الحقيقه مش عارف أبتدى منين ولا أكتب أيه.. بس الكتابه هى آخر حل متاح ليا بعد ما فشلت كل الحلول التانيه.. حلول زى الرياضة و الشغل الكتير.. حتى جلسات العلاج النفسى جربتها.. و برضو مفيش فايده.. أنا حاليا مصنف طبقا للطب النفسى الحديث أنى بعانى من أعراض ما بعد الصدمة.. و الصدمه دى كانت رحيل والدى من سنه.. و على فكرة أنا مش صغير أنا معدى ال30 بخمس سنين.. لكن اللى أكتشفته أن مفيش حد أكبر من الصدمه حتى لو كانت ليها مقدمات.. و اليتم على كبر مهما كانت حياتك مستقره و شخصيتك قوية أكيد شىء مؤلم.. المشكلة اللى واجهتنى أنى مكنتش حاسس بعمق الأزمه دى بعد وفاة والدى ألا لما جربت عدم وجوده ف حياتى.. شقتنا الكبيرة اللى عايشين فيها أنا و هو و أخويا فضيت عليا.. خصوصا بعد ما أخويا أتجوز قريب.. و هنا بدأت أزمتى تبان بشكل أوضح.. أنى مقدرش أعيش لوحدى.. لما أنغمست فى الرياضة و الشغل الكتير محصلش أى تقدم.. لأنه فى لحظه ما بترجع للواقع و تحط راسك ع المخدة و الذكريات بتضربك بعنف.. فقررت يعنى بناء على نصيحة صديق أنى أجرب جلسات الدعم النفسى و أفضفض يمكن أتحسن.. الحقيقة أن كل جلسة روحتها و فى أى مجموعة كانوا بيرحبوا بيا فى البداية و بيتعاطفوا معايا جدا.. لحد ما بجيب سيرة مجلس الأموات.. بمجرد ما بخلص كلام و الجلسة تنتهى.. كان بيتم تبليغى بشكل غير مباشر تانى يوم أنى غير مرحب بيا فى الحضور مرة تانية بدعوى أنى بخترع مواقف و حالات ملهاش علاقة بالواقع.. و لأنى عنيد و مبتعلمش من غلطاتى.. كنت كل ما أنضم لمجموعة جديدة لازم أحكى واقعة مجلس الأموات.. و لما زهقت من عدم تصديق الناس ليا.. قررت أنى أطلع أنفعالاتى ع الورق لأنى اللى حصل أنا كنت طرف فيه و مصدقه جدا..
أنا أكبر أخواتى و فى طفولتى كنت شقى جدا عكس دلوقت.. عيل شيطان شاقق الأرض و طالع.. و مرحلة الطفولة دى كان تواجدى الأكبر فيها مع والدتى الله يرحمها و كان والدى بحكم عمله فى التجارة مكنش متواجد فى البيت طول الوقت.. مفتكرش أنى شوفته فى طفولتى اللى أوعى عليها طبعا يمكن 3 أو 4 مرات.. ساعات كنت بحتاجه جدا لدرجة أنى مرة عملت مشكلة ف المدرسة عشان يقولوا لى هات ولى أمرك.. و راح فعلا.. البيت عشان أكون أمين مكنش ناقصه أى حاجه سواء و أنا صغير أو و أنا كبير.. كنا زى أكتر البيوت المصرية عايشين بالضروريات بس.. والدى كان شايف أن الفلوس لما تيجى تتصرف ع القد و يتشال الباقى و ميطلعش ألا للطوارىء.. كان أستثماره الأكبر فيا أنا و أخويا و البيت.. تعليم مدارس أجنبية بالشىء الفلانى و لبس و أى طلبات نعوزها بتحضر.. و ف نفس الوقت ست البيت اللى هى أمى تتابع حركة التعليم و تساهم بجزء كبير فى التربية.. و طبعا لأنى كنت عيل معرفش قيمة الشغل و تعب الشغل ألا لما جربت فيما بعد.. كنت بحس بمسافات كبيرة جدا بينى و بين والدى نتيجة عدم وجوده.. عكس أخويا الصغير اللى كان منسجم معاه دايما فى كل مراحلهم الحياتية.. لحد مرة زرت واحد صاحبى و كان عنده قصص و كتب فأخدت قصة أقراها.. و أتفتنت جدا بعالم القراءة.. و ده طبعا أنعكس على سلوكى.. لأنى بطلت لعب و شقاوة و وجهت كل طاقتى للقراية.. الأمر ده وصل لوالدى عن طريق والدتى و كان مبسوط جدا بتوجهى للقراية.. منها لأنى أكتسبت عادة كويسة فى سن صغير و منها أنها هتمنعنى عن عادة سيئة زى الشقاوة.. خصوصا أن والدى كان بيحبب القراية فى شبابه برضو.. بس الحياة و المسؤليات قطعوه عنها.. لكن هو كان أشطر منى ف النقطة دى.. أستخدم قرايته لخدمة الواقع بتاعه.. فى حين أنا فضلت سجين الكتب و القصص و الشعر لفترة طويلة..
و جت مرحلة الثانوية العامة.. و زى أى بيت مصرى و أب مصرى قرر الوالد أنه أنزل معاه الشغل فى أجازة آخر السنة.. و طبعا ده شىء أزعجنى جدا.. لأنه هيمنعنى عن القراية اللى توحدت معاها ذهنيا و شعوريا.. خصوصا أنه على أيامنا مكنش فيه لا نت ولا ألعاب.. جهازالأتارى مكنتش بقرب له و اللعب فى الشارع عمرى ما هويته.. كانت هوايتى الوحيدة القراية و بس..
و طبعا نزلت الشغل معاه و أنا متكدر و متضايق.. خصوصا أننا بنرجع البيت يادوب ناكل لقمة و ننام.. و لأنى كنت لسه مراهق و بدور ع الأنطلاق.. كنت شايف الروتين ده مجحف جدا.. خصوصا لواحد حالم و بيحب القراية زى حالاتى.. صحيح المفروض طبقا للبديهيات أنى لما أشوف تعب والدى فى الشغل بعنيا أحس قد أيه هو بيحارب عشانا.. لكن اللى شوفته و عاصرته فى قلب الشغل معاه خلانى أتمسك بالعالم بتاعى أكتر.. شوفته فى الشغل شخص عصبى و مشغول البال دايما و مكشر ألا فيما ندر.. ولأنه كان قليل الكلام و لأنى كنت رافض فكرة الشغل.. برضو تواجدنا فى مكان واحد سوا فترة طويلة مغيرش أى حاجه.. بالعكس فضلت المسافة بينا توسع و توسع.. معرفش العيب كان عند مين.. الحقيقة أن قرب العيال من أهاليهم دى أرزاق.. مش معتمدة على شطارة العيل أو قدرته على تنفيذ الأوامر.. أنا عشت مع أبويا و أمى 35 سنة معرفتش أقولهم أو أوريهم بحبهم قد أيه.. أعتقد أن السبب أنهم كانوا عايزين يدونى كل صفاتهم الحلوة فى حين أنا كنت عايز من الصفات دى اللى يناسب شخصيتى بس..
فضلت حياتى مع والدى فى شد و جذب حتى بعد ما أتخرجت و أشتغلت.. لأنه كان شايف أنه لازم أساعده فى شغله مع أخويا الأصغر لأنه كبر و مبقاش زى الأول.. و لما رفضت.. أتجه لأخويا و أعتمد عليه فى كل شىء تقريبا و جنبنى تماما موضوع الشغل معاه.. لما أشتغلت بره كنت حاسس بنفسى و بحريتى و كنت فرحان أنى بعيد عنه و عن البيت.. دايما كنت بحس أنه عاوزنى جنبه لسبب ما حتى لو مش سبب قوى.. و لما مات عرفت أن السبب ده هو أنه عاوز يشبع منى كأبن..لأنى أنا حاليا حاسس أنى مشبعتش منه كأب و مفتقده جدا.. و لما حصلت لى ظروف خلتنى أسيب الشغل عرض عليا أنزل أشتغل معاه تانى.. لأنه شايف أن قعدتى ممكن تضرنى لو أتعودت عليها.. طبعا نزلت على مضض وبرضو مكنش فيه أى تغيير.. كنت وصلت لل 30 و شوفت أن فرصتنا سوا أننا نقرب من بعض كأب و أبنه راحت خلاص.. و فضلنا كده لحد ما تميت 32 سنة ساعتها دوقت الحزن الحقيقى لأول مرة.. والدتى توفت.. راحت مننا فى ظرف شهر.. رحيل الأم بينزع من كل الأشياء اللى حواليك جمالها.. مفيش ألوان الدنيا كلها بتقلب أبيض و أسود..الحظات الحلوة زى الوحشة..النهاردة زى بكرة زى أمبارح..البيت كله أتشقلب حاله.. بابا حرفيا بقا شخص تانى و أخويا حاول يستوعب الصدمة و يتجاوزها بعقل.. أما أنا فحسيت أن فيه جناح من جناحينى أتقصوا.. مكنتش مستوعب أن والدتى راحت.. تعاملنا مع اللى بنحبهم على أنهم من الخالدين هو اللى بيصدمنا لما يروحوا و يسيبونا للأبد.. الأب و الأم دول تحس أنهم عاملين زى الفاكهة.. تشوفها كل يوم و أنت رايح و أنت جاى.. و لما تيجى تطلبها بالأسم يتقالك أنه أوانها راح خلاص..
بعد وفاة ماما أحقاقا للحق والدى حاول يتقرب منى كتير.. و أنا كمان حاولت و كالعادة قعدنا فترة على وفاق و بعدها كل الأمور رجعت لطبيعتها.. اللى أختلف أنه أنا اللى أخدت دور الأعتناء بالأب.. فطاره الصبح.. حقنة الأنسولين و حباية السيولة.. لحد يوم جالى فيه شغل لكن عن طريق الأنترنت.. حاجه كده زى التسويق الألكترونى وقتها كان عندى 35 سنة و طلبت منه بشكل حاسم و مباشر أنى أسيب الشغل معاه.. رغم أنى هشتغل من البيت يعنى.. و بالمناسبة مكان الشغل بتاع والدى كان جنب بيتنا بحاجه بسيطة.. و ده اللى خلى والدى يكتسب عادة أنه يقعد ف مكان شغله أكتر من البيت خصوصا أنه هو صاحب الشغل برضو.. و حاول طبعا يعلمنا العادة دى لكنه فشل معايا و نجح مع أخويا الأصغر اللى حب جدا الشغل مع والدى و القعدة معاه فى مكان شغله صيف شتا و أعياد و مواسم.. فى حين أنا كنت حبيس أوضتى الضيقة اللى شوفتها “قطعتى الغالية التى أنتزعتها من فم العالم”.. أحنا فى تقسيم الشغل مع والدى كنا بنبقى فاتحين 24 ساعة.. و لما خرجت من الحسبة بناء على تصميمى على فرصة الشغل الجديد و للعلم هو تقبل ده بهدوء عكس أعتقادى أنه هيناقش و يجادل.. طبعا أضطر والدى و أخويا يعملوا حاجه متعملتش من سنين طويلة.. أن مكان الشغل يتقفل و ميبقاش 24 ساعة.. ومع توالى الشهور ساعات والدى كانت بتقل مقارنة بساعات أخويا.. و فى النهاية أخد قرار أنه أخويا يدير كل حاجه و هو ينزل ليه كم ساعة ف اليوم.. و قراره ده كان حكيم لأنه راعى ظروف السن و كمان حركة الشغل معادتش زى زمان.. و ده كان أعظم قرار خده فى حياته من وجهة نظرى.. أنا كنت فاكر أنى لما هخرج من حسبة الشغل معاه هيزعل و يتضايق و يحاول يضغط على نفسه و على أخويا.. لكنه كان حكيم جدا فى معالجته للموضوع..
هم كانوا بيخلصوا شغل على نص الليل و يرجعوا سوا.. طبعا والدى بحكم أنه كان بيصحى براحته.. و بعد الفروض الخمسة و فنجان القهوة ينزل لأخويا.. فطبعا لما كان بيرجع كان بيسهر كتير لحد الصبح.. أنا منتبهتش لده فى الأول.. لكن لاحظت أنه سهران ف أوضته و أنا فى أوضتى بشتغل ع الجهاز.. و طبعا بدأ ينده عليا من وقت للتانى عشان بيعوز حاجه أو أناوله حاجه.. و الغريب أن ده شئ مضايقنيش خالص.. بالعكس بسطنى جدا.. و لما حددت مواعيده بدقة بقيت بخلص شغلى قبل ما يرجع عشان نسهر سوا قدام التلفزيون أو نسمع فيروز مع كوباية قهوة.. و لما الصبح يطلع أنزل أجيب فطار سخن و نفطر سوا.. قد أيه أكتشفت أن والدى ده شخص عظيم و حكيم و هادى جدا عكس صورته اللى كنت بشوفه عليها وقت شغلى معاه.. أسترجع معايا ذكريات كتير و حواديت ياما.. و علمنى حاجات و فلسفيات عمرى ما كنت أتخيلها.. أعتقد لما المناخ أختلف و بقا أكتر هدوء أصبح فيه فرصة كبيرة بينى و بينه أننا نتواصل و نعوض عمر بحاله و نختصر مسافات سنين.. أتعلمت منه أن الأنسان السليم يسعى للصح لكن يستنى الغلط يقع عليه غصب عنه ميروحلوش هو بنفسه.. و لأنه تاجر كان عارف قيمة القرش الحلال و قدرة القرش الحرام على تضييع أى شىء كويس فى نفس الأنسان.. و طبعا خبرته فى القراية زمان مع خبرتى أنا كمان خلتنا نفتح مواضيع كتير.. فضلنا ع الحال ده ثلاث شهور.. أحسن 3 شهور عشتهم ف عمرى.. لحد ما فى يوم رجع بعد ما طلع من تحت.. دخل أوضته و مندهليش كالمعتاد.. قولت يمكن بيريح أو عايز يقعد لوحده.. سبته شوية و بعدين قولت مبدهاش بقا.. روحتله و حاولت أتكلم معاه.. صدنى بهدوء.. طب مالك يا حاج؟؟ تعبان؟؟ فيه حاجه مزعلاك؟؟ قال لأ.. بس طبعا بحكم قربى منه الفترة الأخيره عرفت أن فيه شىء شاغل باله.. سبته وخرجت من الأوضة عنده و بعدها بفترة ندهلى.. طلب فنجانين قهوة نشربهم سوا.. و على ما عملتهم لقيته فى أوضتى و دى كانت مفاجئة ليا.. لأنه مستحيل يخرج من أوضته بسهولة.. قال مفيش حاجه نسمعها؟؟ شغلت له الراديو اللى حببنى فيه أكتر من التلفزيون..
قعد دندن شوية كده و بعدين طفى المحطة و قال: أمك و عمك و جدك..
قولت بأستغراب: الله يرحمهم.. مالهم؟؟
قال بتأنى: بيجونى فى الحلم بقالهم 3 أيام عايزينى أزور عمتك فى بورسعيد.
الكلام نزل عليا زى البرق.. تنحت ف وشه لأنى عارف و هو عارف الحلم ده معناه أيه.. مجلس أموات جاى ياخد حد.. بس مين هو ولا عمتى؟؟
قعدنا نجادل بعض لحد الفجر و حلفت عليه أنه مفيش سفر..أحنا هنا مع بعض و الحمد لله لا عايزين نروح لحد ولا حد يجيلنا.. لكن هو كان مصمم بشدة ع السفرية.. و أنا كنت مصمم جدا على موقفى برضو لأنى من جوايا عارف أنه مش حلم عارض..بس مستحيل يعنى بعد ما بقيت أنا هو بالتقارب ده و حياتنا كويسه و منسجمين كأبن و أبوه يموت دلوقت.. كنت عارف أنها أعمار و مكتوبة و كله بتاع ربنا.. بس برضو رفضت الفكرة و البتالى رفضت سفره.. و فى آخر المناقشة قام و على وشه أبتسامة مفهمتش معناها خالص.. و لأنه شخص عنيد بطبعه.. خلانى يوم خرجت و رجعت البيت لقيته مسافر مع أخويا.. كنت هتجنن خصوصا أن ظروف شغلى و ترقيتى الجديدة اللى أحلف أنه سببها دعوة منه كانت تمنعنى أنى أروحله.. و تجنب الكلام معايا فى التليفون خالص.. و طبعا لأنى فهمت طبعه محاولتش أحكى الحوار لأى شخص حتى أخويا لأنه لو عايز حد تانى يعرف كان قال له.. و الغريب أن والدى اللى كان مستقر و هادىء الطباع هنا.. لما سافر كان شخص تانى.. كان بينزل مع عمتى و عيالها و أحفادها و أخويا يتفسح كل يوم.. حتى البحر نزله.. و كان بيبعتلى صور شكله فيها فى منتهى السعادة و الأنطلاق.. لكن على العكس كنت بقلق أكتر مكنتش بطمن..دى علامات فراق واضحة.. حد يزور حد مزاروش من سنين.. سعيد على طول فرحان على طول.. حرفيا الوقت ده مكنتش عارف أركز ولا أعمل أى نشاط لمدة أسبوع بحاله.. أنا فاكر أول ما رجع من السفرية كنت بره و كان راجع ع مكان شغله مرضيش يرجع ع البيت ألا لما آجى و نطلع سوا.. أول ما شفته جريت عليه و أخدته بالحضن و قعدت أعيط و حضنته كأنه غايب من سنين..
و هو عمال يقول بضحك: هتكسر عضمى يا ابن الكلب.
و بعدها بص لى و قال: أهو سافرت و جيت و محصلش حاجه.
الحقيقة أنا كنت فرحان جدا.. اليوم ده منمناش و قعدنا نحكى كتير.. طبعا الناس حوالينا وقتها مكنوش عارفين أنا بعيط ليه أو فرحان أوى برجوعه ليه.. لكن من تاريخى الغير مستقر كأبن مع والدى زمان كان مخليهم فرحانين بيا و بقربى الشديد منه فى المرحلة المتأخرة دى من عمره و كانوا بيدعولى بالهداية..
و لما نام تانى يوم صحى سألته: حد من مجلس الأموات جالك تانى؟
ضحك و قال: لسه.
ضحكت و قولتله: لسه أيه أحنا مش عايزينهم خالص.
هو طبعا كان دايما بيقول أنهم أرواح ربنا بعتهم لسبب و أن رؤية الحبايب خير و الكلام ده.. و أنا مكنتش شايف حاجه غيره و متمسك بوجوده فى حياتى لأقصى درجة.. أيامى كلها كانت جميلة و كلها بركة و خير و ضحك من ساعة ما بقا فى البيت أغلب الوقت.
لحد ما ف يوم قام من النوم زى عوايده لكنه ملبسش و نزل لأخويا زى المعتاد.. أنبسطت و قولت حلو فيها سهرة صباحى.. عملتله القهوة و كله تمام.. قولت أسيبه شوية على ما أخلص اللى ورايا..
و فجأة نده عليا و قالى: أطلب لى أخوك.
قولتله بدهشة: أنت ممعكش رصيد ولا أيه يا حاج؟؟
قالى بعصبية: لأ معايا.. بس..مش عارف أجيب أسمه.
قولت بدهشة أكبر: يعنى أيه يا حاج مش عارف تجيب أسمه.
قالى بعصبية أكبر: معرفش أطلبه و خلاص.
و فعلا طلبتله أخويا و أتكلم معاه مكالمة ظهرت ليا أنها غير مفهومة و غير مسببة.. لدرجة أنى شكيت أنه تعبان بس مش عاوز يقول.. و بعد المكالمة سألته أذا كان تعبان.. كان رده أنه كويس بس عاوز ينام رغم أنه لسه قايم م النوم من شوية.. و لأنى موسوس و كمان معرفتى بأبويا وصلت لمرحلة التفاهم القصوى.. كنت متأكد أنه فيه حاجه.. سبت كل اللى ورايا و طفت له النور و جبت كرسى و حطيته ف الصالة عشان أراقبه من زواية معينة.. منمش على طول.. برضو كان ماسك موبايله كأنه بيدور على حاجه أو بيحاول يعمل حاجه ما لكنه مش قادر رغم وعيه.. فضلت مراقبه فوق ال 5 ساعات مقومتش ثانية.. و فجأة لقيته فتح عنيه و سكت شوية و بعدها بص لركن فى الأوضة و قعد يقول كلام أنا مش مميزه..
دخلت عليه و نورت النور و قولت بلطف: صح النوم يا عم الحاج..أصحى بقا عشان ناكل سوا.
بص لى كده كأنه بيشوفنى لأول مرة و قالى: أحنا فين؟؟
قعدت جنبه و حاولت أدارى الرعب اللى ملانى من سؤاله المفاجىء و قولت: أحنا ف البيت يا حاج.. بيتنا.
بص فى الأوضة كأنه أول مرة بيشوفها من غير ما يرد.. كأنه ضيف جديد عليها.. و دى علامات متطمنش أبدا.. بعت لأخويا أحكيله اللى حصل..
أتصل أخويا بيه و رد عليه والدى زى التايه و فى آخر المكالمة أبويا قاله: متتأخرش عشان نلحق نرووح.
مقدرتش من القلق و الأنفعال قولت بعصبية: ترووح فين يا بابا؟؟ أحنا هنا ف بيتنا.. قوم يلا عشان نتغدى سوا.
بص لى كده بصة شرود.. أول مرة فى حياتى كلها أشوف والدى عقله يشرد منه.. والدى اللى كان نابغة فى الحسابات و القراية حتى اللغات أتعلمها لوحده رغم شهادته المتوسطه.. والدى اللى كان حديث أصحابه أنه أول واحد جاب موبايل و أتعلم الفيس بوك فى سن كبير.. الحاج اللى كان الشارع كله بيكبر ليه و لكلمته لما تتقال مش عارف هو فين.. الأمر ده مستحيل يتسكت عليه.. والدى مش معايا فعلا.. ده شارد فى ملكوت تانى خالص.. ايه اللى حصل؟؟ أحنا نايمين كويس و هو صاحى ف معاده حصل أيه؟؟ قولتله يلا نقوم نلبس عشان ننزل على أعتبار أنه هينزل لأخويا و هو تحت ناخده ع المستشفى نطمن..
قالى: ماشى بس أشرب سيجارة الأول.
روحت لعلبة السجاير لقتها فاضية قولتله: العلبة فاضية.. لما ننزل تحت نبقى نجيب.
قالى بكل بساطة: ماشى.. طب شوف فيه سجاير مع عمك كده؟؟
بصت له بكل ذهول و قولتله: عمى!! و ده هسأله فين و أزاى؟؟
و بكل بساطة شاور برقابته على المكان اللى كان بيوجه ليه كلامه من شوية و أنا براقبه من بره.. طبعا المكان فاضى لكن ده زاد قلقى أكتر.. سألته أذا كان شايفه دلوقت..هز راسه أنه شايفه.. و لما سألته مطلبتش أنت منه بنفسك ليه.. قال أنه سأله من شوية و و عمى مردش عليه.. طبعا أنا كل رعب و قلق العالم بقا مالينى و ضربات قلبى أنا فاكر صوتها لحد دلوقت.. لبسنا و نزلنا لأخويا و طلعنا ع المستشفى و هناك أتحجز ف الرعاية.. ليه يا جماعة ده كان كويس و تمام.. أنا مبفارقوش لحظة.. قالوا نعمل تحاليل و نشوف.. تحاليل أيه أبويا كويس أنا متأكد.
كأن الدنيا مش عايزانى أتهنى عليه.. دول يادوب كم شهر اللى بقينا فيهم كويسين مع بعض.. ليه يتعب دلوقت التعب ده؟؟ أنا ما صدقت لقيت أبويا و لاقانى.. بييت يومها على باب المستشفى بره.. فرشت كرتونة و قعدت و قلبى بيتقطع.. أزاى أنا مش شايفه ولا عارف هو عامل أيه.. و تانى يوم لما سمحوا بالزيارة و دخلنا.. كانت الأرض بتلف بيا لما شوفته ف الرعاية.. واحد تانى خالص.. مش عارف أحنا مين و بيكلم ناس مش شايفها و بيشاور لناس مش موجودة.. بكيت من اللى شوفته.. مقدرتش أستحمل منظره و خرجت بره.. روحت للدكاترة.. طفحوا ف وشى لستة أمراض.. جلطات قديمة معرفش عملت أيه و الكبد معرفش ماله و الكلى و الضغط و السكر.. طب يا جماعة هيخرج أمتى؟؟ أنا عارف أبويا لا بيحب المستشفيات ولا الأدوية.. قالوا لما يتحسن.. لما كان بيخلص معاد الزيارة لمدة أسبوع.. كنت بروح البيت مبنمش ألا من التعب.. كانت بتجيلى كوابيس لما أنام أنه أكيد عايزنى دلوقت و بينده عليا.. أخدت أجازة من الشغل.. و مع توالى الوقت ف المستشفى كان بيتحسن شوية.. و فرحت أوى لما عرفنى..
أول ما عرفنى قالى جملة واحدة بقا يقولهالى كل ما كنت بروح أزوره: عايز أرووح.
حياتى أتلغبطت.. و قولت بس يجى بيته و ينور أوضته و أنا هرجعه زى الأول و أحسن.. و آخر يوم فى المستشفى لما خرج كان واعى تماما.. لكن الأسوء أنه كان واعى بحالته.. والدى أدرك يقينا أنه مبقاش زى الأول و مش هيرجع زى الأول.. و لما روحنا و لمة الأهل و الصحاب أتفضت من حواليه.. قعدت جنبه و عمال أقوله نورت الشارع و البيت ده أنا ذات نفسى نورت.. بس لقيته بيبكى و أنا ما شفتوش فى حياتى بيبكى ألا لوفاة أمى.. صعب عليا أشوف أبويا الجبل العظيم يرقد الرقدة دى.. قولتله متقلقش أنا معاك مش هسيبك أنت هترجع زى الأول و أحسن.. و هو يقول لأ سيبنى لكن عنيه كانت بتقول ألحقنى يا بنى.. أسيبك لمين يا عم الحاج أنا معاك لآخر نفس فيا.. من ضيقته بحاله و أنه صعبان عليه نفسه طلب منى أخرج و أسيبه ينام شوية.. كنت عارف أنه مش هينام و هيفضل صاحى.. و كانت أطول ليلة هتمر عليه و عليا أنا كمان.. سبته وخرجت و قعدت فى الصالة على كرسى المراقبة و عقلى شت شطح.. ليه؟؟ ليه دلوقت ليه؟؟ أشمعنى أبويا؟؟ العالم مليان ناس.. أشمعنى هو؟؟ طب أنا قصرت ف ايه؟؟ ده أحنا حياتنا كانت زى الفل.. ليه؟؟ ليه يتعب دلوقت؟؟ ثم جلطة أيه اللى تجيله و أنا بديله حباية السيولة؟؟ و ماله الضغط و السكر و الراجل منظم أكله؟؟ عقلى كان عبارة عن ليه و خلاص.. كان هاين عليا أقوم أفتح البلكونة و أصرخ بالأسئلة دى ف الفضا.. تعب والدى كان بداية فصل الشتا و ده خلى الليل مع الهموم يطول أكتر.. الناس كلها حواليا كانوا شايفين أن دى واقعة كبيرة و أنه خلاص يعنى فى أواخر أيامه..ألا أنا.. عملت المستحيل عشان يرجع.. و الحقيقة أنه أول كام أسبوع حاول كتير يستجيب للعلاج لأنه من النوع اللى مكنش بيحب الرقدة.. كنت أسمعه يدعى زمان أنه يارب أروحلك و تراب الشارع على رجلى.. والدى كان عنصر الحركة عنده أهم عنصر و لما بيفقده فى أى تعب كان بيبقى متعكنن جدا.. فضلنا نمشى ع العلاج خطوة خطوة مع تحسنه كنت بتمسك بالأمل أكتر.. حتى شغلى سبته خالص و قعدت له ليل نهار.. و أنا معاه و هو صاحى و هو نايم.. أكله شربه نظافته الشخصية.. و كنت سعيد أوى..
لحد ما فيوم صحى و قالى: النهاردة أيه ؟؟
أبتسمت و قولتله: النهاردة أحلى يوم يا عم الحاج مادام أنت بخير و بتتحسن.
قالى: طيب يلا نتغدى عشان نلحق ننزل.
طبعا هو من وقت تعبه مكنش بينزل خالص لأنه معندوش تحكم فى رجليه.. يادوب يتحرك فى الشقة..
فقولتله: و أيه اللى هينزلنا يا حاج ف الساقعة دى.. ده أنا عاملك شوية أكل حلوين.
قالى بتصميم: أكل العيانين اللى أنت ممشينى عليه ده مالوش طعم.. ثم أنا فيه واحد صاحبى هيعدى عليا تحت و لازم أنزل له.
قولتله بأندهاش: هو يعنى مديك معاد يا عم الحاج.. سيبك من الكلام ده.
قالى بصوت المدافع عن صحة كلامه: يا بنى مينفعش يطلع ده عنده القلب.. ثم عمك اللى قايلى أنه جاى..هو عمك هيكدب.
بصت له بذهول و قولتله: عمى!! و أنت شوفت عمى فين؟؟
قالى بدهشة: ما كان هنا النهاردة أنت مسلمتش عليه ولا أيه؟؟
قلبى رجع يدق جامد تانى.. عمى اللى ميت من عشرين سنة معرفش بيشوفه فين و أمتى.. أكيد ده نتيجة التعب.. أصل فيه أوقات كده من كتر حبك و تعلقك بحد مبترضاش تصدق أنه تعبان حتى لو تعبان فعلا.. و دى كانت نظرتى لأبويا فى كل مراحل تعبه.. بس ده معناه أن الأدوية مش جايبة نتيجة.. و العمل؟؟ سايسته و قولتله ماشى و فهمته أننا ناخد الدوا و نتغدى و نقعد نستنى صاحبه و لما يجى ننزله..فضلنا قاعدين ساعة أتنين ثلاثة لحد ما نعس و نام.. أرتحت أوى..
و فجأة لقيت أخويا بيتصل بيا و بيقولى أن فيه واحد صاحب بابا تحت وعايز يكلمه عشان ميقدرش يطلع السلم لأنه عنده القلب.. أنا سمعت الكلميتن دول و قلبى أنا بقا اللى وقع ف رجليا.. و شردت لدرجة أنى مسمعتش أخويا ولا زعيقه ولا أتصاله بيا بعدها.. و فين على ما رديت بصعوبة و قولتله يفهم صاحب والدى أنه هو نايم.. بس ده معناه أن بابا مبيتخيلش فعلا.. و أنهم هنا.. جايين ليه؟؟ جايين ياخدوه؟؟
محستش بنفسى ألا و أنا واقف و بقول بصوت عالى: على جثتى.
و فجأة سمعت صوت من ورايا بيقول: بعد الشر عليك يا حبيبى.
ده صوت أمى أنا عارفه كويس.. بصيت ورايا ملقتش حد.. أيه أيه أيه؟؟ مش معقول يكون صوتها.. دى تخيلات.. أكيد تخيلات من الضغط النفسى اللى أنا فيه.. فضلت بتنفض حرفيا لمدة ساعة.. و بعدها كلمت الدكتور وشرحت له أن والدى رجع يشرد تانى.. قالى بنبرة عادية ده طبيعى خالص السن بقا..قولت لنفسى سن أيه؟؟ أبويا من شهر كان أحسن منك.. أه لو الزمن يرجع بيا لورا سنين كنت شيلت أبويا ده من ع الأرض شيل.. كنت أتمتعت بقربه و حكمته و أبوبته و هو فى عزه صحته.. أنما مشكلتى كانت وقتها أنى كنت بعامل أبويا بالعدل مش بالرحمة.. يزعل أزعل.. يتكلم أتكلم.. يبعد أبعد..يعند أعند.. كنت قاسى و هو كان حكيم أكتر منى.. كنت شخص لا أطاق لكن رغم عمايلى كلها عمره ما تخلى عنى كأبن ليه.. قد أيه أنت أب عظيم.. طب ليه بعد ما كل حاجه أتصلحت يحصل كده؟؟ ليه؟؟
رغم أن كل الأشارات كانت بتقول أنه أيام أبويا ف الدنيا بتخلص.. لكن حبى ليه كأبن كان رافض كل الأشارات دى.. كنت بعافر معاه علشان بس يقوم ياكل و ياخد الدوا.. حتى صحوة البداية اللى كانت عنده جسمه مقدرش يستمر عليها بنفس الكفاءة.. و تعب و رقد مرة تانية لكن المرة دى مكنش قادر ينزل من فرشته كان يادوب يتقلب فيها.. قضيت ليالى أنتظار طويلة و صعبة فى عز الشتا.. كان لما ينام بعد مناهدة الأكل و الدوا و أطلع على كرسى الصالة أراقبه.. أحس أن الشقة ضيقة أوى و نورها ضعيف جدا.. و أبص لتلال الأدوية ع الترابيزة كأنها كاتمة على أنفاسى و أقول كان مستخبى لنا فين ده؟؟ أيه الحكمة يارب؟؟ تكفير ذنوب؟؟ رفع درجات؟؟ طب يعنى مفيش طريقة تانية؟؟ و أرجع أستغفر و أقول أمسك نفسك.. فى اللحظة دى حسدت الناس اللى أتولدت و موعتش على أهاليها.. لا شافوهم ولا عرفوهم ولا أتعذبوا بإنتظار فراقهم ولا قلقهم عليهم..أزاى تستحمل بنيان متماسك زى الأب شايفه على طول صامد ينهار كده؟؟ ولأنه صامد مينفعش ينهار مرة واحدة.. بينهار على مراحل و ده عذابه على الروح أقوى.. و بعدها أرجع و أقول طب هو أنهى الأقسى؟؟ أن ربنا يديك مقدمات لرحيل الغاليين فترتب نفسك و تشبع منهم ولا أنه ياخدهم فجأة فتتزلزل وتترج؟؟ أنهى الأحسن فعلا للأنسان ؟؟ الوداع البطىء ولا الرحيل المفاجىء؟؟ طول عمرى شايف الأب و الأم دول تشريفا لمجهودهم تتقبض أرواحهم و هم بصحتهم و بدون تعب..لكن سنة الله ف الكون أحكم و أعدل و كلنا ف الآخر مخلوقات متساوية قدامه عز وجل.
الأسئلة كانت بتدور فى دماغى زى مخروط الأعصار.. كلمت أخويا و قولتله أنا عايز أنزل أقعد مكانك شوية و أنت أطلع أستريح.. كنت حاسس أنى مخنوق عايز أغير جو.. عقلى هيشت يا عالم.. نزلتله بسرعة و والدى نايم و وصيته لو فيه حاجه يكلمنى.. قعدت برضو و ذهنى شارد بفكر فيه.. و بعد فترة من قعادى مر عليا واحد صديق والدى و سأل عليه و زعل أوى لما عرف أنه راقد و دعاله بالشفا.. بصيت له و هو ماشى و قولت ف نفسى بقا ده يبقى ماشى على رجليه و أبويا هو اللى راقد؟؟ كانت أنانية منى.. لما بيبقى عندك حد تعبان أو توفى بتعتقد أن الكون كله هيتعطل لمجرد أنهم راحوا أو مش بخير.. بس بتتفاجىء أن الناس حواليك بتتحرك فى مسارات حياتها عادى..فبيجيلك نوع من الغضب و تبدأ تصبه على تصرفاتك معاهم.. قعدت تحت معرفش قد أيه برضو مرتحتش..قفلت و طلعت لقيت والدى صاحى و أخويا معاه.. و لما سألت أخويا هل لاحظ أى حاجه مش مريحة على والدى..قال أنه طول الوقت كان بيبص على مكان معين ف الأوضة و لما سأله بتبص على أيه..والدى قاله أنه شايف أمى قاعدة على الكنبة و بتقرا قرأن.. عرفت طبعا أنه فى أنتظارى ليلة طويلة جهنمية.. دخل أخويا عشان ينام و فضلت قاعد مع والدى و أنا مصمم أعرف آخرة الحوار ده أيه.. قولت أدردش معاه شوية رغم حالته الذهنية المتأخرة تماما..
– مين اللى زارك النهاردة يا حاج؟؟
-عمك و جدك كانوا هنا و أمك قدامك أهيه.
بصيت ع الكنبة طبعا ملقتش حد.. بس طريقة كلامه زى ما يكون شايفها فعلا..
حاولت أجاريه شوية و قولت له: طب أسألها هى جاية ليه؟
قالى بهدوء: جاية تاخدنى عشان نرووح.
قولت بتوتر: ترووحوا فين يا عم الحاج.. ماما ماتت من 3 سنين.. مفيش حد هنا غيرى أنا و أنت و أخويا بس.
قالى بأستغراب: أزاى.. متقولش كده هو أحنا هنطرد أمك من البيت؟؟
حاولت أهدى نفسى لما لاقيت أنه مفيش فايدة.. طلب منى أنى أطفى النور عشان عاوز ينام.. فصممت أنى أعمل حيلة أجرب بيها يمكن أعرف هم موجودين ولا لأ..
فقولت له: طيب يا حاج أنا كان ضايع منى ورقة ف البيت معرفش سبتها فين.. و سألت عليها أخويا و قلبت البيت كله مش لاقيها..خلى ماما تدور لى عليها.
قال لى ببساطة: دى قالتلى أنها سيباهالك تحت المخدة بقالها يومين هى ما قالتلكش؟؟
جريت زى الصاروخ على أوضتى و فتحت النور و طيرت المخدة بأيدى.. و لقيت الورقة تحتها.. عرفت ساعتها أن مجلس الأموات موجود فعلا ف البيت و جايين ياخدوا والدى معاهم.. طفيت النور و جبت الكرسى المرة دى و حطيته فى قلب أوضة والدى.. و صممت أنى هفضل مراقبه 24 ساعة لحد ما أشوف حد فيهم.. مش معقول أبويا يروح منى بعد ما الدنيا صالحتنا على بعض.. فضلت صاحى عينى متشالتش من عليه..متحركتش من مكانى.. و عقلى بيدور فيه مليون سؤال.. معرفش فضلت صاحى مراقب والدى قد أيه.. لكن جه وقت عينى مكنتش قادرة تقاوم النوم..و تقريبا غفلت شوية صغيرين..سمعت من مكانى فى الأوضة زى ما يكون فيه مجموعة أشخاص بتتكلم فى الصالة بره..لكن صوتهم منخفض لدرجة أنى مش عارف أحدد الكلام كله.. بس قدرت ألقط شوية جمل من وسط الكلام..
* هتقولى له أمتى؟؟
# الصبر يا جماعة.. الموضوع مش سهل.. الواد متعلق بأبوه.
% الولد لازم يعرف.. أحنا هنا ف البيت بقالنا أكتر من شهر.. تبليغه كانت مسؤليتك أنتى.
• أحنا لما بلغنا الراجل بمشيانه متخضش لأنه مؤمن.. و راح زار أخته اللى ما شافهاش بقاله كتير عشان يمشى و هو مرتاح..أحنا بنتفاوض معاكى بقالنا شهر و أنتى لسه مقولتيش للولد..أنتى أمه محدش يقدر يقوله غيرك.
قومت من ع الكرسى مفزوع مش عارف اللى سمعته ده أيه؟؟ جريت ع الصالة عشان أشوف فيه حد ولا لأ.. طبعا ملقتش حد خالص.. بس قلبى كان بيدق جامد.. الأصوات دى كانت لأمى و عمى و صوت غريب أنا معرفوش.. خمنت أنه جدى اللى أتولدت بعد ما مات.. رجعت جرى على أوضة أبويا عشان أطمن عليه.. لقيته مغيير وضعية نومه ع السرير 180 درجة.. و ده معناه أنه قام و قعد و رجع نام تانى.. طب أمتى؟؟ و أزاى و هو مبيقدرش يتحرك؟؟ مقدرتش من الفضول و القلق صحيته و سألته أزاى عمل كده.. قال أن أمى هى اللى قومته و قعدت معاه شوية و بعدين نيمته تانى.. كنت هتجنن.. والدى حرفيا غير قادر على الحركة و معرفش اللى كان بيقوله ده صح ولا لأ.. بس عينى شايفة أنه مش دى نفس النومة اللى سبته عليها.. طب أنا شخصيا نمت قد أيه؟؟ دول هم ثوانى اللى غفلتهم.. طب و اللى سمعته و أنا نايم؟؟ أمى و عمى و جدى هنا علشان والدى.. معقول؟؟ و فجأة أفتكرت الأبتسامة اللى أبتسمها لما عارضته ف سفره لبورسعيد.. كان عارف أنها آخر سفرية.. كان بيتصور و هو مبسوط و فرحان و طاير عشان دى تبقى آخر صور ياخدها و يسيبهالنا ذكرى..
يعنى كان عارف أنه هيموت.. و مجلس الأموات بقاله شهر بيتفاوض عشان يبلغنى بده.. مستحيل.. مستحيل أبويا يموت و يسيبنى ده أنا مصدقت..
و فضلت بعد كده أراقب والدى ليل نهار و أضغط عليه بكل الطرق عشان ياخد الأكل و العلاج.. لحد ما فجأة رفض الأكل و الأدوية.. و بقا ساكت و شارد و عينه دايما بتبص على حاجه أنا مش شايفها..حتى لما كنت بحاول أتكلم معاه أو أشغله مكنتش بنجح.. شروده المرة دى كان أقوى و حسيت زى ما يكون ده الشرود الأخير..
و ف يوم أتكلم والدى فجأة و أنا قاعد مهموم جنبه و طلب منى أنى أنام النهاردة فى أوضتى.. فرحت طبعا أنه أتكلم بعد أنقطاع و قولتله مش هسيبك طبعا ده أنا مصدقت أنك نطقت.. رد بنفس الأمر مع نبرة تشديد مخالفة تماما لحالته الصحية الضعيفة جدا.. كنت مستغرب أوى من الأمر ده.. بس نفذته حبا فيه.
طبعا منمتش ألا بعد عذاب.. و فجأة لقيت نفسى بقوم من على السرير و أطلع الصالة.. و بصيت على أوضة والدى لقيت سريره فاضى.. كل رعب الدنيا ملانى.. جريت ع الأوضة و نورت النور لقيت أمى قاعدة على طرف سريره بشحمها و لحمها..
سألتها بكل رعب الدنيا: فين بابا يا ماما؟!
قالت بهدوء: فى المستشفى.
قولتلها بقلق: هو دخل المستشفى تانى؟؟
قالت: أه و دى آخر مرة.
فرحت و قولت: الحمد لله.. ربنا يرده لنا بالسلامة.
قالت بتأنى: ربنا يرده ليا بالسلامة.
بصت لها و فهمت اللى تقصده فى ثانية..صرخت و قولت مستحيل..لكن الكلمة مطلعتش على لسانى..فضلت أصرخ من جوايا..و زى ما تكون أمى سمعتنى..
قالت: أبوك كانت دعوته أنه ميجيش أجله ألا و هو راضى عنك.. كان بيموت من القلق و الخوف عليك أنه أجله يجى و هو زعلان منك.. و دلوقت خلاص هو راضى عنك جدا الحمد لله.. لازم يرووح.. أبوك تعبان.. المستشفى أحسن له من هنا.
و فجأة قومت من نومى مفزوع و جريت على أوضة والدى..
لقيته نايم و مفتح عنيه و أول ما شافنى وجه ليا عنيه لأول مرة من مدة و قال لى: مش خلاص؟؟ أنا عايز أرووح بقا.
و رجع بعدها لحالة شروده و بص لنفس المكان اللى هو بس شايفه..
رجعت أوضتى و بكيت..بكيت كتير أوى.. كان لازم أقبل بنتيجة مفاوضات مجلس الأموات.. والدى لازم يروح المستشفى..لأنه هيخرج من هناك.. نومته ف البيت هنا و أصرارى على أحتفاظى بيه مهما كانت حالته معذباه.. من أول دخوله للمستشفى أول مرة قالى عايز أرووح.. زى ما يكون عارف كل حاجه.. و متقبلها بنفس راضية..
كلمت أخويا و طلبت منه يطلب الأسعاف علشان تنقل بابا المستشفى.. قعد هناك أسبوع لكن مزرتوش فيهم ولا يوم.. مستحيل أشوف أبويا دقيقة واحدة و هو متحاوط بالأسلاك و الأجهزة.. و بعد أسبوع فى المستشفى أتوفى.. أطمنت و زعلت فى نفس الوقت..أطمنت أنه رووح و زعلت أنه سابنى..
و تانى يوم وفاته.. شوفت فى الحلم مجلس الأموات..
لكنهم كانوا زايدين واحد.. أغلى واحد.