قصص

شارع التسعين بالتجمع

نرجع تاني لسلسلة يوسف ميلاد، والقصص الحقيقية اللي أنا بنفسي أندرو شريف بجمعها.. قصتنا النهاردة مختلفة تماما، وفي منطقة مشهورة جدًا، وللسهولة هتكلم بصيغة الأنا.
أنا يوسف ميلاد، بشتغل في مول بشارع التسعين التجمع.. وأظن يعني مفيش أشهر من كده مكان، المكان اللي بدأت فيه قصتي في المول اللي شغال فيه، واللي هو مول مكاتب والذي منه، مش مول محلات يعني.. المول ده يبقى دورين فوق الارض ودورين تحت الأرض للبساطة، وتحت الأرض في مكان عاملينوا مخزن، انما اللي تحت خالص فهو بدروم، وده قبل ما المخزن يتقلب مقلب زبالة، والمخزن ده كان كبير جدا، بمساحة المول، واللي هو اساسا ضخم، ومن هنا تبدأ قصتي لما كنت سهران في شغلي والساعة كانت عدت منتصف الليل، كان وقتها المكتب اللي شغال فيه معظم اللي معايه مش موجودين، يعني اللي روح، واللي اجازة، واللي سهران زيي بس قليلين جدًا صراحه.. المهم كان فيه زبالة كتير متكومة في المكان هناك، وانا من الناس اللي بحب الدنيا تبقى رايقة حواليا، مشوفش ورق مرمي، وباسكت الزبالة يبقى مليان، وكلام من ده يعني… فغصب عني وقتها خدت الزبالة وسألت واحد زميلي في الشغل على مكان الزبالة بتترمي فين، فقالي انها موجوده في الدور اللي تحتينا، واللي هو تحت الارض بمعنى أصح يعني.
لكن الغريب انه اول ما سمع مني اني هنزل فعلا قال:
-انت هتنزل ولا ايه يا عم يوسف، انا قولتلك المكان اه، بس انت هتنزل فعلا؟
ضحكت وقولت:
-اه هنزل، اومال بسألك على مكان الزبالة ليه.. طالب نسب الزبالة يعني ولا ايه؟
لقيته اتلغبط في الكلام وقال:
-مش القصد يعني انت عارف، بس انا مستغرب مش اكتر.
-لا يا سيدي متستغربش، انا هنزل وانت خليك قاعد.
-ماشي يا سيدي، براحتك.. انا مالي اصلا.
استغربت صراحه طريقة كلامه جدًا، بالذات انه الموضوع سخيف جدا، مش مستاهل يعني كل الأسئلة دي …
نزلت وقتها الدور اللي تحت، واللي كنت بوصله عن طريق سلم قديم، التراب مش مفارقة اكنه بقالة سنين متمسحش، بالرغم من عمال النظافة اللي شغاليين في المكان طول اليوم، بعدها لقيت باب حديد قصادي مصدي، زقيت الباب اللي فتح معايه بسهولة بعدها لقيت المكان مضلم تمامًا.. فضلت ماشي وانا مولع الكشاف اللي مبيجبش قصادي غير نص متر او اقل كمان من الضوء.. فمن الاخر كنت بشوف اللي تحت رجلي ايه.. وقتها مساحة المكان كان كبيرة جدا، ماكنتش قادر احدد من المساحة مكان صندوق الزبالة غير لما شوفت اسانسير قصادي وجنبه زبالة كتير جدًا فاتمشيت لغاية الزبالة، وقتها كنت حاسس بصوت انفاس واحد بيطلع في روحه.. ده غير طفل صغير بيصرخ وهو بيقول:
-ماما.. هتولي ماما، انتي فين يا ماما.
وصوت راجل كبير بيقول:
-غدروا بينا يا بدير.
بلعت ريقي وقولت:
-مين هنا، انت يا حبيبي.. فينك؟
لقيت في نص المكان طفل صغير في السن واقع قصاد الباب الحديد القديم، واللي كنت شايفة بسبب اللمبة القديمة اللي محطوطة على عتبة الباب وقتها، فرميت الزبالة وجريت على الطفل الصغير اللي كان مديلي ضهرة، فقولتله:
-ايه اللي نزلك هنا يا حبيبي، وايه اللي جابك هنا اصلا!
لقيت صوت العياط بتاعة زاد وهو بيقولي:
-طلعني من هنا يا عمو.
حطيت ايدي على كتفوا وقتها، واللي كان سخن جدًا لدرجة إني اتلسعت.. لكنه من تلقاء نفسه لف ضهرة بوجه شيطاني مستحيل يبقى لطفل برئ، عينه كانت تشبه الافاعي، ايدي كانت طويلة، جمجمته شبه متكسره.. سنانة مدببه تشبه سنان الأسود.. لسانه زي الافعى، حتى كلماته كانت مسممه، مرعبة… واضحة كالسيف لما قال:
-هو مش عايزك يا عمو، هو كان عايزني انا بس عشان اونسه في عزلته.. هو أنت من الناس اللي غدروا بي يا عمو؟
بلعت ريقي وانا بتراجع كام خطوة لورا لغاية ماتكعبلت في حديدة مرمية على الأرض والطفل المرعب ده كان بيقرب مني وهو مبتسم ابتسامة مرعبة.. اسوء ابتسامة شوفتها في حياتي، لكن الحمدلله، سمعت صوت.. الصوت ده كان صوت وجدي زميلي في الشغل.. لكن الصوت ده كان جي من الضفة التانية، ولعت كشافي لقيته مش شغال.. فجريت.. جريت على الصوت باعلى سرعة ليا، الغريب ان كنت بلف اشوف الطفل ده موضعة فين دلوقتي من السباق اللي بيني وبينه، واللي المفروض انا الكسبان في لفرق العمر، وطول القدمين بالرغم من زيادة وزني اللي ممكن يأثر على النتيجة، لكن المرعب ان الطفل ماكنش ورايه اصلا.. الطفل كان اختفي، شكرت ربنا وبصيت في طريقي لقيت الطفل قصادي بسنتميترات عديدة، فرملت نفسي لكني مقدرتش افادي الطفل بأي طريقة، والنتيجة كانت اني وقعت على الطفل سفيت الأرض، لكن المرعب ان انا مقدرتش المس الطفل، عديت منه اكنه شبح لعين متخفي بين الظلال، وقتها اغمى عليا.. كنت حاسس بصداع رهيب، مشهد واحد مفارقنيش طول فترة اغمائي، كنت شايف حاجه بتقع، ناس بتصرخ.. كلمات عن الغدر والأنتقام.. الأنتقام اللي كنت بدفع تمنه دلوقتي وأنا في مكتبي ووجدي بيصحيني:
-انت ياض.. يا يوسف، يابني.. انت ميت ولا ايه يخربيتك الناس كانو فاكرين اني خاطفك من شوية الله يخربيتك.
بدأت أفوق من الغيبوبة اللي كنت فيها، أو الصدمة اللي عيشتها لدقايق او لساعات الحقيقة مش قادر أحدد عددها لغاية ما فوقت بكوباية مايه نزلت على وشي.. بصيت في ساعتي لقيت مع الشغل قرب يخلص خلاص، ووجدي بالفعل كان لم حاجته عشان يمشي لما المصيبة اللي هي ممثلة فيا أنا تصحى، صحيت طمنته عليا، لكن طبعا كان لازم اسألة عن اللي حصل ليا لما قولت:
-أنا عايز أفهم إيه اللي حصل.
-بص كده، صراحه المكان ده مسكون، وانا معرفش أنت نزلته ليه، ولما لقيتك اتأخرت عليا قولت انزلك، بس ايه اللي وداك عند الباب الحديد وهو اصلا مقفول.
-مقفول!!..يعني ايه مقفول!!.. انا متأكد انه كان مفتوح.
لقيته وطى صوته وقال:
-ده واضح إنه مستعجل عليك اوي.
-بتقول حاجه يا وجدي؟
-لالالا اقول ايه، خير خير يا عم، المهم انك طلعت منها.. سلام أنا بقى عشان اتأخرت على حجز الكورة اللي رايحة بسببك وهيلعبوا ناقصيين.
-حجز كورة!!.. طب اتكل على الله ياخويا.
اول ما وجدي سابني اتصلت بأندرو شريف، ولو بتسمعوا او بتقرأو القصة دي دلوقتي اعرفوا انها هتبقى جاية عن طريقة، لكنها كانت مكالمة سودة، مكالمة دخلتني في دوامة ربنا لوحده قادر يخرجني منها، ده لما رنيت عليه ورد عليا وقال:
-ايه ياض يا يوسف، عامل ايه يابني.. قصة رعب جديدة ولا ايه؟
-اه يا سيدي، مانت بتاع مصلحتك.. تقفش مني قصة جديدة وتسيبني انا متسوح في اللي أنا فيه.. لا بس بيت مطروح كانت حكاية.
-المهم دلوقتي، ايه القصة.. انا فاتح النوتة من بدري.
-مستعجل اوي انت انا عارف، بس يا سيدي القصة كلها في شارع التسعين.
-التجمع!!!!
-اه ياسيدي مالك استغربت كده ليه اسمعني للأخر حتى.. المهم يعني القصة دي انا فيها حاليا، ولسه حاصلي موقف مرعب.. الحقيقة مش جي احكيلك قد ماتقولي ايه تفسير اللي شوفته ده.
حكيتله كل اللي حصل، لكن رده ماكنش متوقع، رده خوفني منه الحقيقة لما قالي:
-تنزل.. تنزل تاني المكان ده، والمرادي تشوف البدروم كمان، دي فرصة يا يوسف، والقصة دي هتفرقع.
-انزل ايه يا مخبول انت، بقولك كنت هموت تحت.
-وانت قلبك جامد، جمده اكتر وجرب، ولو حصل اي حاجه هجيلك، ولا هجيلك ليه انا في الطريق لعندك حالا.. بس انت اسبق وانزل اعرفلي الحكاية دي اخرها ايه.
-اخرها موتي يا أندرو، بس انا هنزل، ولو مُت يبقى ذنبي في رقابتك.
قفلت مع أندرو المكالمة ونزلت.. نزلت المرادي لكن بالأسانسير، ووجهتي كانت للبدروم.. البدروم اللي قضيت فيه ليلة من أسوء أيام حياتي، وده لأن في الحقيقى كان في ليالي تانية أسوء هحكيلكوا عنها قريب جدًا… وده سبب من الأسباب اللي خلاني حاليا اني انزل البدروم ده.
أول ما نزلت في الأسانسير واللي اتعطل في الدور الأول قررت إني اكمل نزول عن طريق السلم، لكن لو تفتكروا السلم كان بعيد عن الأسانسير بحبه حلوين، فخدت نفس عميق لما أنا مُقدم عليه واتمشيت لغاية السلم، في اللحظة دي بدأ صوت الطفل يظهر تاني، لكن المرادي صوت الحزن ده تحول بشكل مرعب لصوت بكاء مكتوم، قررت إني أكمل في طريقي بشكل سلس جدًا، لدرجة اني مبصتش ورايا، لكن رغمًا عني حاجه خبطتني وقعتني في الأرض وبطرف عيني بصيت ورايا لقيت راجل واضح من لبسه انه مترب تمامًا، عينه زي عين الأفاعي، لسانه كان طويل لدرجة ان مع لحظة خروج لسانه منه كان بيوصلي برغم المسافة اللي بينا… كل ده وسط ذهول تام مني.. حالة من الرعب علاجها الهروب، لكن للاسف على رغم المسافة الصغيرة اللي جريتها.. لكنها كانت مسافة مرعبة بالنسبالي، كل اللي كان في ايدي اني كنت بقول يارب.
الشيطان المرعب اللي قصادي ده بدأ يتحرك حركات ثعبانية.. حركات انتهت بتحولة لثعبان حقيقي قصادي.. من الخضة وقعت على الأرض، فضلت اقول بصوت عالي:
-ياخونا، حد يلحقني.
لكن مين يسمعني وانا هنا، ومين اصلا فوق عشان يسمعني، المكاتب معظمها فاضية تقريبًا.. لكن يشاء القدر إن الثعبان اللي قصادي ده اختفى، قومت لميت شتات نفسي وجريت على السلم الحديد، لكن لو فاكر ان دي النهاية تبقى غلطان.. الباب الحديد كان مقفول!.. فضلت أصرخ عشان حد ينجدني لكن محدش كان سامعني اطلاقًا.. فتحت تليفوني احاول اتصل بحد ماكنش في شبكة، لاحظت نور من بعيد كان جي من ناحية الاسانسير، وقتها عرفت إن الاسانسير اشتغل بالفعل، بلعت ريقي لما أنا مُقدم عليه، وجريت ناحية الأسانسير، لكن من الواضح ان كان في حد اسرع مني كان بيجري توازيًا معايه ماكنتش قادر أشوف ملامحة من الضلمة المرعبة اللي انا فيها، الكيان ده وقف قصاد باب الأسانسبر وهو باصصلي..
وقتها حسيت إن نهايتي قربت، مفتكرتش غير أندرو ودماغي اللي حدفوني الحدفة السودة ده.. ماكنش قدامي غير اني اتكلم واقول:
-همشي ومش هرجع تاني، أنا عارف اني غلطان بنزولي.
لقيته صوت الكيان ده اخشن وقال:
-الغلطان هو اللي باعني ورماني، لكني مش عايز اقتلك… عايز الناس كلها تعرف إني ميت أه بس حقي عمره ما هيضيع.
وقتها تليفوني رن، الشبكة كانت رجعت واللي كان بيرن أندرو، مرديتش عليه خوفا من الكيان اللي قصادي.. الكيان اللي اختفى في اللحظة الفاصلة بين نظري للموبايل والاسانسير.. الاسانسير فتح ودخلته وانا برد على أندرو لما قالي:
-أنا نازلك أهو، أنت نزلت ولا لسه؟
اتعصبت عليه وقولت:
-نزلت ايه ومنزلتش ايه، ده انا نزلت وكنت هروح فيها!!
لقيته ضحك وقال:
-هتاكل بعقلي حلاوة ولا ايه، ده انا مكملتش 3 دقايق!!
بصيت في الساعة لقيت فعلا معداش غير 3 دقايق!!.. يعني ايه، يعني كل ده في 3 دقايق بس!!.. اكيد مستحيل، لكن المستحيل أكتر إني اكتشفت بأن المهندس صاحب المول بعد اختلاف مع المقاول قدر يعمل للمقاول كمين ويطربق البدروم على المقاول وكل العمال، اللي كانو 7 بالتحديد، ومن ساعة ماتقتل المقاول وهما بيسمعوا حاجات غريبة.. حاجات انتهت بقلب المكان مكب زبالة زي مابيقولوا، ده غير انهم مش قادرين حتى يشطبوا المكان، لأنهم بعد كل مره يحاولوا يشطبوا فيها المكان بيرجع على المحارة…
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط