
قصة قصر الفزع
١في نفس المكان، وبعد مدة ما بين الحادثة والتانية، بنسمع صوت صرخة فزع من جوة القصر، وتاني يوم الصبح كل حاجة بترجع طبيعية، والشخص اللي دخل، عمره ما طلع، يمكن كل ده بسبب لعنة وصابت القصر، أو حد مات وروحه لسه هناك، ماحدش فاهم حاجة، ولا عايز يعرف ايه اللي بيجرى جوة، عشان الأكيد إنه مش خير، ولو خير.. فكان حد من اللي دخلوا طلع يحكيلنا ايه اللي موجود جوة، لكن اللي نعرفه إن في كنز متشال في مكان مستخبي جوة القصر، واللي هيلاقي الكنز ده هيعيش ملك، وهيقدر يستولى على سلطة ماكنش يحلم بيها في يوم من الأيام، لكن خلاص.. مابقاش فيه اللي بيفكر يخش القصر، والكل خايف من مصيره اللي مستنيه جوة، وهو الموت… مافيش بديل عنه.
******
مراتي وبنتي ماتوا من سنة، ومن ساعتها حياتي اتشقلبت، وسيبت سواقة التوكتوك اللي اشتغلتها عشان أعيّش مراتي وبنتي في الحلال، ودلوقتي بقيت عايش على اللي معايا من كل سرقة قديمة مراتي رفضت تصرف منها، وبصراحة أكل الحرام احلى، وحياتي طول السنة كانت نعيم، من غير زن الولية، ولا طلبات سندس بنتي، هتقولي ماعندكش قلب.. هقولك الغلابة كتير، لغاية ما جه اليوم اللي الفلوس خلصت فيه… يوم كنت مستنيه من أول جنية اتصرف، والمفروض دلوقتي أشوف حته ألقّط فيها رزقي، بس المرادي مش بالحلال، ما اللي يجرب الحرام، مايشبعش منه، ويعوز الزيادة، والبداية كانت مع قصر الفزع.. القصر اتشهر بالاسم ده نتيجة اللي بيحصل جوةه، كل اللي بيدخله مابيخرجش منه، وطول الليل بنسمع صريخ شخص بيتعذب جوة القصر، وتاني يوم الصبح كل حاجة بترجع طبيعية، وعشان كدة ماحدش جرب يدور على الناس اللي دخلته وماطلعتش، إلا لو كان الكنز أغراله عينيه، وقرر يخوض التجربة مرة جوة القصر عشان يلاقي الكنز.. الكنز المدفون من سنين، بس ماحدش يعرفله طريق، بالذات إن شكل القصر ثمين، بيدل على الغنايم اللي جوة، قررت أبقى أنا أول شخص يلاقي الكنز ده، وينسى الخرافات اللي بتتقال عنه، عشان تمنع الناس من سرقته، وده اللي كان في مخيلتي بمجرد ما سمعت عن أساطير القصر، والقصص المرعبة اللي حصلت جوةه، خدت شنطتين كبار من بتوع أيام الشقاوة وطلعت على القصر، وفي عز الليل وصلت ودخلت من البوابة الخلفية، الجنينة هناك كانت مليانة زرع بينبت لوحده، وده كان بيضايقني في الحركة جوة الجنينة لغاية ما وصلت لباب القصر الفخم، وبداية القصيدة كانت دهب.. دهب لاقيته في أوكرة الباب، ففكيتها وحطيتها في شنطة الغنايم، ودخلت القصر وأنا بقول:
– بسم الله.
حرامي بجح أنا عارف، المهم.. لما دخلت لقيت نفسي قدام مكان واسع، أكبر بكتير من تخيلاتي، عشان القصر من برا مايوضحش الحجم اللي أنا شايفه قدامي بسبب الزرع، بدأت أدور على اللي كنت جاي عشانه من البداية، وهو الكنز المدفون جوة القصر، كنز شريف باشا، راجل كان بيهتم بالأنتيكات والحاجات الثمينة، وفعلًا مع كل خطوة كنت بلاقي حاجة ثمينة قدامي، فكنت بحطها في الشنطة وبكمل طريقي، والشنط كانت اتملت قبل ما أوصل للكنز اللي بيتكلموا عنه، ووانا بلم الغنايم دي ماحصلش أي حاجة، حتى قلبي ماتقبضش من الضلمة اللي أنا ماشي وسطيها، فقررت أكتفي باللي جمعته النهاردة، وبكرة ابقى أرجع أدور على الباقي، لفيت وشي عشان ارجع بس لاقيت نفسي واقف قدام مرايا، كان باين فيها انعكاسي على الرغم من إن القصر كله مظلم!.. إلا الحتة اللي فيها المرايا، كانت منورة وباين فيها انعكاسي كويس جدا، ركزت معاها، وساعتها شوفت بنت واقفة فيها، من الخضة رجعت خطوتين لورا واتكعبلت من الشنط اللي أنا شايلها، فحاولت أقوم أجري بس ماقدرتش، جسمي كله كان متسمر في الأرض، وبشكل لا إرادي كنت باصص للمرايا ومركز مع البنت، ولأول مرة البنت اتكلمت وقالت:
– ليه كده يا بابا؟
قالت جملتها دي وبعدها ظهر حد نايم على كتفي جوة المرايا، الشخص ده كانت روحية مراتي، لفيت رقبتي وبصيت بطرف عيني على كتفي عشان أشوفها موجودة فعلًا ولا لأ؟.. لكن فجـأة جسمي كله بدأ يرتخي، وأعصابي سابت وماحستش بأي حاجة بعدها.
لما صحيت لقتني نايم على سرير نضيف، وسمعت صوت واحدة بتفوق فيا…
– مصطفى باشا.. قوم يا باشا.. في مصيبة بتحصل في القصر.
فوقت على الصوت وأنا مش فاهم حاجة، وجسمي كله مكسر، كإن مقطورة مشيت عليه، فتحت عيني ببطء وساعتها شوفت واحدة واقفة قدامي ولابسة لبس خدم وهي اللي كانت بتكلمني، قومت مخضوض وانا بتفلت حواليا، لاقيت نفسي في مكان فخم، نايم على سرير من الريش، ولابس لبس كله معمول من الحرير، ماكنتش مستوعب اللي بيحصل، انا فين؟.. وقبل ما اوصل لإجابة قاطعتني الخدامة بصوت مهزوز:
– مصطفى باشا، احنا في مصيبة، في جريمة قتل حصلت في القصر.
ماركزتش إن اسمي مصطفى مش مرزوق، ولا ركزت على المكان الغريب اللي أنا فيه، لكن اللي لفت انتباهي جريمة القتل اللي بتتكلم عنها، قومت من على السرير ونزلت تحت، كنت لسه جوة القصر، لكنه مختلف، وفي إضاءة في كل حتة، وناس موجودة في المكان، والأهم من كل اللي قولته نضافة القصر، أكنه لسه جديد، وطبيعي يبقى كدة، لأني في زمن تاني، ومتقمص شخصية شخص تاني ماعرفوش، الأقرب إنه مالك القصر، واللي أكدلي ده لبس الخدم، ولبس الراجل اللي رحب بيا أول ما شافني وقالي:
– مصطفى باشا، احنا لاقينا ورقة من ورق القصر محطوطة على جبين سماح الخدامة وهي مقتولة، أو مدبوحة عشان أكون دقيق.
بعد ما خلص عمر المساعد بتاعي كلامه خدت منه الورقة، واللي كان مكتوب فيها إن دي مُجرد البداية، وفي كل ليلة جديدة، هنّلاقي ضحية جديدة في القصر، وطبعا الرسالة دي خلت كل الخدم مرعوبين، وخايفين من مصيرهم، لأن بعد ساعات من دلوقتي هيبقى في ضحية جديدة، وعشان كدة الخدم قرروا الهروب من القصر، لكني وقفتهم وطلبت من عمر يتأكد من وجود كل واحد منهم في القصر الليلة دي، والمشكلة هتتحل في أسرع وقت، على الرغم إني مش فاهم حاجة، ومش عارف ايه اللي جابني هنا؟.. لكن طالما بقيت باشا بقى، فلازم اتقمص الدور صح، ولما خلصنا التجمع كل واحد رجع مكانه، وأنا طلعت أوضتي، أول ما دخلت لقيت ورقة مرمية على السرير، قربت منها ومسكتها، كانت من نفس نوع الورقة اللي لقناها على جبين سميحة، يعني من ورق القصر، فتحتها عشان أشوف فيها ايه، كان مكتوب فيها تهديد صريح من القاتل، إن قدامي 3 ضحايا في القصر، ولو ماقدرتش أوصله، هيبقى الدور عليا أنا، وهـ اتقتل بنفس الطريقة، وفي أخر الرسالة كان مكتوب أغرب حاجة خليتني أترعب وأخاف من اللي بيحصل، وهي إن القاتل هيقتلني في مكان محدد “قدام المرايا” المرايا اللي ابتدت من عندها كل حاجة، ماكنش قدامي وقت طويل خصوصًا إني مش عارف هيقتل مين ولا امتى، عشان كدة بدأت رحلتي في البحث عن القاتل، لاحظت إن في درج من الإدراج مفتوح على أخره، على الرغم إنه كان مقفول بقفل، واللي كان موجود جوة يبقى ورق القصر المختوم بإسمي، معنى كدة إن القاتل ده يقدر يوصل لأوضتي.. ياترى مين الي يقدر يوصل لأوضة بتاعتي؟.. ومن هنا نزلت لـ عمر وقولتله على اللي حصل، بعدها سألته:
– تفتكر مين اللي ممكن يكون دخهل أوضتي ووصل للورق المختوم.
سرح ثواني قبل ما يرد عليا:
– كل اللي بيدخلوا أوضتك يا باشا ناس محددة من الخدم، وبيبقوا تحت اشرافي، لكن في واحدة من الخدم اسمها سهير شغالة في المطبخ، بيقولوا انها تعرف حاجة عن القاتل، وكانت عايزة تقابلك عشان تبلغك بكل اللي تعرفه.
– روح قابلها انت واعرف منها اللي عايزة تقوله.
– مش هتسمع حد غيرك يا باشا، هي خايفة تتكلم مع أي حد.
– والمطلوب؟
– تقابلها انت يا باشا.. وهي هتقولك على كل حاجة.
كنت لابس روب وعشان كدة طلعت أوضتي أغير لبسي، بس وقبل ما أفتح الدولاب حسيت بحاجة جنبي، ماهتمتش وفتحت الدرفة، لكن الغريبة إنها اتقفلت لوحدها وكإن حد شدها وقفلها من جوة الدولاب، الموضوع كان غريب لإن حتى الهوا في الأوضة ماكنش مؤثر للدرجة دي، فتحت الدرفة تاني وثبتها كويس، بس برضه اتقفلت بنفس الطريقة، رجعت خطوتين لورا، واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، بعدها ناديت على عمر يجي يشوف اللي بيحصل، لكن عمر ماكنش بيرد، وحسيت الأوضة بدأت تسخن، وجسمي بيجيب عرق بشكل مش طبيعي، وفجأة شوفت ناحية الباب حاجة بدأت تتشكل قدامي، وسمعت صوت بيقول:
– مش هيرد عليك، وماحدش هيسمعك غير لما أنا أدي أمر بكده.
الصوت ده ماكنش غريب عليا، وعمري ما هنساه، عشان ده يبقى صوت روحية مراتي، بصيت ناحية الباب لاقيتها واقفه قدامي، ولابسه الجلابية اللبني واللي بالمناسبة ماعندهاش غيرها، كنت اشتريتهالها قبل ما تموت بفترة.. بس ثانية واحدة.. هي ازاي أصلا واقفة قدامي دلوقتي؟!.. قبل ما ادور على إجابة في عقلي لقيتها هي اللي بتجاوبني وبتقول:
– ماتحاولش تفهم.. عشان انت عمرك ما كنت بتفهم يامرزوق.
– لسه زي ما انتِ لسانك طويل حتى بعد ما موتتي.. انتِ جاية ليه؟.. وعايزة مني ايه؟
– جاية اشوفك وصلت لفين بعد ما سيبتك؟
– وشوفتي وصلت لفين؟.. مش هو ده الحلال اللي انتِ عايزاني اعيش فيه؟.. اديني مش لاقي أكل.
– انت مش لاقي تاكل عشان السهرات اللي بتسهرها انت وصحابك الصيع ومخلص عليها كل فلوسك.. مش عشان الحلال مش بيكفي.
– حاولت أبطل وماقدرتش، اعمل ايه يعني؟!.
– عمرك ما هتتغير يا مرزوق.. عمرك ما هتتغير.. عامة انا جاية أقولك إنك مش هتعرف القاتل، لو كان الموضوع سهل زي ما عمر وضحلك، فأنت مافهمتش الرسالة كويس، القاتل قريب منك، والقتيل الرابع هيبقى أنت، يعني مافيش مفر.. مع إن الحل سهل وقدام عينيك.
– قاتل ايه؟.. وحل ايه؟.. أنا جيت عشان حاجة محددة، بس مش عارف ايه اللي بيحصل ولا الناس دي ظهرولي ليه؟.
– قصدك انك كنت جاي تسرق زي عادتك، ما انت طول عمرك حرامي، وعمرك ماهتتغير، وأخر حاجة بقيت قاتل، قتلت بنتك قبل ما تقتلني، فاكر سندس؟.. فاكرها ولا لأ؟
في اللحظة دي شوفت سندس واقفة جنبها، لابسة فستان أبيض ماليان دم، وبتبصلي بنظرة كلها غضب، أكنها عايزة تقتلني وتنتقم من ماضي أليم عاشت فيه… وسمعت روية بتقول بنبرة فيها سخرية:
– مش دلوقتي يا مرزوق، ماتخافش دورك لسه ماجاش.
بعدها اختفت، وسمعت عمر بيخبط على باب الأوضة قبل ما يفتحه ويدخل…
– انت كل ده لسه ماغيرتش يا باشا؟
– ومش هغير، وديني لسهير دلوقتي، الموضوع ده لازم يخلص النهاردة قبل بكرة.
– أوامرك يا مصطفى باشا.
نزلت أنا وعمر للمطبخ، وهو استناني برا، ولما دخلت لاقيت سهير حاطه راسها على الطرابيزة بتاعة المطبخ، وماسكه في ايديها الطماطم، من غير ولا حركة، أكنها نامت وهي بتعمل في الأكل، فاتعصبت عليها وعلى التصرف:
– انتي ازاي نايمة وقت الشغل؟.. احنا مش مانعين حاجة زي كدة في القصر؟
على الرغم من صوتي العالي، لكن سهير بردو مافقتش من الغيبوبة اللي كانت فيها، فقربت منها عشان أفوقها، لأن أنا اللي محتاجها دلوقتي مش حد غيري، فلما قربت لاقيت حاجة لزجة على الأرض، وريحه مش غريبة فاحت جنبي، الريحة دي كانت ريحة الدم، والدم كان بيسيل من سهير، فعدلت راسها لاقيتها مقتولة بنفس الطريقة اللي اتقتلت بيها الخدامة الأولى في القصر، فبلعت ريقي وأنا خايف، وحاسس إن يومي قرب، وفي اللحظة دي ظهرت بنفس الهيئة المرعبة، وكانت واقفة قصادي وهي مبتسمة ابتسامة نصر، وبصالي بنظرة ثقة، صفات ماكنتش موجودة في روحية الإنسانة، اللي كانت بتقول حاضر ونعم، ودلوقتي بقت موجودة في روح شريرة واقفة قصادي، واخدة هيئة روحية مراتي:
– الروح الشريرة دي اتكونت من ظُلمك وقهرك ليا، طول السنين بقول حاضر ونعم عشان انت كنت اختياري، اختياري اللي قتل بنتي قبل ما يقتلني، لكن دلوقتي وقت الإنتقام، وزي ماقولتلك القانل قريب منك يا مرزوق، لكنك عمرك ما هتوصله، تعرف ليه؟… عشان عينك عليها غطى عمره ما هيتشال، غير على موتك يابن فتحية.
مانكرش إني كنت خايف ومرعوب، لكني ضحكت من طريقتها، وسقفت على كلامها الجريء، ومن الواضح إن الطريقة دي ماعجبتهاش، فقربت مني أكتر من أي وقت تاني، وهمست في ودني بصوت واطي:
– ابتسامتك بتدل على خوفك يا مرزوق، خوفك المدفون جوةك السنين دي، وأنا اللي كنت دفناه بإيدي بسبب رعبي منك، ودلوقتي جه الوقت اللي هنتقم فيه.
– مش هتقدري، عمرك ما هتقدري يا روحية، حتى وانتي روح هتفضلي زي مانتي، بتقولي حاضر ونعم عشان خايفة مني، وعمر الموضوع ما هيتقلب، فمتحاوليش.
روحية رجعت خطوتين لورا، وظهر جنبها سندس بنتي، وأخر حاجة قالتها:
– بس سندس هتقدر، واللي عملته فيها عمره ما هيتدفن مع جثتها.
في لحظة ما شوفت بنتي قدام عيني الأدرينالين في جسمي زاد….
تتبع
قصر الفزع
٢
في لحظة ما شوفت بنتي قدام عيني الأدرينالين في جسمي زاد، وافتكرت اللي حصل في الماضي، واللي نتج عنه حاضر أليم أنا عايش فيه دلوقتي، لكني مالحقتش أتكلم وهما اختفوا من قدامي، و عمر دخل عليا المطبخ لقاني واقف جنب جثة سهير، فاتخض من المنظر، وتهته في الكلام وهو بيقول:
– انت قتلتها يا باشا.
رديت عليه بمشاعر جامدة، ووش حزين من اللي شافه…
– أنا دخلت لاقيتها كدة، القاتل هو اللي ارتكب جريمته، ودلوقتي أنا دوري بيقرب، وماقدرتس ألاقي القاتل، بس اكرام الميت دفنه، عايزك تاخد الجثة من غير شوشرة وتدفنها، وماحدش من الخدم يعرف اللي حصل في المطبخ، عشان مايحصلش شوشرة لغاية ما نلاقي القاتل.
نظرات عمر كانت غريبة، لكنه نفذ كل اللي قولته بالحرف، ونص ساعة والجثة كانت اختفت، والخدم لما سألوا على سهير، أنكرنا إننا نعرف مكانها، وهددنا إن اللي هيهرب هيتقتل زيها بالضبط لما نلاقيها، وبعد ما الكل صدق، وعاش في رعب طول الليل، لاقيت تاني يوم الصبح عمر بيصحيني، وبيقولي إن القصر كله عرف بمقتل سهير، عن طريق ورقة متعلقة ، والمجرم هو اللي سابها، عشان يقدر يزعزع استقرار القصر، ويقدر يعمل اللي هو عايزه في الوقت ده، فماكنش قدامي غير إني أجمع الخيوط، وأشوف العامل المشترك بين كل اللي بيحصل حواليا، والوحيد اللي بينطبق عليه الشروط والمقدّرة اللي تخليه يبقى القاتل، فماكنش قدامي غير شخص، وهو عمر، الوحيد اللي يقدر يدخل أوضتي من غير إذني، والوحيد بردو اللي يقدر يكتب رسايل زي دي بورقي.. ورق القصر، ووسط ده كله هو اللي يقدر يرتكب جريمة بالاحترافية دي، وبالتسلسل المرعب اللي بشوفوا، فقررت أستدعي حد من حرس القصر، عشان أخده معايا لأوضة علي، وأقدر أتهمه بكل ده من غير ما أديه أي فرصة تانية للإنكار، وده اللي حصل، ولما وصلت الأوضة مع الحارس، لاقيت الباب موارب، و دم كتير جاي من تحت العتبة، فزقيت الباب بإيدي، ولاقيت علي نايم قصادي على المكتب، ودم كتير سايل على الأرض، في الأول ناديت عليه لكنه ماردش، فقربت منه رفعت راسه من على المكتب لاقيته ميت بنفس الطريقة، فكل المخطط اللي كان في دماغي اتدمر بمجرد ما اتأكدت إن علي مش القاتل، والقاتل لسه صريح جوة القصر، وفي وسط مانا مصدوم من اللي بيحصل، وخايف من الجريمة الجاية، لاقيت ورقة تحت راس علي، كانت متلطخة بالدم، ففتحتها قريت اللي فيها، وكان مضمونها إن الرسالة وصلت، ومش هقدر ألاقي القاتل، على الرغم إنه قريب مني، حتى في اللحظة دي، فمن غير ما أفكر، خدت البندقية من الحارس وقتلته، وصرخت زي المجنون نتيجة انتصاري بقتل الحارس، لغاية ما لاقيت الخدم كلهم قدامي، فقولتلهم إني خلاص حليت اللغز، والقصر بأمان، وطلبت من باقي الحرس ينضفوا الأوضة وكل حاجة ترجع طبيعية، ولما خلصوا طلعت أوضتي، وكنت حاسس بهذيان وجسمي كله سايب، ففضلت أقلع كل حاجة لابسها، ودخلت الحمام نزلت راسي تحت الحنفية، ولما خلصت بصيت في المرايا لاقيت واحد مختلف واقف قصادي، ماكنش مصطفى باشا، كان مرزوق الحرامي وسواق التوكتوك، واقف قصادي ومُبتسم ابتسامة نصر مهووسة، أكنه عارف حاجة مصطفى باشا مش عارفها، وفعلا مرزوق نطق في المرايا، وطلب مني أخرج برا، وهلاقي اسم القاتل مكتوب في ورقة عند المرايا في الأوضة، فطلعت من الحمام وأنا مصدع، جسمي كله سايب، وبتطوح يمين وشمال من التعب، فلما وصلت عند المرايا لاقيت ورقة مفتوحة، ولسه كنت هحط ايدي عليها أخدها، غير ولاقيت ايد سخنة مسكت ايدي وشلت حركتها، وماكنتش قادر احركها، لدرجة إن أعصابي عملت زي المسامير في دراعي، فبطرف عيني بصيت على الشخص اللي ماسك دراعي، وبصدمة قول:
– روحية؟
ردت عليا وهي بتضغط بشدة أكبر على دراعي:
– شايف الألم اللي أنت حاسس بي دلوقتي، مايبقاش حاجة قصاد الألم اللي حسينا بيه معاك أنا وبنتك سندس، واللي أنتهى بجثتنا جوة تربة.
خلصت كلامها وسابت ايدي، فمن الألم نزلت على ركبي وأنا باصصلها لفوق وبطلب منها الرحمة، لكنها فتشت في القديم، وفكرتني بالماضي، واللي حصل قبل موتها، والسبب اللي وصلنا للحظة زي دي:
– فاكر لما كنت بتيجي كل ليلة تسيبلنا شوية ملاليم يدوبك ناكل بيهم عيش حاف، وأنت تبقى صارف الباقي في قعدتك مع شوية المدمنين بتوعك، ولما كانت الفلوس تخلص منك تقول صرفتها على تصليح التوكتوك… وفي الأخر ماكنش بيجي على لسانك غير إنك توبت عشاني، وعشان تعيشني في الحلال… مش هنسى جملتك اللي ماكنتش بتقول غيرها وقت خناقنا “هي دي الفلوس الحلال” وهي الفلوس الحلال بتبقى يومية تعدي ال 300 جنية، وترميلي منهم 100 وساعات أقل؟ هو ربنا بيقولك خلي بالك من مراتك عشان تعمل فيها كدة؟
رديت عليها وأنا حاسس بالندم:
– حاولت أبطل ماقدرتش، مش كل حاجة سهل نبطلها مع بعض، السرقة ماكنتش ادمان زي المخدرات، وعشانك بطلتها، لكن المخدرات قدامي طول اليوم، وبتجري في عروقي.
– دايما عايش دور الضحية، وأنت أكتر شخص مؤذي شوفته، قتلت بنتك قبل ما تقتلني وشوفتها قدامك بتموت وكل اللي عملته ايه؟.. قعدت بتعيط!.. تعرف كل ده ليه، عشان أنت عمرك ما كنت أب، أنت شوفتهم طول حياتك بيتجوزا ويعيشوا، فقولت تعيش زيهم.
– حاولت ماقدرتش، كانت بتجري في دمي وماكنتش قادر أبطلها.
بدأت تعلي صوتها عليا وقالت:
– ولما كنت عايزة دكتور وبموت قدامك، ماحاولتش حتى تتصرف في فلوس، ورجعت تعمل اللي عيشت عليه سنين، وقولتلي يا تاخدي من الفلوس المسروقة، يا تموتي، اختيار عمره ما كان عادل بالمرة.
سندت على دراعي الشمال، وقومت من على الأرض، ووقفت قصادها وأنا مش خايف، ولأول مرة قدرت أواجها فيها وقولت:
– وبسببك البنت ماتت، بعد اللي عملتي عشان تترحمي من ألم السرطان.
بإيديها وحاولت تخنقني، وقالت بعصبية:
– ماكنش قدامي غير اختيار واحد، وهو الموت.. أحسن مليون مرة من اني اعيش بفلوس حرام بتجري في دمي، ولو أنت رضيتها على نفسك، أنا عمري ما كنت هرضى بيها، وفي ليلة الألم اشتد عليا فيها، علقت حبل، وشنقت نفسي بإيدي، وهنا كانت غلطتك لما شوفتني متعلقة وسبت الباب مفتوح وهربت، ومن ساعتها وأنت عايش في صدمة موتي، وبدل ما تنقذ بنتك من الصدمة الكبيرة اللي هي دخلت فيها بعد ما لاقتني مشنوقة… سيبتها لوحدها تكلم نفسها كل ليلة لغاية ما اتخذت قرارها، وعملت نفس اللي عملته بالضبط، تحت نفس السقف، وفي نفس الأوضة، وكل اللي عملته انك دفنتها وبكيت جنبها، ورجعت تصرف من فلوسك الحرام تاني أكنك كنت مستني اللحظة المناسبة، بس خلاص.. الحق هيرجع، والليلة هي ليلتك الأخيرة، هتموت يا مرزوق زي ما قتلت بنتك.
في اللحظة دي كل حاجة رجعت لطبيعتها، والأوضة رجعت بنفس درجة الحرارة، لكن اللي مارجعش لطبيعته هو قلبي من ساعة موت روحية، وحته من قلبي ماتت، لغاية ما موت بنتي خلص عليه خالص، وبقيت شبح عايش على الأرض، ومهما عملت، ماقدرتش أرجع مرزوق بتاع زمان، لكن خلاص معادي جه، فنزلت جري من القصر، وقررت أهرب، وقبل ما أوصل للباب لاقيت واحدة من الخدم واقفة في نص القصر، وماسكة سكينة في ايديها الشمال، وورقة تانية في الايد اليمين… شعرها نازل على عنيها، مش باين منها غير عين واحدة مليانة شر، فبخطوات بطيئة لفيت حواليها ناحية باب القصر اللي كان على مرمى البصر، لكن خطتي كانت أسخف من إنها تنجح، وبزاوية خمسة واربعين درجة الخدامة لفتلي، وعينها كانت في عيني، وبدأت تتكلم وتقول:
– هقتلك، أنت السبب في كل شر، ولو ماقتلتكش، هيبقى الدور عليا أنا، لكن الذنب مش ذنبي.. الذنب يبقى ذنبك، ودي تبقى حساباتك مع قاتل مجهول.
مديت دراعي عشان احافظ على مساحة كافية بنا، ورجعت خطوة لورا، ورديت عليها وأنا ببلع ريقي:
– اهدي بس كدة، وابلعي ريقك، أنا مرزوق السواق، مش مصطفى باشا، التار ده بتاعه هو، لكن أنا راجل غلبان، مافهمش في اللي بيحصل ده، ونمت صحيت لاقيت نفسي نايم على سرير ريش نعام، ولما فوقت لاقيت قاتل بيجرى ورا واحد ماعرفوش.
بالسكينة اللي في ايدها وعدلت شعرها، وعنيها الاتنين كانوا مراقبني، بعدها أخدت خطوتين قدام، ومدت ايدها اليمين وقالت:
– خد.. اقرأ
خدت الورقة منها وأنا بترعش، ومراقبها بطرف عيني عشان لو حصل منها أي حركة غدر، لكنها ماستنتش أفتح الورقة وكملت كلام:
– القاتل عارفك كويس، وعارف مين مرزوق السيد حربي، ابن سكينة بخيت، والكل عارف اللعنة، والحدوته خلاص، انتهت.. يا تموت أنت في قصتك، يا أموت أنا في قصتي، والنهاية دايماً واحدة، احنا المنتصربن، واللي بيدخل القصر عشان كنز مصطفى باشا مابيطلعش سالم، حتى بص على المرايا اللي ورايا.
رفعت عيني ناحية المرايا لاقيت روحية واقفة ومبتسمة، وسمعت صوت بيهمس في ودين:
– مش قولتلك هتموت.
في اللحظة دي وبحركة غدر الخدامة قربت السكينة من رقابتي، وكانت خلاص هتنحرني، لكني قدرت امسك السكينة، فغرزت في ايدي ونزلت دم كتير، لكني اتحملت الألم ونحرت الخدامة بدم بارد، لغاية ما بقت فريسة قدامي بتلقط أنفاسها الأخيرة، ودمعتها الأخيرة بتنزل من عينها، وقبل ما دمعتها تلمس الأرض بصيت على المرايا، وشوفت روحية لسه واقفة، وملامح الغضب باينة عليها، ومرة تاني سمعت همسات في ودني بتقول:
– القاتل كان قريب منك أوي، عشان طول الوقت أنت القاتل يا مرزوق، من ساعة ما قتلت بنتك، لغاية الخدامة الغلبانة اللي كانت بتدافع عن روحها، وعايزة تقتلك في سبيل انها تعيش، لكنك قتلتها واتغلبت عليها بموهبتك في القتل، زيها زي موهبتك في خداع القصر كله إنك ضحية، وفي الحقيقة هما ضحايا تحت ايدك أنت وبس، عشان كدة أنت لازم تموت.. لازم تموت يا بن سكينة.
الغضب امتلكني، وعروق جسمي كانت هتنفجر من ضغط الدم:
– القاتل الوحيد بنا هو أنتي يا روحية، أنتي اللي قتلتي بنتنا لما انتحرتي، ومافكرتيش تهربي أو تروحي أي حته تاني، كل ده لأنك جبانة، وهتفضلي جبانة، اخترتي الحل الأسهل وهو الموت بدل من المواجهة، عشان كدة لازم تموتي للمرة التانية.
في اللحظة دي بصيت يميني مكان ما روحية واقفة في المرايا، لكنها ماكنتش موجودة، فرجعت بصيت في المرايا تاني ولاقيتها موجودة:
– أنا في عقلك يا مرزوق، وهفضل موجودة هناك، لغاية ما يجي اليوم اللي أشوفك فيه ميت قدامي، ومش أنا بس اللي مستنياها، بنتك كمان مستنيه اللحظة دي، فاكرها سندس يا مرزوق؟
ومع نطق روحية أسم سندس، لاقيتها هي كمان ظهرت قدامي، كانت لابسه فستانها الأبيض اللي جبتهولها هدية بعد محايلة من روحية، لكن المرادي ملامح سندس البريئة اتحولت لملامح قاسية، وبصوتها الناعيم الصغير طلبت مني الموت، ومع كل كلمة منها كان عصب في جسمي بيتمسمر، لغاية ما وقعت على الأرض، وبصيت جنبي لاقيتني لوحدي، فمسكت السكينة راميتها على المرايا على أمل إن كل ده ينتهي، لكن كسرها ماكنش الحل، لأن الألم اشتد أكتر من أي وقت تاني، لغاية ما المسامير اتجمعت كلها في الرئة عندي، وقلبي مابقاش بينبض، والرؤيا قدامي بقت سودة على الرغم إني كنت حاسس بروحي، وفعلا وسط الظلمة جه النور على هيئة أمي سكينة، وطلبت مني أفوق من اللي أنا فيه، ولما فوقت لاقيتني نايم على الأرض قصاد المرايا، وفي ايدي سكينة ماعليهاش ولا نقطة دم، والمرايا كانت مكسورة وعليها شبكة عنكبوت، وكل حاجة في القصر رجعت قديمة زي ماهي، فقومت من مكاني وهربت، ورجعت بيتي مرة تاني، وعدي أسبوع على الحادث وأنا ماعرفش ايه اللي جرى لده كله، هل كل ده كان حقيقي، ولا مُجرد تخيل أنا عيشت فيه، أو كابوس حلمت بيه طول الليل في القصر، لكن اللي أنا متأكد منه إني لازم أتغير، ورجعت أزور روحية و سندس في قبرهم، وبعدت عن الحرام، حتى لو كان في وسيلة إني أرجعله مرة تاني.
تمت.