ولاد حتاتة..
بعد غيابي عن البلد مدة طويلة، رجعت ونويت استقر وسط اهلي… والحمد لله ربنا كرمني بمبلغ كويس، اقدر بيه اشتري ارض وابني عليها بيت لاولادي واعمل مشروع يعيشني انا واسرتي عيشة محترمة، خاصة اني من عيلة معروفة في منطقتي، وليا قرايب وظايفهم في البلد وظايف تقيلة، فلازم اكون زيهم، او على الاقل في نفس مستواهم، بعد رجوعي استقريت في بيت ابويا، والشهادة لله.. كانوا اخواتي شايليني من على الارض شيل، وقتها حمدت ربنا على اني اتولدت لاب زي ابويا، جمعني انا واخواتي تحت سقف المودة.. وفجأة.. نبهتني مراتي اننا مش هينفع نكمل باقي حياتنا واحنا قاعدين هنا، فكان لازم ابدأ ادور على ارض او شقة تكون كويسة، وعشان كده على قرب المغرب، اتصلت على واحد صاحبي، وبعد السلامات قولت له:
-خد مواصلة سريعة وتعالى لي.. عاوزك، هتلاقيني مستنيك ع القهوة اللي على ناصية بيت ابويا.
رد عليا بأنه نص ساعة بالكتير وهيكون عندي، وفعلا.. على ما نزلت من البيت، وطلبت كوباية شاي، كان وصل القهوة.. سلم عليا وقعد في الكرسي اللي قصادي.. ندهت على صبي القهوة وقولتله بصوت عالي:
-صابر، صابر.
جه الواد بسرعة:
-اؤمرني يا استاذ “صلاح”؟
-شوف عمك “محمد” هيشرب ايه.
طلب “محمد” فنجان قهوة، وطلبت انا كمان فنجان ليا، بعد كده بصت له بتركيز وبدأت الكلام:
-بدون مقدمات طويلة يا محمد، انت عارف اني سافرت عريس، والحمد لله ربنا اكرمني بتوأم، وزاد كرمه عليا بقرشين حلوين، بس لا لحقت اوضب شقة، ولا أجهز مكان للمعيشة، وزي ما انت شايف.. لما رجعت لقيت نفسي زي الغريب، حال البلد اتغير، واسعار كل حاجة اختلفت، فعاوزك تساعدني وتشوف لي شقة حلوة او مكان كويس اعيش فيه مع اهل بيتي.
سكت شوية وسرح مع نفسه، لحد ما قطع الصمت، صوت صبي القهوة:
-الطلبات يا أساتذة.
حط فناجين القهوة على الترابيزة ومشي، بصيت لمحمد وكنت لسه هسأله على سبب السرحة الطويلة دي، سبقني هو بالكلام لما قال:
-طلبك عندي، ولو من النهاردة عاوز تسكن، أسكنك.
فرحت جدا باكلام اللي قاله ورديت عليه بحماس:
-حلو اوي الكلام، بس فين السكن السريع ده؟.. اوعى ياض تكون ناوي تسمسر فيا.
ضحك وهو بياخد فنجان القهوة اللي قصاده:
-عيب عليك يا جدع، ده احنا صحاب عمر ومتربيين سوا، هو بس الزمن وعمايله اللي خرجني من الحتة، وسفرك انت في بلاد الغربة.. بس الاول في حاجة، المكان ده لا هو ارض ولا شقة، ده بيت كبير.. ييجي 4 ادوار ولا يمكن خمسة، مش فاكر بالظبط، ما هو انا لمحت أعلان بيعه على الفيس.
دورت الكلام في عقلي ورديت عليه بأستغراب:
-بيت!.. بس ده ممكن تمنه يبلع نص شقا السنين، ده اذا ماخدوش كله يعني، لا والاهم.. البيت ده فين مكانه؟
-اسمعني بس.. وبعد السمع اعقل واوزن الكلام، وفي الاخر القول قولك يا صاحبي.
هزيت راسي بأهتمام، فكمل كلامه:
-البيت ده موجود في المنطقة هنا، يعني مش هتبعد كتير عن اهلك، الورثة عارضينه للبيع عشان مش ساكنين فيه، والحلو بقى في الليلة دي.. إن الورثة حريم، واجوازهم هم اللي متصدرين في البيعة، يعني حوار الفلوس هيبقى فيه خد وهات، وماتقلقش.. انا هكون معاك واخلص لك الحوار كله.
سندت دراعي على الترابيزة، ولمست بكف ايدي عند دقني، كُنت بدور الكلام في راسي، الكلام اللي مانكرش انه عجبني.. وبعد ثواني سألته:
-وده بيت حد نعرفه في المنطقة؟
رجع بضهره لورا وقالي:
-هو أكل ولا بحلقة، بقولك بيت حلو.. تقولي بيت مين؟.. مالك انت ومال أهل البيت، يارب حتى يكون بيت الشياطين الزرق، المهم الفايدة ومصلحتك تتقضي، صح كلامي ولا ايه؟
-لا كلامك عين العقل.
خلصت جملتي وقام.. بعد كده بص لي وقال:
-هتفضل قاعد مكانك!.. ما تقوم يا ابني خلينا نروح نشوف البيت.
-دلوقتي؟!
رد عليا وهو بيشدني من ايدي:
-يا عم قوم، ايوه دلوقتي.. ماهو دلوقتي زي امبارح وزي بكرة، الانجاز مافيش احسن منه.
دفعت حساب المشاريب وقومت روحت معاه، مشيت معاه مسافة مش قليلة، ندخل في شارع، نخرج من الناحية التانية على شارع تاني.. لحد ما من غيظي منه قولت له:
-هو ده اللي قريب يا محمد بيه!
-انكر بقى ان احنا لسه في منطقتنا.
هزيت راسي وضحكت، ومع ضحكتي قالي:
-على العموم احنا وصلنا.
شاور بأيده ناحية بيت على ناصية شارع، البيت فعلا كبير، 5 ادوار، بس لاحظت حاجة ما قالش عليها محمد، ان الدور الارضي مش شقة، او حتى دور سكن.. ده زي مايكون دكان او محل، المحل مقفول بباب كبير وعليه قفل زي الداهية.. ويافطة مساحتها واخدة عرض البيت، وعلى اليافطة.. كان في تراب كتير وعش عناكب على الجوانب، وكمان كان في كلام مكتوب على اليافطة، بس الكلام مش باين كله.. يادوب بس كام حرف، وده بسبب التراب اللي مغطيها.. الحروف تقريبا كانوا لام ألف.. و حرف ال ح.. وتاء مربوطة!
ركزت على اني اجمع الحروف ماعرفتش، خبطني محمد على كتفي عشان يفوقني من سرحاني:
-ايه الحكاية؟.. هتفضل متخشب قصاد البيت كتير، ها.. ايه الدنيا معاك؟
خرج مني الرد تلقائي، ودي حاجة من النادر اني اعملها:
-اتصل على حد من صحاب البيت، ييجوا يفتحوه عشان اشوفه من جوه.
كلم محمد واحد، وقاله اننا مستنينه قصاد البيت عشان عاوزين نتفرج عليه، وماعداش 10 دقايق ولقينا راجل جاي ناحيتنا، سلم علينا ورحب بينا، وبعدها قرب من باب البيت، وساعتها انتبهت لحاجة.. حسيت إن الراجل متردد يفتح الباب، للحظة شوفت ايده وهي بتدخل المفتاح في الباب، كأنها بتترعش.. ماكنتش فاهم اللي شايفة ده صح، ولا تهيؤات وخطرفة الليل.. خدت نفس طويل مع انتظار فتحه للباب، وجنب ده كله، كنت بكدب الوسواس اللي عمال يزن في عقلي، بسبب التصرفات الغريبة اللي بيعملها الراجل..
وبعد اكتر من 5 دقايق.. من نظرات متبادلة بيني وبين صاحبي، وبين نظراتي ناحية البني أدم الغريب اللي ايده ماتت على مفتاح الباب، اخيرا الباب اتفتح، وبعد فتحه.. زق الراجل الباب برجله.
استنيت للحظة على اساس انه هيتكلم ويقولنا اتفضلوا ولا ادخلوا، يعني.. اي جملة نحس منها بأي نوع من الترحاب، لكن ماحصلش.. ده حصل موقف غريب ومختلف عن اللي تم من شويه، يمكن في اللحظة دي طنشت وقولت في بالي عادي.. بس الراجل بدل ما يدخل البيت، رجع لورا خطوات.. لدرجة انه مانتبهش لوجودنا وراه واتخبط في “محمد”، ومحمد يسكت، ابدا.. ده فرد دراعه وبكف ايده سند الراجل وفَوقه من غيبوبة السرحان اللي هو فيها..
-خير يا حج؟!.. حصل حاجة؟
الراجل اتلفت وراه على صوت محمد، ملامح وشه كانت بهتانه ومش متفسرة، فضل لثواني عينه زايغة بنظرات مش ثابتة، بيوزعها بيني وبين صاحبي، وبعد الثواني قال بصوت مرتبك، بس كان بيحاول يداري ارتباكه، بجمل قصيره:
-لا، لا خالص، هيكون في ايه يعني!.. اتفضلوا، فتحت الباب اهو، ادخلوا.
بصيت لمحمد اللي ماكنش باين عليه علامات استغراب، بعكس حالتي.. انا كان كل اللي في بالي سؤال.. “ماله الراجل ده؟”.. ومع تركيزي في اللي بيحصل، ماكنتش برد.. وكنت سايب المهمة دي لصاحبي، وهو بصراحة كان قايم بيها على اكمل وجه، وده لما رد على مالك البيت وقاله:
-والله كلك واجب ومن بيت كرم، بس انت صاحب البيت، واحنا جايين نشتريه، فالواجب الصح بقى، انك تتفضل تسبقنا وتورينا البيت من مدخله لحد سطوحه.. ولا ايه؟
لف الراجل وشه ناحية الباب، وبعدها رجع بص ناحيتنا، واتكلم بنفس الطريقة:
-اه، اه طبعا.. كلامك صح، اتفضلوا معايا.
مشي الراجل بخطوات ثابتة وتقيلة، كأنه بيسحب رجله ناحية قبر هيتقفل عليه، كانت المسافة بيننا وبين باب البيت، مسافة بسيطة جدا، بس مع الجو المشحون والتوتر اللي كنت فيه، جالي احساس ان بيني وبين الباب اميال، قربت من صاحبي وهمست له:
-ايه يا عم محمد، الحكاية ملبشة من اولها كده ليه؟!
بس ولا الهوا، كلامي مر على ودانه مرور الكرام، كأني بتكلم في صحرا .. وكان رد فعله هو خبطة على كتفي، وابتسامة باردة ابرد من تقل دم صاحب البيت.
مسكت نفسي وكنت ببرد اعصابي على الاخر، لحد ما اشوف نهاية الموضوع، واهو.. ماحدش عارف النصيب فين، يمكن كل اللي بيحصل ده، يبقى ذكرى.. ويجي عليا يوم واحكيه لولادي ونضحك عليه سوا..
وبعد دخولنا.. المدخل كانت عادي جدا، مايختلفش كتير عن مدخل عمارة، مساحته واسعة وقصاده السلم اللي بيطلع لفوق، بس كان في حاجه.. تحت السلم في باب مقفول، وجنبه باب تاني برضه مقفول، الباب اللي تحت السلم، عليه كلام مكتوب وممسوح، فمش واضح ايه الكلمات اللي مكتوبه، بصيتل للكلام وسألت المالك:
-الابواب دي تخص ايه بالظبط؟
رد عليا بسرعة:
-الباب اللي على ايدك الشمال، ده مدخل القهوة اللي مقفولة في الشارع، والباب اللي تحت السلم، ده باب اوضة زي بدروم للبيت.
استنتجت من كلامه، ان دي قهوة مش محل زي ما كنت متوقع، بس استغربت.. “ليه موجود اقفال على الابواب دي؟”.. استغرابي مطولش لأني سألته:
-طب مش هتفتح باب الاوضة نشوفها، يمكن احتاجها لو ربنا اراد واشتريت البيت!
بان على وش الراجل القلق والتوتر، لدرجة انه ماكنش لاقي كلام يرد عليا بيه، اللي هو بينطق بكلمة ويرجع فيها، او بيدور على اي رد حتى لو مش مقنع، وبعد شوية رد وقال:
-ماشي، بس نشوف البيت الاول، وبعد كده خد المفتاح وروح براحتك افتحه.
قربت من محمد وهمست له:
-ايه حكاية الراجل ده؟
برق بعينه عشان اسكت، بس الحوار كله ما عجبنيش، سبتهم طالعين على اول عتبة في السلم، وروحت عند الاوضة المقفولة، او زي ما قال الراجل “البدروم”.
وقفت قصاد الباب، كُنت شايف بطرف عيني عيونهم اللي بتراقبني، بس سمعت صوت وقفني مكاني، صوت شبه صوت بكا مكتوم لاطفال، او ممكن صوت قطط.. وده كان مصدر الصوت.. مصدر الصوت كان من عند المساحة الصغيرة اللي تحت السلم وجنب الاوضة، كان فيها فتحات صغيرة في الارض، وقصاد الفتحات 4 قطط سود واقفين في صف منتظم وبيبصوا عليا، اتفزعت مش من شكلهم وقلبي اتخلع من مفاجأة وجودهم.. رجعت خطوتين لورا، فغصب عني ضهري اتلزق في الحيط.. وبصوت مرتبك ندهت على صاحبي:
-محمد، تعالى هنا بسرعة.
جه بسرعة ناحيتي ووراه صاحب البيت، وساعتها وفي اقل من الثانية.. كهربة البيت كلها فصلت، وهنا بقى حسيت برعشة مسكت في جسمي كله، رعشة مش فاهم سببها.. ومعاها سمعت صوت صاحب البيت كان بيتكلم بحدة عشان حد فينا ينور كشاف موبايله.. محمد كان واقف جنبي وكان متوتر، وده كان واضح اوي لما مسك ايدي وكانت ايده متلجة، ف تلقائي قولت له:
-ابعد يا بني شوية ايدك متلجة، خليني اعرف اشغل الموبايل.
رد عليا بس صوته ماكنش بقرب المسافة اللي حاسس بيها:
-ايد ايه اللي متلجة انت كمان؟.. هو انا جيت جنبك يا عم.
التفتت ناحية مكان القطط، مافيش غير عيون بتلمع في الضلمة، وفي ايدي الموبايل كُنت بشغل اضاءته، وللحظة شوفت واحد واقف جنبي، عيونه بنفس لمعة عيون القطط، فيه قطع كبير في رقبته، هدومه متقطعه، وتحت فتحات الهدوم.. جروح بالطول زي الخرابيش، بس خرابيش عميقة بتنزف دم، وفي ثواني اختفى.. انا تقريبا في اللحظة دي قطعت النفس والكلام، واللي زاد اضطرابي.. إن كان في حد تاني واقف على درجة السلم من فوق، بص ناحيتي وكمل مشي لفوق.. قطع تركيزي مع اللي شايفه، صوت صاحبي:
-صلاح، في ايه؟.. مالك كده اتخشبت مكانك وندهت علينا وكأنك بتستنجد؟
رد عليه صاحب البيت:
-بقولكوا ايه يا جماعة.. تعالوا نمشي دلوقتي، وبكرة في نهار ربنا ان شاء الله، نيجي ونتفرج ونعمل كل اللي انتوا عاوزينه.
خلص الراجل كلامه، وفي نفس اللحظة.. سمعنا صوت جاي من عند الباب، كأن في حد بيفتحه او بيدخل البيت، وجهنا نور الكشافات ناحية الباب، وفي اللحظة دي شوفت قطة شكلها يشبه القطط اللي تحت السلم، داخلة البيت وماشية بطريقة غريبة، ولما بقول شوفت.. فبقول كده لان انا بس اللي شايفها، وده اللي عرفته لما سألتهم:
-في قطة داخلة البيت، واضح كده ان في هنا قطة وعيالها.
وجه محمد نور الكشاف في وشي:
-فين القطة دي يا عم صلاح؟.. ده شكل الباب اتفتح من شوية هوا.
اما صاحب البيت، ف ما اعلقش بأي كلمة غير “يلا بينا نمشي دلوقتي” وبصوت فيه قلق وارتباك.. وقبل ما يخلص جملته، الكهربا رجعت!.. بصيت ناحية تحت السلم مكان القطط، وشاورت لهم:
-تعالوا شوفوا.. اهي القطط اللي بقولكوا عليها.
جم ناحيتي، بس ماكنش في حاجه.. كل اللي موجود هو تراب كثيف مغطي المكان، واثار الفتحات والثقوب اللي في الارض..
بصولي باستغراب، على اساس ان اللي شوفته مش اكتر من تهيؤات بسبب الضلمة.. كنت واقف مذهول، اعمل ايه يعني.. اصدقهم واكدب عيني يعني!
طيب واللي كان واقف جنبي واللي على السلم، لو قولت لهم اللي حصل ممكن يتهموني اني بتعاطى حاجة.. فسكتت واعتبرت فعلا كل اللي شوفته تخيلات من التوتر..
قطع سرحاني صوت محمد:
-خلاص، يلا نروح ياعم صلاح، وبكرة نيجي نتفرج على البيت بتفاصيله.
رديت عليه بغيظ:
-انت بتستهبل يا محمد!.. بعد كل ده ونرجع، ما احنا فيها اهو، خلينا نخلص عشان لو الدنيا ماشية، اجيب مراتي تتفرج على البيت، ولا ايه يا حج؟
هز الرااجل راسه بعدم اقتناع، واضح ان اللي بقوله مش جاي على مزاجه، بصيت في ساعتي.. كانت قربت على 11.. استغربت، احنا بقالنا كل ده واقفين في مدخل البيت!
استعجلتهم يطلعوا البيت،او بمعنى ادق اجبرتهم انهم يطلعوا معايا، بحجة الانجاز عشان نلحق نروح بيوتنا.
ورغم ان ماحدش كان متحمس لرأيي، إلا إني سبقتهم للطلوع.. والامور مشيت عادية ووصلنا لاول دور وفتح صاحب البيت اول شقة، كانت شقة ومش شقة.. الشقة ماتصلحش للسكن بالمرة، اقرب وصف ليها إنها مخزن اكتر منه مكان للمعيشة، أرضية متخرمة وبلاط قديم.. حتى بياض الحيطان قديم ومتقشر، وترابيزات عددها كتير، مش فاهم ليه وعشان ايه.. بس فضولي سحب لساني وسألت صاحب البيت:
-الترابيزات دي بتاعت ايه؟.. واضح ان الشقة دي ماحدش كان قاعد فيها.
رد عليا وهو بيتهته:
-ايوه، ايوه.. ملاحظتك تمام يا استاذ “صلاح”، الشقة دي كانت مخزن، بيتشون فيها اي حاجة قديمة تخص البيت، او تخص القهوة، فعشان كده مليانة تربيزات زي ما انت شايف.
هزيتله راسي، برغم اني من جوايا مش مقتنع، قهوة ايه.. دي الترابيزات قديمة جدا، ماينفعش يقعد عليها كلب اجرب، مش بني أدميين.. بس رجعت وقولت في بالي “عديها ياض يا صلاح وماتدقش”.. وبعدهل كملت فرجة على الشقة ولا المخزن، وبصراحة شكل الاوض ما تختلفش كتير عن مدخل الشقة، خرجنا منها وطلعنا باقي الادوار.. الشقق كلها موجود فيها العفش بالكامل، ودي بالنسبالي حاجة غريبة، وكان لازملها تفسير.. وعشان كده سألت صاحب البيت:
-ماكنتش متوقع الاقي العفش موجود، انتوا ليه سايبينه؟
وبدون ما يفكر رد على كلامي، كأنه كان مجهز رد او عارف اني هسأله:
-مش عاوزينه، اقصد مالوش لازمة عندنا.. مراتي واخواتها البنات، طلبهم إن اللي هيشتري البيت ياخده بعفشه، ولو مش عاوزه اتخلص منه، ومش هنختلف في سعره.. اعتبره مش موجود وارميه.
رفعت حاجبي باستغراب وانا ببص لمحمد:
-ارميه!.. مش فاهم ارميه ازاي يعني؟
ضحك محمد ضحكة هبلة، قالي بعدها:
-ارميه وخلاص، ولا اقولك سيب الموضوع ده عليا.
ابتسمت على كلامه وبعد ما خلصنا فرجة على البيت، استأذنا من الراجل عشان نمشي، وقبل ما نمشي خدت نمرة تليفونه، على وعد مني بالاتصال بيه بعد ماشاور اهل بيتي.
خرجنا من البيت، وساعتها افتكرت اننا ما فتحناش القهوة ولا الاوضة اللي تحت السلم، بس كنت وصلت لحالة من الارهاق غريبة، حتى صاحب البيت زي ما يكون ماصدق خرجنا، مشي معانا الراجل وهو مصمم انه لازم يخرجنا من الشارع، اصراره كان غريب ومش طبيعي، ده لو خايف علينا ننتوه مش هيعمل كده، لحد ما وصلنا لناصية الشارع.. كان في كام شاب واقفين، لمحت واحد منهم خرج من جيبه حاجه وقرب من الشاب اللي واقف قصاده وقاله:
-هات اللي في جيوبك الأول.
الشاب بص حواليه وهو بيتنفض، وشه كان مخطوف ولونه اصفر، حط ايده في جيوبه وطلع فلوس وحطها في جيب الشاب التاني، وبعد ما عمل كده، فرد كف ايده التانية.. خرج الشاب اللي خد الفلوس شريط برشام، طلع منه قرص وحطه في كف الشاب.. وبدون اي مقدمات، رفع الشاب كف ايده وبلع قرص البرشام!
كل ده حصل قصادي وفي خلال دقيقة بالظبط.. الحكاية مفسرة نفسها، ما هو انا مش دولة اجنبية عشان حد يعرفني ان دول بيبعوا مخدرات.. واللي أكد شكوكي، لما قرب واحد من الواقفين ناحيتنا وقال:
-تؤمروني بحاجة يا بهوات؟.. طلباتكوا.
بس حصل حاجة غير متوقعة…
“يتبع”