمه وهو عايزه، ولو مش عاجبه، يسيب البلد، وقتها أبويا ماستحملش ونزل مصر هو وأمي، جابوا الشقة اللي انا قاعد فيها دي بطلوع الروح، وجابوها بعد ما امي اشتغلت خدامة في البيوت، وابويا اشتغل ليل ونهار في حاجات كتيرة، حاجات يمكن لو قعدت أرصهملك دلوقتي، هتزهق مني، بس كل اللي انا عايزك تعرفه من الحدوتة دي دلوقتي، هي الشقة، لإنها السبب اللي خلى المعلم يبعتلي عشانها، وده اللي فهمته بعد ما روحتله وقعدت قدامه، لكن عكس ما كنت متوقع، لقيته بيطلب من راجح يعملي كوباية شاي مظبوطة وهو بيقوله:
-أنت ياض يا راجح، عايزك تعمل أحلى كوباية شاي للمعلم دسوقي، واتوصى بيه يالا.
-وماله يا معلم.. نتوصى بيه.
استغربت من طريقته ومن تلقبيه ليا بالمعلم، ووقتها اتأكدت إن اللي بيحصل ده مش خير، أصل اللي يعرف المعلم كويس.. عارف إنه مايسامحش في قرش، وأنا واخد منه 100 ألف باكو مقفولين، وكمان واكل على الصبي بتاعه فلوس بضاعة باعهالي، أنا أه ماعرفش لو كان راجح قاله ولا لأ، بس دي بجملة المصايب، وهي مصيبة فعلًا، لإنه من طريقة كلامه طلع عارف وقالي:
-تعرف، الكيف بيذل صحابه وبيوقعهم، وانت وقعت يا معلم دسوقي، مشروعك خسر ودينك تقل، والباكو، بقى اتنين وتلاتة، أه.. حاكم أنا فلوسي دي دهب، تغلى مع الزمن، ولو أنت ماتعرفش، أنا أعرّفك، الدولار بقى بيعلى والدنيا وحشة أوي، الدنيا بقت محتاجلها مصاريف وسقف ننام وندفى تحتيه، بس الدفى ده مش لأي الحد.. الدفى للي يستاهل واللي معاه رصيد، وأنت ماحيلتكش دقيقة، يعني خلاص.. لقد نفذ رصيدكم.
-ولزومه ايه بقى الكلام ده يا معلم، هو فيه حاجة حصلت؟
رد عليا وهو بيضحك:
-هاأو.. حصلت؟.. وايه يحصل زيادة عن ديني اللي ما دفعتش فيه جنية؟.. بقى أنا ياض تنيمني المدة دي كلها وتقول بجمع، بحوش.. المشروع كسبان، وأنت طلعت مدمن وماعكش حق كيفك؟
-يا معلم الأمور مابتتاخدش كده، أنا أصلًا هبطل عشان عايز أركز في المشروع، بس الله يجازيه راجح، هو اللي خلاني أدمن وأجري ورا اللي بيبيعه.
-تلميذي وتربيتي، نسقفله ونقوله عفارم، عرف يشد زبون جديد، ولو النهاردة ببلاش، بكرة بقى بفلوس، والنهاردة بقى بكرة، يعني هو سؤال، معاك تدفع؟.. ولا نرفع؟
-ندفع ايه ونرفع مين يا معلم، استهدى بالله كده واديني مُهلة صغيرة وأنا هدفع.
-والمُهلة خلصت هي والدفى، يعني السقف اللي انت بتتحامى فيه ونايم تحتيه، يخصني.. ها، نرفع ولا تمضي؟
-امضي!.. يا معلم براحة عليا وماتخشش فيا شمال.
-وهو احنا لسه دخلنا، ده لسه الجاي تقيل وشديد، بس كله بشوقك، ماهو انت لو مضيت، القصة تنتهي وتشوف هتبات فين.
نده على راجح وقاله هات العقود، وبعد ما جابهم، طلب منه يحطهم قدامي هم والقلم، بعدها بص في عيني وهو بيقولي:
-دي عقود تقول ان بيتك.. بيتي.. يعني انت بايع، وأنا الشاري، ها.. تمضي؟
-وانام فين بس يا معلم؟.. ما انت عارف، انا مشروعي عربية في الشارع، والعربية حالتها مابقتش احسن حاجة، يعني انا ماحيلتيش إلا البيت.
-وانت يوم ما نويت تفتح العربية، كنت عايز تبقى معلم، والمعلمين يستحملوا، لكن حتى دي ماتخصنيش، واللي يخصني في القصة والحدوتة، هي فلوسي.. ها؟.. لآخر مرة، تمضي، ولا ننده على عصام عشان يرفع؟
-لا وعلى ايه يا معلم، نمضي طبعًا، وأدي امضتي أهي.
مضيت على العقود وبعدها طردني برة، قالي إني قدامي يومين ومايشوفش وشي في المنطقة تاني، وخلال اليومين، أخد حاجتي وأمشي، وكان يقصد بحاجتي يعني هدومي، صوري، اللي يخصني، لكن العفش كان جزء من العقد، مايخرجش برة البيت ويفضل زي ما هو، وقتها ماكنش قدامي غير إني أرجع البلد وأقعد في بيت غزال.. البيت اللي ورثته عن جدي بعد ما مات من سنة فاتت، أصل بعد ما أبويا وأمي ماتوا وأنا عيشت لوحدي، قررت أفتح مشروع، استرزق منه وأكل عيش، بس الله يسامحه راجح، هو السبب في كل اللي انا فيه دلوقتي، شربني من اللي ما يتسمى، ومن ساعتها وأنا أدمنته ومابقتش مهتم بالعربية، لكن من يجي سنة، عرفت إن جدي مات وسابلي بيت في البلد، بس أنا ماهمنيش وقررت أبيعه، قولت أخد فلوسه أحسن واتصرف فيها، أصل بلد ايه اللي اروح أقعد فيها بعد السنين دي كلها، لكن للاسف، السمسمار اللي كلمته عشان يبيع البيت، ماعرفش يبيعه ولا حتى يأجره، قالي إن البيت عليه كلام كتير وماحدش هيرضى يشتريه، يعني حتى الورث طلع فنكوش، ودلوقتي أنا هرجع للفنكوش، أقصد للبلد، بس أهو.. ألاقي سقف أتدفى تحتيه، أحسن ما اترمي في الشارع وأبقى قدام المعلم في الرايحة والجاية، وفعلًا، حجزت أول تذكرة للبلد، بعدها سألت أروح القرية دي ازاي، ولما عرفت، خدت حاجتي وطلعت على هناك، لكن أنا ماكنتش عارف البيت، وعشان كده سألت عنه، وبمجرد ما كنت بجيب سيرة بيت غزال، الناس كانوا بيبصولي بخوف ورعب، لحد ما شخص ابن حلال دلني على مكانه، لكنه قبل ما يسيبني ويمشي، قالي إن اللي بيخش، مش بيطلع، وحتى لو طلع، بيبقى متغيير وفيه حاجة غريبة، يعني دخولي جوة، مش معناه غير حاجة واحدة، إني بنتحر بس بالبطيء، كلام مجانين وماهمنيش، أصل ابويا وجدي كانوا عايشين فيه، يبقى ايه اللي هيجد دلوقتي، ده غير كمان ان أنا ماعنديش مكان تاني اروحه، يعني ده ملجأي الوحيد، وياريتني ما روحت، لإني بمجرد ما وصلت البيت ووقفت قصاده، حسيت برعشه خفيفة في جسمي نتج عنها قبضة في قلبي، وياريت الإحساس ده وقفني عن دخولي لجوة، انا دخلت، وأول ما دخلت، الباب اترزع ورايا، حتى الشبابيك، هي كمان اترزعت، ومرة واحدة شوفت واحد طالع من جوة أوضة من الأوض، كان ماسك شمعة في ايده مبينة وشه بشكل مرعب، وعلى الرغم من كده، إلا إن وشه ماكنش غريب عليا، كإني شوفته قبل كده وأعرفه:
-انت بتبصلي كده ليه يا دسوقي، ايه.. ماعرفتنيش؟.. ماعرفتش الشبه اللي بيني وبين أبوك الله يرحمه؟.. أنا جدك.. مغاوري.
-جدي!.. بس انا اللي اعرفه إنك ميت.
-وجودك هنا يغيير حاجات كتير، واللي يخش هنا ويحمي البوابة، اعرف إن عمره ما يموت.
-بوابة ايه وكلام ايه اللي بتتكلم عنه يا جدي؟
-بوابة.. بوابة الدجالين، ودي هتعرف عنها بعدين، لكن المهم دلوقتي إنك وصلت بالسلامة وهتاخد المباركة.
قرب مني وهو مبتسم، ومع كل خطوة كان بياخدها ناحيتي، كنت برجع قصادها خطوتين، لكن الباب مقفول، ولما حاولت أفتحه، ماعرفتش، أما جدي، كان خلاص.. بيني وبينه خطوة واحدة، خدها وحط ايده على راسي، بعدها بدأ يهمس بكلام غريب، ومرة واحدة حسيت بحرارة شديدة في جسمي، من شدتها كنت بصرخ من جوايا لإن صوتي ماكانش راضي يطلع، لدرجة إني حسيت بالدم بيغلي في عروقي، وده خلاني أهبّط وأقع منه على الأرض، وبمجرد ما وقعت، شوفت نفس الشخص اللي فضلت فترة كبيرة أحلم بيه، كان واقف بعيد وهو بيراقب اللي بيحصل، بيراقب وبس.. لإنه لو كان عايز يعمل حاجة أكتر من كده، ماكنش هيسيب الأبواب تفتح لوحدها، وأنا ما صدقت، اتحاملت على نفسي وطلعت على الشارع وأنا بعرج، ماكنتش حاسس بحاجة وقتها غير ألم شديد في معدتي، ده غير اني كمان كنت شامم ريحة دم غريبة، لكنها مش غريبة ولا حاجة، لإني فهمت الدم ده جاي منين لما لاحظت أهل القرية وهم بيبصولي بخوف، ومن وسطهم، لقيت واحد بيهلل:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، البيت الملعون تاني.. ياناس، ياعالم، بيت غزال أسطورة ومش هتنتهي.
بصيت على نفسي لقيت هدومي وجسمي غرقانين دم، وكمان لاحظت إن الليل ليّل وأنا ماخدتش عشر دقايق جوة، طب ازاي وامتى.. ماعرفش، لكن الأهم من الوقت دلوقتي، هو شكلي قدام الناس، لا وايه، أنا كمان نسيت شُنطي اللي جيت بيها جوة، ومستحيل أخش اجيبها على الأقل دلوقتي، لكن الحمد لله، واحد من أهل القرية أخدني من وسطيهم ودخلني بيته، كان عايش لوحدة والبيت صغيّر، يدوبك كان مكفيه، بس بعيدًا عن البيت او حجمه، هو أنقذني من عيون الناس ونظاراتهم اللي كانت هتقتلني وهتموتني من الرعب، ولإني ماعرفش اسمه لحد دلوقتي، اتكلمت وقولتله:
-أنا مش عارف أشكرك ازاي على اللي أنت عملته، أنت فوق راسي والله.. بس أنا ماتشرفتش بيك، اسم الكريم ايه؟
-انا منصور، ومن غير ما تقولي أنت مين يا ولد عمي.. أنا عارفك، اه، ما أهل البلد كلهم وصلهم الخبر.
-خبر!.. خبر ايه اللي بتتكلم عنه؟
-خبرك.. مش انت دسوقي ابن الخلفاوي ابن مغاوري ابن ربيع ابن الشيخ غالب؟.. حفيد عيلة غزال.
-أيوة أنا، بس أنتوا عرفتوا المعلومات دي منين؟
-هقولك كل حاجة، لكن مش دلوقتي، يعني خش اغسل نفسك على ما اجيبلك هدمتين بدل اللي اتزفروا دم دول، ووقت ما تطلع، نتكلم على راحتنا.
-والله انا ما عارف أقولك ايه، ألف شكر والله، انت عملت معايا فوق الصح وزيادة.. الله يكرمك.
بعد ما قولتله كده، جابلي جلبيه نضيفة ووراني طريق الحمام، بعدها سابني عشان استحمى وطلع برة، وفي اللحظة دي، لحظة ما قفلت باب الحمام المكسر، شميت نفس ريحة الدم…
تتبع.
بعد ما قولتله كده، جابلي جلبيه نضيفة ووراني طريق الحمام، بعدها سابني عشان استحمى وطلع برة، وفي اللحظة دي، لحظة ما قفلت باب الحمام المكسر، شميت نفس ريحة الدم، بس المرادي كانت أقوى من المرة اللي فاتت، لإني لقيت نافورة دم نازلة من الحنفية ومغرقه الحمام، ومع الدم، شوفت في المرايا اللي قدامي نفس الكائن صاحب الوش الشاحب، كان باصصلي وحاطط صباعه على بوقه، كإنه بيقولي اسكت، لكن أسكت ايه!.. انا ماعملتش حاجة، انا كنت واقف مرعوب ومصدوم، بحاول أطلب من منصور المساعدة بس مش قادر، صوتي مش طالع ومش عارف اتكلم، شعور صعب، وثواني عدوا عليا كإنهم سنين، وكل ده، قبل ما جسمي يتفك وكل حاجة ترجع طبيعية تاني، يعني الدم رجع ماية، وانعكاسي في المراية بقى طبيعي، ومع ذلك، أنا كنت خايف ومرعوب، وبسرعة، دلقت على جسمي شوية ماية ولبست الجلبية اللي جابهالي منصور، وبعد ما خلصت، طلعت برة، وقتها لقيته قاعد وبيفكر في حاجة.. حاجة مخلياه مركز مع حد، لكنه بدأ يفك لما شافني جاي من جوة وقالي:
-معلش يا ولد عمي، البيت مش قد المقام، بس أهي حاجة تقضي الغرض.
-والله ما عارف أقولك ايه، بس انا مش مرتاح، ووجودي هنا غلط، أنا لازم أرجع مصر.
-ترجع فين دلوقتي؟.. الصباح رباح، وبعدين أنت مش هتسمع قصة البيت؟
-وهو فيه قصة أكتر من اللي أنا عايشها!
-اومال.. البيت حكايته حكاية، ولو عايز تسمعها، يبقى تقعد.
-انا هقعد، بس مش عشان القصة، انا هقعد عشان شوية الهدوم اللي حيلتي واللي سيبتهم جوة المبيت.
-يبقى ماتخفش عليهم، هم في الحفظ والصون، ووجودهم جوات البيت أمان أكتر من البنك.
-وهو فيه بنك هدوم برضه يا منصور، ما تقول كلام معقول.
-تعبير مجازي يا دسوقي يا ولد عمي، ايه.. مادرستهوش!
-اه.. بتهزر يعني، والله انت رايق يا منصور.
-روق انت كمان، مش مستاهلة، بس صدقني، لما تسمع قصة البيت، شعرك هيشيب.
-وعايزني اروق بعد اللي بتقوله ده!.. على العموم قول، أنا سامعك.
-بداية القصة من زمان، من أيام جدك الكبير، غالب.. كان عايش هو وعيلة غزال جوة البيت، وفي ليلة مشؤومة، صحي غالب مالقاش حد حواليه، ولاد غزال كلهم اختفوا، لكن ومين هيصدق، أهل القرية اتهموا غالب إنه قتلهم وتواهم في حتة هو بس اللي يعرفها، ولإنه أنكر وقال إنه مايعرفش حاجة عنهم، ولا يعرف هم راحوا فين، اتصلوا بالحكومة اللي جت بميكروباصين كبار وماليانين، دوروا جوة البيت شبر شبر، ووقتها النتيجة كانت واحدة، مالقوش حاجة، البيت فاضي ومافيهوش أي أثار تدل على ارتكاب جريمة، ومن هنا، قامت الحكومة أخدت بعضها ومشيت، لكن القصة مانتهتش، وفي النفس اليوم بليل، أهل القرية اللي كانوا عايشين قُرب البيت، شموا ريحة دم جاية من جواه، ريحة دم شديدة، خليتهم يكلموا الحكومة مرة تانية.. ولما الحكومة جت عشان تعاين المكان، برضه مالقوش حاجة، ومش بس كده، دي الريحة راحت اول ما الحكومة جت، وبمجرد ما اتحركوا ومشيوا، الريحة رجعت، وأقوى من الاول، وقتها أهل القرية خافوا، حسوا إن الموضوع أكبر من قتل وجريمة، الموضوع فيه وليعاذ بالله حاجات مانحبش نتكلم عنها، ومن وقتيها والريحة استمرت لمدة 3 أيام، بعديها غالب غيير نشاطه وبقى بيجيله زوار من كل مكان، والناس دول كانوا بيجوا ياخدوا مباركته ويمشوا.
-دجال يعني.
-يا ريت.. كنا فهمنا وخدنا حذرنا، لكن القصة أكبر بكتير، أصل كتير من أهل القرية راحوله عشان يساعدهم ويعملهم عمل، لكنه رفض وطردهم، قالهم ان مباركته أكبر بكتير من فكرة عمل، واللي بيجوله بيكونوا محتاجين الأقوى من العمل.
-بس أنا الكلام ده ماسمعتوش من ابويا قبل كده.
-ومين يحب يطلع جده الكبير ساحر، وقدام مين، قدام حفيده!.. لا يا دسوقي، أبوك صح في اللي عمله.
-وهو فيه أسوأ من إن جدي يطرده من البلد كلها، مش من بيته وبس!
-فيه، لإن القصة مانتهتش، القصة استمرت مع ظهور هنادي في حياة غالب، الست اللي حبها وحبته دونًا عن كل رجالة القرية، مع إنها يعني بعدم اللامؤخذة، عارفة مين غالب وبيعمل ايه، وبدون علم أبوها، اتجوزت غالب، وقتها حصل خلاف كبير بينه وبين ابوها، لكنه انتهى بالود، طبيعي.. هو فيه حد يستجرأ إنه يعادي غالب، كان انقتل أو اتجنن، زي كتير حاولوا يفهموا السر ويتعدوا على البيت خِلسة، لكن اللي حُصل بعدين، هو اللي يخليك تقلق وتخاف، لإنه السبب في وجودك هنا وقدامي دلوقتي.
-ايه هو يا منصور، ما تتكلم وماتقلقنيش.
-بعد ما جدك غالب الكبير اتجوز هنادي، خلف منها ربيع، وربيع ده يبقى أبو جدك مغاوري، وزي ما حصل مع أبوك الخلفاوي، حصل مع ربيع، غالب طرده من البلد ونزله على مصر، وعاش هناك لحد ما كبر ابنه، ومات هو ومرته، وبعد ما غالب مات واهل القرية حمدوا ربنا على موته، نزل مغاوري من مصر على القرية، قضى يومين خايف ومرعوب فيهم، ومن بعديها طالته القوة وبقى زيه زي غالب، وكتير بيجوا عشان ياخدوا مباركته ويمشوا.
-أه.. زي ما حصل معايا بالظبط كده، جدي طرد أبويا وبعد موتهم نزلت القرية من تاني، اه، قولي كده بقى.
-خدتها من على لساني والله يا دسوقي.
حطيت ايدي على راسي وانا بقول:
-لا حول ولا قوة الا بالله، وماقولتليش ليه من بدري؟!.. وبعدين انت استضفتني في بيتك بعد ده كله ليه!.. انت واعي باللي بتعمله؟
-الخوف مش من دلوقتي، الخوف من وجودك هنا ليلة كمان، وقتها مش هتقدر عليهم زي ما حصل مع مغاوري بالظبط، وهي دي القصة اللي قالهالي أبويا، وأنا راجل ماخافش غير ربنا، يعني لا مغاوري ولا غالب قدروا يزرعوا الرعب جوايا ولا جوة عيلتي، وأنت من حقك تفهم وتتنور.
-أنا مش مهم عندي اي حاجة غير اني عايز أمشي، ودلوقتي.
-الصباح رباح، وخروجك دلوقتي معناته إنك هتبقى لقمة سهلة ليهم.
-وهنام ازاي بعد اللي قولتهولي ده!
بعد ما قولتله كده ماكنش قدامي غير إني أنام، أصلي لو طلعت، مش هلاقي حاجة تاخدني على محطة القطر، وكمان أنا أخاف أمشي في القرية لوحدي في وقت زي ده، ماهو ماحدش عالم ممكن أشوف ايه تاني، لكن مش دي المشكلة.. المشكلة إني كنت محتاج جرعة كل يوم ومش قادر، لدرجة إني طول الليل كنت بتقلب ومش قادر انام، جسمي بياكلني وحاسس بصداع هيفرتك دماغي، شعور اتمنيته لراجح، هو السبب في اللي أنا فيه دلوقتي، ولولاه، ماكنتش هعرف طريق المخدرات ولا هجربها، بس برضه، أنا اللي غلطان.. أنا اللي اختارت وجربت، مع اني متعلم ومتنور، فاهم الغلط من الصح، لكن مش وقته اللوم والملامة، أنا محتاج أي حاجة تسكني، ولإني ماكنتش مستحمل، فضلت على نفس الوضع لحد الصبح، وقبل ما منصور يصحى، طلعت على مستوصف القرية، دخلت جوة من غير ما اكلم حد، خدت طريقي لمخزن الأدوية زي المجنون، دورت على أي قرص بديل أخده تحت اللسان، أهو يريحني شوية بدل ما أنا مش متمالك أعصابي، وبعد ما أخدته وهديت، حطيت كام قرص تاني في جيبي وطلعت برة، بصيت في عيونهم لقيتهم مرعوبين مني وخايفيين يوقفوني، كانوا عارفين انا ابقى ابن مين وممكن أعمل ايه، لدرجة ان فيه منهم اللي كان عايز يتصل بالحكومة، لكنهم لقوا اللي يوقفهم ويحذرهم من اللي ممكن اعمله، بس اعمل ايه؟!.. أنا لو شافوني من يومين وانا قدام المعلم، كانوا هيضحكوا عليا ومش بعيد ياكلوني، ومع ذلك أنا كنت مبسوط، حاسس بالسلطة وإن فيه تاج على راسي، والتاج ده لتوجت بيه بمجرد ما دخلت القرية، حتى لو كان تاج مؤذي وبيإذي كل اللي حواليا، بس على الأقل حسيت وللمرة الأولى بقيمتي، لكن كل ده هينتهي، لإني خلاص.. قررت أرجع البيت أخد الشنط وأمشي، وفعلًا، اتحركت من المستوصف على هناك، دخلت جوة وكنت لسه هاخد الشنط، وقتها سمعت صوت حد بيكلمني وعارف اسمي، والشخص ده كان بيقولي:
-انا عارف انك خايف، بس الخوف الحقيقي انك تبقى برة.. وسطيهم، لكن وجودك هنا عشان تحمي البوابة له شعور خاص، ماحسوش غير ولاد عيلة غزال.
بصيت للشخص اللي بيكلمني لقيته راجح.. ايوة.. راجح اللي شغال عند المعلم واللي كان السبب في كل اللي أنا فيه، لكن ازاي جه هنا وبقى جوة البيت، أكيد فيه حاجة غلط وأنا بيتهيألي، بس لأ، الأمور كانت صح، لكنها مش واضحة، واللي وضحهالي وقتها، كان هو لما قالي:
-أنا هنا وفي كل مكان أنت موجود فيه، بس خليك فاكر، أنت اللي اختارت وأنت السبب في وجودك هنا، يعني لومك ليا عمره ما كان حقيقي.
الدم فار في عروقي، حسيت إني عايز أضربه وأخد حقي منه، ومن غير ما أحس بنفسي هجمت عليه، لكنه كان سراب، عديت مابينه كإنه مش موجود من الأساس، ومع ذلك، هو كان لسه واقف وموجود، ومع ادراكي انه شبح او شفاف، كمل كلامه وهو بيقولي:
-أنت المختار وحامي البوابة، وحد زيك كان المفروض يفرح، لكن زيك زي مغاوري، في البداية حاول يهرب من قدره، بس بعدين.. بعد ما حس بالسلطة والهبة اللي خدها، فضل مكمل معاهم وهو مبسوط.
-انت مين بالظبط؟
-انا كان نفسي أكون مغاوري، بس ماينفعش، الورث لاصحابه، وانا ماليش حق غير في المساعدة وبس، لكن المباركة دي ليها ناسها زي ما بيقولوا، وأنت من ناسها دول يا دسوقي.. على العموم أنا جاي أقولك حاجة واحدة، وجودك هنا مش بمزاجك، لكنه بـ اختيارك، ودلوقتي تقدر تفهم كل حاجة، بس مش مني، عشان ماحدش بيتكلم عن نفسه، وخليك عارف، البوابة لا ليها زمان ولا حتى مكان، لكنها اختارت القرية زي ما اختارت نسل غالب.
راجح خلص كلامه واختفى، وقتها أخدت بعضي ومشيت، خرجت من البيت وطلعت على بيت منصور، خبطت على بابه وهو فتحلي، وفي اللحظة دي بص لي وهو مرعوب، خايف، أخد خطوتين لورا وبلع ريقه وهو بيقولي:
-انت خرجت؟!.. احنا افتكرناك موتت.
-موتت؟.. موتت ازاي يعني؟
-انت كنت فين؟
-هكون فين يعني غير في البيت عشان أجيب الشنط.
-أنت بقالك اسبوع جوة وماطلعتش يا دسوقي.
-اسبوع!.. انت اكيد مجنون وبتخرف.. انا.. أنا شوفت راجح.. راجح هو السبب في اللي انا فيه دلوقتي.
-مافيش جنون أكتر من اللي انا قولتلهولك، بس دي الحقيقة، ومعنى انك ماحستش بالوقت، تبقى معاهم وعمرهم ما هيسيبوك.
-أنت أكيد مجنون، وأنا غلطان إني سمعتك من البداية، أنا ماشي.
مشيت من عند منصور وأنا حاسس بصداع شديد، صداع خلاني أخد حباية تحت لساني وأشوف أي قهوة أو ناصبة شاي أشربلي فيها فنجان قهوة، وبعد كام ناصية من بيت منصور، لقيت ناصبة شاي صاحبها سايب كرسيين قصادها عشان الناس تقعد عليهم، ولإني لسه مصدع والحباية ماجبتش نتيجة، شديت كرسي وقعدت عليه، وبعد ما هديت شوية، ندهت على الراجل اللي واق:
-سلامو عليكوا يا حاج، قهوة على الريحة بالله عليك.
قرب مني وهو ماسك كوباية شاي سخنة في ايده، كان بيهددني بيها وهو بيقولي:
-قوم.. كك وجع في معاميعك، قاعد على ناصبة ابوك إياك، عيلة غزال مالهاش قعاد هنا ولو على موتي.
-في ايه يابا، هو انا كلمتك ولا جيت جنبك.. انا بقولك عايز فنجان قهوة.
-ده اللي ناقص، إنك تيجي حدايا، قوم بقولك، مالكش قعاد هنا.
-فك كده يابا وسيبك من اللي انت بتعمله ده، أنا دماغي مصدعه وعايز فنجان قهوة.
-يابوووي، خلقتك خلقة مغاوري، كان يشبهك وهو نازل من مصر، كلكوا تشبهوا بعض.. كلكوا ملاعين، الله يعينه راجح ويظهر سره، اتلعن بسببكوا وبسبب أعمالكوا.
-راجح!.. وانت تعرف راجح منين يا حاج!
-إلا اعرفه، القرية كلها تعرف عنه وعن قصته.
-وايه هي قصته؟
-تقدر تسأله.. هو عندك جوة بيتك، ودلوقتي لازمًا تمشي من هنا، قوم جك خابط.. نجست الناصبة يا نجس.
قومت من عنده وانا مش في بالي غير حاجة واحدة، انا لازم أعرف قصة راجح قبل ما أمشي من هنا..
تتبع.
قومت من عنده وانا مش في بالي غير حاجة واحدة، انا لازم أعرف قصة راجح قبل ما أمشي من هنا، وده اللي خلاني أسأل فرد فرد من اهالي البلد عنه، لكن للأسف، ماحدش كان بيسمعني وكلهم كانوا بيتجنبوني من خوفهم مني، يمكن صاحب الناصبة الوحيد هو اللي أخد وادى معايا في الكلام، قرية غريبة، مابقتش فاهملها حاجة، واللي خلاني أستغربها أكتر، هي الست اللي لقيتها قاعدة قصاد بيتها وبتخبز، الست دي لما سمعتني بسأل حد عن راجح، ندهت عليا وقالتلي:
-مين بيسأل عن ولدي راجح؟
قربت منها وأنا مش على لساني غير سؤال واحد، سألتهُلها أو ما وقفت جنب الفرن اللي بتخبز فيه، وهو إني عايز أعرف مين راجح وايه قصته، وقتها ردت عليا وقالتلي:
-راجح يبقى ولدي، وقصته الكل عارفها، وبما إنك جاهل بيها، تبقى دسوقي ابن الخلفاوي، هو الوحيد الغريب وسطينا الأيام دي.
-ايوة.. أنا هو، بس أنا ماليش ذنب في اللي عمله جدي فيكوا، أنا حتى ماعرفوش، وكل اللي يهمني دلوقتي هو إني أفهم.. فهميني بالله عليكي، أنا ابنك شوفته كتير، هو ماماتش وانتي لازم تصدقيني.
-ولدي سمعهم بينادوا عليه، ووقت ما قالي إنهم عايزينه وهو عايز يروحلهم، حاولت أمنعه بكل قوتي وحبسته جوة البيت، ماطلعتوش، لكني ضعيفة وهم أقوى مني، قدروا عليه وهرب، دخل البيت الملعون، ومن وقتها ماطلعش، زيه زي عيلة غزال، اللي مانجاش منهم غير غالب، ومعاه اتولدت لعنة بتجدد مع موت المختار.
-يوووه.. انا والله ما بكدب عليكي، راجح انا شوفته وقعدت معاه، ومش هنا.. ده في مصر، لكنه جه ورايا وهو في البيت دلوقتي.
-راجح مات وبقى معاهم يا صاحب الكرامات، وأنت.. أنت خليك معاهم، عشان هروبك ما منهوش فايدة.
ماكنتش عارف أقولها ايه، هي كانت مقتنعه وشايفة إني بكدب عليها، لكنها على الأقل ردت عليا، عكس أهل القرية، اللي خافوا مني ومارضوش يكلموني، شيء غريب، خلاني أحس بمقدار حب الأم لإبنها، لدرجة إنه لما اختفى حياتها اتغيرت وبقت عكس التيار، مش فارق معاها تغرق في بحر الحياة ولا حتى تعيش، شعور صعب، بس مش أصعب من الشعور اللي أنا حاسس بيه دلوقتي، واللي خد رجليا لحد بيت منصور، خبطت على بابه وهو فتحلي، طلب مني أدخل، لكني ماروحتلوش غير عشان أقوله.
-أنا همشي وهخرج من هنا، القطر مش بعيد وهم مش مقيدني.
-الله!، وجايلي ليه، مش كنت استغليت الوقت في هروبك؟
-وأهرب من ايه؟.. أنا بتحرك وسط أهل القرية براحتي، ماحدش مقيدني ولا بيحصل حاجة غريبة.. أنتوا بس اللي مجانين، ألفتوا كلام غريب وصدقتوه، ومش بعيد راجح يبقى تبعكم.
-راجح تبعهم ومش هيسيبك، راجح زي ما جابك، عُمره ما هيمشيك، ولو على الغرابة، فمافيش أغرب من وجودك جوة البيت اسبوع بدون ما تحس، ولو مش مصدق، جرب تبص في محمولك، مافكرتش فيها اياك!
ماجاش في بالي خالص أعمل كده، الدنيا كانت مدربكة وأنا ماكنتش عارف أعمل ايه، لكني لما بصيت في موبايلي، لقيتني قعدت أسبوع كامل في البيت، وحاجة زي كده خليتني أخاف وأبتدي أصدق، بس لأ، دي كلها أوهام، وكده كده هتتلاشى لما أخرج من هنا:
-صدقتني يا دسوقي؟!
رفعت عيني من على شاشة الموبايل وأنا بقوله:
-أنا مش مصدق غير العقل والمنطق، انتوا مجانين، وأنت أكيد لعبت في موبايلي وانا نايم جوة بيتك، أنا أصلًا عمري ما ركزت في التاريخ.
-لأ، انت هتصدق، وعلى العموم، الليلة ليلتك.
-يعني ايه الليلة ليلتي؟
-يعني تلحق القطر قبل ما تذاكره تخلص، وكمان خد بالك اوي من بطارية محمولك، يدوبك.. اللي فيها يكفي مكالمة مستعجله، هتحتاجها لتحديد مصيرك.
-أنا قولت انك مجنون من بدري، انا اصلا مش عارف ايه اللي مخليني واقف معاك لحد دلوقتي، على العموم أنا ماشي، ومن غير سلام.
سيبته ومشيت، حاولت أوقف تكاتك كتير للمحطة، بس ماعرفتش، كلهم كانوا بيخافوا وبيمشوا، كإنهم شايفين شيطان قدامهم، لكني ماستسلمتش، وبدل ما كنت هركب، قررت أجريها لحد هناك، ايوة.. أنا مش هقعد في القرية دي ولو دقيقة واحدة، وفعلًا، أخدت بعضي وجريت وسط نظرات الناس اللي ماكانتش مفارقاني في كل خطوة باخدها، ومع ذلك، أنا ماوقفتش ولو لحظة واحدة، بالعكس.. كملت في طريقي زي ما أنا، لكن صوت رنة تليفوني هي اللي وقفتني، بصيت على اللي بيتصل وساعتها اتصدمت، كان المعلم عبد الفتاح هو اللي بيكلمني، واتصاله، خلاني أرد عليه وأنا قلقان:
-ايه اللي فكرك بيا دلوقتي يا معلم؟
-فكرك انك ممكن تستغفلني ياض؟.. طب والله ما هسيبك، أنا مايتعلمش عليا أبدًا، ولو أنت فين.. هجيبك.
-استهدى بالله بس يا معلم وقولي مالك.. أنا عملت ايه!
-بتسرقني ياض وفاكرني مُغفل، لاا.. المعلم عبد الفتاح مايتعلمش عليه، والبضاعة اللي سرقتها وفاكر انك ممكن تصرّفها، انسى وخليك فاهم إن ماحدش هيشتريها منك، ووقتها بس هعرف أجيبك ولو في بطن الحوت.
-بضاعة ايه يا معلم اللي بتتكلم عنها بس، أنا ماعرفش أنت بتتكلم عن ايه.
-بس الكاميرات اللي لقطتك وأنت بتسرق، عارفة أنا بتكلم عن ايه، وكمان الواد راجح شافك وانت داخل المخزن، يعني مالكش حِجة.
-راجح!.. راجح ميت يا معلم واللي بتشوفه ده…
سكتتّ شوية وبعدهم كملت كلامي:
-يا معلم ماتصدقوش، ده عايز يوقع بيني وبينك زي ما عمل المرة اللي فاتت.
-الشويتين دول تعملهم على حد تاني ياض، وانا فاهم وعارف، مافيش غيرك اللي يعملها.. بس بالك انت.. ماتوقعتهاش منك خالص.. انما ملحوقة، هجيبك وهنتصافى كويس.
-يا معلم…
موبايلي فصل قبل ما أكمل كلامي، وقتها اتعصبت وبصيت للقرية وأنا بصرخ:
-هو في ايه.. المكان ده متمسك بيا اوي كده ليه!
-أخيرًا فهمت واستوعبت إن المكان ده حتة منك وعمره ما هيسيبك.
الصوت ده كان جاي من ورايا، وقبل ما ألتفت ناحيته، كنت عارف مين اللي بيكلمني.. أيوة، ده راجح، أنا أقدر أمييز صوته ما بين مليون، ما هو مش بعد اللي عمله فيّا ده، وهقدر أنساه، وعلى الرغم من إني ماكنش في بالي وقتها غير إني أقتله، إلا إني يأست ومابقتش عارف أعمل ايه، مابقاش عندي طاقة أتكلم ولا أدافع عن وضعي، كإني تقبلت الأمر الواقع، وده اللي حسه راجح من تعابير وشي.
-وجودك هنا نعمة كبيرة أنت مش حاسس بيها، أنا لو مكانك ماكنتش فكرت ولو للحظة واحدة إني أهرب، أصلك مش عارف الهبة اللي انت هتاخدها دي مميزة ازاي، لكن زيك زي مغاوري، انتوا الاتنين زي بعض، مش هتحسوا بالنعمة غير بعد ما تدقوها، واهو مغاوري داقها.. بعدها فهم وحس بالقدرة الكبيرة اللي خدها، زيك بالظبط كده، لما تيجي البيت النهاردة، وحامي البوابة يتوجك حارس ليها، هتحس بنفس الإحساس.
-بس أنا مش هاجي، أنا ههرب في حتة بعيدة ماكُونش معروف فيها، وهناك هبتدي حياة جديدة.
-كان نفسي ينفع وأخد مكانك، لكن الوحيد اللي يقدر يكون حارس البوابة، هو نسل غالب، يعني مش أي حد من عيلة غزال.. على العموم الاختيار مش اختيارك، لإن المعلم هيجيبك حتى ولو كنت فين، يعني انت ميت.. ميت، فـ الأفضل ليك، والمنطقي وسط كل اللي بيحصل، إنك تيجي معايا.
-هو انت من عيلة غزال!
-هتفهم كل حاجة هناك، لما تشوف غالب هيحكيلك الحدوتة، هو مستنيك من بدري.
قرب مني ومدّلي ايده وسط نظرات رعب من الناس اللي فاكرين إني مجنون وبكلم نفسي، وقتها بس فهمت إن راجح مابيظهرش غير للي هو عايز يظهرله، وكمان أنا كنت قررت أروح معاه، أيوة.. أصل الطُرق كلها مش بتودي غير لمكان واحد، وهو البيت، يمكن لما أروح هناك، أفهم ارتاح، أو يمكن أكون فعلًا مجنون زي ما الناس بيبصولي، بس الغريب إن فيه ناس تانين كانوا بيبصولي وهم مبسوطين، خاصة لما شافوني راجع ناحية البيت، انفصام غريب بين أهل القرية، من الرعب، للبهجة والإنبساط، بس كل ده فهمته لما دخلت جوة، لقيت ناس كتير واقفين، منهم منصور اللي استضفني ليلة في بيته، وحاجة زي كده ماستغربتهاش وسط حاجات تانية أغرب، زي غالب جدي الكبير، اللي من المفترض إنه مات من زمن، لكنه لسه حي وواقف قصادي.
-أنا غالب يا ولدي، جدك الكبير وأول حامي للبوابة، لازمًا تفهم إن وجودك هنا خير كبير ليك، وإن البوابة هي اللي اختارت بيت غزال دونًا عن المنطقة كلها، وشرط أساسي من الحامي قبل ما يتوج الحارس الجديد، هو إن العيلة كلها تبقى تحت امرته وسلطته، وده اللي وافقت عليه قبل ما يختفوا كلهم ويرجعوا مرة تانية بين أهل البلد، زي الست عزيزة، أم راجح.. هي كمان تبقى من عيلة غزال مع راجح اللي ساعدنا في وصولك، ومن غير ما اقولك انت فاهم، منصور يبقى من عيلة غزال، ولو قولتلك إن صاحب الناصبة من نفس العيلة.. هتقول إنك في ملعوب كبير، لكن كل واحد مننا له دور يا ولدي، وهو حماية البوابة، واللي بسببها دجالين كتير بيجوا يتباركوا من الحارس عشان يقدروا يتواصلوا مع العالم التاني، هبة كبيرة، تقدر تسميها كبير الدجالين لو حابب، وهي دي القصة، لكن دلوقتي، دورك عشان تكمل اللي أنا بدأته، وخليك فاكر.. الموت هنا حياة، يعني روحك عمرها هتفارق القرية ولا البيت.
-يعني ايه.. يعني أنا مش مجنون وكل ده حقيقي، وكمان ازاي اهل غزال عايشين وسط اهل القرية من غير ما يحسوا؟!
-عيلة غزال ماماتش وأرواحهم عايشه وعمرها ما تموت، يعني تقدر تتشكل وتتلون زي ما الحامي عايز.
-جنون.. كل اللي بيحصل ده جنون.
-لأ، ده حقيقي يا ولدي، وأنت خلاص، معانا ومكمل.
قال كده والكائن صاحب الوش الشاحب والعيون السودة ظهر من وسطيهم، كان ماسك في ايده صولجان اسود مُرصع بحاجات كتير بتلمع، الكائن ده قرب مني وحط الصولجان على راسي، بعدها بدأ يقول في كلام غريبة، خلى كل اللي موجودين جوة البيت ينحنوا له، وقتها حسيت إن جسمي بيحرقني ودقات قلبي بتزيد، ومرة واحدة، وبدون سابق انذار، فتحت عيني وبوقي على آخرهم، انا جسمي بدأ يطفوا على الهوا كإني ضد الجاذبية، كل ده كان بيحصل وسط ذهول من اللي موجودين، واللي انتهى بـ اني بقيت حارس البوابة الجديد، الشخص اللي أهل القرية بيخافوا منه، وكل اللي كان بيحاول يتعدى على بيتي أو يفكر في أذيتي، عيلة غزال كانوا بيوقفوه عند حده، زي مواقف كتير حصلت معايا ولسه بتحصل، وعلى الرغم من السلطة والقوة اللي كانت معايا، في مباركة كل دجال جديد وبشروطي، إلا إن المعلم عبد الفتاح كان في دماغي وعمره ما فارق تفكيري، وعشان كده قررت أتصل بيه واهدده، أفهمه إنه مايقدرش يعمل حاجة وإني ممكن أكون سبب كبير في أذيته، لكن رده عليا في اللحظة دي كان مرعب، المعلم أصلا ماكنش فاكرني ولا عارف أنا مين، ولما حاولت أفكره براجح، قفل السكة في وشي بعد ما قالي ماتتصلش بالرقم ده تاني، موقف خلاني استغرب واعيد حسابات كتير، وأول حساب فكرت فيه، هو إنهم عملوا كل حاجة مظبوطة عشان يوقعوني في مصيدتهم، وإني مهما عملت أو اختارت، كنت هاجي هنا وبكامل ارادتي، تفكير سليم أكدلي عليه جدي مغاوري لما ظهرلي وقالي:
-مبسوط بحياتك الجديدة يا دسوقي؟
-مش عارف.. انا حاسس إن ده مش أنا.. حاسس إن الحياة دي عمرها ما هتكون حياتي.
-احساس طبيعي من واحد كان بيبص طول عمره تحت رجليه، زيي بالظبط كده، انا عيشت حياتك لاني كنت بفكر زيك، لكن لما بدات أحس إني زيي زيهم، بقيت مبسوط وحاسس بسعادة كبيرة، سعادة خلتني أتنفس الهوا كإنه ملكي لوحدي.. ملكي أنا وبس.. فكر في نفسك، فكر إنك زيك زي المعلم عبد الفتاح وأحسن، أنت بطرقعة صباع تقدر تقضي عليه.
-يمكن تكون صح، ويمكن تكون غلط.. بس ده قدري وأنا محبوس هنا، يعني ماتخافش، لو الحامي هو اللي بعتك ليا، فهمه إني عمري ما ههرب.
-عفارم عليك.. هو ده التفكير المظبوط.
وبس كده.. أنا بحكيلكوا قصتي النهاردة عشان مش فاهم انا عايش في ايه وحياتي تعتبر عاملة ازاي، أنا في دوامة مرعبة عايز أخرج منها، اشخاص كتير بيجولي من أماكن بعيدة عشان ياخدوا مباركتي، يعملوا منها علاقة طيبة مع الحامي، منها يبقوا دجالين، يقدروا يقروا المكشوف وغيره، ومنهم اللي يقدروا يعملوا الأعمال اللي يفسدوا بيها النفوس اللي هتفسد الأرض… وكل ده بسببه هو.. صاحب الوش الشاحب.. او.. إبليس.. اللي خلى البوابة اللي بين العالم بتاعه وعالمنا، هي بيت غزال.. واللي دلوقتي بقى بيتي.
تمت بحمد الله.