قصص

قصه ضحايا المهرجين

“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
أنا مبركزش في التفاصيل، مش كلها… بركز بس على التفاصيل اللي تخدم قضيتي، التفاصيل اللي تخليني أكسب القضية وأخرج الموكل بتاعي زي الشعرة مالعجينة. فيما يتعلق بموكلي لازم أعرف كل حاجة، حتى أكلته المفضلة واصحابه القريبين واللي بتجمعهم علاقة سطحية مبنية على النفاق والمصلحة، أما التفاصيل اللي متهمنيش هي إذا كان الموكل ارتكب الجريمة اللي متهم بيها ولا بريء وملوش علاقة بالقضية، الخلاصة إني لازم أثبت إنه بريء، أكون مقنعة حتى لو مش مقتنعة، في وقت المرافعة اتقمص الدور وأصدق نفسي، أصدق إنه بريء، وأول ما أخرج من ساحة المحكمة أخلع عباية القصة كلها بما فيها من تفاصيل عشان أستعد للقصة اللي بعدها، اللي جوانب منها هتكون حقيقية وجوانب هفصلها لصالح الموكل اللي عليه الدور….
أنا مكنش عندي حاجة أعتذر عشانها، لو مكنتش عملت كده، لو مكنتش برمجت نفسي على كده كنت هفشل، دي كانت قناعاتي…. لكن القناعات بتتغير لما الثوابت تتهز، ف حالتي العالم بتاعي كله اتهز، في زلزال قام وشال كل حاجة من مكانها، وأنا بقيت إنسانة تانية، إنسانة مختلف تمامًا…
القصة اللي غيرت مجرى حياتي وحياة كل اللي كانوا طرف فيها بتبدأ بوصول مديرة محل ملابس رياضية لموقع المحل في مصر الجديدة، لعتبة الباب الأمامي. المديرة مكنش ليها روتين معين، يعني مكانتش بتروح ف معاد معين كل يوم، مش منتظمة في زياراتها ومتابعتها للمحل..
هي قررت يومها تروح المحل بدري قبل معاد وصول الموظفات اللي ماسكين الشيفت الصباحي…
وصلت على 9 إلا 10 دقايق، واللي خلاها تقف ورجليها تتسمر ومتدخلش هو إن الباب كان مردود، الباب متقفلش من اليوم اللي قبله!
في نفس الوقت ده كان في زحمة ف محل تاني جنبها، محل لبيع الموبايلات، الزحمة سببها إن المحل أعلن على موقعه الإلكتروني وصفحاته على السوشيال ميديا إن في إصدار لنوع معين من الموبايلات هينزل يومها وإن في عرض خاص لأول 30 شخص هيوصلوا المحل..
ده كان منظر غريب ومش معتاد، الزحمة اللي عالصبح، الناس كانت سايبة أشغالها ومصالحها وجايه تلحق عرض الموبايل….
من ضمن الطابور شاب لمح ست كبيرة بترجع بضهرها ببطء وهي متنحة في باب المحل قدامها، حس إن في حاجة غلط، إن الست دي محتاجة مساعدة…
في النهاية قرر يخرج من الصف ويروحلها ووصى صاحبه اللي معاه يحجزله مكانه، وقال له إنه هيرجع علطول…
مشي لحد الست.. هي اتنفضت لما حست بحركته عشان من الأول متوترة، سألها إذا كانت محتاجة مساعدة. ردت عليه:
-في حاجة غلط، باب المحل مفتوح، مهو يأما اللي ماسكين الشيفت بتاع بليل سابوا الباب مفتوح ودي غلطة شنيعة ومش هتعدي بسلام لإن ده معناه أي حد معدي ممكن يدخل بسهولة وياخد اللي عايزه من بضاعة وفلوس ودي عمرها ما حصلت، يأما الباب اتفتح بفعل فاعل…
-طيب ما تيجي ندخل نبص بنفسنا؟
-أيوه ما هو لو حد فتح الباب ممكن….
طمنها إن لو ده حصل لا سمح الله مش ممكن يعني المقتحم يبقى لسه قاعد جوه ومستني اللي يدخل عليه ويقفشه، أكيد عمل عملته ومشي ف وقت ما بين بليل متأخر والفجر، ده لو على فرض إن في سرقة، وممكن اصلًا تكون فعلًا غلطة من حد من الموظفين وإنه في كل الأحوال هيفضل معاها ومش هيسيبها…
الباب مكنش مكسور أو باين فيه أي خدوش، يعني اتفتح بشكل طبيعي..
الشاب مشي ببطء وحذر ومن وراه المديرة، برضه مكنش في أي أثر لاقتحام أو سرقة، الهدوم متعلقة ف أماكنها عالشماعات أو متطبقة في الرفوف، مفيش حاجة ناقصة…
بس ده اتغير لما غوطوا أكتر، بدأت تظهر حاجات….
هدوم مرمية عالأرض، عدد، زي مفاتيح إنجليزي ودباسة ومكياج ومروحة وعلب وشواحن وكتب ولوحة مفاتبح بتاعة كمبيوتر واسلاك وإزاز مكسر وشنطة إيد وبكرة مناديل، فوضى غريبة!
وكل مدى الفوضى بتكتر، في رفوف خشب كاملة كانت مكسرة وشماعات منتورة هنا وهناك وفي حاجة تانية بدأت تظهر، نقط دم!
في البداية النقط كانت على بعد مسافات من بعض وبعدين المسافات قربت وبعدين بقت خطوط وبقع وكتل كبيرة مكثفة…
الشاب وقف لما لقى الدم في كل مكان حواليه، كمية دم مهولة وشاف عالحيطان كفوف برضه من الدم، كف وره كف وره كف، وبعدين مبقاش كف واضح، بقت آثار صوابع وجزء من الكف، وبعدها خطوط وبقع ممتدة على الحيطة، كإن الشخص أو الأشخاص كانوا بيجروا أو بيتزقوا ويتجروا. الشاب بقى يمشي مع الفوضى والدم اللي بيزيد، عرف إن هو ده المسار الصح، المسار اللي ف آخره إجابات…
موبايله رن، قلبه كان هيقف، خرجه من جيبه ورد…
كان صاحبه، قال إن الطابور مشي كتير وإن دورهم قرب. الشاب قال له مش مهم وإنه هيفضل شوية في المحل…
قفل مع صاحبه وهو لسه بيتكلم ومخضوض من موقفه، وبعدين زعق في المديرة اللي كانت لسه واقفة ف أول مكان لقوا فيه الحاجات المرمية عالأرض. قال لها متتحركش من مكانها، متقربش عنده…
وده لإنه شاف حاجات تانية، رذاذ دم منتور على الحيطة في اتجاهات كتير وبرك غويطة من الدم، دي مجزرة!
في وقت ما من الليلة اللي قبلها في كذه حد اتقتل بعد مقاومة رهيبة وصراع، ده اللي جه ف باله قبل الاكتشاف الكبير…
الدنيا كانت كل مدى بتضلم عشان بيبعد عن مدخل المحل، في طرقات صغيرة وأماكن الشمس مكنتش واصلالها وعشان كده اضطر في الآخر لما بقى شبه مش شايف يفتح فلاش الموبايل بتاعه ويمشي وحده وحده…
وصل لباب أوضة أو مخزن، الباب كان مردود، في حاجة منعته إنه يقفل….
وهو بيفتح الباب رجله خبطت في الحاجة دي…
بص للأرض وهو موجه الفلاش عليها، كانت رجل!
مرر الفلاش عالأرض كلها، كان في جثة ممددة على بطنها، عايمة على بحر دم، وشعرها مبلول بالدم…
الموبايل فلت من إيده ووقع من الرعشة اللي صابته.. بسرعة نزل على ركبته ومسكه تاني.. كان ناوي يطلب النجدة فورًا لولا إنه سمع صوت…
صوت واطي، كإنها صرخة مكتومة، ممكن جدًا محدش يسمعه، لولا الهدوء الرهيب ف المكان وإنه كان مركز برغم كل اللي بيحصل…
مشي للمصدر اللي اتهيأله إنه سمع الصوت منه، كان حمام صغير قرب المخزن اللي فيه الجثة. مسك الموبايل بإيده الشمال وباليمين حرك مقبض الباب…
كان حاسس الباب تقيل وهو بيزقه…
وده لإن في واحدة كانت قعدة على الأرض وجسمها ساند عالباب…
إيديها ورجليها مربوطين بحبال، مربوطين جامد لدرجة إن جلدها مجروح، بلوزتها كانت متقطعة وبطنها باينة، بطنها عليها خدوش كتيرة ما بين سطحية وعميقة وكان في خطوط دم جافة نازلة من راسها على عنيها…
الست مكنتش بتتحرك ولا بتعمل صوت، كإنها تمثال من غير حياة، حتى إنها معملتش أي رد فعل والشاب بيزق الباب وهي بتتزق من وراه..
الشاب استجمع شجاعته ونزل على ركبه وقرب وشه من وشها وسمع نفس! نفس خفيف، هي فعلًا، هي اللي سمع صوتها، ولسه عايشة، بس وضعها ممكن يتغير لو ملحقوش ينقلوها أقرب مستشفى…
اتصل بالنجدة وبعدين اتحرك بأقصى سرعة، جري لحد قرب المدخل، مسك المديرة من إيدها وجرها معاه بره المحل…
-حصل إيه؟ شفت إيه جوه؟
-مين اللي كان في الشيفت بتاع بليل؟
-نعم؟ إشمعنى؟
-كانوا بنتين؟
عينيها وسعت، مكنتش بتطرف.. ردت بحركة من راسها بتأكد اللي قاله…
-مفيش حاجة نقدر نعملها، الشرطة والإسعاف هيشوفوا شغلهم.
فضلوا مستنيين بره المحل وانضم ليهم صاحب الشاب اللي كان واقف في الصف بعد ما اشترى اللي عاوزه، وانضمت ليهم أعداد كبيرة من الفضوليين بعد وصول الشرطة وعربية الإسعاف…
رد فعل قوات الشرطة مكنش مختلف عن رد فعل الشاب، كلهم كان عندهم حالة من الذهول، كل الهرجلة دي وكميات الدم المهولة كانت بتاعة اتنين بس، القتيلة والتانية اللي عايشة بالعافية؟ ده معناه إن جسم الضحية اتصفى تقريبًا، ليه؟ كل ده ليه؟
لو بغرض السرقة فمفيش حاجة اتسرقت ولا في علامات لمحاولة فتح صندوق الفلوس، يمكن الهدف كان البضاعة مش الفلوس؟ يمكن في هدوم وجزم مسروقة وحاجات تانية؟ ولو على فرض الغرض كان السرقة ليه الحرامي أو العصابة مكتفوش بإنهم يضربوا كل واحدة من البنتين ضربة واحدة على دماغها أو كام طلقة وخلاص، ليه يكلفوا خاطرهم يجروهم زي الدبايح ويقتلوهم بالطريقة الوحشية دي؟ دول بكده كمان جازفوا بإنهم يتمسكوا أو حد يسمع صريخ البنات…
ولا كانت في الأول عملية سرقة والجناة غيروا رأيهم؟ وبدل السرقة يبقى اعتداء مثلًا وبعديه قتل؟
“نادية” وهي بتدخل عربية الإسعاف اتكلمت، كانت بتردد كلمة واحدة:
-ميسون…ميسون؟
كانت بتقولها بصيغة سؤال، بتسأل على ميسون، القتيلة…”ماري” المديرة شاورتلها براسها من بعيد، حركتها من اليمين للشمال، “ميسون” ماتت…
“نادية” غمضت عينها والدموع فضلت تجري على وشها وهي مغمضة.. عبال ما وصلت المستشفى كانت فقدت الوعي.. كمية الخياطة اللي اتعملت ف جسمها مش طبيعية، جروح في بطنها ودراعاتها ورجليها وأكبر جرح كان اللي ف راسها، لوحده أخد 22 غرزة…
الشرطة والمديرة وزمايلها ف نفس المحل واللي بيتشغلوا في فروع المحل التانية والناس كلها كانت مستنية “نادية” تفوق، مستنيين يعرفوا الحقيقة، يعرفوا الوحش اللي وره الجريمة البشعة اللي حصلت…
للأسف “نادية” خيبت ظنونهم لإنها أول ما فاقت فضلت تصرخ وترفص كإنها بتتعرض لاعتداء، كإنها لسه هناك، لسه مخرجتش من المحل، مخرجتش من الجحيم، من الوقت اللي اتعرضت فيه للاعتداء هي و”ميسون”، وكل ما حد يدخل عليها صراخها وحركتها بتزيد، كإنها شايفه على وشه ملامح تانية، ملامح المعتدين… وللأسف في النهاية اضطروا يدوها حقن منومة بعد ما عدد كبير من الممرضين والدكاتره ثبتوها بالعافية على السرير وقدروا يسيطروا عليها وغابت….
الوضع استمر على ما هو عليه كام يوم، كل ما تفوق تدخل ف نوبة وتفضل تاخد ف حقن مهدئة…
وأخيرًا فاقت والمرة دي مكنتش بتزعق وجسمها كان ثابت، المشكلة إنها مكنتش بتنطق، باصة ف اتجاه معين وعنيها بتنزل دموع…
دخل عليها ظابط.. شد كرسي وقعد جنب السرير. بدأ يتكلم:
-إزيك يا “نادية” أنا إسمي “مكرم” ، أنا والناس كلها كنا قلقانين عليكي، بس الحمد لله إنتي بقيتي زي الفل، جسمك كان فيه جروح كتير لكن مكنش في نزيف داخلي أو كسور، أنا عارف إن اللي اتعرضتيله أبشع من كده، أبشع من الأذية الجسدية، أيًا كان اللي شوفتيه فهو حاجة محدش يتخيلها، كفاية إنك…إنك مكنتيش واثقة إنك هتعيشي يوم تاني… بس إنتي عيشتي، وصاحبتك معاشتش وأنتي اللي هتجيبلها حقها، مش إحنا، مش القضاء، إنتي، المعلومات اللي هتديهالنا هي اللي هتوصلنا للمريض السادي اللي عمل كده، أهل “ميسون” و”ميسون” نفسها مستنينك، مستنيين قصتك اللي هترد فيهم الروح وهترجع حقها…
لحد لحظتها ملتفتتش ل”مكرم”، لسه باصة ناحية الشباك، بس بدأت تتكلم بصوت واطي….
-خلصنا الشيفت بتاعنا بعد المعاد اللي متعودين عليه بنص ساعة كاملة وده لإن في زبون وزبونة دخلوا وره بعض قبل ما نقوم ونقفل المحل وطبعًا كنا مضطرين نستقبلهم ونفضل لحد ما يخلصوا جولتهم، الزبون الأولاني فضل يتفرج حبه ومشتراش حاجة، حتى ما دخلش البروفة وقاس أي قطعة، كان بس بيقلب في اللبس من عالشماعات وبيبص عالجزم وأول ما خرج دخلت وراه الزبونة التانية، ملحقناش نتحرك ولقينا نفسنا مضطرين نستنى، لكن “ميسون” جريت على الباب الأمامي وقلبت اليافطة اللي بتتعلق عليه عشان اللي يبان للناس إن المحل مغلق وده لإننا كنا اتأخرنا جدًا ومكناش هنخلص…
الزبونة التانية كانت ليها قصة تانية، مكتفتش بالفرجة على الحاجة، لأ دي فضلت تشيل من الشماعات أكوام من التيشرتات والبناطيل ودخلت البروفة وفضلت تقيس فيهم…
نقت كام قطعة وحطتهم على إيديها بعد ما خرجت من البروفة وجت بيهم عالكاشير وحاسبت ومشيت…
-كان في حاجة مريبة لاحظتيها على حد منهم.. تعالي نمسك الزبون الأولاني مثلًا، دخل قعد يقلب شوية في الهدوم والجزم، كان باين إنه بيشوف المكان نفسه مش مجرد الهدوم؟ بص عليكم، سألكم إذا كنتم لوحدكم ولا في حد معاكم؟ أو مسألش بس كان بعينه بيمشط المحل عشان يشوف في موظفين تانيين؟ مسك الموبايل، كلم حد أو كان بيكتب أو بيصور حاجة؟
-لا، لا مفيش حاجة من دي حصلت، ولا الراجل ولا الست ليهم علاقة بالموضوع، أنا لسه هحكي.
-أنا آسف إني قاطعتك وإني بسبق الأمور، بس حتى لو في غيرهم عملوا العملة السودة فده مينفيش إن في شركا تانيين، عشان كده من فضلك متفوتيش أي تفصيلة ولو كانت باينة بالنسبة لك تافهة..
-تمام… بعد ما الزبونة مشيت، راجعنا الحسابات وقفلنا الصندوق واتأكدنا إن المخزن مقفول وموتور الميه والباب الأمامي وكل حاجة وفي الآخر مفاتيح الكهربا، وبعدين طلعنا من الباب الخلفي أو باب الطوارئ.. سلمنا على بعض وأنا روحت عربيتي وهي مشيت ف سكة المترو، كانت مسافة حوالي 7 دقايق مشي بس لحد المترو.
فتحت العربية ودخلت واستعديت إني أنطلق لولا إني وأنا بفتح شنطتي عشان أخرج الموبايل اكتشفت إن المحفظة مش موجودة، نسيتها في المحل…
كلمت “ميسون” بسرعة عشان هي اللي معاها مفتاح المحل وكان لازم ترجع معايا…
-وليه إنتي مش معاكي نسخة؟
-عشان أنا بشتغل معاهم بقالي شهرين و”ميسون” بقالها سنين، يعني هي شكليات بس عشان هي القديمة فطبعًا واثقين فيها وأنا على فكرة كنت هستلم مفتاحي كمان كام يوم، برغم إني مبقاليش كتير معاهم لكن الحمد لله بقى في اعتماد كبير عليا وده لإني بعرف أكسب الزباين وبقنعم بالشرا وبجيب مبيعات كتير…المهم إنها جتلي ورجعنا تاني، رجعنا عشان ده كان قدرنا…دخلنا من باب الطوارئ عشان محدش يلمحنا ويدخل يبقى عايز يشتري.. سبنا الباب مفتوح، أصلها يعني كام دقيقة بالكتير وكنا هنمشي ، اتفقنا بشكل تلقائي إننا هنقفله وإحنا ماشيين…
مش فاكره قد إيه وقت عدى وإحنا بندور عالمحفظة، مكنش كتير في كل الأحوال، يمكن دقيقة أقل اكتر، لكن فاكره كويس الباب وهو بيتفتح بعنف وفاكره الوشوش اللي وراه…
كانوا اتنين رجالة، دخلوا زي التيران الأسبانية الهايجة اللي شافت حاجة استفزتها، كل حاجة حصلت بسرعة وبحركة جامدة، رهيبة…
-طيب وشوشهم، أوصفيلي ملامحهم.
-مهرجين!
-نعم؟
-كانوا مهرجين، وشوش مهرجين.
رجع سند ضهره على الكرسي وسرح قدامه بعد ما كان مركز معاها وقال:
-لابسين أقنعة؟
-لأ، وشهم كان عليه رسم وألوان بحيث يبقى شكلهم مهرجين.
جديدة دي! المقتحمين على حد أقوال “نادية” ملبسوش أقنعة زي ما شوية مجرمين بيعملوا، دول رسموا ولونوا على جلدهم ، الأقنعة هي وشوشهم نفسها…
كملت وقالت:
-اللي فاكراه أني فجأة بقيت عالأرض بتجر كإني ضحية رايحة تدبح عشان طقسٍ ما، مكنتش عارفه أتحكم ف نفسي، بقاوم، بقاوم لكن من غير فايده… بس ده اتغير ف نقطة ما. خربشت إيد اللي كان ماسكني وقمت بجري ف اتجاهات عشوائية، كل حاجة كانت بتيجي ف إيدي كنت برميها عليه، مش فاكره بالظبط رميت إيه وروحت فين، أهي كانت محاولات يائسة. مكنتش شايفة “ميسون” لكن سامعة صوتها. كانت بتصرخ وبتقاوم زيي، لأ، أكتر، أكتر بكتير، كانوا زي ما يكونوا خصمين في ساحة بوكسنج والاتنين بنفس القوة، هو بيضربها وهي بترد عليه، بتصربه وبترمي عليه حاجات..
في النهاية المهرج اللي معايا قدر يكتفني ويشل حركتي ودخلني الحمام و…وبدأ يعتدي عليا…
ف مرحلة ما ندهت على “ميسون” وهي ردت عليا، زي ما نكون بنتطمن على بعض، بنتطمن إننا لسه عايشين… وبس… بدأت أغيب عن الوعي لكن لقطت شوية حاجات، إستوعبت إني زي ما وقعت قبلها هي كمان وقعت، مبقاتش قادرة تقاوم، أكيد ادالها خبطة خلتها تفقد التوازن ومستوى الصريخ علي، بقى حاجة تانية، فزع….
“مكرم” رجع سرح تاني، بيراجع اللي بتقوله ف دماغه بس كان في موضوع تاني شاغله…
-بتفكر دلوقتي الناس كانت فين، مش كده؟ إزاي مع صريخنا محدش دخل المحل يشوف في إيه.
كانت بتبصله ف عينه مباشرة وهي بتقول له كده.. رد وهو بيتهرب من عنيها:
-بالظبط، هو ده اللي جه ف بالي، ازاي الناس مكسرتش المحل، صوت الفوضى والتكسير وصريخكم، من قبل ما تحكي حالة الجثة بتقول إن اللي حصل كان بشع، وكانت خناقة رهيبة…
-الأماكن المقطوعة خطر والأماكن الزحمة بزيادة برضه خطر، عشان في الزحمة الأصوات بتتخلط ببعض، مصدرها وسببها ممكن يبقوا كتير، المكان اللي إحنا فيه بليل الرجلين بتزيد عليه، بالذات في الإجازات ، بيبقى زي مهرجان، وأي دوشة مش بتبقى غريبة، يعني مثلًا ممكن تكون خناقة ف فيلم في شاشات التليفزيون الضخمة اللي بتتعرض في محلات الأجهزة وحتى لو خناقة حقيقية ده معتاد، مش غريب يعني، أنا مش معاتبة الناس إنها متدخلتش، أنا برضه لو مكانهم مكنتش هتحرك وكنت هكمل ف طريقي…
بس… هو ده كان كل اللي عند “نادية”، قالت إنها غابت عن الوعي تمامًا وصوت المعتدي كان بعيد أوي بالنسبة لها كإنه جوه مايه، وإن صورته كانت مهزوزة وبرغم ده أدركت إنه اعتدى عليها جنسيًا وحست بالحبال وهي بتتلف حوالين إيديها ورجليها كإنها خربشات خفيفة أوي، جسمها ووعيها كانوا متخدرين…
مكانتش متفاجئة لما عرفت إن المعتدين مسرقوش فلوس. طبيعي، اللي ف وضعها المفروض لا يتخض ولا يتفاجيء ولا ينبهر من حاجة، مفيش أغرب من اللي حصل لها.
اتعمل جرد في المحل ومكنش في أي قطعة مفقودة باستثناء قطعة واحدة، بنطلون!
بنطلون رياضي حريمي. الحسابات والإيصالات اتراجعت مرة واتنين ، واتأكدوا إن في بنطلون اتاخد ومتحاسبش عليه، المهرجين اللي دخلوا وقتلوا “ميسون” أو بمعنى أصح دبحوها ومارسوا عليه طقوس سادية هي و”نادية” أخدوا وهم خارجين بنطلون حريمي وبس!
إيه؟ هدية لصاحبة واحد فيهم مثلًا؟ تذكار؟ حاجة تفكرهم بالانجاز اللي عملوه في سجل إجرامهم؟ غرض ينضم للتذكارات التانية ويتحط في السي في بتاعهم؟
ونسميهم إيه؟ عصابة المهرجين؟ ويا ترى هيكتفوا بجريمتهم دي ولا دي مجرد البداية ومصر هتشهد عصر جديد من الفزع والجرايم الوحشية من وشوش مهرجين، رموز المفروض تكون للبهجة والبراءة والاحتفالات؟؟
اللي بيحققوا في الجريمة وأنا من بعدهم لما انضميت وبقيت طرف في القصة كان عندهم مبدئيًا نظريتين، الأولى إن الموضوع شخصي، القتلة أو واحد منهم أو واحد موصيهم في طار شخصي ما بينه وبين “ميسون” وكان مغلول منها، والنظرية التانية إننا قدام نمط جديد من الجرايم، عصابة جديدة ليهم طقوس معينة، والبشر بيقدموهم كقرابين لحاجة بيقدسوها ويعتزوا بيها أو قرابين لأهوائهم الشخصية الدموية المريضة…
أيًا كان الصح، فهو مرعب! السيناريوهين مرعبين، قدرة واحد إنه يقتل حد بالوحشية والدم البارد ده والتمثيل بجثته أيًا كانت دوافعه، حاجة تتعدى حدود العقل والمنطق، الفاعل حرفيًا وحش، إحنا مش بنتعمل مع نفسية سوية ابدًا، مش مع إنسان…
الكارثة إن مكنش في كاميرا في المحل ولا ف أي محل تاني من سلسلة المحلات، يعني راس مال محترم مشغل سلسلة ملابس رياضية ف أماكن مختلفة من مصر وصاحب المحلات مش مكلف خاطره يركب كاميرات في محلاته! هم الناس دي كده، كيفهم يصعبوا المهمة على جهات التحقيق وينشفوا ريقنا….
مكنش في غير كاميرا في محل الموبايلات إياه اللي جنب محل الهدوم، الكاميرا كانت متثبتة ف المحل من بره، يعني تجيب بس حوالين المحل والاتجاهات اللي الناس ماشية فيها. أدي الله وأدي حكمته، مكنش في غير اللقطات اللي الكاميرا أخدتها اللي غالبًا مكنتش لا هتقدم ولا هتأخر…
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
أمر النيابة طلع والكاميرا اتفرغت..
“مكرم” قعد يراقب كل اللي حصل في الشارع يوم وليلة الجريمة لحد قبل القتل مباشرة. وقت القتل كان معروف بشكل تقريبي من الطب الشرعي بعد تشريح جثة “ميسون”…
مكنش في أي حاجة مميزة. زي ما “مكرم” توقع، كان في أفواج من الناس رايحة وجايه، واللي ماشيين ف اتجاه محل الهدوم كتير، وممكن جدًا مكنوش راحوا المحل نفسه ومحدش كان باين عليه حاجة غلط…
بس “مكرم” طلع غلطان!
قدامه وبشكل واضح ظهر اتنين الساعة 12 وربع بعد نص الليل، اتنين وشوشوهم كانت غريبة، مرسوم عليها ملامح مهرجين!
واحد فيهم كانت مشيته مميزة، بيعرج على خفيف، المعتدين أهم ورايحين في اتجاه المحل….
أيوه طب وبعدين؟
بعد ما الكاميرا لقطت القتلة، كده يعني المباحث هتعرف تجيبهم؟ اتنين خافيين وشوشهم بملامح مهرجين هيتمسكوا إزاي؟ وكام واحد ف مصر بيعرج؟
بعد الاكتشاف الهايل اللي “مكرم” اكتشفه اكتشف بعديه إنه مش هيعمل بيه حاجة!
مكنش في غير اجراء واحد يتعمل، اجراء عبيط وساذج لدرجة إنه مقلش لحد من زمايله أو الرتب الأعلى منه وهو إنه عين اتنين من مرشدين البوليس يقفوا يراقبوا محل الهدوم الرياضية، يحوموا حواليه كل يوم ولو شافوا حاجة غريبة ييجوا يبلغوه..
كان عنده أمل بسيط وهو إن المجرمين أو حد منهم أو اللي دفعلهم عشان يقتلوا يبقى عنده فضول وييجي يبص على مسرح جريمته أو يسأل حد عن حاجة متعلقة باللي حصل أو يدخل المحل نفسه ويعمل أي تصرف مريب…
وبرضه كان من جواه متأكد إن ده مش هيجيب نتيجة، وللمرة التانية “مكرم” كان غلطان!
في أول يوم من المراقبة بليل، نفس التوقيت اللي الكاميرا لقطت فيه المهرجين ظهر اتنين ماشيين في اتجاه محل الهدوم ، اتنين راسمين ملامح مهرجين على وشوشهم!
واحد فيهم كانت مشيته طبيعية وواحد بيعرج.
المرشدين كلموا “مكرم” فورًا وقالوا له اللي شايفينه. مكنش مصدق. أمرهم يمسكوهم فورًا عبال ما يوصل، وف نفس الوقت اللي كان متحمس فيه جاتله نغزه ف قلبه… إحساس مش مريح، الموضوع سهل أوي، سهل لدرجة إنه مش واقعي…..
لما “مكرم” شافهم كإنه لقى كنز، عينه كانت بتلمع ومش قادر ياخد نفسه. كل اللي قاله:
-إنتوا!
برغم الرسوم اللي كانت على وشوشهم لكن تعبيراتهم كانت واضحة، كانوا مخضوضين…
-أنتوا هتيجوا معايا عالقسم…
كلام “مكرم” كان كله ألغاز، بيتكلم عن اقتحام محل ملابس رياضية وجريمة و331 طعنة واعتداءات وتحويل للنيابة واعترفوا احسنلكم وهي مسألة الوقت والجريمة هتثبت عليكم. واحد من الاتنين علق أخيرًا وقال:
-إيه المشكلة حضرتك ف الرسمة بتاعتنا؟
-نعم يا خويا أنت هتستهبل؟ بقولك واحدة من الضحايا مماتتش واعترفت عليكم، وكنتوا ناويين الليلة دي تعملوا جريمة تانية وأكيد بنفس الإسلوب…
-أنهي إسلوب؟
-هو أنتوا شايفين إنه عادي اللي عاملينه على سحنتكم ده؟
-اه عادي، هو ده المطلوب مننا أصلًا.
-أيووه، مين بقى اللي طلب منكم ده؟
-اللي مشغلنا، صاحب المحل!
-محل إيه؟
-محل الأكل بتاع الأطفال اللي على نفس الصف بتاع محل الملابس الرياضية..
-لأ، لأ، بالراحة كده وفهمني.
-محل الأكل بيطلب من كل العاملين فيه يرسموا ملامح مهرجين طول الوقت اللي بيشتغلوا فيه وإحنا من ضمن العاملين. حضرتك ممكن تتأكد لو روحت المحل بنفسك هتلاقي ولا 15 مهرج..
“مكرم” كان باين عليه الارتباك والإحراج كمان وبرغم كده حاول يتماسك. سألهم بنفس الثقة:
-طب وده ليه؟
-حركة كده عشان جذب أكبر عدد من الأطفال والأسر بتاعتهم، يعني لما اسرة عندها أطفال ييجوا عندنا بيبلغوا الأسر التانية اللي عندها أطفال بالأجواء اللي عندنا، بقينا زي الملاهي كده، متعة مستمرة، الأطفال بيبقوا ف حالة تحمس طول ما هم قاعدين بمجرد ما يبصولنا ويتعاملوا معانا، ده غير إنهم بيفضلوا قاعدين كتير وده بيكتر الطلبات، بدل الوجبة تبقى اتنين، بدل المشروب اتنين، يعني، مكاسب أكتر…
“مكرم” كان عرف نتيجة التحريات مسبقًا، كان متأكد إن اللي مسكوهم مش بيكدبوا، وإن ده بالظبط الوضع، وهنا القصة دي بقت معقدة أكتر بكتير من أي مرحلة قبل كده…
اللي قتلوا استغلوا الفكرة دي، وجود عدد كبير من المهرجين في المنطقة، وش ليه نسخ كتير، وبكده تقريبًا مستحيل يتمسكوا، والمصيبة اللي أكبر إنهم ممكن أصلًا ميكونوش من العاملين ويكونوا بس عارفين النظام في محل الأكل بتاع الأطفال ودول يبقوا يا من زوار المطعم يا من اللي بيعدوا قدام المطعم يا من اللي بيعدوا جنب العاملين اللي ماشيين في الشارع وبيشتغلوا في المطعم، وبكده لو هنحسب عدد اللي لمحوا المهرجين، في يوم ما، في مرحلة ما من حياتهم هيكون في حوالي 2 مليون مشتبه فيه!
خلاص كده وصلنا لحارة سد إلا لو….
إلا لو “مكرم” رجع فكر بطريقة مختلفة، لو راح للفرضية التانية اللي تجاهلها من البداية، إن الجريمة شخصية وإن اللي عمل كده هو حد يعرف “ميسون” وكان جاي مستهدفها، ساعتها الجاني هيبقى من الذكاء إنه رسم وش المهرج بس ممكن يتجاب بطريقة تانية، بالتحريات اللي تتعمل عن تاريخ “ميسون” وعلاقتها باللي حواليها، مش ممكن يطلع في حد كان ليه تاريخ عنيف معاها، حد بيكرهها؟
ليه لأ، مفيش حاجة هيخسرها…
فعلًا التحريات اتكثفت على مستوى معارف “ميسون” الشخصية. مكنش في أي عداوات، أبوها وأمها واخواتها وقرايبها كلهم قالوا إن “ميسون” محدش ممكن يكرهها وعمرها ما اشتكت من حد أو بان عليها القلق من تصرفات حد. مفيش غير صاحبة ليها قالت جملة غريبة جدًا…
-“مؤنس”، “مؤنس” كان بيطاردها الأيام الأخيرة قبل موتها واتخانق معاها. شفتهم من بعيد بيزعقوا لبعض وهو اتعصب لدرجة قام من مكانه وقرب منها وعينه كانت مرعبة وهو بيبصلها!
مين “مؤنس” ده بقى، ده حبيبها اللي كانت مخبياه عن الكل. وهنا بدأ دوري في القصة….
اتقبض على “مؤنس”. هو الوحيد اللي كان عنده دافع وكون إن “ميسون” كانت مخبية علاقتها بيه عن الكل إلا صاحبتها ده زاد من الشكوك حواليه وخلاه المشتبه فيه الرئيسي…
وصولًا للمرحلة دي القضية بدأت تسمع والناس تتابعها، عشان كده جريت لما عرفت إنهم قبضوا على مشتبه فيه وتطوعت أبقى المحامية بتاعته حتى لو معندوش قدرة يدفع مصاريفي، أنا كده كده هستفيد من وراه كتير، قصاده هيبقى في 10 قضايا ويمكن أكتر لما أكسب القضية وإسمي يلمع وينور عناوين الصحف والأخبار…
-ليه يا مؤنس صاحبة “ميسون” قالت إن منظرك كان مرعب لما كنت خارج معاها واللي وره كلامها كده إنك كنت ناويلها على شر؟
دي أول حاجة قلتهاله ف أول مقابلة..
قال لي إنها كانت خناقة بسيطة من بتوع اتأخرتي ليه امبارح وأنا مش بحب ترجعي البيت متأخر، وإنه ملوش أي علاقة بموتها ومش ممكن يأذيها. وللأسف “مؤنس” عمل أكبر غلطة ممكن موكل يعملها وهو إنه كدب عليا، كدب على المحامي بتاعه، حافظ السر والأمين..
“مؤنس” مقاليش إن الخناقة مكنتش بسبب تأخيرها في الرجوع لبيتها، السبب هو إنه اكتشف إنها كانت على علاقة بشاب تاني ف نفس الوقت!
بتكلم الاتنين وبتقابل الاتنين والاتنين عندهم عشم يتجوزوها وكمان الاتنين لما عرفوا توصلوا مع بعض واتقابلوا!
ممكن جدًا، لأ ده في الغالب، الاتنين المهرجين اللي اقتحموا المحل وقتلوا “ميسون” هم “مؤنس” والشاب التاني اللي كانت على علاقة بيه. انتقام ملحمي من ست لعبت بمشاعرهم واستخفت بيهم. منطقي، كم الطعنات والكدمات اللي عليها تقول إن اللي قتلوها كانوا مغلولين منها، أهانتهم، أهانت رجولتهم وكرامتهم.
لما واجهت “مؤنس” بالكلام ده. رد عليا وهو ثاير:
-لأ طبعًا “ميسون” مكانتش ست وحشة! أنا اللي مسؤول عن التخبط اللي كانت فيه، من كذه سنة اتقدمتلها وخطبتها . كنت بعاملها أبشع معاملة، بخونها وبتجاهلها ومش بتلاقيني لما تحتاجني، ومع ذلك كانت بتعشقني ، حتى وهي بتسيبني كانت لسه بتحبني. قعدت فترة كبيرة مش عارفه تكمل حياتها وترتبط بغيري.. وأخيرًا في حد قدر يحتويها ويخليها تفكر تاني في الجواز، وكان في فرصة حقيقية إنها تبقى مبسوطة لحد ما أنا ظهرت من تاني. مكنتش قادر، مش قادر أكمل من غيرها، معنديش اختيار، حقيقي مش بإيدي. رجعت أتكلم معاها وأطلب فرصة كمان وهي في البداية رفضت وصدتني لكني فضلت وراها، كانت ف حالة ما يعلم بيها إلا ربنا، بتحبني وبتكرهني ، مش قادرة تبعد عني ولا قادرة تأامن ليا، ومن اضطرابها مكنتش قادرة تسيب الشخص التاني. كانت عاملة زي اللي ماشي عالألغام، أي خطوة غلط ممكن تبقى مميتة. أنا المسؤول عن الغلط والعك ده كله مش هي…
معرفش ليه كنت مصدقاه، وصدقت برضه إنه مقتلهاش ولا الشاب التاني قتلها..
حصلت الحاجة اللي كنت بحاول أتجنبها من ساعة ما بقيت محامية، ركزت في التفاصيل، التفاصيل اللي ليها علاقة بالضحية، شفت صورها وهي ميتة ولميت معلومات عنها، عن علاقاتها وحياتها، اتهزيت، اتعاطفت معاها، مش بس مع موكلي، وده كان دافع قوي عشان ألاقي بنفسي اللي قتلها، مش بس عشان براءة موكلي، عشان أرجع حقها.
ودي كانت المرحلة اللي رجعت فيها من الأول خالص، من نقطة الصفر…
شاب لقى واحدة ست كبيرة واقفة على بعد خطوات من محل الملابس الرياضية.. راحلها ولقى الباب الأمامي مفتوح، الاتنين دخلوا وشافوا فوضى رهيبة، معدات ومانيكانات مكسرة عالأرض ورفوف وازاز ومناديل… كل حاجة “ميسون” اتضربت أو اتطعنت بيها كانت من جوه المحل نفسه! أسلحة الجريمة كانت في موقع الجريمة..
“نادية” و”ميسون” بعد ما خلصوا الشيفت رجعوا عشان محفظة “ميسون” كانت جوه المحل، فتحوا الباب الخلفي ودخلوا…
المحفظة، المحفظة….
دخل وراهم اتنين، كل واحد مسك واحدة وضربها واعتدى عليها…
كان في جزم بمقاسات كبيرة في موقع الجريمة المفروض إنها بتاعة المعتدين، وفي آثار دم مطرح الجزم، بس الآثار دي بتنتهي ف نقطة معينة، إزاي؟
إزاي آثار الجزم مكملتش لحد المدخل الخلفي وبراه كمان، إيه طاروا مثلًا؟
وإزاي خرجوا حافيين وليه؟ كانوا مستعجلين ؟
فين العربية؟ أهم سؤال فين عربية “نادية”؟
نادية مكنتش فاكره ركنتها فين، لإنها مش بتركنها ف مكان معين، الدنيا بتبقى زحمة وبتفضل تلف عبال ما تلاقي مكان، ممكن على بعد شارع، ممكن شارعين، لكن الضرب على دماغها واللي حصل لها خلاها تنسى الجزئية دي ولحد لحظتها محدش لقى العربية… العربية فين؟؟
المهرجين.. العصابة السادية…طقوس…قرابين؟ أجواء شيطانية، سحر إسود؟؟
العربية فين؟
كرست نفسي للمهمة دي وبس، كان لازم ألاقيها..
لفيت بنفسي وكلفت ناس تدور عليها بعد ما اديتهم اوصافها في كل الأحياء اللي حوالين المحل، القريبة والبعيدة..
كنت قربت أفقد الأمل لولا إني لاحظت حاجة…
في عربية معينة واقفة مش بتتحرك، بلاقيها كل يوم ف نفس المكان متغطية كلها بغطا قماش بني. حركت الغطا وتحته كانت عربية “نادية”!
مستنش أبلغ الشرطة أو “نادية” جبت حد تبعي فتحها ودخلت…
الدريكسيون عليه دم، الفتيس عليه دم، وفي كاب مرمي عل الكرسي التاني كان جواه خط دم، خط يمشي مع الجرح اللي كان في راس “نادية، وف اللحظة قدرت اشوف الجريمة كلها واتأكدت شكوكي…
كان في شوية تفاصيل صغيرة غريبة زي إن باب المحل الأمامي كان مفتوح. مش المفروض إنهم دخلوا من الباب الخلفي والمجرمين برضه دخلوا وخرجوا منه؟ ليه الباب اللي قدام مفتوح؟ كان مفتوح عشان “ميسون” ف مرحلة ما وصلتله وفتحته عشان تهرب، مكنش لسه اتضربت جامد ولا نزفت لإن مفيش آثار دم قرب المدخل وبطريقة ما الجاني قدر يرجعها، اتهجم عليها وشدها…
“نادية” قالت إنهم قفلوا باب المخزن وكل الأبواب قبل ما يرجعوا لكن جثة “ميسون” كانت جواه، المخزن كان مفتوح، وده معناه إن القاتل أخد المفاتيح من “ميسون” وفتحه ودخل الجثة…
آثار الجزم… في حد حاول يزرع أدلة مضللة ف ساحة الجريمة، الجزم اتحطت بالقصد، محدش دخل بيها ولا كان لابسها لإن الآثار بتخلص ف مكان معين، مش بتكمل لمدخل الطوارئ…
اللي حطهم كان مهمل، ارتبك في المرحلة دي ونسي يشيلهم ويرميهم…
والحد ده هو “نادية”! “نادية” هي اللي قتلت “ميسون”، وبعد ما قتلتها طلعت من المحل جري لحد ما وصلت لعربيتها، قعدت جواها، لبست الكاب عشان تغطي جرحها، مسكت الدريكسيون والفتيس وكانت هتمشي، لكن رجعت فكرت. لو مشيت ممكن تتقفش ويتعرف إنها اللي قتلت. مفيش أحسن من إنها تكون جزء من القصة، تكون ضحية.
رجعت تاني، جابت فازة وخبطت بيها راسها عشان تجود وتبان ضحية بجد، ربطت رجليها وإيديها وسندت على الباب، فضلت مستنية لحد الصبح، لحد ما حد يدخل المحل….
تعالوا أحكيلكم كام قصة قصيرين تانيين..
القصة الأولى حصلت قبل الجريمة بيومين…
مديرة فرع مصر الجديدة عملت اجتماع مع كل اللي بيشتغلوا في الفرع، بتوع الشيفت الصباحي على الشيفت المسائي. قالتلهم بنبرة حادة:
-في حاجات اتسرقت من المحل، مش مرة ولا اتنين، والموضوع مستمر، واللي بيسرق مننا فينا. الهدوم بتتاخد من غير ما جهاز الإنذار ينطلق. وإحنا بس اللي بنعرف نعطل الجهاز ده، غير الفلوس اللي بتنقص من الصندوق.
كلهم بصوا لبعض، الكل كان شاكك في الكل، كانوا محرجين وخايفين.
-كل واحدة منكم في الشيفت بتاعها هتمسك شنطة زميلتها تفتش فيها، واللي تلاقي حاجة مش مظبوطة تبلغني من غير ما تتكلم مع التانية. مش لازم ده يحصل النهارده أو بكره، المهم إن ف آخر الأسبوع يكون عندي تقرير من كل واحدة منكم….
قبل الجريمة ب 6 شهور كان في واحدة بتشتغل في فرع تاني من نفس سلسلة المحلات، اتقفشت وهي بتسرق فلوس وطلعت سارقه مبالغ تانية وهدوم. إدارة المحل اكتفت بطردها من غير ما يبلغوا البوليس…
نفس البنت دي قدمت على شغل ف فرع تاني بعدها ب4 شهور واتقبلت!
معندهمش فكرة إنها كانت بتشتغل ف فرع تاني وسرقته واتطردت من كام شهر بس، والفرع التاني مكلفش خاطره يبلغ باقي الفروع ويوزع مواصفات ليها، زي كده ما مكلفوش خاطرهم يحطوا كاميرات مراقبة في المحلات….
قبل الجريمة ب 3 سنين في واحد وخطيبته راحوا لقسم شرطة وبلغوا عن تهديدات بتتبعتلهم، تهديدات وصلت للقتل من أكونتات مختلفة مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي والبنت كانت واخده حظ الأسد، بيجيلها معظم التهديدات. الشرطة متوصلوش لصاحب الأكونتات لكن الشاب كان شبه متأكد من الفاعل، اللي هي حبيبته السابقة واللي كان هيخطبها قبلها بسنة وكام شهر ومحصلش نصيب لإنه اكتشف إنها مختلة وليها ميول عنيفة…
قبل الجريمة ب 7 سنين، كان في دفعة ف آخر سنة من كلية تربية رياضية، فيهم طالبة كانت طموحة جدًا، جسمها رياضي وكانت شايفة إنها هيبقى ليها شأن، هتبقى لاعبة كورة أو لاعبة تنس عالمية وهي كان عندها إمكانيات تأهلها لكده فعلًا وكانت مميزة وسط زميلاتها. لكن للأسف متخرجتش، اترفدت بدل ما تتخرج عشان اتعرف إنها سرقت موبايلات وفلوس من زميلاتها والدكاتره بتوعها ولما اتواجهت من زميلة ليها اتهجمت عليها وكانت هتخنقها لولا تدخل باقي الزميلات…
المشترك ف كل القصص دي هي نادية…
“نادية” هي البنت اللي عندها جسم رياضي مرن وقوة رهيبة برغم حجمها القليل وهي اللي هددت خطيبة حبيبها السابق وكانت ناوية فعلًا تقتلها لولا إن اسمها اتذكر في المحضر ولعدد من الناس عشان كانت هتبقى مشتبه فيه رئيسي لو عملتها، وهي اللي سرقت الفرع التاني بتاع الملابس الرياضية وهي برضه الحرامية اللي سرقت فرع مصر الجديدة….
تركيبة مميزة من العنف وإدمان السرقة والذكاء الشديد، تركيبة قاتلة!
ليلة القتل “ميسون” قررت بعد ما قفلوا وراجعوا الحسابات إنها تعمل موضوع التفتيش اللي المديرة قالت عليه…
“نادية” وشها جاب ألوان بس اضطرت توافق…
“ميسون” لقت حاجة، بنطلون بالرقاقة الحديد، مش متحاسب عليه، متاخد!
أهو حظ “نادية” إنها كانت سارقه بنطلون يومها بالذات أو نصيب “ميسون”…
“نادية” رفعت راسها ل”ميسون” وبعدين بسرعة اتهربت من عنيها عشان افتكرت إنها المفروض متقولهاش حاجة، تروح تبلغ المديرة وبس…
“نادية” هي اللي اتكلمت، قالت إنها جت في الشيفت الصباحي واشترت البنطلون من زميلتهم وحتى لو حابه تتأكد تكلمها…
“ميسون” كان باين عليها إنها مرتبكة ومش مصدقة لكن عملت أداء خايب كده على أساس إنها مصدقاها ومش محتاجة تتأكد من زميلتهم…
قفلوا كل حاجة ومشيوا، لكن “نادية” غيرت رأيها، قررت إن “ميسون” مترجعش بيتها لإنها أكيد هتبلغ عنها والمرة دي ممكن متعديش زي كل مرة وهتتفضح، والله أعلم بقى البوليس كان هينبش ف إيه تاني وإيه اللي ممكن يتكشف. محدش يعرف أصلًا إذا كانت “ميسون” الضحية الأولى ولا في ضحايا غيرها مدفونين ف خزنة أسرارها القذرة..
المهم إنها كلمتها وقالت على موضوع المحفظة الضايعة جوه المحل عشان ترجعها. اللي “نادية” متعرفوش إن “ميسون” قبلها بدقيقة كانت بتتكلم مع الزميلة بتاعة الشيفت الصباحي وسألتها إذا كانت “نادية” عدت عليهم واشترت أي قطعة هدوم والإجابة طبعًا كانت لأ.
نيجي بقى للمحفظة ال”ضايعة”، المحفظة كانت موجودة في المستشفى اللي “نادية” اتنقلت ليها وده لإنها كانت معاها وهم بينقلوها، كانت ف جيب البنطلون!
والزميلة اللي اتسألت من “ميسون” حكيتلي عن المكالمة ف وسط تحقيقاتي مع أي حد ليه علاقة ب”نادية” و”ميسون”…
اللغز الكوميدي هو وجود فرد الجزم الرجالي في المحل، مكنوش من بضاعة المحل نفسه. جابتهم منين؟ سرقتهم من محل تاني ف وقت ما وكانت محتفظة بيهم معاها في العربية مثلًا؟ يجوز، مع “نادية” أي حاجة ممكنة…
أنا كنت خلاص اتأكدت.. مفيش شك إن “نادية” هي اللي قتلت، هي اللي طعنت “ميسون” 331 طعنة واتسببتلها ف كدمات رهيبة على جسمها و”ميسون” قاومت، كانت معركة عنيفة بتحاول فيها تنجي بحياتها، لكن كان فاضل حته صغيرة تشبع غريزة المحققين اللي عندي واللي ماكتشفتهاش لحد القضية دي…
وصلت للحبل اللي كان مربوط ف إيد “نادية” وشفت العلامات اللي كنت مستنيه أشوفها، آثار عض على الحبل، وده لإن “نادية” ربطت نفسها بنفسها، بعد ما ربطت رجليها بإيديها، ربطت إيديها وشدت الحبل بسنانها. ظني طلع ف محله.. ضحكت بصوت عالي وأنا بشوف آثار العض….
“تمت”
ضحايا_المهرجين
ياسمين_رحمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط