فتحت عيني على ضوء قوي ماقدرتش اتحمله، فتلقائي غمضت عيني، أحساس بوجع بصحى عليه كل يوم، وللأسف.. وجعي من النوع اللي مالوش علاج، روحت لدكاترة كتير، وكل اللي في أيدهم وبأستطاعتهم عملوه، من مسكنات تهدي الصداع، لمهدئات تنيمني، او بالأدق.. تنيم راسي من حرب الأفكار اللي كل يوم تنهش عقلي، وحتى النصايح النفسية للوصول لحالة من الأسترخاء العصبي، استخدموها معايا.. بس ولا أي نتيجة، والسبب.. ان الوجع في قلبي، سرطان واتملك من كل خلية جواه، وخلاص.. لازم اتأقلم على حياتي بوجوده، وافضل بالشكل ده.. نفس داخل وخارج بس من غيرروح واهو اسمي عايشة..
ضاعفت تركيزي عشان اقدر اتكلم:
-لو سمحت يا “عادل” اقفل الستارة اللي فتحتها.
سمعت خطوات جاية ناحية السرير، رد عليا بعد ما خد نفس عميق:
-والله حرام اللي بتعمليه في نفسك ده يا “عالية”، بنتنا هتضيع مننا، هي ذنبها ايه وهي في السن ده تحرميها من وجودك معاها، البنت صغيرة محتاجة رعايتك.
اتسندت على كفوف ايدي، اتعدلت في قعدتي على السرير، بصت له بنظرات فاضية، بعد تركيز اتكلمت بصعوبة وانا باخد نفسي:
-حرام عليا انا!.. أنت عارف بتقول أيه؟.. على العموم لو فاهم الكلام اللي بتقوله، ماعنديش غير رد واحد.
قربت منه وضربت بأيدي على قلبه، وكملت كلامي:
-يبقى ده مات، قلبك مات يا عادل.
مسك كف أيدي وقرب وشه من وشي، أتكلم وهو بيهمس:
-أنتي اللي هتموتيه وتموتي بنتك”دليلة” بعمايلك.
ساب أيدي وقام من قصادي، خرج من الأوضة وقفل الباب وراه بكل قوة فاتنفضت، حطيت ايدي على شعري ولميته لورا، وحاولت أجمع اللي تبقى لي من أعصاب عشان أقوم من السرير، وفعلا.. نزلت رجلي على الأرض ووقفت، بصيت حواليا بنظرة سريعة في أركان الأوضة، فحسيت ان المشهد ده بيتكرر قصادي كل يوم، الهدوم المتبعترة في كل مكان، كركبة وتراب مغطيين العفش، اتنهدت بحالة لا مبالاة وروحت ناحية المرايا، وقفت قصادها وقولت مع نفسي بهمس” الأيام بقت شبه بعضها، من شهرين بالظبط كل يوم بيعيد نفسه، الأ انا مش شبهي”.. رفعت كف أيدي ولمست وشي، ملامحي بهتانة مش وش “عالية” اللي سنها 28 سنة، دي ملامح واحدة ست المرض والتعب هدوا جسمها، حسست تحت عيني على السواد اللي غطاهم، بعفوية ابتسمت وقولت” بقيت شبه مدمنين المخدرات”..
نزلت كف أيدي على أزاز المرايا، مسحت التراب اللي مغطيها، وبدون ما أحس عيوني أتملت بالدموع، قطع لحظات سرحاني مع نفسي، حد بيشدني من هدومي، وسمعت صوت قريب من قلبي:
-ماما، ماما أنتي بتعيطي؟
لفيت وشي ناحية كائن صغير، حجم ما يتعداش الكام سم، نزلت بركبتي وقعدت قصاد بنتي الصغيرة “دليلة”، قولت لها وانا بمسح دموعي:
-لا يا حبيبتي، أنا مش بعيط.
حطت أيدها على خدي وقالت:
-ماما، الميس في المدرسة قالت لنا ” الكدب حرام”، وكده حضرتك بتكدبي، عشان أنتي لسه كنتي بتمسحي عينك.
ابتسمت بصعوبة على كلامها :
-الميس صح يا حبيبتي، يمكن بس عيني دخل جواها حاجة، المهم بقى.. انتي ماروحتيش المدرسة ليه؟.. بابا نسي يصحيكي مش كده!
-لا يا ماما، شكلك كده نسيتي، النهاردة أجازة من المدرسة، عشان كده الباص ماجاش النهاردة.
فركت وشي من الأحراج قصاد بنتي، لمست على شعرها وبوستها من خدها، فكملت كلامها وقالت:
-تعالي نخرج نتفسح، ولا زي كل أجازة هتسبيني وتخرجي.
حسيت باالحزن من كلامها، طبطبت على كتفها وقولت:
-معلش يا حبيبتي، عندي مشوار مهم لازم أروحه، بس هاخدك معايا تروحي عند جدتك.
كشرت وشها واتكلمت بضيق:
-لا مش هروح عند جدتي، وديني عند طنط “أحسان” هقعد ألعب مع “شيرين” لحد ما ترجعي.
الفكرة اللي قالتها ماكنتش متقبلاها، صحيح “أحسان” صحبتي وبنتها اتربت في بيتي، بس مش بحب أتقل على الجيران، كفاية وقفتها معايا هي وجوزها من وقت اللي حصل لدلوقتي، بس عشان دليلة ما تزعلش وافقت، ابتسمت لها وهزيت راسي، فضحكت..
خرجت بنتي من الأوضة، قومت من مكاني وعملت شوية توضيبات سريعة، يعني من باب أرضاء الضمير، روحت الحمام وخدت دش، وفي خلال دقايق.. جهزت نفسي عشان أروح المشوار المعتاد، ناديت على دليلة عشان أوديها عند جارتي قبل ما أخرج، بعد ما أطمنت على كل حاجة في الشقة، خرجت وروحت رنيت جرس شقة جارتي، فتحتلي بنتها.. ملامح وشها متغيرة، عيونها زايغة ونظراتها فيها قلق مش فهماه، بس للحظة فكرت أن ممكن عندهم مشكلة، وده خلاني أترددت أني أسيب بنتي عندهم، بس زن الأطفال بيخلينا نستسلم، ونعمل الحاجة حتى لو مش مقتنعين بيها، ابتسمت للبنت وسألتها:
-فين مامتك يا حبيبتي؟
رديت عليا بتوتر:
-ماما جوه، بس هي تعبانة شوية.
قولت لها:
-سلامتها، طيب تعالي هدخل معاكي أطمن عليها.
مسكت أيد بنتي ودخلت الشقة، روحت اوضة نوم جارتي، اللي كانت فعلا نايمة على السرير، وقفت للحظات وانا ببص لوشها.. وشها كان مليان كدمات زرقة، وعينها الشمال اتحولت للون الأحمر، البياض أختفى منها نهائي وبقي شكلها مخيف، لدرجة إن دليلة أستخبت ورايا، بعد لحظات صمت دامت لدقايق، سألتها بتوتر:
-مالك يا أحسان ايه اللي جرالك؟
حالة التوتر والخوف اللي كانوا على وشها، مايقلوش عن حالة بنتها، ده اذا ماكنش أسوأ.. ردت عليا بصوت بيترعش:
-ها.. لا مفيش حاجة، أنا بس اتزحلقت إمبارح في الحمام.
بصت لها بنتها، ومن غير تكهنات مني، كان واضح إنها بتكدب.. ومدام خبت السبب الحقيقي، يبقى هي مش عاوزة تحكي ايه اللي حصل، أو اللي مخبياه حاجة أصعب من أنها تتحكي.. ففضلت أني أنسحب من الحوار، وأجنبها أي تساؤلات اكيد مش هخرج منها بفايدة..
حتى السبب الرئيسي اللي كنت داخله بسببه، نهيته بنظرات وجهتها ناحية بنتي، وساعدني خوفها من شكل جارتي وبنتها، أنها تفهم نظراتي بسهولة وتخرج معايا بدون أي جدال.
بعد ما سلمت على أحسان، وقولت لها أني هرجع اطمن عليها في وقت تاني، خرجت من شقتها وفضول العقل البشري، بيقترح أسئلة عن اللي شوفته جوه الشقة، وفي نفس الوقت بيجاوب على نفسه.. حالة كده من الأرضاء الوقتي، اللي بينتهي بنفس طويل يهدي القلق والتوتر.
خدت بنتي “دليلة” ووديتها عند أمي، والحمد لله المرة دي اترحمت من أسئلتها المعتادة، “رايحة فين؟”.. “ومش ناوية ترحمي نفسك”.. “انتي هتموتي روحك بالبطئ”.. هم مش فاهمين أني فعلا موت.. موت من يوم غيابها وأختفاءها، كل يوم بغرق في دوامة التفكير، حياتي كلها واقفة عند مكالمة.. من يومها وأنا بقيت لا صاحية ولا ميتة.. من يومها كل حاجة أتغيرت.. بسمعهم يقولوا، طيب وبنتك التانيه هاتسيبيه هي كمان لما تضيع!.. بس للأسف ما عنديش رد.
سيبت بنتي لأمي وخرجت، روحت للمكان اللي تقريباً مش مفضل عند ناس كتير، ومنهم انا.. بس الاقدار أوقات بتحكم علينا بحاجات ماكنتش في الحسبان، حاجات لو شوفناها حواليها، بنستغرب ونقول “معقولة ممكن ده يحصل معانا”.. قسم الشرطة.
بخطوات ثابتة وبطيئة دخلت قسم الشرطة، كنت ماشية في الطرقة الطويلة اللي بتودي على مكتب الظابط، لامحة بطرف عيني نظرات الشفقة على وشوش العساكر، أتعودوا على زيارتي كل أسبوع، وكأني بقيت نزيلة مستديمة عندهم، فحفظوا شكلي وعرفوا سبب زياراتي المتكررة، ماحدش منهم كان بيحاول يسألني او يعترض طريقي، هم عرفوا أنا رايحة فين..
كملت مشي لحد ما وصلت قصاد المكتب، طلبت من العسكري اللي على الباب أذن بالدخول، دخل العسكري المكتب وبعد لحظات خرج وشاور لي أني ادخل.. اتنهدت تنهيدة طويلة أهدي بيها ضربات قلبي، عشان أقدر اتكلم لعل وعسى الاقي المرة دي اللي يطمني..
قابلني الظابط “حسن عدلي”.. بترحاب معتاد وطلب مني أقعد، بعد ما سلم عليا قولت له:
-مفيش أخبار جديدة يا حضرة الظابط؟
ربع دراعه ورد عليا:
-مش عارف أقولك أيه يا مدام”عالية”، كان نفسي أطمنك بأي اخبار جديدة، بس للأسف.. من وقت البلاغ اللي أتقدم من زوج حضرتك، وأحنا ماخلناش أجراء إلا وعملناه.. من تحريات، لصور أتوزعت في كل أقسام المحافظة، ومستنيين أي بارقة امل، أو خيط نمشي عليه يوصلنا ليها.
الدنيا بدأت تضلم من حواليا، والتعب اللي كنت بحاول أتغلب عليه، هجم عليا أضعاف.. رديت عليه بصعوبة;
-انا نفسي أرتاح بالوصول ليها، بالحياة او الموت.
الكلمة خرجت من لساني تقيلة، صعبة.. بصعوبة سكينة تلمه بتقطع شريان، وتوصل لمرحلة تعذيب قبل الموت.. قاطعني في الكلام :
-أحنا كمان بنتمنى نتوصل لأي حاجة تدلنا على مكانها، سواء عايشة أو ميتة، عشان حضرتك ترتاحي وتعرفي هي فين.. ونقفل محضر غيابها عندنا، سؤال بس حضرتك.. وبعتذر لو كان سؤالي بكرره دايما، مفيش أي حد اتصل بيكي، أو بجوز حضرتك؟
-لا.. مفيش أي حد اتصل بينا، حضرتك من شهرين فاتوا بتسألني نفس السؤال، شاكك في حاجة معينة؟
ميل بجسمه على المكتب وقال:
-دايما في الحالات دي، بنحط احتمالات وشكوك مالهاش نهاية، زي مثلا خطف بغرض فدية، زي حد بيساوم على مقابل مادي، أو مثلا،حد بينكم وبينه عداء.. و تصرفه بغرض الانتقام.. والأنتقام بيعمي صاحبه، بيخليه يفقد التمييز بين الصح والغلط.
قاطعت في كلامه:
-بس انا وجوزي في حالنا، مالناش أي أعداء، وبنتي “ندى” طفلة صغيرة في رابعة ابتدائي، مين هيفكر ينتقم مننا فيها؟
-حضرتك دي مجرد تخمينات وإفتراضات بنحطها مش أكتر، يعني قابلة انها تكون حقيقة، أو تفضل مجرد إفتراض، والله مش لاقي كلام أواسيكي بيه.
قومت من على الكرسي وانا بقول للظابط:
-لو دورت في كل القواميس، مش هتلاقي كلمة تواسي بيها أم لفقدان ضناها.
استأذنت من الظابط اللي كان بيبص لي بشفقة، ودي حاجة واضحة على ملامحة من وقت ما قعدت، صحيح كان بيحاول يداريها بكلماته المنمقة، بس انا فعلا وصلت لمرحلة أستاهل فيها نظرات الشفقة، مش منه بس، لا.. من كل اللي حواليا.
خرجت من باب القسم، عيوني زايغة وتايهة، شبه اللي واخدة مخدر وصل قوته لكل أطرافه، ما عدا العقل.. لسه صاحي وواعي، مدرك اللي بقيت فيه بين يوم وليلة، رجلي سحبتني لكافية قريب من القسم، بدون تردد قعدت على أقرب كرسي، ماكنش في نيتي الرجوع عند امي بحالتي دي، ركنت ضهري على الكرسي وسرحت في الفراغ قصادي.. للحظات حسيت اني فقدت حاسة السمع، برغم اني شايفة حواليا أشباه بشر، بس مش سمعاهم ولا حاسة بوجودهم…
استوعبت لثواني صوت حد بيتكلم قصادي:
-يا مدام، يامدام.. حضرتك سمعاني؟
اتلفت ناحية الصوت، كان الجرسون.. رديت عليه بنفس حالة التوهان :
-ها.. ايوه، ايوه سمعاك.
-حضرتك تشربي حاجة.
-هات أي حاجة، ولا أقولك هات لي فنجان قهوة سادة.
هز الجرسون راسه وراح يجيب لي طلبي، مش عارفة ليه الفترة الأخيرة اتملك مني الشك؟.. حالة وسواس غريب لأي حد بيكلمني، أو حد بيبص لي.. بعد ما سألت لنفسي السؤال ده أبتسمت، لأن الإجابة عندي.. أجابة السؤال في ذكرى اخر يوم بوستها، أخر يوم سلمت عليها على باب الشقة، وماكنتش أتخيل انه سلام الوداع.
قطع تفكيري صوت الجرسون، وهو بيحط قصادي فنجان القهوة، أبتسم أبتسامة خفيفة ومشي، خدت الفنجان وشربت منه رشفة، كان طعمه مر جدا، مرارة مايقلش عن مرار فراق بنتي، رجعت الذكرى تهجم على دماغي، وأسئلة كتير مش لاقيه لها إجابة تفيدني وتريح قلبي.
اتنهدت تنهيدة طويلة، وافتكرت من حوالي شهرين أقل أو اكتر مش فاكرة بالظبط.. اليوم ده، كان أجمل يوم قضيته في حياتي، برغم أني كنت حاسة بقبضة في قلبي، بس كنت بصارع الإحساس ده، بضحكات كنت سمعاها.. ضحكات بناتي “ندى، ودليلة”..
رجعوا من المدرسة بالجدال المعتاد، وهم بيتخانقوا مين هيحضني الأول، ضحكت على طريقة “دليلة” وهي بتقول “لندى”..
-المفروض أنا الصغيرة وأنتي الكبيرة، ف ماينفعش تزعليني مش كده؟!
ندى برغم سنها الصغير، بس كانت سابقة سنها، تصرفاتها مش تصرفات بنت في ٤ابتدائي، في لحظات أحتوت اختها الصغيرة ودخلوا اوضتهم.. وصل جوزي في ميعاده اليومي بعد ما خلص شغل، حضرت الأكل واتعشينا، بس حصلت حاجة غريبة.. بناتي متعودين كل يوم في وقت معين يدخلوا يناموا، عشان يصحوا بدري لباص المدرسة، اليوم ده ندى ماكنتش راضية تدخل تنام، لدرجة لما زعقت لها عشان تسمع الكلام عيطت، قربت مني وحضنتني، في اللحظة دي حسيت بنغزة في قلبي، أحاسيس غريبة اتلخبطت على بعضها ماكنتش فاهم لها معنى او سبب، بصت لها وقولت :
-مالك يا حبيبتي؟.. ليه مش عاوزة تدخلي تنامي مع اختك؟
بصت لي بخوف، كانت بتحاول تتمالك نفسها عشان تعرف ترد عليا، وبصوت مهزوز قالت:
-أنا خايفة يا ماما.
رديت عليها بأستغراب:
-خايفة!.. خايفة من ايه؟
بنفس الصوت المتوتر قالت:
-خايفة منه.. من فترة بشوفه اول ما بتطفي نور الاوضة، بيكون واقف ورا الباب وبيبص عليا، شكله أسود بيخوفني، عيونه حمرا بتلمع في الضلمة، لما بيعرف اني شوفته بيتحرك وييجي ناحية سريري ويقف، عارفه يا ماما!.. في الوقت ده بحاول انده عليكي بس مش بقدر، فبشد الغطا على وشي عشان استخبى منه، بس هو مش بيسبني بيحاول يشد من على وشي الغطا، واليوم اللي مش بييجي فيه الاوضة، بشوفه لما غمض عيني في الحلم، بنفس شكله المخيف، بيمسك ايدي وبيشدني عشان أروح معاه..
بعد ما خلصت بنتي كلامها، تلقائي شديتها وحضنتها، مش فاهمة ليه بكيت، فضلت ألمس شعرها واطبطب على ضهرها، مش عارفة لما حضنتها، كنت بطمنها ولا بطمن نفسي من قلق اتملك مني.. قولت لها وانا بضحك بصعوبة:
-ده أنتي بس عشان خيالك واسع يا حبيبتي، اكيد بيتهيألك كل دي حاجات مش موجوده، هي بس في خيالك، وعشان تطمني أكتر هسيب نور الاباجورة منور، ومش كده بس.. هفضل جنبك لحد ما تنامي.
أنا فعلا كنت محتاجة أقضي الليل جنبها، مسكت ايدها وروحنا أوضتها، أختها الصغيرة كانت نايمة في سريرها، راحت “ندى” سريرها وقعدت جنبها، سبت النور منور زي ما وعدتها، بعد ما غطتها مسكت أيدي ونامت، فضلت لوقت جنبها مش عارفة قد ايه، ركنت راسي على السرير وغمضت عيني، لحظات وفتحت عيني على سواد.. الضلمة مغطية كل حاجة حواليا، لدرجة اني مش شايفة كف أيدي..
بحسس جنبي على ندى مش موجودة
*قصة مستوحاه من أحداث حقيقية *.. الجزء الثاني والاخير
بحسس جنبي على ندى مش موجودة، اتلفت ناحية النور اللي جنبي، قولت في بالي يكون معلق، بس ايدي جت فراغ.. مفيش حاجة جنب السرير، اتفتح باب الاوضة فتحة صغيرة، ظهر من خلال الفتحة أضاءة خفيفة لونها غريب، قدرت من خلالها أشوف الأوضة، بنتي الصغيرة نايمة في سريرها، بس محتويات الأوضة مش موجود، فاضية مافيهاش حاجة غير السراير، وندى مش موجودة..
نزلت رجلي على الأرض، خرج مني صوت مخلوط بوجع، وده بسبب الأرض اللي مليانه حصى صغير، اتحاملت على نفسي وقومت، الوجع مافرقش معايا، كل اللي كان في بالي في اللحظة دي بنتي..
قربت من الباب وفتحته، بس مش دي صالة شقتي، كأني فتحت الباب على كهف او قبر، الأرض مش هي الأرض ولا حتى الحيطان هي الحيطان، لمحت وانا واقفة نفس الكائن اللي وصفتهولي ندى، كان واقف عند باب الشقة ومديني ضهره، بس ماكنش وحده.. ده كان ماسك في ايده بنتي، حركت رجلي عشان أروح ناحيتهم، بس وقفت مكاني عاجزة رجلي مربوطة مش قادرة أحركها..
مديت أيدي محاولة مني أترجاه يسيبها، بس محاولة فاشلة، لأنه فتح باب الشقة عشان يخرج، لفت ندى وشها ناحيتي، الضوء الخفيف كان كاشف وشها.. كانت بتبكي دم، وشها كان غرقان دم.. رفعت ايدها تستنجد بيا، بس في ثانية شدها الكائن من ايدها بكل قوة وخرج بيها من الشقة، الباب اتقفل.. في اللحظة دي قدرت أتحرك، جريت ناحية الباب عشان افتحه والحقه، لكن الباب مابيتفتحش.. فضلت اخبط بكفوفي بكل قوتي على الباب، صرخاتي هزت أركان الشقه وانا بنده بأسم “ندى”.. في اللحظة دي فتحت عيني على حد بيحرك أيدي، كانت أيد ندى بتحاول تفوقني وهي بتقول:
-ماما، ماما، مالك بتصرخي ليه؟
بصيت ناحيتها بفزع وخوف:
-مفيش حاجة يا حبيبتي، كنت بحلم بس وشاطرة إنك صحتيني.
اليوم ده ماحبتش أنام اروح اوضتي، نمت جنبها وحضنتها بقوة، بعد الحلم المرعب اللي شوفته.. لحد ما صحيت مفزوعة على صوت جنبي، كان صوت جوزي بيصحيني عشان أصحى أجهز البنات للمدرسة، قومت بسرعة قبل ميعاد الباص، فوقتهم ودخلت أجهزلهم السندوتشات على ما يلبسوا، وفي خلال ربع ساعة كانت جاهزة “ندى”، أما أختها كان عندها دور برد، ففضلت إنها تقعد لحد ما تتحسن، فتحت باب الشقة عشان أسلم على ندى بس كانت ملامحها متغيرة، لون وشها مخطوف كأنها مانمتش طول الليل، قربت مني وحضنتني، حطت راسها على كتفي وفضلت على وضعها أكتر من ٥ دقايق، لدرجة أفتكرتها نامت.. اللي فوقنا صوت “دليلة” وهي بتكح.. وقت ما سابت حضني، حسيت أن ضلع من ضلوعي بيتخلع من مكانه، مش هبالغ لو قلت دقات قلبي كانت بتقل وروحي بتتسحب.. لو أعرف إن دي أخر مرة هاشوفها كنت زرعتها جوايا، عشان تفضل باقي العمر حتة متي ماتتخلعش..
شاورت لي بأيدها ونزلت على السلم، بعد ما اختفت من قصادي قفلت باب الشقة.. رجعت لجوزي عشان أفطره قبل ما ينزل شغله، كان على لساني أحكي له الكابوس اللي شوفته، أو اشاركه قلقي.. بس فضلت إني أسكت، وصبرت نفسي إن كل ده مجرد خوف أم على بنتها، يعني مش أكتر من شوية هواجس مالهمش أي داعي.. بعد ما خرج جوزي، حاولت ألهي نفسي بأي حاجة في الشقة، لحد ما ترجع ندى من المدرسة.. عدا الوقت بطئ جدا، الدقيقة بتعدي عليا كأنها ساعة، لحد ما سمعت دقات ساعة الحيط، ميعاد وصول بنتي.. عيني اتثبتت على باب الشقة، ووداني مركزة مع كل خطوة طالعة على السلم.. بس مفيش صوت، عدت دقايق على ميعاد وصولها، بس ماوصلتش..
عدا اكتر من نص ساعة والقلق بدأ يهاجمني وبشراسة، تلقائي مسكت تليفوني واتصلت على سواق باص المدرسة، رد عليا فقولت له بقلق:
-أنت أتاخرت ليه النهاردة يا عم “شاكر”؟
رد عليا :
-أتأخرت عن أيه يا مدام؟
رجعت سألته بأستغراب:
-عن ميعاد رجوع ندى البيت.
كان رده اللي قسم قلبي ١٠٠ جزء:
-بس بنت حضرتك كانت غايبة النهاردة، استنيتها الصبح على ناصية الشارع، بس ماجتش.. سألت عليها مشرفة الدور فبلغتني بغيابها، هي ما اتصلتش بيكي عشان تطمن عليها.
كنت بسمعه وشبه اللي وقعت في دوامة، أمواج بحر بتلطم فيا شمال ويمين، لدرجة فقدت باقي التوازن، رميت نفسي على أقرب كرسي، ماقدرتش أرد عليه وقفلت السكة، وكان اتصال لمشرفة بنتي، اللي أكدت غياب “ندى” عن المدرسة، وإنها حاولت تتصل بيا أكتر من مرة، بس الشبكة كان فيها عطل…
أتصلت على جوزي وأنا بصرخ، ماكنتش عارفة أتكلم من كتر البكا، قفل معايا المكالمة وبلغني أنه جاي حالا، بنتي الصغيرة خرجت من اوضتها على صوتي، تقريبا ما كنتش حاسة باللي أعمله، وده لأن وقت صراخي باب الشقة خبط.. قومت ناحية الباب وانا بجر في رجلي، كانت جارتي “إحسان” وجوزها..
فضلوا يهدوا فيا بعد وابل من الأسئلة، فيه أيه وحصل أيه؟.. كانت بيخرج مني الكلام بالعافية، لساني تقيل بتقل ضربات قلبي، كان رد جارتي عليا:
-بنتي خرجت النهاردة بدري، لحقت باص مدرستها بس ماشفتش بنتك واقفة.
هي فعلا خرجت متأخرة شوية عن ميعادها، وده بسبب تعلقها برقبتي كأنها ماكنتش عاوزة تسيبني، رديت عليها وانا بصرخ بهستيريا:
-طيب لما ماركبتش الباص، ومارحتش المدرسة، هتكون راحت فين؟
ردت عليا جارتي برد مش مناسب لحالتي:
-لايكون حد خطفها!
اكتفيت بنظرات وجع ده أبلغ رد على كلامها، بس اتكلم في الوقت ده جوزها “حسن” :
-يا ستي فال الله ولا فالك.. هي أكيد لما مالقيتش الباص، اتمشت على اساس انها تلاقيه واقف على جنب، فتاهت.. إحنا هنقلب عليها المنطقة كلها، وبأذن الله هتلاقيها.
أخر ما خلص كلامه، دخل من الباب جوزي، جري ناحيتي وهو مش مدرك ولا مستوعب اللي حصل، قبل ما يتكلم.. قولت وانا ببكي بحرقة;
-بنتنا ضاعت.. ندى خلاص راحت ومش راجعة تاني.
ماردش على كلامي إشفاق على حالتي، طلب من جارتي تقعد معايا وتستنى مع بنتي الصغيرة، وخرج من الشقة ومعاه جارنا بعد ما اتصل بناس قرايبنا، قلبوا المنطقة كلها، ماسبوش شارع غير لما دوروا فيه على ندى، حتى المدرسة راحوها.. مع إنها كانت مقفولة، بس استأذنوا من البواب إنهم يدخلوا الحمامات، وأوض المخزن، جوزي كان شبه الغرقان اللي بيتعلق في قشاية، لحد قرب المغرب بيدوروا، وأخر المطاف كانوا في قسم الشرطة.. عمل جوزي بلاغ بغياب “ندى”، سألوا عن وقت أختفاءها وخد منه صورتها..
ومن الوقت ده، مفيش أي خبر وصل إنهم وصلوا لأي حاجة تعرفنا طريقها، ومن يومها وأنا محبوسة في سجن فراقها، وسجن المهدئات اللي بحاول من خلالها أنام للحظات.. ووقت ما بنام بشوف أبشع الكوابيس، بس أسوءهم واللي تقريبا مش بيفارقني.. لما بشوف بنتى جوه نعش أموات.
فوقت من سرحاني على صوت الجرسون:
-حضرتك القهوة بردت، أعمل لحضرتك فنجان غيره؟
رديت عليه وقولت له:
-لا شكراً.. أنا خلاص مش هشرب، الحساب بعد أذنك.
مد الجرسون أيده بورقة فيها الحساب، ففتحت شنطتي وأديته الحساب المطلوب، قومت خرجت من الكافيه، عشان أرجع لأمي واخد بنتي.. وصلت عند أمي واتحاشيت نهائي اني اتكلم، أو افتح لها مجال لأي سؤال، خاصة اني كنت في حالة ماتسمحش بالأجابة، سلمت عليها وخدت منها دليلة ورجعت البيت..
بعد وصولي بفترة قليلة، وصل جوزي البيت.. كان بيحاول بكلامه يهون عليا، بيعمل كل اللي يقدر عليه عشان أصبر لوقت ما ربنا يفتح لنا طاقة نور، وبرغم كل اللي بيعمله، أنا حاسة بيه وباللي جواه، شيفاه بيتعذب لغياب بنتنا بس بيحاول يظهر تماسك زائف، تماسك وهمي بيختفي لحظة ما بيكون لوحده، بشوفه وهو ماسك صور البنت وبيقلب فيها، عيونه طول الوقت فاضحة وجعه والسؤال “بنتنا راحت فين؟”..
بعد ما اطمنا على دليلة، خدني من أيدي ودخلنا اوضتنا، نيمني في حضنه وشد عليا غطا السرير، لحظات وحسيت أني روحت في عالم تاني.. شوفت نفسي بمشي في شارع طويل، إحساسي بيقولي إني شوفت الشارع ده قبل كده، المكان مألوف بالنسبالي.. كنت في عز الضهر، لدرجة اني كنت بدور على مكان اتدارى فيه من سخونة الشمس، بس المكان مكشوف ومفيش اي حماية من حرارتها، فكان البديل دراعي.. كنت برفعه عند جبهتي بحاول أداري بيه نفسي من الشمس، الغريب.. الشارع فاضي مفيش حد واقف ولا حد ماشي، كأن الشارع مهجور من البشر، لحد ما وقفت قصاد بيت كبير، أو التشبيه الأقرب.. قصر قديم.
القصر مهجور وده واضح من الشبابيك المتكسرة، وقفت قصاد البوابة اللي كانت متواربة، بوابة حديد ضخمة الصدأ محاوطها من كل الجوانب.. دخلت بحرص وخطوات ثابتة، القصر برغم ضخامته بس مافيهوش جنينة، اللي بتكون موجودة في مدخل القصور.. وده بسبب إن القصر في مدخله طرقه طويلة، مكشوفة من غير سقف.. مشيت في الطرقة اللي كانت ضيقة جدا، وانا ماشية فيها حاسة بأنها بضيق عليا أكتر لدرجة تخنق، بس كملت مشي.. لحد ما لمحت أوض صغير جنب بعضها، مابيفصلش بينهم مساحات او مسافات، الاوض مافيهاش أبواب ولا شبابيك فكان مكشوف معالمها بالنسبالي، كُنت كل ما اعدي على اوضة أبص جواها، تقريبا كلهم شبه بعض مفيش اختلاف بينهم، التراب الكثيف اللي مغطي الأرض، الحيطان القديمة اللي لونها الأصلي مابقاش ليه أثر، واختفى تحت التراب اللي غطاها
لحد ما رجلي أتسمرت قصاد أوضة، كان فيها تراب متكوم على جنب، وقصاده فيه حفر في الارض، دخلت الاوضة في أتجاه الحفرة، بس لاحظت على الأرض قطرات، ميلت ناحيتها ولمستها بطرف صباعي، كانت القطرات دي قطرات دم، كملت مشي لحد ما وصلت قصاد الحفرة، برقت عيني بفزع وخرجت من شهقة عالية، الحفرة ماكنتش فاضية.. كان جواها بنتي “ندى”، بنتي كانت رقبتها مدبوحة وهدومها غرقانه دم، صرخت بأعلى صوتي، ففتحت عينها ورفعت أيدها وشاورت على حاجة موجودة جنبها، من صدمتي وقوة صرخاتي ماكنتش شايفة ايه اللي بتشاور عليه، فجأة.. حد ضربني على راسي، حطيت ايدي على راسي ووقعت على الأرض، لمحت قبل ما أغيب عن الوعي، خيال لحد واقف بس ماتحققتش من ملامحه.. ومن بعدها ما شوفتش حاجة.. لحد ما صحيت على صوت جوزي بيصحيني أشرب مايه..
حاولت أنام بعدها بس ماكنتش قادرة، بصيت في الساعة كانت ٢ بعد نص الليل، غمضت عيني لثواني، وفتحتها على صوت حد بيصرخ، الصوت كان قريب جدا، بعد شوية الصوت سكت وكان البديل، صوت خبط شديد على الحيط اللي بتفصلني عن شقة جارتي، فافتكرت حالتها والتعب اللي كانت فيه، قلقت لايكون عندها حاجة، خاصة إني أتسحلت في يومي كالعادة ومارجعتش سألت عليها.. عقدت نيتي اول حاجة هعملها بكرة اروح اطمن عليها، رجعت أجبر نفسي على النوم برغم الخبط المستمر.. بس أستغربت أزاي انا بس اللي سمعاه؟.
تاني يوم الصبح، بعد ما مشي جوزي، روحت شقة جارتي وخبط عليها، بس اتفاجئت بجوزها بيفتحلي الباب، وقبل ما أسأل عليها قال لي:
-أحسان مش هنا، راحت عند امها من الصبح بدري، وهتقعد هناك كام يوم.
بعد ما خلص كلامه، أستأذن وقفل الباب.. أستغربت لتصرفه بس مادتش للي عمله أهتمامك، ومدام مراته مش موجوده، يبقى مفيش داعي لوقفتي او كلامي معاه.. رجعت لشقتي، دخلت المطبخ انضفه، عدا نص ساعة ورن جرس تليفون البيت.. رديت كان جوزي، أستغربت فسالته:
-ما تصلتش ليه على الموبايل؟
-أنا في قسم الشرطة، الظابط اتصل عليا وطلب مني أروحله، فياريت لو تلبسي وتيجي حالا.
قفلت سماعة التليفون، وبدأ وحش التوتر والقلق ينهش في عقلي، في لحظات كنت لابسة ونازلة الشارع، خدت اول تاكسي وقف قصادي، وطلبت منه يطلع على قسم الشرطة، دقايق والتاكسي كان واقف قصاد القسم، نزلت بسرعة ودخلت القسم على مكتب الظابط، حاولوا يتكلموا معايا بهدوء، بس كنت وصلت لمرحلة أختفى فيه الهدوء، طلبت أفهم سبب وجودي، مع ان الموضوع واضح على وشوشهم، فسألت الظابط:
-فيه أخبار عن ندى؟
ما ردش عليا، قام من مكانه وقال:
-طلبت حضراتكم عشان تروحوا معايا مكان قريب، بواب فيلا في شارع قريب من هنا، بلغ عن وجود جثة جوه الفيلا، روحت ومعايا مجموعة عساكر، بعد المعاينة كانت جثة بنت صغيرة، مواصفاتها بتطابق مواصفات ندى.
الأرض اتهزت من تحتي، كلامه كان نازل زي النار بتحرقني، لاخر لحظة عندي أمل الاقيها، بس مش جثة.. حطيت ايدي على بوقي ورجعت خطوات لورا، فقام جوزي من مكانه بسرعة وقرب مني وسندني، كمل الظابط كلامه وقال:
-دلوقتي هتيجوا معايا لمكان الجثة قبل ما تتنقل المشرحة.
مسكني جوزي من دراعي وخرجنا مع الظابط، ركبنا العربية وطلعنا ورا عربية القسم، لحد ما وصلنا لشارع منعزل، من بدايته وجالي أحساس أني شوفته قبل كده، أفتكرته.. تقريبا نفس الشارع اللي كنت بشوفه في حلمي المتكرر، مع أختلافات بسيطة.. اللي أكد احساسي لما وقفنا بالعربية قصاد الفيلا، شبه القصر المهجور اللي شوفته، ده معناه أن اللي جوه جثة بنتي، من وقت ما أختفت بتعرفني مكانها!..
بعد ما دخلنا الفيلا، شاور لنا البواب نمشي وراه، لحد ما وصلنا لاوضة جانبية ورا الفيلا، أوضة قديمة مبينة بالطوب وماكملتش.. حتى الأرض كانت لسه تراب، في ركن الاوضة حفر.. كنت رايحة ناحيته وكأن بيتعاد قصادي فيلم بنفس المشاهد، أو يمكن أنا جوه الكابوس ونايمة بحلم، ودقايق جوزي هيصحيني..
بس لا.. انا صاحية وجوزي جنبي، قربنا ناحية الحفرة.. وبدأت الصورة يحصل لها تشويش، عيني اتغطت بغمامة خلت الرؤية مبهمة ومش واضحة، سامعة صوت جوزي كأن بيتي وبينه أميال، كلامه مش واضح عشان أفهمه، بس عرفت السبب.. لما ركزت كانت الجثة اللي في الحفرة بنتي “ندى”..
لبسها ووشها اللي بدأ يختفي معالمه بسبب التحلل، كل اللي حواليا بدأوا يتأففوا من الريحة، الا انا.. شامة ريحتها اللي اتعودت عليها، ريحة الفل اللي كانت دايما بتحطه في شعرها.. شايفه ملامحها الجميلة وهي بتبتسم لي، انا كمان كنت واقفة قصادها وببتسم لها، لحد ما فوقت على أيد جوزي بتهزني.. وبيقول :
-العوض من عندك يارب، يلا يا “عالية”.
رديت عليه:
-ومش هناخد معانا “ندى”؟
عيونه اتملت بالدموع وقال:
-بكرة بإذن الله هنروح ناخدها من المستشفى، خدت بس الشنطة بتاعتها كانت جنبها.
خطفت من ايده الشنطة، قربتها من بوقي وفضلت أبوس فيها، شوية وشميتها.. كنت شامة فيها ريحة بنتي، ماحستش بنفسي غير وانا بصرخ بصوت عالي، ومن بعدها الدنيا ضلمت وفقدت الوعي..
عدا قد ايه بعد كده ماعرفش.. أنا فتحت عيني لقيت نفسي في سرير مستشفى، جنبي بنتي “دليلة”، وأمي وجوزي.. خدت وقت على ما رجع لي التركيز، وفهمت من كلامهم أني كنت في غيبوبة بقالي اكتر من ١٥ يوم، ما حاولوش يجيبوا سيرة موت بنتي، بس انا سألت جوزي :
-ماعرفتش مين اللي عمل كده في ندى؟
هز راسه وقال:
-العلم عند ربنا وحده، البواب ماكنش موجود في الفيلا، سافر لبلده من شهرين خاصة أن الفيلا مهجورة، ولما رجع شم ريحة مش كويسة ماليه الفيلا، لما دور وصل لمصدر الريحة اللي كان في الاوضة المعزولة ورا الفيلا.. ف راح قسم الشرطة وبلغ بوجود جثة، خلاص يا “عالية” ارتاحي، بنتنا عرفنا طريقها، هي دلوقتي بين ايد اللي رحمته أوسع من كل شئ.
سلمت أمري لله وحده، بعد ايام قدرت أقف على رحلي فكتبلي الدكتور خروج، رجعت شقتي وبدأت احاول ارجع لحياتي، عشان خاطر بنتي وجوزي.. بس الأحلام والكوابيس مش سيباني، والموضوع اتحول لاكتر من كده.. أنا كنت بشوف بنتي في ركن الاوضة قاعدة بتبكي، واوقات بسمع صوتها طول الليل بتنده عليا..
ده غير الأصوات اللي بتصحيني من نومي، أصوات خبط على باب الشقة، بقوم من السرير وأبص من العين السحرية، بلمح طيف حد نازل على السلم.. ونفس الصرخات وخبط على الحيط، من ناحية شقة جارتي..
لحد ما طلبت من جوزي نعزل من الشقة، وحمدت ربنا إنه وافق، عدا شهر.. في يوم رجع من شغله قعد جنبي وقال لي ;
-لقيت شقة كويسة جدا، متشطبة وجاهزة وقريبة من شقة مامتك.
اتبسط باللي قاله، وطلب مني أجهز كل حاجة، عشان في خلال أسبوع هنعزل للشقة الجديدة، ومن تاني يوم بدأت أجهز نفسي عشان النقل، كانت قاعدة جنبي بنتي الصغيرة بتلعب باللعب بتاعتها، بعد شوية لقيتها جابت شنطة صغيرة وفتحتها، خرجت من جواها كتب وكراسات وبقت تقلب في أوراقهم، الشنطة دي كانت بتاعت بنتي “ندى”.. قربت منها وقعدت قصادها وسألتها:
-جبتيها منين الشنطة دي يا دليلة؟
ردت عليا بعفوية:
-دي جابها بابا وشالها، بس ندى جتلي وقالت لي أديهالك عشان تشيليها معاكي.
عيوني اتملت بالدموع، قربت منها وبوستها فكلمت كلامها وهي ماسكة في ايدها كراسة;
-ندى شاورت لي على الكراسة دي عشان أديهالك.
خدت من ايدها الكراسة وفتحتها، ابتسمت بحزن لما قريت كلمات جميلة كانت كتباها ندى، بتوصف فيها حبها ليا ولباباها وأختها.. قلبت في صفحات الكراسة، لحد ما وقعت عيني على صفحة في أخرها، الصفحة كان لونها متغير مش بنفس بياض الورق، مش ده المهم.. المهم انه كان مكتوب فيها بخط فيه نغبشة، قريب من خط بنتي بس خط أيد حد مرتبك وهو بيكتبه.. ركزت لحد ما فسرت الكلام اللي مكتوب، وكانت الصدمة.. بنتي كاتبة:
-ماما.. أنا في مكان كبير وضلمة، بيت مهجور مافيهوش حد، بعد ما سبتك ونزلت عشان الحق باص المدرسة، ما لقيتوش واقف، فوقفت قصادي عربية وصاحبها نده عليا عشان اركب، الحد ده كان عمي “حسن” جوز طنط أحسان، فركبت معاه عشان الحق طابور المدرسة، بس لقيته مشي في طريق انا ماشفتوش قبل كده، ولما سألته قالي “ده طريق مختصر عشان اوصلك بسرعة”..
لحد ما وقف قصاد البيت اللي انا فيه، طلب مني أنزل عشان يدخل يجيب حاجة بسرعة من جوه، كنت خايفة بس لقيته برق عينه فنزلت معاه، فضل ماشي لحد ما دخلني أوضة ضلمة، قرب مني وكنت هصرخ فهددني أنه هيموتني، قطع لي هدومي وعمل فيا حاجات عيب، وهو دلوقتي سابني عشان يجيب حاجة من العربية، أنا بفكر أهرب قبل ما يرجع.
لحد هنا وخلص كلام بنتي، الباقي معروف رجع الكلب ودبحها بدون ذرة رحمة، خدت الكراسة وبنتي وطلعت على الشركة اللي بيشتغل فيها جوزي، وريته المكتوب.. بدون تفكير روحنا قسم الشرطة وقدمت الكراسة إدانة على جوز جارتي، أمر الظابط بالقبض على حسن، وبمواجهته أعترف بجريمته، مبرره إنها كانت لحظة شيطان، ومن وقت ما قتلها وشبحها بيطارده في كل مكان، لدرجة إنه طبعه أتغير وبقي بيضرب مراته وبنته، لحد ما سابت له البيت وراحت عند أمها..
محاكمته ماخدتش وقت.. وصدر حكم بأعدامه، أتنفذ فيه الحكم خلال شهر بعد صدور الحكم، من بعد أعدامه كنت لسه بشوف بنتي، بس بوشوشها البشوش اللي بيضحك، تسلم عليا وتحضني وتمشي..
الجاني مهما لفت الايام، فعقاب ربنا بيظهر في أي لحظة.. عشان يدفع تمن جريمته..
“تمت”..
#ندى
#لمياءالكاتب