روايات كاملة

قصه رميم كامله

من وسط الناس اللي جم يباركولي بالنجاح، دة أول برنامج ليا وظهور على التليفزيون، كنت حاسة بوجوده في وسطهم، يمكن لأن ذكرياتي اللي مرتبطة بالمكان ده كانت أسوأ حاجة في حياتي.
حاجة جوايا كانت بتترعش، قلبي كان بيدق بسرعة، مش عارفة إيه السبب، حاولت أخبي مشاعر الخوف وأبتسم لده وأضحك لدي، ماهي من عادات أهل البلد عندنا إن أي حد ناجح بيبقى ابنهم والعشم بيبقى واخد الكل، كان يوم مرهق جدًا، بس إحساس الخوف والرهبة كان أكتر من إحساسي بالتعب، طول الوقت حاسة إن اللي حصلي في المكان ده زمان مش هيعدي على خير، بس أنا ماأذتش حد، أنا كنت باحاول أمنع الأذى…
بس يمكن الطريقة ماكانتش صح..؟
أنا يمن الصواف ودي حكايتي….
من صغري باشوف حاجات غيري مابيشوفهاش، وباحس حاجات هتحصل من قبل ما تحصل، ولما كنت باحكي لجدتي كانت تقولي إن جدي كان كدة، وإن لازم ماحكيش لحد حاجة وإلا هاتعب، في مرة واحنا في المدرسة الكورة نطت من الأولاد اللي كانوا بيلعبوا في الحوش خرجت برا سور المدرسة وراحت لغيط جنبها، وقفنا كلنا نتفرج على الأولاد وهما بينطوا من على السور؛ عشان ينزلوا الغيط يجيبوا الكورة، ما بين تشجيع وصراخ اتجمع المدرسين وخرج الطلاب الباقين من فصولهم، وقفت المديرة جنبي وبصت ليا بهدوء، وقالت….
– قوليلي يا يمن إيه اللي بيحصل؟
– الأولاد، الكورة وقعت منهم وهما بيلعبوا، فنطوا من على السور عشان يجيبوها.
بصيت عليهم عشان أشاور لها هما نطوا منين بالظبط، بس حسيت إن جسمي كله اتشل، وكان فيه وجع رهيب في رجلي، فبصيت علع مكان الوجع لقيت فيه علامة غريبة شبه لدغة، ماكنتش عارفة هي جت منين ولا سبب الوجع ده إيه، فجأة ولد من اللي نطوا صرخ ووقع على الأرض، والأولاد الباقيين اتجمعوا حواليه، الفزع كان باين على وشهم رغم إنهم بعيد نسبيًا عننا، فيه منهم اللي صرخ وجرى، ومنهم اللي وقف ثابت ماقدرش يتحرك.
نط كذا مدرس وطالب من الكبار وجابوا الولد اللي وقع ونقلوه للمدرسة، وقتها المديرة زعقت وقالت كل واحد يروح فصله، بس أنا ماقدرتش، رجليا مش شايلاني، الوجع بيزيد، قربوا مننا وهما شايلين الولد، فجأة لقيت نفسي بقول…..
– حية لدغته، مش فاضله كتير الحقوه….
بصيت على رجلي لقيت العلامة اللي كانت فيها بدأت تختفي…
المديرة بصتلي وزعقت فيا جامد، وقالتلي….
– يلا علي فصلك زيهم، وزميلكم هيبقي كويس…
– يمكن يتلحق لو نقلتوه على الوحدة الصحية، هنا مش هتعرفوا تعملوا له أي حاجة.
– على فصلك يا يمن.
مشيت يومها وأنا عارفة إنه هيموت، روحت البيت وكنت مستنية ينادوا على دفنته في الجامع القريب من بيتنا، كان الوقت قرّب على العشا.
” نادوا عليه، حسان ولد إبراهيم الصغير دفنته دلوقت”
كل اللي عملته إني جريت على جدتي وقعدت أعيط في حضنها، طبطبت عليا وحاولت تسكتني، فضلت طول الليل أنام وأقوم مفزوعة، كوابيس ورا كوابيس الليلة دي مابتنتهيش، حياتنا وقفت عندها، ماعرفش نمت امتى بس صحيت على خبط شديد على باب البيت، كان اللي جاي هيكسره فوقنا.
جدتي كانت واقفة ورايا، وأنا بحاول أفتح الباب بس إيديها سبقت كفوفي الصغيرين وقتها….
كانوا ستات متجمعين وقفوا قصادها، وقالولها إني كنت السبب في موت الولد، وإني أنا اللي فوّلت عليه وقلت هيموت، بصت لي جدتي بعتب وحطت إيدها على راسي، وقالتلهم….
– دي عيّلة صغيرة، حد بياخد علي كلام العيال، الموت مش هيسيب حد أجله حان سواء كان طفل أو شيخ، ليه كل حاجة تحصل ليكوا شؤم تيجوا ترموها على العيلة….!
عرفت يومها إن جدتي كسبت عداوة جديدة من ستات البلد…
من يومها وأنا مابتكلمش، قررت أسكت ولو بإيدي إني أنقذ بني آدم بالف وشي وأكمل طريقي، الكلام في الحاجات دي لعنة يمكن تاخدك لطريق ماترجعش منه، أنا عارفة إن فيه غيري منكم كتير ساكتين ومش قادرين يتكلموا…
كبرت وعدت السنين ودخلت ثانوي، كانت في مدرسة واحدة قريبة مني، حاولت تخليني أطلع الرحلة معاهم قبل الامتحانات بس جدتي ماوافقتش، كنت شايفة كل البنات والولاد بيتنططوا، الفرحة مش سايعاهم ورايحين بكرا القاهرة، وأنا هافضل في للبلد، قالتلي بنت من اللي معايا في الفصل جملة علقت في دماغي من يومها….
– احنا هنخلص وأهالينا هيخلونا نسافر نتعلم في جامعات في القاهرة أما انت هتفضلي جنب جدتك، تعبتي روحك في التعليم، كنتي اتجوزتي وقعدتي في البلد، ووفرتي وقتك وفلوس الدروس اللي جدتك بتصرفها عليكي يايتيمة.
يومها روحت وقعدت أعيّط لحد ما نمت، بس صحيت على كابوس فظيع خلاني أحمد ربنا إني مش هاروح الرحلة دي معاهم، قلت بيني وبين نفسي يستاهلوا، مش هما أصلًا كدا كدا كانوا بيتنططوا عليا، بس لا يمكن أسيب أستاذة أسماء تتأذي، أنا لازم أقولها بلاش تروح، لازم بس هاقنعها إزاي دي مشرفة اجتماعية ضروري تروح….
بس أنا هاحاول وأمري لله، خرجت من ورا جدتي وروحتلها البيت….
– أستاذة، ممكن أطلب منك طلب غريب شوية!
– اتفضلي يا يمن؟
– بلاش تروحي الرحلة معاهم..
– ليه خير يا يمن؟
– مش عارفة أجيبهالك ازاي! بس أرجوكي بلاش تروحي.
– عقدك وهلاوسك دي أنا سمعت عنها من كل صاحباتك لكن ماكنتش مصدقة،
– عقد وهلاوس! أنا جاية أنقذك يا أبلة والله.
– لو كنتِ تقدري تنقذي حد، كنتِ أنقذتي أمك وأبوكي من الحريقة.
– بس أنا…..
– من غير بسبسة كتير اتفضلي على بيتكم، وهيبقي ليا تصرف تاني بعد رجوعنا من الرحلة… انتِ إنسانة أنانية وعايزة تبوّظي فرحتنا……
أكتر حاجة هتوجعك هو إن القلم يجيلك من إيد اتعودت تطبطب عليك، بس يمكن انت غبي، هي ماكانتش بتطبطب ولا حاجة يمكن كانت شفقة، يمكن!
روحت وأنا مش قادرة أكتم دموعي، دفنت وشي في المخدة، وحسيت وقتها بحركة جدتي…..
– نمتي يا يمن؟
كتمت نفسي ومثلت إني نايمة لحد ما مشيت وفضلت طول الليل صاحية عينيا مغمضتش، المفروض هيتحركوا الساعة ٥ عشان يلحقوا، دلوقت الساعة ٧، الحادثة هتحصل ٧ ونص، ازاي هاوقف عقلي عن التفكير، أنا لازم أخرج وأتمشى، كدا كدا اليوم أجازة، مفيش مدرسة ولا دروس….
فضلت ماشية على الطريق اللي بيودي لشجرة الصفصاف، قعدت تحتها وأخدت نفسي، لأول مرة من سنين أبقى خايفة كدا….
– جدتي كان معاها حق.
– قالت لك ماتتكلميش، وإلا هتتعبي.
– بس أنا ماتكلمتش..
– بس حذرتي!
خبطت على راسي!
أنا اتجننت باكلم نفسي، ساعتها سمعت صوت ضحكة، شاب يخطف العقل قبل القلب… كان واقف قدامي بيضحك ويقولي: مجنونة انتِ زي ما بيقولوا وبتكلمي نفسك..
اتنفضت من مكاني ورتبت هدومي، ووقفت قدامه مش عارفة أتكلم، عينيه زي البحر، تغرق فيها ماتعرفش تقاوم تقولش سحر، لقتني بامشي وراه في حاجة غلط، أنا ماشية زي المتخدرة….
كنت باتلفت حواليا، الطريق بقى بعيد مابقاش في ناس، مرة ألاقيه قدامي ومرة ورايا ماعرفش ازاي…. بس وقتها حسيت إنه مش بشر، وصلنا لأرض كبيرة مش مزروعة بعيدة عن العمار، وقتها وقف وبصلي جامد فاتنفضت وجسمي كله اتحرر وعلى الأرض وقعت، رفعت وشي فيه فقرّب مني وقالي…..
– لازم تتحكمي في عقلك شوية، كل حاجة مكتوبة بقدر والقدر خط مرسوم بالمسطرة، لو مكتوبله يتغير في الوقت الفلاني هيتغير، إنما تدخلك مش هيغير حاجة، بالعكس هيتعبك….
– جدتي قالتلي كدا….
– نوارا، طول عمرها عاقلة…
– تعرف جدتي!
– عز المعرفة، لازمتها سنين وسنين، كنت ليها أقرب من ضلها….
– انت مين؟
– مش لازم تعرفي، مش هيفيدك بحاجة…..
أنا جايبك هنا عشان أقولك نصيحة هتنفعك ” ماتتكلميش في حاجة ماحصلتش لسه مع حد غريب، انتِ ليكِ ٣ فرص استنفذتي اتنين يا يمن، لو التالتة ضاعت، ماحدش هيسمي عليكِ. “
– انت مين؟
– خلي نوارا تحكيلك.
وفجأة اختفى، رجعت البيت باتنفض، بادور عليها!
هي فين؟ هو مين؟
لقيتها قاعدة كالعادة على الأرض بتسبّح لربنا، قرّبت منها وقولتلها..
– نوارا….
اتفزعت من صوتي العالي اللي لولاه ماكنتش هتحس بيا، ماهي كبرت في السن وسمعها قل.
– مالك يا يمن؟
– قابلت غريب، عارفك وقال ملازمك سنين وسنين؟
– غريب مين؟
– قالي نوارا هتحكيلك!
– اوصفيلي شكله.
– شاب قمحي، طويل، عيونه عسلي، ضحكته ترد الروح، البصة في وشه كأنها سحر يا جدتي….
– الغريب ده شوفتيه فين؟
– عند شجرة الصفصاف.
– طيب وديني أوضتي، عايزة أنام.
– مش هتقوليلي مين الغريب يا جدتي؟
– وديني أوضتي يا يمن، وبطلي تتكلمي مع اللي ماتعرفيهوش.
كانت آخر مرة أوصلها لأوضتها، ازاي ماعرفتش ولا حسيت، ازاي ماشوفتهاش في كوابيسي وهي بتفارقني، أكيد فيه حاجة غلط.
وصلتها ومخرجتش من أوضتها، ماتت علي سريرها وسابتني لوحدي…
إحساس إنك توصل آخر حد بتحبه تحت التراب وتمشي وتسيبه ده صعب جدا، خلص العزا، وباب البيت اتقفل عليا لوحدي، وقتها ماعرفتش إيه اللي حصل لرحلة المدرسة وفضلت في دوامة الحزن كذا يوم، بس بعدها عرفت إنهم اتعرضوا لحادثة في الملاهي ونجوا بأعجوبة منها.
ركزت في المذاكرة، بطلت أتكلم مع حد، خلصت الامتحانات، ويوم النتيجة خبط عليا الباب….
– يمن الصواف، مبروك الأولى على المدرسة، والتانية على المحافظة!
منحة من الحكومة بدّلت حالي من بنت في الريف، كل حلمها تروح القاهرة لطالبة في كلية اعلام جامعة القاهرة….
سبت البيت والبلد وسافرت القاهرة، قعدت في المدينة الجامعية وفي الأجازة كنت باشتغل في القاهرة، ماليش حد أرجع عشانه البلد.
عدت السنين في أمان بعيد عن الكوابيس، وكل اللي كان بيحصلي، وقلت لنفسي يمكن دي لعنة كانت رابطاني بالبلد واتحلت، مش فاكرة الموضوع ده بدأ معايا من امتى، بس هو إحساس عمره ماكان مريح بالنسبالي.
يمكن موت أهلي قدام عيني هو اللي عمل فيا كده، انا آخر حاجة فاكراها والدي وهو بيحاوطني بجسمه عشان النار ماتوصليش، صراخه فضل شوية كتير في وداني رغم إني كنت طفلة صغيرة وقتها، وحقيقي ماعرفش يومها أنا خرجت ازاي، غمضت عينيا في حضن بابا، فتحتها في حضن جدتي…
جرى الوقت واتخرجت وأصريت أسجل أول حلقة في برنامجي في نفس القرية اللي اتربيت فيها، عشان أوريهم اليتيمة بقت فين.
ماهمنيش أفرحهم قد ماكان اللي شاغلني إني أشفي غليلي من كل حد عاب فيا، وقال اني مش هوصل، وإن آخري بيت جدتي.
وفي وسط المباركات والفرح والزغاريد مانستش نوارا ولا كل اللي حصل،كنت حاسة بيها موجودة حواليا وفخورة بيا.
لمحته موجود بين الناس، ده نفس الشخص اللي شفته قبل ما نوارا تموت كان واقف وبيبص ليا وفجأة اختفي، كنت بادور عليه بعينيا، أنا مش بيتهيألي ده مش إحساس أنا متأكدة إنه هنا….
قفلت باب البيت بعد الناس ما مشيت، وقررت أفضل لآخر الأسبوع هنا، وكأن السنين مامرتش من يوم وفاة نوارا وأنا لوحدي لحد دلوقت، أول مره أرجع البيت ده من ٤ سنين وشهرين، كل حاجة فيه زي ما هي الحيطان، العفش، وريحة البيت، وو….
تنّحت أما ظهر قدامي ضل على الحيطة، ضل غير ضلي، بصيت برعب وسمعت صوت همس ضعيف بيقول…
– وحشتيني يا يمن!
يتبع
الجزء الثاني
– مين هنا؟
كنت مفكرة إن فيه حد من أهل البلد لسه في البيت، ومستخبي عشان عاوز خدمة أو مصلحة.
دوّرت في كل البيت مالقتش حد!
وقفت وبدأت ألف حوالين نفسي، أنا مش بيتهيألي، أنا سمعت حد بيقول: “وحشتيني يا يمن”، قعدت في نفس المكان اللي نوارا كانت دايمًا فيه على الأرض، بالرغم من كل حاجة وصلتلها، كان فيه جوايا حتة ناقصة ماكانش حد هيعوضها غير جدتي اللي راحت.
دخلت أوضتها وفردت جسمي على السرير، كل الذكريات كانت بتدخل في بعضها، موت نوارا، الحريق، موت أهلي، الكوابيس….
كل حاجة كانت بتعدي قدامي ناقصة، غمضت عينيا وحاولت أنام….
– يمن، يا يمن…
-نوارا! انتِ عايشة؟
– هو فيه ميت بيرجع يعيش؟
– أومال أنتِ ازاي هنا؟
– أنا برده مش هنا.
– يااااه لو أغمض وأفتح ألاقي كل اللي عدى ده كابوس، وألاقيكِ لسه معايا مامشيتيش.
– ده قدر يا يمن، والقدر زي السهم لازم يصيب المكتوب.
– ليه! ليه القدر دايمًا ياخد اللي بحبهم، ويسيبني وحيدة؟
– مين قال إنك وحيدة! أنتِ لسه ليكِ “رميم”.
– مين رميم؟
– هتعرفي في الوقت المناسب، المهم ماتمشيش، ماتسيبيش البيت ده، المرة دي لو غضب مش مضمون هيحصل إيه!
فجأة الجو برد، وفتحت عينيا وأنا حاسة إني باتخنق، قعدت على السرير، وكنت حاسة بدوخة….
وقتها حسيت بإيد على ضهري، حد بيطبطب عليا!
بلعت ريقي بصعوبة وبصيت ورايا مالقتش حد!
شديت الغطا عليا، ولزقت في ضهر السرير، الغطا كان بيتشد أول ما أسيبه من إيدي، فضلت مفزوعة طول الليل، عينيا بتلف في الأوضة مش شايفة حاجة من الضلمة!
بس الغطا كان بيتحرك، مع أول شعاع نور دخل الأوضة كنت باجري على شنطتي، وأخدت موبايلي وخرجت بانهج من البيت.
لقيت الدنيا عتمة! كانت ضلمة أوي.. بس إزاي!!
ده لسه نور الشمس كان داخل الأوضة، سمعت صراخ جاي من حواليا فرجعت كذا خطوة لورا، وقفلت على نفسي الباب، كان فيه نور جاي من تحت عقب الباب، بس الدنيا كانت برة ضلمة.
ولّعت كشاف الموبايل واتحركت في البيت، معقولة لسة النهار ماطلعش وأنا بيتهيألي!
غمضت عينيا، وقررت أغسل وشي..
حسيت بحركة ورايا في الحمام، خرجت لقيت نور البيت اللي كان فاصل من امبارح رجع تاني، والبيت مترتب ونضيف!
لا وفيه صينية على الأرض، قربت منها، كان فيه ريحة أكل حلوة أوي!
كشفت الغطا، كان على الصينية أكل كتير، أنا جعانة مافكرتش في أي حاجة، وقعدت آكل ماهمنيش مين جابه او إزاي دخل، بعد ما أكلت حسيت إن دماغي تقيل، فنمت في نفس المكان اللي نوارا كانت نايمة فيه.
***************
شفتها راجعة البيت بتعيط، قعدت جنبي، كانت شايلة طفلة لفّاها بقماش، حطيتها على الأرض وقامت قفلت الأبواب والشبابيك، وطفت النور، وولعت شمع وعملت بيه دايرة وحطت الطفلة في النص، كانت هدوم الطفلة دي عليها دم كتير.
بدأت نوارا تتحرك حركة غريبة، وجسمها أخد رتم معين بيتهز بيه، عينيها اتحولت للون الأبيض، وكانت بتردد كلام غريب…
” جئتك بها لتردها إليّ سالمة بحق خادمك عابدين، رأفة بما قد يحل بي إن انتهى أجلها، يا من تُحيي العظام وهي رميم أحيِها لي”.
الشمع انطفي كله ما عدا واحدة، كان نورها بيترعش، وفجأة سمعت صوت بيرد عليها من الضلمة، وقال…..
” بحق ما رأينا من خادمنا قررنا أن نبعث لها رميم، سيمنحها القوة والقدرة والعلم، ولتكن له بعد حين زوجة ومعين”.
سكتت نوارا دقايق وبعدين ركعت، وفجأة ظهر من العدم قدامها كاس مليان تراب، أمرها تدهن بيه جسم الطفلة وتسيبه عليها ٧ ايام، ماكدبتش خبر، مسكت التراب بلهفة، وشالت هدوم الطفلة اللي كان جسمها مليان حروق، لما كانت بتدهنه بالتراب ده كانت بتختفي لحد ما جه الوقت إنها تكشف عن وشها!
شالت الغطا وحسيت بجردل مية باردة بيتدلق فوق راسي، كان آخر حاجة ممكن أتخيلها إن الطفلة دي أنا، ماكنتش مستوعبة اللي بيحصل!
حسيت ضربات قلبي مابقتش منتظمة، حطيت إيدي على صدري عشان أهدي نفسي شوية وكملت، هي مسكت التراب، ومشت بيه على وش الطفلة كله، وبعدين أخدتها في حضنها، كنت حاسة بالتراب على جسمي، مديت إيدي بتلقائية على وشي لقيت نفس التراب عليه..
وفجأة سمعت صوت الطفلة اللي في حضن نوارا…
اتأكدت إن دي أنا مش مجرد شبه ولا وهم، هي نفس الجملة اللي لما فتحت عينيا قلتها…
– النار أخدتهم، بابا اتحرق….
كانت بتعيط بحرقة، كأن المشهد بيعيد نفسه، ماعرفش كانت بتعيّط على بابا وماما، ولا بتعيط على مستقبلي اللي ضيّعته…
*****************
نوارا كانت سبب كل اللي جرالي، كل اللي كنت باشوفه كان بسببها، بس يا ترى نوارا ماتت ليه؟
الشمعة انطفت والضلمة فضلت مسيطرة، النور مارجعش، أنا ماخرجتش من الحلم!
فجأة نطق حد بصوت رخيم، وقال….
– بس ده مش حلم، أنتِ معايا ومحظور عليكي تكوني بوعيِك إلا لما تقبليني!
– أنت مين؟
– أنا رميم.
– يعني إيه؟
– جدتك زمان ربطتك بيا، انتِ قدري من زمان.
– أيوة يعني عاوز إيه! خرجني من هنا أنا عايزة أفوق، عايزة أصحى عشان أمشي من البيت ده، أنا لازم أسافر.
– كل ما هتقبلي وجودي في حياتك بسرعة، كل ما الضلمة حواليكي هتختفي.
– انت جن! انت مخلوق من نار، وأنا من طين، ماينفعش أبقى ليك.
– ومين اللي قال ماينفعش!
– احنا أعداء ليوم الدين، انصرف وسيبني في حالي.
– مش بمزاجك يا يمن، انت خلاص مصيرك مربوط بيا، كل حاجة ميّزتك بيها وانت صغيرة، كانت مقابل للحظة دي…
– مش هيحصل، مش هاتجوزك مهما حصل.
– بلاش تعصيني يا يمن.
– قلتلك اللي عندي، لو الموت قصاد اني أتجوزك هاختار الموت.
– قدامك ٧ ليالي تفكري، في الليلة التامنة ماتلومينيش على أي تصرف هاعمله.
فجأة الضلمة اختفت، والبيت رجع من حواليا طبيعي، حاولت أتحرك من مكاني، بس جسمي كله كان مكسر، حاسة بألم رهيب فيه….
الوقت عدى وأنا باصة للسقف، حاولت أهرب كذا مرة،
بس ماكنتش قادرة أتحكم في رجليا، كنت بامشي لحد الترعة وأقعد على حرفها، أنا خارجة قاصدة موقف العربيات بالاقي رجليا وخداني لأماكن تانية مافيهاش بشر، شجرة الصفصاف والترعة وأماكن تانية كنت بامشي زي المنومة، نظرات الناس ليا كانت كلها شفقة، أسمعهم وهما بيقولوا هي دي اللي جت البلد من كذا يوم وردة منورة، صحيح الحسد بيأذي، كان نفسي أصرخ في وشهم وأقولهم إني مش محسودة بس ماكنتش باقدر، ماكانش فيه صوت بيطلع، كنت باحس إن لساني مشلول، فيه حاجات كتير غلط، روّحت البيت في اليوم الخامس ودخلت أوضة نوارا، عابدين كان أبو نوارا خادم للجن، ونوارا واضح إنها كانت عارفة المواضيع دي، يمكن لو دوّرت وراها ألاقي حاجة تنهي الموضوع ده كله قبل فوات الأوان….
بدأت أدور في حاجتها وأقلب فيها، فجأة النور انطفى وحسيت برعشة في جسمي، وبدأت أغيب عن الوعي….
– ماتدوريش؛ نوارا لما حاولت تصرفني وصممت قتلتها، انتِ مش هتبقي أغلى منها.
– قتلتها!
– يوم ما رجعتي ووصفتيني لها خافت، ودخلت الأوضة دي وحاولت بكل قوتها تصرفني، لكنها كانت ساذجة وقتلتها، ف ماتحاوليش بقى.
فقت وأنا ع الارض، مسكت دماغي وفضلت أخبط فيها ليه يا نوارا كل ده، عشان أعيش تبيعيني للشيطان، تملكيه حياتي.
فضلت قاعدة على الأرض أعيط، وقررت أتقبل كل حاجة، أنا مش هاقدر أقاوم لوحدي، كنت باخد الأكل اللي بيجهزه وأرميه، آخر ليلتين قطعت فيهم الاكل….
وقررت في الليلة السابعة إني أروح أزور قبرها، وهناك فضلت أعيط جامد، ومع آذان المغرب اتحركت وروحت البيت، خلاص مابقاش عندي طاقة أحاول بيها أهرب حتى، روحت البيت وطلعت ورقة وقلم وكتبت على اللي حصلي، كنت حاسة إني حد غريب عن نفسي، كنت حساني خفيفة أوي…
خلصت كتابة وفضلت أضحك، وقمت عملت كوباية شاي وحطيت فيها قرص قديم كانت نوارا بتستعمله، بيحفظ الاكل بس سام أوي، شربت الشاي وماعداش دقايق كان كل حاجة انتهت…..
لما جه وقت ظهور رميم في الليلة التامنة عشان ياخد يمن معاه، ويبدأ طقوس الجواز لقاها ميتة، فقرر ينتقم من كل القرية، وحرق كل بيوتها وهد بيوت القرية كلها ما عدا بيت واحد، آه هو بيت يمن….
بعد أكتر من ربع قرن قررت الوزارة تعمل تطوير للمنطقة دي لأنها كانت اتحولت لخرابة، لما نزلنا رحلة استكشافية للمكان، قبل ما نباشر العمل لفت انتباهنا البيت الوحيد السليم، فقررنا ندخل يمكن نلاقي فيه أثر يدلنا القرية دي وصل حالها لكده إزاي؟
كانت كل حاجة في البيت كاسيها التراب، وواحدة من الأوض بابها كان مفتوح وعلى السرير، هيكل عظمي لبنت كانت لابسة عباية، دورنا في الدواليب عن أي حاجة تفيدنا ولفت نظري ساعتها الكراسة، مسكتها وفتحتها، لقيتها مذكرات، ساعتها كنت حاسة إنها مذكرات البنت دي…
القصة اللي حكيتهالك فوق دي كانت مكتوبة فيها… دي كانت مذكرات يمن واحنا هنبدأ تطوير القرية دي كمان كام يوم.
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط