الحواديت اللي ممكن تخوفك بجد، هي الحواديت اللي شبهك، ظروف بطلها شبه ظروفك، معاناته نفس معاناتك، وحدته نفس وحدتك.. وعشان كده انا بعتبر حكاياتي، مش مجرد قصة رعب عن بيت مسكون.. هي حكاية شبهي وشبهك، شبه كل اللي بيعانوا من اختيار العُزلة والوحدة… حدوتة مش مرعبة وبس، هي حدوتة بشعة، وابشع ما فيها هو انا.
****************
“ياصباح الخير ياللي معانا.. ياللي معانا.. الكروان غنا وصحانا”
كنت قاعد في بلكونة بيتي الجديد اللي بيتكون من دور واحد، قصادي وحوالين البيت، فراغ.. ارض صحرا، اقرب بيت ليا على بعد كيلو مترات، والحقيقة إن دي حاجة ماتضايقنيش، بل بالعكس، انا واخد البيت ده وفي المكان ده بالذات، عشان بحب الوحدة، او انا مابحبهاش، انا لحد فترة قريبة كنت انسان عادي، عايش مع امي وابويا في المنصورة، لحد فجأة حصلتلي حاجة حولتني لشخص غريب، شخص بيلاقي نفسه في وحدته.
قطع تفكيري مع نفسي وسرحاني مع اغنية ياصباح الخير ياللي معانا، صوت رنة موبايلي.
مديت ايدي ناحية الترابيزة اللي جنبي، طفيت الاغنية اللي كانت شغالة على اللاب توب، وبعد كده أخدت تليفون ورديت…
-ايوه ياكريم.
-صباح الفل ياعم وحيد، ها.. ايه الاخبار؟
-صباح!.. صباح ايه ياابني، احنا بعد الضهر.
-اه معلش، ما انت عارف بقى اني بصحى متأخر، المهم قولي، ايه الاخبار؟!
-ما هو لو سيادتك كنت كلفت خاطرك وقومت شَيكت على الإيميل، كنت هتعرف اني خلصتلك الشغل المطلوب وبعتهولك كمان.
-لا ياراجل!… ومن امتى النشاط ده كله؟!.. الظاهر إن البيت الجديد له مفعول السحر.
-لا ياعم، لا مفعول سحر ولا نيلة، انا لسه واصل من تلات ساعات، بس بعد ما وصلت، قعدت فطرت وشربت النسكافيه وخلصتلك الشغل المطلوب.
-طب الله ينور، هقوم ابص بصة كده وهبقى اكلمك، بس قولي صحيح، انت مش هتيجي الشركة؟!
-واجي ليه، ما انت شغلك بيخلص وبيتبعت في معاده، عاوز ايه تاني؟!
-عاوز اشوفك يااخي، وحشتني.
-وحشك قَطر ياعم، سيبني اخد البيت واخلص اللي ورايا، وبعدين انت عارف اني مابحبش الشركة وزن الموظفين.
-عارف عارف، اسيبك للي وراك، يلا سلام.
-سلام.
قفلت التليفون مع كريم، صاحبي وعشرة عمري، وكمان صاحب الشركة اللي بشتغل فيها مبرمج، وبعد ما قفلت معاه، دخلت المطبخ عشان اعمل قهوة.
خلصت القهوة وخرجت للبلكونة من تاني، فتحت اللابتوب وابتديت اخلص شوية شغل ورايا، بس الشغل ده مالوش علاقة بشغلي الاساسي مع كريم، هو شغل معين كده هتعرفه مني قدام، لكن وانا قاعد شغال، تليفوني رن من تاني، بس المرة دي كانت أمي..
-ايوه ياماما.
-ايوه ياحبيبي، عامل ايه في البيت الجديد؟!
-الحمد لله، زي الفل، فرشت حاجتي وابتديت اتعايش اهو.
-طيب ياحبيبي، ربنا يحميك ويحفظك.
-ربنا يخليكي لينا ياأمي.
-ويخليك ياحبيبي، خد بالك من نفسك.
-وانتي كمان، يلا سلام بقى عشان بخلص شغل مهم.
-سلام ياحبيبي.
قفلت مع أمي وفضلت قاعد شغال لحد المغرب تقريبًا، ومع غروب الشمس، لميت الحاجة من البلكونة وقفلتها ودخلت البيت.
في الوقت ده كنت تعبان جدًا، كنت هموت وانام، اصل السفر من المنصورة لحد البحيرة الصبح، والشغل الكتير اللي قعدت خلصته، خلوني مهدود ومش شايف قدامي.
روحت ناحية اوضة من أوض البيت، بالتحديد، روحت ناحية الأوضة اللي حطيت فيها سرير ودولاب، وقررت إنها تبقى هي دي أوضة نومي.
دخلت الأوضة وطفيت النور، بعد كده روحت وفردت جسمي على السرير ونورت نور الأباجورة، وفي خلال لحظات، غمضت عيني وروحت في النوم.
ماعرفش نمت قد ايه، لكني فجأة صحيت على صوت مزيكا غريبة اوي.. الصوت كان غريب على وداني، وماقصدش بكلمة غريب إن المزيكا نفسها هي اللي غريبة وبس، هي اه المزيكا غريبة واول مرة اسمعها، لكن صوتها نفسه كنت مستغربه، ده زي ما يكون خارج من جهاز قديم، ممكن نقول كاسيت او جهاز أقدم مثلًا!
فتحت عيني وقومت من على السرير، الصوت جاي من ناحية الصالة.
فتحت باب الأوضة وساعتها وقفت في مكاني مبلم!.. شكل الصالة اتغير، العفش اللي فيها ده لا هو عفشي، ولا ده شكل الصالة اللي سيبتها من دقايق!
خرجت من الأوضة وفضلت واقف في الصالة، كنت ببص حواليا شمال ويمين وبتأمل المكان، العفش شكله عتيق وقديم اوي، وماقصدش بكلمة قديم إنه عليه تراب او مركون، لا، العفش كان جديد وبيلمع، بس استايله نفسه هو اللي قديم.. لا واللي زاد من استغرابي اكتر واكتر بقى، هو الجهاز اللي كان خارج منه صوت المزيكا، ده جرامافون!
اتمشيت ناحيته بخطوات بطيئة، وقبل ما احط إيدي عليه، فجأة سمعت صوت واحدة ست بتصرخ.. الصوت كان بيقرب من البيت، وكإن اللي بتصرخ دي، جاية بتجري من برة!
ومع قرب الصوت اكتر واكتر، اتفتح باب البيت ودخلت منه واحدة ست شكلها غريب، بشرتها سمرا ولابسة لبس خدم، لكنه برضه لبس قديم شبه اللي كنت بشوفه في الافلام الاجنبية القديمة!
ومن العدم، ظهر راجل قصادها، كان لابس قميص وبنطلون، ماشوفتش ملامحه كويس لإنه كان مديني ضهره!
زعق في الست اللي كانت عمالة تصرخ وتكلمه بلغة غريبة، لكن زعيقه ماجابش معاها نتيجة، دي فضلت تصرخ وتعلي في صوتها لحد ما مرة واحدة ضربها بالقلم، وعند القلم اللي الست السمرا دي خدته من الراجل، خرجت شابة من أوضة، بالتحديد يعني، خرجت من أوضة فاضية جنب أوضة نومي.
الشابة دي كانت بيضا وشعرها أصفر ولون عنيها أخضر، قربت من الراجل وبصت للست السمرا من فوق لتحت، وبعد نظراتها، باست الراجل بوسة اتنين متجوزين، وفي نفس اللحظة، خرجت من نفس الأوضة ست تانية، كانت شبه الشابة اللي خرجت بشكل كبير، قربت من الراجل اللي بص لها وهو بيبتسم، وساعتها شوفت شكله، ملامحه كانت ملامح راجل أوروبي في الخمسينات.. بص للست وابتسم، ومن غير أي كلام، راحت الست الاوروبية الكبيرة ناحية باب البيت وقفلته.. وقتها بصت لها الشابة اللي كانت حاطة ايدها على كتف الراجل وكلمتها كلام مش مفهوم بالنسبة لي، بس ايه ده!.. دي اللغة اللي بيتكلموا بيها دي انا سمعتها قبل كده، دي ألماني!.. لكن انا مابفهمش ألماني!.. يعني انا مش هفهم ولا كلمة من اللي بيقولها.. بس اللي فهمته كويس هي حركاتهم، الست الكبيرة راحت ناحية الست السمرا وبرقت لها، وشاورت بإيدها الشمال ناحية المطبخ.. الست السمرا بصت للست الكبيرة وهي ساكتة، وبكل هدوء وخضوع راحت ناحية المطبخ، بعد كده الست الكبيرة قربت من الراجل وباسته هي كمان نفس البوسة اللي الشابة باستهاله، وبعدها على طول، راحت ناحية كومودينو صغير جنب الجرامافون.. خدت من عليه كتاب لون جلدته اسود، وراحت ناحية الراجل!
هو ايه اللي بيحصل ده، الست وقفت جنبي وخدت الكتاب من غير ما تاخد بالها مني، معنى كده انها مش شايفاني؟!
اه مش شايفاني، لا هي ولا الراجل ولا الشابة، واكبر دليل على كده، انهم خدوا بعضهم ودخلوا أوضة من أوض البيت من غير يلتفتوا ناحيتي!
دخلت الأوضة وراهم، كانت نفس الأوضة اللي الشابة والبنت خرجوا منها، ومع دخولي، الباب اترزع من ورايا!
ضلمة، مافيش نفس، الجو خنقة، وقبل ما اتكلم او اقول اي حاجة، فجأة ظهر نور شمعة، الست الكبيرة كانت ماسكة شمعة في ايديها، وبعدها، ظهر نور تاني وتالت، الراجل والشابة هم كمان كانوا منورين شموع في ايديهم، بس المشكلة اللي ظهرت هنا بقى ماكانتش في الشموع ولا في نورها، ولا في انهم حطوا التلات شموع على الأرض وقعدوا حواليهم، المشكلة الحقيقية في اللي عملوه لما قعدوا!
الست الكبيرة جابت الكتاب الغريب ده من جنبها وحطته قصادها، يعني الكتاب بقى وسطهم هم التلاتة زي الشموع بالظبط، اما الراجل بقى، ف جاب من جنبه قفص حديد شكله الغريب، القفص كان جواه أرنب، خرجه الراجل ومسكه بقوة من رقبته، وفي نفس الوقت، البنت الشابة، جابت من جنبها صليب خشبي، ومن غير أي مقدمات، الراجل مسك الأرنب وابتدا يعصر في رقبته، وفي نفس الوقت برضه، الشابة كانت بتكسر في الصليب الخشبي بشاكوش وهو محطوط على الأرض، اما الست الكبيرة، فكانت عمالة تقرا كلام غريب من الكتاب، بصوت عالي، ومع كل العك اللي بيحصل قدامي ده، نور التلات شمعات انطفى ونور من تاني، وقتها الراجل حط الأرنب بعد ما مات جنب الصليب المتكسر والكتاب، ومن مكان ما في الأوضة، ظهر مخلوق غريب، شوفته على ضوء الشموع.. كيان شكله ملخبط، عيونه لونهم أحمر، وماقصدش إنهم عيون عادية بس لون بياضهم احمر، لا، ده لونهم هم نفسهم كان احمر زي النار، اما عن وشه، ف كان أبشع وافظع وش ممكن اشوفه في حياتي، له بوز او فك، زي الكلب بالظبط، وفي راسه، كان في قرنين صغيرين، اما عن لبسه، فماكنش لابس حاجة، هو جسمه كله كان مكسي بشعر أسود، حتى رجليه الاتنين، كان شكلهم غريب وملخبط، يعني كان فيهم تقوصات غريبة خلته يمشي ببطء ناحيتهم.
قرب الشئ ده من الراجل وانا واقف مبرق، ومع قربه منه، الراجل سجد له، ومن وراه سجدت الشابة ومن بعدها الست الكبيرة، لكن في لحظة سجودهم للكيان او للمخلوق ده، كان هو بيبص فين بقى.. ايوه زي ما انت حسبت بالظبط، البيه كان بيبص لي انا!
بلعت ريقي بصعوبة ورجعت خطوات لورا، ناحية باب الأوضة، لكن وانا برجع، خبطت في حاجة، لا دي مش حاجة، ده حد!
لفيت بالراحة عشان اشوف مين اللي ورايا، وساعتها حسيت إن الدم اتجمد في عروقي.. دي.. دي، دي رحمة خطيبتي اللي انتحرت من شهور!
كانت واقفة قصادي بنفس شكلها وهي ميتة، المختلف بس، إن القطع اللي كان في شراينها، كان عمال ينزل في دم، ده غير ان بشرتها كانت بيضا وماكانتش لابسة هدوم، دي كانت لابسة كفن لونه غامق اوي، لونه رمادي مغمق لدرجة إنه كان قريب من الأسود!
مفاصلي سابت، ريقي نشف، كل شعراية في جسمي انتصبت، ركبي كانت بتترعش لدرجة انهم كانوا بيخبطوا في بعض.. اعمل ايه، الف واروح ناحية الراجل والشابة والست، والمخلوق البشع اللي هم بيسجدوا له ده، ولا اقرب من خطيبتي الميتة بشكلها المرعب، وساعتها وبكل شجاعة وقوة، ازقها وافتح الباب واخرج من الأوضة؟!
مليون فكرة كانت في راسي، بس ولا واحدة منهم كنت قادر انفذهم، جسمي ماكنش مطاوعني على اي حركة، بس حتى لو كنت حاولت وجسمي كان نفذ أوامري، ماكنتش هلحق، طب ماكنتش هلحق ليه؟.. اقولك ليه، فجأة وانا واقف والخوف مكلبش فيا، حسيت بنفس ورا ضهري، اما قصادي بقى، فخطيبتي كانت بتقرب، خطوة، في التانية، في التالتة، لحد ما بقت قصادي بالظبط، ومع قربها مني اكتر واكتر، حسيت بإيد مولعة اتحطت على كتفي، ومعاها حسيت بنفس سخن جنب ودني اليمين!
في اللحظة دي اتكلمت خطيبتي، لكن الصوت ماكنش جاي منها، هي كانت بتحرك شفايفها والصوت كان جاي من صاحب النفس اللي واقف ورايا، وبيتنفس في ودني..
(انت السبب ياوحيد.. انت السبب.. انا مش هسيبك.. مش هسيبك.. لازم تموت ياوحيد.. لازم تمووت)
ومع كلمة لازم تموت، نور الشمع اللي ورايا انطفى والأوضة بقت ضلمة!
لحظات من السكوت، مافيش حركة، مافيش صوت إلا أنفاس، أنفاس كتير حواليا، ومعاهم صوت دقات قلبي اللي كان ناقصله شوية ويخرج برة صدري، ومع نيتي اني اتحرك خطوة من مكاني، حسيت إن في حد سحبني من رجلي ووقعت على وشي!
يتبع
بيت التروماي
٢
لحظات من السكوت، مافيش حركة، مافيش صوت إلا أنفاس، أنفاس كتير حواليا، ومعاهم صوت دقات قلبي اللي كان ناقصله شوية ويخرج برة صدري، ومع نيتي اني اتحرك خطوة من مكاني، حسيت إن في حد سحبني من رجلي ووقعت على وشي!
(الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله)
صوت الأذان خلاني انتبهت، ومعاه كل حاجة اختلفت، انا لما رَفعت راسي وبصيت حواليا، لقيت المشهد اتغير!
انا كنت واقع على الأرض في الأوضة الفاضية اللي جنب أوضة نومي، وشباك الأوضة كان مفتوح وداخل منه نور الشمس، وطبعًا كل حاجة غريبة كانت موجودة قصادي، اختفت!
قومت من مكاني وخرجت بسرعة برة الأوضة، الصالة كانت زي ما هي، العفش اللي فيها عفشي ومافيهاش أي حاجة متغيرة!
دخلت جري على الأوضة نومي ومسكت موبايلي، ومع بصتي على الساعة، اتفزعت.. احنا الضهر، يعني ايه، يعني انا نمت من المغرب للضهر وكل اللي شوفته ده كان حلم!.. بس حلم ازاي، انا كنت نايم في أوضة نومي، ولما صحيت، كنت في الأوضة اللي جنبي!.. لا لا لا، البيت ده فيه حاجة، انا مش مجنون ولا اللي شوفته ده كان مجرد حلم او كابوس.
فتحت باسوورد التليفون وطلعت رقم الراجل اللي اشتريت منه البيت واتصلت بيه.
(الهاتف الذي طلبته قد يكون مغلقًا)
مرة والتانية والتالتة، وفي كل مرة بيديني مغلق!
قعدت على السرير وانا بكلم نفسي زي المجنون..
-يعني ايه مغلق، هو مات ولا قافل تليفونه ولا نايم ولا انا اتنصب عليا واتباع لي بيت مسكون ولا ايه.. طب لو البيت مسكون وانا خلاص لبست فيه، اعمل ايه!
دماغي وقفت، مابقتش عارف اعمل ايه ولا اتصرف ازاي، كل جه في بالي وقتها إني ادور على حد يساعدني، وبما إني ماليش صُحاب كتير، واقرب حد ليا هو كريم، فانا اتصلت بيه وقولتله إن انا رايحله الشركة، وفعلًا.. قومت غسلت وشي وغيرت هدومي وخدت بعضي وروحت عالشركة، ومع وصولي، دخلت لمكتب كريم، وبعد ما دخلت وسلم عليا وسألني عن احوالي وعن سبب زيارتي اللي مابتتكررش كتير، حكيتله اللي حصل معايا، وبعد ما خلصت، بص لي بتركيز وقالي..
-طب والعمل؟!
-لا ياراجل!، هو انا جاي احكيلك واستنجد بيك عشان تسألني عن العمل!.. انا بحكيلك عشان تلاقيلي تفسير.
-طب ما تجرب تتصل بالراجل اللي باع لك البيت.
-يا سلام على ترعة المفهومية اللي بتسري جوة نفوخك، ياأخي اومال انا بقول ايه من الصبح، الراجل تليفونه مغلق.
سكتنا شوية وفضلنا ساكتين، لحد ما قطع السكوت وهو بيبصلي..
-طب بص ياوحيد، انا شايف انك ممكن تكون بتمشي وانت نايم.
-لا والله!.. طب هنفترض ان كلامك صح واني بمشي وانا نايم، تفسر بإيه بقى كل اللي شوفته من بالليل لحد الصبح!
-مش عارف.. ممكن نقول انه كابوس بسبب انك لسه ماخدتش عالبيت وكده، وبالنسبة لظهور خطيبتك، فده اكيد بسبب إنك لسه بتفكر فيها.
-لا ياكريم، لا، انا اه لسه بفكر فيها، بس انا ماشوفتهاش قبل كده في اي حلم من احلامي، وبعدين انا بقولك اهو.. اللي شوفته ده ماكنش كابوس ولا حلم مر عليا والسلام، ده.. ده كان حقيقي اوي… كريم، هو انا اتجننت ومحتاج اتعالج؟!
حط إيده على خده وبص في عنيا بتركيز..
-حلوة الفكرة دي، ما تجرب تروح لدكتور نفساني، وخلي بالك، مش كل اللي بيروحوا لدكاترة نفسيين بيبقوا مجانين، انا شايف إنك لسه متعلق برحمة ومحمل نفسك ذنب انتحارها من غير أي داعي.
بصيتله وسكتت، ماكنتش لاقي كلام اقوله، انا مش هروح لدكتور نفسي، انا مش مجنون، واللي شوفته في البيت ده أكيد لِه تفسير.
-لا ياكريم، لا، انا ماتجننتش، انا اللي شوفته في البيت ده وراه سر كبيى، والسر ده انا لازم اعرفه.
-ماشي، بس انا شايف إنك ماتقعدش لوحدك، روح بات في بيت اهلك، عالأقل النهاردة، مش وارد يكون البيت مسكون فعلًا!
-ولو.. حتى لو مسكون، ياانا ياهم في قلب البيت، ده بيتي اللي اشتريته بفلوسي، بقولك ايه.. انا هروح البيت وهشغل قرأن، وزي ما قولتلك، ياانا ياهم.
-ياوحيد استنى بس.. طب اصبر هكلملك اي حد يشوفلنا شيخ.. ياوحيد.. ياابني..
سيبته وخرجت، ماهتمتش بكلامه، كريم ماعندوش تفسير، ولا اي حد هيقدر يلاقيلي تفسير، التفسير انا اللي هلاقيه بنفسي، انا هروح البيت وهشغل قرأن وهفضل قاعد لهم بقى، اما نشوف اخرتها.
روحت البيت وعملت اللي كنت ناوي عليه، كان الوقت قرب على العشا.. فتحت البلكونة وقعدت في الصالة وشغلت قرأن على اللابتوب، سرحت لثواني وانا باصص على الأرض الصحراوية الفاضية اللي حوالين البيت، وفي وسط سرحاني، تليفوني رن.
-ايوه ياابويا.
-ايوه ياوحيد، انت فين؟!
-انا في البيت يابابا، في حاجة ولا ايه؟!
-ايوه ياابني، كريم صاحبك كلمني وقال لي انك شوفت حاجات غريبة في البيت و..
قاطعته قبل ما يكمل كلامه..
-باباا.. انا كويس وماحصليش اي حاجة، ولو ناوي تديني محاضرة وتقولي انك مش موافق على قعادي لوحدي، فارجوك ماتكملش كلامك، انا كبرت دلوقتي وكلها كام شهر وهكمل التلاتين سنة، فأظن يعني اني كبير كفاية واقدر احل مشاكلي بنفسي.
-ياابني ومين قال انك صغير بس، انا ماقصدش كده، انا اقصد إن قعادك لوحدك ده غلط، ولو ياسيدي بتفكر إنك تستقل بحياتك، فانا قولتلك إني مش ممانع، اتجوز واستقل بحياتك.
-لا يابابا، انا مش هتجوز وهستقل بحياتي، انا مش محتاج حد في حياتي، ولو على البيت واللي شوفته فيه، فانا كلمت شيخ وهيجي يرقيهولي، سلام بقى عشان ورايا شغل لازم اخلصه.
قفلت مع ابويا السكة بعد ما كدبت عليه، ايوه انا كداب، انا ماكلمتش شيخ، ولا حتى مبسوط بحياتي وانا لوحدي، بس انا كنت هعمل ايه يعني، انا ماقداميش غير اني افضل لوحدي، وده مش عشان خطيبتي انتحرت وانا من بعدها مابقتش عارف اعيش مع غيرها، لا، انا اتعقدت، اتعقدت من الجواز ومن الخطوبة ومن… ايه ده؟.. ايه الصوت ده!.. ده صوت أطفال بتعيط جاي من أوضة نومي!
قومت من مكاني بالراحة وروحت ناحية الأوضة، فتحت الباب بشويش وانا مستني اي مصيبة تطلعلي من جواه، لكن لا، المصيبة ماطلعتش، المصيبة كانت في اللي شوفته جوة!
جوة الأوضة كان في مجزرة، الدم مغرق الأرض والحيطان، وعلى سريرين ماعرفش جُم امتى ولا جُم منين، كان في دم كتير اوي!.. الدم ده دم مين؟.. ماخدتش وقت كبير عشان اعرف، انا لما دخلت واتمشيت في الأوضة، شوفتهم، بنت صغيرة، تقريبًا ماعدتش العشر سنين، وجنبها ولد صغير، عمره تقريبًا خمس سنين، والاتنين اللي كانوا على الأرض بين السريرين، كانوا مدبوحين، ومش بس مدبوحين، دول كانوا متشرحين، أجسامهم مليانة جروح عمالة تنزل في دم!
رجعت بسرعة وروحت ناحية الباب وقفلته، خرجت برة الأوضة ورجعت للصالة من تاني، لكن مع رجوعي، اكتشفت مصيبة اكبر.
الصالة كان فيها نفس العفش اللي شوفته بالليل، والمزيكا اللي كانت شغالة امبارح، رجعت اشتغلت من تاني، كل حاجة بتتكرر، بس المختلف كان الدم والجثث.
دم في كل مكان، على العفش وعلى الأرض وعلى الحيطان، وفي وسط الدم والريحة القذرة اللي كنت شاممها، شوفت جثثهم، اربع جثث.. جثة الراجل الاجنبي الخمسيناتي، وجثة الشابة، وجثة الست اللي شببها، وكمان جثة الست السمرا، الاربعة كانوا مدبوحين ومتشرحين، منظر بشع، منظر خلاني حطيت إيدي على بوقي من القرف، وقبل ما اخرج من البيت او اروح ناحية الباب الرئيسي، اتسمرت فجأة في مكاني لما سمعت باب أوضة بيتفتح!
لفيت رقبتي وبصيت ورايا، الباب اللي اتفتح هو باب الأوضة الفاضية اللي جنب اوضتي، ومن جواها، خرج نفس الكائن اللي شوفته امبارح، لكن المرة دي، كان سعيد، مبسوط، اتمشى من عند باب الأوضة لحد الجثث، وقف حواليهم وفضل يبص لهم، ومرة واحدة، المزيكا الغريبة اللي بتخرج تملي من الجرامافون، صوتها بقى أعلى، وعلى نغماتها، كان المخلوق او الشيطان ده عمال يرقص!
وقتها اتشجعت ورجعت لورا، روحت ناحية باب البيت وقررت افتحه، بس ياريتني ما كنت عملت كده، انا أول ما فتحت الباب، لقيت قصادي كلب اسود ضخم، برقتله وهو بيزمجر، شكله بيقول إنه بعد ثواني هيهجم عليا!.. رجعت لورا خطوتين بهدوء، ومن غير أي مقدمات، رزعت الباب، ومع رزعته، سمعت صوت الكلب وهو بيخبط فيه وبعد كده فضل يهوهو بشكل هيستيري!
الزمن وقف بيا، انا كده اتحبست جوة البيت مع الجثث والشيطان الغريب اللي واقف قصادي ده، ولو فكرت اخرج، الكلب اللي بره هيقطعني!
وقتها مافكرتش في حلول، انا غمضت عيني وابتديت اقرا قرأن بصوت واطي..
(بسم الله الرحمن الرحيم.. بسم الله الرحمن الرحيم.. قل هو الله أحد، الله الصمد..)
-شششششش.. اسكت ياوحيد، اسكت، انت هتعمل فيها شيخ ولا ايه؟، لا وعلى مين، عليا انا، ياراجل ده اللي انت عملته خلاني اسقفلك.
وقفت قراية وفتحت عيني عشان اشوفه، اللي قصادي وقالي الكلام ده، كان هو، نفس الشيطان اللي كان واقف، بس المختلف فيه المرة دي، إن شكله كان بيتغير، الشعر اللي على جسمه بيتشال وتكوينه فضل يتغير لحد ما بقى نسخة مني!
-انت مين؟!
قرب مني بخطوات هادية، وبكل هدوء بص لي وابتسم..
-ياراجل!.. معقول مش عارفني!، انا اللي خليت اللي حواليك دول يموتوا بالطريقة البشعة دي، وانا اللي خليتك تفكر فاللي انت عملته بعد ما وقعتك في الغلط.. بس ايه رأيك، كنت تتوقع في يوم من الأيام انك تقابلني؟!
برقتله ورديت عليه بذهول..
-انت.. انت.. انت أبليس!
-يااه.. قديم اوي الاسم ده، تقدر تقولي لوسيفر، زي ما الراجل الاهبل ده كان بيناديني وقت ما حضرني.
-اعوذبالله.. اعوذبالله منك.
-ايييه.. بتستعيذ بيه من مين، مني انا؟!.. انا اللي لا زَنيت ولا اتسببت في موت ولا عملت نص اللي انت عملته، ايه، اتجننت وبتستعيذ مني انا؟!
لما كلمني بالثقة دي، خوفت منه، اتاخدت، حسيت انه عارف عني كل حاجة، وعشان كده، غصب عني رديت عليه وانا متوتر..
-طب انت.. انت عاوز مني ايه؟!
-مش انا اللي عايز يا وحيد، مش انا اللي عايز، قرينها او شيطانها هو اللي عايز، اصل انا هفهمك، القرين او الشيطان بيظهر بشكل كامل في الأماكن اللي زي البيت ده، لأنها بتعتبر بوابة، بوابة بين عالمنا وعالمكوا، وعشان كده هو ظهرلك هنا، ومش بس ظهرلك، ده كمان عاوز ياخد حقها منك.
كان بيقولي كده وهو بيشاور ناحية الحمام اللي خرجت منه، رحمة خطيبتي، كانت بنفس شكلها وهيئتها اللي شوفتهم عليها امبارح، شرايينها كان مكانهم قطعين عمالين ينزلوا في دم، قربت مني بسرعة رهيبة، اما هو، ف وقف بعيد، كان بيتفرج عليها وهي بتقرب مني اكتر واكتر، زقتني في صدري بقوة لدرجة اني اتخبطت في باب البيت ووقعت.. وفي اللحظة دي، قعدت على ركبها وبصت لي في عينيا، عينيها كانت بيضا تمامًا، نَفسها كأنه خارج من جهنم، وبإيديها المليانين دم، مسكت رقبتي بكل قوة وهي بتصرخ في وشي..
(هتمووت ياوحيد.. هموتك ياوحيد زي ما كنت السبب في موتي.. هتمووت ياوحيد.. هتموت..)
نفسي ابتدا يتقل، حسيت ان روحي بتطلع، حاولت اقاوم او ازق ايديها، لكن مافيش فايدة، قوتها كانت اعلى مني بمراحل، وعشان كده، قررت استسلملها واسيب نفسي خالص، اسيب نفسي لقدري المحتوم.. الموت.
يتبع
بيت التروماي
٣
(هتمووت ياوحيد.. هموتك ياوحيد زي ما كنت السبب في موتي.. هتمووت ياوحيد.. هتموت..)
نفسي ابتدا يتقل، حسيت ان روحي بتطلع، حاولت اقاوم او ازق ايديها، لكن مافيش فايدة، قوتها كانت اعلى مني بمراحل، وعشان كده، قررت استسلملها واسيب نفسي خالص، اسيب نفسي لقدري المحتوم.. الموت.
(صوت خبط بأكتر من إيد على باب)
الصوت ده خلاني فتحت عيني، طب انا فين!.. انا كنت واقع على الأرض ورا الباب، ونور الشمس كان داخل من البلكونة المفتوحة، ايه ده؟!.. يعني انا ماموتش!
قومت من مكاني وانا بمسك رقبتي بدهشة وفرحة، بس فرحتي بإني لسه عايش مادامتش كتير، وده بسبب اني سمعت صوت جاي من ورا الباب اللي بيخبط، كان صوت راجل بيتكلم بلكنة فلاحي..
-افتح ياللي جوة.. افتح وإلا هنكسر الباب.
فتحت الباب وبصيت للي بيخبط، ماكنش واحد، كانوا اكتر من راجل كلهم لابسين جلاليب وماسكين في ايديهم عصيان!.. بصيتلهم من فوق لتحت وسألتهم باستغراب..
-انتوا مين وبتخبطوا عالباب كده ليه؟!
رد واحد منهم وقالي بنرفزة مش مفهومة..
-احنا برضك اللي مين؟!.. انت اللي مين وبتعمل ايه هنا؟!
-بعمل ايه هنا ازاي مش فاهم، ده بيتي.
-ااه بيتك.. شكلك كده واحد منهم ومفكر نفسك ناصح، بينا عالمركز يارجالة.
ومع جُملته الاخيرة، العركة دارت، زق وضرب وخناق، شد وجذب انتهوا بإننا روحنا المركز، وهناك، وبعد ما خرجوا الرجالة اللي اتخانقت معاهم، قعدت في مكتب الظابط، الظابط اللي بعد ما هداني وقعدني قصاده عشان يفهم مني اللي حصل، بص لي بكل هدوء وسألني..
-اديني خرجتهم اهو عشان افهم منك، قولي بقى ياسيدي، ايه اللي جابك جوة البيت ده؟!
بصيتله باستغراب..
-ايه اللي جابني!.. يعني ايه ايه اللي جابني يافندم، البيت ده بيتي، اشتريته من سمسار اسمه خالد، وبالأمارة كمان كان معاه توكيل من صاحب البيت اللي عايش برة مصر، وكمان كان معاه حُجة البيت الأصلية.
ضحك الظابط وبعد كده قالي بتريقة..
-ااه.. قولتلي بقى، انت اتنصب عليك.
-اتنصب عليا.. ازاي مش فاهم؟!
-هفهمك، بس قولي الأول بس، انت اتعرفت على خالد ده ازاي؟
-هقولك يافندم.. انا بقالي فترة بدور على بيت كويس عشان اعيش فيه لوحدي، وفي مرة وانا بقلب على الفيس بوك، شوفت اعلان عن البيت ده، فاتواصلت مع اللي كاتب الاعلان وكان هو، خالد، بعد كده قابلته واشتريت منه البيت ب ١٥٠ ألف جنيه، وبصراحة هو كان سلس جدًا والموضوع خلص في قعدتين، وبعد ما خلصنا الورق وخدت منه الحُجة والعقد، قالي إنه هيبقى يقابلني بعد فترة عشان نوثق كل حاجة في الشهر العقاري، وبعد ما اشتريته، نقلت عفشي وابتديت اعيش، عادي يعني، زي اي واحد بيعيش في بيته.
-اه، بس ده لما يبقى بيته فعلًا، مش بيت فاضي مالوش ورثة ولا له مالك من اساسه.. ثواني يااستاذ وحيد.
قالي كده وقام من على مكتبه وراح ناحية دولاب فيه ملفات، جاب ملف منهم واداهولي في إيدي وهو بيقولي..
-بص عالملف ده كده.
فتحت الملف وابتديت ابص على اللي جواه، كانت اخبار من جرايد قديمة اوي وصور ابيض واسود لعيلة، بس لا، دي مش اي عيلة، دي نفس العيلة اللي شوفتها متقطعة في البيت.. وفي وقت ما انا بقلب في الملف، الظابط ابتدا يتكلم ويحكيلي..
-بعد الحرب العالمية التانية، وبعد خراب ألمانيا، جه راجل ألماني عشان يعيش في مصر، الراجل ده كان اسمه (آندرياس).. كان عنده حوالي خمسين سنة، جه هو ومراته وبنته وأحفاده الاتنين، ولد وبنت صغيرين، وكمان كان معاهم خدامة من أصول أفريقية، كلهم جم على البحيرة واشتروا حتة أرض، وعلى حتة الأرض دي، بنوا بيت وعاشوا فيه، كانوا في حالهم، لا ليهم علاقة بحد ولا حد له علاقة بيهم، لكن الناس اللي كانوا عايشين حوالين البيت، كانوا بيقولوا إن الراجل ده كان نشيط بشكل غريب، بيصحى الصبح بدري ويراعي الأرض اللي كان زارعها ورا البيت، وبالليل بيروح يسهر ويلعب قمار مع جماعة اصحابه في مكان قُرب البحيرة، ومع الوقت ومرور الأيام، الفلاحين طلعوا إسم على آندرياس، سموه التروماي، وده لأنه كان سريع وبيعمل كل حاجة بسرعة، يزرع أرضه وينزل السوق وبالليل يسهر، لكن فجأة، الدنيا اتغيرت واتبدلت، وده لما في يوم واحدة من الفلاحين، قالت إن الخدامة الافريقية اللي كانت مع عيلة التروماي، اتكلمت معاها وهي في السوق وقالتلها كلام غريب بلكنة عربية مكسرة، قالتلها إن آندرياس وعيلته ناس مش مظبوطين، الراجل ده بيحضر شياطين عشان يغتني، وفي نفس الوقت برضه، في علاقة غير شرعية بينه وبين بنته، وقالتلها كمان إن الواد حفيده، يبقى ابن التروماي نفسه!، وقتها الناس خافوا من الراجل وكانوا هيطردوه من بلدهم، لولا إن بعدها على طول الخدامة اتكلمت وقالتلهم إن كل ده كدب، وانها ماقالتش حاجة لحد، طب هتقولي الخدامة غيرت كلامها ليه، هقولك إن الراجل هددها او جايز يكون اداها فلوس، في الحقيقة مش عارف، لكن اللي اعرفه كويس اوي، إن الخدامة بعدها بفترة، رجعت تقول إنها بتشوف شياطين في البيت وفي المزرعة اللي وراه.. بس المرة دي لما حكت، الناس ماهتمتش ولا صدقوها، قالوا انها ممكن تكون بتكدب او ممكن تكون مجنونة، لكن بعد كلامها ده بأيام،العيلة كلها اختفت، ماحدش بقى بيشوف التروماي ولا بنته ولا مراته ولا حد من أحفاده ولا حتى الخدامة، ولما اختفاءهم طَول، الناس اتلموا وقرروا يروحوا البيت ويسألوا عنهم، وساعتها الناس اكتشفوا الكارثة، العيلة كلها كانت ميتة، كلهم كانوا مدبوحين واجسامهم متشرحة، وكأنهم مثلًا اتعذبوا قبل ما يموتوا!.. جه بعدها البوليس وحقق، واللي اتكتب في الأخر كان كالأتي، النيابة قالت إن آندرياس الشهير بالتروماي، كان فعلًا راجل مجنون هو وعيتله وكانوا بيحضروا جن وشياطين، واكبر دليل على كده، هي الحيوانات اللي لقوها مقتولة بطريقة بشعة في أوضة من أوض البيت، وكمان كتب السحر والشموع اللي لقوها في نفس الأوضة، وبس.. خلاص، اتقفلت القضية على إن الراجل ده هو اللي قتل عيلته كقربان للشيطان، وبعد كده انتحر، ومن وقتها والبيت اتقفل وبقى مهجور، والأرض اللي حواليه مع الوقت والأهمال، بقت أرض صحراوية، بس من وقتها ولحد من فترة قريبة، في ناس كتير حاولت تاخد البيت بوضع اليد، بس ماعرفوش، وماقصدش هنا ان في حاجة منعتهم، لا، ده كل واحد كان بيدخل البيت وبيحاول يستقر فيه، كانت بتحصله بلاوي وبيقول انه شاف جواه اشباح وشياطين، والظاهر كده إن اللي اسمه خالد اللي باعلك البيت ده، راجل نصاب، سمع عن البيت وعن حكايته، ف زور ورق وبطاقة وباعهولك بالطريقة دي، بس امبارح بالليل ووقت ما كان في فلاحين معديين من جنب البيت، وده نادرًا ما بيحصل يعني لأن البيت في مكان خلا وبعيد، شافوا جواه نور منور، ف راحوا وحكوا لجيرانهم، ومع طلعة النهار جُم يشوفوا مين اللي عايش في البيت، واللي طبعًا قالوا إنه حرامي لإن البيت مالوش ورثة ولا له مالك عشان يبيعه.
بعد ما خلص الظابط، كنت انا خلصت تقليب في الملف اللي بيثبت كلامه وحطيته على المكتب..
-طب والعمل يافندم؟!
-ولا حاجة، انت هتاخد عفشك وحاجتك وانا هعمل محضر نصب للي اسمه خالد ده وهنبدأ ندور عليه، ده لو كان اسمه خالد من أصله.
-طب وفلوسي، واللي شوفته جوة البيت، ده انا كده مش هعرف اعيش زي البني أدمين، دي لما ظهرتلي من جواه، كانت مصممة انها تموتني.
بص لي الظابط باستغراب وسألني..
-مين دي؟!
-رحمة، خطيبتي اللي انتحرت من شهور، من يوم ما سكنت في البيت وهي بتظهرلي، بس تعرف، جايز النصيب خلاني اشتري البيت وخلاها تظهرلي واجيلك هنا، عشان اعترف بذنبي، انا بقالي شهور مش عارف اعيش.. هو اه ماكنتش بشوف كوابيس ولا عمرها ظهرتلي من يوم ما ماتت، بس انا عذاب الضمير كان بيموتني، ويمكن عذاب ضميري ده هو السبب في إن انا قررت انعزل عن البشر واعيش لوحدي.
-استاذ وحيد، انا مش فاهم اي حاجة، ممكن تهدا كده وتفهمني كل حاجة بالراحة!
-حاضر يافندم، حاضر.. انا من بعد ما اتخرجت من كلية نظم ومعلومات، وانا شغال مبرمج في شركة واحد صاحبي اسمه كريم، والشركة دي هو ورثها عن ابوه، لكن ده مش المهم، المهم ان شغلي في الشركة ماكنش بيكسب اوي، وعشان كده اتعلمت شغلانة تانية، اتعلمت الهاك، بقيت هاكر يعني.. لكن مش هاكر من اللي بيأذوا الناس وبيتسببوا لهم في مشاكل وتهديدات، لا، انا ماكنتش كده، انا كنت من نوعية الهاكر الأبيض، ما هو أصل الهاك بيتقسم لتلات أنواع، نوع أسود، وده اللي بيسرق البيانات وبيخترق حسابات في البنوك وكده.. ونوع تالت اسمه الرمادي، وده بيسرق البيانات اه بس مابيسربهاش، ده بياخد فلوس عشان ماتتسربش وبيمسحها بعد كده من عنده، وكمان في نوع تالت، اسمه الهاكر الأبيض، وده اللي انا اتعلمته، والنوع ده شغلته أنه يدخل على المواقع والتطبيقات ويكتشف الثغرات اللي فيها، وبعد ما بيكتشفها، بيبلغ الشركة المسؤولة عن الموقع او التطبيق بالثغرة، وكمان بيساعدهم يسدوها، لكنه في المقابل، بياخد منهم فلوس، وده اللي انا كنت بعمله، وبصراحة الشغلانة دي جابت لي فلوس كتير، فلوس خلتني يوم ما قابلت بنت وحبتها، اتقدمتلها على طول واشتريت شقة وبدأت اوضبها، لكن المشكلة ماكانتش في الفلوس ولا في الشقة، المشكلة كانت فيها هي، رحمة.. رحمة خطيبتي وقت ما كنا بنوضب شقتنا، حصلت ما بيننا علاقة، واثناء العلاقة دي، اكتشفت انها للأسف، مش أنسة.. يومها فضلت تعيط وقالتلي انها غلطت مع واحد كانت بتحبه زمان، وانها خلاص، علاقتها بيه اتقطعت، ولأني كنت بحبها، سامحت، سامحت وقررت استر عليها واتجوزها، بس بيني وبينك كده، الشك من وقتها وهو دخل جوايا، وبسبب شكي ده، استغليت شغلتي التانية كهاكر واخترقت تليفونها، واللي شكيت فيه وحسبته، لقيته.. الهانم كانت لسه على علاقة بالشخص اللي غلط معاها، وياريتها جت على كده وبس، ده انا اكتشفت كمان انها وافقت عليا عشان تستغلني وتاخد مني فلوس وتديهاله، ولأنه مش بتاع جواز ولا معاه فلوس يقدر يتجوزها بيها، قرر يقضيها معاها، وهي كمان كانت حابة ده جدًا، وساخة بقى بعيد عنك، بس انا.. انا وقتها اتجننت، مابقتش عارف اعمل ايه، اقتلها واتسجن، ولا انتحر واموت كافر.. التفكير كان بينهش في عقلي زي الكلاب المسعورة، وفضلت كده لأيام، او بالتحديد، لحد ما جت لي فكرة.. اشتريت خط جديد وابتديت اكلمها منه عالواتس، وعن طريقه، بعتتلها صور ليها كانت باعتاها للبيه، صور فاضحة، وبعد ما بعتلها الصور وهددتها بيها، خيرتها بين تلات اختيارات، يأما تديني مليون جنيه في مقابل اني امسح الصور دي، وده طبعًا مستحيل عشان هي من عيلة فقيرة، يأما انزلها عالنت، يأما تنتحر، وقد كان.. كسرت تليفونها واختارت الاختيار التالت وانتحرت، اما انا، فمسحت كل الداتا اللي كانت عندي وعملت نفسي زعلان عليها، مع إن انا.. انا السبب في موتها.
لما وصلت لحد هنا الظابط سألني..
-طب واللي خانتك معاه، قتلته هو كمان؟!.. وبعدين انت ايه اللي خلاك تعترف دلوقتي؟
-لا.. اللي خانتني معاه ماعرفتش اوصل له، الظاهر كده انه سافر برة مصر بعد ما رحمة انتحرت، وحقيقي ماعرفش ليه ولا ازاي، اما عن سبب اعترافي، فاللي شوفته جوة البيت ملعون ده، هو الجحيم بعينه، ماهو.. ماهو زي ما هو قالي، البيت بوابة بين عالمين، وانا من خلال البوابة دي طلعلي قرينها، ومش بعيد اني حتى لو سيبت البيت، مش بعيد يجي ورايا لأي مكان ويتسبب في موتي او جناني، وانا عشان احمي نفسي منه واريح ضميري، قررت اعترف.
ابتسم الظابط ابتسامة خفيفة وبعد كده قالي..
-طب تفتكر اني لو عملت محضر وقررت احولك للنيابة، هيحصل فيك ايه؟!
-هتعدم، هتحبس.. مش هتفرق ومش مهم، مش مهم اي حاجة، المهم اني اريح ضميري وابعد شيطانها عني.
-غلط ياوحيد، غلط، ولا هتتعدم ولا هتتحبس، وهقولك ليه، كل كلامك ده مافيش عليه دليل واحد، انت بعضمة لسانك قولت إنها كسرت تليفونها وانك مسحت الداتا، وكمان قولت ان الواد اللي خانتك معاه سافر برة، يعني طالما مافيش دلايل، يبقى مافيش قضية من أصله.
-ازاي؟!.. طب وانا، انا هعيش ازاي بعد كده، انا كده ممكن اتجنن او شيطانها ده يموتني!
-لا ماتخافش، الشياطين والعفاريت مابيموتوش حد، وبالنسبة بقى لانتحارك او جنانك، فده قدرك، زي ما الانتحار كان قدرها، والبيت برضه، انك تشتريه وتشوف اللي شوفته جواه، ده كان قدرك.. قدرك اللي بيه تبقى بتكفر عن ذنوبك، بالظبط زي ما هي حاولت تكفر عن ذنوبها بالانتحار.
بعد ما الظابط قالي كده، وقفت قصاده وقولتله بزعيق..
-لا.. لا، انا مش هخرج من هنا ولا هرجع لحياتي من تاني، انا.. انا لازم اتحاسب على اللي عملته، انا مش هرجعلها تاني، لا في بيت التروماي ولا في اي بيت تاني، انا لازم اتحاسب، لازم اتحاسب.
وفعلًا، الظابط عمل محاضر بكل حاجة، محضر بواقعة بيع البيت والنصباية اللي اتعملت عليا، ومحضر باعترافاتي وبكل اللي حصل، وفي النهاية، اتحولت للنيابة ومنها لمستشفى المجانين.. مستشفى المجانين اللي قعدت فيها فترة وبعد كده خرجت، بس بعد ما خرجت، وبسبب الكوابيس والشياطين اللي بقيت بشوفهم بالليل في احلامي او حتى وانا صاحي، وده كمان بعد ما رجعت اعيش مع ابويا وامي، قررت اعمل حاجة يمكن يبعدوا عني… انا عملت زي خالد، دخلت على الفيس بوك بأكونت فييك وكتبت بوست وحطيت فيه صور البيت وقولت انه معروض للبيع، وأديني اهو.. أديني في انتظار المغفل اللي هيجي من بعدي ويشتريه، المغفل اللي هعمل معاه زي ما خالد عمل معايا بالظبط، وهبيعله البيت.. بيته، بيت الشيطان، البوابة اللي بين العالم بتاعه وعالمنا.. او بمعنى أوضح وأدق.. انا مستني المغفل اللي هنصب عليه وهبيعله التروماي.. قصدي.. بيت التروماي.
تمت