قصص

قصة قبر 24

-دَه بَس اللي حَصَل؟
-أيوَة، مَفيش غير كِدَه.
***
مُش صُدفَة إني أكون هِنا دِلوقت، وأبقى نايِم وِمِمَدِّد على الكُرسي دَه، ويكون قُدّامي شَخص بيسمَعني بكُل اهتِمام؛ لمجرَّد إنّه عاوز يساعدني؛ عشان دي طبيعة شُغلُه.
أنا “مُعتَصِم الخيَّاط”، شاب عندي 36 سنة، كان طموحي أبدأ البيزنِس اللي بحلم بيه؛ وهو إنّي أفتح شِركة الدَّعاية والإعلان، اللي فِضِلت طول فترة دراستي بَحلم بيها، الفِكرة بدأت معايا لمّا بدأت أتَّجه لشُغل الجرافيك، واكتِشَفت إن عندي طاقة رِهيبة في الدّيزاين، وابتِكار أفكار جديدة، بالمناسبة أنا يُعتّبَر دلوَقت واحد من أشهَر الدّيزانرز، عاوز أقولّكم كمان إن نسبة كبيرة مِن الدّيزاينز اللي بتنزّلوها من تطبيقات الصّور، واللي بتعملوها خلفيّات لتليفوناتكم من وَحي خيالي، وأنا اللي بَبيعها للشّركات اللي بتمتَلِك التطبيقات دي.
***
-كُل اللي أنت بتقوله ده معناه إنّك إنسان ناجِح، وبتحِب شُغلك.
-دي حَقيقة يا دكتور.
-أومّال إيه اللي خلَّاك توصَل للمَرحلة اللي أنت فيها دي؟!
***
عارفين لمّا حد يقول حاجة قدّامكم، فَيِفتَح بَاب قَفلتوه بمليون مَفتاح، أهو بالظَّبط سؤال الدكتور عَمل كِدَه.
أنا بَعد فَترة من تأسيس مشروعي، بدأت حياتي تتقَلَب، في البِداية مَكُنتِش مِركّز في الحاجات اللي كُنت بَشوفها، يعني كان تفكيري ساذِج شويّة، تَفسيري كان بَسيط، شَخص خياله واسِع، بيِحلَم بِالدّيزاينز اللي بيصَمّمها.
في البداية حَبّيت أكون مُختَلِف، اتَّجَهت لِمَنطِقَة محدِّش بيِشتَغل فيها كتير، ويِمكن حُبّي للفنتازيا، وتأثُّري بأفلام الرُّعب ساعِدني في إنّي أحَقَّق دَه، أنا مِحَقَّق رَقم قياسي في الدّيزاينز المرعبة، دا غير إن شُغلي عمومًا عامل نِسبة تحميل ومشاهدات عالية جدًا.
-كَمّل يا “مُعتَصِم”.
حاوِلت كتير أغيّر نَمَط شُغلي، لكن كُل خَطوة كُنت باخُدها بعيد عن نوع الدّيزاينز اللي بَحبّه كانت بتِفشَل، أو بمعنى أَدَق مَكَنِتش بتحقَّق نَجاح زي اللي بيوصّل لُه شُغلي الأساسي؛ فَكُنت مُجبَر إنّي أرجَع للنَمَط اللي شَغّال عليه، مَحَدّش طبعًا بيحِب يِفشَل.
وفي يوم بَفتَح إيميلي عادي زي كُل مرّة، أشوف الرسايل اللي استلَمتَهَا، ولقيت شِركة من اللي بتِشتِري شُغلي باعتَالي إيميل، أنا فرِحت بُه جدًا.
باختصار الإيميل كان عبارة عن عَرض، بَس في الأوّل بَعد ما بلَّغوني إن الدّيزاينز مُمَيَّزَة جدًا، طلبوا مني أكبَّر شُغلي معاهم، لَكِن الغريبة إنّهم كانوا طالبين 28 ديزاين مُرعب، كانوا عايزين جَوهَر الفِكرة يكون واحِد، وهي إن الدّيزاينز كُلّها تكون بتتكلّم عَن الرَّهبة اللي بتزرعها القبور جوّانا..
مُش هَنكِر إن الفِكرة شَدّتني، حَسّيت إنها مغامرة، وفي نَفس الوقت تحَدّي جديد، وأنا دايمًا بَحِب أتحدَّى نفسي؛ عَشان كِدَه مَتردِّدتِش إني أرُد على إيميل الشّركة، وأقولّهم إني موافِق.
وبَعدها بَدَأت شوط تاني من التَّفكير، وسألت نَفسي.. إيه الأفكار اللي مُمكن أشتّغل عليها؟
-ولقيت الفِكرة؟
-عارِف يا دكتور، يِمكن دي أسرَع فِكرة وَصلتِلها في حياتي.
-طَيّب كَمّل..
-أنا قولت أبدَأ من الرَّقم، حَبّيت الموضوع يكون زي سِلسِلَة، يعني حكاية 28 ديزاين جَوهَرهُم واحد كانت غَريبة شويّة، بَس كُنت خلاص وَصَلت للفِكرة.
بدون تَفكير، لقيت جاي في بالي حروف الأبجديّة، ماهي 28 حرف برضو، قولت في نَفسي.. ليه مَيكونش كُل قَبر يكون موازي لِحَرف من حروف الأبجَديّة؟
وفعلًا بدأت، أوّل قَبر صَمّمته سَمّيته قَبر آدم، وبِما إن الاسم هِنا هَيسَبّب مُشكلة فيما بَعد حَبّيت أبعِد عن الجِدال، أنا مُش هَحَدِّد ملامِح مكان مُعيَّن في أي ديزاين هعمله، يَعني لا هَستخدِم أي إسقاط على الحضارة الهنديّة، وَلا على أي مكان تاني، سواء بيت المَقدِس أو مَسجِد الخيف، لحد دلوقت أصلًا محدّش يعرَف آدم اندَفَن فين.
ومِن هِنا بدأت الدّيزاين من خيالي، آدَم أوِّل ما سَكَن كانت الجَنّة، سواء بقى سماويّة ولا أرضيّة، فَكان أولَى إنّه يندِفِن في مَكان يَليق ببداية حياته، لَكِن أنا هِنا حَسّيت إني هَبعِد عن جَوهَر الفِكرة، فقرَّرت أبدأ من رحلة خروج آدم من الجَنّة لِحَد موته.
الدّيزاين أدهَشني برغم إن أنا اللي عامله، تخيَّل كِدَه قَبر بطول 32 متر، في مكان كلّه أشجار بدون أوراق، في ليل السَّما فيه مَليانة غيوم، إلا نُقطَة بسيطة كان باين مِنها القَمر مخنوق، مَع غُراب أسود كبير بيحاوِل يُقف فوق القَبر، وأنا قَصَدت دَه؛ لأن الغُراب هو المُلهِم الأوّل لفِكرة القبور عمومًا اللي عرِفها الإنسان، ماهو مِن غيره مَكَنش قابيل عِرِف يدفِن جُثّة هابيل.
لكن أنا عَلَّقت الغُراب في الجَو، وكان مِنَزِّل رِجل ناحية القَبر ورافع الرِّجل التانية، وبيرَفرف بجناحه في إشارة إنه عاجِز عن الوقوف، وطبعًا لأني كُنت مِغرَّق الدّيزاين بِجَماجِم بشريّة وهياكل عَظميّة مِتحَطَّمَة، وِدَه كان إسقاط على فِكرِة الموت عمومًا، اللي هي الحقيقة الوحيدة في حياتنا.
-وبَعدين، إيه اللي حَصل؟
لمّا نِمت، حِلِمت إنّي ماشي في مَكان مُخيف، أنا مِن طبيعتي إن كُل ديزاين بخلَّصُه بَحلَم بتفاصيلُه لمّا أنام، لَكن دَه كان مُفزِع؛ لأوّل مَرَّة أحط نَفسي مكان النّاس، صوت العَضم اللي بيتكَسَّر تَحت رِجلي وأنا ماشي كان بيخلّي جِسمي يتهَز، واستغرَبت لمّا قرَّبت من القَبر، إن كان فيه غُراب ضَخم بيرَفرَف، صوته كان مخلّيني عايز أهرَب من الحِلم، بَس أنا أعرف إن الإنسان لا بيدخُل الحِلم بإرادته، ولا بيخرُج منّه بإرادته.
وقرَّبت لِحَد ما بقى القَبر قدَام رِجلي بالظبط، والموت من حواليّا في كُل مكان، فِضِلت واقِف لِحَد ما حَسّيت الأرض بتتحرَّك، حسّيت المَشهَد اللي شايفُه كأنّه بَحر، الموج فيه بيطلَع وينزِل، والجَماجِم والهياكِل العظمية فوقُه كأنّها قِطَع خَشب مُستسلِمَة، لِحَد ما لقيت إيد عملاقة بتخرُج من القَبر، حاوِلت أهرب لكنّها لَحقِتني، والغَريبة إنّها كانت عايزّة تدخَّلني معاها تَحت التُّراب.
-طيّب وانت دَخلت القَبر في الحِلم؟
-لأ، أنا قومت من النّوم وقلبي زي ما يكون هَيكَسّر ضلوعي ويِهرَب، أنا حسّيت إنّها إيد آدم، زي ما يكون كان بيحاوِل يقولّي إن دَه المَصير اللي بينتَظِرنا كلِّنا.
-كَمّل يا “مُعتَصِم”.
عن طَريق الفِكرة دي بدأت أكمّل مَشروعي الجديد في الدّيزاين، كان كُل يوم حَرف جديد، كُنت بَختار اسم وأسَمّي بيه القَبر، وكُنت بَختار لكُل اسم الجَو المُناسب لِحَالِة الاسم، أهم حاجة عندي إن الرَّهبة توصَل للمُتلقّي، لَكِن اللي اكتَشَفتُه إني تقريبًا كُنت أكتر إنسان مُمكِن تكون جوّاه رَهبة، من اللي كان بيشوفه في الحِلم اللي بَعد كُل ديزاين.
الأيام فاتِت، وحروف الأبجديّة قرَّبِت تِخلَص، نِسيت أقول حاجة، لمّا كُنت بَنتَهي من ديزاين كُنت بَبعَته للشّركة بالإيميل، وكان بيوصلني رَد مِنهم إن الدّيزاين تم اعتماده، وإن شُغلي في المَرحَلة دي مُختَلِف، لِحَد ما جِه دور الحَرف اللي بيبدأ به اسمي، حرف الـ “ميم”، واللي هو كان اليوم رقم 24.
أنا لقيت الدكتور بيتعدِل وهو قاعِد على الكُرسي؛ عشان يِركّز معايا أكتر، وبيقولّي:
-احكي كُل حاجة أنت فاكرها.
***
في الليلة اللي هَيصبَح فيها اليوم رَقم 24، كُنت لسّه مخلَّص الدّيزاين اللي قَبلُه، ومسَلِّمُه على الإيميل، كان الصُّداع هَيشَقَّق دماغي؛ فقرَّرت إني أرتاح شويّة، مُش محتاج طبعًا أقول إني حِلمت بكُل تفاصيل الدِّيزاين، وبَرضو قومت مفزوع، بَصّيت على الإيميل؛ عشان أشوف رأي الشّركة في الدّيزاين، لكن ملقِتش منهم أي رَد.
هُمَّا في الأيام اللي فاتِت، كانوا بيردّوا خلال ساعة، ولمّا لقيت إني مَستلَمتِش منهم حاجة، قرَّرت أنام تاني؛ لأنّي كُنت لسّه مُرهَق.
وبمجرَّد ما عيني غَمَّضِت، حلِمت إنّي واقِف قُدّام قَبر، لَكن مُش زي القبور اللي كُنت بتخيّلها في شُغل الدّيزاين اللي بَعملُه، دا كان زي القبور بتاعِتنا عادي، كان مفتوح ومَفيهوش حاجة، كُلّه ضَلمَة من جوّه، ولمّا التَفَتت على يميني، لقيت إن في صَف قبور كُلّها مقفولة، كان عَندي فضول إنّي أعرف عَدَدهُم، بَدَأت أعِدُّهم واحِد ورا التّاني، لحد ما عرِفت إنهم 23 قبر، وأنا دلوقت واقِف قُدّام القَبر رقم 24.
لِحَد هِنا وقومت مِن النّوم، اكتَشَفت إن الخوف اللي جوّايا هو سِر نَجاحي، ماهو أنا لو مُش حاسِس بِخوف ورَهبَة من الفِكرة مُش هَعرَف أوَصَّل دَه للمُتَلَقّي.
مُش هَنكِر إن الحِلم كان شاغِل بالي، بَس أنا انشَغَلت عنّه بالإيميل اللي استلمتُه من الشّركة، وكالعادة كان فيه اعتمادهم للديزاين ومَدحُهُم في أفكاري، دا غير إنّهم كانوا بيشجّعوني؛ لأن مَكَنش فاضِل كتير، ومَشروع الشُّغل اللي أنا وقَّعت عَقدُه معاهم قرب يِخلَص.
أنا مَكُنتِش عارِف هُمّا ليه طالبين الفِكرَة دي بالذّات، بَس هُمّا مش هيتعاقدوا معايا من فراغ، أكيد داخلين في حاجة جديدة ومحتاجين دَه، اللي خَطَر في بالي إن االدّيزاينز دي مُمكِن هَتبقى دعايا لفيلم مثلًا، وفي الأوّل والآخر، أنا ماليش غير إن حقَي المادي والمَعنوي يكون مَحفوظ.
في الوَقت دَه بدأت أستَعِد للديزاين رَقم 24، واللي كان عبارة عَن حَرف الـ “ميم”؛ وده قياسًا على الفِكرة اللي ابتَكَرتِها وكمّلت عليها.
-احكيلي بَقى عن اليوم دَه!
أوّل ما بدأت أشتَغَل استَغرَبت إن مَفيش ولا فِكرة خَطَرِت على بالي، اللي كان مِسيطَر عليّا في الوَقت ده، هو المَشهَد اللي كُنت واقِف فيه قُدّام القَبر المفتوح، القَبر رقم 24.
بَس تِعرَف أنا مَبتَكَرتِش حاجة جديدة، كُل اللي وَصَلتِلُه إني بَعد ما خلَّصت شغل لقيت إن الدِّيزاين عبارة عن الحِلم بكُل تفاصيله: القَبر المفتوح، ومكتوب عليه باللون الأحمر من فوق رقم 24، دا غير إن كان مكتوب حرف الـ “ميم” وبَعدُه نُقَط، فَكُنت جزء من تفاصيل الدِّيزاين، كُنت واقِف وشّي للقَبر، الدُّنيا ليل، وِدَه خلَّى الجَو العام مُرعِب، بَس أنا كان عَندّي تَخوّف؛ هو بَعد عدد الدّيزاينز اللي الشركة استلمِتهم دي؛ مُمكن تِقبَل حاجة واقعيّة كِدَه؟ وياسلام بقى لو كَتبتِلهُم في الإيميل ملحوظة إن ده مجرّد حِلم أنا شوفته!
بدون إرادتي، لقيتني بَرفَع الدّيزاين على الإيميل وِبَبعتُه للشركة، والمرَّة دي كانت أسرَع مرَّة وصلني فيها إيميل منهم يعتمدوا فيه الدّيزاين، استَغرَبت إنه عاجبهم جدًا، ولمّا بصّيت في ساعتي، اكتِشَفت إنّي أخَدت ساعات كتير لِحَد ما انتَهيت، مَعرَفش فاتت ازّاي، لكن هو دَه اللي حَصَل.
-حِلِمت بَعدَها؟
كان حِلم بَشِع، الدُّنيا مقلوبة المرَّة دي، في الطبيعي إنّي كُنت بحلَم بتفاصيل الدّيزاين اللي بَعمله، دلوَقت أنا عَمَلت تفاصيل الحِلم اللي شوفته، لكن لمّا رجِعت أحلَم مرَّة تانية شوفت تفاصيل زيادة، رجَّعتني لأوّل ديزاين عَمَلته، كان فيه غُراب ضَخم واقِف فوق القَبر، صوته كأنّه بوق بيزلزل الدّنيا، مَع كُل مرَّة كُنت بَسمَعه فيها كُنت بَحِس جزء من جِسمي بيموت؛ لِحَد ما حسّيت فعلًا إني اتحوّلت لِجُثَّة، بَس جُثّة لَها عيون بتشوف بَس، لكنّها بِتَفتَقِد الشّعور بأي حاجة.
لمّا وَصَلت للّحظة اللي بقيت فيها دي الغُراب بدأ يِقَرَّب منّي، عايز أقول إنّه لمّا وَقَف على الأرض قُدّامي كان في ارتفاعي، وساعِتها بدأ يِنقُر في جِسمي، أي نَعَم أنا مُش حاسِس بحاجة، لَكن لمجرّد إني كُنت شايفُه وهو مَع كُل نَقرَة كان بياخُد في مُنقاره حتّة مِن جِسمي كان إحساس مُرعب.
-انت بِتحكي حاجة أغرَب من الخَيال يا “مثعتَصِم”.
-مُش عاوِز أقولّك إن الحكاية دي فِضِلِت مُستَمرّة لحد ما فرَّغ جِسمي من اللحم اللي فيه، استَغرَبت إنه مَقرَّبش من عيني، يِمكن عشان أفضل شايِف اللي بيحصَل معايا؟
-مَقدَرش أجاوبك، أنا دوري أسمَعك عشان أقدَر أوصَل للمُشكلة اللي عَندَك، وأساعدَك تِحلّها.
-أنا بَعد ما بقيت هَيكل عَظمي، شالني بمُنقاره ودخَّلني جوَه القَبر، اللي هو المَفروض عليه أوّل حَرف من اسمي!
-كَمّل يا “مُعتَصِم”.
برغم إني كُنت عبارة عن هيكل عَظمي، بَس كُنت شايف كُل حاجة حواليّا؛ عَشان كِدَه حَسّيت بِرَهبة حقيقيّة من القَبر، الحِكاية دلوقت مُش مُجرَّد ديزاين، دا أنا جوّاه فعلًا!
واللي كان مُرعِب أكتر، إن فجأة باب القَبر اتقَفَل، وبَعدَها سِمعت صوت أجنحِة الغُراب وهو بيطير، كان بيِبعِد لَكن صوته لسّه بيرُج المكان!
وقومت من النّوم، لَكن المرّة دي بقى، حَصلّي أغرب حاجة في حياتي، أنا حسّيت إن فيه حروق ماليَة جِسمي، ولمّا بدأت أفتّش في نَفسي لقيت إن جِلدي فيه جروح، كأن فعلًا كان فيه غُراب بينقُر فيه!
-بَس دَه أكيد من تأثير الحِلم أو الكابوس بَس، انت تِعرَف الواحِد بيقوم من أي كابوس، وبيكون لسّه حاسس بكُل الانفعالات اللي اتعرَّضلها جواه.
مَكَنش قُدّامي غير إنّي أرفَع القَميص اللي أنا لابسُه، وساعِتها الدّكتور صدَّقني لمّا شاف بعينه.
-عارف يا “مُعتَصِم”، أنا دكتور نَفساني، إيماني بالعِلم بَس، لَكن اللي بيحصَل معاك دَه مِحتاج حَد يفسّره، دا لو مَكَنش مثلًا إنك وَصَلت لحالة من التَّعب، تخلّيك تِأذي نَفسك وتنسى، أو إن اللي في جِسمَك دَه يكون بسَبب أي حاجة تانية، غير اللي بتِحكي عنها وأنت ناسي.
-بَس أنا مُش فاكِر غير إن دَه حَصَل فعلًا في الكابوس.
-عمومًا، كَمّل.
نسيت أقول إنّي نِمت وَقت طويل جدًا قبل ما أقوم من الكابوس، لمّا قومت كُنّا في نُص الليل، وأنا بدون إرادتي لقيتني بَنزِل من شَقتي، جِسمي كان نار من الجروح، بَس أخَدت عَرَبيتي ومشيت، ولقيتني رايح ناحية المَقابر.
لمّا وَصَلت نِزِلت من عَرَبيتي وجريت زيّ المجنون، دَخَلت أوّل شارِع قابِلني، واكتَشَفت إن الشّارع مُش طويل، القبور فيه كانت على إيدي الشّمال، وكان فيه سور على إيدي اليمين، مشيت لنهاية الشارع اللي كان مقفول بحيطة، ولاحِظت إن القبور كلّها مقفولة ماعدا آخر 5 قبور!
-مُش ملاحِظ حاجة يا دكتور؟
-حاجة زي إيه؟
-عدد القبور المفتوحة.
-عَدَدهم 5 زي ما بتقول.
-وكان قَبلهم 23 قبر مقفولين، ماهو أنا عَدّيتهم.
-قَصدَك إيه؟
-يَعني الدّيزاينز اللي كُنت بَعملها في عالم موازي، كان فيه منها نَفس الحاجة في الواقِع.
-بَس دَه مش ضروري يكون له علاقة بيك، وارِد جدًا إن يكون فيه شارع عبارة عن 28 قبر في أي مكان، ويكون آخر 5 قبور منهم هُمّا اللي مفتوحين.
-وصُدفَة بَرضو إنّي ألاقي مكتوب على أوّل قَبر مفتوح رقم 24 وأوّل حرف من اسمي؟
-كَمّل طيّب.
دَخلت بِنَفسي في القَبر، ونِمت فيه بكُل إرادتي، شُعوري ساعِتها كان نَفس شعوري وأنا هَيكَل عَظمي، ومَقفول عليّا القَبر في الكابوس، حَسّيت بنوبِة هَلَع، حرارتي ارتَفَعت، وبدأت أصرُخ، ومع الوَقت حسّيت بإيد بتِمسِكني من رِجلي، وبتِسحَبني برَّه القَبر، فتَّحت عينيا ولقيت قُدّامي واحِد لابِس جلّابية وِوِشّه مِتلثّم، كان شايِل في إيده كَشّاف، مَكُنتِش عارِف أسيطَر على جِسمي من الرَّعشة، لكن لقيته بيقولّي:
-انت مين، وإيه اللي جابَك هِنا في وَقت زي دَه، وإيه اللي نَيِّمَك في القَبر؟!
-كان غَفير المَقَابِر؟!
-أيوه، هَيكون مين غيره؟!
-وِبَعدين..
كُنت حاسِس بخوف خلّاني جِريت، خرَجت من الشّارع بدون ما ألتِفِت ورايا، برَغم إنه كان بيِندَه عليّا، ولمّا وصلت لعربيتي رِكبتها ورجِعت على شقّتي.
أنا لمّا وَصَلت دَخَلت على اللاب توب، فَتَحت الإيميل، كانت عندي رغبة إنّي أراجع كُل الدّيزاينز اللي عملتها من ساعة ما وقَّعت العَقد مع الشِّركة، كُنت مِحتاج أعرف إيه اللي وصَّلني للحالة اللي أنا فيها دي، في الأوّل كُنت بحلَم أحلام عادية بالدّيزاينز اللي بعمِلها، لكن أوصَل لِمَرحَلة إنّي أعيش الكوابيس دي، وتِتنِقِل على أرض الواقع!
دَه اللي كان فوق قُدرِتي على التَّحمّل.
للأسَف أنا مَلقِتش أثر لأي إيميلات ما بيني وبين الشّركة دي، دا حتّى آخر تواصل بيني وبينها كان من سَنة تقريبًا، أنا كُنت في حالة ذهول معَدَّتش عليّا قبل كِدَه، أومّال اللي كُنت بعمله من 24 يوم دَه إيه؟!
بدأت أدوَّر على نُسخة العَقد اللي بيني وبين الشركة، لَكن للأسف الفولدر اللي مَحتفظ فيه بالنسخة كان فاضي، ومِن وقتها وأنا كُل يوم عندي رغبة أروح بالليل، أنام في القَبر رقم 24، واللي عليه أوّل حَرف من اسمي، وكُنت في كُل مرّة بَصرُخ من الخوف، لِحَد ما غفير المَقابِر زِهِق منّي، وافتَكَرني مجنون، ومَبقاش يشغِل باله بيّا!
وفي آخر مرّة دَخلت نِمت في القَبر، وفي المرّة دي حسّيت بكام إيد بتحرَّكني، وكان فيه صوت غِربان، كُل صوت كان مُخيف أكتر من التاني، وبعدها لقيت باب القَبر اتقَفَل.
-طيّب ولمّا خَرَجت إيه اللي حَصَل؟
“مُعتَصِم”، يا “مُعتَصِم”، رُد يا “مُعتَصِم”!
***
-الدُّكتور موجود يا “إسراء”؟
أنا “إسراء” سكرتيرة دكتور “سِيف”، ودي مريضة بِتتعالج، جاية بتسأل عن الدُّكتور، وطبعًا قولتلها:
-موجود يا فَندِم، بَس حَضرتك شايفة اللمبة الحَمرا منّوره.
-فيه حالة معاه جوّه يعني؟!
أنا مَكَنش ينفَع أرُد، طلَبت منها تَنتَظر، ويادوب كام دقيقَة واللمبَة الحَمرا انطَفَت، وساعِتها قولتلها:
-تِقدَري تتفضّلي.
هي استَغرَبتني، أصل مَفيش حَد خَرَج من عَند الدكتور، لكنّها لمّا قامت وفَتَحِت الباب لقت مفيش حَد جوّه، والدكتور استقبِلها بطريقة كويّسة، ولمّا دَخَلِت قفَلِت الباب وراها، واللمبة الحَمرا نورها اشتَغل تاني، على فكرة ممنوع أي حد يدخل على مريض نَفسي بيتعالِج، واللمبة الحَمرا دي معناها إن فيه مريض جوّه، لكن تعالوا أقولّكم سِر..
دكتور “سيف” من فَترة والدِته توَفَّت، الحكاية دي أثَّرت عليه نفسيًّا جدًّا؛ لدرجة إنه كان بيسيب شقّته، وبيروح يزور قَبرها في نُص الليل، وفي ليلة، وَقَع في المقابِر، واللي اكتِشف دَه غفير المَقابِر وهو بيمُر بالليل، ولمّا لَقى إنه لسّه عايش بلّغ الشرطة والإسعاف، فِضِل فَترة طويلة بَعد الحكاية دي في المُستشفى، وبعدها خَرَج، بَس بيقولوا إنه بقى مَمسوس؛ لدرجة إنه بقى يشوف الأموات، وبيتكلّم معاهم!
عاوزة أقولّكم بَرضُه إني بقيت أراقبُه مِن بعيد لبعيد، أصل أنا قبل ما يِحصَل معاه الموضوع دَه كُنت مُعجبة بيه، لكن خوفت مِنّه بَعد اللي حَصَل؛ عَشَان كِدَه ماصارحتوش بِحاجة، بَس مِخلّيَة عيني عليه، يعني هو دِلوقت واقِف في شارِع صغّير في المقابِر، عَند آخر 5 قبور في الشّارع، كان باين عليه إنه في دنيا تانية، وبَعد ما مِشي دَخلت الشارع أشوف إيه القَبر دَه؛ لأني عارفة إن مُش دَه المكان اللي والدته مدفونة فيه، لكن لقيته واقِف قدّام قَبر مكتوب عليه “مُعتَصِم الخّيَّاط”!
***
تمّت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط