“قصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
لحظة بتمر بحياة البني أدم كفيلة تقلبها وتغير أحواله، ده بالظبط اللي حصل معايا..
الساعة 12 نص الليل، ده بالنسبالي أجمل وقت لتصفية الذهن من كل أحداث اليوم، سواء بقى أحداث سلبية أو أيجابية مش ده المهم.. المهم عندي الوصول في النهاية لمرحلة سلام نفسي وعصبي ولو لدقايق بسيطة..
ولكن ليس كل ما يطلبه المرء يناله..
في الوقت ده الجو بيكون هدوء تام، الأصوات كلها في حالة ثبات وصمت، بأستثناء صوت حركة فروع الأشجاراللي مرصوصة على جوانب شارعنا، ده الصوت اللي برغم انه ممكن يقلق ويوتر ناس كتير، بس بالنسبالي اكتر الأجواء اللي بتساعدني على التركيز في القراءة، هوايتي الوحيدة والمفضلة..
قللت أضاءة الأوضة، حركت وشي ناحية “الكومودينو” اللي جنب السرير، كان عليه كتاب اشتريته من يومين، بس لسه ما عرفش محتواه، خدت الكتاب واتعدلت في قعدتي، صفحة في التانية.. نظري اتثبت قصاد عنوان غريب ومريب في نفس الوقت، عنوان أول صفحات الكتاب سحب فضولي وتركيزي، وقفت عنده للحظات كان مكتوب “الموت الغامض”..
بدأت اقرا أول السطور، توالت قراية سطور الصفحة، عقدت حواجبي وجاتلي حالة من الذهول مع رعشة غريبة في جسمي، معقولة اللي بقراه ده حقيقي!.. انا واثق اني سمعت الكلام المكتوب ده قبل كده، بس أمتى وفين مش متذكر بالظبط؟.. لاأفتكرت، سمعت الكلام ده من…..
قطع تركيزي اتصال تليفوني، اتنفضت مكاني.. مديت أيدي وخدت التليفون، بصيت فيه عشان أعرف مين اللي بيتصل بيا في الوقت ده؟.. كان المتصل “هاشم عبدالرحمن”، ابن عمي وصديق الطفولة..رديت عليه:
-ده انت أرذل مخلوق اتولد في البشرية.
-ده اللي هو انا!.. الكلام ده انا المقصود بيه؟
سبت الكتاب من ايدي:
-ده على اساس ان عفريتك اللي اتصل بيا.. أكيد انت يا عديم المفهومية.
ضحك بصوت عالي:
-من يومك يا “زاهر” وأنت محترم ومش بيطلع منك غير الكلام المؤدب.
-غصب عنك.. ما هو مفيش حد يتصل في الوقت ده يا بارد.
كمل في ضحكه:
-ليه خير يا حبيبي؟.. خاطب لاسمح الله بتحب على نفسك وبتفكر فيها، ولا متجوز بعد الشر وقاعد بتلعن في المدام.
-الملافظ سعد وأقفل المجاري اللي فتحتها دي، فهمني سبب اتصالك اللي خلاني في قمة السعادة، وقطع حبل تركيزي؟
-هافهمك.. وبعد ما افهمك هاسيبك تربط الحبل وتعيش مع تركيزك، اسمع بقى الكلام اللي هاقوله وافهمه كويس، من فترة عمي اللي هو أبوك يعني، طلب مني حاجة اعملها تخصك، بس شرط عليا اني ماقولش ليك أي حاجة من قبل ما كل حاجة تتم.
استغربت لكلامه فاقاطعته:
-غريب!.. طلب ايه اللي في السريه والكتمان؟
-اصبر على رزقك، طلب مني اعمل تحويل أوراق شغلك من المؤسسة اللي بتشتغل فيها، لمقر شغلي.
كنت بحاول استوعب اللي بيقوله، وفي نفس الوقت بتمنى مايكونش اللي جه في بالي صح، لأخر لحظة ماحبتش اني اتسرع واسمع منه للأخر فسألته:
-مش فاهم كلامك، وضح لي أكتر قبل ما هاتصرف تصرف غير عقلاني بالمرة.
-أهدى كده بلاش شغل الجنان بتاعك ده، المرحلة الجاية عاوزه هدوء اعصاب وكأنك في تلاجة، بعقلك كده انا بشتغل فين؟
جاوبته:
-بتشتغل ظابط، وأوقات على ماعرفت منك بتطلع تفتيش في أصلاحية البنات.
-اسمها الأحداث يا جاهل، أيوه بالظبط اثبت هنا.
اتعصبت عليه:
-ده مش موضوعنا، ولا أنا دلوقتي في حالة تستوعب فتح قواميس اللغة العربية، فهمني قصدك قبل..
قطع كلامي:
-بس بس.. لا قبل ولا بعد، طلبت تحويل شغلك كأخصائي أجتماعي في أحداث البنات.
برقت عيني، رديت عليه وانا في قمة غضبي.
-انتوا أزاي تعملوا كده؟.. بتخططوا وتنفذوا من ورايا من غير ما تعرفوني، انا بكره نظام الأمر الواقع خاصة في شغلي، لا وأيه.. أحداث البنات!
-ومالهم البنات ياعم.. دول بنات الزمن حط عليهم بزياده ووصلهم للسجن بين أربع حيطان، ولا تكونش ياد زي ما بيقولوا عليك شباب العيلة عدو البنات، وأنك يعني…
قاطعت كلامه:
-أنت لو قدامي دلوقتي كنت عرفتك عاقبة اللي بتقوله، احترم نفسك يا هاشم ولم لسانك.
-لميته، خلاصة الكلام ايه دلوقتي؟.. المفروض كمان يومين تيجي تستلم شغلك، ايه النظام؟
اتنهدت وخدت نفس طويل بحاول أهدي التوتر:
-ولو أن كل اللي حصل ده مش مقتنع بيه، بس في النهاية كله شغل مدام في مجال تخصصي، ولو مارتحتش كل اللي نفذته من ورايا هاخربهولك، أظن كلامي واضح!
-ولو ان كلامك فيه نبرة تهديد مش مريحة، بس وماله يا زاهر.. جهز نفسك وهاستناك بعد بكرة، ولا أقلك تعالى عندي بكرة المكتب نتكلم شوية، وأفهمك أكتر طبيعة شغلك.
من غيظي منه قفلت المكالمة من غير حتى سلام، حطيت التليفون جنبي ورجعت راسي لورا، راسي هاتنفجر من ضغط الأفكار اللي هجمت عليا، أسئلة كتير أهمهم.. هبدأ منين وأتعامل أزاي في المكان ده؟.
رفعت عيني لسقف الأوضة، ولفيت بعيني في كل زاوية من زوايا الأوضة، أفكار كتير ملخبطة وسرحان طويل في كل الكلام اللي اتقال من دقايق، بس فجأة افتكرت حاجة شغلت اهتمامي قبل المكالمة المستفزة من ابن عمي، الكتاب اللي كان في ايدي..
اتعدلت في قعدتي، حسست بأيدي ودورت عليه مكان ما حدفته جنبي، ولقيته.. فتحت الصفحة اللي وقفت عندها و سألت نفسي”معقولة دي أشارة وعلامة للحوار اللي دار بيني وبين هاشم؟”.. بس لا.. مفيش صلة بين اللي قريته وبين اللي حصل او لسه هيحصل.. معقولة انا رايح للموت برجلي؟..
نفضت من راسي الأفكار المرعبة اللي هجمت عليا بدون مقدمات، قرايتي في الماورائيات هتوصلني للجنون..
فكرت للحظات اني أقلب اكترفي صفحات الكتاب، بس انا كنت في حالة من التشتت وضياع التركيز.. حسيت بلسعة برد في جسمي كان سببها تيار هوا شديد فتح بلكونة الأوضة بكل قوة..
احساس غريب اتملكني في اللحظة دي، خلاني قومت مفزوع من مكاني وروحت ناحية البلكونة وقفلتها، رجعت للسرير وانا بترعش من البرد اللي اجتاح أركان أوضتي، حاولت استسلم للنوم،و فعلا غمضت عيني..
فراغ.. أضواء كتير بألوان مختلفة بتضرب في عيني، مكان واسع جدا واقف في أوله، مرت لحظات الأضواء اللي كانت موجوده كلها أختفت!.. حل مكانها ضوء باهت بيكشف معالم المكان، مش قادر اتحرك من مكاني، مش فاهم بسبب الخوف اللي بيتحكم في كل خلايا جسمي؟.. أو بسبب قلة معرفتي للمكان اللي انا فيه ومجهول بينتظر خطواتي ناحيته..
بس فيه حاجه بتدفعني وتسحبني اني اتحرك” الفضول”.. وده بسبب اللي شايفه، المكان اللي كان من لحظات عبارة عن فراغ بيتحول!.. بتتجمع فيه غرف جنب بعضها وبتتقفل بكل قوة، بيصدر منها أصوات عالية زي دقات طبول الحرب، خبط حديد في بعضه لدرجة ما كنتش متحمل الصوت، بتلقائية غمضت عيني وضغط بأيدي على وداني، فجأة..حد شد ايدي من على وداني وهمس بنفس بارد”الموت ضيف تقيل انتبه لعلاماته”..
فتحت عيني ببطء عشان اشوف اللي بيتكلم، كانت واحدة ست!.. ماشوفتش شكلها بس عرفت انها ست عجوزة من انحناء ضهرها وهي بتتحرك بعيد عني، مشيت وراها بنفس بطئ خطوتها، ممر طويل مساحته كبيره، الغرف اللي اتكونت مقفولة بأبواب حديد، بيخرج منها نفس الضوء الباهت اللي موجود في الممر، لفت انتباهي وجود كيانات وخيالات بتتحرك في كل غرفة، مع تركيزي.. عرفت ان دول بشر، في منهم اللي بيتحرك بعشوائية وبيلف في كل أركان المكان، وفي منهم اللي قاعد وحاطط راسه بين رجليه..
فجأة.. وقفت الست اللي كانت ماشية قصادي، عدلت وشها ناحية غرفة من الغرف الصغيره، كان فيها حبل طويل بينزل من السقف، متعلقة فيه بنت صغيره وبتتحرك شمال ويمين، وشها شاحب عيونها مبرقة ولسانها خارج من بوقها، بينزل من ودانها دم كثيف غرق الأرض من تحتها..
اتجمدت مكاني من اللي شايفه، في نفس اللحظة سمعت صوت دقات طبول ظهرت من العدم، دقات متتالية بعدد معين بالظبط 3 مرات..
سمعت نفس الهمس في وداني” أوقات الموت له علامات”.. بصيت بسرعة ناحية الصوت، جه وشي في وش الست اللي كانت بتتكلم، ظهرت ملامحها وعرفتها كانت جدتي..
اصوات دق الطبول زادت لدرجة ماقدرتش اتحملها، قعدت على ركبتي وكررت نفس حركة الضغط على وداني، غمضت عيني ومع علو صوت الدقات بدأت أصرخ، في نفس اللحظة كل حاجة حواليا بتتبدل، المكان الواسع بيضيق حجمه وبيصغر، دقات قلبي بتزيد.. لحد ما الهدوء والسكون رجع للمكان، فتحت عيني كنت في أوضتي، شايف نفسي نايم مكاني على السرير، طيب انا بحلم ولا ميت ولا ايه اللي بيحصل بالظبط؟.. قربت ناحية السرير ومديت أيدي ناحية اللي نايم، بحاول أحركه خايف لاكون فعلا ميت، أيدي مش بتلمسه كأن ايدي بتلمس الفراغ حواليه، لحظات من المحاولات لحد ما باب الأوضة اتفتح..
شهقت شهقة طويلة وكنت حاطط أيدي على قلبي، العرق مغرق جبيني، رفعت ايدي ولمست وشي عشان أتأكد اني لسه عايش واللي شوفته مش أكتر من حلم، أو أيا كان.. المهم انا لسه فيا الروح، أفتكرت أخر حاجة فوقتني الباب لما اتفتح!.. بصيت ناحيته بس كان مقفول زي ما قفلته قبل ما أنام..
سحبت نفسي تحت الغطا، حطيت راسي على المخدة وعقلي بدأ يسترجع اللي شوفته في الحلم، جدتي تقصد ايه بالكلام اللي قالته؟.. عقدت حواجبي وقولت مع نفسي”بس ليه جدتي؟.. دي ماتت من اكتر من خمس سنين”..
مش متذكر بعد كده ايه اللي حصل، لحد ما صحيت على صوت رنة المنبه اللي جنبي، أدركت وقتها الوقت بحركة تلقائية مسكت الساعة كانت 8 الصبح، سامع بره الدوشة الصباحية المعتادة أمي وتجهيز الفطار، وأخواتي ومدارسهم..
نزلت رجلي على الأرض عشان أقوم بس كنت حاسس بصداع رهيب، لدرجة لما وقفت ماكنتش قادر اتحكم في وقفتي، دوار اتملكني بسببه وصلت للباب بصعوبة، خرجت من الأوضة كانت أمي بتحضر الفطار، صبحت عليها فالاحظت عليا الأرهاق والتعب سألتني:
-مالك يا زاهر؟.. شكلك مانمتش طول الليل وشك تعبان.
-نمت ساعات قليلة وطول الليل كوابيس، بس الغريب ان شوفت جدتي في الحلم!.. ده غير مكالمة حضرة الظابط الرذل”هاشم”باشا.. واخباره اللي شبه خلقته.
ضحكت أمي على اللي قولته، فاكملت كلامي وحكتلها كل اللي دار بينا في مكالمة امبارح، بس ماعلقتش.. هي مش بتحب تتدخل في شغلي، مدت ايدها بكوباية القهوة الصباحية بتاعتي سألتني:
-ستك كانت بتعمل ايه في حلمك؟
لحظة ما سألت مر قصادي كل اللي شوفته امبارح، وتقريبا هو اللي سببلي الصداع اللي حاسس بيه، رديت عليها بسؤال:
-قوليلي يا ماما يعني ايه الموت له علامات؟.. ده الكلام اللي قالتهولي جدتي امبارح في الحلم.
اترعشت ايد امي وسابت الطبق اللي كان في ايدها، بصت لي وكان واضح على ملامحها القلق، ورجعت تتكرر سؤالي بس بصيغة مختلفة، كانوع من التأكيد:
-ستك قالتلك الكلام ده في الحلم؟.. يا ساتر يارب.
استغربت لقلقلها، بالنسبالي ده مجرد حلم حتى لو مش مريح، بس في النهاية حلم.. لكن طريقة وكلام أمي بتبين ان الموضوع اكبر من كده، وقتها قولت في بالي” أُمال لو حكتلها على اللي شوفته، يمكن ما تخرجنيش من باب الشقة”..
مش عارف ليه قفلت معاها في الكلام اللي كنا بنحكيه؟.. يمكن بسبب قلقها حسيت بالتوتر لايكون فيه حاجه فعلا هاتحصل معايا ودي أشارة، ماهو الخوف من المجهول بيخلينا نتأقلم ونعيش اللحظة بلحظة، ونركن كل الهواجس المخيفة اللي بطارد عقولنا لوقتها، بمعنى.. خلي الصدمة في نفس وقتها بدل ما نهلك تفكيرنا ووقتنا في لحظات أنتظار مجهول مش عارفين ايه هو..
ده اللي عملته.. قربت لأمي وحطيت قصادها فنجان القهوة، بوست راسها وابتسمت ،وسبتها عشان أبدأ يومي، جهزت نفسي عشان أخرج واروح لمكتب “هاشم”، فضلت الأول اني اعمله اتصال اعرفه اني جاي في الطريق، رد عليا وقال:
-بلاش تجيلي على المكتب يا”زاهر”، تعالى على العنوان ده.
نزلت من الشقة وركبت العربية في اتجاه العنوان اللي ادهولي، المكان كان بعيد شوية بالتحديد في منطقة من عشوائيات الجيزة، مشيت بالعربية ببطء بسبب المطبات، عيني كانت بتدور في كل الأتجاهات بتتفحص كل حاجة حواليا، الحارات الضيقة البسيطة، الناس اللي كانت ملامحهم باهته وتفكيرهم شارد، لوهلة بسيطة مارست شغلي في الخدمة الأجتماعية، الناس دي عيونهم بتحكي وبتوصف حكايات.. حكايات مليانه هموم عن دنيتهم اللي بيحاولوا يحركوها عشان تمشي، صعوبات كتير بتواجههم وده واضح جدا على حركة جسمهم..
فوقت من تركيزي على صوت صرخات قريبة، كان تقريبا ده العنوان اللي وصفهولي “هاشم”..
دورت على مكان أركن العربية اللي كان حاجة من المستحيلات، الحارة ضيقة جدا لدرجة ان العربية سدتها، اضطريت اني أركن في زاوية قرب المكان اللي هنزل فيه، قفلت العربية وخرجت منها واتجهت ناحية صوت الصراخ، في طريقي سامع الناس بيتهامسوا، في منهم اللي بيضرب كف بكف وهو بيحرك راسه ويقول” لاحول ولا قوة الا بالله، قولوا ع الدنيا السلامة يا جدعان”..
وفي منهم بيتهامسوا مع بعضهم”دي يطلع منها كل ده؟”.. فايرد عليه اللي جنبه” ولسه ياما هانشوف دي بنات جاحدة يابا، بنات عاوزة الحرق”..
عدلت وشي ناحية صوت واحدة ست بتكلم واحدة وبتقولها” ما هو يستاهل ده راجل ابن حرام، والله قليل اللي عملتوا فيه البت”حور”.. بصت لها الست اللي جنبها وعوجت بوقها على جنب..
ركزت ومستني اسمع رد الست على كلامها، بس اكتفت بالتعليق الحركي اللي كان على وشها، لاحظوا وقتها اني مركز معاهم، بصت لي الست بغيظ عقدت حواجبها وقالت:
-مالك يا أخويا فيه حاجة؟.. شيفاك يعني هتاكلنا بعينك، ومركز معانا أوي، هاتخدلنا صورة ولا يمكن معجب ولا حاجة.
اتنحنحت وحطيت ايدي على بوقي، خرج مني الكلام بتهته:
-لا لا مفيش حاجة، معجب ايه بس ده كلام!
الست اتضايقت من كلامي وردت عليا بعصبية، كلامها كان أقرب للردح:
-يانهارك أسود ومنيل، ليه بقى ان شاء الله ما نشبهش ولا أيه حضرتك.
-ياستي ده أنتي تشبهي بلد.
برقت عينها وقربت خطوات مني:
-بتقول ايه يا ابن المؤذية، ده انت ليلتك مش فايتة النهاردة، شكلك المحلفط ده بيقول انك مش من أهل الحارة، فالازم تاخد التحية اللي على حق.
وبدأت تزعق بصوت عالي وهي بتنده وتقول”ياواد يا سمعه، انت ياواد ياسمعه تعالالي هنا فوري”..
لقيت نفسي بجري من قدامها، كل اللي في بالي الحق نفسي قبل ما ييجي “سمعه”، ويخلي سمعتي يشهد بيها اهل الحارة وأبقى فرجة..
دخلت من باب عمارة صغيرة أو بيت، الله أعلم ده أسمه ايه.. المهم هو مكان للمعيشة مكون من 4 أدوار، الشقة كانت في الدور الرابع، حمدت ربنا ان السلم كانت فاضية مافيش عليها مخلوقات من اللي قبلتها في المدخل، وفي كل الأحوال السلم كانت ضيقة جدا يادوب تقضي طلوع فرد بالعافية..
وصلت قصاد الشقة كان واقف عليها عساكر، واحد منهم شاور بأيده عشان أقف مكاني:
-رايح فين ياأستاذ؟.. ممنوع الدخول.
حطيت أيدي في جيبي وطلعت بطاقتي:
-انا “زاهر سلامة عمران”.. ابن عم الظابط”هاشم عبد الرحمن عمران”، هو مستنيني ممكن تدخل تسأله.
فعلا سابني العسكري ودخل جوه، دقيقة ورجع أذن لي بدخول الشقة، دخلت الشقة بخطوات بطيئة، وقفت قرب الباب ومتحركتش اكتر من كده، كان فيه جوه اكتر من حد من قسم الشرطة، ورجالة تانية بيعملوا زي معاينة للشقة وبياخدوا زي بصمات من كل أركان الشقة، واضح انهم من الطب الشرعي..
الشقة مش مريحة بالمرة، احساس كده قبض قلبي من وقت دخولي، وده بيحصل مع ناس كتير لما يدخلوا مكان ويتشائموا منه.. غير الريحة البشعة اللي عملت غشاشة غطت عيني، خرجت منديل وسديت بيه مجرى التنفس، اقلل شوية بشاعة الريحة اللي وصلالي..
المكان شبه مقلب الزبالة، أزايز متكسرة ومحدوفة في كل حته، وفي منها اللي مرصوص على ترابيزة صغيرة في نص الصالة، وجنبهم أطباق مليانه ورق أبيض، قربت من الترابيزة ومسكت الأطباق قربتها مني وشميتها، الموضوع مش محتاج فهم، دي كانت حشيش ومخدرات..
فجأة لقيت حد خبطني على كتفي
“يتبع”
#علامات_الموت
#لمياءالكاتب
الجزء الثاني والأخير…
فجأة لقيت حد خبطني على كتفي:
-انت بتعمل ايه يا غبي؟.. الناس بياخدوا البصمات من المكان، وانت بتمسك وتشم، ناوي تسيب السجاير وتجرب الصنف في موقع جريمة.
خد من ايدي الطبق وشاور لواحد يمسح بصمات ايدي اللي اتطبعت عليه، رديت عليه:
-صنف ايه؟.. ثم انا بطلت السجاير انت عبيط ياض.
-اسكت الله يخرب بيتك، عبيط ايه ونيلة ايه قصاد العساكر اخرس الله يكسفك، تعالى ورايا من غير ما تنطق او تلمس حاجة.
مشيت ورا هاشم اللي راح ناحية أوضة صغيره، كانت موجودة في ركن من أركان الصالة، اتسمرت على الباب من اللي شوفته.. جثة مرمية على الأرض ومفصول رقبتها عن جسمها ومحدوفة بعيد عنها، الريحة ابشع مما تكون، الجثة بطنها منفوخ والدم مغرقها بس لونها متغير، لون الدم بسبب تجلطه مايل للون الأسود..
قربت من هاشم وقولتله بهمس:
-الجثة دي ميته من مده طويلة.
بص لي :
-ما تيجي تشتغل مكانا أحسن، بس ناصح ياد مع انك عيل طري بس فاهم برضه.
بصيت له بغيظ وجزيت على اسناني:
-هتتحاسب على الكلمة دي، بس ده لا مكان حساب ولا وقته.
ابتسم سابني وراح ناحية الطبيب الشرعي، وقفت مكاني ولفيت بعيني في أركان الأوضة، عيني اتثبتت في ركن معين لمحت فيه حد قاعد!.. بنت صغيرة لابسة جلابية غرقانة دم، ضامة رجلها عليها ودافنة راسها جواها..
قربت منها بخطوات محسوبة، وقفت قصادها وركزت في طريقة قعدتها، البنت كان جسمها بيترعش، ممكن ما يكونش في حد ملاحظ حركة الأهتزاز الخفيفة اللي على جسمها، بس واحد زيي دارس وفاهم كويس لغة الجسد، مش هيبقى صعب عليه ينتبه لحاجة زي دي..
البنت بتتحرك بجسمها حركات خفيفه، كأنها مش قادرة تقعد نتيجة للخوف والتوتر، لاحظت انها بتشبك ايدها في بعضهم وثواني تفكهم وتفضل تقبض بصوابعها على كف ايدها..
لحظات وجسمها يرجع لحالة ثبات غريب، كأنها ثمثال ومتثبت جنب الحيط، قربت منها أكتر وقعدت مسنود على رجلي، سامع صوت أنفاسها المتلاحقة، عاوز اتكلم عشان ترفع وشها، بس جالي هادم اللذات ومفرق الجماعات:
-انت ايه اللي مقعدك هنا يا بني أدم؟.. مش قولتلك خليك جنبي.
رفعت وشي ناحيته:
-تصدق انا غلطان اني سمعت كلامك وجتلك.
-اسمع بس هنا مكان لجريمة قتل زي ما انت شايف، واللي انت قاعد قصادها هي اللي قتلت وفصلت رقبة الراجل ده، اللي بالمناسبة يبقى “أبوها”
وقفت في حالة ذعر على عدم استيعاب:
-أكيد انت بتهزر مش كده؟
عينه اتسعت وقال:
-وقت شغلي بكره الهزار.
-أهدى عليا الله يكرمك يا هاشم، انا كل اللي جه في بالي، ان فيه حد دخل الشقة وقتل الراجل، واعتدى على البنت أو أيا كان، البنت صغيرة جدا للكلام اللي بتقوله، دي تقريبا ماكملتش ال 17 سنة.
-وغلاوتك عندي ولا حتى ال 16، دي سنها 15سنة، يعني حدث.. واحتمال كبير “حور” أول ملف تمسكه في الأحداث.
استغربت من كلامه وسألته:
-حور مين؟
فرك وشي وهو بيتنهد بنفاذ صبر:
-“حور” دي يا بني أدم، البنت اللي قتلت أبوها، واللي لسه كنت قاعد بتتأمل فيها.
شاور بأيده ناحية البنت الصغيرة اللي لسه قاعده بنفس قعدتها، متحركتش من مكانها وكأنها متخشبة.. ضربت بكلامه عرض الحيط، للحظة حسيت بالشفقة عليها وعلى حالها، مع ان الشعور والاحاسيس دي ممنوعة في شغلنا.. بس فيه حاجة غريبة بتجذبني ناحيتها، أحساس وفضول مع مشاعر كتير مش عارف أوصفها، دفعتني اني انده عليها:
-حور، انتي سمعاني؟
مفيش أي رد فاكررت سؤالي:
-انتي سمعاني ياحور؟
لمحت رعشة على جسمها، راسها بتترفع ببطء لحد ما ظهرنص وشها من بين دراعها المتشبك، عيونها كانت اشبة بجمرتين من شدة الأحمرار، مش عارف أحدد ده بسبب بكا، أو بسبب الخوف والرعب اللي اتعرضت له الساعات اللي فاتت.. واللي مش فاهم ايه هو بالضبط!..
كررت كلامي:
-انتي سمعاني كويس.
ماكنتش باصة ناحيتي خالص، عينها كانت مرفوعة ومتثبتة في اتجاه محدد قصادها، كأنها شايفه حاجه، أو شايفة حد واقف قصادها!!
بصيت ناحية ما كانت عينها مرفوعة، بس مفيش حد.. قصادها فراغ وسرير حجمة مش كبير مركون جنب الحيط، رجعت بصيت ناحيتها.. رفعت كف ايدها اللي كان غرقان دم نشف على كفها، حركت سبابة ايدها ببطء شديد ناحية نفس المكان اللي بتبص ناحيته، شاورت عليه بضعف شديد وتوتر واضح على ملامحها اللي ظهرت من وشها..
-فهميني طيب وحاولي تقولي أي حاجة وانا سامعك، انتي بتشاوري على أيه؟
بس ماردتش عليا ولا جاوبت على سؤالي، واستمرت في نفس الحركة اللي عملاها، بعدها نزلت دراعها جنبها على الأرض، ضمت كف ايدها الصغيربكل ما تبقى لها من قوة، رفعت عن الأرض مسافة بسيطة وبدأت تدق خبطات على الأرض، دقات متتالية منضبطة مش عشوائية، لدرجة انا عدتهم .. واحد، اتنين،تلاتة..
بعد ما خلصت رفعت ايدها ناحيتها، وحركت ايدها التانية وسدت ودانها، وفضلت تصرخ بأعلى صوت، صرخات عالية خلت كل الموجودين اتفزعوا وبصوا ناحيتنا، جه بسرعة هاشم وشدني من دراعي عشان أقف:
-انت عملت لها ايه منك لله؟
حركت كتافي:
-والله العظيم ما جيت جنبها، انا بس سألتها…
قطع كلامي:
-وهو ده مكان مناسب للسؤال، أو حتى الكلام.. يا عبقري يابتاع علم النفس مش شايف بعينك سن البنت، تأثير الصدمة عليها مخليها قاطعة الكلام من اساسه، وانت رايح تسألها!
-طيب والأجراء اللي هايتعمل دلوقتي ايه؟
-هو ده مش اختصاصك عشان تسأل، بس هريحك اياك تتهد، الطب الشرعي هياخد الجثة للتشريح، هناخد أقوال البنت ده لو أتكلمت وبعدها هتتحول للأصلاحية وتتعرض على المختصين، يفهموا حالتها طبيعة حالتها النفسية، يمكن يقدروا يطلعوا منها بحاجة تفيدنا في التحقيقات، وسبب قتل أبوها بالطريقة البشعة دي.
-كل اللي بسأله لنفسي دلوقتي، أزاي بنت في السن ده وتدبح بالوحشية دي، الا بقى..
قطع كلامي:
-أهو الا دي هتبان من خلال سير التحقيقات.
-مالهاش أهل البنت دي، فين أخواتها أو أمها.
في اللحظة دي سمعنا صوت واحدة بتصرخ، وبتزعق بصوت عالي في العسكري اللي واقف على الباب، خرج هاشم ناحية الصوت وخرجت وراه، كانت واحده ست شكلها مش كبير تقريبا في التلاتينات، وماسكة في أيدها ولد صغير، اتكلم هاشم:
-فيه ايه يا ستي انتي؟.. بتصرخي وتزعقي ليه؟
ردت عليه الست وهي بتمسح بطرف جلابيها الدموع اللي مغرقة وشها:
-معلش يابيه، انا ابقى أم حور وطليقة أبوها.
رد عليها هاشم بتعجب:
-طليقته!.. اهلا، كده انتي لازم تشرفي معانا عشان أخد أقوالك وافهم منك شوية تفاصيل، خاصة ان بنتك قاطعة الكلام بعد ما دبحت أبوها.
ضربت الست على قلبها:
-يامصيبتي دبحته!.. ده لا يمكن أبدا، حور بت ضعفانة هاتجيب منين صحة تقدر على التور ده.
هز هاشم راسه:
-اه قولتيلي تور!.. طيب اتفضلي معانا عشان نفهم حوار البت وأبوها، وطلاقك بالمرة.
سبت هاشم واقف مع ام البنت، ورجعت الأوضة اللي فيها جثة القتيل، جالي أحساس ان الموضوع أكبر من حادث قتل، شعوري اتأكد لما بصيت على البنت وهم بيشدوها عشان يقوموها، نفس نظرات عينها متثبتة في اتجاه واحد، كأنها مش شايفه غير المكان ده، ومفصولة بعقلها وتركيزها عن الواقع اللي حواليها، رجلها ماكنتش شيلاها وكانوا بيجروها من على الأرض..
وصلوا بيها على باب الشقه، فاسمعت صرخات امها وبكاها زاد، كل اللي على لسانها”سامحيني يا بنتي، سامحيني يا حبيبتي”..
استغربت من كلامها هتسامحها على ايه؟.. الشقة بدأ الكل يخرج منها، خرجت انا وهاشم ونزلنا بصت له وقولت:
-بقولك ايه يا هاشم، تعالى اركب معايا العربية عشان عاوز أروح معاك.
-تروح معايا فين؟.. تقصد القسم!
-ايوه.
-بس ممنوع تحضير تحقيق في قسم الشرطة.
-دخلني بالصفة الجديده في شغلي، الأخصائي الأجتماعي للأحداث.
كلامي ماكنش مقنع بالنسباله، بس بعد محاولاتي وافق.. ركبنا العربية وروحنا قسم الشرطة، دخل هاشم مكتبه وشاورلي على كنبة قرب مكتبه اقعد عليها كمستمع، وحذرني من أي تدخل في الكلام اللي هايتقال، هزيت راسي ووافقت على كلامه..
أول حاجة عملها نده على العسكري، طلب منه يدخل “اسماعيل” وده بقى جار القتيل وصاحبه، لحظات العسكري خبط على الباب ودخل، كان معاه راجل طويل تقريبا بنفس طول القتيل، صحته كويسه برغم حاله المتبهدل، شاور له هاشم انه يقعد، اتحرك الراجل ناحية الكرسي بحذر شديد، وده بسبب القلق اللي كان واضح على وشه، بدأ هاشم الكلام:
-قولي بقى ياأسطى اسماعيل, مش أسطى برضه وعندك عربية بتشتغل عليها؟
الراجل توتره بيزيد، اترجم التوتر في حركات ايده وفركها ببعضها:
-ايوه يا باشا كلامك صح، بس بعتها من فترة قريبة واشتريت توكتوك.
رجع هاشم بضهره على الكرسي،ضرب على رجله:
-خساره والله يا أسطى اسماعيل، بس أهي كلها مواصلات، وبعتها ليه بقى وياترى “ابو حور”وافق انك تبيعها؟
واضح ان جملة هاشم فاجأت الراجل، رد عليه وهو بيتهته:
-ها.. وحضرتك مال “سيد” بالعربية ، أبيعها ولاأخليها دي حاجة بتاعتي.
رجع هاشم واتعدل في قعدته، قرب أكتر من المكتب وحط ايده على الترابيزه، بص لأسماعيل بتركيزواتكلم بصوت أقرب للهمس، ودي حاجة بتخلي الشخص اللي قدامه يتشتت اكتروتلخبطه، واللخبطة أكيد هتجر وراها أخطاء يستفاد بيها التحقيق:
-ماله أزاي بس يا راجل!.. ده الواد “جمال” تباع العربية اللي كانت عندك، بسيجارة قالي كل حاجة.
برق اسماعيل واتكلم بصوت عالي:
-ده واد كداب وحلنجي ياباشا، كلب فلوس.. حقيقي “سيد” كان مشاركني في العربية، بس بعد البيعة خد نصيبه.
-متأكد من كلامك يا اسماعيل.. يعني مااتخانقتوش مثلا قبل قتله ب4 ايام، ولا نزلك شقتك وضربك جواها والناس اتلمت وسمعت صوتكم؟.. لما كلت عليه باقي فلوسه، وفي الأخر طردته بعد ما رنك العلقة المزبوطه، بأمارة لما الناس سمعتك بتزعق وبتقوله”انا هاوريك يا سيد أزاي تمد ايدك عليا، وحياة أمك لأقطعهالك”، شكلك كده جيت تنشن على قطع ايده فاقطعت رقبته.
صراحة كنت مذهول من طريقة هاشم، حط الراجل في خندق مش هايعرف يخرج منه غير لما يقول كل اللي عنده، بصيت لأسماعيل ملامحه اتبدلت بلع ريقه بالعافية:
-ها.. يادي المصيبة السودة، رقبة ايه وايد أيه اللي اقطعهم يا سعادة الباشا؟.. دي كانت خناقة مالهاش تلاتين لازمة، وده كلامك عادي بيتقال وقت نرفزة والناس كلها بتقوله عادي، مش عشان علقة خدتها هاقوم أدبحه..
بص هاشم للراجل ونده على العسكري، دخل العسكري مكتب هاشم فقاله:
-هاتلي مرات اسطى اسماعيل، هي مش بره؟
-ايوه موجوده يا فندم، هاجيبها لحضرتك حالا.
دخلت المكتب مرات الراجل وقعدت في الكرسي اللي قصاده، اتنهد هاشم ووجه للست السؤال:
-حادث القتل حصل اول امبارح نص الليل، كنتوا فين الوقت ده؟
-ما انت لسه قايل يا بيه نص الليل، هاكون فين غير في شقتي.
-كلام جميل.. وجوزك بقى كان موجود برضه في الشقة.
ردت عليه بتلقائية بتوضح انها مش مرتبة كلامها:
-ايوه يا سعادة البيه، ده كان نايم جنبي في فرشته، حتى بالأمارة..
قطع كلامها هاشم وهو بيشاورلها:
-مش عاوز أمارات.. ماسمعتيش اي صوت في الوقت ده؟.. مدام كنتِ صاحية وسهرانة انتي وجوزك.
عدلت الست طرحتها، واتعدلت في قعدتها:
-الكدب خيبه يابيه، الدنيا كانت ساكته خالص لدرجة تقلق، مش عادة الحارة تسكت واهلها يتهدوا في بيوتهم، السكوت ده خلاني سمعت خبطات خفيفة جاية من السقف اللي فوق الأوضه.
قاطعها هاشم:
-ده سقف أيه بالظبط؟
-ده بقى سقف الأوضة اللي بتنام فيها البت “حور”، والبت”فرح”!
لأول مرة يبص ناحيتي هاشم من بداية التحقيق، نظراته واضح عليها الاستغراب من كلام مرات اسماعيل، رجع بص ناحيتها وسألها:
-انا اللي أعرفه، ان القتيل ما عندوش الا بنت واحدة”حور”، وولد صغير شوفته مع طليقته، مين بقى “فرح” دي؟
خبط اسماعيل مراته على رجلها، وقالها:
-أحنا مالنا يا جلابة المصايب.
خبط هاشم بكف ايده على مكتبه، زعق لأسماعيل:
-انت بتعمل ايه ياراجل انت؟.. بكلامك ده بتعوق سير التحقيق ودي فيها حبس.
اتنفض الراجل من مكانه:
-خلاص خلاص يا باشا، انا هاكتم خالص مش اتكلم.
كملت مراته كلامها:
-يا بيه احنا مالناش دعوة بحاجه و في حالنا، جوزي بيجري على لقمة عيش العيال، هو بس الزفت اللي بيشربه أوقات بيضيع عقله وبياخد من قوت العيال، لولاه كانت تبقى العيشه معدن وزي الفل.
بص لها جوزها بغيظ:
-اه يا بت اللتاته ده انتي نهارك ابوكي أسود، بتسلميني تعاطي عيني عينك.
ما اقدرش اكتم صوت الضحكة، طلعت مني بدون قصد بسبب الحوار اللي كان بين اسماعيل ومراته، وقتها بص لي هاشم وكان على وشه غضب ربنا، زعق بصوت عالي:
-يا عسكري..
دخل العسكري بسرعه، قاله هاشم:
-طلع لي ابن ال.. بره واتحفظ عليه لحد ما اطلبه تاني، وهات لي مرات القتيل، ولا طليقته.
خد العسكري اسماعيل، لحظات دخل ومعاه ام حور، بعد ما قعدت سألها هاشم:
-انتي عندك بنات تاني غير حور؟
ردت عليه وهي بتهزراسها:
-لا يا بيه ماخلفتش غير حور.
-بس اللي فهمته من كلام مرات اسطى اسماعيل، ان عندكم بنت اسمها فرح.
بمجرد ما هاشم قال اسم البنت، فضلت تبكي وتعيط بصوت عالي، قامت مرات اسماعيل من مكانها، وهمست لهاشم بصوت مسموع:
-طيب كنت اسمع مني الأول يا بيه، فرح دي مش بنتها دي تبقى أختها الصغيره اللي ربيتها بعد ما أمها ماتت.
شاور هاشم للست انها ترجع وتقعد مكانها، وجه كلامه لأم حور:
-فعلا فرح دي تبقى اختك، طيب هي راحت فين؟.. وياريت وسط كلامك افهم سبب طلاقك من القتيل.
مسحت ام حور عيونها، اتكلمت وقالت:
-ايوه يا بيه فرح تبقى اختي الصغيره، بس في مقام حور انا اللي ربيتها في بيتي، حتى حور كانت بتحبها ومتعلقة بيها لدرجة انها بعد ما طفشت، جاتلها زي حالة نفسية وبقت تتكلم بصعوبه.
قطع كلامها هاشم:
-طفشت ازاي يعني مش فاهم؟
-فرح كبيرة مش صغيره، كانت بتدرس في الجامعة في سنه 3 كلية، جاتلي من مده كده ييجي من 5شهور، وقالتلي” بقولك ايه يا سميحة، فيه واحد زميلي في الجامعة عاوز ييجي يخطبني”.
انا فرحت والله بالخبر يا سعادة البيه، وروحت قولت ل”سيد” بس فضل يزعق ويتخانق وهو بيقول”واحنا هانجهزها منين ؟.. مش كفاية اننا كبرناها، قوليلها تقفل على الموضوع ده”.. ما كنش عندي حيلة غير ان اقولها اللي حصل عشان تأجل الموضوع شويه..
عدا على كلامنا ييجي شهر، لحد ما في يوم بعتتلي واحدة جارتي عشان نروح نعزي، جهزت نفسي ونزلت، كانت البت حور نايمة وقاعدة جنبها فرح، قضيت المشوار وطلبت مني جارتي اني اقعد معاها شويه، وافقت وقعدت معاها، لقيت الوقت اتأخر فاستأذنت عشان ارجع البيت، فتحت باب الشقه ودخلت، روحت أوضة البنات بس ماكنتش فرح موجوده، وكانت حور نايمة زي ما سبتها..
استغربت للي بيحصل وغياب فرح، استنيت ساعات انها ترجع مارجعتش، من وقتها قلبنا عليها الدنيا مالهاش أثر، حتى البت حور من وقت غيابها اتصدمت لفراقها وقطعت الكلام، عرفت بقى انها اكيد طفشت مع الواد اللي عاوزة تتجوزه.. الله يسامحها بقى.
أما بقى سبب طلاقي كانت خناقات كل يوم بيني وبين سيد، أوقات يا بيه كنت اسمعه بيكلم نفسه، وأوقات اسمع اصوات غريبه ماليه الشقه، وطول الليل خبط ورزع في البيت، ده غير ريحة الهباب اللي بيشربه لما قرفنا، والله يا بيه ريحة الهباب ده قلبت الشقة عفونه، خلت البيت ولا ريحة القبر، الله يسامحه بقى اللي كان السبب وعلمه طريق الزفت ده، من بعد طلاقي اداني الواد الصغير، ورفض ان حور تخرج من البيت.
بصت لها مرات اسماعيل:
-بتلقحي كلام على مين يا ام حور؟.. طليقك ياختي مش محتاج حد يعلمه، ده حريقه لوحده.
زعق هاشم بصوت عالي عشان يسكتوا، انتهى الكلام معاهم على حبس اسماعيل على ذمة التحقيق، والتنبيه انه ممكن يستدعيهم في أي وقت..
بعد خروجهم من المكتب طلب استدعاء حور، اللي من وقت ما دخلت في حالة صمت تام، لو رفعت وشها لثواني، كنت بلاحظ ملامحها الشاحبة وعيونها الزايغة في كل حتة في المكتب، شرودها مش طبيعي، لدرجة كنت بستغرب معقولة ده سببه الصدمة اللي اتعرضت لها؟..
اتنهد هاشم بعد ما فشلت محاولاته انها تتكلم، طلب تحويلها لسجن الأصلاحية وعرضها على الأخصائيين، بعد ماتم كل اللي طلبه، اتناقشنا في أكتر من حاجه وخد رأيي، وكان طلبه الرئيسي:
-عاوزك يا زاهر تحاول بكل الطرق تفهم ايه اللي حصل، وياريت لو قدرت تخليها تنطق حتى لو كلمات بسيطة.
هزيت راسي وسبته عشان أرجع البيت، التعب كان اتملك جسمي بدرجة كبيرة، روحت البيت ودخلت بدون أي نقاش مع أي حد، تقريبا من شدة التعب نمت زي ما انا من غير ما أغير لبسي، فوقت كالعادة على صوت المنبه، قومت بسرعة عشان استلم اول يوم شغل ليا في الأصلاحية..
بعد وصولي مريت على العنابر اللي كانت تقريبا شبه الحلم اللي شوفته، لحد ما وقعت عيني على عنبر حور، كانت بنفس قعدتها وبنفس حالة الصمت، راقبت حركتها عن بُعد بس فضلت أول جلسة معاها تكون كمان يومين..
استمر الحال في مراقبتها يومين كنت في المدة دي قريت الملف الخاص بيها، طلبت من السجانة تجبهالي المكتب، عدت دقايق وكانت السجانة معاها حور، بدأت معاها الكلام:
-ليه قتلتي أبوكي ياحور؟
بصت لي وماردتش، قدمت لها كوباية عصير وحاولت في كلامي انها تكون مرتاحة وحاسة بأمان أكتر، رجعت كررت سؤالي، اتكلمت بصوت مسموع بالعافية:
-مش انا، دي هي.
-هي مين؟
ردت بكلمات منفصلة:
-بابا، السرير، دم كتير، موت.
مدت ايدها ناحية المكتب وخبطت عليها تلات خبطات، ورجعت كملت كلامها:
-هي.. الموت، عاوزه ارجع هناك.
-تقصدي فين؟.. ترجعي فين؟
ميلت براسها ناحية الأرض وسكتت، فاكررت سؤالي مافيش رد، فاجتلي فكرة القلم والورقة يمكن من خلالهم تكتب او تعبر عن أي حاجة بتجول في خاطرها، فعلا.. قدمت لها ورقه وقلم، مدت أيدها اللي كانت بتترعش، وكتبت” هي، الموت، البيت، انا بشوفها”..
عقلي وقف من كتر التفكير، مش فاهم ولا قادر أحل الألغاز اللي بتتقال وتتكتب، سألتها :
-حزنك على فراق أمك وخالتك هو السبب في قتله؟
رجعت تمسك القلم وايدها بتترعش كتبت”امي بتكدب، ما قتلتش دي هي”..
خدت من ايدها القلم والورقة، والحل الوحيد لازم استعين بهاشم، يشوف اللي مكتوب يمكن نلاقي حل، خاصة بعد ما كتبت حور”امي بتكدب”.. طلبت من السجانة ترجعها العنبر، وهي خارجه بصت لي بنظرة غريبه، نظرتها كانت معبرة كأنها عاوزه تقول حاجة بس مش فاهم..
اتصلت بهاشم وطلبت حضوره، بعد نص ساعة وصل هاشم، اتناقشنا في اللي حصل مع حور، وكان الحل الوحيد انه ياخد أذن من النيابة وياخد حور البيت، مع انها بالنسبالي انا مجازفة مع حالة حور، بس كان لازم ده يحصل..
تاني يوم روحنا مع قوة من قسم الشرطة لمكان الحادث، بمجرد دخولنا الشقة جريت حور ناحية الأوضة، اتملكتها قوة غريبه خلتها تسحب السرير من مكانه، شاور هاشم للعساكر يساعدوها عشان نفهم ايه سبب اللي بتعمله، كان فيه شوال موجود في اخر زاوية تحت السرير، ريحته كانت بشعة.. فتحنا الشوال لاقينا جواه جثة متحلله وواضح انها لواحدة ست او بنت!..
صرخت حور بصوت عالي، وفضلت تنده على خالتها”فرح”.. بعت هاشم جاب ام حور، بعد ما شافت جثة اختها بكت وقالت:
-اكيد هو اللي قتلها منه لله، انا كنت عارفة انه عينه منها، طول الوقت كنت بشوفه يبص لها بنظرات وسخة، وأكدب نفسي وعيني لحد ما اشتكت لي منه، انه حاول في غيابي يقرب منها ويلمسها، وده السبب اللي خلاه رفض جوازها، بس ماكنش يخطر على بالي ان اختفاءها بسبب قتلها، ولما كنت اشم ريحة عفونه، كان يزعقلي ان ده بسبب دخان الحشيش والمخدرات.
سكتت ام حور وفضلت تعيط، كملت كلامها حور وهي بتهته:
-شوفته وهو داخل الأوضة، كان دايخ ومش شايف خطوته، قرب من فرح اللي زقته بأيدها فاوقع على الأرض، بس رجع قرب وكتم صوتها بأيدها وقطع لها هدومها، وعمل حاجات مااقدرش اقولها، بعد كده ضربها لحد ما سكتت، خرج من الأوضة ورجع في أيده سكينه ودبحها، لم جسمها في الملاية وحطها في شوال وسابه تحت السرير..
بس هي لسه موجوده كل يوم بشوفها وهي غرقانه دم، لحد اليوم اللي جه ودخل أوضتي، مش فاكرة ايه اللي حصل بعد كده، لحد ما فوقت تاني يوم جنب جثته وهو مدبوح..
الصمت حل بالمكان، ما احدش كان مستوعب اللي حصل، يعني حور عاوز توصلنا ان اللي قتل أبوها شبح “فرح”!.. بس مافيش قانون بيحاكم أشباح..
عدا شهور اتحولت فيهم حور لمصحة نفسية، ورجعت الأمور زي المعتاد، بس ما كنش خارج من بالي سر الخبطات اللي كنت سمعتهم وكررتهم حور، افتكرت الكتاب، مسكته و قلبت في صفحاته قريت”اعتقدت بعض قبائل الهنود الحمر ان قرع الطبول ثلاث مرات من العدم، دليل على نذير شؤم، ان احداً سوف يموت بعد 3 ساعات أو ايام أو شهور، أو انه قد مات بالفعل”..
قفلت الكتاب فكرت للحظات، طيب اللي قريته خرافة قديمة، فاهل من الممكن انها تكون متوارثه؟.. فعلا ممكن الموت يكون له علامات؟.. ولا دي مجرد أوهام بيخلقها الأنسان في حلمه ورا الخلود..