“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
النهارده الصبح بدري اتفاجأت بزيارة من أكتر الأشخاص اللي بكر.ههم في حياتي، وهو برضه مكنش بيعتبرني أخ يعني، المشاعر متبادلة، إيه بقى اللي يخلي حد زي “مازن بك” يخبط على باب عيادتي الساعة 6 الصبح؟
أنا متعود أبات في العيادة، مش شيء غريب يعني، كتير بضطر أسهر، مش بفوق غير والليل اتأخر وبقرر اأبات فيها وبمشي الممرضة اللي بتيجي تاني يوم الساعة 10 الصبح، في عيانين بييجوا قبل الميعاد ده، بستقبلهم بنفسي وبسجل حضورهم وكشفهم وبكشف عليهم وبشخصهم وبكتب لهم العلاج..
وبرضه مش أول مرة أسمع الباب بيخبط الساعة 6 أو قبلها كمان، ده كان بيحصل من وقت للتاني، الجديد بقى إن “مازن بك” عد.وي اللدود، اللي بعتبره عا.ر على الدكاترة ومهنة الطب، يجيلي بنفسه، يبقى قاصدني أنا شخصيًا…
-أنا محتاجك يا دكتور “عزمي”!
أنفاسه كانت عالية وسريعة، بيلهث، كإنه جري مسافات…
=خير يا “مازن بك”، أنت بتشتكي من حاجة، أكشف عليك؟
-لأ، مش محتاج تكشف، أنا عارف إيه اللي فيا بالظبط، أنا مل.عون!
بعد ما كنت اتعاطفت معاه لدقيقة، ونبرتي كانت فيها شفقة، رجعت تاني لنبرتي المعهودة معاه…
=مل.عون إزاي يعني؟
-أنا عارف إنك مش من معجبيني، ولا عمرك صدقت في أي حاجة قلتها أو عملتها، بس المرة دي أنا محتاجك تصدقني، مش جاي أعمل عليك عرض، أنا جي في عرضك..
=براحة كده وفهمني، مش هديك وقت كتير، ورايا يوم طويل وعيانين، ولو مفيش برضه مش هتاخد من وقتي كتير!
-لأ، أنت النهارده كله هتبقى بتاعي، أنا حاجزك، يعني هلجألك وتققل الباب في وشي، هتدور ضهرك لحد بيستنجد بيك؟
=اللهم طولك يا روح، معلش بس قبل ما أفهم، اشمعنى أنا اللي لجألتله؟
-عشان أنت وبرغم كرهي ليك أصدق واحد اتعاملت معاه، لازم أعترف بده، عمر ما كان ليك أي مصلحة معايا، ومكنتش بتخاف تقول رأيك وتهاج.مني وتح.اربني، برغم إن كل اللي عرفني كان قي صفي، حتى اللي شككوا فيا في الأول…الأدباء التانيين مضوا وأنا معاهم واعلنوا إني انضميت ليهم.
=إنضميت في إيه؟
-بقيت من الحاضرين الأم.وات.
=نعم؟؟
-مضوا على وثيقة إعد.امي..
=لا بقى إنت جي تهزر وتضيعلي وقتي، ده مستوى جديد من الحق.ارة، مكنتش أتوقعه حتى منك.
-صبرك عليا يا “عزمي”، أنت مش شايف جسمي بيتنفض إزاي؟ أنا هحكيلك القصة من البداية…
وبدأ يحكي…
-بعد ما تميت ال16 سنة أهلي قرروا يسافروا على تركيا، وقعدنا هناك سنين، أنا كنت غريب في بلد غريبة، مش عارف أندمج واستمتع زي أهلي برغم إن تركيا كانت جميلة جدًا، في وقت العزلة اللي استمرت سنين في فكرة جت في بالي، معروف إننا كبشر مش بنستخدم كل قدراتنا العقلية، جزء كبير محجوب عننا، يا غصب عنا، يا بإرادتنا، يمكن، يمكن الإنسان هو نفسه اللي مش بيكلف خاطره يستخدم غير حوالي 10 % بالكتير من القدرات العقلية، بما يشمل بقى التركيز والذاكرة والإبداع والإبتكار والتواصل والتخاطر الذهني والانفصال عن الجسم وإصدار أوامر ليه والتحكم فيه ، تعرف الفرق بين الإبداع والابتكار يا دكتور؟
=أكيد، الإبداع هو باختصار وضع بصمة خاصة بالشخص على أي حاجة أو تقديم منتج مثلًا بشكل جديد، الإبداع يساوي الجمال باختلاف، جمال متعلق بالشخص المبدع بيميزه عن غيره، الابتكار بقى هو خلق الحاجة من الصفر، إحداث وضع مكنش موجود أصلًا، مع إن ده في رأيي مش صحيح، لإن كل حاجة موجودة من قبل كده، علمها عند ربنا سبحانه وتعالى، مفيش إنسان مبتكر بجد، كل اللي عنده بفضل ربه..
-كان ممكن نبقى صحاب وفي نفس الوقت مستحيل!
=مستنيك تفسرلي اللغز ده…
-كان ممكن نبقى صحاب عشان أنتي ذكي بجد ومختلف عن غيرك، عبقري بطريقة ما، في الطب والفلسفة، بس عمرنا ما كنا هنبقى صحاب عشان قناعاتك مختلفة تمامًا عني.
=الحمد لله…
“مازن” كمل وقال إن الفكرة وحدة وحدة اتحولت عنده لهوس، قرا مئات الكتب وراقب سلوكيات الناس حواليه وفي الشارع، كان هيت.جنن، إزاي، إزاي الناس سلبية بالشكل ده؟ إزاي العلما مبذلوش أقصى جهودهم عشان البشرية تعيش عصر مختلف، متطور، عصر الإنسان فيه بيستخدم 20 أو 30 أو 50 أو 100% من قدرات عقله…
وأنا رديت عليه وقلت له إن اللي بيتحكموا في الدول والعالم مش هيبقوا عايزين كده، لا على مر التاريخ ولا في الوقت الحالي ولا في المستقبل، لإن لو حد اتوصل لده، قدر يخترق المصدات ويطلق قدراته وقال لغيره إزاي ده حصل، والاختراع ده بقى اتوثق واتورث وانتشر، فده معناه إن البشر كلهم هيبقوا كائنات خارفة بالنسبة لأسلافهم، كل الأرض قوم عاد! وبكده محدش هيعرف يبقى ليه سيطرة على غيره، إزاي الإمبراطوريات هتغزو أراضي غيرهم ويحتلوها، إزاي حاكم هيقدر يس.رق الخير والموارد من دول تانية؟ أفريقيا دي، القارة الغنية اللي أهلها فقرا والجهل والأمراض متفشيين فيها، لو سكانها بقوا بشر خار.قين، ذكائهم حاد، هسيبوا المح.تلين يرمحوا في أرضهم؟
“مازن” ابتسم ابتسامة مُرة، كان حزين وهو بيبتسم، لإنه اقتنع بكلامي، بالحقيقة القاس.ية، وقال إن أكيد في غيره سبقوه في نفس التفكير، ولو ده حصل بجد، لو في إنسان قدر يخترق الحواجز ويستخدم أكتر من القدرات المعتادة فهي حالات فردية، ممكن أصلًا جت مع الإنسان ده كده ومكنش مركز إزاي حصل أو إن ده علم المفروض ينقله لغيره، وفي الغالب بتبقى حالات وقتية كمان مش فردية بس، في مناسبات معدودة، ونفس الشخص بيرجع تاني لنفس قدراته المحدودة قبل كده، الوضع مش بيستمر…
وبعد ما قعد هو وعيلته في تركيا كام سنة راحوا على اليونان، وهناك كبرت في دماغ “مازن” وقرر يدرس طب، كان مقتنع إن دراسة الطب هتساعده في الهدف بتاعه، هتديله إجابات أكتر وهيوصل لفك شفرة العقل وقدراته المخفية…
كان طالب متفوق، الأول دايمًا على دفعته وبعكس زمايله مكنش بياخد راحة حتى في الأجازات، مكنش بيدرس عشان ينجح ولا حتى عشان يبقى “دكتور”، هدفه أبعد من ده، بيدرس عشان يفيد البشرية كلها، أو بمعنى أصح عشان يحقق نجاح البشرية تحكي عنه، واسمه يتحفر في كتب التاريخ، يبقى أعظم من رمسيس التالت وفيثاجروس وجابر ابن حيان، وخلال دراسته كان بيعمل حاجة جنب مذاكرته، اختبارات، مكنش بيوقف اختبارات على مزرعة الفيران اللي عنده في الأوضة ولما ملقاش النتايج اللي عايزها، بدأ يعمل الاختبارات على نفسه، نسبة الكيميا في الاختبارات دي كانت قليلة جدًا، الاعتماد الأكبر كان على عوامل نفسية، كان بيجبر نفسه يفصل مثلًا عن العالم حواليه وهو صاحي والمفروض واعي، يعمل قفل إجباري لكل حواسه، يغمض عينه ويسكت الأصوات، يجبر ودانه إنها تتسد، يتحكم في ضغط الدم، يعليه ويوطيه، ويفصل تمامًا، يدخل في حالة إغماء، جسمه يتخشب كإنه تمثال، حتى إنه نجح يبطء ضربات قلبه لدقايق ودخل في حالة الإغماء دي أو الغيبوبة لمدة 10 ساعات ورا بعض في يوم، لدرجة إن أهله قلقوا عليه، لكن لما فاق اتهيألهم إنه كان مرهق مثلًا بزيادة، عنده تعب متراكم بسبب المجهود اللي بيعمله في المذاكرة، لما سألته إذا كان فاكر حاجة من التجربة، بمعنى هل شاف حاجة معينة وهو في الغيبوبة، رده كان:
-أنا مش فاكر كل حاجة، أجزاء بسيطة كإنها ذكرى بعيدة، دخلت في حفرة وآخر الحفرة مكنش قاع، كانت طبقة خفيفة من الرملة، طبقة انهارت ووقعت منها على حفرة تانية، ومن الحفرة التانية للتالتة، لما وصلت في الحفرة التالتة لقيت الرملة محاوطاني من كل جهة، لكن في جهة معينة الرملة فيها كانت خفبفة مش طبقات…
=زي فكرة الحفرة الأولى والتانية عشان مفيهومش قاع..
-بالظبط، الفرق إن المرة دي الرملة كانت بالطول، قدامي مش تحتي، كإنها ستارة شفافة بتبين اللي وراها…
للأسف اتزحلقت في المصيدة! كلامه شدني ورجلي غرزت في شباكه، بقى عندي فضول رهيب أعرف أكتر…
سألته والفضول هينط من عيني:
=إيه اللي كان ورا الرملة، شفت إيه؟
-شفت شوارع متعرفتش عليها في الأول، لكن بعد شوية بدأت استوعب إنها شوارع القاهرة، بس كان شكلها عجيب، عجيب جدًا، شوارع عريضة مسفلتة ومرصوفة وعلى بعد شفت الأهرامات..
=إزاي يعني؟ المناطق حوالين الأهرامات يا صحرة يا مزارع، مش مأهولة بالسكان.
-زي ما بقولك كده، والناس طريقة لبسها وكلامها غريبة، الستات كانوا لابسين بناطيل.
=بنااطييل؟
-اه، وفي عدد من الستات كانوا مغطيين وشهم، بس مش بالبرقع زي الستات في الأحياء الشعبية عندنا، كانوا لابسين أقمشة وشعرهم متغطي، مفيش غير عيونهم اللي باينة، ستات تانيين مغطيين شعرهم وكاشفين وشوشهم وتانيين بشعرهم، كام واحدة بس شفتها لابسة فساتين وجيبات، الباقي لابسين قمصان وبناطيل، الرجالة بقى محدش فيهم كان لابس طربوش أو بدلة، وقليل اللي مربي شنبه، الشوارع قرب الهرم زحمة جدًا، والعربيات مختلفة عن عربياتنا، أغلبهم حجمهم أصغر وسرعتهم اكبر، بس بسبب الزحمة بيفضلوا كتير محلك سر، ومفيش حناطير إطلاقًا…
=لاااا، دي كانت تخاريف أكيد، زي الأحلام كده اللي ملهاش معنى.
-مظنش!
=أمال هتكون إيه يعني؟
-الناس في الشوارع الغريبة زي ما تكون مكنتش شايفاني، وبعدين فجأة أخدوا بالهم مني، بصولي باستغراب زي مانا ببصلهم، مشيت لحد محل فيه صور وتذكارات ليها علاقة بالأهرامات والآثار، دخلته وطلعت فلوس من جيبي، البايع اللي واقف استغرب لما شافهم ورجع بصلي بنفس الطريقة بتاعة الناس التانيين بره المحل، فهمت علطول، فلوسي مش معترف بيها في المكان ده، قلعت الساعة الدهب ومررتها على الطرابيزة قدامه وشاورت على صورة تذكارية لأجانب راكبين جمل قدام الأهرامات، عشان في حاجة معينة شدت انتباهي فيها، الراجل المرة دي مش بس استغرب، ده جاتله صاعقة! الساعة الدهب قصاد الصورة اللي ملهاش قيمة دي؟؟ مسكت الصورة كويس، فضلت أفكر نفسي إني لازم أفضل ماسكها، لازم أفضل ماسكها…
لما فقت بعد 10 ساعات لقيت أهلي متجمعين حواليا، هللوا لما شافوني بفتح، قالوا إني نمت كتير ودي مش من عادتي وإنهم كانوا قلقانين عليا ، بالنسبة لي وشي كان جامد، معملتش أي رد فعل، في حاجات شغلت بالي أهم من كلامهم، على سبيل المثال إني مكنتش نايم زي ما تخيلوا، إني كنت في غيبوبة!
الحاجة التانية هي الصورة التذكارية السياحية اللي فضلت ماسكها وأنا هناك، في الواقع البديل الغريب ده أو أيًا كان، أدركت إني مكور صوابع إيدي اليمين كلها، بدأت أفكها، كان في ورقة مكرمشة جواها، ورقة جامدة مش شبه ورق الكتابة، حركت إيدي بالورقة لحد ما بقت قدام وشي، كانت زي ما تكون في بوق حد قبل كده من كتر الكرمشة، واضح إن صوابعي كانت جامدة زي باقي جسمي خلت الورقة شبه متحجرة…
الصورة كان فيها أجانب راكبين جمل قدام الأهرامات، ومكتوب تحت 16/7/2022 م…
“طلعت مني ضحكة تلقائية مقدرتش أتحكم فيها، كمان، هي حصلت؟ سفر عبر الزمن؟ مش كفاية إنه أجبر نفسه يدخل غيبوبة لمدة 10 ساعات ويروح مكان غير المكان ويرجع بورقة من العالم ده كمان يطلع سافر وراح المستقبل؟ لكن هقول إيه، بعد لحظات مسكت نفسي لإن ده مكنش جديد على مازن بك، ما هي كل حياته عبارة عن خدع واستعراضات مزيفة، أنا فاكر كويس أوي أول مرة قابلته فيها، كانت أول مقابلة بس مش أول تعارف وده عشان كنت سمعته عنه قبل ما أقابله بمدة..
سمعت عن دكتور غريب الاطوار، درس الطب بره مصر وادعى إنه تعمق في علم الإنسان، في التش.ريح ووظايف الجسم، واكتشف معلومات مذهلة وعميقة عن أعضاء الجسم وقدراته، لحد كده أنا كان عندي فضول وعلى وشك إني اتحمس أقابل الدكتور ده، لحد ما سمعت باقي الكلام، وهو قال إيه إن الاكتشافات دي ملخصها إن الإنسان عنده قدرات ممكن يوصفها ب”الخارقة للطبيعة” وده لإنه مكنش مدركها قبل كده ولا يتخيلها، يعني بالنسبة لنا كبشر عاديين هنقول عليها خارقة، إنما في الحقيقة هي مجرد جزء من قدراتنا المفترضة المحجوبة مننا إحنا شخصيًا، مثلًا القدرة على المشي على سطح الميه والطيران والوقوع من مسافات عالية من غير ما يصيبنا أذى، هنا بقى التحمس انطفى خالص وبقى عندي يقين إن الراجل ده نص.اب، مش بس كده ده عا.ر علينا، على أهل العلم كلهم…
وللأسف، للأسف الشديد يحصل اللي مكنتش عايزه وهو إني أقابل اللي إسمه “مازن بك”، صديق ليا قال لي عن اجتماع هيحضره عدد من الدكاتره والفيزيائيين وخلاله هيتناقشوا في أمور علمية مهمة، اجتماع مش رسمي، هيبقى في بيت واحد من المعارف، أنا مكنتش اعرف صاحب البيت ولا أي حد من اللي هيحضروا الاجتماع، معرفش غير الصديق اللي قال لي وأكيد وافقت إني أحضر…
أول ما دخلت البيت حسيت إن في حاجة غلط، مفيش حاجة ملموسة بس حسيت إن الاجتماع مش علمي بالمعنى المعتاد وبعدين لاحظت وجود قطعة غريبة، خشبة بمقاييس السراير الصغيرة، لكن الخشبة دي كان4 عليها مسامير كتيرة جدًا، إيه اللي بتعمله قطعة زي دي هنا، وإيه هي أصلًا، إيه الغرض منها؟؟
عيني متشالتش من عليها، مندمجتش في الكلام اللي كان بيدور حواليا من الناس اللي اجتمعت، لحد ما الكلام كله سكت، ربطت ده بصوت الخطوات اللي قربت، رفعت راسي وشفت صاحب الخطوات، يا ساتر! ملامحه، مش مريحة أبدًا، كإن غضب الله عليه، برغم إنه وسيم جدًا، المشكلة مش في جمال الملامح، الفكرة في اللي وراها، الغيمة اللي مش مفهومة…
الراجل اتكلم وقال:
-سعيدة! في منكم قابلني قبل كده وفي اللي مقابلنيش، أحب أعرفكم بنفسي أنا الدكتور “مازن بك”!
يا اهلًا! أنا عرفت ليه اتقفلت من الراجل ده، وكنت متأكد إن السرير الخشب اللي عليه مسامير ليه علاقة بيه، وفي هبل على وشك إنه يحصل، وأكيد، أكيد مش تجربة علمية…
الناس في القاعة كلهم سلموا عليه إلا أنا، وهو خد باله، بصل لي بصة خاطفة بلؤم وابتسم ابتسامة خب.يثة صغيرة.
-يالا نبدأ علطول؟
الكل حرك راسه موافقين، وأنا برضه محلك سر، براقب وبس، وباين عليا إني مش مقتنع ولا راضي باللي بيجرى وهيجرى أيًا كان.
قلع الجاكيته والقميص وبقى بالفنلة الداخلية والبنطلون، غمض عينه وفضل يهمس لحظات وبعدين جسمه اتخشب…
كإنه تمثال مفيهوش روح، كل حاجة في جسمه وقفت على وضعها قبل ما يتخشب، مثلًا دراعه اليمين كان مرفوع شوية عن الشمال، صوابعه، كل صباع بوضعية، رجليه الاتنين مش متناسقين في الوقفة، كل ده اتثبت تمامًا بنفس الشكل، منكرش إني كنت مستغرب، مش فاهم إزاي حد يقدر يمثل بالمهارة دي، يتحكم في جسمه، حتى الأطراف وميطرفش ويخليها واقفة زي لوح التلج.
وبعدها ظهر من العدم اتنين، المساعدين بتوع “مازن”، حقيقي معرفش كانوا فين قبلها، الأكيد إنهم مكانوش قاعدين وسطنا، واحد فيهم وقف جنبه من الناحية الشمال والتاني من اليمين، وبعدين مسكوه ورفعوا جسمه، كإنه تمثال بالظبط، مش ممكن! أو مانيكان مثلًا من بتوع محلات الهدوم، وأطرافه ورجله متهزوش في المرحلة دي برضه، وهوبا حطوه على المسامير!
أنا واللي موجودين كلهم شهقنا، تمام أوي كده، عندنا قت.يل في القاعة وكلنا قدام الش.رطة هنبقى مشاركين، محدش هيصدق إننا مكناش نعرف باللي هيحصل، ليه، ليه حد بإرادته يعمل كده؟؟
التمثال لا فاق ولا صرخ ولا اتهز ، ولا كإنه نايم على سرير من ريش نعام…
بالعكس كان باين عليه إنه في حالة استرخاء وسلام.. قربت مع المجتمعين في نفس واحد، كلنا عندنا فضول رهيب، “مازن بك” مكنش بيتنفس، الحقيقة أنا مكنتش فاهم حاجة، اللي قدامنا كان راجل م.يت، بس م.ات في أنهي مرحلة بالظبط؟ منطقيًا كده، مماتش على سرير المسامير وإلا كان رفص وص.رخ ون.زف، ما.ت من قبلها؟ لما غمض عنيه وجسمه كله اتشد مرة واحدة؟
ردود أفعالنا كانت ما بين السكوت والهل.ع في صمت زي حالتي وما بين الزعيق والهرجلة و”يالا نطلب البوليس والمستشفى والنجدة و قرايبه ومعارفه” وما بين التهليل والضحك، وده زود الدهشة بتاعتي، هم دول اتج.ننوا؟ بيعملوا كده ليه؟
وفجأة عيون “مازن” فتحت، بعد 5 دقايق من وجوده على المسامير..
المساعدين جريوا وشالوه بسرعة وقعدوه على الأرض، كان واضح إنه لسه مش متزن، بس بعد شوية صغيرين استعاد وعيه واتزانه ووقف…
واحد من البشوات اللي كانوا بيهللوا قال بتحمس:
-إيه ده بقى اللي حصل، إشرحلنا يا “مازن بك”؟
=دخلت نفسي في غيبوبة، وأجبرت حواسي إنها تنطفي والشعور كمان.
-يعني محستش بحاجة إطلاقًا وأنت ممدد على المسامير المدببة؟
=أبدًا مكنتش حاضر أصلًا.
فضلت أنقل عيوني ما بين الاتنين، سامع الكلام بس مش مترجمه ولا قادر أستوعبه، هو إيه الهبل اللي بيقولوه ده؟ مفيش أي علم في الدنيا مش بس الطب يأيد الهرتلة اللي بتتقال، طيب على فرض إنه قدر فعلًا يتحكم في حواسه وشعوره ومحسش بالألم، إزاي منزفش؟ إيه، إدى لجسمه وجلده أوامر إنهم ميتجرحوش ومينزفوش، وهم قالوا “آمين، حاضر”؟! وبعدين ده مكنش بيتنفس تمامًا، كان تقريبًا مي.ت، وجسمه اتخشب ووقف كده إزاي؟
أخيرًا اتكلمت، صوتي مكنش واطي ولا نبرتي ودودة أبدًا، قلت:
=إزاي يعني جسمك منز.فش؟
ابتسامته وسعت على الآخر، لف حواليا وعنيه منزلتش من عليا، كإنه الشي.طان نفسه بيراقب فريس.ته، ورد:
-عشان إديت أوامر لجسمي مينز.فش!
=يا سلاااام! يعني المفروض جسمك كان ين.زف، بس إنت قلتله إستنى عندك، ارجع ورا زي الحواس، خدولكم ساتر.
-بالظبط.
=يعني لو اتراجعت عن الأوامر هتن.زف؟
-اه.
=طب يا سيدي اتراجع.
“مازن” رجع ورا كذه خطوة، غمض عينه، اداني ضهره، وبعدين….
الفنلة البيضة بقت حمرة، شفت نقط فجأة ظهرت في أماكن كتير وبعدين فضلت توسع كإنها ميه جارية، وكعبه نفس القصة، نقط الد.م فضلت تنتشر فيها، الج.روح اتفتحت!
مقلتش ولا تعليق بعدها، مقعدتش أصلًا 10 دقايق على بعض وخدت بعضي ومشيت.
كنت متغاظ، متغاظ أوي، مين الدج.ال اللي إسمه “مازن” وعايز من المجتمع العلمي والناس إيه؟ وإيه هي الخدعة اللي بيعملها؟
كنت هتجنن، الأفكار كانت هتف.جر دماغي، قعدت ليالي بعد الحاد.ثة دي مش عارف أنام عدل.
-فاكر يا دكتور “عزمي” أول مرة اتقابلنا فيها؟
=ودي تتنسي؟ كانت من أسوأ الليالي في حياتي، الليلة اللي العالم بتاعي كله اتهز، الثوابت العلمية اتزحزت، المنطق طار، أنا مكنتش أتخيل إن عندي قدرة على الكره بالشكل ده، كر.هتك وكر.هت اللي بتمثله، اللي مكنتش عارفه ولسه معرفوش، المجهول المر.عب.
-أنت اتحفرت في دماغي، صورتك، صوتك، نظراتك، أنت اتحدتني، كان واضح جدًا إنك لا مصدقني ولا بالعني، طب يعني كنت جي وأنت متعرفش بالتجربة ولا إنك هتقابلني؟
=مكنتش أعرف! واللي وداني كان يعرفك وعارف إنه هيقابلك، بس مكنش عنده علم بالتجربة، كان فاكره هيبقى اجتماع علمي معتاد، بنتبادل فيه الآراء، وأحدث الاكتشافات الطبية، بس واضح إن في ناس كتير في الاجتماع كانت تعرف بموضوع التجربة، وأكيد اللي هللوا وسقفوا كانوا منهم.
-طب دي كانت أول مرة، وتاني وتالت مرة، برضه مكنتش تعرف؟
“بصراحة كنت أعرف، وقصدت أروح كمان، كنت عايز أكشف اللعبة اللي بيعملها “مازن بك” وأفضحه وأرجع للوسط العلمي كرامته وتركيزه على الأبحاث العلمية والطبية اللي بجد هتفيد البشر مش الخزع.بلات والد.جل، أخدت عهد على نفسي إني ابقى صاحي ومركز، مركز أوي، يبقى عندي عيون كتير زي أم أربعة وأربعين كده، عيون تلقط كل حاجة متعلقة بمازن وكل حاجة بتدور حواليه، وودان تسمع وتحلل كل حرف بيقوله.
مكان التجربة كان نادي من نوادي الارستقراطيبن، الأعضاء عادة بيبقوا أصحاب ألقاب، بشوات، بكوات، أو أصحاب ثروات ومناصب، وأنا مكنتش عضو، بس كان مرحب بيا لمكانتي في المجتمع، روحت مع زمايلي، مكنش عندي فكرة التجربة هتبقى إيه بالظبط.
قعدنا حوالين حمام السباحة، اتعشينا وعملنا نقاشات كتير، و”مازن بك” بسلامته مظهرش غير بعد ساعة، على أساس إننا ضيوفه وكده وهو الملك صاحب البلاط!
بحركة استعراضية مستفزة رفع إيديه الاتنين وقال بصوت عالي:
-التجربة النهارده هتكون مختلفة، شايفين الميه اللي ورايا دي؟
لأ مش شايفنها، شايفين النجوم في عز الضهر، ما طبعًا شايفنها! إيه السذاجة دي، اللي هون عليا شوية إن الراجل ده فاشل في الاستعراض وملكاته في الالقاء معدومة.
كمل وقال:
-أنا هنزل فيها لفترة أطول شوية من جلساتي اللي قبل كده، هفضل فيها 24 ساعة، بنفس الطريقة، هدخل نفسي في غيب.وبة كاملة وهطفي حواسي وبعد كده هفوق نفسي وأخرج.
أنا طبعًا قمت زي الديك اللي نافش ريشه وقلت بمنتهى الفخر:
=حلوة دي، يعني المساعدين بتوعك يحطوك في صندوق خشب ولا بلاستيك والميه تشيلك ال24 ساعة وتبقى نايم وفي حالة استجمام كمان، شوية تنام، شوية تفوق، شوية تقرالك رواية شايلها معاك، وبعدين المساعدين يفتحوا الصندوق وتطلع هيلا بيلا، مفاجأة عملتها، واحنا نسقف ونقول برافو يا مكتشف خفايا العقل البشري يا معجزة.
-صندوق إيه وبتاع إيه، حد جاب سيرة صندوق؟ حضرتك خيالك واسع أوي، مفكرتش تبقى مؤلف في السيما؟
وشي احمر، حسيت الد.م بيغلي فيه، سناني جزت في بعض، أنا ليه صحيح تخيلت إنه هيبقى في صندوق، أمال هيقعد في إيه؟؟
قصد يشيل نظره من عليا ويوجه كلامه للباقي كيد فيا وقال بحركاته الاستعراضية وهو بيتحرك وبيحرك إيديه:
-بعد ما أدخل في الغيبوبة المساعدين بتوعي هيثبتوني في قاع الحمام بسلاسل فيها قوالب حديد تقيلة، عشان جسمي ميطفوش، وبعد ال24 ساعة حد منهم هينزل للقاع ويفك السلاسل بمفتاح معاه، وبعد ما جسمي يتحرك ويطلع لحد السطح ويطفو، ساعتها هفوق نفسي وأخلي قلبي يرجع ينبض ونفسي يرجع هو كمان.
ثواني بس، ثواني، هو قال إيه؟ يخلي قلبه يرجع ينبض؟؟ هو هيوقف قلبه ونفسه، غيبوبة إيه دي، ده موت إكلينكي لو افترضنا أن وظايف المخ لسه شغالة…
=ط…طب ونضمن إزاي بقى إنك هتفضل في القاع المدة دي كلها، ما يمكن أول ما نتلفت ونسيب النادي المساعدين بتوعك يفكوا السلاسل، وقرب المعاد يرجعوك تاني؟
-عشان كده من دلوقتي ولحد المعاد النادي هيستقبلكم، وموفر ليكم أماكن إقامة كمان على قد عددكم، عشان تراقبوني طول الوقت، تعملوا شيفتات بقى وتقسموها زي ما أنتم عايزين..
يا بن ال…!
مسابش تفصيلة، كان عامل حسابه لكل حاجة، أيوه بس يعني إيه، الخدعة دي هينفذها إزاي؟؟ ما هو مش معقول فعلًا كان هيقعد في قاع الميه 24 ساعة من غير أي فرصة إنه يهرب ويعوم للسطح، هيتنفس إزاي؟ ده ضد قوانين الطبيعة والكون كله، عشان يستحمل كده لازم يكون م.يت، والميت مبيرجعش للحياة….
“يتبع”
#اجتماع_الأموات
#ياسمين_رحمي